إعراب القرآن للنحاس

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)

66 شرح إعراب سورة التحريم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة التحريم (66) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ هذه «ما» دخلت عليها اللام فحذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر وأنها قد اتصلت باللام. والوقوف عليها في غير القرآن: لمه ويؤتى بالهاء لبيان الحركة وفي القرآن لا يوقف عليها. واختلفوا في الذي حرّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم قال: حرّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم إبراهيم، وقال: والله لا أمسّك. قال أبو جعفر: فعلى هذا القول إنما وقعت الكفّارة لليمين لا لقوله: أنت عليّ حرام، وكذا قال مسروق والشّعبي، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من قال في شيء حلال: هو عليّ حرام فعليه كفّارة يمين، وكذا قال قتادة وقال مسروق: إذا قال لامرأته: أنت عليّ حرام فلا شيء عليه من الكفارة ولا الطلاق لأنه كاذب في هذا، وقيل: عليه كفّارة يمين، وتأول صاحب هذا القول الآية وقيل:
هي طالق ثلاثا، إذا كانت مدخولا بها وواحدة إذا لم يدخل بها، وقيل: هي واحدة بائنة وقيل: واحدة غير بائنة. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنما كان حرّم على نفسه عسلا. وروى داود بن أبي هند عن الشّعبي عن مسروق عن عائشة قالت: حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والى فعوتب في التحريم وعاتب في الإيلاء. قال أبو جعفر: ولا يعرف في لغة من اللغات أن يقال فيمن جعل الحلال حراما: حالف تَبْتَغِي في موضع نصب على الحال. مَرْضاتَ أَزْواجِكَ هذه تاء التأنيث ولو كانت تاء جمع لكسرت وَاللَّهُ غَفُورٌ أي لخلقه وقد غفر لك رَحِيمٌ لا يعذب من تاب.

[سورة التحريم (66) : آية 2]
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ أي بيّنها. وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ مبتدأ وخبره أي يتولاكم بنصره وَهُوَ الْعَلِيمُ بمصالح عباده الْحَكِيمُ في تدبيره.

(4/302)


وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)

[سورة التحريم (66) : آية 3]
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وحذف المفعول أي نبّأت به صاحبتها، وهما عائشة وحفصة لا اختلاف في ذلك، واختلفوا في الذي أسرّه إليها فقيل: هو الذي خبّرها به من شربه العسل عند بعض أزواجه، وقيل: هو ما كان بينه وبين أم إبراهيم، وقيل: هو إخباره إياها بأن أبا بكر الخليفة بعده وقد ذكرناه بإسناده. فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ وحذف المفعول أيضا عرّفها بعضه فقال: قد عرفت كذا بالوحي وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فلم يذكره تكرّما واستحياء، وقراءة الكسائي عرف بعضه «1» وردّها أبو عبيد ردا شنيعا، قال: لو كان كذا لكان عرف بعضه وأنكر بعضا. قال أبو جعفر:
وهذا الردّ لا يلزم، والقراءة معروفة عن جماعة منهم أبو عبد الرحمن السلمي. وقد بيّنّا صحّتها. فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا نبّأ وأنبأ بمعنى واحد فجاء باللغتين جميعا وبعده قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.
[سورة التحريم (66) : آية 3]
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أي مالت إلى محبة ما كرهه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من تحريمه ما أحلّ له. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ والأصل تتظاهرا أدغمت التاء في الظاء، وقرأ الكوفيون تظاهرا «2» بحذف التاء، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ أي وليه بالنصرة. وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ واختلفوا في صالح المؤمنين فمن أصحّ ما قيل فيه: إنه لكل صالح من المؤمنين، ولا يخصّ به واحد إلّا بتوقيف، وقد روي أنه يراد به عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وهو كان الداخل في هذه القصة المتكلّم فيها، ونزل القرآن ببعض ما قاله في هذه القصة، وقيل: هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد ذكرنا ذلك بإسناده. ومذهب الفرّاء القول الذي بدأنا به قبله واحد يدلّ على جميع، وكذا وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ يكون ظهير يؤدّي عن الجمع وقد ذكرنا فيه غير هذا.
__________
(1) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد 640، وتيسير الداني 172 ( «عرف» قرأ الكسائي بتخفيف الراء والباقون بتشديدها) .
(2) انظر تيسير الداني 172. [.....]

(4/303)


عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)

[سورة التحريم (66) : آية 5]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5)
إِنْ في موضع نصب بعسى، والشرط معترض، وقراءة الكوفيين أن يبدله «1» أزواجا خيرا منكنّ وقيل: خيرا منكن إنهن لو دمن على الذي كان حتّى يحوجنه إلى طلاقهنّ لأبدل خيرا منهن. مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ كله نعت لأزواج. والواحدة زوج ولغة شاذة زوجة. وَأَبْكاراً عطف داخل في النعت أيضا.

