أسباب النزول ت زغلول

سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ
[422] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ.... الْآيَةَ [1] .
«811» - قَالَ جَمَاعَةٌ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَذَلِكَ: أَنَّ سَارَةَ مَوْلَاةَ أَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أَتَتْ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ورسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم يَتَجَهَّزُ لِفَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهَا: أَمُسْلِمَةً جِئْتِ؟
قَالَتْ: لَا، قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكِ؟ قَالَتْ: أَنْتُمْ [كُنْتُمُ] الْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالْمَوَالِيَ، وَقَدِ احْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً فَقَدِمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُوَنِي. قَالَ لَهَا: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ شَبَابِ أَهْلِ مَكَّةَ؟ - وَكَانَتْ مُغَنِّيَةً- قَالَتْ: مَا طُلِبَ مِنِّي شَيْءٌ؟ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. فَحَثَّ رسولُ اللَّه صَلى الله عليه وسلم بَنِي عبد المطلب وبني الْمُطَّلِبِ عَلَى إِعْطَائِهَا، فَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا وَأَعْطَوْهَا. فَأَتَاهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَكَتَبَ مَعَهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ تُوَصِّلَ [الْكِتَابَ] إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَتَبَ فِي الْكِتَابِ: مِنْ حَاطِبٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ: إِنَّ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم يُرِيدُكُمْ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ. فَخَرَجَتْ سَارَةُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فأخبر النبي صَلى الله عليه وسلم بِمَا فَعَلَ حَاطِبٌ. فَبَعَثَ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَأَبَا مَرْثَدٍ. وَكَانُوا كُلُّهُمْ فُرْسَانًا، وَقَالَ
__________
(811) انظر الحديث (812) .

(1/441)


لَهُمُ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخ، فإن بها ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَخُذُوهُ، وَخَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهَا. فَخَرَجُوا حَتَّى أَدْرَكُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَقَالُوا لَهَا: أَيْنَ الْكِتَابُ؟ فَحَلَفَتْ بِاللَّهِ مَا مَعَهَا [مِنْ] كِتَابٍ. فَفَتَّشُوا مَتَاعَهَا، فَلَمْ يَجِدُوا مَعَهَا كِتَابًا. فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ عَلِيٌّ:
وَاللَّهِ مَا كَذَبَنَا، وَلَا كَذَّبْنَا وَسَلَّ سَيْفَهُ وَقَالَ: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، وَإِلَّا وَاللَّهِ لَأُجَرِّدَنَّكِ وَلَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكِ. فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَخْرَجَتْهُ مِنْ ذُؤَابَتِهَا، وَكَانَتْ قَدْ خَبَّأَتْهُ فِي شَعْرِهَا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا، وَرَجَعُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَ رسولُ اللَّه صَلى الله عليه وسلم إِلَى حَاطِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُ الْكِتَابَ؟ قَالَ: نعم فقال: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا غَشَشْتُكَ مُنْذُ نَصَحْتُكَ، وَلَا أَحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ، وَلَكِنْ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَمْنَعُ عَشِيرَتَهُ، وَكُنْتُ غَرِيبًا فِيهِمْ، وَكَانَ أَهْلِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَخَشِيتُ عَلَى أَهْلِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ بهم بأسَه، و [أن] كِتَابِي لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا. فَصَدَّقَهُ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم وَعَذَرَهُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ السورة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم:
وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ، لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
«812» - أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن الحسن بْنُ عَمْرٍو أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ حَدَّثَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ عَلِيٍّ] عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ:
__________
(812) أخرجه البخاري في الجهاد (3007) وفي المغازي (4274) وفي التفسير (4890) .
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة (161/ 2494) ص 1941.
وأخرجه أبو داود في الجهاد (2650) والترمذي في التفسير (3305) وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي في التفسير (605) ، والبيهقي في السنن (9/ 146) وزاد السيوطي نسبته في الدر (6/ 202) لأحمد والحميدي وعبد بن حميد وأبي عوانة وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي وأبي نعيم كلاهما في الدلائل، والحديث عند أحمد (1/ 79) من طريق عبيد اللَّه بن أبي رافع به. [.....]

