إعراب القرآن للأصبهاني وَمِنْ سُورَةِ (يُونُسَ)
قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ
سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا)
الكسب: اجتلاب النفع، والجزاء المكافأة، والسيئة: نقيض الحسنة.
وسأل عن ارتفاع (جزاء)؟
وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون مبتدأ والخبر (بِمِثْلِهَا) على زيادة الباء،
وهذا قول أبي الحسن. لأنّه وجد في مكان آخر (وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)، ويجوز أن تكون الباء متعلقة
بخبرٍ محذوف تقديره: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ كائنٌ بمثلها، ثم
حذفت كما تقول: إنما أنا بك وأمري بيدك وما أشبه ذلك.
والثاني: أن يكون فاعلًا بإضمار فعل تقديره: استقر لهم جزاء
سيئة بمثلها ثم حذفت " استقر " فبقي " لهم جزاء سيئة بمثلها "
ثم حذفت " لهم " لدلالة الكلام على أنّ هذا مستقر لهم.
ويجوز أن يكون (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ) مبتدأ والخبر محذوف تقديره:
لهم جزاء سيئة بمثلها، وإن شئت قدرته: جزاء سيئة بمثلها كائن،
وهذه إجازة أبي الفتح.
* * *
قوله تعالى: (لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَفِي الْآخِرَةِ)
يسأل عن " البشرى في الحياة الدنيا " ما هي:
(1/145)
وفيه أجوبة:
أحدها: أنها بشرى الملائكة عليهم السلام للمؤمنين عند الموت.
والثاني: الرؤيا الصالحة يراها الرجل. أو تُرى له، وهذا في
خبرٍ مرفوع، والأوّل قول قتادة والزهري والضحاك.
والثالث: أنّ البشرى القرآن.
والرابع: أنّ المؤمن يُفتح له باب إلى الجنة في قبره فيشاهد ما
أُعدَّ له في الجنة قبل دخولها.
* * *
قوله تعالى (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ
لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65))
العزة: القدرة.
ويسأل عن صيغة النهي في قوله (وَلَا يَحْزُنْكَ)؟
والجواب: أنّ هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
ويُسأَل: لم كسرت (إنَّ) هاهنا؟
والجواب: أنها كسرت للاستئناف بالتذكير لا ينفي الحزن. ولا
يجوز أن تكون كسرت لأنها وقعت بعد القول؛ لأنّه يصير حكاية
عنهم، وأن النبي عليه السلام يحزن لذلك وهذا كفر.
ويجوز فتحها على تقدير " اللام " كأنّه قال: ولا يحزنك قولهم
لأنّ العزة لله جميعاً.
(1/146)
وقد غلط القتبي في هذا وزعم أنّ فتحها يكون
كفراً، وليس كما ظن، وسواء فتحت أو كسرت إذا كانت معمولة للقول
إلا إذا تعلقت بغير القول، ولا خلل في القراءة، ومثل الفتح قول
ذي الرمة:
فَمَا هَجَرتكِ النَفسُ يا مَيُّ أنّها ... قلتْكِ وَلكنْ قلَّ
منكِ نَصيبُها
ولكنَّهم يا أُملحَ النَّاسِ أُولِعَوا ... بِقول إذا ما جئتُ
هَذا حَبِيبُها
وقال القتبي عند ذكر هذه المسألة: إذا قلت هذا قاتلٌ أخي
-بالتنوين- دل على أنّه لم يقتل، وإذا قلت هذا قاتلُ أخي -بحذف
التنوين- دل على أنّه قتل، وهذا غلط بإجماعٍ من النحويين، لأنّ
التنوين قد يحذف وأنت تريد الحال والاستقبال، قال الله تعالى
(هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)، يريد: بالغًا الكعبة، وقال:
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، أي: ستذوق.
* * *
قوله تعالى: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ)
يقال: أجمعت على الأمر، وأجمعت الأمر، أي: عزمت عليه.
واختلف في انتصاب قوله (وَشُرَكَاءَكُمْ):
فقال الفراء: هو نصب بإضمار فعل. كأنّه قال: وادعوا
شُرَكَاءَكُمْ، وقال: كذا هو في مصحف أبي وقال غيره: أضمر
(واجمعوا شُرَكَاءَكُمْ)؛ لأنَّ (أجمعُوا) يدل عليه.
