إعراب القرآن للأصبهاني وَمِنْ سُورَةِ (الْقَدْرِ)
قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
(الهاء) للقرآن، وإن لم يجرِ له ذكر؛ لأنّه قد عرف المعنى.
وليلة القدر: ليلةٌ يغفر الله تعالى فيها السيئات، وقيل: ليلة
الحكم بما يقضي الله تعالى في السنة من كل أمر، وهو قول الحسن
ومجاهد، وقيل: هي في العشر الأواخر من شهر رمضان، لم يطلع
عليها بعينها الناس، وقيل: إنما أخفاها الله تعالى عن العباد
ليستكثروا من العبادة في سائر أيام العشر طلباً لموافقتها،
وروي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أريتها وأنسيتها).
وروي عنه: (التمسوها لثلاث أو لخمس أو لسبع) قال مالك: أراه
أراد: لثلاث بقين وخمس بقين وسبع بقين، وقيل: هي في الأفراد من
العشر الأواخر، وقال بعضهم: التمسوها في الشهر كله، وقال آخر:
التمسوها في السنة، وهذا كله تحريض على كثرة العمل طلباً
للموافقة، وقيل: قد فُسّرت ليلة القدر بقوله (فِيهَا يُفْرَقُ
كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ). وقيل: ليلة القدر ليلة عظيمة الشأن، من
قولك: رجل له قدره.
* * *
قوله تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5))
(1/536)
قيل الأصل في (تنزل): تتنزل، فحذفت (التاء)
الثانية استثقالًا لاجتماع التاءين، وكانت الثانية أولى
بالحذف؛ لأنّ الأولى دخلت لتدل على الاستقبال، وقيل: تنزل
الملائكة بكل أمر في ليلة القدر [ ... ] حتى يعلمه أهل السماء
الدنيا، وحتى يتصور العباد تنزل أمر الله تعالى إليها، فتنصرف
آمالهم إلى ما يكون منها [ ... ] بما يتجدد من تفضل الله تعالى
فيها.
والروح: جبريل عليه السلام. وقيل: ملك عظيم تقوم الملائكة يوم
القيامة صفاً، ويقوم وحده صفاً.
وقيل (السلام) في ليلة القدر سلام الملائكة بعضهم على بعض،
وقيل: نزولهم بالسلامة والخير والبركة، وقيل: سلام هي من الشر.
وهو قول قتادة.
وقرأ الكسائي (مَطْلِعِ) بكسر اللام، وفتح الباقون.
فمن كسر جعله للوقت، وأكثر ما يأتي ما كان على (فَعَل يفعُل)
نحو: القتل والمنظر والمدخل والمخرج. إلا أنّه قد شذت أحرف
فجاء الزمان والمكان فيها على (مفعِل) وهي: المطلِع والمشرِق
والمغرِب والمنبِت: المجزِر والمسكِن والمسجد، وحكى الفراء:
طلعت الشمس مطلِعاً على المصدر، فعلى هذا تستوي القراءتان،
وكأنه اجتزأ بالاسم عن المصدر، كما قالوا: أعطيته عطاء وأكرمته
كرامة، فأما قوله: (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ
نَبَاتًا) فقيل: أتى على حذف الزيادة. وقيل: المعنى: أنبتكم
فنبتم نباتاً، فنبات من غير (أنبت) على هذا القول.
(1/537)
و (حتى) بمعنى (إلى) والتقدير: إلى مطلع
الفجر.
يجوز في (هي) وجهان:
أحدهما: أن تكون هي مبتدأة و (سلام) الخبر.
والثاني: أن يكون (سلام) مبتدأ و (هي) الخبر.
* * *
(1/538)
وَمِنْ سُورَةِ (لَمْ يَكُنِ) الْبَيِّنَة
قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ)
حركت (النون) من (لَمْ يَكُنِ) لالتقاء الساكنين، فإن قيل: لم
لم ترجع (الواو) وهي إنما حُذِفت لسكون (النون) و (النون) قد
تحركت؟ - قيل: حركة (النون) عارضة لا يعتد بها، فكأن السكون
باقٍ.
