إعراب القرآن للأصبهاني وَمِنْ سُورَةِ (الْكَافِرِينَ)
قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا
أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2))
قال الزجاج المعنى: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) في الحال،
(وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا
عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4))، في المستقبل إذا لم تؤمنوا
(وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5))، في المستقبل؛
لأنّه قد أيس من إيمانهم.
قال أبو إسحاق: [ ... ] النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا
إلهه يوماً، ويعبد آلهتهم يوماً، أو جمعة وجمعة، أو شهراً
وشهراً، أو سنة وسنة، فأنزل الله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3))، مجامعة (وَلَا أَنَا
عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)، مشاهدة، (وَلَا أَنْتُمْ
عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)، مشافهة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ
دِينِ (6)).
* * *
(1/558)
وَمِنْ سُورَةِ (النَّصْرِ)
قوله تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3))
(الفاء) جواب (إذا)
و (تَوَّابًا): خبر (كَانَ)
ويروى: أنّه نعيت له نفسه - صلى الله عليه وسلم-.
* * *
(1/559)
وَمِنْ سُورَةِ (أَبِي لَهَبٍ)
قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا
أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2))
تَبَّتْ: خسرت، وأبو لهب: عمُّ النبي صلى الله عليه، وذكر
بكنيته دون اسمه؛ لأنَّها كانت أغلب عليه، وقيل: كان اسمه عبد
العزى، فكره الله تعالى أن ينسبه إلى العزى [ ... ] إنما هو
عبد الله.
وقوله: (ما أغنَى عَنهُ مَالهُ) يجوز في (ما) وجهان:
أحدهما: أن تكون نافية، والمعنى: ما أغنى عنه ماله.
والثاني: أن تكون استفهاماً، وموضعها نصب، والتقدير: أيّ شيء
أغنى عنه ماله.
* * *
قوله تعالى: (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3))
جاء في التفسير: أنَّ (أم جميل) حمالة الحطب، كانت تحمل الشوك
وتلقيه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: حمالة
الحطب (ثمامة)، والأوّل قول ابن عباس والضحاك وابن زيد،
والثاني قول عكرمة ومجاهد وقتادة.
(1/560)
والجيد: العنق، والمسد: الليف.
قال الفراء: يرتفع (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) من
جهتين:
أي: يَصْلَى وامرأته نار جهنم، و (حمالة) صفة لها هذا وجه.
والوجه الآخر: يقول: ما أغنى عنه ماله وامرأته في النار. فيكون
(في جيدها) الرافع بها يعني: أنّ (امرأته) مبتدأ، و (في جيدها)
الخبر. وإن شئت جعلت (حمالة الحطب) رافعة لها، أي: خبراً. كأنك
قلت: ما أغنى ماله وامرأته هكذا.
ومن نصب (حَمَّالَةَ) فعلى القطع، لأنها نكرة؛ لأنَّ الانفصال
مقدر فيها، أو على الشتم والذم، والوجه الأول لا يجوز عند
البصريين.
* * *
(1/561)
وَمِنْ سُورَةِ (الْإِخْلَاصِ)
قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ
(2))
قال الفراء: سأل الكفار النبي صلى الله عليه، فقالوا: ما
ربُّك؟ أمن ذهب أم من فضة؟ أيأكل أم يشرب؟ فأنزل الله تعالى:
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ)، والتقدير على
هذا: قل الحديث الذي سألتم عنه (اللَّهُ أَحَدٌ) فـ (هُوَ)
مبتدأ و (اللَّهُ) مبتدأ ثانٍ و (أَحَدٌ) خبر المبتدأ الثاني،
والجملة خبر عن الأول، هذا مذهب البصريين.
وقال الكسائي: (هو) عماد حكى ذلك الفراء وخطأه فيه؛ لأنّه ليس
قبله ما يعتمد عليه. وهو كما قال؛ لأنَّ العماد إنما يكون بين
معرفتين لا تستغني إحداهما عن الأخرى، أو بين معرفة ونكرة
تقارب المعرفة، وذلك في باب الابتداء، وباب كان، وباب (إن)،
وباب الظن.
* * *
وقوله: (اللَّهُ الصَّمَدُ (2)) (اللَّهُ) مبتدأ، و
(الصَّمَدُ) خبره، ويجوز أن يكون (الصَّمَدُ) نعتاً لله تعالى،
و (اللَّهُ) خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الله الصمد، وقيل:
(اللَّهُ) بدل من (أحد) كأنّه في التقدير: قُلْ هُوَ اللَّهُ
الصَّمَدُ.
