أسباب النزول ت الحميدان سُورَةُ الْفُرْقَانِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ
جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} الْآيَةَ {10} .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي
الْفُرَاتِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ يَعْقُوبَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ حُمَيْدِ بْنِ فرقد قال: أخبرنا إِسْحَاقُ بْنُ بشر قال:
أخبرنا جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: لَمَّا عَيَّرَ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَاقَةِ وَقَالُوا:
{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي
الْأَسْوَاقِ} حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ
عِنْدِ رَبِّهِ مُعَزِّيًا لَهُ، فَقَالَ: "السَّلَامُ
عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَبُّ الْعِزَّةِ يُقْرِئُكَ
السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ
وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} " أَيْ: يَبْتَغُونَ الْمَعَاشَ
فِي الدُّنْيَا قَالَ: فَبَيْنَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَتَحَدَّثَانِ إِذْ ذَابَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْهُرْدَةِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا الْهُرْدَةُ؟ قَالَ: "الْعَدَسَةُ"، فَقَالَ رسول الله -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مالك ذُبْتَ حَتَّى صِرْتَ
مِثْلَ الْهُرْدَةِ" قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ فُتِحَ بَابٌ مِنْ
أَبْوَابِ السَّمَاءِ وَلَمْ يَكُنْ فُتِحَ قَبْلَ ذَلِكَ
الْيَوْمِ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُعَذَّبَ قَوْمُكَ عِنْدَ
تَعْيِيرِهِمْ إياك بالفاقة"، وأقبل النَّبِيُّ وَجِبْرِيلُ
عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَبْكِيَانِ، إِذْ عَادَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى حَالِهِ، فَقَالَ: "أَبْشِرْ يَا
مُحَمَّدُ هَذَا رِضْوَانُ خَازِنُ الْجَنَّةِ قَدْ أَتَاكَ
بِالرِّضَا مِنْ رَبِّكَ"، فَأَقْبَلَ رِضْوَانُ حَتَّى
سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: "يَا مُحَمَّدُ: رَبُّ
_________
(1) - ضعيف جدًّا, لضعف جويبر, وانقطاع السند بين ابن عباس
والضحاك.
(1/332)
الْعِزَّةِ يُقْرِئُكَ السلام" - ومعه سقط
مِنْ نُورٍ يَتَلَأْلَأُ - "وَيَقُولُ لك ربك: هذا مَفَاتِيحُ
خَزَائِنِ الدُّنْيَا مَعَ مَا لَا يَنْتَقِصُ لَكَ مِمَّا
عِنْدِي فِي الْآخِرَةِ مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ" فَنَظَرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ،
فَضَرَبَ جِبْرِيلُ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ فَقَالَ:
"تَوَاضَعْ لِلَّهِ"، فَقَالَ: "يَا رِضْوَانُ لَا حَاجَةَ لِي
فِيهَا، الْفَقْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَأَنْ أَكُونَ عَبْدًا
صَابِرًا شَكُورًا"، فَقَالَ رِضْوَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
"أَصَبْتَ أَصَابَ اللَّهُ بِكَ"، وَجَاءَ نِدَاءٌ مِنَ
السَّمَاءِ فَرَفَعَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأْسَهُ،
فَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا إِلَى
الْعَرْشِ، وَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ
أَنْ تُدَلِّيَ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَلَيْهِ عِذْقٌ
عَلَيْهِ غُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ لَهَا
سَبْعُونَ أَلْفَ بَابٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فَقَالَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ
بَصَرَكَ"، فَرَفَعَ فَرَأَى مَنَازِلَ الْأَنْبِيَاءِ
وَغُرَفَهُمْ، فَإِذَا مَنَازِلُهُ فَوْقَ مَنَازِلِ
الْأَنْبِيَاءِ فَضْلًا لَهُ خَاصَّةً، وَمُنَادٍ يُنَادِي:
"أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ " فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "رَضِيتُ، فَاجْعَلْ مَا أَرَدْتَ
أَنْ تُعْطِيَنِي فِي الدُّنْيَا ذَخِيرَةً عِنْدَكَ فِي
الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَيُرْوَى أَنَّ هَذِهِ
الْآيَةَ أَنْزَلَهَا رِضْوَانُ: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ
شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا}
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى
يَدَيْهِ} الْآيَةَ {27} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ:
كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَحْضُرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُجَالِسُهُ وَيَسْتَمِعُ إِلَى
كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ، فَزَجَرَهُ
عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَنْ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَكَانَ عُقْبَةُ خَلِيلًا لِأُمَيَّةَ
بْنِ خَلَفٍ، فَأَسْلَمَ عُقْبَةُ، فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَجْهِي
مِنْ وَجْهِكَ حَرَامٌ إِنْ تابعت محمدًا عليه الصلاة والسلام،
وَكَفَرَ وَارْتَدَّ لِرِضَا أُمَيَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
_________
(1) - عطاء ضعيف.