[سورة التحريم (66) : آية 6]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (6)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً الفعل من هذا وقى يقي عند جميع النحويين والأصل عندهم وقى يوقي ثم اختلفوا في العلّة لحذف الواو، فقال البصريون: حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، وهي ساكنة ولم تحذف في يؤجل، لأن بعدها فتحة والفتحة لا تستثقل، وقال الكوفيون: حذفت الواو للفعل المتعدي وأثبت في اللازم فرقا فقالوا في المتعدّي وعد يعد وفي اللازم وجل يوجل، وعارضوا البصريين بقول العرب وسع يسع فحذفت الواو بعدها فتحة وكذا ولغ يلغ والاحتجاج للبصريين أن الأصل وسع يوسع وحذفت الواو لما تقدّم وفتحت السين لأن فيه حرفا من حروف الحلق، وقال الكوفيون: حذفت الواو لأنه فعل متعدّ، وردّ عليهم البصريون بقول العرب: ورم يرم فهذا لازم قد حذفت منه الواو وكذا يثق فقد انكسر قولهم إنه إنما يحذف من المتعدي. قال أبو جعفر: وهذا ردّ بيّن ولو جاء «قوا» على الأصل لكان ايقيوا. أَنْفُسَكُمْ منصوب بقوا، كما يقال: أكرم نفسك ولا يجوز أكرمك فقول سيبويه: لأنهم استغنوا عنه بقولهم: أكرم نفسك، وقال محمد بن يزيد: لم يجز هذا لأنه لا يكون الشيء فاعلا مفعولا في حال. فأما الكوفيون فخلطوا في هذه فمرة يقولون: لا يجوز كما يقول البصريون، ومرة يحكون عن العرب إجازته حكوا عدمتني، ولا يجيز البصريون من هذا شيئا. وَأَهْلِيكُمْ في موضع نصب معطوف على أنفسكم.
ومن مسائل الفرّاء في «وأهليكم» «2» لم صار مسكنا وهو في موضع النصب؟ فالجواب إن الياء علامة النصب كقولك: رأيت الزيدين وحذفت النون للإضافة وحكى الفرّاء «3» أن من العرب من يقول: أهله في المؤنث «نارا» مفعول ثان وَقُودُهَا النَّاسُ مبتدأ وخبره في موضع نصب نعت للنار وَالْحِجارَةُ عطف على الناس عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ أي غلاظ على العصاة أشدّاء عليهم، وقيل: «شداد» أقوياء لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ مفعولان على حذف الحرف أي فيما أمرهم وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ وحذف المضمر الذي يعود على «ما» وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد.
__________
(1) انظر تيسير الداني ص 118.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 287.
(3) انظر المذكّر والمؤنث للفراء 108.

(4/304)


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)

[سورة التحريم (66) : آية 7]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ حذفت النون للجزم بالنهي. إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في «إنما» معنى التحقيق والإيجاب.

[سورة التحريم (66) : آية 8]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
تَوْبَةً مصدر. نَصُوحاً من نعته أي تنصحون لأنفسكم فيها عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وأجاز الفرّاء «1» وَيُدْخِلَكُمْ على الموضع بالجزم لأن عسى في موضع جزم في المعنى لأنها جواب الأمر، وقدّره بمعنى فعسى وعطف «ويدخلكم» على موضع الفاء. قال أبو جعفر: وهذا تعسّف شديد يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ «الذين» في موضع نصب على العطف، ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قيل: هذا التمام، والمعنى وَبِأَيْمانِهِمْ يعطون كتبهم، وقد روي معنى هذا عن ابن عباس يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ظهر التضعيف لمّا سكن الثاني وَاغْفِرْ لَنا ولا يجوز إدغام الراء في اللام لما فيها من التكرير. إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ خبر «إن» و «كلّ» مخفوض حقّه أن يكون في أخر الكلام لأنه تبيين.

[سورة التحريم (66) : آية 9]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
قيل: مجاهدة المنافقين باللسان والانقباض وأنّه كذا يجب أن يستعمل مع أهل المعاصي إذا لم يوصل إلى منعهم منها لأن الانبساط إليهم يجرّئهم على إظهارها فأمر الله جلّ وعزّ بمجاهدتهم بهذا وأصل المجاهدة في اللغة بلوغ الجهد في رضوان الله جلّ وعزّ. وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أي هي منزلهم ومسكنهم. وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي بئس الذي يصلون إليه النار.

[سورة التحريم (66) : آية 10]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ مفعولان.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 168.

(4/305)


وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)

كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فكانت الفائدة في هذا أنه لا ينفع أحدا إيمان أحد ولا طاعة أحد بنسب ولا غيره إذا كان عاصيا الله جلّ وعزّ كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمته صفية: «إني لا أغني عنكم من الله شيئا» «1» وكذا قال لفاطمة رضي الله عنها وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ولم يقل: مع الداخلات لأن المعنى مع القوم الداخلين.

[سورة التحريم (66) : آية 11]
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
فلم يضرها كفر فرعون شيئا، والأصل «ربّي» حذفت الياء لأن النداء موضع حذف وإثباتها وفتحها جائز.

[سورة التحريم (66) : آية 12]
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (12)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ عطف أي وضرب الله للذين آمنوا مثلا مريم ابْنَتَ من نعتها، وإن شئت على البدل. يقال: ابنة وبنت. الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا الهاء تعود على الفرج. قال أبو جعفر: قد ذكرنا في معناه قولين: أحدهما أنه جيبها، والآخر أنه الفرج بعينه. والحجّة لمن قال: إنه الفرج بعينه «استعمال العرب» أحصنت فرجها على هذا النعت. والحجّة لمن قال: هو جيبها أن معنى «أحصنت فرجها» منعت جيبها حتّى قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
[مريم: 81] ، ومِنْ رُوحِنا فيه قولان: أحدهما من الروح الذي لنا والذي نملكه، كما يقال: بيت الله، والآخر من روحنا من جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم. قال جلّ ثناؤه نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء: 193] .
وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ «2» من وحّده قال: لأنه مصدر، ومن جمعه جعله على اختلاف الأجناس وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ أي من القوم القانتين، أقيمت الصفة مقام الموصوف.
__________
(1) أخرجه الدارمي في سننه 2/ 305.
(2) انظر تيسير الداني 172.

