أسباب النزول ت الحميدان

سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} {101} .
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَاوَرْدِيُّ قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ نُوحٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو رُزَيْنٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آيَةٌ لَا يَسْأَلُنِي النَّاسُ عَنْهَا، لَا أَدْرِي أَعَرَفُوهَا فَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهَا، أَوْ جَهِلُوهَا فَلَا يَسْأَلُونَ عَنْهَا؟ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (2) شَقَّ عَلَى قريش، فقالوا: أيشتم آلِهَتَنَا؟ فَجَاءَ ابْنُ الزِّبَعْرَى فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا يَشْتُمُ آلِهَتَنَا، قَالَ: فَمَا قَالَ؟ قَالُوا: قَالَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ: ادْعُوهُ لِي، فَلَمَّا دُعِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا شَيْءٌ لِآلِهَتِنَا خَاصَّةً أَوْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: خُصِمْتَ وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ - يَعْنِي
_________
(1) - أخرجه الطبراني (المعجم الكبير: 12/153 - ح: 12739) وإسناده حسن، ويشهد له:
* ما أخرجه الحاكم (المستدرك: 2/385) والفريابي وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه (فتح القدير: 3/ 431) عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه, وإسناده صحيح.
(2) سورة الأنبياء الآية 98.

(1/305)


الْكَعْبَةَ - أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ، قَالَ: "بَلَى"، قَالَ: فَهَذِهِ بَنُو مَلِيحٍ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَهَذِهِ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذِهِ الْيَهُودُ يَعْبُدُونَ عُزَيْرًا، قَالَ: فَصَاحَ أَهْلُ مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} الْمَلَائِكَةُ
وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} .

(1/306)


سُورَةُ الْحَجِّ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الْآيَةَ {11} .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ فِي أَعْرَابٍ كَانُوا يَقْدَمُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ مُهَاجِرِينَ مِنْ بَادِيَتِهِمْ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِنْ صَحَّ بِهَا جِسْمُهُ وَنُتِجَتْ فَرَسُهُ مُهْرًا حَسَنًا وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا وَكَثُرَ ماله وما شيته رَضِيَ عَنْهُ وَاطْمَأَنَّ، وَقَالَ: مَا أَصَبْتُ مُنْذُ دَخَلْتُ فِي دِينِي هَذَا إِلَّا خَيْرًا، وَإِنْ أَصَابَهُ وَجَعُ الْمَدِينَةِ وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ جَارِيَةً وَأُجْهِضَتْ رِمَاكُهُ وَذَهَبَ مَالُهُ وَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ الصَّدَقَةُ، أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَصَبْتَ مُنْذُ كُنْتَ عَلَى دِينِكَ هَذَا إِلَّا شَرًّا، فَيَنْقَلِبُ عَلَى دِينِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الْآيَةَ.
(2) - وَرَوَى عَطِيَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَسْلَمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَمَالُهُ وَوَلَدُهُ وَتَشَاءَمَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَقِلْنِي، فَقَالَ: "إِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُقَالُ"، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُصِبْ فِي دِينِي هَذَا خَيْرًا، أَذْهَبَ بَصَرِي وَمَالِي وَوَلَدِي، فَقَالَ: "يَا يَهُودِيُّ إِنَّ الْإِسْلَامَ يَسْبِكُ الرِّجَالَ كَمَا تَسْبِكُ النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ"، قَالَ: وَنَزَلَتْ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
_________
(1) - أخرج معناه البخاري (فتح الباري: 8/ 442 - ح: 4742) وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن أبي حاتم (فتح الباري: 8/ 443) وابن مردويه (فتح القدير: 3/ 442) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(2) - أخرجه ابن مردويه (فتح القدير: 3/ 442) (فتح الباري: 8/ 443) عنه, وإسناده ضعيف.

(1/307)


يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ}
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الْآيَةَ {19} .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَنَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} فِي هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ: حَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ.
(2) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قيس عن عُبَادٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَفِي مُبَارَزَتِنَا يَوْمَ بَدْرٍ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} إِلَى قَوْلِهِ {الْحَرِيقِ}
(3) - قال ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: نَحْنُ أولى بالله معكم وَأَقْدَمُ مِنْكُمْ كُتُبًا وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِاللَّهِ، آمَنَّا بمحمد عليه الصلاة والسلام وَآمَنَّا بِنَبِيِّكُمْ وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ، فَأَنْتُمْ
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/ 443 - ح: 4743) ومسلم (4/2323 - ح: 3033, وهو آخر حديث في صحيحه) وابن جرير (17/99) والطبراني (المعجم الكبير: 3/164 - ح: 2953) والبيهقي في "الدلائل" (3/72) من طريق أبي مجلزعن قيس عن أبي ذر رضي الله عنه به, ويشهد له: الرواية الآتية.
(2) - أخرجه الحاكم (المستدرك: 2/386) والنسائي وعبد بن حميد وأبو نعيم (فتح الباري: 8/ 444) والبيهقي في "الدلائل" (3/73) من طريق أبي مجلز عن قيس عن عليّ رضي الله عنه به, وإسناده صحيح.
(3) - أخرجه ابن جرير (17/99) عن ابن عباس من طريق العوفي, وإسناده ضعيف.

