إعراب القرآن للنحاس اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً
يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا
وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ
(4)
54 شرح إعراب سورة القمر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة القمر (54) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ كسرت التاء لالتقاء الساكنين، ووجب أن
تكون التاء ساكنة لأنها حرف جاء لمعنى، هذا قول البصريين. فأما
قول الكوفيين فإنه لما كانت التاءات أربعا فضمّت تاء المخاطب
وفتحت تاء المخاطب المذكّر وكسرت تاء المخاطبة المؤنثة فلم تبق
حركة فسكّنت تاء المؤنثة الغائبة. والمعنى: اقتربت الساعة التي
تقوم فيها القيامة فاحذروا منها لئلا تأتيكم فجأة وأنتم مقيمون
على المعاصي وَانْشَقَّ الْقَمَرُ معطوف على اقتربت معناه
المضيء.
[سورة القمر (54) : آية 2]
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ
مُسْتَمِرٌّ (2)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا شرط وجوابه. والمعنى أنّهم
سألوا آية فأروا القمر منشقّا فرأوا آية تدل على حقيقة أمر
النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأن ما جاء به صدق فأعرضوا عن
التصديق وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ على إضمار مبتدأ أي
هذا سحر مستمر.
[سورة القمر (54) : آية 3]
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ
مُسْتَقِرٌّ (3)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ أي كذّبوا بحقيقة ما
رأوه وتيقّنوه واثروا اتباع أهوائهم في عبادة الأوثان وترك ما
أمرهم الله به أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ مبتدأ وخبر. والمعنى: وكلّ
أمر من خير أو شرّ مستقرّ قراره ومتناه منتهاه.
[سورة القمر (54) : آية 4]
وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
أي ولقد جاء هؤلاء المشركين من أخبار الأمم الذين فعلوا كفعلهم
فأهلكوا ما فيه منتهى عمّا هم عليه، كما قال مجاهد: مزدجر
منتهى. والأصل عند سيبويه «1» مزتجر
__________
(1) انظر الكتاب 4/ 600.
(4/192)
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ
فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ
الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ
(7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا
يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ
فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
بالتاء إلّا أن التاء مهموسة والزاي مجهورة
فثقل الجمع بينهما فأبدل من التاء ما هو من مخرجها وهو الدال.
قال أبو جعفر: وهذا من أوجز قوله ولطيفه.
[سورة القمر (54) : الآيات 5 الى 6]
حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ
عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)
حِكْمَةٌ بدل من «ما» والتقدير ولقد جاءهم حكمة بالِغَةٌ أي
ليس فيها تقصير، ويجوز أن تكون حكمة مرفوعة على إضمار مبتدأ
فَما تُغْنِ النُّذُرُ ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب بتغني.
والتقدير: فأيّ شيء تغني النذر عمّن اتّبع هواه وخالف الحقّ،
ويجوز أن تكون ما نافية لا موضع لها. وزعم قوم أن الياء حذفت
من تغن في السواد لأن «ما» جعلت بمنزلة «لم» . قال أبو جعفر:
هذا خطأ قبيح لأن «ما» ليست من حروف الجزم، وهي تقع على
الأسماء والأفعال فمحال أن تجزم ومعناهما أيضا مختلف: لأنّ
«لم» تجعل المستقبل ماضيا و «ما» تنفي الحال. فأما حذف الياء
من «تغن» في السواد فإنه على اللفظ في الإدراج ومثله يوم يدع
الداعي إلى شيء نكر «1» تكتب بغير واو على اللفظ في الإدراج.
فأما الداعي إذا حذفت منه الياء فالقول فيه أنه بني على نكرته.
فأما البيّن فأن يكون هذا كله مكتوبا بغير حذف.
[سورة القمر (54) : الآيات 7 الى 8]
خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ
كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ
يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
خُشَّعاً «2» منصوب على الحال. أَبْصارُهُمْ مرفوع بفعله هذه
قراءة أهل الحرمين، وقرأ أهل الكوفة وأهل البصرة خاشعا أبصارهم
وعن ابن مسعود خاشعة أبصارهم فمن قال خاشعا وحّد، لأنه بمنزلة
الفعل المتقدم، ومن قال: خاشعة أنّث كتأنيث الجماعة، ومن قال
خشّعا جمع لأنه جمع مكسّر فقد خالف الفعل، ولو كان في غير
القرآن جاز الرفع على التقديم والتأخير. يَخْرُجُونَ في موضع
نصب على الحال أيضا مِنَ الْأَجْداثِ واحدها جدث، ويقال: جدف
للقبر، مثل فوم وثوم كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ في موضع
نصب على الحال وكذا قوله: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ
الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ مبتدأ وخبره.
[سورة القمر (54) : آية 9]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا
وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ على تأنيث الجماعة.
فَكَذَّبُوا عَبْدَنا يعني نوحا. وَقالُوا مَجْنُونٌ على إضمار
مبتدأ وَازْدُجِرَ أي زجر وتهدّد بقولهم: لئن لم تنته لنرجمنّك
«3» .
__________
(1) انظر تيسير الداني 166 (قرأ ابن كثير «نكر» بإسكان الكاف
والباقون بضمّها) ...
(2) انظر القراءات المختلفة في البحر المحيط 8/ 173، وتيسير
الداني 167، ومعاني الفراء 3/ 105، وكتاب السبعة لابن مجاهد
618. [.....]
(3) يشير إلى الآية 116، من سورة الشعراء: لَئِنْ لَمْ
تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ.
(4/193)
فَدَعَا رَبَّهُ
أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ
السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ
عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي
بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
[سورة القمر (54) : آية 10]
فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)
فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ أي بأني قد غلبت وقهرت، وقرأ
عيسى بن عمر فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ «1» بكسر الهمزة.
قال سيبويه أي قال: إني مغلوب فَانْتَصِرْ أي لي بعقابك إياهم.
[سورة القمر (54) : آية 11]
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ التقدير: فنصرناه ففتحنا أبواب
السماء: لأن ما ظهر من الكلام يدلّ على ما حذف. بِماءٍ
مُنْهَمِرٍ أي مندفق. قال سفيان منهمر ينصبّ انصبابا، وقال
الشاعر: [الرمل] 442-
راح تمريه الصّبا ثم انتحى ... فيه شؤبوب جنوب منهمر
«2»
[سورة القمر (54) : آية 12]
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى
أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً جمع عين في العدد، وقراءة
الكوفيين عُيُوناً بكسر العين، والأصل الضمّ فأبدل من الضمة
كسرة استثقالا للجمع بين ضمة وياء فَالْتَقَى الْماءُ «3»
والتقى لا يكون إلّا الاثنين. المعنى: فالتقى ماء الأرض وماء
السماء، وهما جميعا يقال لهما ماء لأنّ ماء اسم للجنس. قال أبو
الحسن بن كيسان: الأصل في ماء ماه فأبدلوا من الهاء همزة فإذا
جمعوا ردّوه إلى أصله فقالوا: أمواه ومياه، ومويه في التصغير
عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ «4» قيل:
أي قدّره الله جلّ وعزّ في اللوح المحفوظ، وقيل: قدر ماء الأرض
كماء السّماء.
