إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الخامس والأربعون
هذا باب ما جاء في التنزيل وفيه خلاف بين سيبويه وأبي العباس وذلك «1» في باب الشرط والجزاء، وذلك أنك إذا قلت: إن تأتني آتيك، فسيبويه يقدره على التقديم، أو كأن قال: آتيك أن تأتني. وأبو العباس يقدره على إضمار الفاء، على تقدير: أن تأتني فآتيك.
ومن ذلك قوله: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) «2» ، فيمن ضم الراء وشدد، هو على التقديم عند سيبويه، وعلى إضمار الفاء عند أبي العباس.
وكذلك قوله: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) «3» من جعل قوله «وما عملت من» شرطا أضمر الفاء في قوله «تود» . وهو عند أبي العباس وعند سيبويه يقدر التقديم في «تود» . ومن جعل «ما» بمعنى «الذي» فله أن يبتدىء بها ويجعل «تود» الخبر. ومن قال: إن «ما» معطوفة على قوله «ما عملت» جعل قوله «تود» في موضع الحال من «عملت» .
قال أبو علي: في قوله: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها) «4» : إن جعلت «تجد» من: وجدان الضالة، كان «محضرا» حالاً، وقوله «وما عملت من سوء» فى موضع
__________
(1) الكتاب: (1: 438- 440) .
(2) آل عمران: 120.
(4- 3) آل عمران: 30.

(3/779)


نصب بالعطف على «ما» الأولى، و «تود» في موضع الحال عن «ما» الثانية/ لأن في الجملة ذكرا يعود إلى «ما» .
وإن جعلت «تجد» بمعنى تعلم، كان «محضرا» المفعول الثاني. والمعنى:
يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت من خير محضرا وتود لو أن بينها وبينه جزاء ما عملت لا يكون إلا كذلك، لأن ما عملته فيما مضى لا يكون محضرا هناك.
وقريب من هذا في المعنى قوله: (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) «1» ، أي: جزاؤه، لأن الإشفاق منه يجب ألا يقرب منه.
ويجوز أن يكون موضع «ما» الثانية رفعا، و «تود» في موضع رفع خبر الابتداء. ولا يجوز أن يكون «ما» بمعنى الجزاء، إلا أن يكون «تود» :
«فهي تود» ، ولو كان: وما عملت من سوء ودت، «2» لجاز أن يكون جزاء.
ويجوز على قياس قول أبي الحسن في قوله: (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ) «3» من أن المعنى: فالوصية، أن يكون جزاء، ويقدر حذف الفاء، ويكون المعنى: فهي تود لو أن بينها وبينه. وهو قياس قول الفراء عندي، لأنه ذكر في حد الجزاء أن قوله: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) «4» على حذف الفاء. فسيبويه حمل هذه المواضع على التقديم، ولم يجز إضمار الفاء، وقال في باب «أي» : إذا قلت: أيها تشألك، هو على إضمار الفاء، أي: فلك. ولعله عمل هناك على الموصول إذ أجراها مجراها، إذا قلت: أيها تشأ لك هو.
__________
(1) الشورى: 22.
(2) هذه قراءة عبد الله (انظر: الكشاف 1: 352- البحر 2: 427- 428) . [.....]
(3) البقرة: 180.
(4) الأنعام: 121.

(3/780)


وأبو العباس يزعم أنك إذا قلت: إن تأتني آتيك. فقد وقع الجزاء موقعه فلا ينوى به التقديم، كما أن الفاعل إذا وقع موقعه لا ينوى به غير موضعه وسيبويه يقول «1» : إن الشرط على وجهين:
أحدهما أن يكون المعتمد المقصود تقديم الشرط وإتباع الجزاء له، كقولك: إن تأتني آتك، وإن تأتني فأنا مكرم لك. ولا يجوز تقديم الجواب على الشرط.
والآخر أن يكون الاعتماد على فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبرٍ، يبتدئه المتكلم ويعلقه بشرط كما يعلقه بظرف، فيقول: أكرمك إن أتيتني، وأنا مكرمك إن زرتني، كما تقول: أكرمك يوم الجمعة. فإذا قال: إن أتيتني أكرمك، فليس «أكرمك» بجواب، فيكون تقديما إلى غير موضعه، وإنما هو الفعل، الذي القصد فيه التقديم.
__________
(1) الكتاب (1: 431- 437) .

(3/781)