أسباب النزول ت الحميدان سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ} الْآيَتَيْنِ {1،
2} .
قَالَ الشَّعْبِيُّ نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ كَانُوا بِمَكَّةَ
قَدْ أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ
الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْكُمْ إِقْرَارٌ وَلَا
إِسْلَامٌ حَتَّى تُهَاجِرُوا، فَخَرَجُوا عَامِدِينَ إِلَى
الْمَدِينَةِ فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَآذَوْهُمْ،
فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ وَكَتَبُوا إِلَيْهِمْ
أَنْ قَدْ نَزَلَتْ فِيكُمْ آيَةُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالُوا:
نَخْرُجُ فَإِنِ اتَّبَعَنَا أَحَدٌ قَاتَلْنَاهُ، فَخَرَجُوا
فَاتَّبَعَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَقَاتَلُوهُمْ، فَمِنْهُمْ
مَنْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ نَجَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا
مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} (1) الْآيَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ
نَزَلَتْ فِي مِهْجَعٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ
أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ رَمَاهُ
عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ:
"سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ مِهْجَعٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى
إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ"، فَجَزِعَ
عَلَيْهِ أَبَوَاهُ وَامْرَأَتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا
بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ذَاتِ
اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حُسْنًا} الْآيَةَ {8} .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَتْ لَهُ
أُمُّهُ حَمْنَةُ: يَا سَعْدُ بَلَغَنِي أَنَّكَ صَبَوْتَ
فَوَاللَّهِ لَا يُظِلُّنِي سَقْفُ بَيْتٍ مِنَ الضِّحِّ
وَالرِّيحِ وَلَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى تَكْفُرَ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْجِعَ
إِلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهَا
_________
(1) سورة النحل: الآية 110.
(1/340)
إِلَيْهَا، فَأَبَى سَعْدٌ، فَصَبَرَتْ
هِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ تَأْكُلْ وَلَمْ تَشْرَبْ وَلَمْ
تَسْتَظِلَّ بِظِلٍّ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا، فَأَتَى
سَعْدٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ وَالَّتِي فِي لُقْمَانَ (1) وَالْأَحْقَافِ (2) .
(3) - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْغَازِي
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حمدان قال:
أخبرنا أَبُو يعلى قال: أخبرنا أَبُو خيثمة قال: أخبرنا
الْحَسَنُ بْنُ موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا سِمَاكُ
بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِيَّ، قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ لَا تُكَلِّمُهُ
أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلُ وَلَا
تَشْرَبُ وَمَكَثَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى غُشِيَ
عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} رَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ.
(4) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي}
الْآيَةَ {8} .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْحَافِظِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يعلى قال: أخبرنا
أَحْمَدُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ رَاشِدٍ الضبي قال: أخبرنا
مَسْلَمَةُ بْنُ علقمة قال: أخبرنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ
قَالَ: أُنْزِلَتْ فِيَّ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ
لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا
تُطِعْهُمَا} قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا بَرًّا بِأُمِّي، فَلَمَّا
أَسْلَمْتُ قَالَتْ: يَا سَعْدُ مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي
قَدْ أَحْدَثْتَ؟ لَتَدَعَنَّ دينك هذا أولا آكُلُ وَلَا
أَشْرَبُ حَتَّى أَمُوتَ فَتُعَيَّرَ بِي فَيُقَالَ: يَا
قَاتِلَ أُمِّهِ، قُلْتُ: لَا تَفْعَلِي يَا أُمَّاهْ فَإِنِّي
لَا أَدَعُ
_________
(1) سورة لقمان: الآية 14.
(2) سورة الأحقاف: الآية 15.
(3) - أخرجه مسلم (4/1877 - ح: 1848) والإمام أحمد (الفتح
الرباني: 22/249 - ح: 193) والترمذي (5/341 - ح: 3189)
والنسائي (فتح القدير: 4/195) وأبو يعلى (مسند أبي يعلى: 2/116
- ح: 782) من طريق سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه به,
ويشهد له: الرواية الآتية.
(4) - إسناده لا بأس به.
(1/341)
دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ، قَالَ: فَمَكَثَتْ
يَوْمًا لَا تَأْكُلُ فَأَصْبَحَتْ قَدْ جَهِدَتْ، قَالَ:
فَمَكَثَتْ يَوْمًا آخَرَ وَلَيْلَةً لَا تَأْكُلُ،
فَأَصْبَحَتْ قد اشْتَدَّ جَهْدُهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ
ذَلِكَ قُلْتُ: تَعْلَمِينَ وَاللَّهِ يَا أُمَّهْ لَوْ
كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا مَا
تَرَكْتُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ، إِنْ شِئْتِ فَكُلِي وَإِنْ
شِئْتِ فَلَا تَأْكُلِي، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ،
فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ ... .}
الْآيَةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا
بِاللَّهِ} {10} .
قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ كَانُوا يُؤْمِنُونَ
بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ مِنَ اللَّهِ
وَمُصِيبَةٌ فِي أَنْفُسِهِمُ افْتَتَنُوا.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنَ
الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّةَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ، فَإِذَا
أُوذُوا رَجَعُوا إِلَى الشِّرْكِ.