[سورة القمر (54) : آية 13]
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (13)
وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ أي على سفينة ذات ألواح
وَدُسُرٍ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الدّسر المسامير،
وكذا قال محمد بن كعب وقتادة وابن زيد، وقال الحسن: الدّسر صدر
السفينة، وقال الضحاك: الدّسر طرف السفينة. قال: وأصل هذا من
دسره يدسره ويدسره دسرا إذا شدّه ودفعه.
[سورة القمر (54) : آية 14]
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (14)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنا أي بمرأى منّا ومسمع، وقيل بأمرنا. وأعين
جمع في القليل،
__________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 147، والبحر المحيط 8/ 175.
(2) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 145.
(3) انظر البحر المحيط 8/ 175 (وقرأ علي والحسن ومحمد بن كعب
والجحدري «الماءان» ، وقرأ الحسن «الماوان» ) .
(4) انظر البحر المحيط 8/ 176 (وقرأ أبو حيوة «قدّر» بشدّ
الدال، والمجهور بتخفيفها) .
(4/194)
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا
آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي
وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ
عَذَابِي وَنُذُرِ (18)
ويقال: أعيان، مثل بيت وأبيات. جَزاءً
مصدر. لِمَنْ كانَ كُفِرَ في معناه أقوال. قال ابن زيد: «من»
بمعنى «ما» ، وتقديره عنده للذي كفر من النعم وجحد. قال: وهذا
يمنعه أهل العربية جميعا، ومذهب مجاهد. أن المعنى جزاء لله.
قال أبو جعفر: وهذا قول حسن أي عاقبناهم وعرفناهم جزاء لله جلّ
وعزّ حين كفروا به وجحدوا وحدانيته فقالوا لا تذرنّ الهتكم ولا
تذرنّ ودّا ولا سواعا، وقيل: جزاء لمن كان كفر على لفظ «من» ،
ولو كان في غير القرآن لجاز على هذا القول كفروا على المعنى.
[سورة القمر (54) : آية 15]
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً قيل: المعنى: ولقد تركنا هذه
العقوبة لمن كفر وجحد الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم عظة
وعبرة، ومذهب قتادة ولقد تركنا السفينة آية. فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ هذه قراءة الجماعة وهي صحيحة عن النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم كما رواه شعبة وغيره عن ابن إسحاق عن الأسود عن عبد
الله قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ فَهَلْ
مِنْ مُدَّكِرٍ بالدال غير معجمة، وقال يعقوب القارئ: قرأ
قتادة فهل من مذّكر «1» بالذال معجمة. قال أبو جعفر:
مدّكر أولى لما ذكرنا من الاجتماع في العربية والأصل عند
سيبويه «2» مذتكر فاجتمعت الذال وهي مجهورة أصلية والتاء وهي
مهموسة زائدة فأبدلوا من التاء حرفا مجهورا من مخرجها فصار
مذدكر، فأدغمت الذال في الدال فصار مدّكر، ممن قال مذّكر أدغم
الدال في الذال، وليس على هذا كلام العرب إنما يدغمون الأول في
الثاني.
[سورة القمر (54) : آية 16]
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (16)
أي فكيف كان عقابي لمن كفر بي وعصاني وبإنذاري وتحذيري من
الوقوع في مثل ذلك.
[سورة القمر (54) : آية 17]
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ
مُدَّكِرٍ (17)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ قال ابن زيد: أي
بيّنا، وقال مجاهد: هوّنّا، وقيل:
التقدير: ولقد سهّلنا القرآن بتبييننا إياه وتفصيلنا لمن أراد
أن يتذكّره فيعتبر به. فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ يتذكّر ما فيه،
وقيل هل من طالب خيرا أو علما فيعان عليه، فهذا قريب من الأول
لأن الأول أبين على ظاهر الآية.
[سورة القمر (54) : آية 18]
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18)
كَذَّبَتْ عادٌ قال أبو جعفر: في هذا حذف قد عرف معناه أي
كذّبت عاد هودا
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 176.
(2) انظر الكتاب 4/ 601.
(4/195)
إِنَّا أَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ
(19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ
مُنْقَعِرٍ (20)
كما كذّبت قريش محمدا صلّى الله عليه وسلّم
فليحذروا مثل ما نزل بهم فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ
«فكيف» في موضع نصب على خبر كان إلّا أنها مبنية لأن فيها معنى
الاستفهام وفتحت لالتقاء الساكنين.
[سورة القمر (54) : آية 19]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ
نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أهل التفسير
يقولون: الصّرصر الباردة، وقال بعض أهل اللغة: إنما يقال لها
صرصر إذا كان لها صوت شديد من قولهم صرّ الشيء إذا صوّت،
والأصل صرر فأبدل من إحدى الراءات صاد. فِي يَوْمِ نَحْسٍ
مُسْتَمِرٍّ قال بعض أهل التفسير: النحس الشديد، ولو كان كما
قال لكان يوم منونا ولقيل: نحس ولم يضف.
[سورة القمر (54) : آية 20]
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ
(20)
تَنْزِعُ النَّاسَ قيل: تنزعهم من الحفر التي كانوا حفروها
كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ النخل تذكّر وتؤنّث
لغتان جاء بها القرآن وزعم محمد بن جرير «1» أنّ في الكلام
حذفا، وأن المعنى تنزع النّاس فتتركهم كأعجاز نخل. قال: فتكون
الكاف على هذا في موضع نصب بالفعل المحذوف، وهذا لا يحتاج إلى
ما قاله من الحذف. والقول فيه ما قاله أبو إسحاق قال: هو في
موضع نصب على الحال أي تنزع الناس أمثال نخل منقعر أي في هذه
الحال. قال أبو جعفر: وهذا القول حقيقة الإعراب فإن كان على
تساهل المعنى فالمعنى يؤول إلى ما قاله محمد بن جرير. وقد روى
محمد بن إسحاق قال: لمّا هاجت الريح قام نفر سبعة من عاد
فاصطفوا على باب الشّعب فسدّوا الريح عمّن في الشّعب من
العيال، فأقبلت الريح تجيء من تحت واحد واحد ثم تقلعه فتقلبه
على رأس فتدقّ عنقه حتّى أهلكت ستّة وبقي واحد يقال له:
الخلجان فجاء إلى هود صلّى الله عليه وسلّم، فقال:
ما هؤلاء الذين أراهم كالبخاتي «2» تحت السحاب قال: هؤلاء
الملائكة عليهم السلام قال: إن أسلمت فما لي قال: تسلم قال:
أيقيدني ربّك من هؤلاء الذين في السحاب؟
قال: ويلك هل رأيت ملكا يقيد من جنده؟ قال: لو فعل ما رضيت
قال: فرجع إلى موضعه، وأنشأ يقول: [الراجز] 443-
لم يبق إلّا الخلجان نفسه ... يا شرّ يوم قد دهاني أمسه
«3» ثم لحقه ما لحق أصحابه فصاروا كما قال جلّ وعزّ:
كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ.
وقال مجاهد في تشبيههم بأعجاز نخل منقعر: لأنه قد بانت أجسادهم
من رؤوسهم
__________
(1) انظر تفسير الطبري 27/ 99.
(2) البخاتي: جمع البختيّة، وهي جمال طوال الأعناق (تاج العروس
«بخت» ) .