(1/333)
(1) - وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ أُبَيَّ
بْنَ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ كَانَا
مُتَحَالِفَيْنِ، وَكَانَ عُقْبَةُ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ
إِلَّا صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا إِلَيْهِ أَشْرَافَ قَوْمِهِ،
وَكَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَاتَ يَوْمٍ
فَصَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا النَّاسَ، وَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى طَعَامِهِ،
فَلَمَّا قَرَّبَ الطَّعَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَا أَنَا بِآكِلٍ مِنْ طَعَامِكَ
حَتَّى تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالَ عُقْبَةُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَأَكَلَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
طَعَامِهِ، وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ غَائِبًا، فَلَمَّا
أُخْبِرَ بِقِصَّتِهِ قَالَ: صَبَأْتَ يَا عُقْبَةُ، فَقَالَ:
وَاللَّهِ مَا صَبَأْتُ وَلَكِنْ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ
فَأَبَى أَنْ يَطْعَمَ مِنْ طَعَامِي إِلَّا أَنْ أَشْهَدَ
لَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ يخرج من بيت وَلَمْ يَطْعَمْ،
فَشَهِدْتُ لَهُ فَطَعِمَ، فَقَالَ أُبَيٌّ: مَا أَنَا
بِالَّذِي أَرْضَى عَنْكَ أَبَدًا إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُ
فَتَبْزُقَ فِي وَجْهِهِ وَتَطَأَ عُنُقَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ
عُقْبَةُ، فَأَخَذَ رَحِمَ دَابَّةٍ فَأَلْقَاهَا بَيْنَ
كَتِفَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - "لَا أَلْقَاكَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ إِلَّا
عَلَوْتُ رَأْسَكَ بِالسَّيْفِ"، فَقُتِلَ عُقْبَةُ يَوْمَ
بَدْرٍ صَبْرًا، وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَقَتَلَهُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ
فِي الْمُبَارَزَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا
هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا بَزَقَ عُقْبَةُ فِي وَجْهِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ
بُزَاقُهُ فِي وَجْهِهِ فَتَشَعَّبَ شُعْبَتَيْنِ، فَأَحْرَقَ
خَدَّيْهِ وَكَانَ أَثَرُ ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى مَاتَ.
(2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} {68 - 70} .
إِلَى آخِرِ
_________
(1) - أخرجه ابن مردويه وأبو نعيم في "الدلائل" (الدر المنثور:
6/250) من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما به,
وصححه السيوطي.
(2) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/549 - ح: 4810) ومسلم
(1/113 - ح: 122) وأبو داود (4/ 465 - ح: 4273) والحاكم
(المستدرك: 2/ 403) وابن جرير (19/26) وابن المنذر وابن أبي
حاتم وابن مردويه والبيهقي (حاشية جامع الأصول: 2/337) من طريق
يعلى بن مسلم به, ويشهد له:
* ما أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/ 494 - ح: 4765) ومسلم
(4/2318 - ح: 23 "19") وابن جرير (19/27) عن ابن عباس بمعناه.
(1/334)
الْآيَاتِ. أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ
الثَّعَالِبِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَخْلَدِيُّ
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عيسى
قال: أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ
الزعفراني قال: أخبرنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ
نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا
فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أتوا محمدًا عليه الصلاة والسلام
فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ
لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً،
فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ} الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورًا رَحِيمًا} رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ حَجَّاجٍ.
أَخْبَرَنَا محمد بن ناصر بْنُ يَحْيَى الْمُزَكِّي قال:
أخبرنا وَالِدِي قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
الثقفي قال: أخبرنا إِبْرَاهِيمُ الْحَنْظَلِيُّ ومحمد بن صباح
قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ،
عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ
أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ
نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"، قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ:
"أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"،
قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ: "أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ
جَارِكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقًا لِذَلِكَ:
{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَا
يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ
مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى وَمُسْلِمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي
شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ.
(1) - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جعفر قال:
أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم قال: أخبرنا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إسحاق قال: أخبرنا الْحَارِثُ بْنُ الزبير
قال: أخبرنا أَبُو رَاشِدٍ مَوْلَى اللِّهْبِيِّينَ، عَنْ
_________
(1) - ضعيف بسبب عنعنة ابن جريج وهو مدلس (تقريب التهذيب:
1/520 - رقم: 1324) والانقطاع بين عطاء وابن عباس (العجاب لابن
حجر "خ": ورقة 3 ب) (تهذيب التهذيب: 7/213) ويشهد له:
* ما أخرجه الطبراني (المعجم الكبير 11/197 - ح: 11480) من
طريق أبين بن سفيان عن عطاء عن ابن عباس به, وضعفه الهيثمي
(مجمع الزوائد: 7/100) والسيوطي (لباب النقول: 185) وهو كما
قالا, لضعف أبين (ديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي: 14 - رقم:
285) والانقطاع بين عطاء وابن عباس.