وروى الأصمعي: أنّه سمع نافعا يقرأ (فَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ
وَشُرَكَاءَكُمْ)، فهذا يدل على هذا الإضمار، ويُقال: أجمعت
الأمر وجمعت الأمر وأجمعت عليه.
(1/147)
وذهب المحققون من أصحابنا إلى أنّه مفعول
معه تقديره: مع شركائكم. كما أنشد سيبويه:
فكُونُوا أُنتُم وَبني أبِيكُم ... مَكَانَ الكُليتَينِ مِنَ
الطحالِ
ويدل على صحة هذا القول قراءة الحسن (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ
وَشُرَكَاءَكُمْ) فعطف على المضمر في (اجمعوا). وحسن العطف
عليه لأنّ الفصل قام مقام التوكيد.
* * *
قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ)
اختلف في قوله (نُنَجِّيكَ):
فقال أكثر المفسرين: معنى ننجيك نخلصك ببدنك أي بجسمك؛ لأنّه
لو سلط عليه دواب البحر فأكلته لادعى قومه أنّه لم يمت،
فالمعنى على هذا: نخرجك ببدنك بعد موتك.
وقال أبو العباس المبرد: الناس يغلطون في هذا. إنما المعنى في
(ننجيك) نلقيك بنجوةٍ من الأرض، والنجوة ما ارتفع من الأرض،
قال الشاعر:
فَمَنْ بِنَجْوَتِه كمَنْ بِعَقْوته ... والمُستَكِنُّ كمَنْ
يَمْشِي بقِروَاحِ
وقوله (بِبَدَنِكَ) أي بدرعك. والدرع يسمى بدنا.
قال غيره: المعنى ببدنك دون روحك.
(1/148)
قوله تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ
آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ)
القرية مأخوذ من قريت الماء إذا جمعته، والخزي: الهوان والوضع
من القدر وأصله العيب.
ويُسأَل عن (لولا)؟
وفيها جوابان:
أحدهما: أنّه بمعنى (هلاّ) يكون تحضيضًا، نحو قول الشاعر:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُم ... بَنِي
ضَوْطَرَى لَوْلا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا
ويكون تأنيباً، نحو قولك: لولا امتنعت من الفساد، كما تقول:
هلا، والمعنى على هذا: هلا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا
قوم يونس. والأصل: فلولا كان أهل قرية، فحذف.
والجواب الثاني: أن " لولا " بمعنى " ما " النفي، وهذا قولٌ
ذكره ابن النحاس، ولم أسمعه عن غيره. والتقدير على هذا: ما
كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس.
ويُسأَل عن هذا الاستثناء ما هو؟
والجواب: أنّه استثناء منقطع في اللفظ؛ لأنَّه بعد (قرية)،
متصل في المعنى إذ المعنى: فلولا كان أهل قرية.
(1/149)
ويونس اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتعريف،
وليس من الأنس والاستنناس وإن وافق اللفظُ اللفظَ.
* * *
قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي
شَكٍّ مِنْ دِينِي)
الشك: التوقف بين الحق والباطل، والدين هاهنا: الملة.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم قال (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ
دِينِي) وهم يعتقدون بطلان هذا الدين؟
وعن هذا ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن يكون التقدير: من كان شاكًّا في أمري وهو مصمم على
أمره فهذا حكمه.
والثاني: أن يكون المعنى أنّهم في حكم الشاك لاضطراب أنفسهم
عند ورود الآيات.
والثالث: أن يكون فيهم الشاك وغير الشاك، فجرى على التغليب.
وهذه الأقوال كلها عن أصحاب المعاني.
ويقال: لم جعل جواب (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ) (لا أعبُدُ)،
وهو لا يعبد غير الله شكوا أو لم يشكوا؟
والجواب: أنّ المعنى لا تطمعوا أن تشككوني بشككم حتى أعبد غير
الله كعبادتكم، كأنّه قال: إن نتم في شك من ديني فلا أعبد
الذين يعبدون من دون الله بشككم.
* * *
(1/150)
وَمِنْ سُورَةِ (هُودٍ) عليه السلام
قوله تعالى (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ
الْمَاءِ)
معنى آوي: أنضم، والعصمة: المنع.
ومما يسأل عنه أن يقال: لم دعاه إلى الركوب معه وقد نهي أن
يركب معه كافر؟
والجواب: أنّ الحسن قال: كان منافقاً يظاهر بالإيمان، وقال
غيره: دعاه على شريطة الإيمان.