(3) الشاهد بلا نسبة في تفسير الطبري 27/ 99.
(4/196)
فَكَيْفَ كَانَ
عَذَابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ
لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22) كَذَّبَتْ ثَمُودُ
بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا
نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ
كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ
الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ
فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27)
فصاروا أجساما بلا رؤوس، وقال بعض أهل
النظر: التشبيه للحفر التي كانوا فيها قياما صارت الحفر كأنها
أعجاز نخل. قال أبو جعفر: وهذا القول قول خطأ، ولو كان كما قال
كان كأنّها أو كأنّهن، وأيضا فإنّ الحفر لم يتقدّم لها ذكر
فيكنى عنها. وأيضا فالتشبيه بالقوم أولى ولا سيما وهو قول من
يحتجّ بقوله.
[سورة القمر (54) : الآيات 21 الى 22]
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) أي فكيف كان عذابي إيّاهم
على الكفر وإنذاري إيّاكم أن ينزل بكم ما نزل بهم. قال أبو
إسحاق: نذر جمع نذير.
[سورة القمر (54) : آية 23]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) لم يصرف ثمود: لأنه اسم
للقبيلة ويجوز صرفه على أنه اسم للحيّ.
[سورة القمر (54) : آية 24]
فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً
لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24)
فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ نصبت بشرا
بإضمار فعل والمعنى: أنتّبع بشرا منّا واحدا ونحن جماعة؟
إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أي في حيرة عن الطريق
المستقيم وأخذ على العوج، ولا تعمل إذن إذا لم يكن الكلام
معتمدا عليها. وَسُعُرٍ يكون جمع سعير، ويكون مصدرا من قولهم
سعر الرجل إذا طاش.
[سورة القمر (54) : آية 25]
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ
كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا استفهام فيه معنى
التوقيف. بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ الكوفيون يقولون: «بل» لا
تكون إلّا بعد نفي فيحملون مثل هذا على المعنى لأن معنى ألقي
عليه الذكر لم يلق عليه.
[سورة القمر (54) : الآيات 26 الى 27]
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا
مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ
وَاصْطَبِرْ (27)
سَيَعْلَمُونَ غَداً الأصل عند سيبويه غدو حذفت منه الواو.
مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ مبتدأ وخبره في موضع نصب بسيعلمون،
وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ستعلمون غدا «1» وأبو عبيد
يميل إلى القراءة بالياء لأن بعده إِنَّا مُرْسِلُوا
النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ ولم يقل: لكم. قال أبو جعفر:
التقدير لمن قرأ بالياء قال الله جلّ وعزّ: سَيَعْلَمُونَ
غَداً، والقول يحذف كثيرا. والأصل إنّا مرسلون حذفت النون
تخفيفا وأضيف فتنة
__________
(1) انظر تيسير الداني 167، وكتاب السبعة لابن مجاهد 618،
والبحر المحيط 8/ 179.
(4/197)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ
الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ
كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
لهم. قال أبو إسحاق: فتنة مفعول له، وقال
غيره: هو مصدر أي فتناهم بذلك وابتليناهم. وكان ابتلاؤهم في
ذلك أنّ الناقة خرجت لهم من صخرة صماء ناقة عظيمة فآمن بعضهم
وكانت لعظمها كثيرة الأكل فشكوا ذلك إلى صالح صلّى الله عليه
وسلّم فقالوا: قد أفنت الحشائش والأعشاب ومنعتنا من الماء،
فقال: ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسّوها بسوء، ترد الماء
يوما، وتردون يوما فكانت هذه الفتنة. فَارْتَقِبْهُمْ
وَاصْطَبِرْ أي فاصبر على ارتقابك إيّاهم، والأصل واصتبر أبدل
من التاء طاء لأن الطاء أشبه بالصاد لأنهما مطبقتان. قال أبو
إسحاق: ينطبق الحنك على اللسان بهما، قال أيضا: وهما أيضا
مطبقتان في الخطّ.
[سورة القمر (54) : آية 28]
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ
مُحْتَضَرٌ (28)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ أي ذو قسمة
مثل قولك: رجل عدل. كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ مبتدأ وخبر. أي
تحضر الناقة يوما وهم يوما، وغلّب المذكّر على المؤنّث فقيل
بينهم.
[سورة القمر (54) : آية 29]
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29)
فَنادَوْا صاحِبَهُمْ وهم التسعة الذين انفردوا لعقر الناقة
فنادى ثمانية منهم قدارا، فقالوا: هذه الناقة قد أقبلت
فَتَعاطى فَعَقَرَ قيل: أي فتعاطى قتلها وحقيقته في اللغة
فتناول الناقة فقتلها، من قولهم عطوت إذا تناولت، كما قال:
[الطويل] 444-
وتعطو برخص غير شثن كأنّه ... أساريع ظبي أو مساويك إسحل
«1»
[سورة القمر (54) : آية 30]
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30)
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي أي عقابي إيّاهم على عصيانهم أي فاحذروا
المعاصي. وَنُذُرِ أي إنذاري إياكم أن ينزل بكم ما نزل بهم.
[سورة القمر (54) : آية 31]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا
كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
وهذا من التمثيل العجيب لأن الهشم ما يبس من الشجر وتهشّم فصار
يحظر به بعد أن كان أخضر ناضرا أي صاروا بعد النعمة رفاتا،
وبعد البهجة حطاما كهيئة الشجر. وروي عن ابن عباس «كهشيم
المحتظر» أي كالعظام المحترقة. قال أبو جعفر:
وحقيقة هذا القول في اللغة كهشيم قد حظر به وأحرق: وقال ابن
زيد: هو الشوك
__________
(1) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه 17، وجمهرة اللغة 363، وشرح
المفصّل 6/ 92، و 7/ 144، ولسان العرب (سرع) و (سحل) و (ششن) ،
و (ظبا) ، والمنصف 3/ 58، وتاج العروس (سحل) ، و (ششن) ، و
(ظبا) .
(4/198)
كَذَّبَتْ قَوْمُ
لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ
(36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا
أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
تجعله العرب حوالى الغنم مخافة السبع.
والتقدير في العربية كهشيم الرجل المحتظر، ومن قرأ كَهَشِيمِ
الْمُحْتَظِرِ «1» فتقديره كهشيم الشيء الذي قد احتظر.
[سورة القمر (54) : آية 33]
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
أي بالآيات التي أنذروا بها.
[سورة القمر (54) : آية 34]
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ
نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34)
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً أي حجارة تحصبهم. إِلَّا
آلَ لُوطٍ نصب على الاستثناء، وال الرجل كلّ من كان على دينه
ومذهبه كما قال جلّ وعزّ لنوح صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّهُ
لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود: 46] وهو ابنه وال بمعنى واحد، إلّا
أن النحويين يقولون: الأصل في ال أهل، والدليل على ذلك أنّ
العرب إذا صغّرت الا قالت: أهيل. نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ قال
الفراء «2» : سحر هاهنا يجري لأنه نكرة كقولك: نجّيناهم بليل.
قال أبو جعفر: وهذا القول قول جميع النحويين لا نعلم فيه
اختلافا إلّا أنه قال بعده شيئا يخالف فيه قال:
فإذا ألقت العرب من سحر الباء لم يجروه فقالوا: فعلت هذا سمر
يا هذا. قال أبو جعفر: وقول البصريين أنّ سحر إذا كان نكرة
انصرف وإذا كان معرفة لم ينصرف، ودخول الباء وخروجها واحد.