(4/306)


تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)

67 شرح إعراب سورة الملك
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الملك (67) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
أي يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء ودلّ على هذا الحذف وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

[سورة الملك (67) : آية 2]
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ في موضع رفع على البدل من الذي الأول أو على إضمار مبتدأ، ويجوز النصب بمعنى أعني. لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي مرفوع بالابتداء، وهو اسم تام وأَحْسَنُ خبره، والتقدير: ليبلوكم فينظر أيكم أحسن عملا. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ مبتدأ وخبره.

[سورة الملك (67) : آية 3]
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (3)
خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ فيه مثل الذي في الأول، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وأن يكون نعتا للعزيز. طِباقاً نعت لسبع، ويكون جمع طبقة مثل رحبة ورحاب أو جمع طبق مثل جمل وجمال، ويجوز أن يكون مصدرا مّا ترى في خلق الرّحمن من تفوت قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم، وقراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي من تفوت «1» وهو اختيار أبي عبيد. ومن أحسن ما قيل فيه قول الفرّاء «2» : إنهما لغتان بمعنى واحد، ولو جاز أن يقال في هذا اختيار لكان الأول أولى لأنه المشهور في الله أن يقال: تفاوت الأمر مثل تباين أي خالف بعضه بعضا فخلق الله جلّ وعزّ غير متباين ولا متفاوت لأنه كلّه دالّ على حكمة لا على عبث وعلى بارئ له فَارْجِعِ الْبَصَرَ
__________
(1) انظر تيسير الداني 172، والبحر المحيط 8/ 292.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 170.

(4/307)


ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)

وليس قبله فانظر ولكنّ قبله ما يدلّ عليه وهو ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ في موضع نصب.

[سورة الملك (67) : آية 4]
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ بمعنى المصدر أو الظرف ينقلب «1» إليك البصر جواب الأمر. خاسِئاً نصب على الحال. وَهُوَ حَسِيرٌ مبتدأ وخبره في موضع نصب على الحال.

[سورة الملك (67) : آية 5]
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (5)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ على لغة من قال مصباح وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ يكون «رجوما» مصدر يرجم، ويجوز أن يكون جمع راجم على قول من قال: النجوم هي التي يرجم بها، والقول الآخر على قول من قال: إنّ النجوم لا تزول من مكانها وإنما يرجم بالشهب وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ أي مع ذلك.

[سورة الملك (67) : آية 6]
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ رفع بالابتداء، وحكى هارون عن أسيد أنه قرأ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ «2» عطفه على الأول. وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ربع ببئس.

[سورة الملك (67) : الآيات 7 الى 8]
إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً أي صوتا مثل الشهيق تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ الأصل تتميز. قال الفرّاء «3» : أي تقطّع. كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ نصب على الظرف بمعنى إذا سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي قالوا لهم.

[سورة الملك (67) : آية 9]
قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9)
نَذِيرٌ بمعنى منذر. إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ «إن» بمعنى ما.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 293 (قرأ الجمهور «ينقلب» جزما على جواب الأمر، والخوارزمي عن الكسائي برفع الباء أي فينقلب على حذف الفاء أو على أنه موضع حال مقدّرة) .
(2) انظر البحر المحيط 8/ 294.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 170.

(4/308)


وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)

[سورة الملك (67) : آية 10]
وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (10)
فيه قولان: أحدهما لو كان نقبل كما يقال: سمع الله لمن حمده أي قيل «أو نعقل» أي نفكر ونتبين، والقول الآخر أنهم إذا سمعوا لم ينتفعوا بما سمعوا فهم بمنزلة الصم.

[سورة الملك (67) : آية 11]
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (11)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ ولم يقل: بذنوبهم لأنه مصدر يؤدّي عن الجنس فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ «1» .

[سورة الملك (67) : آية 12]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
من أحسن ما قيل فيه أن المعنى إن الذين يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس لأنه الوقت الذي تكثر فيه المعاصي فإذا خشوا ربهم جلّ وعزّ عند غيبة الناس عنهم فاجتنبوا المعاصي كانوا بحضرة الناس أكثر اجتنابا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ خبر «إنّ» .

[سورة الملك (67) : آية 13]
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (13)
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ كسرت الواو لالتقاء الساكنين واختير لها الكسر لأنها أصلية. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي بحقيقتها.

[سورة الملك (67) : آية 14]
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ قال أبو جعفر: ربما توهّم الضعيف في العربية أنّ «من» في موضع نصب ولو كان موضعها نصبا لكان: ألا يعلم ما خلق: لأنه راجع إلى بِذاتِ الصُّدُورِ وإنما التقدير ألا يعلم من خلقها سرّها وعلانيتها وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ مبتدأ وخبره.

[سورة الملك (67) : الآيات 15 الى 16]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (16)
وكذلك هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا أي سهلة تمشون عليها. يقال: ذلول بيّنة الذلّ، وذليل بيّن الذّل فَامْشُوا فِي مَناكِبِها جمع منكب وهو الناحية وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ حذف منه، ولو كان على قياس نظائره لقيل: أوكلوا كما تقول: أوجروا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ رفع بالابتداء.
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ «2» وحكى الفراء أن لغة بني تميم أن يزيد وألفا بين الألفين.
قال أبو جعفر: يعني يزيدون ألفا لئلا يجمعوا بين همزتين فيقولون: أاأمنتم من في السماء. أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ في موضع نصب على أنها مفعولة. فَإِذا هِيَ تَمُورُ في موضع رفع، ويجوز النصب أي فإذا هي مائرة.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 294، وتيسير الداني 172 (قرأ الكسائي بضمّ الحاء والباقون بإسكانها) .
(2) انظر معاني الفراء 3/ 171، وتيسير الداني 172.