ويُسْأَل عن قوله تعالى: (إِلَّا مَنْ رَحِمَ)؟
وفيه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أن يكون استثناء منقطعاً، كأنّه قال: لكن من رحم معصوم.
والثاني: أن يكون المعنى: لا عاصم إلا من رحمنا، كأنّه في
التقدير: لا عاصم إلا الله.
والثالث: أن يكون المعنى: لا عاصم إلا من رحمه الله فنجاه. وهو
نوح عليه السلام.
وقيل " عاصم " هاهنا بمعنى معصوم، والتقدير على هذا: لا معصوم
من أمر الله إلا من رحمه الله، و " فاعل " قد يأتي في معنى "
مفعول "، وعلى هذا قوله تعالى: (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ
رَاضِيَةٍ)، وقال الحطيئة:
دَعِ المَكارِمَ لَا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها ... واقْعُدْ
فإنَّك أنتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي
(1/151)
و" عاصم " مع " لا " بمنزلة اسم واحد مبني
على الفتح لتضمنه معنى " مِنْ "، لأنّ هذا جواب " هل من عاصم "
وحق الجواب أن يكون وفق السؤال، فكان يجب أن يكون " لا من عاصم
" إلا أنّ " مِنْ "، حذفت، وضُمِّن الكلام معناها، فبني الاسم،
وخبر " لا "، اليوم "، والعامل في " اليوم " الخبر المحذوف،
كأنّه في التقدير: لا عاصم كائن اليوم، ولا يجوز أن يعمل عاصم
في " اليوم " لأنّه يصير فى صلته، ويبقى بلا خبر.
* * *
قوله تعالى: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ
إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)
يسأل عن قوله: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)؟
وفيه جوابان:
أحدهما: أنّه ليس من أهلك الذين وعدتك أنّ أنجيهم معك، وكان
ابنه لصُلبه، عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك،
واحتجوابقوله: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ).
وقدره بعضهم: ليس من أهل دينك.
والثاني: أنّه لم يكن ابنه لصلبه، ولكن كان ابن امرأته، وروي
عن الحسن ومجاهد أنهما قالا كان لغير رشده.
وقال أصحاب المعارف اسمه (يام).
(1/152)
وقرأ الكسائي (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ
صَالِحٍ)، جعله فعلا ماضيا، وقرأ الباقون (إِنَّهُ عَمَلٌ
غَيْرُ صَالِحٍ)، وفي هذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن يكون المعنى: إنه ذو عمل غير صالح، ثم حذف المضاف
وأقام المضاف إليه مقامه.
والثاني: أنّه لما كثر منه ذلك أقام المصدر مقام اسم الفاعل،
كما قالت الخنساء (3):
تَرْتَعُ مَا رَتَعتْ حَتَّى إِذا ادَّكَرَتْ ... فإِنما هِيَ
إِقْبَالٌ وإِدْبارُ
ومن كلام العرب: إنما أنت أكلٌ وشرب.
وقد روي عن ابن عباس ومجاهد وإبراهيم أنّ المعنى: إن سؤالك هذا
عمل غير صالح، فعلى هذا الوجه لا يكون في الكلام حذف.
* * *
قوله تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ)
يقال: أقلع السحابُ إذا ارتفع، وغاض الماء إذا غاب في الأرض،
والجودى: جبل بناحية آمد، قال أمية:
سُبْحانَه ثُمَّ سُبْحاناً يَعُودُ لَهُ ... وقَبْلَنا سَبَّح
الجُودِيُّ والجُمُدُ
ومعنى (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) وقع إهلاك قوم نوح.
(1/153)
ونصب (بُعْدًا) على المصدر وفيه معنى
الدعاء، ويجوز أن يكون من قول الله تعالى، ويجوز أنّ يكون من
قول المؤمنين.
وقد جمعت هذه الآية من عجيب البلاغة أشياء:
منها - أنّ الكلام خرج مخرج الأمر على جهة التعظيم لفاعله من
نحو: كن فيكون، من غير معاناة ولا لغوب.
ومنها - حسن البيان في تقدير الحال.
ومنها - الإيجاز من غير إخلال.
ومنها - تقبل الفهم على أتم الكمال.