والعلّة فيه عند سيبويه «3» أنه معدول عن الألف واللام لأنه
يقال: أتيتك أعلى السّحر فلما حذفت الألف واللام وفيه نيتهما
اعتلّ فلم ينصرف تقول: سير بزيد سحر يا هذا، غير مصروف. ولا
يجوز رفعه لعلّة ليس هذا موضع ذكرها.
[سورة القمر (54) : آية 35]
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا قال أبو إسحاق: نصبت نعمة لأنها مفعول
لها، قال: ويجوز الرفع بمعنى تلك نعمة من عندنا. كَذلِكَ
نَجْزِي مَنْ شَكَرَ الكاف في موضع نصب أي نجزي من شكر جزاء
كذلك النجاء.
[سورة القمر (54) : آية 36]
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ
(36)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا أي التي بطشنا بهم.
فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ أي كذّبوا بها شكّا، كما قال قتادة في
فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ أي لم يصدّقوا بها.
[سورة القمر (54) : آية 37]
وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37)
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 180، ومعاني الفراء 3/ 108.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 109. [.....]
(3) انظر الكتاب 3/ 314.
(4/199)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ
بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي
وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40) وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ
النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا
فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ «وضيف»
بمعنى أضياف لأنه مصدر فلذلك لا تكاد العرب تثنيه ولا تجمعه،
وحقيقته في العربية عن ذوي ضيفه. فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ
يقال: طمس عينه وعلى عينه إذا فعل بها فعلا يصير بها مثل وجهه
لا شقّ فيها ويقال طمست الريح الأعلام إذا سفت عليها التراب
فغطّتها به، كما قال: [البسيط] 445-
من كلّ نضّاخة الذّفرى إذا عرقت ... عارضها طامس الأعلام مجهول
«1» فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ أي فقالت لهم الملائكة عليهما
السلام: فذوقوا عذاب الله وعقابه ما أنذركم به.
[سورة القمر (54) : الآيات 38 الى 40]
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)
قال سفيان: كان مع الفجر صرفت بكرة هاهنا لأنها نكرة، وزعم
الفراء «2» أن غدوة وبكرة يجريان ولا يجريان، وزعم أنّ الأكثر
في غدوة ترك الصرف، وفي بكرة الصرف. قال أبو جعفر: قول
البصريين أنهما لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة فإن
زعم زاعم أنّ الأولى ما قال الفراء لأن بكرة هاهنا مصروف قيل
له: هذا لا يلزم لأن بكرة هاهنا نكرة وكذا سحر، والدليل على
ذلك أنه لم يقل: أهلكوا في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا بكرة
فتكون معرفة فلما وجب أن تكون نكرة لم يكن فيها ذكر حجّة ولا
سيما وفيه الهاء قيل: عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ أي يستقرّ عليهم حتّى
أهلكهم.
[سورة القمر (54) : آية 41]
وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)
أي أهل دينه والقائلين بقوله كما مرّ. «قد» إذا وقعت مع الماضي
دلّت على التوقّع وإذا كانت مع المستقبل دلّت على التقليل
نقول: قد يكرمنا فلان أي ذلك يقلّ منه.
[سورة القمر (54) : آية 42]
كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ
مُقْتَدِرٍ (42)
كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها في معناه قولان: أحدهما أن
المعنى: كذّبوا بآياتنا التي أريناهم إيّاها كلّها والآخر أنه
على التكثير، كما حكى سيبويه ما بقي منهم مخبّر.
فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ قال قتادة: عزيز في
انتقامه، وقال لي غيره: عزيز لا يغلب مقتدر على ما يشاء.
__________
(1) الشاهد لكعب بن زهير في ديوانه ص 9، ولسان العرب (نضخ) ، و
(عرض) ، وتاج العروس (نضخ) و (عرض) .
(2) انظر معاني الفراء 3/ 109.
(4/200)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ
مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ
الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ
مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ
الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ
فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
[سورة القمر (54) : آية 43]
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ
فِي الزُّبُرِ (43)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ مبتدأ وخبره قال: وهذا
على التوقيف كما حكى سيبويه:
الشّقاء أحبّ إليك أم السعادة؟ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي
الزُّبُرِ أي أكتب لكم أنكم لا تعذّبون.
[سورة القمر (54) : آية 44]
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
على اللفظ ولو كان على المعنى قيل: منتصرون.
[سورة القمر (54) : آية 45]
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ قال أهل التفسير: ذلك يوم بدر.
وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ واحد بمعنى الجمع: كما يقال: كثر
الدّرهم.
[سورة القمر (54) : آية 46]
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ
(46)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ من قال: «بل» لا يكون إلا بعد
نفي قال: المعنى: ليس الأمر كما يقولون إنهم لا يبعثون بل
الساعة موعدهم. وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ أي من هزيمتهم
وتولّيهم.
[سورة القمر (54) : آية 47]
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ أي ذهب عن الحق. وَسُعُرٍ أي
نار تسعّر.
[سورة القمر (54) : آية 48]
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا
مَسَّ سَقَرَ (48)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ وفي قراءة
ابن مسعود إلى النار «1» وهذه القراءة على التفسير، كما روى
أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه «يحضر المقتول بين يدي
الله جلّ وعزّ فيقول له: فيم قتلت؟ فيقول: فيك، فيقول: كذبت
أردت أن يقال: فلان شجاع فقد قيل: فيؤمر به فيسحب على وجهه إلى
النار» «2» . ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ أي يقال لهم.
[سورة القمر (54) : آية 49]
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49)
«3» فدلّ بهذا على أنّهم يعذّبون على كفرهم بالقدر. وزعم
سيبويه أن نصب «كلّ»
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 110، والبحر المحيط 8/ 181.
(2) أخرجه الترمذي في سننه- الزهد 9/ 225.
(3) انظر البحر المحيط 8/ 181 (قراءة الجمهور بالنصب، وقرأ أبو
السمال وقوم من أهل السنة بالرفع) .
(4/201)
وَمَا أَمْرُنَا
إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ
أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ
شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ
وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ
وَنَهَرٍ (54)
على لغة من قال: زيدا ضربته. وفي نصبه
قولان آخران: أما الكوفيون فقالوا: «إنّا» تطلب الفعل والفعل
بها أولى من الاسم، والمعنى إنا خلقنا كلّ شيء، قالوا: وليس
هذا مثل قولنا: زيدا ضربته: لأنه ليس هاهنا حرف هو بالفعل
أولى. ألا ترى أنك تقول: أزيدا ضربته فيكون النصب أولى: لأن
هاهنا حرف هو بالفعل أولى والقول الثالث أنه إنما جاز هذا
بالنصب وخالف زيد ضربته ليدل ذلك على خلق الأشياء فيكون فيه
ردّ على من أنكر خلق الأفعال.
[سورة القمر (54) : آية 50]
وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ مبتدأ وخبره. وقال علي بن
سليمان: المعنى إلّا أمرة واحدة. وزعم الفراء: أنه روي وَما
أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ «1» بالنصب كما يقال: ما فلان إلّا
ثيابه ودابّته أي إلّا يتعهّد ثيابه ودابته وكما حكى الكسائي:
ما فلان إلّا عمّته أي يتعهّد عمّته. كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ أي
في سرعته.
