إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب الثامن عشر
هذا باب ما جاء في التنزيل من لفظ مَنْ ومَا والَّذي وكُلُّ
وأحَدٍ، وغير ذلك كنى عنه مرة على التوحيد وأخرى على الجمع،
وكلاهما حسن فصيح ذكره سيبويه وغيره.
فمن ذلك قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا
بِاللَّهِ) «1» . فكنى عن «من» بالمفرد حيث قال «يقول» ثم قال:
(وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) «2» ، فحمل على المعنى وجمع.
وقال: (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) «3» ، فأفرد الكناية فى
«أسلم» و «له» و «هو» . ثم قال: (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا
هُمْ يَحْزَنُونَ) «4» فجمع.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) «5» ، فأفرده ثم جمع.
__________
(1) البقرة: 8.
(2) البقرة: 8.
(3) البقرة: 112.
(4) البقرة: 112.
(5) الأنعام: 25.
(1/369)
وقال في موضع آخر: (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) «1» . وقال.
(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) «2» فذكر
«يقنت» ثم قال: (وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها) «3» فأنث حملاً
على المعنى، والقياس في هذا أن يكنى عن لفظ، ثم يحمل على
المعنى ويثنى ويجمع ويؤنث.
فأما إذا كنيت عنه بالجمع، ثم تكنى عنه بالمفرد، فإنهم قالوا:
هذا لا يحسن، وقد جاء التنزيل بخلاف ذلك.
قال: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً)
«4» . فجمع «خالدين» بعد إفراد اللفظ. ثم قال: (قَدْ أَحْسَنَ
اللَّهُ لَهُ رِزْقاً) «5» ، فأفرد.
قال عثمان، في قول الفرزدق من أبيات الكتاب:
/ ورثت أبي أخلاقة عاجل القرى ... وضرب عراقيب المتالي شبوبها
«عاجل القرى» بدل من «أخلاقة» جوهر عن حدث، لأن أخلاقه بدل من
أبي- فهو كمعين بعد جاء حينه.
ولا يلزم عوده إلى الأول، لأنه قد جاء: (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ
لَهُ رِزْقاً) «6» ويجوز أن يكون عاجلاً كالعافية. ويوضحه ما
بعده من المصدر.
__________
(1) يونس: 42.
(2) الأحزاب: 31.
(3) الأحزاب: 31.
(6- 5- 4) الطلاق: 11.
(1/370)
قال: فرق بين معين وعاجل في العود إلى
الأول بأنه بيان، وليس في العود إلى «من» بيان الأول.
وهو كلام ساقط بعد الجهل بقوله: (قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ
رِزْقاً) «1» .
وجوز في «أخلاقه» أن يكون مفعولاً ثانياً، ويجوز حذف «من» أي:
من أبي.
وإذا ثبت وصح أنه يجوز ويحسن العود إلى الإفراد بعد الجمع، كان
قوله: (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ
لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) «2» - تذكيراً بعد
التأنيث، لأنه أنث خالصة حملا لها على معنى التأنيث ثم عاد إلى
اللفظ.
وإذا كان كذلك فقول الشماخ:
أمن دمنتين عرس الركب فيهما ... بعقل الرجامى قد عفا طللاهما
أقام على ربعيهما جارتا صفاً ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما
لا يبطل به حجة من احتج على إجازة سيبويه: «مررت برجل حسن
وجهه» ، قد احتج بهذا البيت على جواز المسألة. وقال: «جونتا
مصطلاهما» كحسنى وجههما. فقال قائلون: إن قوله: «مصطلاهما»
بعودهما إلى الأعالى، لأن الأعالى بمعنى الأعليين.
__________
(1) الطلاق: 11.
(2) الأنعام: 139.
(1/371)
قيل لهم: التثنية بعد الجمع محال لا يحسن.
فقالوا: قد جاء الإفراد بعد الجمع، والتذكير بعد التأنيث،
وإنما يبطل احتجاجهم بأنه لا يقال كميتا الأعالي جونتا مصطلى
الأعالي. وإنما يقال مصطلى الأسافل.
وهذا حديث قد كتبناه في مواضع ليس من بابه هذا الكتاب.
ومن ذلك قوله تعالى: (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً
فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) «1» فكنى عنه بالمفرد. ثم قال:
(ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) «2» - فكنى عنه بالجمع.