(4/309)


أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)

[سورة الملك (67) : الآيات 17 الى 18]
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18)
وهو التراب والحصى، ويكون السحاب الذي فيه البرد والصواعق فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ في موضع رفع لأن الاستفهام لا يعمل فيما قبله وحذفت الياء لأنه رأس آية، وكذا وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (18) .

[سورة الملك (67) : آية 19]
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ نصب على الحال. وَيَقْبِضْنَ عطف عليه، ويجوز أن ينون مقطوعا منه ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ لأنه جلّ وعزّ خلق الجو فاستمسكن فيه إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ خبر «إنّ» .

[سورة الملك (67) : آية 20]
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (20)
أي يدفع عنكم إن أراد بكم سوءا. إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أي ما الكافرون في ظنهم أي عبادتهم غير الله جلّ وعزّ ينفعهم إلا في غرور.

[سورة الملك (67) : آية 21]
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ وحذف جواب الشرط لأن الأول يدلّ عليه أي إن أمسك رزقه فهل يرزقكم من تعبدون من دونه بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ والأصل لججوا ثم أدغم.

[سورة الملك (67) : آية 22]
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
من في موضع رفع بالابتداء أهدى خبره أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ عطف عليه.

[سورة الملك (67) : آية 23]
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (23)
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مبتدأ وخبره وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ ولم يقل:
الأسماع لأن السمع في الأصل مصدر.

[سورة الملك (67) : آية 24]
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ مثل الأول.

[سورة الملك (67) : آية 25]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25)
مَتى في موضع رفع لأنها خبر الابتداء هذَا على قول سيبويه وعلى قول

(4/310)


قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)

غيره في موضع نصب لأنه لا يرفع هذا بالابتداء. وأبو العباس يرفعه بمعنى متى يستقرّ هذا الوعد.

[سورة الملك (67) : آية 26]
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ رفعت العلم بالابتداء، ولا يجوز النصب عند سيبويه على أن يجعل «ما» زائدة، وكذا وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ.

[سورة الملك (67) : آية 27]
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً يجوز أن تكون الهاء تعود على الوعد سِيئَتْ «1» وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ أصحّ ما قيل فيه أنه تفتعلون من الدعاء ثم أدغم، قال أبو عبيد: تدّعون مشتق من يدعون.

[سورة الملك (67) : آية 28]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (28)
أَرَأَيْتُمْ وإن خفّفت همزة أرأيتم جئت بها بين بين والياء ساكنة بحالها فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «من» في موضع رفع بالابتداء، وهو اسم تام.

[سورة الملك (67) : آية 29]
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29)
قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا أي خالقكم ورازقكم والفاعل لهذه الأشياء الرحمن فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ «2» «من» في موضع رفع بالابتداء والجملة خبره لأنها استفهام، ولا يعمل في الاستفهام ما قبله، ويجوز أن يكون في موضع نصب ويكون بمعنى الذي.

[سورة الملك (67) : آية 30]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (30)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً قال الفراء «3» لا يثنّى غور ولا يجمع لأنه مصدر مثل:
رضى وعدل فيقال: ماءان غور. قال أبو جعفر: بابه ألا يثنّى ولا يجمع فإن أردت اختلاف الأجناس ثنّيت وجمعت والتقدير: إن أصبح ماؤكم ذا غور مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] ، وقيل غور بمعنى غائر. فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ يكون فعيلا من معن الماء إذا كثر، ويجوز أن يكون مفعولا ويكون الأصل فيه معيونا مثل مبيع ويكون معناه على هذا الماء يرى بالأعين.
__________
(1) انظر تيسير الداني 102. [.....]
(2) انظر تيسير الداني 173 (قرأ الكسائي «فسيعلمون من هو» بالياء والباقون بالتاء) .
(3) انظر معاني الفراء 3/ 712.

(4/311)


ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)

الجزء الخامس

68 شرح إعراب سورة ن (القلم)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (1) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
ن في هذه الكلمة نيف وثلاثون جوابا منها ستة معان وستّ قراءات في إحداهنّ ستة أجوبة. روى الحكم بن ظهير عن أبيه عن أبي هريرة قال:
الأرضون على نون ونون على الماء والماء على الصخرة والصخرة لها أربعة أركان على كلّ ركن منها ملك قائم في الماء. وروى يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: المر وحم ون حروف الرحمن مقطّعة. وفي حديث معاوية بن قرّة عن أبيه مرفوعا قال: ن لوح من نور. وقال قتادة: نون الدواة. قال أبو جعفر: فهذه أربعة أقوال، وقيل: التقدير وربّ نون، وقيل: هو تنبيه كما تقدّم في «ألم» . وأما القراءات فهي ستّ كما ذكرنا. قرأ أكثر الناس ن وَالْقَلَمِ «1» ببيان نون، وقرئ بإخفائها، وقرئ بإدغامها بغنّة وبغير غنّة، وروي عن عيسى بن عمر أنه قرأ «ن والقلم» وقرأ ابن إسحاق «نون والقلم» بالخفض. فهذه ستّ قراءات، في المنصوبة منها ستة أجوبة: منها أن تكون منصوبة بوقوع الفعل عليها أي أذكر نون.
ولم تنصرف لأنها اسم للسورة، وجواب ثان أن تكون لم تنصرف لأنها اسم أعجميّ هذان جوابان عن الأخفش سعيد، وقول سيبويه «2» إنها شبّهت بأين وكيف وقول الفراء «3» إنها شبهت بثمّ، وقيل: شبّهت بنون الجميع، وقال أبو حاتم: حذفت منها واو القسم فانتصبت بإضمار فعل، كما تقول: الله لقد كان كذا. قال أبو جعفر:
فهذه ثمانية عشر جوابا. وفي إسكانها قولان فمذهب سيبويه «4» أن حروف المعجم إنما سكّنت لأنها بعض حروف الأسماء فلم يجز إعرابها كما لا يعرب وسط الاسم، وردّ عليه هذا القول بعض الكوفيين فقال: إذا قلت زاي فقد زدت على الحرف ألفا
__________
(1) انظر تيسير الداني ص 148.
(2) انظر الكتاب 3/ 286.
(3) انظر معاني الفراء 1/ 368.
(4) انظر الكتاب 3/ 294.

