إعراب القرآن للأصبهاني بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
ـ[إعراب القرآن للأصبهاني]ـ
المؤلف: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي
التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة (المتوفى:
535هـ)
قدمت له ووثقت نصوصه: الدكتورة فائزة بنت عمر المؤيد
الناشر: غير معروف (فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض)
الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1995 م
عدد الأجزاء: 1
أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(/)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(فاتحة الكتاب) مدنية،
والبقرة مدنية، وآل عمران مدنية، والنساء مدنية، والمائدة
مدنية، والأنعام مكية نزلت جملة ما خلا ثلاث آيات فإنها نزلت
بالمدينة وهي قوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ
رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى تمام الثلاث. والأعراف مكية،
والأنفال مدنية، وهي أول ما أنزل بالمدينة، وقيل (البقرة هي
أول ما نزل بالمدينة)، وبراءة مدنية: هي آخر ما أُنزل
بالمدينة، قال ابن عباس: قلت لعثمان ما حملكم على أنّ قرنتم
بين الأنفال وبراءة، والأنفال من الثاني، وبراءة من المئين،
فلم تكتبوا بينهما سطر (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ)؟ - فقال عثمان: إن السورة والقصة والآية كنَّ إذا
نزلن على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبعض من يكتب
الوحي: " ضعوها إلى موضع كذا. وإلى جنب كذا "، وإنَّ براءة
نزلت والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتقدم فيها إلينا بشيء،
وقصتها تشبه قصة الأنفال، فخفنا أن تكون منها وخفنا أنّ لا
تكون منها. فمن ثم قرنا بينهما. ولم نكتب سطر (بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، يونس مكية وهود مكية، ويوسف مكية،
والرعد مكية، وإبراهيم مكية ما خلا آيتين منها، فإنهما نزلتا
بالمدينة في قتلى بدر من المشركين، وهما (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) إلى تمام
الآيتين، الحجر مكية، والنحل مكية، ما خلا ثلاث آيات من آخرها
فإنها نزلت بين مكة والمدينة في منصرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وقد قتل حمزة رضي الله عنه، ومثل المشركون به، قال النبي
صلى الله عليه وسلم: " لئن أظفَرنا اللهُ بهم لنُمثلن بهم
مُثَلا لم تُمثْل بأحد منَ العرب)، فأنزل الله تعالى بين مكة
والمدينة (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُمْ بِهِ) إلى آخر السورة، وما نزل بين مكة والمدينة
فهو مدني، وسورة بني إسرائيل مكية، والكهف مكية، ومريم مكية،
وطه مكية، والأنبياء مكية. والحج مكية،
(1/1)
ما خلا ثلاث آيات منها فإنها نزلت بالمدينة
في ستة نفر، ثلاثة منهم مؤمنون وثلاثة كافرون؛ فأما المؤمنون
فعبيد بن الحارث بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن
أبي طالب رضي الله عنهم، وأما الكافرون فعتبة وشيبة ابنا ربيعة
والوليد بن عتبة، فأنزل الله عز وجل بالمدينة (هَذَانِ
خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) إلى تمام ثلاث الآيات،
سورة المؤمنين مكية، النور مدنية، والفرقان مكية. والشعراءُ
مكية، ما خلا خمس آيات من آخرها فإنها نزلت بالمدينة وهي قوله
عز وجل: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني حسَّان بن
ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، هَؤُلَاءِ شعراء رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر السورة. والنمل مكية، والقصص
مكية، والعنكبوت مكية. والروم مكية، ولقمان مكية، ما خلا ثلاث
آيات منها، فإنها نزلت بالمدينة، وذلك أنّه لا قَدِم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة أتته أحبار اليهود فقالوا: يا محمد
بلغنا أنك تقول: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلًا) أفعنيتنا أو عنيت قومك؛ - فقال صلى الله عليه وسلم:
عنيت الجميع. فقالوا: يا محمد أما تعلم أنّ الله جل وعز أنزل
التوراة على موسى بن عمران عليه السلام، والتوراة فيها أنباء
كل شيء، وخلفها موسى فينا ومعنا؛ - قال النبي صلى الله عليه
وسلم لليهود: التوراة وما فيها من الأنباء قليل في علم الله عز
وجل، فأنزل الله تعالى في المدينة: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي
الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ
بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)
إلى تمام الآيات الثلاث، و (الم السجدة) مكية، ما خلا ثلاث
آيات منها، فإنها نزلت بالدنية في علي بن أبي طالب رضي الله
عنه والوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط، وذلك أنّه شجر بينهما كلام
قال الوليد لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنا أذرب منك
لساناً، وأحذ سنانا، وأرد للكتيبة. فقال له علي رضي الله عنه:
اسكت. فإنك فاسق. فأنزل الله تعالى بالمدينة: (أَفَمَنْ كَانَ
مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) إلى تمام
الآيات. الأحزاب مدنية، سباً مكية فاطر مكية، يس مكية، الصافات
مكية، (ص) مكية، الزمر مكية، ما خلا ثلاث آيات منها.
