إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الرابع والأربعون
هذا باب ما جاء في التنزيل من دخول لام «إن» على اسمها وخبرها أو ما اتصل بخبرها، وهي لام الابتداء دون القسم.
وقد تقدم على ذلك أدلة، وهي تدخل على خبر «إن» أو ما يقع موقعه، أو على اسم «إن» إذا وقع الفصل بين «إن» ، / واسمها.
فمن ذلك قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) «1» فإذا دخل على الاسم لما وقع الفصل بينها وبين اسمها.
وقال: (إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) «2» .
وقال: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً) «3» ، فأدخل على الخبر.
وقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) «4» .
وقال: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) «5» .
وقال: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) «6» .
وقال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) «7» .
__________
(1) آل عمران: 78.
(2) الأنبياء: 106.
(3) آل عمران: 13- النور: 44- النازعات: 26.
(4) الشورى: 52.
(5) النمل: 6.
(6) الزخرف: 61.
(7) الزخرف: 44.

(2/769)


فأدخل على الفضلة الواقعة قبل الخبر.
وقال: (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) «1» .
وقال: (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) «2» .
وقال: (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ) «3» .
وقال: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) «4» ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) «5» و (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) «6» .
وأما قوله: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) «7» ، فإنك لو جعلت «في أم الكتاب» خبراً كنت أدخلت اللام على الخبر الثاني، والأحسن من ذلك أن تدخل على الخبر الأول، فوجب أن يكون قوله «في أم الكتاب» ظرفاً متعلقاً بالخبر لا خبراً.
وأما قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) «8» فيمن أضمر، لأن لو جعل «إن» بمعنى «نعم» فإنه قد أدخل اللام على خبر المبتدأ، لأن «هذان» في قولهما ابتداء، واللام لا تدخل على خبر الابتداء، وإنما تدخل على المبتدأ، وإدخالها على الخبر شاذ، وأنشدوا فيه:
أم الحليس لعجوز شهر به ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة «9»
وقد تقدم ما هو الاختيار عندنا. وتختص هذه اللام بباب «إن» وشبهوا ب «إن» «لكن» ، وأنشدوا.
__________
(1) الحجر: 72.
(2) يوسف: 90.
(3) النمل: 16.
(4) الصافات: 165. [.....]
(5) الصافات: 166.
(6) الصافات: 172.
(7) الزخرف: 4.
(8) طه: 63.
(9) ويروى: «ترضى من الشاة» . قال ابن منظور: اللام مقحمة في: لعجوز وإدخال اللام في غير خبر إن ضرورة ولا يقاس عليه، والوجه أن يقال: لأم الحليس عجوز شهربه، كما يقال: لزيد قائم.
(اللسان: شهرب) .

(2/770)


ولكنني من حبها لعميد «1»
وهذا حديث يطول، وفيما ذكرناه كفاية.
فأما قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) «2» فإن قوماً من النحويين أنكروا أن يدخل الصلة قسم، كما ذهب إليه أبو عثمان لأن الفراء حكى ذلك، وقال: فاحتججنا عليه بقوله: (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) «3» بهذا ما أشار إليه في كتاب «الأخبار» في قوله: (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ) «4» وكان الوجه الذي ذهبوا لأجله إلى ذلك القسم جملة ليس لها بالصلة ولا بالموصول التباس، فإذا لم يلتبس لم يجب أن يفصل بها، ألا ترى أن: والله ولعمرك، ونحوهما في نحو «الذي» والله، لا تعلق له بالموصول، / فلما رأوه كذلك لم يجيزوا، والجواب عن ذلك أنه ينبغي أن يجوز من وجهين:
أحدهما: أن القسم بمنزلة الشرط والجزاء، وكما يجوز أن يخلو الشرط مما يعود إلى الموصول، إذا عاد إليه من الجزاء، كذلك يجوز أن يخلو القسم من الراجع.
والوجه الآخر: أن القسم تأكيد وتسديد ل «ما» الصلة، وإذا جاز الفصل فيها والاعتراض من حيث كان تسديداً للقصة، نحو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) «5» فالفصل بين القسم وبينه أجدر وأقيس، لما ذكرناه من شبهه بالجزاء والشرط، مع أن فيه ما ذكرناه من تسديد القصة، فهذا وجه الجواز.
__________
(1) هذا الشطر لا يعرف له قائل ولا تتمة شرح الفصل لابن يعيش: 8: 64.
(2- 3) النساء: 72.
(4) القصص: 76.
(5) يونس: 27.

(2/771)


الجزء الثالث
من إعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج

(3/777)