إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب الثامن والسبعون
باب ما جاء في التنزيل وقد وصف المضاف بالمبهم وهي مسألة نازع صاحب «الكتاب» أبو العباس «1» ، نحو: مررت بصاحبك هذا، وهكذا نازعه في العلم: نحو مررت بزيد هذا، فمنع من ذلك خلافا لصاحب «الكتاب» .
وقد قال الله تعالى: / (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ) «2» ، فجعل هذا نعتا لقوله «من فورهم» ، وكأنه قال: من فورهم المشار إليه.
وقال الله تعالى: (لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) «3» ، وقال: (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) «4» ، وقال: (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) «5» .
فأما قوله: (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) «6» ، فجوزوا أن يكون «ذلك» نعتا لقوله: «لباس التقوى» ، ويجوز أن يكون فصلا، وأن يكون ابتداء وخبرا، أعنى: خبرا.
فأما قوله: (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا) »
، فالفراء ذهب فيه إلى أن «هذا» نعت ل «مرقدنا» الحاضر، فقيل له: فما موضع: (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) »
؟ فقال: ثم ابتداء «ما وعد الرحمن» ، أي: بعثنا وعد الرحمن، فحمل «ما» على المصدرية مرفوعا بفعل مضمر. وليس العجب هذا إنما العجب من «جرجانيكم «9» » جاء بإحدى خطيئات لقمان، فزعم أن «هذا» نعت ل «مرقدنا» ، وأن قوله «ما وعد» موصول،
__________
(1) هو: أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، إمام الكوفيين. وكانت وفاته سنة 291 هـ.
(2) آل عمران: 125.
(3) الكهف: 62.
(4) يوسف: 15.
(5) التوبة: 28.
(6) الأعراف: 26. [.....]
(8- 7) يس: 52.
(9) يريد: علي بن عبد العزيز الجرجاني المفسر، والمتوفى سنة 366 هـ.

(3/897)


أي: ما وعده الرحمن، ولم يقل: ما موضع «ما» ، وهو يتكلم على كلمات السورة.
فهذه آي كما تراها، ولعلها خفيت على أبي العباس والذاب عنه، لما يحملها على البدل.
قال أبو العباس: فى هاتين المسألتين: إن المبهم أخص من العلم، فوجب ألا يوصف به العلم، قياسا على قولك: مررت بالرجل أخيك، وذلك أن المضاف عند سيبويه أخص من الألف واللام، فمنع أن يوصف الألف واللام به لما كان أبهم منه، لقربه من النكرة، نحو: إني لأمر بالرجل مثلك وغيرك، فكذلك وجب ألا يوصف بالمبهم العلم، لكونه أخص منه، ولهذا المعنى قال من قال: إن «هذين» ليست تثنية «هذا» ، لما كان في غاية المعرفة، وأجمعوا أن «الزيدين» تثنية «زيد» ، والتثنية لا محالة توجب التنكير، فلما أجمعوا على جواز تثنية «زيد» واختلفوا في تثنية «هذا» علم أن هذا أخص، وجب ألا يجرى صفة على ما ليس بأخص منه، وهذا لأن البداية ينبغي أن تقع بالأخص، فإن عرف وإلا زيد ما هو أعم ليقع به البيان، وفي جواز: مررت بزيد هذا، عكس ذلك المعنى، فوجب ألا يجوز.
واحتج سيبويه بأن ذكر هذا وذاك بعد العلم وبعد صاحبك يذهب به مذهب الحاضر والشاهد والقريب، وكذلك مذهب البعيد أو المتنحى، / ولهذا قال سيبويه: وإنما صار المبهم بمنزلة المضاف لأنك تقرب به شيئا أو تباعده وتشير إليه، فإذا قيل: مررت بزيد هذا، وبصاحبك هذا، وكأنه قال: مررت بزيد الحاضر، ولم يغير هذا تعريف «زيد»

(3/898)


ولا تعريف «صاحبك» ، وباقترانه معهما لأنه لا يتغير «زيد» عن تعريف العلم، ولا صاحبك عن تعريف الإضافة باقترانها بهذا، ولأنا نقول: إن وضع الاسم العلم في أول أحواله لشيء بينٌ به من سائر الأشخاص، كوضع هذا في الإشارة لشيء بعينه، فاجتمع في معنى ما وصفنا في المعرفة وفصله العلم بثبات له بذكر حال، أو زوال الاسم عن المشار إليه فى الغيبة.

(3/899)