إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب التاسع عشر
باب ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك وهو باب واسع:
مرة يشاكل اللفظ باللفظ، والمعنى بالمعنى، وباللفظ دون المعنى، وبالمعنى دون اللفظ.
فما جاء من ذلك:
قراءة من قرأ: (وما يخادعون إلا أنفسهم) بالألف طابق به قوله:
(يُخادِعُونَ اللَّهَ) «1» . وأراد أن يكون اللفظ المثبت هو المعنى.
ومثله: (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) «2» (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) «3» والثاني جزاء الاستهزاء.
ومثله: (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) «4» والثاني جزاء وليس بعدوان.
__________
(1) البقرة: 9.
(2) البقرة: 14.
(3) البقرة: 15.
(4) البقرة: 194. [.....]

(1/376)


ومثله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) «1» أي جازاهم.
وقوله: (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ) «2» .
ومثله: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) «3» .
فهذا كله طباق على المعنى.
وروعى في «ما يخادعون» - طباق اللفظ والمعنى.
ومن ذلك قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) «4» أبدلوا من السين صادا لتوافق الطاء في الإطباق لأن السين مهموسة والطاء مجهورة.
ولهذا أبدلها من أبدلها، لتوافق الطاء في الجهر.
ومثله: قوله: (أَنْبَأَهُمْ) «5» (فَانْبَجَسَتْ) «6» (وَإِنْ يَكُ) «7» أبدلوا من النون ميماً، لأن الميم يوافق الباء في المخرج، وتوافق النون في الغنة.
فلما لم يستتب إدغام النون في الباء لبعدها منها وأرادوا تقريب الصوت أبدلوها ميما.
__________
(1) آل عمران: 54.
(2) التوبة: 79.
(3) الشورى: 40.
(4) فاتحة الكتاب: 5.
(5) البقرة: 33.
(6) الأعراف: 160.
(7) غافر: 28.

(1/377)


وهذه «1» الميم مخفاة، غير مدغمة في الباء بتة، وليست بمظهرة كإظهارها في قولهم: شاة زنماء وأنملة.
لأن إدغامها هناك يتوهم/ معه أنه من المضاعف بخلاف قولهم: أمحي وأدخل. لأن المثال: انفعل. وليس في الكلام إفعل.
ومن المشاكلة أيضاً: قوله: (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) «2» فنصبوا «رهبانية» في الاختيار وسعة الكلام، بفعل مضمر، ليطابق الفعل المصدر به الكلام.
ومثله لو وقع ابتداء اختير فيه الرفع دون النصب، نحو: زيد ضربته.
ومثل الآية: (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ) «3» .
فجاء «والظالمين» منصوباً بفعل مضمر، ليطابق «يدخل» .
على تقدير: يدخل من يشاء في رحمته، ويعذب الظالمين.
ومثله: (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) «4» . فنصبوا «كلا» بمضمر. لأنه قد تقدم: (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) «5» .
__________
(1) في الأصل: «وهذا الميم» .
(2) الحديد: 27.
(3) الإنسان: 31.
(4) الفرقان: 39.
(5) الفرقان: 36.

(1/378)


وقد جاء: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) «1» بالرفع والنصب.
فمن نصب نظر إلى قوله: (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) «2» .
ومن رفع نظر إلى قوله: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ) «3» (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) «4» .
فأما قوله تعالى: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ. وَالسَّماءَ رَفَعَها) «5» فإن الاختيار كان النصب وإن كان الصدر قوله «6» : «والنجم والشجر» ، لأن قوله «يسجدان» فعل وفاعل.
وكان سيبويه يقول: إن قلت «زيد ضربته وعمراً كلمته» - إن الاختيار في عمرو النصب- لأنه معطوف على قولك: ضربته.
فثار ثاثر الزيادي وقال: إنا لو قلنا «زيد وعمرو كلمته» لم يصح هذا.
لأن قولك «عمرو كلمته» ليس فيه ضمير يعود إلى «زيد» ، فلا يصلح العطف على ما هو خبره.
__________
(1) يس: 39.
(2) يس: 37. [.....]
(3) يس: 33.
(4) يس: 37.
(5) الرحمن: 6، 7.
(6) في الأصل: «وقوله» .

