إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الحادي والخمسون
هذا باب ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين فمن «1» ذلك ما قاله القاسم في قوله تعالى: (لَمْ يَتَسَنَّهْ) «2» إنه من قوله:
(مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) «3» ، أي: يتغير، ثم أبدلت من النون الأخيرة ياء، فصار «يتسنى» ، فإذا جزمت قلت: لم يتسن، كما تقول: لم يتفن، ثم تلحق الهاء لبيان الوقف.
وقيل: هو من «السنة» ، تسنى، أي: مرت عليه السنون فتغير. ومن أثبت الهاء في الوصل، فلأنهم قالوا: سنة وسنهات، فيكون الهاء لام الفعل.
ومن ذلك قوله تعالى: (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) «4» ، أي: تمل، لقوله: (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) «5» . يقال: أمللت، وأمليت.
ومن ذلك قوله: (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) «6» ، والأصل:
«يتمطط» . قالوا: لأنه من المطيطاء «7» .
ومنه قوله: (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) «8» ، أي: دسها بالفجور والمعاصي، فأبدلت من اللام ياء، فصار: «دساها» .
ومنه قوله تعالى: (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) «9» ، أي: دللهما، لقوله: (هَلْ أَدُلُّكَ) «10» .
ويكون «فعل» ، دلى يدلى، الذي مطاوعه «تدلى» : كقوله:
هما دلّتانى من ثمانين قامة «11»
__________
(1) الكتاب (2: 401) .
(2) البقرة: 259.
(3) الحجر: 26، 28، 33.
(4) الفرقان: 5.
(5) البقرة: 282.
(6) القيامة: 33.
(7) المطيطاء، بالمد والقصر: مشية التبختر.
(8) الشمس: 10.
(9) الأعراف: 22.
(10) طه: 120. [.....]
(11) صدر بيت، وعجزه:
كما انقض باز أقحم اللون كاسر

(3/800)


أي: أوقعهما في المعصية بغروره وإلقائهما فيها وطرحهما.
ويجوز أن يكون «دلى» مثل «سلقى «1» » ، وقد روى: فلان آفى من فلان، وهذا مثل «أملى» في «أمل» .
قال سيبويه: وكل هذا التضعيف فيه عربي كثير جيد جدا، يعني:
ترك القلب إلى الياء عربي جيد، إذا قلت: تظنيت وتسريت.
وقد جعل سيبويه الياء في «تسريت» بدلا من الراء، وأصله: تسررت، وهو من السرور، فيما قاله الأخفش، لأن السرية يسر بها صاحبها.
وقال ابن السراج: هو عندي من السر، لأن الإنسان يسر بها ويسترها عن حزبه كثيرا.
والأولى عندي أن يكون من «السر» ، الذي هو النكاح.
وقيل: ليس الأصل فيه «تسررت» ، وإنما هو «تسريت» بمعنى:
سراها، أي: أعلاها، وسراة كل شىء: أعلاه. وأما «كلا» «وكل» فليس أحد اللفظين من الآخر، لأن موضعهما مختلف، تقول: كلا أخويك قائم، ولا تقول: كل أخويك قائم. ولا يجوز أن تجعل الألف في «كلا» بدلا من اللام في «كل» ، / ولم يقم الدليل على ذلك، وكذلك قال سيبويه «2» .
ومثله: ذرية، أصله: ذروة، فعلولة من «الذر» ، فأبدلت من الراء ياء، وقلبت الواو ياء، وأدغمت فيه فصارت «ذرية» .
__________
(1) سلقى: سلق.
(2) الكتاب (2: 401) .

(3/801)


وفي ذلك ما روى عن ابن كثير فى قوله: (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) «1» .
قال أبو علي: وجه ما روى من «فذانيك» أنه أبدل من النون الثانية الياء، كراهية التضعيف «2» .
وحكى أحمد بن يحيى: لا وربيك ما أفعل يريد: لا وربك.
ومن ذلك قراءة من قرأ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) «3» هو من «قر» في المكان «يقر» ، أصله: اقررن، فأبدل من الراء الأخيرة ياء، ثم حذفها وحذف «همزة الوصل» ، فصار: «قرن» ، وهو مشكل.
ومثله: (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) «4» ، فيمن قرأها بالتخفيف، أصله «تعتدونها» ، فأبدل من الدال حرف اللين.
__________
(1) القصص: 32.
(2) قراءة ابن كثير وأبي عمرو «فذانك» بتشديد النون، وقرأ ابن مسعود وعيسى وأبو نوفل وابن هرمز وشبل «فذانيك» بياء بعد النون المكسورة، وهي لغة هذيل. وعن شبل عن ابن كثير أيضا «فذانيك» بفتح النون قبل الياء (البحر 7: 118) .
(3) الأحزاب: 33.
(4) الأحزاب: 49.

(3/802)