(1) - وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى
بَدْرٍ فَارْتَدُّوا وَهُمُ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي
أَنْفُسِهِمْ} (2) الْآيَةَ.
(3) - قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا
تَحْمِلُ رِزْقَهَا} الْآيَةَ {60} .
أَخْبَرَنَا أَبُو
_________
(1) - إسناده صحيح, أخرجه ابن جرير مطوّلاً (20/86) .
(2) سورة النساء: الآية 97.
(3) - أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي
وابن عساكر (فتح القدير: 4/212) من طريق الجراح بن منهال - وقع
في المطبوعة "حجاج" وهو خطأ - عن الزهري به. قال البيهقي "هذا
إسناد مجهول, والجراح بن منهال ضعيف" (المغني عن حمل الأسفار
في الأسفار: 4/178) وضعفه الحافظ ابن كثير (تفسير ابن كثير: 3/
420) والسيوطي (لباب النقول: 167) وهو كما قالا, ولينتبه إلى
أن الزهري المذكور ليس هو ابن شهاب, بل هو عبد الرحمن بن عطاء
الزهري (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 13/359) (تهذيب
التهذيب: 6/231, 469) , وقد قيّمه الحافظ ابن حجر بلفظ مقبول
(تقريب التهذيب: 1/ 492 - رقم: 1049) وهذه الدرجة عنده, لا
يعتبر بها إلا إذا توبعت, ولم يتابع الزهري فهو ضعيف, هذا من
جهة المسند, ومن جهة المتن, قال القرطبي: "وهذا ضعيف, يضعفه
أنه عليه السلام كان يدخر لأهله قوت سنتهم, اتفق عليه البخاري
ومسلم" (الجامع لأحكام القرآن: 13/360) .
(1/342)
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
التَّمِيمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حيان
قال: أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الجمال قال: أخبرنا عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ البجلي قال: أخبرنا يَزِيدُ بْنُ
هارون قال: أخبرنا الجرّاح بْنُ مِنْهَالٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
- وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ - عَنْ عَطَاءٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسول الله - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا حَتَّى دَخَلَ بَعْضَ حِيطَانِ
الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَ يَلْقُطُ مِنَ التَّمْرِ وَيَأْكُلُ،
فَقَالَ: "يَا ابن عمر مالك لَا تَأْكُلُ؟ " فَقُلْتُ: لَا
أَشْتَهِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: "لَكِنِّي
أَشْتَهِيهِ، وَهَذِهِ صبيحة رابعة ما ذقت طَعَامًا، وَلَوْ
شِئْتُ لَدَعَوْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي مِثْلَ مُلْكِ كِسْرَى
وَقَيْصَرَ، فَكَيْفَ بِكَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِذَا بَقِيتَ فِي
قَوْمٍ يَخْبَئُونَ رِزْقَ سَنَتِهِمْ وَيَضْعُفُ الْيَقِينُ؟
" قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْنَا حَتَّى نَزَلَتْ:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ
يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
(1/343)
سورة الروم
بسم الله الرحمن الرحيم
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} الْآيَاتِ {1 - 3}
.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: بَعَثَ كِسْرَى جَيْشًا إِلَى الرُّومِ
وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُسَمَّى شَهْرَيَرَازَ،
فَسَارَ إِلَى الرُّومِ بِأَهْلِ فَارِسَ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ،
فَقَتَلَهُمْ وَخَرَّبَ مَدَائِنَهُمْ وَقَطَّعَ
زَيْتُونَهُمْ، وَقَدْ كَانَ قَيْصَرُ بَعَثَ رَجُلًا يُدْعَى
يُحَنَّسَ فَالْتَقَى مَعَ شَهْرَيَرَازَ بِأَذْرِعَاتٍ
وَبُصْرَى وَهِيَ أَدْنَى الشَّامِ إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ،
فَغَلَبَ فَارِسُ الرُّومَ، وَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ بِمَكَّةَ،
فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ أَنْ يَظْهَرَ الْأُمِّيُّونَ
مِنَ الْمَجُوسِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الرُّومِ، وفرح
الكفار وشتموا، فَلَقُوا أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ
وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ، وَقَدْ
ظَهَرَ إِخْوَانُنَا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ
مِنَ الرُّومِ، وَإِنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمُونَا
لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} إِلَى آخِرِ
الْآيَاتِ.
(1) - أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَامِدٍ
الْعَطَّارُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ قال: أخبرنا الحرث بْنُ شُرَيْحٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ
أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ
ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَأُعْجِبَ الْمُؤْمِنُونَ
بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} إِلَى قَوْلِهِ:
{يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} قَالَ: يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ.
_________
(1) - في إسناده عطية العوفي وهو ضعيف.
(1/344)
سُورَةُ لُقْمَانَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ
الْحَدِيثِ} {6} .