إلى غير ذلك من المعاني اللطيفة، وقد رأيت في معنى هذه الآية
في نصف سفر من أسفار التوراة. وأنت تراها هاهنا في غاية
الإيجاز والاختصار والبيان؛ ويروى أنّ كفار قريش لما تعاطوا
معارضة القرآن عكفوا على لباب البر ولحوم الضأن وسلاف الخمر
أربعين يوماً، لتصفوا أذهانهم، وكانوا من فصحاء العرب، وأخذوا
فيما أرادوا، فلمَّا سمعوا هذه الآية قال بعضهم لبعض: هذا كلام
لا يشبه كلام المخلوقين وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ
بِالْبُشْرَى)
السلام في الكلام على أربعة أوجه:
السلام التحية، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل، ومنه قوله
تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ)، والسلام
جمع سلامة مثل حمام وحمامة، وقد قيل في قوله تعالى: (لَهُمْ
دَارُ السَّلَامِ)، أي: دار السلامة؛ لأنَّ من صار إليها يسلم
من آفات الدنيا وعذاب النار، والسلام ضرب من الشجر وهو من
العِضَاه سمي بذلك لأنّه لعظمه يسلم من العوارض الداخلة عليه.
(1/154)
والحنيذ: المشوي، وهو " فعيل " بمعنى "
مفعول " أي: محنوذ، كما يقال: طبيخ ومطبوخ.
قال العجاج:
وَهَرَبًا مِن حَنذِه أنْ يَهَرَجَا
وقيل: حنيذٌ نضيجٌ
ومما يسأل عنه أن يقال: لِمَ قدم إلى الملائكة الطعام وهو يعلم
أنّهم لا يأكلون؟
والجواب: أنّهم لما أتوه في غير صورهم توهم أنّهم أضياف، قال
الحسن أتوه في صورة الآدميين فاستضافوه.
ويُسأَل عن البشرى التي أتوا بها؟
والجواب: أنها كانت بإسحاق، هذا قول الحسن. وقال غيره: كانت
بهلاك قوم لوط.
وقرأ حمزة والكسائي (سِلْمٌ)، وقرأ الباقون (سَلَامٌ).
وقيل فى " سِلْمٌ " أنّ معناه " المسالمة ".
وقيل " سِلْمٌ " و " سلام " بمعنى، كما يقال: حِلٌّ وحلالٌ،
وحِرْمٌ وحَرَامٌ، وِإثمٌ وآثامٌ.
قال الشاعر:
وَقَقنَا فَقُلْنَا إِيه سِلمٌ فَسَلَّمَتْ ... كَمَا انْكَلَّ
بالبَرْقِ الغَمامُ اللَّوائِحُ
(1/155)
ويُسأل: لم نصب (قَالُوا سَلَامًا). ورفع
(قَالَ سَلَامٌ)؟
والجواب: أنّ الأول على معنى: سلمنا سلاماً، كأنّه دعاء له.
والثاني على معنى: عليكم سلامٌ.
إلا أنّه خولف بينهما لئلا يتوهم الحكاية، ولأن المرفوع أبلغ،
لأنّه حاصل. والمنصوب مجتلب.
فالأول على هذا مصدر لفعل مضمر، والثاني مبتدأ وخبره محذوف،
وأجاز بعضهم أن يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنّه قال: أمرنا سلام.
* * *
قوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ
فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ)
يسأل عن معنى (ضَحِكَتْ)؟
والجواب: أنها ضحكت سروراً بالسلامة.
وجاء في التفسير: أنها كانت قائمة بحيث ترى الملائكة.
وفيل: كانت من وراء الستر تسمع كلامهم.
وقيل: كانت قائمة تخدم الأضياف، وإبراهيم عليه السلام جالس.
وقيل: ضحكت تعجباً من حال الأضياف في امتناعهم من أكل الطعام.
وقيل: ضحكت تعجباً من حال قوم لوط إذ أتاهم العذاب وهم في
غفلة، وهذا قول قتادة.
وقيل: ضحكت تعجباً من أن يكون له ولد، وهي عجوز قد هرمت، وهذا
قول وهب بن منبه.
وقال مجاهد: ضحكت بمعنى حاضت، قال الفراء لم أسمعه من ثقة،
ووجهه أنّه على طريق الكناية، قال الكميت:
وَأُضحَكتِ السِّبَاعَ سُيُوفُ سَعدٍ ... لِقَتْلى ما دُفِنَّ
ولا وُدينَا.