ومثله: (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) «3» . ثم
قال: (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) «4» .
وقال: (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) «5» . ثم
قال: (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) «6» .
ويجوز أن يكون التقدير في قوله: (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ)
«7» - أي، وفيما يتلى عليكم فحذف الخبر.
ومثله: (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) «8» أي تماماً على
المحسنين- عن مجاهد، كأنه قيل: تماماً على المحسنين الذي هو
أحدهم.
__________
(1) البقرة: 17.
(2) البقرة: 17.
(3) الزمر: 33. [.....]
(4) الزمر: 33.
(7- 5) الأحقاف: 17.
(6) الأحقاف: 18.
(8) الأنعام: 154.
(1/372)
وقيل: تماماً على إحسانه- أي إحسان موسى
بطاعته فيكون مصدراً كقوله: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) «1»
أي كخوضهم.
وعلى الأول جنس كقوله: (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا
يَعْمَلُونَ) «2» وقوله: (أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) «3»
.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ
نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) «4» .
قال أبو علي: القول فيما يعود من الصلة إلى الموصول، إنه لا
يخلو من أن يكون «ما» يقدرها محذوفة، أو يكون الواو فلا يجوز
أن تكون الهاء لأن الكفار يعرفون ما يتخذونه آلهة.
فإذا لم يجز ذلك علمت أن الراجع إلى الموصول، الواو في
«يعلمون» .
وإنما عاد عليه على لفظ الجمع كما قال: (وَلا يَسْتَطِيعُونَ)
«5» - فحمل على المعنى، والضمير في «يجعلون» للكفار، والذي فى
«يعلمون» ، يعود إلى «ما» . كما قال: (وَما يَشْعُرُونَ) «6»
فهذا كقوله:
(ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) «7» .
فالضمير في «لا يستطيعون» .
__________
(1) التوبة: 69.
(2) الزمر: 35.
(3) فصلت: 29.
(4) النحل: 56.
(5) النحل: 72.
(6) النحل: 21.
(7) النحل: 73.
(1/373)
وقال في موضع آخر: التقدير: ويجعلون لما لا
يعلمونه إلهاً فحذف المفعولين.
ومن ذلك قوله: (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما
صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا) «1» يحتمل قوله: تلقف- أمرين:
يجوز أن يكون في «تلقف» ضمير قوله: «ما في يمينك» وأنث على
المعنى، لأنه في المعنى: عصا.
ويؤكد ذلك قوله: (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ
ما يَأْفِكُونَ) «2» وكذلك يكون الضمير في قوله: (وَأَلْقِ ما
فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ) «3» ويجوز أن تكون «تلقف» للمخاطب
وجعله هو المتلقف، وإن كان المتلقف في الحقيقة العصا- لأنه
بإلقائه كان، فأسند التلقف إليه، وإن كان للعصا في الحقيقة،
كما قال: (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى)
«4» .
ومما حمل على المعنى: قوله (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ
حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما) «5» . فالضمير في يتعلمون يعود إلى
«أحد» .
وقال: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) «6» ، و «بين» لا
تضاف إلى المفرد، قال في ثلاثة مواضع هذا اللفظ.
__________
(1) طه: 69.
(2) الشعراء: 45.
(3) طه: 69. [.....]
(4) الأنفال: 17.
(5) البقرة: 102.
(6) البقرة: 136.
(1/374)
وقال: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما
أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ) «1» فجمع الضمير في «يحاجوكم»
حملا على المعنى.
وقال: (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) «2» .
فهذا على الحجازية:
«أحد» اسمها، و «حاجزين» خبر له.
ولم يبطل الفصل هنا عمل «ما» - لأن الفصل بالظرف كلا فصل.
وعلى التميمية: «حاجزين» نعت ل «أحد» على المعنى. و «منكم»
خبره.
ومن الحمل مرة على اللفظ وأخرى على المعنى. قوله: (إِنْ كُلُّ
مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ
عَبْداً) «3» .
وقال: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ) «4» - ولم يقل: آتوه. ولا آتوا
الرحمن.
كما قال: (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) «5» - (وَكُلٌّ فِي
فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) «6» .
وقال: (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) «7» .
__________
(1) آل عمران: 73.
(2) الحاقة: 47.
(3) مريم: 93.
(4) مريم: 95.
(5) النمل: 87.
(6) يس: 40.
(7) القصص: 88.
(1/375)
|