إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الرابع والثلاثون
هذا باب ما جاء في التنزيل من حروف الشرط دخلت عليه اللام الموطئة للقسم فمن ذلك قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) «1» ، (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) «2» ، (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) . «3»
وقوله: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) «4» .
وقوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) «5» .
وقوله: (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) «6» .
وقوله: (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) » .
وقوله: (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) «8» .
وهذا ونحوه من الآي دخلت اللام على حرف الشرط فيه مؤذنة بأن ما بعدها جواب قسم مضمر، على تقدير: والله لئن اتبعت أهواءهم يدل على صحة هذا، وأن الجواب جواب قسم مضمر دون جواب الشرط، ثبات النون في قوله:
«لا يأتون بمثله» . وقوله: «لا يخرجون معهم» ، ولو كان جواب الشرط لم يقل:
__________
(1) البقرة: 120.
(2) البقرة: 145.
(3) الأنعام: 121.
(4) هود: 9.
(5) الإسراء: 88.
(6) الإسراء: 86. [.....]
(7) الحشر: 12.
(8) الأعراف: 18.

(2/659)


«لنذهبن» ، ولا «ليولن» ولا «إنه ليئوس» ، ولا «إنكم لمشركون» ، ولا «ما تبعوا قبلتك» . والجواب جواب قسم مضمر دون جواب الشرط، فلا يجوز: والله لئن تأتني آتك، وإنما يقال: والله لئن تأتني لأتينك.
وأصل هذا الكلام أن تقول: والله لآتينك، ثم بدا له عن الحلف بالبتات فقال: والله إن تأتني، فإذا أضمروا القسم دخلت اللام على «إن» تؤذن بالقسم المضمر الذي ما بعده جوابه، فهذا مساغ هذا الكلام. فقول من قال: إن الفاء في قوله: (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) «1» مضمرة، ذهاب عن الصواب، وكذا (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ) «2» ، ليست الفاء هناك مضمرة بتة.
وأما قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ) «3» ففيه وجهان:
أوجههما- أن يكون «من» بمعنى «الذي» ، و «اشتراه» صلته، ويكون قوله: «ما له في الآخرة» خبر المبتدأ.
/ ويجوز أن يكون «من» شرطا، و «اشتراه» جزم ب «من» ، ويكون «ماله» جواب القسم المضمر، على تقدير: والله ماله.
وإنما قلنا: إن الأول أوجه، لأنهم قد أجروا «علموا» في كلامهم مجرى القسم، فتكون «اللام» التي في «لقد» جواب القسم، ويكون «لمن اشتراه» جواب «لقد علموا» ، فيكون هذا قسماً داخلاً على قسم فلا يجوز، ولا يلزم هذا في الوجه الأول.
فأما قوله: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) «4» ، إن جعلت «ما» بمعنى «الذي» كانت مبتدأة، و «آتيتكم» صلته،
__________
(1) الأنعام: 121.
(2) هود: 9.
(3) البقرة: 102.
(4) آل عمران: 81.

(2/660)


والتقدير: آتيتكموه، ويكون قوله: (ثُمَّ جاءَكُمْ) «1» معطوفاً على الصلة، والتقدير: ثم جاءكم به، إلى قوله: (لِما مَعَكُمْ) «2» ، ويكون قوله (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) «3» خبر المبتدأ.
ومن رأى أن الظاهر يقوم مقام المضمر كان قوله: «لما معكم» يغني عن إضمار «به» .
ومن قال: إن «ما» شرط، كانت اللام بمنزلتها في «لئن» ، ويكون «آتيتكم» مجزوما ب «ما» ، و «ما» منصوبة به، ويكون قوله «ليؤمنن» جواب القسم الذي ذكرناه.
والوجهان اللذان ذكرناهما في قوله «لمن اشتراه» جائزان في قوله: (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) «4» .
وقد جاءت لام «لئن» محذوفة في التنزيل:
قال الله تعالى: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، «5» والتقدير: ولئن لم ينتهوا، كما ظهرت في قوله: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) «6» إلى قوله: (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) «7» .
ومثل قوله: (إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ) «8» قوله: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) «9» .
قال أبو علي: ويدل أيضاً على أن اعتماد القسم على الفعل الثاني دون الأول في نحو قوله: (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) «10» و (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) «11» ، وما أشبه ذلك، أنه لا يخلو من أن يكون اعتماد القسم على الفعل الثاني، أو على الفعل الأول،
__________
(3- 2- 1) آل عمران: 81.
(4) الأعراف: 18.
(8- 5) المائدة: 73.
(7- 6) الأحزاب: 60.
(9) العلق: 15.
(10) الروم: 58.
(11) البقرة: 145.

(2/661)


والدليل على أنه الثاني دون الأول حذفهم اللام الأول في نحو هذا، ألا ترى أنه لو كان اعتماد القسم عليها دون الثانية لما حذفت، كما لم تحذف الثانية في موضع.
فمما جاءت فيه هذه اللام الأولى محذوفة في التنزيل قوله: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا/ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ) «1» ، (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ) «2» .
وفي موضع آخر: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) «3» ثم قال: (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) «4» فيدلك حذفهم لها على الاعتماد على الثانية لا عليها.
فإن قلت: ما ننكر أن يكون اعتماد القسم في نحو ذا على اللام الأولى دون الثانية، لأن اللام حذفت كما حذفت من قوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) ، «5» ولا يكون في حذفهم اللام من غير هذا دلالة على أن اعتماد القسم على الفعل الثاني.
قيل: هذا لا يجوز لأن اللام في «لقد» إنما استحسن حذفها لطول الكلام بما اعترض بين القسم والمقسم عليه ولم يطل في هذا الموضوع كلام فيستجاز حذفها كما استحسن حذفها هناك، فإن هذه اللام بمنزلة «إن» في قولك: والله إن لو فعل لفعلت، تثبتها تارة وتحذفها أخرى، واللام الثانية هي المعتمدة، والأولى زيادة كان سقوطها لا يخل بالكلام، واختص به القسم، كقولهم: آثراً ما، وربما، وما أشبه ذلك.
وأما قوله: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) «6» ، والتقدير: ليظلن، فوضع الماضي موضع المستقبل.
__________
(1) المائدة: 73. [.....]
(2) الأعراف: 23.
(4- 3) الأحزاب: 60.
(5) الشمس: 9.
(6) الروم: 51.

(2/662)


ولأن جميع ما جاء في التنزيل على هذا الوجه فيما تقدم من الآي، من قوله «1» : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) «2» ، وقوله: (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ) «3» ، وقوله: (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) «4» ، وقوله: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) «5» ، وقال: (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) «6» .
__________
(1) يريد بقوله: «فيما تقدم» هذه الآية وحدها.
(2) الروم: 58.
(3) التوبة: 75.
(4) يوسف: 32.
(5) مريم: 46.
(6) يس: 18.

(2/663)