(1/2)
فإنها نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة رضي
الله عنه، وذلك أنّه أسلم ودخل المدينة، فكان يثقل على رسول
الله صلى الله عليه وسلم النظر إليه ... ظن وحشي وتوهم أنّ
الله عز وجل لم يقبل إسلامه. فأنزل الله عز وجل بالمدينة (قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) إلى تمام ثلاث الآيات،
والحواميم السبع كلهن مكيات، وسورة محمد - صلى الله عليه وسلم
- مدنية، وسورة الفتح مدنية، والحجرات مدنية، وق مكية،
والذاريات مكية، والطور مكية. والنجم مكية، والقمر مكية،
والرحمن مكية، والواقعة مكية، وسورة الحديد مدنية، وسورة
المجادلة مدنية، وسورة الحشر مدنية، وسورة الممتحنة مدنية،
وسورة الصف مدنية، والجمعة مدنية. المنافقون مدنية، التغابن
مكية ما خلا ثلاث آيات من آخرها فإنها نزلت في عارف بن مالك
الأشجعي. وذلك أنّه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء
أهله وولده به، فأنزل الله عز وجل بالمدينة: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ
عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) إلى آخر السورة، والطلاق
مدنية، والتحريم مدنية، الملك مَكية، ون والقلم مكية، الحاقة
مكية، سأل سائل مكية، نوح مكية، سورة الجن مكية، المزمل مكية،
ما خلا آيتين منها فإنهما نزلتا بالمدينة (إِنَّ رَبَّكَ
يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ)
إلى تمام الآية، ثم الفرقان بعد ذلك كله مكي إلى أن يبلغ
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فإنها مدنية.
لم يكن مدنية. إذا زلزلت مكية، والعاديات مكية، القارعة مكية،
والتكاثر مكية، والعصر مكية، الهمزة مكية، الفيل مكية، لإيلاف
قريش مكية، وقال هما سورة واحدة، أرأيت مكية، الكوثر مكية،
الكافرون مكية، النصر مدنية. تبت يدا أبي لهب مكية، الإخلاص
مكية، الفلق مدنية، الناس مدنية.
(1/3)
البسملة
روى السُّدِّي عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله عز وجل:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
الباء: بهاء الله، والسين: سناء الله، والميم: ملك الله.
و (الله): الذي يأله إليه خلقه.
و (الرحمن): قال المترحم على خلقه، الرحيم بعباده فيما ابتدأهم
به من كرامته، ويروى عنه أيضا أنّه قال: الرحمن الرحيم اسمان
رقيقان أحدهما أرق من الآخر، وقيل في الجمع بينهما: إنَّ
(الرحمن) أشد مبالغة، و (الرحيم) أخص منه؛ فالرحمن لجميع
الخلق، والرحيم للمؤمنين خاصة، قال محمد بن يزيد هو تفضل بعد
تفضل، وإنعام بعد إنعام، ووعد لا يخيب آمله.
