إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج الباب الخامس
والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في
جواب الشرط فجزم فمن ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ تُخْفُوها
وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ
عَنْكُمْ) «1» ، فجزم «نكفر» على موضع قوله: (فَهُوَ خَيْرٌ
لَكُمْ» ، لأن تقديره: إن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن الإيتاء
والإخفاء خير لكم.
والرفع فيه أيضا حسن جيد، لما لم يظهر الجزم في الفاء لم يكن
به اعتداد. وقد ذكر فارسهم ذلك فقال: إذا قلت: زيدا ضربته
وعمراً كلمته/ ربما احتج «الزيادي» بأن قوله «ضربته» لم يظهر
فيه الإعراب، فلم يقع به اعتداد، في كلام طويل ذكرته في
«الخلاف» .
ومن ذلك قوله تعالى: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ
وَيَذَرُهُمْ) «2» ، جزم «يذرهم» حملا على موضع «الفاء» ،
والرفع فيه حسن على ما قلنا.
وأما قوله تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما
أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً
غَيْرَكُمْ) «3» ، فإن القراء السبعة أجمعوا على رفع «ويستخلف»
ولم يجزموه، كما جزموا «ويذرهم» «ونكفر» ، إلا رواية عن حفص
جزمه كما جزم أولئك في الآيتين، فقال قائلهم: ليس ذا بجزم،
وإنما هو اختلاس.
__________
(1) البقرة: 271.
(2) الأعراف: 186.
(3) هود: 57.
(3/929)
ألا ترى أنه أطبق مع الجماعة على إثبات
النون. فقرأ: (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا
تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) «1» ، فأثبت النون، ولو اعتقد في
«يستخلف» الجزم حملاً على موضع «الفاء» لحذف «النون» ولم
يثبتها، فثبت أنه ليس بمجزوم، وأنما أطبقوا على الرفع لمكان
«النون» في (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) «2» ، إذ وجدوها في
المصحف كذلك.
ومن ذلك قوله: (لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) «3» ، فحمل «يكن» على موضع «الفاء» في
«فأصدق» أي: موضع الفاء جزم، وكأنه في التقدير: إن أمهلتني
أصدق وأكن.
وأبو عمرو قرأه «وأكون» منصوبا، بالحمل على موضع «فأصدق» ،
فهذا في الحمل على موضع الفاء، وربما كان ينشد فارسهم قول أبى
داود:
فأبلونى بليّتكم «4» لعلّى ... أصالحكم وأستدرج نؤيا
فحمل «وأستدرج» على موضع «لعلى» جزم على تقدير: «فلعلي» ،
بالفاء محذوفة.
فأما ما جاء من نحو قوله: (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ
تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) «5» ، وقوله:
(يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) «6» ،
فالجزم هو الجيد بالعطف على الجزاء، وجاز الرفع في مثله. وقد
قرئ به في «فيغفر» دون «يخرج» وجاز النصب في «فيغفر» . وقد جاء
ذلك في الشواذ، ولم يشذ في قوله: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) «7»
بعد (أَوْ يُوبِقْهُنَّ) «8» ، المنجزم بالعطف على قوله
__________
(2- 1) هود: 57. [.....]
(3) المنافقون: 10.
(4) البلية: الناقة تعقل عند قبر صاحبها وتبلى هناك، أي تترك
لا تعلف ولا تسقى حتى تموت.
(5) محمد: 37.
(6) البقرة: 284.
(7) الشورى: 35.
(8) الشورى: 34.
(3/930)
(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ
فَيَظْلَلْنَ) «1» . وإنما لم يكن شاذا لفتح «اللام» قبل
«الميم» ، واجتمع فيه كونه تبعا مع جواز الصرف.
وقال عز من قائل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ
وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) «2» . فإنه حمل نصبه على الصرف، و
«عندى» أنه مجزوم، وكان حقه/ الكسر، لقراءة الحسن «ويعلم
الصابرين» لكنه حمله على «اللام» وفتحه لمطابقة ما قبله، كما
روى عن ابن عامر «ثم تجعله» بفتح «اللام» تبعا ل «العين» .
وأما قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ
السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) «3» .
فقدر أبو إسحاق موضع قوله «ظلت» أنه مجزوم بالعطف على «ننزل» ،
كقوله «فيغفر» جزم بالعطف على «يحاسبكم» . وأنكر عليه «أبو
علي» وزعم أن قوله «ظلت» بعد «الفاء» كقوله «ينتقم الله» بعد
«الفاء» كقوله: (فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) «4» .
لم يتأمل أبو علي في هذا الكلام، لأن قوله، «فينتقم الله منه»
جواب الشرط، وقوله «فظلت» معطوف على «ينزل» كما أن «فيغفر»
معطوف على «يحاسبكم» . نعم، لو كان «فظلت» جواب «إن نشأ» لكان
كقوله:
(وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ) «5» ، فأما إذا كان
في تقدير: إن نشأ ننزل فتظل عناقهم، كان كقوله: «فيغفر» ،
والله أعلم.
__________
(1) الشورى: 33.
(2) آل عمران: 142.
(3) الشعراء: 4.
(4) الأعراف: 186.
(5) المائدة: 95.
(3/931)
|