[سورة القمر (54) : آية 51]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)
فيه قولان: أحدهما أن أشياعهم هم الذين أهلكوا من قبلهم لأنهم
كفروا كما كفروا فهل من متّعظ بذلك، وسمّوا أشياعهم لأنهم
كذّبوا كما كذّبوا. والقول الآخر أن أشياعهم هم الذين كانوا
يعاونونهم على عداوة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين
فأهلكوا فهل من متّعظ منكم بذلك. والقول الأول عليه أهل
التأويل.
[سورة القمر (54) : آية 52]
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)
الهاء في فعلوه تعود على الأشياع في الزبر مكتوب عليهم قد
كتبته الحفظة.
[سورة القمر (54) : آية 53]
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
يقال: سطر واستطر إذا كتب سطرا.
[سورة القمر (54) : آية 54]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ أي الذين اتقوا عقاب الله جلّ وعزّ
باجتناب محارمه وأداء فرائضه فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ قال أبو
إسحاق: «نهر» بمعنى أنهار. قال أبو جعفر: وأنشد الخليل
وسيبويه: [الرجز] 446-
في حلقكم عظم وقد شجينا
«2»
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 111.
(2) الرجز بلا نسبة في الكتاب 1/ 270، ولطفيل في جمهرة اللغة ص
(1041) ، والمحتسب 2/ 87، وللمسيب بن زيد مناة في شرح أبيات
سيبويه 1/ 212، ولسان العرب (شجا) ، وبلا نسبة في خزانة الأدب
7/ 559، وشرح المفصّل 6/ 32، ولسان العرب (نهر) وسمع و (أمم) و
(مأى) والمقتضب 2/ 172. وقبله:
«لا تنكروا لقتل وقد سبينا» .
(4/202)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ
عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
[سورة القمر (54) : آية 55]
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي في مجلس حقّ لا لغو فيها ولا باطل.
عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ أي يقدر على ما يشاء.
(4/203)
الرَّحْمَنُ (1)
عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ
الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ
رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
55 شرح إعراب سورة الرحمن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)
الرَّحْمنُ (1) رفع بالابتداء وخبره عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) أي
من رحمته علّم القرآن فبصّر به رضاه الذي يقرّب منه وسخطه الذي
يباعد منه ومن رحمته.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 3 الى 4]
خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4)
فهو خبر بعد خبر.
[سورة الرحمن (55) : آية 5]
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مبتدأ، وقيل: الخبر محذوف أي يجريان
بِحُسْبانٍ وقيل:
الخبر بِحُسْبانٍ.
[سورة الرحمن (55) : آية 6]
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6)
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: النجم ما تبسّط على
الأرض من الزرع يعني البقل ونحوه، قال: والشجر ما كان على ساق.
قال أبو جعفر: وهذا أحسن ما قيل في معناه أي يسجد له كل شيء أي
ينقاد لله جلّ وعزّ.
[سورة الرحمن (55) : آية 7]
وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7)
وَالسَّماءَ رَفَعَها نصبت بإضمار فعل يعطف ما عمل فيه لفعل
على مثله وَوَضَعَ الْمِيزانَ قال الفراء «1» : أي العدل، وقال
غيره: هو الميزان الذي يوزن به.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 113.
(4/204)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي
الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا
تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ
(10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ
صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
[سورة الرحمن (55) : الآيات 8 الى 9]
أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ
بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (9)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) «أن» في موضع نصب،
والمعنى: بأن لا تطغوا، وتَطْغَوْا في موضع نصب بأن، ويجوز أن
يكون «أن» بمعنى أي فلا يكون لها موضع من الإعراب، ويكون تطغوا
في موضع جزم بالنهي. قال أبو جعفر: وهذا أولى لأن بعده
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ
(9) وقرأ بلال بن أبي بردة وَلا تُخْسِرُوا «1» بفتح التاء.
وهي لغة معروفة.
[سورة الرحمن (55) : آية 10]
وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10)
نصب الأرض بإضمار فعل.
[سورة الرحمن (55) : آية 11]
فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (11)
فِيها فاكِهَةٌ مبتدأ. وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ عطف عليه.
الواحد كمّ وهو ما أحاط بها من ليف وسعف وغيرهما.
[سورة الرحمن (55) : آية 12]
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (12)
وَالْحَبُّ مرفوع على أنه عطف على فاكهة أي وفيها الحبّ. ذُو
الْعَصْفِ نعت له. وَالرَّيْحانُ عطف أيضا. وقراءة الأعمش
وحمزة والكسائي. ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ «2» بالخفض بمعنى
وذو الريحان.
[سورة الرحمن (55) : آية 13]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: فبأيّ نعم ربّكما. قال أبو
جعفر: فإن قيل: إنما تقدّم ذكر الإنسان فكيف وقعت المخاطبة
لشيئين؟ ففي هذا غير جواب منها أن الأنام يدخل فيه الجنّ
والإنس فخوطبوا على ذلك، وقيل: لمّا قال جلّ وعزّ:
وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ [الحجر: 27] وقد تقدم ذكر الإنسان خوطب
الجميع وأجاز الفراء «3» .
أن يكون على مخاطبة الواحد بفعل الاثنين، وحكى ذلك عن العرب.
[سورة الرحمن (55) : آية 14]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الصّلصال الطين اليابس.
فالمعنى على هذا خلق الإنسان من طين يابس يصوّت كما يصوّت
الطين الذين قد مسّته النار. وهو الفخار. وقيل: الصلصال المنتن
فعلان، من صلّ اللحم إذا أنتن، ويقال أصلّ.
__________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 149، والبحر المحيط 8/ 188، وهذه
قراءة زيد بن علي أيضا.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 189، وهذه قراءة حمزة والكسائي
والأصمعي عن أبي عمرو.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 114.
(4/205)
وَخَلَقَ الْجَانَّ
مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ
الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ
وَالْمَرْجَانُ (22) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(23)
[سورة الرحمن (55) : الآيات 15 الى 16]
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) فَبِأَيِّ
آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (16)
قيل: المارج مشتقّ من مرج الشيء إذا اختلط، والمارج من بين
أصفر وأخضر وأحمر، وكذا لسان النار. وروى ابن أبي طلحة عن ابن
عباس مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: هو من خالص النار.
[سورة الرحمن (55) : آية 17]
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
رفع على إضمار مبتدأ يجوز أن يكون بدلا من المضمر الذي في
«خلق» ، ويجوز الخفض «1» بمعنى: فبأيّ آلاء ربّكما ربّ
المشرقين وربّ المغربين، ويجوز النصب بمعنى أعني.
[سورة الرحمن (55) : آية 18]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (18)
ليس بتكرير لأنه إنما أتى بعد نعم أخرى سوى التي تقدّمت.