(5/3)


وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)

وياء، وقال أصحّ من هذا قول الفراء «1» قال: لم تعرب حروف المعجم لأنك إنما أردت تعليم الهجاء. قال أبو جعفر: وهذا قول صحيح لأنك إذا أردت تعليم الهجاء لم يجز أن تزيد الإعراب فيزول ذلك عن معنى الهجاء إلا أن تنعت أو تعطف فتعرب. ومن بيّن النون قال: سبيل حروف الهجاء أن يوقف عليها، وأيضا فإن النون بعيدة المخرج من الواو فأشبهت حروف الحلق، ولهذا لم يقرأ أحد بتبيين النون في «كهيعص» لقرب الصاد من النون فأدغمها الكسائي لأنه بنى الكلام على الوصل، ومن أدغم بغنّة أراد ألا يزيل رسم النون، ومن حذف الغنة قال المدغم قد صار حكمه حكم ما أدغم فيه، ومن قرأ «نون والقلم» كسر لالتقاء الساكنين. قال أبو حاتم: أضمر واو القسم. وإن جمعت نون قلت:
نونات على أنه حرف هجاء، فإن جمعته على أنه اسم للحوت قلت في الجمع الكثير:
نينان، وفي القليل: أنوان، ويجوز نونة مثل كوز وكوزة وَالْقَلَمِ خفض بواو القسم، وهو القلم الذي يكتب به غير أن التوقيف جاء أنه القلم الذي كتب به في اللّوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة روى ذلك القاسم بن أبي بزّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ومعاوية بن قرّة عن أبيه يرفعه وَما يَسْطُرُونَ واو عطف لا واو قسم، وما والفعل مصدر، ويجوز أن يكون بمعنى الذي، وجواب القسم ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ أي ما أنت بما أنعم الله عليك من العقل والفهم إذا كان أعقل أهل زمانه بِمَجْنُونٍ، وهو المستور العقل. ومن هذا جنّ عليه الليل وأجنّه، ومنه قيل: جنين وللقبر جنن وللترس مجنّ. قال عمر بن أبي ربيعة: [الطويل] 496-
وكان مجنّي دون من كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر «2»
وقيل: جنّ لأنهم مستترون عن أعين الناس مسموع من العرب على غير قياس:
أجنّ فهو مجنون، والقياس مجنّ. قال أبو جعفر: وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه كان يذهب إلى القياس في هذا كأنه يقال: مجنون من جنّ.

[سورة القلم (68) : آية 3]
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً أي على أداء الرسالة غَيْرَ مَمْنُونٍ قيل: لا يمنّ به عليك وقيل:
غير مقطوع.
__________
(1) انظر معاني الفراء 1/ 368.
(2) الشعر لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 100، والكتاب 4/ 45، والأشباه والنظائر 5/ 48، والأغاني 1/ 90، وأمالي الزجاجي 118، والإنصاف 2/ 770، وخزانة الأدب 5/ 320، والخصائص 2/ 417، وشرح التصريح 2/ 271، وشرح شواهد الإيضاح 313 ولسان العرب (شخص) ، والمقاصد النحوية 4/ 483، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 104، وشرح الأشموني 3/ 620، وشرح التصريح 2/ 275، وشرح عمدة الحافظ 519، وعيون الأخبار 2/ 174، والمقتضب 2/ 148، والمقرّب 1/ 307.

(5/4)


وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)

[سورة القلم (68) : آية 4]
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قال: على دين. قال أبو جعفر: فيكون هذا مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» «1» أي أحسنهم دينا وطريقة ومذهبا وطاعة. وسئلت عائشة رضي الله عنها ما الخلق العظيم الذي كان عليه؟ قالت: القرآن، وقيل: هو ما كان فيه من البشاشة والسعي في قضاء حاجات الناس وإكرامهم والرفق بهم.

[سورة القلم (68) : الآيات 5 الى 6]
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ أي يوم القيامة. قال محمد بن يزيد: سألت أبا عثمان المازني عن هذا فقال: هذا التمام. وقال الأخفش: المعنى: فستبصر ويبصرون بأيكم الفتنة.
وقال محمد بن يزيد: التقدير: بأيّكم فتنة المفتون. وقال الفراء «2» : الباء بمعنى «في» .
قال أبو جعفر: فهذه أقوال النحويين مجموعة. ونذكر أقوال أهل التأويل. روى سفيان عن خصيف عن مجاهد بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ قال: بأيّكم المجنون. وقال الحسن والضحاك: بأيّكم الجنون، وقول قتادة: أيّكم أولى بالشيطان. فهذه ثلاثة أقوال لأهل التأويل. فقول مجاهد تكون الباء فيه بمعنى «في» كما يقال: فلان بمكة وفي مكة والمعنى عليه فستعلم وسيعلمون في أي الفريقين المجنون الذي لا يتّبع الحقّ أفي فريقك أم في فريقهم. وعلى قول «3» الحسن والضحاك فستعلم وسيعلمون بأيكم الفتنة.
والمفتون بمعنى الفتنة والفتون، كما يقال: ليس له معقول ولا معقود رأي. قال أبو جعفر: وهذا من أحسن ما قيل فيه، وقول قتادة أن الباء زائدة.