(1/379)


فقال أبو سعيد: إن هذا الكلام من سيبويه، محمول على إضمار الهاء، والتقدير: زيد ضربته وعمرو كلمته في داره، أو عنده، وأنت لو قلت:
«زيد عمرو كلمته في داره» صح وجاد.
وليس الأمر كما قال الزيادي، ولا كما قال السيرافي، لأن المعطوف لا يعتبر فيه وضعه موضع المعطوف عليه.
فسيبويه أضمر الفعل، ليشاكل «ضربته» ويشاكل «يسجدان» .
والإعراب: ما لم يظهر في موضع الجملة، لم يعتد به.
وباب المطابقة باب حسن جداً على ما حكى سيبويه: «حجر ضب خرب» .
/ فتركوا الرفع في خرب، وجروه حرصاً على المطابقة.
ومنه قراءة الحسن: (الحمد لله) «1» بضم اللام تبعاً للدال، وعكسه كسر الدال، تبعاً للام عن الحمصي.
وعليه قراءة أبي جعفر: (للملائكة اسجدوا) «2» بضم التاء تبعا للجيم.
__________
(1) فاتحة الكتاب: 1.
(2) البقرة: 34.

(1/380)


وعليه ما رواه أبو حاتم في اختياره: (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) «1» بكسر الحاء تبعاً للقاف.
وعليه ما رواه عن يعقوب هو أو غيره: (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) «2» بكسر العين تبعاً لأنفسكم.
وعليه ما قرأ به أبو جعفر: (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) «3» .
ومثله: (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) «4» ولهذا المعنى اختص قوله في سورة النحل: (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) «5» بإدخال اللام.
وجاء في الأخريين: «فبئس» لمجاورة قوله: (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) «6» فأما قوله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ) .
«7» .
__________
(1) المائدة: 45.
(2) يونس: 23.
(3) القمر: 3.
(4) المائدة: 6.
(5) النحل: 29.
(6) النحل: 30.
(7) البقرة: 159.

(1/381)


فإن «أولئك» في موضع الرفع بالابتداء، في قياس ما اختاره سيبويه، في قولهم: «إني زيد لقيت» و «إنّى أخوك رأيته» . لأن الموضع لا يختص بالفعل «فأولئك» ابتداء «ويلعنهم الله» خبره، والجملة خبر إن، ويجوز النصب، وليس باختيار.
وهذا بخلاف قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) «1» لأنه جاء منصوباً، دون أن يكون مرفوعاً، لأنه لو رفع، لاحتمل أن يكون الخبر «بقدر» ويكون (خَلَقْناهُ) حراً صفة للنكرة، واحتمل أن يكون «خلقناه» خبراً، والغرض تعميم «كل شيء» بالخلق. والتقدير: إنا خلقنا كل شيء.
فعلى هذا قوله: (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) «2» .
وكذلك: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) «3» .
«أولئك» مبتدأ، و «سوف يؤتيهم» خبره والجملة خبر «الذين» .
وكذلك قوله: (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا) «4»
__________
(1) القمر: 49. [.....]
(2) البقرة: 160.
(3) النساء: 152.
(4) النساء: 18.