(1/156)
و (يَعْقُوبُ) مرتفع بالاستئناف، وفيه معنى
البشارة، وهو ولد إسحاق. بشرت بنبي بين نبيين، وهو (إسحاق)
أبوه نبي. وابنه نبي.
فأما من قرأ (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)، فإنه نصب
بإضمار فعل يدل عليه (بشرنا) كأنّه قال: ومن وراء إسحاق وهبنا
لها يعقوب. وأجاز بعضهم أن يكون معطوفاً على (إسحاق)، كأنّه
قال: فبشرناها بإسحاق ويعقوب من وراء إسحاق. قالوا: والوراء
بمعنى الولد، والظاهر في الكلام أنّ وراء بمعنى خلف.
ومنع أكثر النحويين العطف هاهنا؛ لأنّه لا يجوز العطف على
عاملين مع تأخره عن حرف العطف، فلا يجوز: مررت بزيد فى الدارِ
والبيتِ عمروٍ، وكذلك إن قلت: مررت بزيد فى الدار وفي البيت
عمروٍ وإنما لم يجز العطف على عاملين؛ لأنّه أضعف من العامل
الذي قام مقامه، وهو لا يجر ولا ينصب، أعني: حرف العطف. وأجازه
الأخفش، وأنشد:
سَألتُ الفَتَى المكّي ذا العلم ما الذي ... يحلُّ مِنَ
التَّقبيلِ في رَمضَانِ
فقالَ ليَ المكيُّ أمَّا لزوجةٍ ... فسبعٌ وأمَّا خُلةٍ فثمانِ
قرأ حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم (وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ
يَعْقُوبَ)، نصبا على ما ذكرناه من إضمار فعل، أو على أنّه في
موضع جر، وهو مذهب الأخفش.
(1/157)
وقرأ الباقون رفعا على الابتداء و (وَمِنْ
وَرَاءِ إِسْحَاقَ) الخبر، ويجوز أن ترفعه بالظرف الذي هو
(وراء) وهو قياس قول أبي الحسن الأخفش.
* * *
قوله تعالى: (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي
شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72))
البعل: الزوج، وأصله القائم بالأمر، ومن هذا قيل للنخل بعلٌ.
وهو الذي استغنى عن سقي الأنهار والعيون وماء السماء؛ لأنّه
قائم بأمره في استغنائه عن تكلف السقي.
وبعل اسم صنم، ومنها قوله تعالى (أَتَدْعُونَ بَعْلًا
وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ).
والعجيب والعجاب بمعنى واحد، قال ابن إسحاق: كان لإبراهيم عليه
السلام حين بشر بإسحاق ويعقوب مائة وعشرون سنة ولسارة تسعون
سنة.
ويُسأَل عن النصب في قوله (شَيْخًا)؟
والجواب: أنّه منصوب على الحال، والعامل فيه معنى التنبيه الذي
في (ها)، كأنّه قال: انتبه وانظر. وإن شئت جعلت العامل فيه
معنى الإشارة، أي: أشرت إليه شيخاً. وإن شئت أعملت فيه
مجموعهما. وكذا ما جرى مجراه، تقول: هذا زيد مقبلًا، ولا يجوز:
مقبلا هذا زيد؛ لأنَّ العامل غير متصرف، فإن قلت: ها مقبلا ذا
زيد، وجعلت العامل معنى الإشارة لم يجز، وإن جعلت العامل معنى
التنبيه جاز.
(1/158)
ويجوز الرفع في (شيخ) من خمسة أوجه:
أحدها: أن تجعل " شيخاً " بدلًا من " بعلي ". كأنك قلت: هذا
شيخ.
والثاني: أن يكون (بعلي)، بدلا من " هذا ": " شيخ " خبر
المبتدأ.
والثالث: أن يكون " بعلي " و " شيخ " جميعاً خبراً عن " هذا "،
كما تقول: هذا حلو حامض، أي: جمع الطعمين.
والرابع: أن يكون " بعلي " عطف بيان على هذا و" شيخ " خبر
المبتدأ.
والخامس: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، كأنك قلت: هو شيخ.
