إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الثالث والستون
باب ما جاء في التنزيل من الحروف المحذوفة تشبيها بالحركات، وذلك يجيء في الواو والياء، وربما يكون في الألف قال الله تعالى: (ما كُنَّا نَبْغِ) «1» ، (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) «2» ، (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي) «3» ، وما أشبه ذلك، حذفت الياء تشبيها بالحركة استخفافا، كما حذفت الحركة لذلك. وذلك قولهم: أخراهم طريق ألاهم، كما قيل: يراد أولاهم.
وقال: (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) ، يريد: حاشى. وقال رؤبة:
وصاني العجاج فيما وصنى
فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضا له، فى نحو قوله:
وقد بدا هنك من المئزر «4»
وقوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب «5»
وحذف الياء أكثر من حذف الألف لخفاء الألف، ألا تراه قال:
ورهط ابن المعل «6» أقلّ من قوله: «نبغ» و «يسر» «7» ، ولهذا لم يحمل البصريون
__________
(1) الكهف: 64.
(2) الفجر: 4.
(3) القصص: 22.
(4) صدره:
رحت وفي رجليك ما فيهما
(سيبويه 2: 297) .
(5) عجزه:
إثما من الله ولا واغل
والبيت لامرىء القيس.
(6) جزء من بيت للبيد، والبيت كاملا:
وقبيل من لكيز شاهد ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل
يريد: المعلى. (الكتاب 2: 288) .
(7) يريد أن الحذف مع الكسر أكثر منه مع الفتح.

(3/838)


قوله: (قالَ ابْنَ أُمَّ) «1» على أن أصله: يا ابن أمى، فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا ثم حذفت الألف، لقلة ذلك، ولكن حملوه على باب خمسة عشر، مما جعل الاسمان فيه اسما واحدا، وهكذا قالوا في قوله: (يا أَبَتِ) «2» إنه فتح التاء تبعا للباء، وعلى أنه أقحم التاء، على لغة من قال: يا طلحة، ولم يحملوه على أن أصله «يا أبتا» فحذف الألف «3» . ولكن من قال: يا بني، أدغم ياء التصغير في ياء الإضافة، وياء الإضافة مفتوحة، وحذف لام الفعل.
وحذف الألف من هذه الكلمات الثلاث مذهب أبي عثمان. ومن ذلك:
إن تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا، نحو: حمزة، وطلحة، وقائمة، ولا يكون/ ساكنا، فإن كانت الألف وحدها من سائر الحروف جازت، وذلك نحو: قطاة، وحصاة، وأرطاة، وحبنطاة، أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف حتى كأنها هي هي. وهذا أحد ما يدل على أن أضعف الحروف الثلاثة الألف دون أختيها، لأنها قد خصت هنا بمساواة الحركة دونها. ومن ذلك أنهم قد بينوا الحرف بالهاء، كما بينوا الحركة بها، وذلك قولهم: وا زيداه، وا غلاماه، وا غلامهوه، وا غلامهيه، وانقطاع ظهراه. فهذا نحو من قولهم: أعطيتكه، ومررت بكه، وا غزه، ولا تدعه، والهاء في كله لبيان الحركة «4» .
ومن ذلك قراءة من قرأ: (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) «5» بكسر الواو. وقولهم:
القود، والحوكه، والخونة. وقد جرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع
__________
(1) طه: 13.
(2) يوسف: 4.
(3) قرا ابن عامر وأبو جعفر والأعرج «يا أبت» بفتح التاء، وباقي السبعة والجمهور بكسرها، ووقف الابنان عليها بالهاء. وهذه التاء عرض من ياء الاضافة فلا يجتمعان، وتجامع الألف التي هي بدل من الياء. ووجه الاقتصار على التاء مفتوحة أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف، ورخم بحذف التاء ثم أقحمت. (البحر 5: 239) .
(4) الكتاب (2: 277- 281) .
(5) الأحزاب: 13.

(3/839)


الحركة بعدهما مجراهما فيها، لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما، نحو: القواد، والعياب، والصياد، و (إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) «1» فهذا إجراء الحركة مجرى الحرف.
ومنه: باب «قدر» و «هند» في باب ما لا ينصرف في الثلاثي لمؤنث: الحركة في «قدر» بمنزلة حرف، نحو «زينب» و «عقرب» «2» .
ومنه حذف الحرف من «جمزى» ، لما جرى الميم متحركا جرى مجرى الخماسي، نحو: مرتمى، ومرتضى.
__________
(1) الأحزاب: 13.
(2) الكتاب (2: 22) . [.....]

(3/840)