أسباب النزول ت الحميدان سُورَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} الْآيَةَ {29} .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَلِيِّ بْنِ عِمْرَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ
بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ
الْقَاسِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ. قَالَ:
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى الضَّرِيرُ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ الْجُهَنِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ غُلَامٌ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي تَسْأَلُكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ:
"مَا عِنْدَنَا الْيَوْمَ شَيْءٌ"، قَالَ: فَتَقُولُ لَكَ
اكْسُنِي قَمِيصَكَ، قَالَ: فَخَلَعَ قَمِيصَهُ فَدَفَعَهُ
إِلَيْهِ وَجَلَسَ فِي الْبَيْتِ حَاسِرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً
إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} الْآيَةَ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا فِيمَا
بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَتَاهُ صَبِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تَسْتَكْسِيكَ دِرْعًا وَلَمْ يَكُنْ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إِلَّا قَمِيصُهُ، فَقَالَ لِلصَّبِيِّ: "مِنْ سَاعَةٍ إِلَى
سَاعَةٍ يَظْهَرُ كَذَا، فَعُدْ إِلَيْنَا وَقْتًا آخَرَ"،
فَعَادَ إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ قُلْ لَهُ: أُمِّي
تَسْتَكْسِيكَ الْقَمِيصَ الَّذِي عَلَيْكَ، فَدَخَلَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَارَهُ وَنَزَعَ
قَمِيصَهُ وَأَعْطَاهُ، وَقَعَدَ
_________
(1) - إسناده ضعيف بسبب سليمان الجهني (ميزان الاعتدال: 2/209
- رقم: 3470) وقيس بن الربيع (تقريب التهذيب: 2/128 - رقم:
139) ومعناه غريب كذلك.
(1/287)
عُرْيَانًا، فَأَذَّنَ بلال للصلاة
فانتظروه فَلَمْ يَخْرُجْ، فَشَغَلَ قُلُوبَ الصَّحَابَةِ،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَرَآهُ عُرْيَانًا، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا
الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} {53} .
نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ شَتَمَهُ، فَأَمَرَهُ
اللَّهُ تَعَالَى
بِالْعَفْوِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ
يُؤْذُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ
بِالْآيَاتِ} الْآيَةَ {59} .
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ
جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ
عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
إِيَاسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ الصَّفَا ذَهَبًا وَأَنْ
يُنَحِّيَ عَنْهُمُ الْجِبَالَ فَيَزْرَعُونَ، فَقِيلَ لَهُ:
إِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْتَأْنِيَ بِهِمْ لَعَلَّنَا نَجْتَبِي
مِنْهُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْتِيَهُمُ الَّذِي سَأَلُوا،
فَإِنْ كَفَرُوا أُهْلِكُوا كَمَا أُهْلِكَ مَنْ قَبْلَهُمْ،
قَالَ: "لَا، بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -
عَزَّ وَجَلَّ - {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ
إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} .
وَرَوَيْنَا قَوْلَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي سَبَبِ
نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّ
قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ}
(2) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} الْآيَةَ {60} .
أَخْبَرَنَا
_________
(1) - أخرجه الإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/193 - ج: 327)
وابن جرير (15/74) والحاكم (المستدرك: 2/362) والنسائي والبزار
والطبراني وابن المنذر وابن مردويه والضياء (فتح القدير:
3/239) والبيهفي في "الدلائل" (2/271) من طريق جعفر بن إياس
به. وإسناده صحيح، صححه الهيثمي (مجمع الزوائد: 7/50) .
(2) - فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (15/78) من طريق العوفي عن ابن عباس نحوه،
وإسناده ضعيف كما تعلم.
(1/288)
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَحْمَدَ الْوَاعِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد بن محمد الفقيه
قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ
حُنَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ
تَعَالَى الزَّقُّومَ فِي الْقُرْآنِ خَوَّفَ بِهِ هَذَا
الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ تَدْرُونَ
مَا هَذَا الزَّقُّومُ الَّذِي يُخَوِّفُكُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ؟
قَالُوا: لَا، قَالَ: الثَّرِيدُ بِالزُّبْدِ، أَمَا وَاللَّهِ
لَئِنْ أَمْكَنَنَا مِنْهُ لَنَتَزَقَّمَنَّهُ تَزَقُّمًا،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} يَقُولُ: الْمَذْمُومَةَ
{وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا
كَبِيرًا}
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الْآيَةَ {73} .
قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي وَفْدِ
ثَقِيفٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَسَأَلُوهُ شَطَطًا وَقَالُوا: مَتِّعْنَا
بِاللَّاتِ سَنَةً وَحَرِّمْ وَادِيَنَا كَمَا حَرَّمْتَ
مَكَّةَ شَجَرَهَا وَطَيْرَهَا وَوَحْشَهَا، وَأَكْثَرُوا فِي
الْمَسْأَلَةِ فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُجِبْهُمْ، فَأَقْبَلُوا
يُكْثِرُونَ مَسْأَلَتَهُمْ وَقَالُوا: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ
تَعْرِفَ الْعَرَبُ فَضْلَنَا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَرِهْتَ مَا
نَقُولُ وَخَشِيتَ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ أَعْطَيْتَهُمْ مَا
لَمْ تُعْطِنَا فَقُلِ: اللَّهُ أَمَرَنِي بِذَلِكَ،
فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عَنْهُمْ وَدَاخَلَهُمُ الطَّمَعُ، فَصَاحَ عَلَيْهِمْ
عُمَرُ: أَمَا تَرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْسَكَ عَنْ جَوَابِكُمْ كَرَاهِيَةً
لِمَا تَجِيئُونَ بِهِ؟ وَقَدْ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَكُفُّ
عَنْكَ إِلَّا بِأَنْ تُلِمَّ بِآلِهَتِنَا وَلَوْ بِطَرْفِ
أَصَابِعِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - "مَا عَلَيَّ لَوْ فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (15/88) من طريق العوفي عن ابن عباس
بمعناه مختصرًا وإسناده ضعيف.
(1/289)
أَنِّي كَارِهٌ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إِلَى قَوْلِهِ {نَصِيرًا}
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا خَلَوْا
بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ
لَيْلَةٍ إِلَى الصُّبْحِ يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ
وَيُسَوِّدُونَهُ وَيُقَارِبُونَهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ
تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ،
وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَمَا زَالُوا بِهِ
حَتَّى كَادَ يُقَارِبُهُمْ فِي بَعْضِ مَا يُرِيدُونَ، ثُمَّ
عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ
الْأَرْضِ} الْآيَةَ {76} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَسَدَتِ الْيَهُودُ مَقَامَ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ،
فَقَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِنَّمَا بُعِثُوا
بِالشَّامِ، فَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَالْحَقْ بِهَا فَإِنَّكَ
إِنْ خَرَجْتَ إِلَيْهَا صَدَّقْنَاكَ وَآمَنَّا بِكَ،
فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ لِمَا يُحِبُّ مِنْ
إِسْلَامِهِمْ، فَرَحَلَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَرْحَلَةٍ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(1) - وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ: إِنَّ
الْيَهُودَ أَتَوْا نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا أَنَّكَ نَبِيُّ
اللَّهِ فَالْحَقْ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ
الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ، فَصَدَّقَ
مَا قَالُوا وَغَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ
إِلَّا الشَّامَ، فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ أَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ}
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: هَمَّ أَهْلُ
مَكَّةَ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
بِالْخُرُوجِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ إِخْبَارًا
عَمَّا هَمُّوا بِهِ.
_________
(1) - أخرجه ابن أبي حاتم وابن عساكر (فتح القدير: 3/249)
والبيهقي في "الدلائل" (5/254) عنه به، قال الحافظ ابن كثير:
"وفي هذا الإسناد نظر، والأظهر أن هذا ليس بصحيح، فإن النبي
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يغز تبوك عن قول اليهود،
وإنما غزاها امتثالا لقوله تعالى: (قاتلوا الذين يلونكم من
الكفار) وغزاها ليقتص وينتقم من قتل أهل مؤتة من أصحابه"
(تفسير ابن كثير: 3/53) وقال أيضا: "وهذا القول ضعيف؛ لأن هذا
الآية مكية، وسكنى المدينة كان بعد ذلك" (المصدر السابق) .
(1/290)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الْآيَةَ {80} .
قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لَمَّا أَرَادُوا
أَنْ يُوثِقُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَيُخْرِجُوهُ مِنْ مَكَّةَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى
بَقَاءَ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَخْرُجَ
مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
{وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي
مُخْرَجَ صِدْقٍ}
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}
الْآيَةَ {85} .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْعَبَّاسِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو لَبِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ، عَنْ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
إِنِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ،
فَمَرَّ بِنَا نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ
الرُّوحِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ
فَيَسْتَقْبِلَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ؛ فَأَتَاهُ نَفَرٌ
مِنْهُمْ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا تَقُولُ
فِي الرُّوحِ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قَامَ، فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ
عَلَى جَبْهَتِهِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
جَمِيعًا عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ الْأَعْمَشِ.