* * *
قوله تعالى: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ)
يقال: سرى وأسرى، والسرى: سير الليل، قال الله تعالى:
(وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ)، فهذا من سرى. وقال (سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)، وقال امرؤ القيس:
سَرَيْتُ بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مطيُّهم ... وَحَتَّى الجِيادُ
مَا يُقَدْن بأَرْسانِ
وقال النابغة:
سَرَتْ عَلَيْهِ منَ الجَوْزاء ساريةٌ ... تُزْجي الشَّمالُ
عَليَه سالِفَ البَرَدِ
فقال أسرت. وقال: سارية أخذه من (سرى) فجمع بين اللغتين.
و (القطع) القطعة العظيمة تمضي من الليل.
(1/159)
قال ابن عباس: طائفة من الليل.
وقيل: نصف الليل. كأنّه قطع نصفين
وقرأ ابن كثير ونافع (فَاسْرِ) من سريت، وقرأ الباقون
(فَأَسْرِ).
وقرأ أبن كثير وأبو عمرو (إِلَّا امْرَأَتُكَ) بالرفع على
البدل من (أَحَدٌ)، كأنّه قال: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك.
وقرأ الباقون (إِلَّا امْرَأَتَكَ) بالنصب على الأصل في
الاستثناء من أحد شيئين: إما من الأهل، وإما من أحد، فالتقدير
الأول: فاسر بأهلك إلا امرأتك فهذا استثناء من موجب، والتقدير
الثاني: ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك، وهذا استثناء من منفي
به.
* * *
قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ
فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106))
الشقاء والشقاوة والشقوة بمعنى. والماء في شقي منقلبة عن واو.
والزفير: ترديد الصوت من الحزن، وأصله: الشدة، من قولهم مزفور
للشديد الخلق، وزفرت النار إذا سمع لها صوت من شدة توقدها.
والشهيق: صوت فظيع يخرج من الجوف بمد النفس، ويقال: الزفير أول
نهاق الحمار والشهيق آخره.
والخلود -: البقاء في أمدٍ ما، والفرق بين الخلود والدوام: أنّ
الدائم الباقي أبداً، والخالد الباقي في أمدٍ ما، ولذلك يوصف
القديم تعالى بأنه دائم ولا يوصف بأنه خالد.
(1/160)
السعادة ضد الشقاوة. والجذُّ: القطع، قال
النابغة:
تجُدُّ السَّلُوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجُه ... وتُوقِد
بالصُّفُّاحِ نارَ الحُباحِب
واختلف في تأويل هاتين الآيتين. وهما من أشد ما في القرآن
إشكالًا، والكلام فيهما يأتي على ضربين:
أحدهما: على معنى الاستثناء.
والثاني: على معنى تحديد الخلود بدوام السماوات والأرض.
قال ابن زيد بن أسلم: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) استثناء في
الزيادة من العذاب لأهل النار، والزيادة من النعيم لأهل الجنة،
وقد بينه بقوله تعالى: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)، و (إلا)
على هذا بمعنى (سوى).
قال قتادة: الله أعلم بثنياه، ذكر لنا ناساً يصيبهم سفعٌ من
النار بذنوبهم، ثم يدخلهم الجنة برحمته، يسمون (الجهنميين)،
والاستثناء على هذا متصل من الموحدين الذين هم من أمة محمد صلى
الله عليه وسلم. العاصين. قال: وهم الذين أنفذ فيهم الوعيد ثم
أخرجوا بالشفاعة و (ما) على هذا القول بمعنى (من) كما قال
تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)، وكما تقول
العرب إذا سمعت الرعد: سبحان ما سبحت له.
قال الفراء والزجاج وغيرهما: هو استثناء من الزيادة في الخلود
لأهل النار ولأهل الجنة، و (إلا) بمعنى (سوى)، حكى سيبويه: لو
كان معنا رجل إلا زيدٌ لهلكنا؛ أي: سوى.
وقيل: المعنى إلا من شاء ربك أن يتجاوز عنه، وهو استثناء من
الجنس، وهذا كقول قتادة.
(1/161)
وقيل: إنّ (ما) بمعنى (من) والاستثناء من
الأعيان. والتقدير: إلا من شاء ربك أن يخرجه بتوحيده من النار
ويدخله الجنة. وإلا من شاء ربك من أهل الجنة ممن يدخله النار
بذنوبه وإصراره ثم يخرجه منها. وهو أيضا كقول قتادة.
