إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب الثاني
والأربعون
هذا باب ما جاء في التنزيل من المفرد ويراد به الجمع فمن ذلك
قوله تعالى: (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ) «1» ،
يعني: الكتب، لأنه لا يجوز أن يكون لجميع الأولياء كتاب واحد.
وقال: (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ) «2»
فيمن قرأه هكذا، يريد:
وكتبه.
وقال: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) «3» أي:
وكتبه.
فأما قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ) «4» «فالطاغوت» يقع على الواحد وعلى الجمع، وأراد
به الجمع هنا.
وقال في الإفراد: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى
الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) «5» جاء في
التفسير أنه أراد: كعب بن الأشرف.
وقال في موضع آخر: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ
يَعْبُدُوها) «6» أراد به الأصنام، و «أن» في موضع النصب بدل
من الطاغوت، أي: اجتنبوا عبادتها، هو في الأصل مصدر «طغى» ،
وأصله: طغيوت، على: فعلوت، مثل: الرهبوت، والرحموت، فقدم الياء
وأبدل منها الفاء فصار طاغوت.
__________
(1) البقرة: 213.
(2) البقرة: 285.
(3) التحريم: 12.
(4) البقرة: 257.
(5) النساء: 60.
(6) الزمر: 17.
(2/763)
ومن ذلك قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) «1» لفظه لفظ المفرد
ومعناه «الجنس» ، ألا ترى قوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) «2» يدل على صحة هذا: (وَالْعَصْرِ
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) «3»
.
«الذين» مبتدأ وخبره «فلهم أجر غير ممنون» فهذا لا يصح في سورة
«العصر» إذ لا خبر بعده.
ومن ذلك قوله تعالى: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً) «4» ، أي:
سماراً، لقوله «مستكبرين» قبله، وبعده «تهجرون» : فالسامر
كالباقر، والحامل، عند أبي علي.
ومثله: (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) «5» . عند أبي علي، وعلى هذا حمل
أيضا ًقوله: / (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) «6» فيمن أسكن
الياء، فقال: يكون «ثياب سندس» مبتدأ، على قول سيبويه، و
«عاليهم» خبر مقدم.
وزعم أنه بمنزلة قوله: (سامِراً تَهْجُرُونَ) «7» وهذا لعلة
نظره فيما قبل الآية لقوله:
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) «8» ألا ترى أنه
يجوز أن يكون «عاليهم» صفة له.
قال: ومثله: «دابر» . من قوله (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ ظَلَمُوا) «9» .
قال: ينبغي أن يكون «دابر» فاعلاً، من باب: الحامل، والباقر،
على تفسير معمر إياه ب: آخر القوم الذي يدبرهم.
قوله في موضع آخر: (وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) «10» فقال: «وما كانوا»
فجمع الضمير.
__________
(1) التين: 4.
(2) التين: 3.
(3) العصر: 1- 3.
(7- 4) المؤمنون: 67. [.....]
(5) العلق: 17.
(6) الإنسان: 21.
(8) الإنسان: 19.
(9) الأنعام: 45.
(10) الأعراف: 72.
(2/764)
فإن قلت: يكون الضمير عائداً على «الذين
كذبوا» ، وهو جمع.
قيل: هذا يبعد، لأن «الذين كذبوا بآياتنا» معلوم أنهم غير
مؤمنين، فإذا لم يجز هذا ثبت أن الضمير يعود إلى «الدابر» ،
وإذا عاد إليه ثبت أنه جمع، و «الدابر» يجوز أن يكونوا مؤمنين،
ويجوز أن يكونوا كافرين، مثل «الخلف» ، ويصح الإخبار عنهم
بأنهم كانوا مؤمنين.
ومن ذلك قوله: (وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى
الدَّارِ) «1» أي: الكفار، فيمن، أفرد أراد الجنس، ومنه:
(وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) «2» . أي:
على معصية ربه ظهيراً.
وأما قوله تعالى: (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ)
«3» . «فالفلك» اسم يقع على الواحد والجمع جميعاً.
قال في المفرد: (وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)
«4» .
وقال في الجمع: (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ
وَجَرَيْنَ بِهِمْ) «5» . فقال:
«وجرين» ، فجمع، وهو في الجمع مثل: أسد، وفي المفرد مثل: قفل.
ومن ذلك «أحد» في قوله: (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْهُمْ) «6» .
وقال: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) «7»
. أي: أنفساً.
وقال: (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) «8» . أي: رفقاء.
وقال: (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) «9» أي: أطفالا.
__________
(1) الرعد: 42.
(2) الفرقان: 55.
(3) البقرة: 164.
(4) الشعراء: 119.
(5) يونس: 22.
(6) النساء: 152.
(7) النساء: 4.
(8) النساء: 69.
(9) غافر: 67. [.....]
(2/765)
وقال: (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي
وَكِيلًا) «1» . أي: وكلاء.
وقال: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) «2» أي: أعداء.
وقال: (خَلَصُوا نَجِيًّا) «3» . أي أنجية.
وقال: (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ) «4» .
أي: أصدقاء.
__________
(1) الإسراء: 2.
(2) الشعراء: 77.
(3) يوسف: 80.
(4) الشعراء: 100- 101.
(2/766)
|