وعطف (المشركين) على (أهل الكتاب)، والتقدير: لم يكن الذين
كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين، وقيل: لا يجوز ذلك؛ لأنَّ
المشركين كفار. وأهل الكتاب قد لا يكونون كفارًا، ولكنه مفعول
معه. أي: مع المشركين، ويدل على صحة هذا التأويل: أنّ عبد الله
بن مسعود قرأ: (لم يكُنِ المشركونَ وأهلُ الكِتابِ مُنفَكّين)،
وقل: بل يجوز أن يعطف (المشركين) على (أهل الكتاب)؛ لأنَّ (من)
لإبانة الجنس، كما تقول هذا ثوبٌ من خزٍّ؛ لأنّ الكفار قد
يكونون من غير أهل الكتاب ومن غير المشركين، وهو كقوله:
(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ)؛ لأنَّ الرجس قد
يكون غير الأوثان.
قال الفراء: يريد بقوله:. (مُنفكين) أي: لم يكونوا منتهين حتى
تأتيهم البينة، وهي بعث محمد صلى الله عليه، قال: وقال آخرون:
لم يكونوا تاركين صفته في كتابهم أنّه نبي حتى ظهر، فلما ظهر
تفرقوا واختلفوا، ويصدق ذلك (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ
الْبَيِّنَةُ).
(1/539)
والانفكاك هاهنا: التفرق. ومنفكين هاهنا:
من قولهم: ما انفك زيد قائماً، وأجاز ذلك الفراء، وإذا كانت
كذلك وجب أن يكون لها خبر، ولا خبر هاهنا، فلما كان كذلك وجب
الوجه الأول.
و (رسول) بدل من (البينة)، وقال الفراء: هو مستأنف، والتقدير:
هو رسول من الله، أو: هي. وفي قراءة أُبي (رسولًا من الله)
بالنصب. على القطع، أي: الحال، والبينة: الحجة.
* * *
قوله تعالى: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
فيه قولان:
أحدهما: أنّ المعنى: ذلك دين الملة القائمة أو الشريعة.
والثاني: أنّ المعنى: ذلك دين الأمة القائمة أو الفرقة
القائمة، والقائمة والقيِّمة بمعنى واحد.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)
(1/540)
يجوز في (المشركين) أن يكون معطوفاً على
(الذين كفروا) وذلك على مذهب من جعله هنالك مفعولاً معه. ويجوز
أن يكون معطوفاً على (الذين كفروا) كما كان فيما قبل.
* * *
(1/541)
وَمِنْ سُورَةِ (إِذَا زُلْزِلَتِ)
قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ
مَا لَهَا (3))
الزلزلة: الحركة الشديدة، وهذه الزلزلة تكون يوم القيامة،
والزِّلزال بالكسر: المصدر، والزَّلزال بالفتح؛ الاسم، ومثله:
القَلقال والقِلقال، والوَسواس والوِسواس.
قرأ أبو جعفر (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زَلْزَالَهَا)
بالفتح.
وأثقالها: كنوزها من الذهب والفضة، وقيل: أقواتها.
(وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا) أي: الكافر، يقول: أي شيء
لها وما شأنها تغيَّرت عما كانت عليه.
وقيل: إن الأرض تتكلم يوم القيامة، قال علي بن عيسى: يكون ذلك
على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يقلبها الله حيواناً قادراً على الكلام.
والثاني: أن يحدث الله تعالى الكلام فيها.
والثالث: أنّ كلامها ببيان يقوم مقام الكلام.
وجواب (إذا) محذوف، والتقدير: إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت
الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها رأيت أمراً هائلًا، أو
حُشِر الناس،
(1/542)
وهذا الجواب هو العامل في (إذا)، ولا يجوز
أن يعمل فيها (زلزلت)؛ لأنَّها مضافة إليه والمضاف إليه لا
يعمل في المضاف.