(1/442)


بَعَثَنَا رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم: أَنَا وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ [بْنُ الْأَسْوَدِ] قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخ فإن بها ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ. [فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا، فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ] . فَقُلْنَا لَهَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إلى أناس مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ [كَانَ] بِمَكَّةَ، يُخْبِرُ بِبَعْضِ أمرِ النبي صَلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟ فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أكن من أنفُسِها، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَاكًّا فِي دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
فَقَالَ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ قَدْ صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ:
اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. وَنَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ الْآيَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَجَمَاعَةٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سفيان.
[423] قوله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ [6] .
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ مَعَهُ، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، اقْتِدَاءٌ بِهِمْ فِي مُعَادَاةِ ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عادى المؤمنين أَقْرِبَاءَهُمُ الْمُشْرِكِينَ فِي اللَّهِ، وَأَظْهَرُوا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَرَاءَةَ، وَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى شِدَّةَ وَجْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً. ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْ أَسْلَمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَصَارُوا لَهُمْ أولياءَ وإخواناً، فخالطوهم وَنَاكَحُوهُمْ، وَتَزَوَّجَ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ. فَلَانَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ، وَبَلَغَهُ ذَلِكَ [وَهُوَ مُشْرِكٌ] فَقَالَ: ذَاكَ الْفَحْلُ لَا يُقْرَعُ أَنْفُهُ.

(1/443)


«813» - أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الحِيري، حدَّثنا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، بِهَدَايَا: ضِبَابٍ وَسَمْنٍ، وَأَقِطٍ، فَلَمْ تَقْبَلْ هَدَايَاهَا، وَلَمْ تُدْخِلْهَا مَنْزِلَهَا، فَسَأَلَتْ لَهَا عائشة النبيَّ صَلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ الْآيَةَ.
فَأَدْخَلَتْهَا مَنْزِلَهَا، وَقَبِلَتْ مِنْهَا هَدَايَاهَا. رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزَّالِ، عَنِ ابْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ.
[424] قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ.... الْآيَةَ [10] .
«814» - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ صَالَحُوا رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم، عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ لَهُمْ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ الْكِتَابِ وَخَتَمُوهُ. فَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الكتاب- والنبيُّ صَلى الله عليه وسلم بِالْحُدَيْبِيَةَ- فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا، وَكَانَ كَافِرًا، فَقَالَ: يا محمد، ارْدد عَلَيَّ امْرَأَتِي، فَإِنَّكَ قَدْ شَرَطْتَ لَنَا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَنْ أَتَاكَ مِنَّا، وَهَذِهِ
__________
(813) في إسناده: مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير: قال الحافظ في التقريب لين الحديث، وذكره ابن حبان في المجروحين (3/ 28) وذكره في الثقات وقال: هو ممن أستخير اللَّه فيه.
والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 485) وصححه ووافقه الذهبي وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 123) وقال: رواه أحمد والبزار وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه ابن جرير في تفسيره (28/ 43) .
وزاد السيوطي نسبته في الدر (6/ 205) للطيالسي وأبي يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه والطبراني وابن مردويه.
(814) بدون إسناد، وقد ذكر السيوطي في الدر (6/ 205) آثار تؤيد ذلك ولكنها من وجوه مرسلة.
وقد أخرج البخاري في الشروط (2711، 2712) عن مروان والمسور عن أصحاب رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم حديثاً يؤيد هذا المعنى مع اختلاف الصحابية فعند البخاري أن الصحابية هي أم كلثوم بنت عقبة، وأثر ابن عباس الذي ذكره المصنف هنا فيه أن الصحابية سبيعة بنت الحارث الأسلمية.
ويؤيد أثر ابن عباس ما ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة نقلًا عن الفاكهي: أن سبيعة بنت الحارث أول امرأة أسلمت بعد صلح الحديبية إثر العقد وطي الكتاب ولم تخف فنزلت آية الامتحان [انظر الإصابة 4/ 524- 525] .

(1/444)


طِينَةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
«815» - أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا محمد بن عبد اللَّه بن الفضل، أخبرنا أحمد بْنُ محمد بن الحسن الحافظ، حَدَّثَنَا محمد بن يحيى، حدَّثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ الْخَشَّابِ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ:
حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إِلَى ابْنِ هُنَيْدَةَ صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، يَسْأَلُهُ عن قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... الْآيَةَ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنَّ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَمَّا هَاجَرْنَ النِّسَاءُ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرْدَدْنَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا هُنَّ امْتُحِنَّ، فَعَرَفُوا أَنَّهُنَّ إِنَّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، بِرَدِّ صَدَقَاتِهِنَّ إِلَيْهِمْ إِذَا احْتُبِسْنَ عَنْهُمْ، إِنْ هُمْ رَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَقَةَ مَنْ حُبِسْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ. قَالَ: ذلكم حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ.
فَأَمْسَكَ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ، وَرَدَّ الرِّجَالَ.
[425] قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ....
الْآيَةَ [13] .
«816» - نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُودَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَيُوَاصِلُونَهُمْ، فَيُصِيبُونَ بِذَلِكَ مِنْ ثِمَارِهِمْ. فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.
__________
(815) مرسل، وعزاه في الدر (6/ 206) لابن إسحاق وابن سعد وابن المنذر.
(816) بدون إسناد.