وروي عن السُّدِّي أنّه قال: الاستثناء لأهل الشقاء هو لأهل
التوحيد الذين يدخلون النار فلا يدومون فيها مع أهلها بل
يخرجون منها إلى الجنة، وفي أهل السعادة استثناء مما يقضى لأهل
التوحيد المخرجين من النار، فالاستثناء لأهل الشقاء على هذا من
الأعيان، و (ما) بمعنى (من) ولأهل السعادة من الزمان، و (ما)
على بابها، وقد روي مثل هذا عن الضحاك، وهو قريب من قول قتادة.
وقال يحيى بن سلام البصري: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) يعني ما
سبقهم به الذين دخلوا قبلهم من الفريقين، واحتج بقوله تعالى:
(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا)
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ
زُمَرًا) قال: والزمرة تدخل بعد الزمرة، فلابد أن يقع بينهما
تفاوت في الدخول، والاستثناءان على هذا من الزمان.
وقال الفراء والزجاج وغيرهما: هو استثناء تستثنيه العرب
وتفعله. كقولك: والله لأضربن زيداً إلا أنّ أرى غير ذلك، وأنت
عازم على ضربه، والضمير عائد على المؤمنين والكافرين الذين
تقدم ذكرهم.
وقال المازني: هو استثناء من الزمان الذي هم فيه، في قبورهم
إلى أن يبعثوا. وقال الزجاج أيضاً مثل هذا.
وقال جماعة من المفسرين: الاستثناء واقع على مقامهم في الحشر
والحساب؛ لأنَّهم حيننذ ليسوا في جنة ولا نار.
وقال جماعة من أصحاب المعاني: هو استثناء واقع على الزيادة في
الخلود على مقدار دوام السماوات والأرض في الدنيا، ثم قال
(إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) من الزيادة في مدة الخلود على دوام
السماوات والأرض في الدنبا.
قال أبو عبيدة: عزيمة المشيئة تقدمت بخلود الفريقين، فوقع
الاستثناء، والعزيمة قد تقدمت بالحتم في الخلود، وهو كقول
الفراء والزجاج في بعض ما روي عنهما.
(1/162)
وروي عن الزجاج أيضًا أنّه استثناء يجوز أن
يكون وقع على قوله: (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) (إِلَّا
مَا شَاءَ رَبُّكَ) من أنواع العذاب التي لم تذكر. وفي أهل
الجنة استثناء مما دل عليه الكلام، كأنّه قال: لهم نعيم ما ذكر
وما لم يذكر مما شاء الله.
قال بعض الكوفيين: " إلا " بمعنى " الواو " أي: خالدين فيها ما
دامت السماوات والأرض وما شاء ربُّك من الزيادة على دوامهن في
الدنيا.
وقال بعضهم: هو استثناء في أهل الشقاء على تقدير: إلا ما شاء
ربك من الوقت الذي يسعدهم فيه بدخول الجنة. وفي أهل السعادة
إلا ما شاء ربك من الوقت الذي أشقاهم فيه بدخول النار، و " ما
" للزمان الذي يكونون فيه، وهو في الموضعين للموحدين العصاة.
وقال جماعة: الاستثناء لأهل التوحيد، والمعنى: إلا ما شاء
ربُّك أن يتجاوز عنهم، ولا يدخلهم النار. قال أبو مجلز: جزاؤه
إن شاء تجاوز عنهم والاستثناء من الأعيان وهو العصاة من
الموحدين، و (ما) بمعنى (من)، وكان الحسن يقول: استثنى ثم عزم
(إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، وإنه أراد أن يخلدهم
بقوله (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ).
وقال بعضهم المعنى: خالدين فيها بعد إعادة السماوات والأرض،
لأنّه تعالى يفنيهما حتى تكونا آخراً كما كانتا أولًا، ثم
يعيدهما. فاستثنى (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، فوقع الاستثناء
على موقفهم فى الحساب حتى يفرغ منه.
وقيل: الاستثناء واقع على الموقوفين على النار من المؤمنين،
فإذا أخرجوا من النار بالشفاعة، وأدخدوا الجنة سقط الاستثناء
عنهم وعن أهل النار، وبقي كل فريق فيها بعد مخلداً أبد
الآبدين، وهو كقول قتادة والضحاك.
فهذه أقوال العلماء، وفيها تداخل إلا أني أوردتها على ما
سمعتها من شيوخنا رضي الله عنهم وأما تجديد الخلود بدوام
السماوات والأرض فقال قتادة: ما دامت السماوات والأرض مبدلتين.