* * *
(1/543)
وَمِنْ سُورَةِ (الْعَادِيَاتِ)
قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ
قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ
نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5))
العاديات: الخيل، والضبح: لهث يتردد من أنفاسها، وقيل: إن
الضبح: حمحمة الخيل عند العدو، وقيل: شدة النفس عند العدو، قال
ابن مسعود: العاديات هي: الإبل، والقول الأول أظهر، وهو قول
ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء.
قيل: أقسم بالعاديات لعظم شأنها في الغارة [ ... ] الله من
المشركين، وقيل التقدير: ورت العاديات، والموريات: التي توري
النار، أي: تظهرها بسنابلها، تقول: أورى القادح النار، وتسمى
النار التي تظهر تحت السنابك (نار الحباحب) لضعفها قال النابغة
في صفة السيوف:
تَقُدُّ السُّلُوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجُهُ ... وتُوْقِدُ
بالصُّفَّاحِ نارَ الحُبَاحِبِ
والمغيرات: جمع مغيرة، من قولك: أغرت على العدو.
والنقع: الغبار، و (الهاء) في قوله: (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا
(4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) يعود على
(1/544)
المكان الذي أغيرت عليه أو الوادي، وقيل:
يعود على فرس المقداد بن الأسود؛ لأنّه كان أشد الخيل ذلك
اليوم، وقيل لم يكن في تلك المغيرة إلا ثلاث من الخيل فرس
المقداد أحدها، وهو ضميرٌ لم يجرِ له ذكر ولكنه قد عرف.
* * *
(1/545)
وَمِنْ سُورَةِ (الْقَارِعَةِ)
قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ
فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
(8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
نَارٌ حَامِيَةٌ (11))
قال الحسن: في الآخرة ميزان له كفتان توزن فيه أعمال العباد.
وقال مجاهد: (ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) على جهة المثل، ويروى عن
عيسى عليه السلام أنّه سُئل فقيل له: ما بال الحسنة تثقل علينا
والسيئة تخف علينا؟ فقال: لأنّ الحسنة حضرت مرارتها وغابت
حلاوتها، فلذلك ثقلت عليكم وعادت في مكروهكم، فلا يحملكم ثقلها
على تركها، فإنّ بذلك ثقلت الموازين يوم القيامة، والسيئة حضرت
حلاوتها، وغابت مرارتها فلذلك خفت عليكم وعادت في محبوبكم، ولا
يحملكم عليها خفتها فإنّ بذلك خفت الموازين يوم القيامة.
وراضية: في معنى مرضية.
وقيل في قوله: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) قولان:
أحدهما: أنّه يهوي على أم رأسه في النار، وهو قول قتادة وأبي
صالح
وقيل: أمه هاوية أي: ضامته وكافلته هاوية، أي: النار شبهت له
بالأم؛ لأنّ الأم تضمه إليها وتكفله، فصارت النار له كالأم.
* * *
(1/546)
وَمِنْ سُورَةِ (التَّكَاثُرِ)
قوله تعالى: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ
الْيَقِينِ (7))
(كَلَّا) زجر. و (عِلمُ اليَقينِ): العلم الذي [ ... ] بعد
اضطراب الشك فيه، وتقديره في الإعراب: علم الخبر اليقين، فحذف
المضاف. ومثله (حَبَّ الْحَصِيدِ)، وأهل الكوفة يقولون: هو
إضافة الشيء إلى نفسه. وهذا لا يجوز عند البصريين.
وقوله: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) قيل: ترونها في الوقف، وهو
قول الحسن.
وقرأ ابن عامر والكسائي (لَتُرَوُنَّ) بالضم على ما لم يسمّ
فاعله، وقرأ الباقون بالفتح على ما سمي فاعله، إلا أنّ الكسائي
وابن عامر [ ... ] في لترونها.