(1/335)
سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَتَى وَحْشِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
أَتَيْتُكَ مُسْتَجِيرًا فَأَجِرْنِي حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ
اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - "قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاكَ عَلَى غَيْرِ
جِوَارٍ، فَأَمَّا إِذْ أَتَيْتَنِي مُسْتَجِيرًا فَأَنْتَ فِي
جِوَارِي حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ" قَالَ: فَإِنِّي
أَشْرَكْتُ بِاللَّهِ وَقَتَلْتُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ تَعَالَى وَزَنَيْتُ، هَلْ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنِّي
تَوْبَةً؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَتَّى نَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} إِلَى
آخِرِ الْآيَةِ، فَتَلَاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرَى شَرْطًا
فَلَعَلِّي لَا أَعْمَلُ صَالِحًا، أَنَا فِي جِوَارِكَ حَتَّى
أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فَدَعَا بِهِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِ،
فَقَالَ: وَلَعَلِّي مِمَّنْ لَا يَشَاءُ، أَنَا فِي جِوَارِكَ
حَتَّى أَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ. فنزلت: {قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ} (2) فَقَالَ: نَعَمْ الْآنَ لَا أَرَى
شَرْطًا فَأَسْلَمَ.
_________
(1) سورة النساء: الآية 48 و116.
(2) سورة الزمر: الآية 53.
(1/336)
سُورَةُ الْقَصَصِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(1) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ} الآية {56} .
أخبرنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الشيرازي قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خمروية قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الخزاعي قال: أخبرنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ
بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ
جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي
أُمَيَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - "يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى"، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ
وَيُعَاوِدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو
طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ: أَنَا عَلَى مِلَّةِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - "وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ
أُنْهَ عَنْكَ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {مَا
كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (2) الْآيَةَ،
وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ
_________
(1) - أخرجه البخاري (فتح الباري: 8/506 - ح: 4772) ومسلم
(1/54 - ح: 24) والإمام أحمد (الفتح الرباني: 18/165 - ح: 300)
وابن جرير (20/59) والطبراني (المعجم الكبير: 20/349 - ح: 820)
والبيهقي في "الدلائل" (2/342, 343) من طريق الزهري عن سعيد بن
المسيب عن أبيه به, ويشهد له: الرواية الآتية.
(2) سورة التوبة: الآية 113.
(1/337)
يَشَاءُ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي
الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ
حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ
الزُّهْرِيِّ.
(1) - أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشيباني قال: أخبرنا أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْحَافِظُ قَالَ: أخبرنا أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبُو حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمِّهِ: "قُلْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ"، قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ
يَقُولُونَ إِنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ
لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ
يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
حَاتِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ.
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ يَقُولُ:
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ مِقْسَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ
أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي
طَالِبٍ.
(2) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى
مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} {57} .
_________
(1) - أخرجه مسلم (1/55 - ح: 25) والإمام أحمد (الفتح الرباني:
18/227 - ح: 370) والترمذي (5/341 - ح: 3188) وابن جرير 20/58)
والبيهقي في "الدلائل" (2/344) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة
رضي الله عنه به, ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (20/59) وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما
نحوه, وإسناده جيد (لباب النقول: 165) .
(2) - أخرج النسائي (لباب النقول: 165) وابن جرير (20/60) من
طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أنها نزلت في الحارث بن نوفل وإسناده ضعيف, بسبب عنعنة ابن
جريج, ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (20/60) من طريق العوفي عن ابن عباس رضي
الله عنهما بمعناه, دون تحديد, وإسناده ضعيف.
(1/338)
نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ عُثْمَانَ
بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ
لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّا
لَنَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي تَقُولُ حَقٌّ، لَكِنْ يَمْنَعُنَا
مِنِ اتِّبَاعِكَ أن العرب تخطفنا مِنْ أَرْضِنَا
لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى خِلَافِنَا وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا
فَهُوَ لَاقِيهِ} {61} .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَارِثِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الشَّيْخِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
سليمان
قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَازِمٍ الإيلي قال: أخبرنا
بَدَلُ بْنُ المحبر قال: أخبرنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبَانَ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ
وَحَمْزَةَ وَأَبِي جَهْلٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي
عَمَّارٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ
فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي
جَهْلٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
وَيَخْتَارُ} {68} .
قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْوَلِيدِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ حِينَ قَالَ فِيمَا أَخْبَرَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ
عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (1) أَخْبَرَ
اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الرُّسُلَ
بِاخْتِيَارِهِمْ.
_________
(1) سورة الزخرف: الآية 31.
(1/339)
|