[سورة الرحمن (55) : آية 19]
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19)
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: مرج أرسل. واختلف
العلماء في معنى البحرين هاهنا فقال الحسن وقتادة: هما بحر
الروم وبحر فارس، وقال سعيد بن جبير وابن أبزى: هما بحر السماء
وبحر الأرض، وكذا يروى عن ابن عباس إلّا أنه قال: يلتقيان كلّ
عام. وقول سعيد بن جبير وابن أبزى يذهب إليه محمد بن جرير
لعلّة أوجبت ذلك عنده نذكرها بعد هذا.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 20 الى 21]
بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (20) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (21)
قال بعض أهل التفسير: لا يبغيان على الناس، وقال بعضهم: لا
يبغي أحدهما على الآخر. وظاهر الآية يدل على العموم.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 22 الى 23]
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) فَبِأَيِّ
آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (23)
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة يَخْرُجُ «2» والضمّ أبين
لأنه إنما يخرج إذا أخرج. وتكلّم العلماء في معنى يَخْرُجُ
مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فمذهب الفراء «3» أنه
إنما
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 189 (قرأ الجمهور بالرفع، وأبو حيوة
وابن أبي عبلة بالخفض بدلا من «ربّكما» ) .
(2) انظر البحر المحيط 8/ 190 (قرأ الجمهور «الخرج» مبنيا
للفاعل، ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة مبنيا للمفعول، والجعفي
عن أبي عمرو بالياء مضمومة وكسر الراء) . [.....]
(3) انظر معاني الفراء 3/ 115.
(4/206)
وَلَهُ الْجَوَارِ
الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا
فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ
يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
يخرج من أحدهما وجعله مجازا. وفي هذا من
البعد ما لا خفاء به على ذي فهم أن يكون «منهما» من أحدهما.
وقيل: يخرج إنما هو للمستقبل فيقول: إنه يخرج منهما بعد هذا.
وقيل: يخرج منهما حقيقة لا مجازا لأنه إنما يخرج من المواضع
التي يلتقي فيها الماء الملح والماء العذب. وقول رابع هو الذي
اختاره محمد بن جرير وحمله على ذلك التفسير لما كان من تقوم
الحجّة بقوله قد قال في قوله جلّ وعزّ: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
يَلْتَقِيانِ أنهما بحر السماء وبحر الأرض، وكان اللؤلؤ
والمرجان إنما يوجد في الصّدف إذا وقع المطر عليه، ويدلّك على
هذا الحديث عن ابن عباس قال: «إذا مطرت السماء فتحت الصدف
أفواهها» .
[سورة الرحمن (55) : الآيات 24 الى 25]
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ
(24) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (25)
الجواري في موضع رفع، حذفت الضمة من الياء لثقلها، وحذفه الياء
بعيد، ومن حذف الياء قال الكسرة تدلّ عليها، وقد كانت تحذف قبل
دخول الألف واللام.
وقراءة الكوفيين غير الكسائي وله الجواري المنشئات «1»
يجعلونها فاعلة و «المنشأات» قراءة أهل المدينة وأبي عمرو، وهي
أبين. فأما ما روي عن عاصم الجحدري أنه قرأ المنشيّات فغير
محفوظ لأنه إن أبدل الهمزة قال: المنشيات وإن خفّفها جعلها بين
الألف والهمزة فقال: المنشاءات وهذا المحفوظ من قراءته.
كالأعلم في موضع نصب على الحال.
[سورة الرحمن (55) : آية 26]
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26)
الضمير يعود على الأرض وضعها أي كلّ من على الأرض يفنى ويهلك.
والأصل: فاني استثقلت الحركة في الياء فسكّنت ثم حذفت لسكونها
وسكون التنوين بعدها.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 27 الى 28]
وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28)
ذُو من نعت وجه لأن المعنى ويبقى ربّك، كما تقول: هذا وجه
الأرض.
وفي قراءة ابن مسعود ويبقى وجه ربك ذي «2» الجلال والإكرام من
نعت ربّك.
[سورة الرحمن (55) : آية 29]
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ
هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مذهب قتادة وليس
بنصّ قوله يفزع إليه أهل السموات
__________
(1) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد 620، والبحر المحيط 8/ 191،
وتيسير الداني 167 (قرأ حمزة وأبو بكر المنشئات بكسر الشين،
والباقون بفتحها) .
(2) وهي قراءة أبيّ أيضا، انظر البحر المحيط 8/ 191.
(4/207)
سَنَفْرُغُ لَكُمْ
أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ
(33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)
وأهل الأرض في حاجاتهم لا غناء بهم عنه.
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ أي في شأنهم وصلاحهم وتدبير
أمورهم.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 31 الى 32]
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32)
فيه خمس قراءات «1» ذكر أبو عبيد منها اثنتين قد قرأ بكل واحدة
منهما خمسة قراء وهما (سنفرغ) و (سيفرغ) فقرأ بالأولى أبو جعفر
وشيبة ونافع وأبو عمرو وعاصم، وقرأ طلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب
والأعمش وحمزة والكسائي (سيفرغ) ولم يذكر أبو عبيد طلحة، وقرأ
عبد الرحمن الأعرج وقتادة (سنفرغ لكم) بفتح النون والراء. وقرأ
عيسى بن عمر (سنفرغ) بكسر النون وفتح الراء، وذكر الفراء أنه
يقرأ (سيفرغ) بضم الياء وفتح الراء. قال أبو جعفر: القراءتان
الأوليان بمعنى واحد. وحكى أبو عبيد أن لغة أهل الحجاز وتهامة
فرغ يفرغ وأنّ لغة أهل نجد فرغ يفرغ وأنه لا يعرف أحدا من
القراء قرأ بها. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا من قرأ بها. فمن قال:
فرغ يفرغ جاء به على الأصل لأن فيها حرفا من حروف الحلق وحروف
الحلق الهمزة والعين والغين والحاء والخاء والهاء، وحروف الحلق
يأتي منها فعل يفعل كثيرا نحو ذهب يذهب وصنع يصنع، ويأتي ما
فيه لغتان نحو صبغ يصبغ ويصبغ ورعف يرعف ويرعف، ويأتي منهما ما
لا يكاد يفتح نحو نحت ينحت وإنما يرجع في هذا إلى اللغة.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 33 الى 34]
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ
تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا
لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (33) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (34)
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نداء مضاف. إِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا على مذهب الضّحاك أن المعنى «سنفرغ
لكم أيّها الثقلان» فيقال لكم: يا معشر الجن والإنس وذكر أنّ
هذا يوم القيامة تنزل ملائكة سبع السموات فيحيطون بأقطار الأرض
فيأتي الملك الأعلى جلّ وعزّ. وقرأ الضحاك: وَجاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ثم يؤتى بجهنّم فإذا
راها الناس هربوا وقد اصطفّت الملائكة على أقطار الأرض سبعة
صفوف. وقرأ الضحاك: يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ
مُدْبِرِينَ [غافر: 32، 33] ، وقرأ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ
تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
فَانْفُذُوا، وروي عنه أنه قال: إن استطعتم أن تهربوا من الموت
وروي عن ابن عباس أن استطعتم أن تعلموا ما في السموات وما في
الأرض لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ
__________
(1) انظر القراآت المختلفة في البحر المحيط 8/ 192، وكتاب
السبعة لابن مجاهد 620، ومختصر ابن خالويه 149، وتيسير الداني
167، ومعاني الفراء 3/ 116.
