إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الرابع والستون
هذا باب ما جاء في التنزيل أجرى فيه الوصل مجرى الوقف وهو شيء عزيز نادر حتى قالوا: إنه يجوز في ضرورة الشعر، ولكن أبا علي حمل قوله: (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) «1» فيمن شدد النون، أن أصله «لمًّا» من قوله: (أَكْلًا لَمًّا) «2» ، فوقف وأبدل من التنوين ألفا، فصار «لما» ثم حمل الوصل على الوقف «3» .
ومن ذلك قوله: (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) «4» و (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) «5» فيمن خفف الياء، قال: هذا على الوقف. ومثله قول عمران «6» :
قد كنت عندك حولاً لا تروعنى ... فيه روائع من إنس ولا جانى
ومن ذلك قراءة من قرأ: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) «7» و: (قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ) «8» هذا على أن الوقف في «هدًى» : «هدى» بالإسكان، وفي «بشراى» «بشرى» ، كما حكاه سيبويه من أنهم يقفون على أفعى، أفعى، ثم لما أدخل ياء الإضافة أدغم الياء في الياء وأجرى الوصل مجرى الوقف «9» .
/ ومن ذلك قراءة نافع: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) «10» ، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) «11» ، (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ) «12» . فهذه على لغة من وقف على «أنا» فقال:
__________
(1) هود: 111.
(2) الفجر: 19.
(3) البحر (5: 267) .
(4) لقمان: 13.
(5) لقمان: 17.
(6) هو: عمران بن حطان الحروري. (اللسان: جتن) .
(7) البقرة: 38.
(8) يوسف: 19.
(9) قراءة نافع: يا بشراي، بسكون ياء الإضافة، وقرأ الجحدري، ونفر غيره: يا بشرى، بقلب الألف وإدغامها في ياء الإضافة. (البحر 5: 280) .
(10) البقرة: 258.
(11) الأعراف: 143.
(12) الممتحنة: 1.

(3/841)


(أَنَا) «1» . ومثله: (لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) «2» ، الأصل: لكن أنا هو الله ربي، فحذف الهمزة وأدغم النون في النون.
ومن ذلك قراءة حمزة: (وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ) «3» ، بإسكان الهمزة في الإدراج، فإن ذلك يكون على إجرائها في الوصل مجراها في الوقف، وهو مثل: سيساء، وعيهل، والقصباء، وحسناء، وهو في الشعر كثير. ومما يقوى ذلك أن قوما قالوا في الوقف: أفعى وأفعو، أبدلوا من الألف الواو والياء.
ثم أجروها في الوصل مجراها في الوقف، فقالوا: هذا أفعويا. وكذلك حمل حمزة في هذا الموضع، لأنها كالألف في أنها حرف علة، كما أن الألف كذلك، ويقوى مقاربتها الألف أن قوما يبدلون منها الهمزة في الوقف فيقولون: رأيت رجلأ، ورأيت جبلأ.
ويحتمل وجها آخر، وهو أن تجعل «يأولا» من قوله: «ومكر السيّء ولا» بمنزلة «إبل» . ثم أسكن الحرف الثاني كما أسكن من «إبل» لتوالي الكسرتين، أجراها وقبلها ياء فخفف بالإسكان، لاجتماع الياءآت والكسرات، كما خففت العرب من نحو «أسيدى» وبالقلب في «رحوى» ، ونزلت حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب، كما فعلوا ذلك في قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب «4»
__________
(1) قراءة نافع بإثبات ألف «أنا» إذا كان بعدها همزة مفتوحة أو مضمومة. وروى أبو نشيط: إثباتها مع الهمزة المكسورة، وقرأ الباقون بحذف الألف وأجمعوا على إثباتها في الوقف، وإثبات الألف وصلا ووقفا لغة بني تميم، ولغة غيرهم حذفها في الوصل. ولا تثبت عند غير بني تميم وصلا إلّا في ضرورة الشعر.
قال أبو حيان: والأحسن أن تجعل قراءة نافع على لغة بني تميم لأنه من إجراء الوصل مجرى الوقف (البحر 2: 288) .
(2) الكهف: 38. [.....]
(3) فاطر: 43.
(4) صدر بيت لامرىء القيس، عجزه:
اثما من الله ولا واغل
(الكتاب 21: 197) .

(3/842)


وقد بدا هنك من المئزر «1»
و «لا يعرفنكم العرب» .
وكما أن حركة غير الإعراب نزلت منزلة حركة الإعراب في نحو: رد، وفر، وعض، فأدغم كما أدغم: يعض، ويفر، لما تعاقب حركات الإعراب على لامها، وهي حركة التقاء الساكنين وحركة الهمزة المخففة وحركة النونين، ونزلت هذه الحركات منزلة حركة الإعراب حتى أدغم فيها كما أدغم المعرب، وكذلك نزلت حركة الإعراب منزلة غير حركة الإعراب في أن استجيز فيها من التخفيف كما استجيز في غيرها، وليس تختل بذلك دلالة الإعراب، لأن الحكم في مواضعها معلوم، كما كان معلوما فى المتصل والإسكان للوقف.
__________
(1) صدره:
رحت وفي رجليك ما فيهما
الكتاب (2: 297)

(3/843)