(1/382)


الاختيار في «أولئك» الرفع دون النصب بمضمر دل عليه «أعتدنا لهم» ، لأنه ابتداء وخبر.
والجملة خبر قوله: «ولا الذين» إذا رفعت الذين بالابتداء.
فأما قوله: (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ) «1» .
فالاختيار النصب في «الموتى» / بإضمار فعل على تقدير ويبعث الموتى ليكون معطوفاً على «يستجيب» . فإذن الوصل أحسن من الوقف، أعني على «يسمعون» .
وأما قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) «2» فالاختيار الرفع، لأن الموضع موضع اسم، لأن «أما» وإن كان يعني الشرط، حيث أقيم مقام مهماً، فإن الشرط محذوف وما بعد الفاء مقدم على الفاء من المبتدأ، فالموضع موضع اسم، وقرأها الحسن والأعمش «وأما ثمود» بالنصب بفعل مضمر، مقدر بعده مفسر ب «هديناهم» على تقدير: وأما ثمود فهدينا.
فحذف فهدينا لاستغنائه بهديناهم، ولا يكون (وأما هديناهم) لأن (أما) اسم لا يدخل الفعل.
وتقول: «إذا زيد ضربته أهنته» الاختيار الرفع عنده: خلافا للمبرد:
«إن زيداً ضربته فائتني» الاختيار النصب- لأن الشرط يصح فى الفعل.
__________
(1) الأنعام: 36.
(2) فصلت: 17.

(1/383)


وكذلك: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) «1» . و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) «2» . (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) «3» . محمول على إضمار فعل.
وكذلك فى: «كنت أخاك» ، و «زيدا اشتريت له ثوباً» . الاختيار النصب- لأن كنت يتصرف تصرف الفعل.
وكذلك «لست أخاك وزيداً أعينك عليه» لأنه من أخوات كان.
وكذلك «هذا ضارب زيد وعمرا تمربّه» . الاختيار النصب- لأن ضارباً بمعنى يضرب.
وكذلك «ضربت زيداً وعمراً أنا ضاربه» .
فأما قولهم «لقيت زيداً وأما عمرو فقد مررت به- فالاختيار الرفع» .
وكذلك «لقيت زيداً وعمرو مررت به» ، و «لقيت زيداً فإذا عبد الله يضربه عمرو» .
وأما: «حتّى نعله ألقاها» «4» .
__________
(1) النساء: 128.
(2) النساء: 176.
(3) التوبة: 6.
(4) جزء من بيت لابن مروان النحوي، والبيت كاملا.
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ... والزاد حتى نعله ألقاها

(1/384)


فالرفع على الابتداء، لأن «حتى» من حروف الابتداء، والنصب بالعطف، والجر بنفس «حتى» .
وكذلك «قد ضربت زيداً وسوف أضرب عمراً» - ولم يجز التقدم في:
«قد زيداً ضربت» ، ولا «سوف عمراً أضرب» ، «هلا زيداً أتيته» ، الاختيار النصب.
لأنه تخصيص بمنزلة الاستفهام في «أزيداً ضربته» و «هذا زيد يذهب» أقبح من «أزيد قام» لأن الألف أمّ الباب.
و «هل زيد منطلق» أحسن من «هل زيد يذهب» لأن الفعل ينبغى أن يلى هل، و «أزيد ضربته» أحسن من «إن زيد ضربته» لأن الشرط لا يحسن معه التأويل كما يحسن مع الهمزة «أأنت عبد الله ضربته» بالحمل على الابتداء يختار الرفع في الحمل على الابتداء، لأن الهمزة تعتمد على معنى الهمزة، وأبو الحسن يحمله على الفعل، فيختار النصب.
وفي التنزيل: (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) «1» .
«أزيد أخوه تضربه» بالحمل على الابتداء، ولم يجز النصب بإجماع، لأنه ليس لزيد في الفعل نصب، ولو كان يضربه كان فيه الخلاف.
«أزيداً أخاه تضربه» في الحمل على الفعل، لأن الفعل الواقع على أخيه، واقع على سببه.
__________
(1) الزمر: 19.