وأصل الرحمة رقةً في القلب، والله تعالى لا يوصف بذلك إلا أنّ
معنى الرقة يؤول إلى الرضا؛ لأنّ من رحمته فقد رضيت عنه، وإذا
احتملت الكلمة معنيين أحدهما يجوز على الله والآخر لا يجوز
عليه، عدل إلى ما يجوز عليه، ومثل ذلك همزة الاستفهام تأتي في
غالب الأمر على جهلٍ من المستفهم، فإذا جاءت من الله عز وجل
كانت تقريراً وتوبيخاً، نحو قول الله تعالى: (آللهُ أذنَ لكُم
أم عَلى اللهِ تَفترون)، قال مقاتل بن سليمان في الاستفتاح من
حساب الجمل سبعمانة وسبع وثمانون سنة من مُدة هذه الأمة. قال
الخليل: (بسم الله) افتتاح إيمان ويمن وحمدُ عاقبة ورحمة
وبركةَ وثناء وتقرب إلى الله عز وجل ورغبة فيما عنده واستعانة
ومحبة له علم الله عز وجل نبينا عليه السلام فقال: (اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وقال (فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ) وقال لنوح عليه السلام:
(1/4)
(بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا)
ليجعلها سنة لأمته في افتتاح الذبائح والطعام والشراب والكلام،
وأن يذكروه عتد كل حركة وسكون وإذا قاله العبد يسر الله تعالى
له ما بين يديه من السماء إلى الأرض وثبَّته وحرسه من وسواس
الشيطان واعتراض المعترضين وفساد المفسدين وكيد الحاسدين، وهو
تحية من الله عز وجل خصَّ بها نبيه وجعله باللسان العربي، ما
لم يكن لسائر الأمم إلا ما كان من سليمان، فلما وردت على العرب
اضطروا إلى قبولها وتدوينها والإقرار بفضلها ولفظوا بها عند
وجوب الشكر وطلب الصبر. قال غير الخليل هو أدب من آداب الدين:
مدح لله تعالى وتعظيم، وشعار للمسلمين، وتبرك للمستأنف، وإقرار
بالإلاهية، واعتراف بالنعمة. واستعانة بالله عز وجل، وعبادة له
مع ما فيه من حسن العبارة ووضوح الدلالة والإفصاح والبيان لما
يستحقه الله من الأوصاف، وفيه من البلاغة والاختصار في موضعه
بالحذف على شرائطه إذ موضوع هذه الكلمة على كثرة التكرير وطول
الترديد، وفيه الاستغناء بالحال الدالة على العبادة عن ذكر
أبداً؛ لأنّ الحال بمنزلة الناطقة بذلك، وفيه من البلاغة تقديم
الوصف بالرحمن تشبيهاً بالأسماء الأعلام.
* * *
مسألة:
ومما يسأل عنه من الإعراب أن يقال ما موضع الباء من (بسم
الله)؟
والجواب: أنَّ العُلماء اختلفوا في ذلك، فذهب عامة البصريين
إلى أنَّ موضع الباء رفعَ على تقدير مبتدأ محذوف تمثيله:
ابتدائي بسم الله، فالباء على هذا متعلقة بالخبر المحذوف الذي
قامت مقامه تقديره: ابتداني كائن أو ثابت أو ما أشبه ذلك باسم
الله، ثم حذفت هذا الخبر وكان فيه ضمير فأفضى إلى موضع الباء
وهذا بمنزلة قولك: زيد في الدار، ولا يجوز أن يتعلق الباء
بابتداني المضمر؛ لأنّه مصدر، وإذا تعلقت به صار من صلته، وبقي
المبتدأ بلا خبر. وذهب عامة الكوفيين وبعض البصريين إلى أنَّ
موضع الباء نصب على إضمار فعل، واختلفوا في تقديره.
(1/5)
فذهب الجمهور منهم إلى أنَّه يضمر فعلا
يشبه الفعل الذي يريد أن يأخذ فيه؛ كأنّه إذا أراد الكتابة
أضمر: أكتب، وإذا أراد القراءة أضمر: أقرأ، وإذا أراد الأكل
والشرب أضمر: آكل وأشرب.
ومما يسأل عنه أن يقال لم جرّت الباء؟
والجواب: أنها لا معنى لها إلا في الأسماء، فعملت الإعراب الذي
لا يكون إلا في الأسماء؛ وهو الجر.
ويقال: لم حُركت وأصلها السكون؟
والجواب: أن يقال حُركت للابتداء بها ... . بساكن؛ لأنََّّ
اللسان يجفو عنه.
ويقال: فلم اختير لها الكسر؟
والجواب: أنّ أبا عمر الجرمي قال كسرت تشبيها بعملها؛ وذلك أنّ
عملها الجرُّ وعلامة الجرُّ الكسرة، فاعتُرض عليه بعد موته بأن
قيل: الكاف تجر وهي مع ذلك مفتوحة، فانفكَّ أصحابه من هذا
الاعتراض بأن قالوا: أرادوا أن يفرقوا بين ما يجر ولا يكون إلا
حرفا نحو الباء واللام، ويين ما يجر وقد يكون اسما نحو: الكاف.
وأما أبو علي فحكى عنه الربعي أنّهم لو فتحوا أو ضموا لكان
جائزًا لأنّ الغرض التوصل إلى الابتداء، فبأي حركة توصل إليه
جاز، وبعض العرب يفتح هذه الباء وهي لفة ضعيفة.
