إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب التاسع
هذا باب ما جاء في التنزيل من كاف الخطاب المتصلة بالكلمة ولا موضع لها من الإعراب فمن ذلك «1» الكاف المتصلة بقوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «2» فالكاف هنا للخطاب.
ومن ادعى فيه أنه جر بالإضافة فقد أحال، لأن «إيا» اسم مضمر، والمضمر أعرف المعارف، فلا يجوز إضافته بتة.
فإن قال: إن «إيا» اسم ظاهر.
قلنا: لم نر اسماً ظاهراً ألزم إعراباً واحداً إلا في الظروف، نحو: «الآن» ، و «إذ» - فى أغلب الأحوال- و «أين» ، و «إيّا» ليس بظرف.
فإن قال: فقد قالت العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه والشواب «3» ، فهذا نادر لا اعتبار به، ولا يجوز بناء القواعد عليه.
وإذا كان كذلك كان «إياكما» و «إياكم» و «إياك» و «إياى» من قوله:
(فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) «4» ، و «إياه» الياء والهاء أيضاً حرفان، وقد جردتا عن الاسمية وصارتا حرفين.
__________
(1) في الأصل: «فمن ذلك قوله الكاف» و «قوله» هنا زيادة لا معنى لها.
(2) الفاتحة: 4.
(3) الشواب: جمع شابة.
(4) النحل: 51.

(1/167)


ومن ذلك الكاف في «ذلك» من قوله: (ذلِكَ الْكِتابُ) «1» و «ذانك» من قوله: (فَذانِكَ بُرْهانانِ) «2» وما أشبهه. الكاف للخطاب لثبات النون في «ذانك» . ولو كان جراً/ بالإضافة حذفت النون كما تحذف من قولهم:
هذان غلاماك، لأن «ذا» اسم مبهم، وهو أعرف من المضاف، فلا يجوز إضافته بتة.
ولأنك تقول: عندي ذلك الرجل نفسه. ولا يجوز أن تقول: ذاك نفسك، بالجر، ولو كان الكاف جراً لجاز، فثبت: ذلك نفسه، وذاك نفسه، يفسد كون الكاف مجروراً.
ومن ذلك الكاف في قوله تعالى: (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) «3» فالكاف هنا للخطاب، ولا محل له من الإعراب لأن العرب تقول:
أرأيتك زيداً ما صنع؟
ولو كان «الكاف» المفعول الأول لكان «زيدا» المفعول الثاني، و «زيدا» غير الكاف، لأن «زيدا» غائب وهو غير المخاطب، ولأنه لا فرق [بينه و] «4» بين قول القائل: أرايتك زيدا ما صنع؟
ألا ترى قوله: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ) «5» .
وقوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) «6» .
فالكاف والميم ثبوتهما لا يزيد معنى يختل بسقوطهما، فعلى هذا فقس
__________
(1) البقرة: 2.
(2) القصص: 32.
(3) الإسراء: 62.
(4) زيادة يقتضيها السياق.
(5) الأنعام: 40.
(6) الأنعام: 46.

(1/168)


جميع «الكاف» المتصل ب «إياك» ، و «ذلك» ، و «ذاك» ، و «ذانك» ، و «أرأيتك» ، و «أرأيتكم» .
وهذا قوله: (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) «1» .
وقوله: (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) «2» .
وقوله: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) «3» .
«الكاف» في هذه المواضع للخطاب ولا محل لها من الإعراب.
وهكذا «الكاف» في: «أولئك» ، و «أولئكم» ، في جميع التنزيل للخطاب، وليس لها محل من الإعراب، لاستحالة معنى الإضافة فيه.
__________
(1) يوسف: 32.
(2) الأعراف: 22. [.....]
(3) الأعراف: 43.

(1/169)