[سورة القلم (68) : آية 7]
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)
أي هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله من كفار قريش. وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ بك وبمن اتّبعك.

[سورة القلم (68) : الآيات 8 الى 9]
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
معطوف، وليس بجواب ولو كان جوابا حذفت منه النون. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ قال يقول: لو ترخّص لهم فيرخّصون. والمعنى
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه رقم (4682) ، وأحمد في مسنده 2/ 250، وذكره الحاكم في المستدرك 1/ 3، والهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 303، وابن حجر في المطالب العالية (2541) ، وأبو نعيم في الحلية 9/ 248، والتبريزي في مشكاة المصابيح (3264) .
(2) انظر معاني الفراء 3/ 173.
(3) انظر البحر المحيط 8/ 303.

(5/5)


وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)

على هذا: ودّوا لو تلين لهم فلا تنكر عليهم الكفر والمعاصي فيلينون لك وينافقونك ويجترءون على المعاصي، وفي اللين في مثل هذا فساد الدين، وهو مأخوذ من الدّهن شبّه التليّن به.

[سورة القلم (68) : آية 10]
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10)
أي كل معروف بالحلف على الكذب فإذا كان كذلك كان مهينا عند الله جلّ وعزّ وعند المؤمنين. قال مجاهد: مَهِينٍ ضعيف. قال أبو جعفر: يكون مهين فعيل على بابه من هذا القول فيجوز أن يكون بمعنى مهان.

[سورة القلم (68) : آية 11]
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
هَمَّازٍ من همزه إذا عابه وأصل الهمز الغمز. مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ «مشّاء» ممدود، لأنها ألف بعدها همزة فالألف خفيّة والهمزة لبعد مخرجها تخفى فقوّيت بالمدة وكذا الواو إذا كان ما قبلها مضموما مثل السّوأى، وكذلك الياء إذا كان ما قبلها مكسورا نحو: سيء بهم. هذا في المتصل، فللنحويين فيه ثلاثة أقوال: منهم من قال: لا مدّ فيه إذا كان منفصلا، ومنهم من قال: هو ممدود بمنزلة المتصل، وإلى هذا كان يذهب أبو إسحاق، ومنهم من قال: المدّ في المنفصل أولى منه في المتصل ليبيّن بالمد انفصال الحرف من الآخر نحو قوله جلّ وعزّ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [البقرة: 4] وكذا فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ [يوسف: 96] وفي الواو والياء قُوا أَنْفُسَكُمْ [التحريم: 6] وَفِي أَنْفُسِكُمْ [الذاريات: 21] والقراء من أحوج الناس إلى معرفة هذا. وربما وقع الغلط فيه فكان ذلك لحنا فمن قرأ دائِرَةُ السَّوْءِ [التوبة: 98] لم يجز له أن يمدّ هذا لأن الواو ما قبلها مفتوح، ومن قرأ «دائرة السّوء» مدّ لأن الواو ما قبلها مضموم، وإنما وجب هذا في الواو إذا انضمّ ما قبلها والياء إذا انكسر ما قبلها لأنهما أشبهتا الألف فصارتا حرفي مدّ ولين كالألف فوجب فيهما المد كما كان في الألف ولما انضمّ ما قبل الواو وانكسر ما قبل الياء فصارت الحركة التي قبلهما منهما ضعفتا فقوّيتا بالمدّة ومن قرأ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا [البقرة: 103] لم يجز له أن يمدّ هذا لانفتاح ما قبل الواو، ويقال: إنّ أكثر من يغلط في هذا من القرّاء الذين يقرءون بقراءة حمزة. قال أبو جعفر: من قال: نميم قال: قد نمّ ثلاثة أنمة، ومن قال: نميمة قال: نمائم.

[سورة القلم (68) : آية 12]
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
مَنَّاعٍ نعت وكذا مُعْتَدٍ ولو كانا منصوبين لجاز على النعت لكلّ أي معتد على الناس في معاملاتهم. أَثِيمٍ مخالف لربّه في أمره ونهيه، كما قال قتادة: أثيم بربه.

(5/6)


عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)

[سورة القلم (68) : آية 13]
عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (13)
عُتُلٍّ قال أهل التأويل منهم أبو رزين والشعبي: العتلّ الشديد، وقال الفراء:
أي شديد الخصومة بالباطل، وقال غيره: هو شديد الكفر الجافي وجمعه عتالّ. بَعْدَ ذلِكَ قيل: أي مع ذلك. زَنِيمٍ نعت أيضا.

[سورة القلم (68) : آية 14]
أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14)
أَنْ في موضع نصب أي بأن كان، وقرأ الحسن وأبو جعفر وحمزة «أأن كان ذا مال وبنين» «1» قال أبو جعفر: هذا على التوبيخ أي الآن كان ذا مال وبنين يكفر أو تطيعه.

[سورة القلم (68) : آية 15]
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)
استهزاء وإنكارا.

[سورة القلم (68) : آية 16]
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
قال أبو جعفر: قد ذكرنا فيه أقوالا منها ما رواه معمر عن قتادة قال: على أنفه ومما يذكره أن سعيدا روى عن قتادة سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) قال شين لا يفارقه، وهذا من أحسن ما قيل فيه أي سنبيّن أمره ونشهره حتى يتبيّن ذلك ويكون بمنزلة الموسوم على أنفه على أنه قد روي عن ابن عباس سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ قال: قاتل يوم بدر فضرب بسيف ضربة فكانت سمة له.