* * *
مسألة:
ومما يسأل عنه أن يقال: ما وزن (اسم) وما اشتقاقه؟
والجواب: أنّه قد اختلف فيه، فذهب البصريون إلى أنّه من السمو؛
لأنَّه سما بمسماه فبينه وأوضح معناه.
(1/6)
وذهب الكوفيون إلى أنّه من السمة؛ لأنَّ
صاحبه يُعرف به وقول البصريين أقوى في التصريف. وقول الكوفيين
أقوى في المعنى، فمما يدلُّ على صحة قول البصريين قولهم في
التصغير (سُميّ) وفي الجمع (أسماء) وجمع الجمع (أسامٍ)، ولو
كان على ما ذهب إليه الكوفيون لقيل في تصغيره (وسيم) وفي جمعه
(أوسم)، وفي امتناع العرب من ذلك دلالة على فساد ما ذهبوا
إليه، وأيضاً فإنا لم نرَ ما حُذِفت فاؤه دخلت فيه همزة الوصل،
وإنما تدخل فيه تاء التأنيث نحو: عدد وزنة. وقد قيل: هو مقلوب
جعلَت الفاء في مكان اللام؛ كأنّ الأصل (وسم) ثم أخرت الواو
وأعلت: كما قالوا (طادٍ) والأص (واطد)، قال القطامي:
ما اعتَادَ حبُّ سُليمى حَيْنَ مُغتادِ ... ولا تَقَضّى بواقي
دَيْنَها الطادي
فوزنه على هذا (عالف) وكذا قيل في حادي عشر أنّه مقلوب من
واحد، ووزن اسم (اعل) أو (أفع) والأصل (سُمو) أو (سمْو) بإسكان
الميم فأعل على غير قياس، وكان الواجب أنّ لا يُعل؛ لأنّ الواو
والياء إذا سكن ما قبلهما صحّتا نحو: صنوٍ وقنوٍ ونحيٍ وظبيٍ
وما أشبه ذلك، وقيل وزنه (فُعل) بضم الفاء، وقيل (فِعل)
بكسرها، لقولهم (سِمٌ) و (سُمٌ) ولم يسمع (سَمٌ) بفتح السين،
أنشد أبو زيد:
باسْمِ الذي في كلِّ سورةٍ سُِمُهْ .. قد أُخَذت على طريقٍ
تِعلمُه
يروى بضم السين وكسرها، ثم حذفت الواو على غير قياس، وكان يجب
أن تُقلب ألفا كما فعل في نحو: رِبا وعَصَا وعُرًا وما أشبه
ذلك؛ لأنّ الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما قُلبتا
ألفًا على كل حال، إلا أنّهم أرادوا أن يفرقوا بين المتشبث
وغير المتشبث؛ فالمتشبث نحو: أخٍ وأبٍ، لأنك إذا ذكرت كلّ واحد
منهما دل على نفسه وعلى معنى آخر ألا ترى أنك إذا ذكرت أبا
دلَّل على ابن، وإذا ذكرت ابنا دلّل عدى أبٍ، وإذا ذكرت أخاً
دلَّل على أخ أو أخت؛ إلا أنّ هذا المحذوف أتى على ضربين:
أحدهما لم يقع فيه عِوَض من المحذوف نحو: أبٍ وأخٍ، والثاني
عوض فيه من المحذوف همزة نحو: اسم وابن، وهذه الأسماء التي
دخلتها همزة الوصل مضارعة للفعل، لأنها مفتقرةٌ إلى غيرها
فصارت بمنزلة الفعل المفتقر إلى فاعله
(1/7)
وأصل هذه الهمزة أن يكون في الأفعال، فلما
ضارعت هذه الأسماء الأفعال اسكنوا أوائلها وأدخلوا فيها همزات
الوصل. وفي اسم خمس لغات يقال (إِسم) بكسر الهمزة و (أُسم)
بضمها في الابتداء و (سُم) و (سِم) و (سُمى) بمنزلة هدى، هذه
اللغة حكاها ابن الأعرابي، فأما ما أنشد أبو زيد من قول
الشاعر:
لأحسَنِها وَجهًا وأكرمها أباً ... وأسمَحِها نَفْساً
وأُعلنِها سُما
فيجوز أن يكون (فُعلا) مثل: هُدى، أو تكون الألف منقلبة عن لام
الفعل، ويجوز أن تكون الألف ألف النصب التي تدخل في نحو قولك:
رأيت زيدا، وهذا الاحتمال على مذهب من ضمُّ السين، فأما من
كسرها فالألف ألف النصب على كل حال.