ولا يجوز همز هذه الواو على قياس: أثؤبٍ في أثوب وأعد في وعد؛
لأنّ الضمة هاهنا عارضة لالتقاء الساكنين.
(1/547)
وَمِنْ سُورَةِ (الْعَصْرِ)
قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
العصر: الدهر، عن ابن عباس والكلبي، وقال الحسن وقتادة: هو
صلاة العصر.
والإنسان: في موضع (الناس)، ولذلك جاز الاستثناء فيه.
والخسر: أصله إهلاك رأس المال، فالإنسان في هلاك نفسه وهو أكثر
رأس ماله بمنزلة ذلك.
إلا المؤمن العامل بطاعة ربه الصابر على ذلك والمتواصي بالحق،
وقيل: المراد بذلك (أبو بكر) و (عمر) رضي الله عنهما.
* * *
(1/548)
وَمِنْ سُورَةِ (الْهُمَزَةِ)
قوله تعالى. (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1))
قال محمد بن إسحاق: نزلت في أمية بن خلف، وذلك أنّه رأى النبي
صلى الله عليه وسلم فهمزه ولمزه. فأنزل الله تعالى: (وَيْلٌ
لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ).
والهمزة: الذي يشتم الرجل علانية، قال حسان:
هَمَزتُكَ فاخْتَضَعْتَ لها بذُلٍّ نفسٍ ... بقافِيَة
تَأَجَّجُ كالشُّواظِ
واللمزة: الذي يصيب الناس سراً ويؤذيهم. قال رؤبة:
في ظِلّ عَصرِي بَاطِلي ولمزِي
وقيل: الهمزة: الكثير الطعن على غيره بغير حق، العائب لمن ليس
فيه عيب، يقال: رجل همزة، كما يقال: ضحكة وهزأة، قال ابن عباس
اللمزة: المغتاب العيّاب.
* * *
قوله تعالى: (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ
أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3))
(1/549)
(الذي) في موضع جر على البدل من (همزة)،
ولا يجوز أن يكون نعتاً؛ لأنَّه معرفة، و (همزة) نكرة، ويجوز
أن يكون في موضع نصب على إضمار (أعني)، قد جوز أن يكون في موضع
رفع على إضمار (هو).
وفي حرف عبد الله (وَيْلٌ للهُمزةِ اللُّمَزة) فعلى هذا الوجه
يكون نعتاً.
والويل: القبوح، كذا قال الأصمعي. وقال المفسرون: هو وادٍ في
جهنم.
وقرئ (جَمَّعَ مَالًا) و (جَمَعَ) والتشديد للمبالغة.
وقرأ الحسن (لَيُنْبَذَانِّ فِي الْحُطَمَةِ) أي: الجامع
والمال، وروى: (لينبذُنَّ) يعني: الجامع والمال والعدد؛ لأنّه
قد قرئ (جَمَعَ مَالًا وَعَدَدَهُ).
* * *
قوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ
اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6))
الحطمة: الحاطمة. قال الراجز:
قَد لفَّها الليلُ بسَواقٍ حُطم
(1/550)
ويقال: رحل حُطم. أي: أكول. وأصل الحطم:
الكسر.
وارتفع (نَارُ اللَّهِ) بإضمار مبتدأ تقديره: هي نار الله.
* * *
(1/551)
وَمِنْ سُورَةِ (الْفِيلِ)
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ
الْفِيلِ (1)
(تَرَ) هاهنا بمعنى: تعلم، وليس من رؤية العين؛ لأنّ النبي صلى
الله عليه ما رأى أصحاب الفيل، وفي ذلك العام وُلد النبي صلى
الله عليه. وأصحاب الفيل: الحبشة الذين قصدوا الكعبة ليهدموها،
وزعيمهم " أبرهة الأشرم ".
