إعراب القرآن للباقولي منسوب خطأ للزجاج

الباب السادس والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل وقد رفض الأصل واستعمل ما هو فرع فمن ذلك «الصاد» في «الصراط» من نحو قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ) «1» . جاء الاستعمال وكثرت القراءة بالصاد، وقد رفض فيه السين، إلا في القليل.
ومنه قوله: (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) «2» ، (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) «3» و «إليكم» ، و «فيهم» ، و: «فيكم» . الأصل فى كل ذلك: عليهم و، و: إليهمو، و: لديهمو، و: فيهمو، بالواو، لأنها بإزاء: عليهن، و: لديهن، و: إليكن، و: إليهما، وكما أن المثنى المؤنث بالحرفين، فكذلك المذكر وجب أن يكون بحرفين، إلا أنهم حذفوا الواو استخفافا وأسكنوا الميم، فقالوا: عليهم. فإن قلت:
فهلا تركوا الميم بالضم بعد حذف الواو؟ فلأن في إبقاء الضم استجلاب الواو، ألا تراهم قالوا:
أمشى «4» فأنظور وتنقاد الصياريف «5» فإذا أسكنوها أمنوا ذلك، ألا تراهم لم يصلوا:
وأنت من أفنانه معتقد وكانت الهاء فى: «قربها» و «إرثها» رويا، ولم تكن كالهاء فى:
أجمالها، و: «بدالها» و: «زال زوالها» .
ومن ذلك إبدالهم الميم من النون الساكنة فى قوله: (فَانْبَجَسَتْ) «6» ، و: «من يك» وشنبا، و «عنبر» وقد تقدّم ذلك.
__________
(2- 1) الفاتحة: 6، 7.
(3) الروم: 32.
(4) أي: فأنظر. [.....]
(5) جزء من بيت للفرزدق، والبيت كاملا:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدنانير تنقاد الصياريف
(الكتاب 1: 10) .
(6) الأعراف: 160.

(3/932)


ومن ذلك قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) «1» . الأصل في ألف التثنية أن تكون/ كعصا، ورحا، في الرفع والنصب والجر على صورة واحدة، لأن الحركة فيها مقدرة، كما هي فى ألف «عصا» و «رحا» ، ولكنه جاء الاستعمال على قلبها ياء في النصب والجر حرصاً على البيان، إذ لم يكن هناك ما في المفرد من البيان، ألا تراك تقول: ضرب موسى العاقل عيسى الأديب، فيتبين الرفع بالصفة بعد الفاعل ونصبها بعد المفعول، وهذا المعنى لا يتأتى بالتثنية لو قلت: ضرب الزيدان العاقلان العمران القائمان، لم تتغير الصفة، فجاء قوله: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) «2» على الأصل الذي ينبغي أن يكون عليهم كما «استحوذ» «3» على ذلك. وقوله: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) «4» ولم يكن كقوله: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) «5» ، وكقولهم: «عسى الغوير أبؤسا» ، على الأصل، ولم يكن كالمستعمل في قوله تعالى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) «6» وكذلك جاء قول: تأبط شرا:
فأبت إلى فهمٍ ولم أك آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
قال عثمان: وصواب الرواية فيه: وما كدت آئبا، أي: وما كدت أؤوب، فاستعمل الاسم الذي هو فرع، وذلك أن قولك: كدت أقوم، وأصله قائما، فلذلك ارتفع المضارع، أي لوقوعه موقع الاسم، فأخرجه تأبط شرا على المرفوض كما يضطر الشاعر إلى مراجعة الأصول عن مستعمل الفروع، نحو صرف ما لا ينصرف، وإظهار التضعيف، وتصحيح
__________
(2- 1) طه: 63.
(3) المجادلة: 19.
(4) النساء: 141.
(5) الفاتحة: 5.
(6) النساء: 84.

(3/933)


المعتل، وما جرى مجرى ذلك.
ونحو من ذلك ما جاء عنهم من استعمال مفعول «عسى» على أصله، وذلك ما أنشدناه من قول الراجز:
أكثرت في العذل ملحاًّ دائما ... لا تكثرن إني عسيت صائما
فهذه الرواية الصحيحة في هذا البيت، أعني قوله: وما كدت آئبا، وكذلك وجدتها في شعر هذا الرجل بالخطأ القديم، وهو عتيد عندي إلى الآن، وبعد فالمعنى عليه البتة لا ينصرف به عنه، ألا ترى أن معناه:
وأبت وما كدت أؤوب، كقولك: سلمت وما كدت أسلم، وكذلك كل ما يلي هذا الحرف من قبله ومن بعده يدل على ما قلناه، ولا معنى لقولك:
وما كدت آئبا، ولا: ولم أك آئبا، وهذا واضح.

(3/934)