واختلف في (الصَّمَدُ):
فقيل: هو السيد، وأنشد النحويون:
لقَد بَكّر النَاعي بخير بني أسَدْ ... بعَمر بن مَسعُود
وبالسَّيد الصَمَدْ
(1/562)
وقيل: (الصَّمَدُ) الذي لا جوف له. وقيل:
(الصَّمَدُ) الفرد، وقيل (الصَّمَدُ) الذي لا يطعم.: قل
(الصَّمَدُ) الذي لا كفء له.
والأصل في (أحد): وَحَد. فأبدلوا من (الواو) (همزة) كما قالوا:
امرأة أناة، والأصل: وناة. وقيل: أحد بمعنى أول، ولا بدل في
الكلام، ومنه يقال: يوم الأحد.
وقرأ أبو عمرو (أحَدُ اللهُ الصَّمَدُ) بغير تنوين، حذفه
لالتقاء الساكنين رواه عنه هارون، وروي نصر عن أبيه عن أحمد بن
موسى: (أحَدْ اللهُ الصًمَدُ). وقيل: إنه نوى الوقف؛ لأنّه رأس
آية فلذلك حذف التنوين، والوجه الأول أولى، قال الشاعر:
فَألفَيتُهُ غَيرَ مُستَعتبٍ ... ولا ذاكرَ اللهِ إلا قليلا
* * *
قوله تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4))
(1/563)
[ ... ] ويجوز في (كُفُوًا) وجهان:
أحدهما: أن يكون خبرًا لـ (يكن).
والثاني: أن يكون حالًا من (أحد) [ ... ] في الأصل وصفاً فلما
[ ... ] على الحال [ ... ].
لِمَيَّةَ موحِشاً طَلَلٌ ... يَلُوح كأنَّه خِلَلُ
ويكون (له) الخبر. وهو قياس قول [ ... ] أن تخبر النكرة عن
النكرة؛ لأنَّ فيها فائدة، والفائدة في قوله (له).
* * *
(1/564)
وَمِنْ سُورَةِ (الْفَلَقِ)
قوله تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ
مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3))
(ما) في موضع جر بإضافة (شَرِّ) إليها. وفي هذا دلالة على أنّ
الله تعالى قد خلق الشَّرَّ.
وقرأ عمرو بن عبيد (مِنْ شَرٍّ مَا خَلَقَ) بالتنوين؛ لأنّه
كان [ ... ] أنّ الله لم يخلق الشَّرَّ [ ... ]، من وجهين:
أحدهما: أنّه كان يبطل معني الاستعاذة.
والثاني: أنّه يعمل ما بعد النفي فيما قبله، وهذا لا يجوز.
* * *
قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3))
الغاسق: الليل، ووقب: دخل في كل شيء، وروي عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت: الغاسق: [ ... ]
سمي الليل غاسقاً لأنّه أبرد من النار، وأصل الغسق: البرد،
ومنه قوله تعالى (إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا).
* * *
(1/565)
وَمِنْ سُورَةِ (النَّاسِ)
قوله تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي
يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس
ِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6))
الوسواس: الصوت الخفي، والوسواس: صوت الحُلي [ ... ] فإذا
استغفر العبد خنس، وقيل في الوسواس ثلاثة أقوال.
أحدها: أنّ المعنى من شرِّ الوسوسة التي [ ... ]
والثاني: أنّ المعنى من شر ذي الوسواس وهو الشيطان.
والثالث: أن يكون (من الجنة) بياناً أنّ منهم [ ... ]
وقوله: (وَالنَّاسِ) معطوفاً على (الوسواس). وقال الفراء (فِي
صُدُورِ النَّاس ِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (الناس)
وقعت هاهنا على الجن والإنس، كقولك: يوسوس في صدور الناس جهنم
وأنسهم. وحكى عن بعض العرب قال: جاء قوم من الجن فقيل: من
أنتم؟ فقالوا: أناس من الجن. والقول الأول أوجه.
قيل: أمر أن يستعاذ من شَرِّ الإنس والجن.
* * *
تَمَّ بحمد الله ومنِّه.
(1/566)
|