(1/385)


وقيل: لا تقول في زيداً إلا بالرفع- لئلا تتعسف بالحمل على تفسير التفسير.
«زيد لم يضربه إلا هو» بالحمل على المرفوع، دون المنصوب، لأن في حمله على المنصوب، يجيء «زيد اضرب» ، فتصير الفضلة لا بد منها.
«إذا عبد الله تلقاه فأكرمه» بالنصب، وليس مثل «نظرت فإذا زيد يضربه عمرو» لأن إذا التي للمفاجأة بالاسم أولى.
«جئت فإذا زيد ضربه عمرو» و «جئت إذا زيد ضربه عمرو» .
بخلاف: «إذا زيد يضربه عمرو» .
لأن «إذ» يطلب الماضي خاصة، فإذا وقع المضارع صار بمنزلة الاسم، في أنها لا تطلبه.
«زيداً اضربه» بالنصب، لأن الهمزة بالفعل أولى.
«زيداً ليقطع الله يده» بالنصب، لأنه دعاء، وهو بمنزلة الأمر.
«ما زيداً ضربته ولا عمراً كلمته» لأنه بالفعل أولى، مالم يعمل في الاسم.
قال أبو الحسن: وتقول: «أزيداً كان أبوه منطلق» منطلق في موضع النصب، خبر كان وهو بسبب من زيد.
وهكذا «زيد عسى أبوه أن يقوم» لأن «أن يقوم» في موضع النصب.

(1/386)


وكذا فى «كاد» و «عسى» تقول:
«أزيد عسى أن يقوم أخواه» و «أزيد كاد أن يقوم أخواه» في الشعر، فترفع لأن سببه في موضع رفع.
وكذلك «أخواك عسى أن يقوما» كأنك قلت: عسى قيامهما.
ولو قلت: «عسى أخواك أن يقوما» كانت في موضع نصب.
وكذلك: زيداً ليس أخوه منطلق- يختار النصب في «ليس» ضمير الحديث.
وتقول: «أخويك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما» فتضمر في «عسى» ويكون «أن يضرباهما» في موضع نصب، وتحمل/ «أخويك» عليه.
ويجوز: «أخواك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما» على أن تجعل أن تضرباهما في موضع رفع، ولا تضمر في «عسى» . وترفع «أخواك» لأن سببهما في موضع رفع، فيكون «زيد وعمرو» أحدهما معطوفاً على الآخر، وهما في موضع الابتداء بالثاني.
و «عسى أن تضرباهما» في موضع الجر، والضمير الذي في «يضرباهما» يعود إلى المبتدأين فهذا تقدير.

(1/387)


والتقدير الآخر: على أن ترفع الأول والثاني بالفعل لأن سببهما رفع، وهو الضرب، إذ الضرب متصل بضميرهما، وضمير زيد وعمرو والضرب مرفوع بالفعل، فترفع الأول والثاني بالفعل، كأنك قلت: «أيرجى أخواك رجاء زيد وعمرو أن يضرباهما» .
فهذا التقدير الثاني، على قياس إعمال الفعل، إذا عمل في السبب أن يعمل في الأول.
ومن المطابقة: قوله تعالى في سورة هود: (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) «1» .
فأدخل التاء في الفعل مع الفصل لمجاورة قوله: (كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) «2» .
ومثله: (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) «3» ، بالتاء مع الفصل، لمجاورة قوله: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ) » .
وقال: (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) «5» ، بالتاء كقوله: (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) «6» وإن كان ذلك للخطاب.
__________
(1) هود: 94.
(2) هود: 94.
(3) إبراهيم: 50.
(4) إبراهيم: 48. [.....]
(5) يونس: 78.
(6) يونس: 78.

(1/388)


وقال: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) «1» ، فترك النون في سورة النحل، لأن سياق الآية: (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) «2» بخلاف ما في سورة النحل، حيث جاءت بالنون.
ومن المطابقة:
قراءة حفص عن عاصم: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ) «3» (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) «4» بضم الميم مع كسرها في سائر التنزيل، ليطابق ضم القاف في «قتلتم» .
وعلى هذا قراءة أبي عمرو: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ) «5» بالتشديد مع تخفيفه في سائر التنزيل، ليطابق قوله: (لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) «6» .
كما أن ابن كثير خص الموضعين بالتشديد في قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ) «7» .
وقوله: (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا) «8» لمجاورة قوله: (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا) «9»
__________
(1) النحل: 127.
(2) النحل: 120.
(3) آل عمران: 157.
(4) آل عمران: 158.
(5) الأنعام: 37.
(6) الأنعام: 37.
(7) الإسراء: 82.
(8) الإسراء: 93.
(9) الإسراء: 106.