(4/208)
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا
شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
قال عكرمة: أي بحجة قال: وكل سلطان في
القرآن فهو حجة، وقال قتادة:
بسلطان أي بملكة.
[سورة الرحمن (55) : آية 35]
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا
تَنْتَصِرانِ (35)
يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ هذه قراءة أبي جعفر
وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ ابن
كثير وابن أبي إسحاق وهي مروية عن الحسن (شواظ) «1» بكسر
الشين. والفراء يذهب إلى أنهما لغتان بمعنى واحد، كما يقال:
صوار وصوار. (ونحاس) «2» قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع والكوفيين
بالرفع، وقرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق وأبو عمرو (ونحاس) «3»
بالخفض، وقرأ مجاهد (ونحاس) بكسر النون والسين، وقرأ مسلم بن
جندب (ونحس) بغير ألف وبالرفع. قال أبو جعفر: الرفع في و
«نحاس» أبين في العربية لأنه لا اشكال فيه يكون معطوفا على
«شواظ» ، وإن خفضت عطفته على نار، واحتجت إلى الاحتيال، وذلك
أن أكثر أهل التفسير منهم ابن عباس يقولون: الشّواظ اللهب،
والنحاس الدخان فإذا خفضت فالتقدير شواظ من نار ومن نحاس.
والشواظ لا يكون من النحاس كما أن اللهب لا يكون من الدخان إلا
على حيلة واعتذار والذي في ذلك من الحيلة، وهو قول أبي العباس
محمد بن يزيد، أنه لمّا كان اللهب والدخان جميعا من النار كان
كلّ واحد منهما مشتملا على الآخر، وأنشد للفرزدق: [الطويل]
447-
فبتّ أقدّ الزاد بيني وبينه ... على ضوء نار مرّة ودخان
«4» فعطف ودخان على نار، وليس للدخان ضوء لأن الضوء والدخان من
النار وإن عطفت ودخان على ضوء لم تحتج إلى الاحتيال، وأنشد
غيره في هذا بعينه: [الرجز] 448-
شراب ألبان وتمر وأقط
«5» وإنما الشروب الألبان ولكنّ الحلق يشتمل على هذه الأشياء،
وقال أخر في مثله.
[مجزوء الكامل] 449-
يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا
«6»
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 117، والبحر المحيط 8/ 193، وتيسير
الداني 167.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 193.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 149.
(4) الشاهد للفرزدق في ديوانه 329، وفي الحماسة لابن الشجري
208، والمقاصد النحوية 1/ 462.
(5) الرجز بلا نسبة في الإنصاف 2/ 613، ولسان العرب (زجج) ، و
(طفل) ، والمقتضب 2/ 51، والكامل للمبرد 289.
(6) مرّ الشاهد رقم (122) .
(4/209)
فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ
فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ
ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ
بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ
جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)
لأنهما محمولان وقد قال الحسن ومجاهد
وقتادة في قوله جلّ وعزّ: وَنُحاسٌ قالوا يذاب النحاس فيصبّ
على رؤوسهم. فَلا تَنْتَصِرانِ أي ممن عاقبكما بذلك ولا
تستفيدان منه.
[سورة الرحمن (55) : آية 36]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (36)
أي: فبأيّ نعم ربّكما الذي جعل الحكم واحدا في المنع من
النقود، ولم يخصص بذلك أحدا دون أحد.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 37 الى 38]
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ
(37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (38)
فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ وهو يوم القيامة. فَكانَتْ
وَرْدَةً قال قتادة: هي اليوم خضراء ويوم القيامة حمراء، وزاد
غيره وهي من حديد. كَالدِّهانِ أصح ما قيل فيه، وهو قول مجاهد
والضحاك، أنه جمع دهن أي صافية ملساء.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 39 الى 42]
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ
(39) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (40) يُعْرَفُ
الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي
وَالْأَقْدامِ (41) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
(42)
فَيَوْمَئِذٍ جواب إذا. لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا
جَانٌّ قول ابن عباس لا يسألون سؤال اختبار، لأنّ الله جلّ
وعزّ قد حفظ عليهم أعمالهم، وقول قتادة أنّهم يعرفون بسواد
الوجوه وزرق الأعين، ويدلّ على هذا أن بعده يُعْرَفُ
الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ والسيما والسيمياء العلامة.
فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ يكون بالنواصي في موضع
رفع اسم لم يسمّ فاعله ويجوز أن يكون مضمرا.
[سورة الرحمن (55) : آية 43]
هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)
أي يقال لهم: هذه جهنم التي كانوا يكذبون بها في الدنيا.
[سورة الرحمن (55) : آية 44]
يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
يَطُوفُونَ بَيْنَها أي بين أطباقها. وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ حكى
عبد الله بن وهب عن ابن زيد قال: الاني الحاضر. وروى ابن أبي
طلحة عن ابن عباس بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ قال يقول: قد انتهى حرّه.
قال أبو جعفر: وكذا هو في كلام العرب قال النابغة: [الوافر]
450-
وتخضب لحية غدرت وخانت ... بأحمر من نجيع الجوف ان
[سورة الرحمن (55) : آية 45]
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (45)
أي: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم بها عليكم فلم يعاقب منكم إلّا
المجرمين،
(4/210)
وَلِمَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ
(50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا
مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ
بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ
(54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ
وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(57)
وجعل لهم سيمياء يعرفون بها حتّى لا يختلط
بهم غيرهم.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 46 الى 47]
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (46) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (47)
رفع بالابتداء وبإضمار فعل بمعنى تجب أو تستقرّ، والتقدير:
ولمن خاف مقام ربّه فأدّى فرائضه واجتنب معاصيه خوف المقام
الذي يقفه الله تعالى للحساب، ويبيّن هذا قوله: وَأَمَّا مَنْ
خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى [النازعات: 40] ولا يقال لمن اقتحم
على المعاصي: خائف، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس: وَلِمَنْ
خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ قال: وعد الله المؤمنين الذين
أدّوا فرائضه الجنة.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 48 الى 49]
ذَواتا أَفْنانٍ (48) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
(49)
نعت للجنتين، والجنة عند العرب البستان. قال أبو جعفر: واحد
الأفنان فنن على قول من قال: هي الأغصان، ومن قال: هي الألوان
ألوان الفاكهة فواحدها وعندهم فن والأول أولى بالصواب لأن أكثر
ما يجمع فنّ فنون فيستغنى بجمعه الكثير، كما يقال: شسع وشسوع.
ومنه أخذ فلان في فنون من الحديث.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 50 الى 51]
فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (50) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (51)
أي في خلالهما نهران يجريان.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 52 الى 53]
فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (52) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (53)
أي من كل نوع من الفاكهة صنفان.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 54 الى 55]
مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ
وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (55)
نصب مُتَّكِئِينَ على الحال، والعالم فيه من غامض النحو. قال
أبو جعفر: ولا أعلم أحدا من النحويين ذكره إلّا شيئا ذكره محمد
بن جرير قال: هو محمول على المعنى أي: يتنعمون متكئين، وجعل ما
قبله يدلّ على المحذوف. قال أبو جعفر:
ويجوز أن يكون بغير حذف، ويكون راجعا إلى قوله جلّ وعزّ:
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ كما تقول: لفلان تجارة
حاضرا، أي في هذه الحال. ومُتَّكِئِينَ على معنى «من» ولو كان
على اللفظ لكان متّكئا. وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ في موضع رفع
بالابتداء. دانٍ خبره.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 56 الى 57]
فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ
قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (57)
فِيهِنَّ قال أبو جعفر: قد ذكرنا هذا الضمير وعلى من يعود.
