إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب التاسع والسبعون
باب ما جاء في التنزيل وذكر الفعل وكنى عن مصدره وذكر سيبويه هذا في كتابه، وحكى عنهم: (من كذب كان شرًّا له) وتلا الآية (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) «1» ، فقال: التقدير: البخل خيرا لهم، وكنى عنه بقوله «يبخلون» . وقد تقدم شرح هذا في هذا الكتاب «2» .
ومن ذلك قوله: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) «3» أي: العدل هو أقرب للتقوى.
وقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) «4» ، أي: الاستعانة.
وقال: (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) «5» ، في قراءة الدمشقي، أي: اقتد اقتداء.
وفى بعض القراآت: َ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها)
«6» ، بإضافة «كل» إلى «وجهة» .
وزعم الفارسي أن الهاء كناية عن المصدر في «موليها» ، أي: مولى التولية.
ولا يكونِ كُلٍّ وِجْهَةٌ)
«7» لأن الفعل إذا تعدى باللام إلى المفعول لا يتعدى بغير اللام، ولا ما أنشده صاحب «الكتاب» :
هذا سراقة للقرآن يدرسه «8»
__________
(1) آل عمران: 180.
(2) الباب السادس والستون (ص: 841) .
(3) المائدة: 8.
(4) البقرة: 45.
(5) الأنعام: 90.
(7- 6) البقرة: 148.
(8) صدر بيت، عجزه:
والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب
(الكتاب 1: 437) .

(3/900)


أي: يدرس الدرس، ولا يكون للقرآن، لما ذكرنا.
وبقوله:
ولكل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه «1»
أي: نلت النيل، ولا يكون «لكل» لما ذكرنا.
وقيل في قوله تعالى: (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) «2» ، أي: يذرأ الذرء، فالهاء كناية عن المصدر.
وقال: (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) «3» .
فأما قول القائل لامرأته: إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق، فقد قالوا: إن التقدير: إن خرجت من الدار إلا خروجا بإذني، فأضمر الخروج، فلإن «خرجت» يدل عليه، والباء من صلة المصدر، وكأن التقدير: إلا خروجا/ بإذني، فيحتاج في كل خرجة إلى الإذن. ولو قال: إلا أن آذن، فأبو زكريا يجعله بمنزلة «إلا بإذني» ، «لإن «إن آذن» بمنزلة «إذنى» . وأبو حنيفة يجعل «إلا أن آذن» بمنزلة «حتى آذن» فيكفى المرة الواحدة، لأن «حتى آذن» غاية، فيجرى «إلا أن آذن» مجراه.
وأما قوله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ) «4» فالتقدير، إلا قولا بمشيئة الله، أي: قولا مقترنا بمشيئة الله، وهو أن نقول:
__________
(1) البيت لزهير بن جناب الكلبي. (شعراء النصرانية 1: 210) .
(2) الشورى: 11.
(3) البقرة: 282.
(4) الكهف: 23.

(3/901)


أفعل إن شاء الله، ومثل هذا، أعنى إضمار المصدر، قول أبي قيس الأسلت الأنصاري:
إذا نهى السفيه جرى إليه ... يخالف والسفيه إلى خلاف «1»
أي: جرى إلى السفه. وقال في الحماسة:
لم أر قوماً مثلنا خير قومهم ... أقل به منا على قومه فخراً «2»
أي: أقل بالخير، فالهاء يعود إلى «الخير» الذي هو مصدر، ولا يعود إلى «خير قومهم» لأنه اسم، ف «قوما» هو المفعول الأول، «ومثلنا» من نعته، و «خير قومهم» بدل و «أقل» هو المفعول الثاني، و «فخرا» تمييز.
أي: أقل فخرا بالخير منا على قومنا، يعنى: نحن لا نبكي على قومنا، فليس هناك أقل فخرا بالخيرية على قومه منا.
__________
(1) الرواية في شرح الحماسة (1: 239) : «إذا زجر السفيه.. فخالف» . [.....]
(2) البيت لزيادة الحارثي. (شرح الحماسة 1: 238) .

(3/902)