والأبابيل: الجماعات، قال الفراء: لا واحد لها بمنزلة: شماطيط
وعباديد، قال: وحكى عن الرؤاسي أنّه سمع: إبَّالة، في الواحد،
قال الفراء: وسمعت من العرب من يقول: (ضِغث على إبَّالة)،
وقيل: واحدها (أُبُول) كعجول وعجاجيل، وقيل: واحدها (إبيل)
كسكين وسكاكين، وقيل: واحدها (إيبال) كدينار ودنانير، وقيل: هو
اسمٌ للجمع.
والعصف: الزرع المتحطم، وقيل: العصف: العجين، قال الراجز:
فأصبحُوا مثلَ كعَصفِ مأكُولِ
وسجيل: قيل: هو معرب، وقيل: طين مطبوخ كالآجر، وقيل: كان كل
طائر يأتي ومعه
(1/552)
حجران في رجليه وواحد في منقاره، مثل الحمص
وأكبر من العدس، فلا يصيب أحداً إلا قتلته، وأصابت " أبرهة "
فرجع وقد أمدت عليه جراحاته فلما بلغ صنعاء هلك.
* * *
(1/553)
وَمِنْ سُورَةِ (قُرَيْشٍ)
قوله تعالى: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1))
الإيلاف: التألف. واختلف في (اللام):
فقيل: يتعلق بقوله: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ).
وقال الخليل وسيبويه المعنى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا)
(لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) وقال الفراء: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
فَعَلَ رَبُّكَ) (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)؛ لأنّه ذكَّرَ أهلَ مكة
النعمة عليهم بما صنع بالحبشة، وقال أيضاً تقديره: أعجب يا
محمد لإيلاف قريش. يعجِّبه من نعمِهِ عليهم في إيلافهم.
* * *
(1/554)
وَمِنْ سُورَةِ (الْمَاعُون)
قوله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2))
يَدُعُّ: يدفعه عنفًا به؛ لأنّه لا يؤمن بالجزاء عنه، فليس له
وازع، يقال: دَعَه يَدَعُه دَعًّا، قال ابن عباس ومجاهد:
قتادة: يَدُعُّ اليتيم عن حقه، أي يدفعه.
* * *
قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7))
يجوز في قوله: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) أن يكون في موضع جر
على النعت للمصلين. ويجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار
(أعني)، وفي موضع رفع على إضمار (هم).
والماعون: ماعون البيت مثل: الدلو والقصعة والفاس والقداحة،
وقيل: الزكاة، وقال أبو عبيدة: كل ما فيه منفعة، وأنشد:
بأَجْوَدَ مِنْه بما عُنْدَه ... إذَا ما سماؤُهمُ لم تَغِمّْ
(1/555)
وأصله: القلة، يقال: ما له سعنٌ ولا معنٌ.
* * *
(1/556)
وَمِنْ سُورَةِ (الْكَوْثَر)
قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ
(3))
الكوثر: الخير الكثير، وهو (فوعل) من الكثرة: قيل: هو نهرٌ في
الجنة، ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من أراد أن
يسمع خرير الكوثر فليضع إصبيعه في أذنيه، وروي عنها أنها قالت:
في حافتي الكوثر قباب الدُرّ والياقوت، وروي عن ابن عمر أنّه
قال: يجري على الدُّر والياقوت، وروى عن الحسن: أنّ الكوثر:
القرآن.
وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)
ضع يديك حذو منكبيك، وقيل: ضع اليمنى على اليسرى حذاء النحر في
الصلاة، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقيل: انحر [النون] (1) في الأضحية والهدي.
وقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3))
أي: مبغضك، والأبتر: المنقطع عن الخير، وقيل: الذي لا عقب له،
وهو قول مجاهد، ونزل في العاص بن وائل، قال: محمد لا عقب له.
* * *
__________
(1) في النسخة المطبوعة [النون] ولعله تصحيف لكلمة (النوق).
والله أعلم. مصحح النسخة الإلكترونية.
(1/557)
|