إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب الخامس
والثلاثون
هذا باب ما جاء في التنزيل من التجريد وهو باب شريف لطيف يعز
وجوده في كتبهم، وذلك نحو قولهم:
لئن لقيت فلاناً لتلقين منه الأسد، ولئن سألته لتسألن منه
البحر فظاهر هذا أن فيه من نفسه أسداً أو بحراً، وهو عينه هو
الأسد والبحر، لا أن هناك شيئاً منفصلاً عنه وممتازاً منه،
وعلى هذا يخاطب الإنسان منهم نفسه حتى كأنها تقابله أو تخاطبه،
وقد يكون ذلك بحرف «الباء» / و «من» وحرف «فى» فمن ذلك، قوله
تعالى: (ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) «1»
، أي:
مالك الله وليّا وكذا: (ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ
وَلا واقٍ) «2» .
وقال: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ) «3» ، أي: كونوا أمة.
وقال: (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) «4» أي: كن لنا
ولياً.
(وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) «5» ، أي: كن لنا
نصيراً.
وقال: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماء لَكُمْ
مِنْهُ شَرابٌ) «6» ، أي: لكم هو شراب.
وقال الله تعالى: (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ
لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) «7» . أي:
لهم هي دار الخلد.
__________
(1) البقرة: 120.
(2) الرعد: 37.
(3) آل عمران: 104.
(4) النساء: 75. [.....]
(5) النساء: 75.
(6) النحل: 10.
(7) فصلت: 28.
(2/664)
ومسألة «الكتاب» جاء بالباب: أما أبوك فلك
به أب، أي لك منه أو به، أي: بمكانه أي: بمكانه أب.
وقال عز من قائل: (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ
جَهَنَّمَ) «1» أي: بعذاب ربهم عذاب جهنم.
ويجوز أن يتعلق الباء بنفس «كفروا» ، فيكون على الأول الظرف
معمول الظرف، وعلى الثاني يكون الظرف معمول الظاهر.
وأما قوله تعالى: (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ
مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) » .
فقد قال أبو علي: جعلنا بدلكم ملائكة لأن الإنس لا يكون منهم
ملائكة، وقال:
كسوناها من الرّيط اليماني ... ملاءً في بنائقها فصول «3»
وإن جعلت «من» كالتي في قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) «4» و:
يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
كان التقدير: ولو نشاء لجعلنا منكم مثل ملائكة، أي: فلا تعصون
كما لا يعصون، فأجبرناكم على الطاعة.
وقال أبو علي: لك به أب، أي: بمكانه، فقولك «بمكانه» في موضع
ظرف. والعامل فيه «لك» . وكذلك: (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ)
«5» «فيها» ظرف، والعامل فيه «لهم» . ويجوز على قول الشاعر:
«6»
أفادت بنو مروان قيساً دماءنا ... وفي الله إن لم يعدلوا حكم
عدل
__________
(1) الملك: 6.
(2) الزخرف: 60.
(3) البنائق: جمع بنيقة وهي طوق الثوب.
(4) آل عمران: 104.
(5) فصلت: 28.
(6) عجز بيت لأعشى باهلة، وصدره:
أخو رغائب يعطيها ويسألها
(اللسان: زفر) .
(2/665)
أن يكون من قوله: (لَهُمْ فِيها دارُ
الْخُلْدِ) «1» مستقرّا، و «لهم» لغواً.
ألا ترى أن قوله:
وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
لا يكون إلا مستقراً، فإذا صح هذا هاهنا وجب جواز كونه مستقراً
في الآية أيضاً، وكما تجعل هذا بمنزلة الظرف/ كذلك تجعل الجار
والمجرور في موضع المفعول من قوله:
بنزوة لص بعد ما مر مصعب بأشعث لا يفلى ولا هو يقمل و «مصعب»
نفسه هو. الأشعث. وقالوا: في هذا الدرهم خلف من هذا الدرهم،
أي: هذا الدرهم خلف. وكذلك: (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) «2»
أي:
لهم النار دار الخلد، وقال:
أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظّلامة منه النّوفل
الزّفر «3»
ف «أخو رغائب» هو «النوفل الزفر» ، فقال: منه النوفل، وهو هو.
قال عثمان في قوله:
وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
في هذا غاية البيان والكشف، ألا ترى أنه لا يجوز أن يعتقد أن
الله تعالى ظرف لشئ ولا متضمن له، فهو إذاً على حذف المضاف، أي
عدل الله عدل حكم. ومثله: (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) «4» أي:
أسأل الله خبيرا.
__________
(2- 1) فصلت: 28.
(3) انظر الحاشية (6 ص 665) .
(4) الفرقان: 59.
(2/666)
|