(1/389)


وخص يعقوب بالتشديد قوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) «1» . لقوله:
(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) «2» .
وأظهر أبو عمرو الباء عند الميم في جميع التنزيل، نحو قوله: (وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) «3» .
وأدغمها/ في قوله: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) «4» . في خمسة مواضع:
في البقرة وآل عمران وفي المائدة في موضعين وفي سورة العنكبوت.
لموافقة: (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) «5» وهو يدغم الراء في اللام والميم في الميم.
ومن ذلك قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا) «6» ، جاء منصوباً، لأن قبله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) «7» - فنصب لما ذكرنا بفعل مضمر، ليكون مطابقاً وموافقاً.
وكذا (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ) «8» جاء منصوباً لهذا المعنى.
وأما قوله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) «9» .
__________
(1) النحل: 101.
(2) النحل: 102.
(3) النساء: 81. [.....]
(4) العنكبوت: 21.
(5) العنكبوت: 21.
(6) الإسراء: 12.
(7) الإسراء: 12.
(8) الإسراء: 13.
(9) النور: 41.

(1/390)


ففاعل «علم» الضمير على «كل» ولا يجيء على مذهب سيبويه.
وما جاء عليه التنزيل من هذا النحو، أن يكون فاعل «علم الله» ، ولو كان كذلك لوجب أن ينصب «كل» .
ألا ترى أنك تقول «يقوم زيد وزيداً أضرب غلامه» فتنصب «زيداً» لأن الذي من سببه منصوب.
وكذلك قوله: «كل قد علم» ولو كان فاعل «علم» اسم الله دون الضمير العائد إلى «كل» لنصب.
وكذلك قوله: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) «1» ففاعل «يرفع» الضمير العائد إلى «العمل الصّالح» ، و «العمل الصالح» مبتدأ.
ولو كان فاعل «يرفعه» اسم الله أو «الكلم» على رفع الكلم العمل لوجب نصب العمل، لأنه معطوف على «يصعد» .
وكأن المعنى «2» : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، في رفعه الكلم، أنه لا يحبط بالعمل السيء، ولا يرتفع إليه، ويخلص من غير إحباط يقع عليه، من أجل عمل سيىء. وذكر الضمير في يرفعه، لأنه للكلم، كشجرة وشجر.
__________
(1) فاطر: 10.
(2) في الأصل: «وكان والمعنى» .

(1/391)


ومن المطابقة:
قراءة حفص «1» في سورة الكهف: (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) «2» بضم الهاء من «أنسانيه» .
لما رأى أن الهاء المتصل ب «أذكره» وهو في صلة «أن» الذي صار بدلاً من الهاء، وفق بين الحركتين في الهاء.
ولهذا المعنى هرب في قوله: (وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) «3» عن الكسرة فأشبعها، كيلا يلزمه أن يتبع الهاء الميم.
ومن المطابقة والمجاورة:
قراءة ابن عامر، في جميع التنزيل (يا أبت) بفتح التاء تبعاً للباء.
وعلى هذا حكاية سيبويه/ في: «يا طلحة لما رخموا» ثم ردوا التاء، فتحوها تبعاً للحاء.
ومثل ذلك ما رواه أبو بشر عن ابن عامر: (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) «4» بفتح اللام تبعاً للعين.
وعن أبي حنيفة: (طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) «5» ، بضم النون تبعا للهاء.
وعن الحلواني عن ابى عامر: (أَتَعِدانِنِي) «6» ، بفتح النون تبعاً للألف، وطلباً للمطابقة.
__________
(1) في الأصل: «قراءة حفصة» .
(2) الكهف: 63.
(3) الفرقان: 69.
(4) الزمر: 21.
(5) يوسف: 37.
(6) الأحقاف: 17. [.....]