(1/445)


سُورَةُ الصَّفِّ
[426] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [1] .
«817» - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن جعفر، حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن يحيى، حدَّثنا محمد بْنُ
__________
(817) في إسناده محمد بن كثير قال الحافظ في التقريب: صدوق كثير الخطأ، وفي إسناده يحيى بن أبي كثير قال الحافظ في التقريب: ثقة يدلس ويرسل، وقد عنعنه، ولكن صرح بالتحديث عن الحاكم (2/ 69) وهو من طريق الهقل بن زياد عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير حدثني هلال بن أبي ميمونة، والهقل بن زياد ثقة.
وعلى هذا فالحديث صحيح.
والحديث أخرجه الترمذي (3309) والحاكم في المستدرك (2/ 69) من طريق أصحها من طريق أبي إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة به، الحاكم (2/ 70) ، ولكن بلفظ «فقرأ علينا» والذي يهمنا في هذا الكتاب تحقيق لفظ «فأنزل» .
وأخرجه أحمد في مسنده (5/ 452) من طريق عبد اللَّه بن المبارك أنا الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير حدثني هلال.... بلفظ «فقرأ علينا» .
وأخرجه البيهقي في السنن (9/ 160) من طريق أبي إسحاق الفزاري به بلفظ «فقرأ علينا» .
والذي نخلص إليه أن الحديث صحيح بلفظ «فقرأ علينا» .
وأما بلفظ فأنزل اللَّه ففي إسناده محمد بن كثير: ضعفه أحمد ووثقه يحيى بن معين وقال النسائي ليس بالقوي كثير الخطأ.
قلت: لعل هذا من خطأه، واللَّه أعلم.

(1/446)


كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ:
قَعَدْنَا نَفَرٌ من أصحاب رسول صَلى الله عليه وسلم [فَتَذَاكَرْنَا] وَقُلْنَا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمِلْنَاهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم.
[427] قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. [2] .
«818» - قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا وَأَنْفُسَنَا، فدلهم اللَّه تعالى عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ، فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ... الْآيَةَ، فَابْتُلُوا يَوْمَ أُحُدٍ بِذَلِكَ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فَأَنْزَلَ اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ؟
__________
(818) ذكره المصنف بدون إسناد، وقد أخرجه ابن جرير (28/ 55) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أ. هـ. قلت: علي لم يسمع من ابن عباس فالإسناد فيه انقطاع.

(1/447)


سُورَةُ الْجُمُعَةَ
[428] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قوله عز وجل: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا ... الْآيَةَ [11] .
«819» - أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
كَانَ رسول اللَّه صَلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ قَدْ قَدِمَتْ [مِنَ الشَّامِ] فَخَرَجُوا إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا.
__________
(819) أخرجه البخاري في الصلاة في كتاب الجمعة (936) وفي البيوع (2058، 2064) وفي التفسير (4899) وأخرجه مسلم في كتاب الجمعة (36/ 863) ص 590.
والترمذي في التفسير (3311) وقال: حسن صحيح.
والنسائي في التفسير (613) .
وزاد المزي نسبته في تحفة الأشراف للنسائي في الصلاة في الكبرى (تحفة 2239) وأما السيوطي فقد زاد نسبته في الدر (6/ 220) لسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في السنن.

(1/448)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ.
«820» - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ [بْنُ] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الطَّلْحِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرَانَ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
كُنَّا مَعَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فِي الْجُمُعَةِ، فَمَرَّتْ عِيرٌ تَحْمِلُ الطَّعَامَ، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. فَنَزَلَتْ آيَةُ الْجُمُعَةِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ جَرِيرٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ حُصَيْنٍ.
«8201» م- قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ جُوعٌ وَغَلَاءُ سِعْرٍ، فَقَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ فِي تِجَارَةٍ مِنَ الشَّامِ، وَضُرِبَ لَهَا طَبْلٌ يُؤْذِنُ النَّاسَ بِقُدُومِهِ، ورسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوْ تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْكُمْ، لَسَالَ بِكُمُ الْوَادِي نَارًا.
__________
(820) انظر السابق.
(8201 م) عزاه في الدر (6/ 221) للبيهقي في شعب الإيمان.

(1/449)