(1/308)


تَعْرِفُونَ نَبِيَّنَا ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُ وَكَفَرْتُمْ بِهِ حَسَدًا، وَكَانَتْ هَذِهِ خُصُومَتَهُمْ فِي رَبِّهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الْآيَةَ {39} .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ يُؤْذُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَزَالُونَ يَجِيئُونَ مِنْ بين مضروب ومجشوج، فَشَكَوْهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ لَهُمْ: "اصْبِرُوا فإني لم أؤمر بِالْقِتَالِ" حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أُخْرِجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَنَهْلَكَنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الْآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَكُونُ قِتَالٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} {52} .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَلِّيَ قَوْمِهِ عَنْهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ، تَمَنَّى فِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُقَارِبُ بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ لِحِرْصِهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ، فَجَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي نَادٍ مِنْ أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ كَثِيرٍ أَهْلُهُ، وَأَحَبَّ يَوْمَئِذٍ أَنْ لَا يَأْتِيَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ يَنْفِرُونَ عَنْهُ، وَتَمَنَّى ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى سُورَةَ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَلَغَ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (1) أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ لِمَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ وتمناه، تلك الغزانيق الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى، فَلَمَّا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ فَرِحُوا، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قراءته فقرأ السوة كُلَّهَا، وَسَجَدَ فِي آخِرِ السُّورَةِ فَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ بِسُجُودِهِ وَسَجَدَ جَمِيعُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ إِلَّا سَجَدَ، إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأَبَا أُحَيْحَةَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، فَإِنَّهُمَا أَخَذَا حَفْنَةً مِنَ الْبَطْحَاءِ وَرَفَعَاهَا إِلَى جَبْهَتِهِمَا
وَسَجَدَا عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمَا كَانَا
_________
(1) سورة النجم: الآية 19، 20.

(1/309)


شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَلَمْ يَسْتَطِيعَا السُّجُودَ، وَتَفَرَّقَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ سَرَّهُمْ مَا سَمِعُوا وَقَالُوا: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ لَكِنَّ آلِهَتَنَا هَذِهِ تَشْفَعُ لَنَا عِنْدَهُ، فَإِنْ جَعَلَ لَهَا مُحَمَّدٌ نَصِيبًا فَنَحْنُ مَعَهُ، فَلَمَّا أَمْسَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ؟ تَلَوْتَ عَلَى النَّاسِ مَا لَمْ آتِكَ بِهِ عَنِ الله سبحانه وتعالى، وَقُلْتَ مَا لَمْ أَقُلْ لَكَ! فَحَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُزْنًا شَدِيدًا وَخَافَ مِنَ اللَّهِ خَوْفًا كَبِيرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: نَدِمَ محمد عليه الصلاة والسلام عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ مَنْزِلَةِ آلِهَتِنَا عِنْدَ اللَّهِ. فَازْدَادُوا شَرًّا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
(1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى الرَّازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَهْلٌ الْعَسْكَرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {أَفَرَأَيْتُمُ
_________
(1) - أخرجه ابن جرير (17/133) وابن المنذر وابن أبي حاتم (فتح القدير: 3/ 463) من طريق عثمان عن سعيد به, وهو مرسل صحيح الإسناد, ويشهد له:
1 - ما أخرجه الطبراني (المعجم الكبيرة 12/53 - ح: 1245) والبزار وابن مردويه والضياء (فتح القدير: 3/ 463) عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه, وصححه الهيثمي (مجمع الزوائد: 7/115) .
2 - ما أخرجه ابن جرير (17/132) عن أبي العالية مرسلاً بإسناد صحيح نحوه.
3 - ما أخرجه الطبراني (المعجم الكبير: 9/21 - ح: 8316) عن عروة بن الزبير مرسلاً بمعناه, وضعفه الهيثمي (مجمع الزوائد: 7/70 - 72) .
4 - ما أخرجه ابن جرير (17/131) عن محمد بن كعب مرسلاً مطوّلاً بمعناه, وإسناده ضعيف.
قال الحافظ ابن كثير: "ولم أرها مسندة من وجه صحيح" (تفسير ابن كثير: 3/229) ووافقه الشوكاني (فتح القدير: 3/ 462) إلا أن الحافظ ابن حجر قال: كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا (لباب النقول: 150) .
قلت: وهو كذلك, إلا أنها وإن ثبتت نقلاً, فهي باطلة عقلاً وشاذة متنًا, لأنها قدح في الرسالة, وانظر للمزيد (نصب المجانيق للألباني, حياة محمد لمحمد حسين هيكل) .

(1/310)


اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} (1) فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: تِلْكَ الْغَرَانِيقَ الْعُلَى وإن شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى، فَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا قَدْ ذَكَرَ آلِهَتَنَا، فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيَّ
كَلَامَ اللَّهِ، فَلَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَلَمْ آتِكَ بِهِ هَذَا مِنَ الشَّيْطَانِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} .
_________
(1) سورة النجم الآية 19، 20.

(1/311)