وفيه إشكال قد
(4/211)
كَأَنَّهُنَّ
الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا
الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ
نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)
بيّناه والتقدير: فيهن حور. قاصِراتُ
الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ،
وقراءة طلحة لَمْ يَطْمِثْهُنَّ «1» وهما لغتان معروفتان.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 58 الى 59]
كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (58) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (59)
أن في موضع خفض بالكاف، والكاف في موضع رفع بالابتداء والخبر
محذوف «وهنّ» في موضع نصب اسم «أنّ» ، وشددت لأنها بمنزلة
حرفين في المذكّر، الْياقُوتُ خبر، وَالْمَرْجانُ عطل عليه.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 60 الى 61]
هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (60) فَبِأَيِّ
آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (61)
مبتدأ وخبره أي على جزاء من أحسن في الدنيا إلّا أن يحسن إليه
في الآخرة.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 63]
وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (62) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (63)
في معناه قولان: أحدهما ومن دونهما في الدرج. وهذا مذهب ابن
عباس، وتأوّل أنّ هاتين الجنتين هما اللتان قال الله جلّ وعزّ
فيهما: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ
أَعْيُنٍ [السجدة: 17] ، والقول الآخر ومن دونهما في الفضل
وهذا مذهب ابن زيد، قال: وهم لأصحاب اليمين.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 64 الى 65]
مُدْهامَّتانِ (64) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
(65)
قال أبو حاتم: ويجوز في الكلام مدهمّتان لأنه يقال: ادهمّ
وادهامّ، ومدهامتان من نعت الجنتين.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 66 الى 67]
فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (66) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (67)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس ضَّاخَتانِ
قال: فيّاضتان وقال الضحاك:
ممتلئتان، وقال سعيد بن جبير: نضّاختان بالماء والفاكهة، قال
أبو جعفر: والمعروف في اللغة أنهما بالماء.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 68 الى 69]
فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (69)
فيها ثلاثة أقوال: منها أنه قيل: إنّ النخل والرمان ليسا من
الفاكهة لخروجهما منها في هذه الآية، وقيل هما منها ولكن أعيد
إشادة بذكرهما لفضلهما. وقيل: العرب تعيد الشيء بواو العطف
اتّساعا لا لتفضيل، والقرآن نزل بلغتهم والدليل على ذلك أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ
فِي الْأَرْضِ [الحج: 18] ثم قال جلّ
__________
(1) انظر تيسير الداني 167، وكتاب السبعة لابن مجاهد 621،
والبحر المحيط 8/ 196.
(4/212)
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ
حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71)
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ
قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ
وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (77)
وعزّ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وقال جلّ
ثناؤه: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى
[البقرة: 238] قال أبو جعفر: وهذا بيّن لا لبس فيه.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 70 الى 71]
فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (71)
وحكى الفراء «1» : خيّرات وخيرات. فأما البصريون فقالوا: خيرة
بمعنى خيّرة فخفّف، كما قيل: ميّت وميت «وفيهن» يعود على
الأربع الأجنّة.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 72 الى 73]
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (72) فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (73)
حُورٌ بدل وإن شئت كان نعتا. مَقْصُوراتٌ قال مجاهد: قصرن
طرفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهن فلا يردن غيرهم، وقال أبو
العالية: «مقصورات» محبوسات، وقال الحسن: مقصورات محبوسات لا
يطفن في الطرق. قال أبو جعفر: والصواب في هذا أن يقال: إن الله
جل وعز وصفهنّ بأنهنّ مقصورات فعمّ فنعمّ كما عمّ جلّ وعزّ
فيقول: قصرن طرفهنّ وأنفسهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم وهن
محبوسات في الخيام ومصونات.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 74 الى 75]
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (74)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (75)
فدلّ بهذا على أن الجنّ يطئون.
[سورة الرحمن (55) : الآيات 76 الى 77]
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (76)
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (77)
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ فخضر جمع أخضر، ورفرف لفظه
لفظ واحد، وقد نعت بجمع لأنه اسم للجمع كما قال: مررت برهط
كرام وقوم لئام وكذا: هذه إبل حسان وغنم صغار. وَعَبْقَرِيٍّ
مثله غير أنه يجوز أن يكون جمع عبقرية، وقد قرأ عاصم الجحدري
متكئين على رفارف خضر وعباقريّ حسان «2» وقد روى بعضهم هذه
القراءة عن عاصم الجحدري عن أبي بكرة عن النبيّ صلّى الله عليه
وسلّم، وإسنادها ليس بالصحيح، وزعم أبو عبيد أنها لو صحّت
لكانت وعباقريّ بغير إجراء، وزعم أنه هكذا يجب في العربية. قال
أبو جعفر: وهذا غلط بين عند جميع النحويين لأنهم قد أجمعوا
جميعا أنه يقال: رجل مدائني بالصرف، وإنما توهّم أنه جمع، وليس
في كلام العرب جمع بعد ألفه أربعة أحرف لا اختلاف بينهم أنك لو
جمعت عبقرا لقلت عباقر، ويجوز على بعد عباقير، ويجوز عباقرة.
فأما عباقريّ في الجمع فمحال والعلّة في امتناع جواز عباقريّ
أنه لا يخلو من أن يكون منسوبا إلى عبقر فيقال: عبقريّ أو يكون
منسوبا إلى
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 120.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 198، ومختصر ابن خالويه 15.
(4/213)
تَبَارَكَ اسْمُ
رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
عباقر فيردّ إلى الواحد فيقال أيضا. عبقريّ
كما شرط النحويون جميعا في النسب إلى الجمع أنك تنسب إلى واحدة
فتقول في النسب إلى المساجد: مسجديّ وإلى العلوم علميّ وإلى
الفرائض فرضيّ فإن قال قائل فما يمنع من أن يكون عباقرا اسم
موضع ثم ينسب إليها كما يقال: معافريّ؟ قيل له: إن كتاب الله
جلّ وعزّ لا يحمل على ما لا يعرف وتترك حجّة الإجماع.
[سورة الرحمن (55) : آية 78]
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (78)
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ أي البركة في اسمه جلّ وعزّ والبركة في
اللغة بقاء النعمة وثباتها.
فحضهم بهذا على أن يكثروا ذكر اسمه جلّ وعزّ ودعاءه، وأن
يذكروه بالإجلال والتعظيم له فقال: ذي الجلل والإكرام «1» أي
الجليل الكريم وفي الحديث «ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» «2»
.
__________
(1) قرأ ابن عامر (ذو الجلال) بالواو والباقون بالياء، انظر
تيسير الداني 168، والبحر المحيط 8/ 198. [.....]
(2) أخرجه الترمذي (3524) ، وأحمد في المسند 4/ 177، والحاكم
في المستدرك 1/ 498، والطبراني في الكبير 5/ 60، والبخاري في
التاريخ 3/ 280، وذكره السيوطي في الدرر 6/ 153، والهيثمي في
المجمع 10/ 158.
(4/214)
|