إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الثاني والخمسون
هذا باب ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف فمن ذلك قوله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) «1» ، والتقدير: صم وبكم وعمى، كقوله في الأخرى: (صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ) «2» ، فالتقدير فيه أيضا:
وفي الظلمات.
ومن ذلك قوله: (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) «3» ، و (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) «4» ، فحذف الواو. وهكذا في جميع التنزيل من هذا النوع.
ومن ذلك قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) «5» أي: ورابعهم كلبهم. وكذلك قوله: (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) «6» أي: وسادسهم.
دليل ذلك قوله: (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) «7» .
وكما ظهرت الواو هنا فهي مقدرة في الجملتين المتقدمتين، إذ ليست الجملتان صفة لما قبلهما ولا حالا ولا خبرا، لما تقدم في غير موضع، وإنما هما جملتان في تقدير العطف على جملتين.
ومن ذلك قوله تعالى: (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ) «8» التقدير:
وأغويناهم، وقد تقدم شرحه.
__________
(1) البقرة: 18، 171.
(2) الأنعام: 39.
(3) البقرة: 82- الأعراف: 42- يونس: 26- الأحقاف: 14.
(4) البقرة: 39، 81، 217، 3257، 275- آل عمران: 116- الأعراف: 36- يونس: 27- الرعد: 5- المجادلة: 17.
(7- 6- 5) الكهف: 22.
(8) القصص: 63.

(3/803)


وأما قوله تعالى: (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) «1» فإن جواب «إذا» قوله «تولوا» وليس الجواب «قلت» والتقدير في «قلت» أن يكون بحرف عطف، إلا أنك استغنيت عنه بتضمن الثانية الذكر مما في الأولى، بمنزلة/ قوله (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) ، ألا ترى أن إفاضتهم الدمع إنما هو إياسهم من الخروج والتوجه نحو العدو لتعذر الظهور الحاملة لهم عليها.
وأما قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا) «2» . فحمله أبو الحسن على حذف الواو، نهى بعد أمرٍ. وحمله الفراء على جواب الأمر، وفيه طرف من النهي، ومثله: (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) «3» .
ومن ذلك قوله: (رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا) «4» ، أي:
وأنعم الله، فحذف الواو.
وقال الله تعالى: (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ) «5» ، أي: وقال.
ومن ذلك قال الفرّاء فى قوله: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) «6» ، على إضمار الواو، كأنه: أو وهم قائلون، فحذفت الواو لاجتماع شيئين.
قال أبو علي: إنما قال هذا، لأن «أوهم قائلون» معطوف على «بياتا» الذي هو حال، فهذه الجملة إذا دخلت كانت مؤذنة بأن الجملة بعدها للحال
__________
(1) التوبة: 92. [.....]
(2) الأنفال: 25.
(3) النمل: 18.
(4) المائدة: 23.
(5) القصص: 79.
(6) الأعراف: 4.

(3/804)


أيضا، فالتقدير أتاهم بأسنا بائتين، أو قائلين. ولو قلت: جاءني زيد ويده فوق رأسه، بلا واو، لكان حسنا، وإذا كان كذلك فقد يجوز ألا تقدر الواو، يدلك على أن قوله (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) جملة فى موضع مفرد، قوله: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً) «1» ، فقوله: (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) بمنزلة «نهارا» .
__________
(1) يونس: 50.

(3/805)