(1/392)


وعن ابن أبي عبلة: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) «1» - بفتح التاء تبعاً لفتحة النون.
وعن الأئمة السبعة فتح الميم من قوله: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) «2» غير نافع وابن عامر- وهم يعدون النصب في مثل- هذا شاذاً نحو: إن تقعد أقعد وأكرم. يختارون الجزم والرفع، دون النصب في وأكرم، ومع هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعاً للام. وعلى هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعاً للام.
وأما قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «3» بنصب الميم. فيجوز أن يكون من هذا الباب فتح الميم إجماعاً.
ولم يكن فتح العين في قوله:
(أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ) »
إجماعاً، وإنما هي قراءة ابن أبي عبلة.
وقال النحويون في الآيتين: إن نصبهما على الصرف، فلم كان أحدهما إجماعاً، والآخر شاذاً؟ - وإن كانت التبعية عندك هي العلة، فقد وجدت التبعية أيضا فى النون من قوله: «ونمنعكم» .
__________
(1) التغابن: 15.
(2) الشورى: 35.
(3) آل عمران: 142.
(4) النساء: 141.

(1/393)


فالجواب:
أن المستحسن من هذا إنما هو الجزم، والنصب على الصرف ليس بمستحسن، فجاء: (وَنَمْنَعْكُمْ) مجزوماً على ما هو المختار.
وإنما عدلوا إلى الفتح في: (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) لأن إسكان الميم هنا محال، لما يتأتى من التقاء الساكنين، وكان الجزم ممتنعاً، فلا بد من التحريك، والتحريك هنا الكسر، كما هي قراءة بعضهم: (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) .
والأئمة عدلوا عن الكسر إلى الفتح، لأنها أخف مع انفتاح ما قبله.
وليس في قوله: (وَنَمْنَعْكُمْ) - التقاء الساكنين فيجب التحريك.
وعن شعيب عن أبي بكر عن عاصم: (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) «1» بفتح النون، لتساوي (الْمُكْرَمِينَ) «2» من بعده، و (تُرْجَعُونَ) «3» من قبله.
ولأن قوله (عون) بالكسر بعد الضم يصير كقولهم «زيدون» .
فكما وجب فتح النون بعد الواو هنا وجب فتحه أيضا هاهنا.
ومن المطابقة:
/ حذف الجار والمجرور في سورة الأعراف: (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) «4»
__________
(1) يس: 25.
(2) يس: 27.
(3) يس: 22.
(4) الأعراف: 101.

(1/394)


ولم يقل: كذبوا به، لما كان سياق الآية: (وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ) «1» ولما قال: (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ) «2» - في سورة يونس فأثبت الهاء- قال في سياقها: (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) «3» .
ومن المطابقة:
قوله تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) «4» نصبه بإضمار فعل- لأن قبله:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) «5» وكان أن تضمر وخلقنا الجان- أحسن وأجود.
وإذا لم تعرف أنت حيث تستبدل بأن النصب هو المختار في قوله:
«قام زيد وعمراً كلمته» .
إلا قوله:
أصبحت لا أنقل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن هممت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا
ولا تطلب هذه الآي التي عددتها لك، فما ذنبي من المطابقة.
__________
(1) الأعراف: 96.
(2) يونس: 73.
(3) يونس: 74.
(4) الحجر: 27.
(5) الحجر: 26.

(1/395)


وقوله تعالى: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) «1» ومن ذلك قوله: (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) «2» ولم يقل: من أعبد لأن قبله: (ما تَعْبُدُونَ) «3» يعني الأصنام- فجاء على الأزدواج والمطابقة.
إلى هنا ينتهي القسم الأول من اعراب القرآن من تجزئة المحقق، ويليه القسم الثاني وأوله:
الباب المتم العشرين
__________
(1) الشورى: 40. [.....]
(2) الكافرون: 3، 5.
(3) الكافرون: 2.

(1/396)