وقال عبد الرحمن بن زيد: ما دامت السماء سماءً والأرض أرضاً،
وقيل: ما دامت سماوات أهل الآخرة وأرضهم، وقيل: العرب تستعمل
دوام السماوات والأرض في معنى الأبد؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنّ
ذلك لا يتغير فخاطبهم الله تعالى على قدر عقولهم وما يعرفون.
(1/163)
قال زهير:
ألا لا أُرى عَلى الحَوادثٍ بَاقيا ... وَلا خَالدًا إلا
الجَبالَ الرَواسِيا
وإلا السماءَ والبلادَ ورَبَّنا ... وأيامَنا مَعدُودَةً
واللياليَا
لأنّه توهم أنّ هذه الأشياء تخلد ولا تتغير.
وقال عمرو بن معدي كرب:
وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أَخُوه ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إلَّا
الفَرْقدانِ
لأنّه توهم أنّ الفرقدين لا يفترقان.
قال يحيى بن سلام: الجنة في السماء والنار في الأرض، وذلك ما
لا انقطاع له.
قال عمرو بن عبيد قال بعض أهل العلم: إنما عنى بقوله (خَالدينَ
فيها) بعدما يعيدهما، وذلك أنّه يفنيهما، فكأنه قال: خالدين
فيها بعد ما يعيد السماوات والأرض.
وقال أحمد بن سالم: المعنى في أهل النار خالدين فيها ما دامت
سماوات أهل النار وأرضهم، وكذلك في أهل الجنة ما دامت سماواتهم
وأرضهم، قال: وسماء الجنة العرش والكرسي.
وقد أشبعت القول على هاتين الآيتين في كتاب " متخير الفريد ".
وقرأ الكسائي وحمزة وحفص عن عاصم (وَأَمَّا الَّذِينَ
سُعِدُوا) بضم السين، وقرأ الباقون (سَعِدُوا) بفتحها، وفي ضم
السين بُعد، ومجازه: أنّه استعمل على حذف الزيادة، وعلى هذا
قالوا " مسعود " وإنما هو من أسعده الله، وقالوا " مُحَبوب "
وحقه أن يقال " مُحَب "
قال عنترة:
وَلقَدَ نَزَلْتِ فلا تَظُني غيرَهُ ... مِنِّي بِمنزلةِ
الْمُحبِّ المكرَّمِ
وهذا وإن كان الأصل فمحبوب أكثر في الاستعمال، وزعم بعضهم: أنّ
" سَعِدَ " يتعدى ولذلك بناه لما لم يسمَّ فاعله؛ لأنَّ اللازم
لا يجوز رده إلى ما لم يسمَّ فاعله.
(1/164)
قوله تعالى: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا
لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ)
قرأ ابن كثير ونافع (وَإِنْ كُلًّا) بالتخفيف على أنهما أعملا
(إنْ) مخففة كعملها مثقلة. وقرأ ابن عامر بتشديد (إنَّ) على
الأصل. وكذلك حمزة وحفص عن عاصم، وقرأ أبو عمرو والكسائي كذلك
إلا أنهما خففا الميم، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بتخفيف
(إنْ) وتشديد الميم.
وهذه اللام لام القسم دخلت على (ما) التي للتوكيد. وقيل: هي
لام الابتداء دخلت على معنى (ما)، وحكي عن العرب: إني لبحمد
الله لصالح.
فأما من شددها ففيها خمسة أوجه:
أحدها: أنّ المعنى: لمما، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت واحدة ووقع
الإدغام، قال الشاعر:
وإني لمما أُصدِرُ الأمرَ وَجَههُ ... إذا هُوَ أُعْيا
بالنَبيلِ مَصَادِرُه.
والثاني: أنها بمعنى، (إلا) كقول العرب، سألتك لما فعلت.
والثالث: أنها مخففة شددت للتأكيد، وهو قول المازني.
والرابع: أنها من " لممت الشيء " إذا جمعته، إلا أنها بنيت على
(فعلى) فلم تصرف مثل تترى والخامس: أنّ الزهري قرأ (لما)
بالتنوين بمعنى شديد. و، (كلٌّ) معرفة؛ لأنَّها في نية
الإضافة.
* * *
(1/165)
|