* * *
مسألة:
ومما يسأل عنه أن يقال: مما اشتُق قوله (الله) وما أصله؟
والجواب: أنّ فيه خلافا؛ ذهب بعضهم إلى أنّه مِن (الولهان)
قال: لأنّ القلوب تلهُ إلى معرفته، وقيل اشتقاقه من (أُلِهَ
يأله) إذا تحيّر، كأن العقول تتحير فيه عند الفكرة فيه، قال
الشاعر وهو زهير:
وَبيداءَ قَفْرتألهُ العينُ وَسطهِا ... مُخفَقهٍ غَبْراءَ
صَرماء سَملقِ
وقال الفراء: هو من لاه يليه ليها، إذا استتر كأنَّه قد استتر
عن خلقه ويروى عن علي رضي الله عنه أنّه قال: معناه المستور عن
درك الأبصار، المحتجبِ عن الأوهام والأخطار، أنشدوا في ذلك:
تاهَ العِبَادُ ولاهَ اللهُ في حُجُبٍ ... فاللهُ محتجب
سبحانهُ اللهُ.
(1/8)
وذهب الخليل وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن إلى
أنّه اسم علمٍ غير مشتقٍ من شيء، والذي يذهب إليه المحققون
أنّه من التأله وهو التعبد والتنسك قال رؤبه:
لِلَّهِ دَرُّ الغانِياتِ المُدَّةِ ... سَبَّحْنَ
واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تألُّهي
أي: من تعبدي وتنسكي، حكى أبو زيد: تأله الرجل يتأله، وهذا
يحتمل عندنا أن يكون اشتق من اسم الله عز وجل على حد قولك:
استحجر الطين، واستنوق الجمل، فيكون المعنى: أنّه يفعل الأفعال
المقربة إلى الله تعالى التي يستحق بها الثواب. ويحتمل أن يكون
الاسم مشتقا من هذا الفعل نحو: تعبَّد. وتُسمى الشمس (الاهة) و
(الإلاهة) رُوي لنا ذلك عن قطرب، وأنشد:
تَرَوَّحْنا من اللَّعْباءِ عَصْراً ... وأَعْجَلْن الإلهة أن
تغيبا
وكأنهم سموها إلاهة على نحو تعظيمهم لها وعبادتهم إياها، ولذلك
نهاهم الله عن ذلك، وأمرهم بالتوجه في العبادة إليه دون خلقه
فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ
وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) ويدل على هذا ما
حكاه أحمد بن يحيى أنّهم يسمونها إلاهة غير مصروفة. فدل ذلك
على أنّ هذا الاسم منقول إذ كان مخصوصا، وأكثر الأسماء المختصة
الأعلام منقول نحو: زيد وعمرو، وقرأ ابن عباس (ويذرَك
وإلاهَتَك) أي: وعبادتك وكان يقول: كان فرعون يُعبَد ولا
يعبُدُ. وأما قراءة الجماعة (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) فهو جمع
(إله) كإزار وآزرة، وإناء وآنية. والمعنى على هذا: أنّه كان
لفرعون أصنام يعبدها شيعته وأتباعه، فلما دعاهم موسى عليه
السلام إلى التوحيد حضوا فرعون عليه وعلى قومه، وأغروه بهم،
ويقوي هذه القراءة قوله تعالى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي
إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ
عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ) وأما الأصل في قولنا (الله) فقد اختلف
قول سيبويه في ذلك؛ فقال مرة الأصل (إله) ففاء الكلمة على هذا
همزة وعينها لام والألف الف فِعال زائدة واللام هاء، وقال مرة
الأصل (لاه) فوزنه على هذا، (فَعلٌ). ولكلٍّ من هذين القولين
وجه، وإذا قدرته على الوجه الأوّل فالأصل (إلهٌ) ثم حُذفت
الهمزة حذفاً
(1/9)
لا على طريق التخفيف القياسي في قولك: الخب
في الخبء، وضو في ضوء، فإن قال قائل: فلم قدرتموه هذا التقدير؛
وهلا حملتموه على التخفيف القياسي؛ إذ كان تقدير ذلك فيه
سائغاً غير ممتنع، والحمل على القياس أولى من الحمل على الحذف
الذي ليس بقياس؟ - قيل له: إن ذلك لا يخلو من أن يكون على
الحذف الذي ذكرناه وهو مذهب سيبويه، أو على الحذف القياسي وهو
مذهب الفراء وذلك أنّ الهمزة (1).
__________
(1) بعد هذه الصفحة يوجد سقط يشمل بقية سورة الفاتحة وأول سورة
البقرة حتى الآية الرابعة عشرة
(1/10)
|