[سورة القلم (68) : آية 17]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (17)
إِنَّا بَلَوْناهُمْ أي تعبّدناهم بالشكر على النّعم وإعطاء الفقراء حقوقهم التي أوجبناها في أموالهم. كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ. قال ابن عباس: هم أهل كتاب إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها أي ليجذنّها. والجذاذ القطع ومنه صرم فلان فينا وسيف صارم. مُصْبِحِينَ نصب على الحال. وأصبح دخل في الإصباح.

[سورة القلم (68) : آية 18]
وَلا يَسْتَثْنُونَ (18)
ولا يقولون: إن شاء الله فذمّوا بهذا لأن الإنسان إذا قال: لأفعلنّ كذا لم يأمن أن يصرم عن ذلك فيكون كاذبا فعليه أن يقول إن شاء الله.

[سورة القلم (68) : آية 19]
فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (19)
قيل: أرسلت عليها نار فأحرقت حروثهم. وَهُمْ نائِمُونَ في موضع الحال.
__________
(1) انظر تيسير الداني 173 (وهذه قراءة أبي بكر أيضا، وقراءة ابن عامر بهمزة ومدّة، وابن زكوان في المدّ، والباقون بهمزة واحدة مفتوحة على الخبر) .

(5/7)


فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)

[سورة القلم (68) : آية 20]
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
أي كالشيء المصروم المقطوع. وصريم بمعنى مصروم مثل قتيل بمعنى مقتول.

[سورة القلم (68) : آية 21]
فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
نصب على الحال.

[سورة القلم (68) : آية 22]
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (22)
أَنِ في موضع نصب أي بأن، ويجوز أن يكون لا موضع لها تفسيرا إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ كنتم في موضع جزم بالشرط استغني عن الجواب بما تقدّم لأنه فعل ماض.

[سورة القلم (68) : آية 23]
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (23)
في موضع الحال.

[سورة القلم (68) : آية 24]
أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
الجواب في أَنْ كما تقدّم وفي قراءة عبد الله بغير «أن» لأن معنى يَتَخافَتُونَ يقولون سرا.

[سورة القلم (68) : آية 25]
وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (25)
أصحّ ما قيل في معناه على قصد، كما قال مجاهد: قد أسّسوا ذلك بينهم أي عملوه على قصد وتأسيس ومؤامرة بينهم قادرين عليه عند أنفسهم.

[سورة القلم (68) : آية 26]
فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
أي قد ضللنا الطريق، وليست هذه جنّتنا لمّا رأوها محترقة.

[سورة القلم (68) : آية 27]
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
قيل: فقال من يعرفها ويعلم أنهم لم يضلّوا الطريق، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) أي حرمنا ثمارها لما فعلنا.

[سورة القلم (68) : آية 28]
قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (28)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قالَ أَوْسَطُهُمْ أي أعدلهم أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ أي هلّا.

[سورة القلم (68) : آية 29]
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (29)

(5/8)


فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)

قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا نصب على المصدر إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي جعلنا الشيء في غير موضعه بمنعنا ما يجب علينا، وكذا الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه.

[سورة القلم (68) : آية 30]
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (30)
في موضع نصب على الحال.

[سورة القلم (68) : آية 31]
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (31)
قالُوا يا وَيْلَنا نداء مضاف والفائدة فيه أنّ معناه هذا وقت حضور الويل. إِنَّا كُنَّا طاغِينَ أي في مخالفتنا أمر ربّنا وتجاوزنا إياه.

[سورة القلم (68) : آية 32]
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (32)
وحكى سيبويه «1» ، أنّ من العرب من يحذف «أن» مع عسى تشبيها بلعل إِلى رَبِّنا راغِبُونَ أي في أن يبدلنا خيرا منها.

[سورة القلم (68) : آية 33]
كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (33)
كَذلِكَ الْعَذابُ مبتدأ وخبره، وكذا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ وسمّيت آخرة لأنها آخرة بعد أولى وقيل: لتأخرها على الناس لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «لو» لا يليها إلّا الفعل لشبهها بحروف الشرط.

[سورة القلم (68) : آية 34]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
جَنَّاتِ نصب بإن وعلامة النصب كسرة التاء إلّا أنّ الأخفش كان يقول: هي مبنية غير معربة في موضع النصب.

[سورة القلم (68) : آية 35]
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)
كَالْمُجْرِمِينَ الكاف في موضع نصب مفعول ثان.

[سورة القلم (68) : آية 36]
ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
ما في موضع رفع بالابتداء، وهي اسم تام ولَكُمْ الخبر وكَيْفَ في موضع نصب بتحكمون.

[سورة القلم (68) : آية 37]
أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)
__________
(1) انظر الكتاب 1/ 92.

(5/9)


إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)

أي هل لكم كتاب جاءكم من عند الله تدرسون فيه.

[سورة القلم (68) : الآيات 38 الى 39]
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (38) أي لأنفسكم علينا. وكسرت «إن» لمجيء اللام بعدها، وكذا أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي أم لكم أيمان حلفنا لكم بها منتهية إلى يوم القيامة إنّ لكم حكمكم. وفي قراءة الحسن «بالغة» «1» بالنصب. قال الفراء «2» : على المصدر أي حقا، وقال غيره: على الحال من المضمر الذي في علينا.

[سورة القلم (68) : آية 40]
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40)
زَعِيمٌ أي ضمين.

[سورة القلم (68) : آية 41]
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41)
أي شركاء يعينونهم ويشهدون لهم.