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ
الْحَارِثِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ تَاجِرًا إِلَى
فَارِسَ فَيَشْتَرِي أَخْبَارَ الْأَعَاجِمِ فَيَرْوِيهَا
وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا وَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحَدِّثُكُمْ
بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ
رُسْتُمَ وَإِسْفِنْدِيَارَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ،
فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ
الْقُرْآنِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي شِرَاءِ الْقِيَانِ
وَالْمُغَنِّيَاتِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خزيمة قال: أخبرنا جدي قال:
أخبرنا عَلِيُّ بْنُ حجر قال: أخبرنا مِشْمَعِلُ بْنُ
مِلْحَانَ الطَّائِيُّ، عَنْ مُطَّرِحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زُحَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ،
عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "لَا يَحِلُّ
تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا بَيْعُهُنَّ وَأَثْمَانُهُنَّ
حَرَامٌ"، وَفِي مِثْلِ هَذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَمَا مِنْ
رَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ
تَعَالَى عَلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا
الْمَنْكِبِ وَالْآخَرُ عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، فَلَا
يَزَالَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَكُونَ هُوَ
الَّذِي يَسْكُتُ".
(1/345)
(1) - وَقَالَ ثُوَيْرُ بْنُ أَبِي
فَاخِتَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ فِي رَجُلٍ
اشْتَرَى جَارِيَةً تُغَنِّيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ
بِي} {15} .
نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى مَا
ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}
{15} .
نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ
عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ، وَذَلِكَ
أَنَّهُ حِينَ أَسْلَمَ أَتَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ
وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَالُوا لِأَبِي
بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - آمَنْتَ وصدقت محمدًا عليه
الصلاة والسلام؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ، فَأَتَوْا
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ
لِسَعْدٍ: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} يَعْنِي
أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ
شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} {27} .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: سَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ، فَأَنْزَلَ
الله بمكة: {ويسئلونك عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحَ مِنْ أَمْرِ
رَبِّي، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}
فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ أَتَاهُ أَحْبَارُ الْيَهُودِ
فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ بَلَغَنَا عَنْكَ أَنَّكَ تَقُولُ:
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}
أَفَتَعْنِينَا أَمْ قَوْمَكَ؟ فَقَالَ: "كُلًّا قَدْ
عَنَيْتُ"، قَالُوا: أَلَسْتَ تَتْلُو فِيمَا جَاءَكَ أَنَّا
قد أوتينا التوارة وَفِيهَا عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "هِيَ
فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قَلِيلٌ، وَلَقَدْ آتَاكُمُ
اللَّهُ تَعَالَى مَا إِنْ عَمِلْتُمْ بِهِ انْتَفَعْتُمْ
بِهِ"، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ تَزْعُمُ هَذَا؟ أنت
تَقُولُ: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا
كَثِيرًا} فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا عِلْمٌ قَلِيلٌ وَخَيْرٌ
كَثِيرٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الْآيَةَ.
_________
(1) - إسناده ضعيف بسبب ثوير (تقريب التهذيب: 1/121 - رقم: 54)
ويشهد له:
* ما أخرجه ابن جرير (21/ 41) من طريق العوفي عن ابن عباس رضي
الله عنهما نحوه, وإسناده ضعيف.
(1/346)
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} {34} .
نَزَلَتْ فِي الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
مُحَارِبِ بْنِ حَفْصَةَ، مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، أَتَى
النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ
عَنِ السَّاعَةِ وَوَقْتِهَا، وَقَالَ: إِنَّ أَرْضَنَا
أَجْدَبَتْ، فَمَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ وَتَرَكْتُ امْرَأَتِي
حُبْلَى فَمَاذَا تَلِدُ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ وُلِدْتُ
فَبِأَيِّ أَرْضٍ أَمُوتُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ
الْآيَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمُؤَذِّنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدُونَ
بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمْدَانُ السُّلَمِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عِكْرِمَةُ قَالَ؟ حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِفَرَسٍ لَهُ
يَقُودُهَا عَقُوقٍ وَمَعَهَا مُهْرٌ لَهَا يَتْبَعُهَا،
فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟: قَالَ: "أَنَا نَبِيُّ اللَّهِ"،
قَالَ: وَمَنْ نَبِيُّ اللَّهِ؟ قَالَ: "رَسُولُ اللَّهِ"،
قَالَ: مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "غَيْبٌ وَلَا يَعْلَمُ
الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ"، قَالَ: مَتَى تُمْطِرُ السَّمَاءُ؟
قَالَ: "غَيْبٌ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ"،
قَالَ: مَا فِي بَطْنِ فَرَسِي هَذِهِ؟ قَالَ: "غَيْبٌ وَلَا
يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ"، قَالَ: أَرِنِي سَيْفَكَ،
فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
سَيْفَهُ فَهَزَّهُ الرَّجُلُ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيْهِ فَقَالَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أَمَا
إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَطِيعَ الَّذِي أَرَدْتَ"، قَالَ:
وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ قَالَ: أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَأَسْأَلُهُ
عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ، ثُمَّ أَضْرِبُ عُنُقَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
مَطَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
أَبِي سُوَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حذيفة قال: حدثنا
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا
يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، لَا يَعْلَمُ مَتَى
تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَا
تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ،
وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تَعْلَمُ
نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَعْلَمُ
مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ إِلَّا اللَّهُ". رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ.
(1/347)
|