(2) - وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتْ
قُرَيْشٌ لِلْيَهُودِ: اعْطُونَا شَيْئًا نَسْأَلُ عَنْهُ
هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالُوا: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ،
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 18/401 - ح: 4721) ومسلم
(4/2152 - ح: 2794) والإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/196 - ح:
333) والترمذي (5/304 - ح: 3141) والنسائي (الفتح الرباني:
18/197) وابن جرير (15/104) وابن مردويه وابن حبان (فتح
الباري: 8/401) وأبو نعيم في "الدلائل" (2/126) وابن أبي عاصم
في "السنة" (1/263 - ح: 592) كلهم من طريق إبراهيم عن علقمة
به.
(2) - أخرجه الإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/196 - ح: 332)
والترمذي (5/304 - ح: 3140) والنسائي وابن المنذر وابن حبان
وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم (فتح
القدير: 3/256) والبيهقي (دلائل النبوة: 2/610) وأبو يعلى
(مسند أبي يعلى: 4/381 - ح: 2501) وابن أبي عاصم في "السنة"
(1/264 - ح: 595) كلهم من طريق داود عن عكرمة عن ابن عباس به.
وإسناده صحيح، صححه الحاكم والترمذي، وقال الحافظ ابن حجر:
رجاله رجال مسلم (فتح الباري: 8/401) .
(1/291)
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ الْيَهُودَ
اجْتَمَعُوا فَقَالُوا لِقُرَيْشٍ حِينَ سَأَلُوهُمْ عَنْ
شَأْنِ مُحَمَّدٍ وَحَالِهِ سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الرُّوحِ،
وَعَنْ فِتْيَةٍ فُقِدُوا فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ، وَعَنْ
رَجُلٍ بَلَغَ شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا، فَإِنْ أَجَابَ
فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ
فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ أَجَابَ فِي
بَعْضِ ذَلِكَ وَأَمْسَكَ عَنْ بَعْضِهِ فَهُوَ نَبِيٌّ
فَسَأَلُوهُ عَنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: فِي شَأْنِ
الْفِتْيَةِ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} إِلَى
آخِرِ الْقِصَّةِ وَأَنْزَلَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي بَلَغَ
شَرْقَ الْأَرْضِ وَغَرْبَهَا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي
الْقَرْنَيْنِ} إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. وَأَنْزَلَ فِي
الرُّوحِ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى
تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الْآيَةَ {90} .
رَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُتْبَةَ
وَشَيْبَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ
وَأَبَا الْبَخْتَرِيِّ وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ
وَأَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ
وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَرُؤَسَاءَ قريش اجتمعوا على ظَهْرِ
الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ابْعَثُوا إِلَى
مُحَمَّدٍ وَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حتى تعذروا به،
فَبَعَثُوا إِلَيْهِ إِنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ
اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَجَاءَهُمْ سَرِيعًا وَهُوَ
يَظُنُّ أَنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أَمْرِهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ
عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزُّ عَلَيْهِ
تَعَنُّتُهُمْ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا
مُحَمَّدُ إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنَ
الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى
قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ وَعِبْتَ الدِّينَ
وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ وَفَرَّقْتَ
الْجَمَاعَةَ، وَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إِلَّا وَقَدْ
جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا
جِئْتَ بِهَذَا لِتَطْلُبَ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ
أَمْوَالِنَا مَا تَكُونُ
(1/292)
بِهِ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ
إِنَّمَا تَطْلُبُ الشَّرَفَ فِينَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا،
وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ
كَانَ هَذَا الرِّئْيُّ الذي يأتيك نراه قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ،
وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنَ الْجِنِّ الرِّئْيَّ
بَذَلْنَا أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى
نُبْرِئَكَ مِنْهُ أَوْ نُعْذَرَ فِيكَ، فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا بِي مَا
تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ لِطَلَبِ
أَمْوَالِكُمْ وَلَا لِلشَّرَفِ فِيكُمْ وَلَا الْمُلْكِ
عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعَثَنِي
إِلَيْكُمْ رَسُولًا وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا وَأَمَرَنِي
أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ
رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي
مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ
عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ"، قَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتَ
غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ عَلِمْتَ
أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَضْيَقَ بِلَادًا وَلَا أَقَلَّ مَالًا
وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، سَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي
بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ
الْجِبَالَ الَّتِي ضُيِّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطْ لنا
بلادنا ويجري فِيهَا أَنْهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ
وَالْعِرَاقِ، وَأَنْ يَبْعَثَ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ
آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ مِمَّنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ
قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا صَدُوقًا،
فَنَسْأَلُهُمْ عَمَّا تَقُولُ أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟،
فَإِنْ صَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ صَدَّقْنَاكَ وَعَرَفْنَا
بِهِ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا
كَمَا تَقُولُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إِنَّمَا
جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، بِمَا بَعَثَنِي
بِهِ، فَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ،
فَإِنْ تَقْبَلُوا فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ"،
قَالُوا: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذَا فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ
يَبْعَثَ لَنَا مَلَكًا يصدقك، وسله فيجعل لَكَ جِنَانًا
وَكُنُوزًا وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَيُغْنِيكَ
بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ فِي
الْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا
نَلْتَمِسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا أَنَا بِفَاعِلٍ وَمَا أَنَا
بِالَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا وَمَا بُعِثْتُ بِهَذَا
إِلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي بَشِيرًا
وَنَذِيرًا" قَالُوا: فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ
السَّمَاءِ كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
"ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ"، فَقَالَ قَائِلٌ
مِنْهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ
(1/293)
وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا، وَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، وَهُوَ ابْنُ
عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنُ عَمَّةِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أُؤْمِنُ
بِكَ أَبَدًا حَتَّى تَتَّخِذَ إِلَى السَّمَاءِ سُلَّمًا
وَتَرْقَى فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى تَأْتِيَهَا،
وَتَأْتِيَ بِنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ مَعَكَ وَنَفَرٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَكَ أَنَّكَ كَمَا تَقُولُ،
فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِلَى أهله حزينًا يبما فَاتَهُ مِنْ مُتَابَعَةِ
قَوْمِهِ، وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ مِنْهُ؛
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ
حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الْآيَاتِ.
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ قَوْلُهُ:
{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ
يَنْبُوعًا} أُنْزِلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
أُمَيَّةَ؟ قَالَ: زَعَمُوا ذَلِكَ.
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا
الرَّحْمَنَ} الْآيَةَ {110} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَهَجَّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ بِمَكَّةَ،
فَجَعَلَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ،
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يَدْعُو إِلَهًا
وَاحِدًا فَهُوَ الْآنَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ: اللَّهَ
وَالرَّحْمَنَ، مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا رَحْمَنَ
الْيَمَامَةِ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْتُبُ فِي أَوَّلِ مَا
يُوحَى إِلَيْهِ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (2) فَكَتَبَ: بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: هَذَا
الرَّحِيمُ نَعْرِفُهُ، فَمَا الرَّحْمَنُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (15/121) عن ابن عباس بإسناد ضعيف إلى
قوله: يدعو إلهين اثنين.
(2) سورة النمل الآية 30.
(1/294)
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَالَ أَهْلُ
الْكِتَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِنَّكَ لَتُقِلُّ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ وَقَدْ
أَكْثَرَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ هَذَا الِاسْمَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
(1) - قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ
وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} الْآيَةَ {110} .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا وَالِدِي
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ وَأَحْمَدُ
بْنُ مَنِيعٍ قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ
وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ
وَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ سَبُّوا الْقُرْآنَ
وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ
وَجَلَّ - لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي بقراءتكم فَيَسْمَعَ
الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلَا تُخَافِتْ
بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا يَسْمَعُونَ {وَابْتَغِ بَيْنَ
ذَلِكَ سَبِيلًا} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ،
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ كِلَاهُمَا عَنْ
هُشَيْمٍ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِي التَّشَهُّدِ، كَانَ الْأَعْرَابِيُّ يَجْهَرُ
فَيَقُولُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ
وَالطَّيِّبَاتُ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: كَانَ أَعْرَابٌ مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ إِذَا سَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَلَاتِهِ قَالُوا: اللَّهُمَّ
ارْزُقْنَا مَالًا وَوَلَدًا وَيَجْهَرُونَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 13/463 - ح: 749، 8/404 - ح:
4722) ومسلم (1/329 - ح: 446) والإمام أحمد (الفتح الرباني:
18/198 - ح: 335) والترمذي (5/306، 307 - ح: 3145، 3146) وابن
جرير (15/124) والطبراني (المعجم الكبير: 12/55 - ح: 12454)
والنسائي وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه
والبيهقي (حاشية جامع الأصول: 2/219) من طريق أبي بشرعن سعيد
به.
(1/295)
(1) - أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ
الْفَقِيهُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُبَشِّرٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مِهْرَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيِّ،
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَجْهَرْ
بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} قَالَتْ: إِنَّهَا
نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ.
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/405 - ح: 4723) ومسلم
(1/329 - ح: 447) وابن جرير (15/122) وسعيد بن منصور وابن أبي
شيبة وأبو داود في ناسخه والنحاس وابن نصر وابن مردويه
والبيهقي (حاشية جامع الأصول: 2/219) عن عائشة رضي الله عنها
به.
(1/296)
|