[سورة القلم (68) : آية 42]
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ هذه القراءة التي عليها جماعة الحجة وما يروى من غيرها يقع فيه الاضطراب، وكذا أكثر القراءات الخارجة عن الجماعة، وإن وقعت في الأسانيد الصحاح إلا أنها من جهة الآحاد. فمن ذلك ما قرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفراء قال: حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قرأ «يوم تكشف عن ساق» «3» يريد القيامة والساعة لشدّتها. قال أبو جعفر:
وهذا إسناد مستقيم ثم وقع فيه ما ذكرناه، كما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن أبي عبد الله المخزومي وجماعة من أصحاب سفيان قالوا: حدّثنا سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ «يوم نكشف عن ساق» بالنون. وروى سفيان الثوري عن سلمة كهيل عن أبي صادق عن ابن مسعود أنه قرأ: «يوم نكشف عن ساق» بالنون. وروى سفيان الثوري عن سلمة أيضا عن أبي الزعراء عن ابن مسعود أنه قرأ «يوم يكشف عن ساق» بفتح الياء وكسر الشين. والذي عليه أهل التفسير أن المعنى يوم يكشف عن شدّة. وذلك معروف في كلام العرب، ويجوز أن يكون المعنى يوم يكشف الناس عن
__________
(1) وهذه قراءة زيد بن علي أيضا، انظر البحر المحيط 8/ 308. [.....]
(2) انظر معاني الفراء 3/ 176.
(3) انظر البحر المحيط 8/ 309 (قرأ الجمهور «يكشف» بالياء مبنيا للمفعول، وقرأ عبد الله بن أبي عبلة بفتح الياء مبنيا للفاعل، وابن عباس وابن مسعود وابن هرمز بالنون، وابن عباس «يكشف» بفتح الياء مبنيا للفاعل وعنه أيضا بالياء مضمومة) .

(5/10)


خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)

سوقهم لشدّة ما هم فيه، ذلك مستعمل في كلام العرب، وساق مؤنّثة تصغّر بالهاء.
وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ قيل: إنما يدعون إلى السجود ليوبّخوا بذلك فيقال لهم:
قد دعيتم إلى السجود الذي ينفعكم في الدنيا فأبيتم فهلمّ فاسجدوا الساعة لأنها ليست دار محنة ولا ينفع فيها السجود فيكون المعنى على هذا وهم لا يستطيعون أن يسجدوا سجودا ينتفعون به، وقيل: بل تجفّ أصلابهم عقوبة فلا يستطيعون السجود.

[سورة القلم (68) : آية 43]
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43)
خاشِعَةً نصب على الحال. أَبْصارُهُمْ رفع بالخشوع، ويجوز رفعهما جميعا على المبتدأ وخبره. تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ في موضع نصب أيضا على الحال، ويجوز قطعه من الأول. وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ أي في الدنيا.

[سورة القلم (68) : آية 44]
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44)
مَنْ في موضع نصب عطف، وإن شئت كان مفعولا معه الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ في معناه قولان: أحدهما سنمتّعهم ونوسع عليهم في الدنيا حتى يتوهموا أن لهم خيرا ويغتروا بما هم فيه من النعمة والسّرور فنأخذهم بغتة كما روى أبو موسى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله عزّ وجلّ ليمهل الظّالم حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ:
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ «1» وقيل: سنستدرجهم من قبورهم إلى النار.

[سورة القلم (68) : آية 45]
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
وَأُمْلِي لَهُمْ بإسكان الياء والأصل ضمها لأنه فعل مستقبل فحذفت الضمة لثقلها. إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ أي قوي شديد.

[سورة القلم (68) : آية 46]
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
وقراءة نافع بضم الميم الأولى وإسكان الثّانية. قال أبو جعفر: جاء بالأولى على الأصل فاختار هذا لأنها إذا لقيت ألف وصل ضمّت لا غير فأجرى ألف القطع مجراها، وقيل: جاء باللغتين جميعا كما قرأ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا [الشورى: 28] وقرأ: لا تَقْنَطُوا [الزمر: 53] وقل من يحتجّ له من أصحابه أو غيرهم.

[سورة القلم (68) : آية 47]
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
__________
(1) ذكره البغوي في شرح السنة 14/ 358، والبيهقي في الأسماء والصفات 41، والمتقي الهندي في كنز العمال (21398) ، والعجلوني في كشف الخفاء 2/ 65.

(5/11)


فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)

قال أبو جعفر: وهذه الآية من أشكل ما في السورة وتحصيل معناها فيما قيل والله أعلم: أم عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيوب كلها فهم يكتبون منه ما يجادلونك به ويدّعون أنهم مع كفرهم بالله جلّ وعزّ وردّهم عليك بعد البراهين خير منك وأنهم على الحقّ.

[سورة القلم (68) : آية 48]
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ أي اصبر على أداء الرسالة واحتمل أذاهم ولا تستعجل لهم العذاب وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ في ما عمله من خروجه عن قومه وغمّه بتأخر العذاب عنهم إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس وَهُوَ مَكْظُومٌ قال:
مغموم. قال أبو جعفر: والمكظوم في كلام العرب الذي قد اغتمّ لا يجد من يتفرّج إليه فقد كظم غيظه أي أخفاه.

[سورة القلم (68) : آية 49]
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ وفي قراءة ابن مسعود «لولا أن تداركته» «1» على تأنيث النعمة والتذكير: لأنه تأنيث غير حقيقي وروي عن الأعرج «لولا أن تدّاركه» بتشديد الدال، والأصل تتداركه أدغمت التاء في الدال. لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ في موضع نصب على الحال.

[سورة القلم (68) : آية 50]
فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)
قيل: المعنى فوصفه جلّ وعزّ أنه من الصالحين. وقد حكى سيبويه جعل بمعنى وصف، وقيل: فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وفّقه الله تعالى لطاعته حتى صلح.

[سورة القلم (68) : آية 51]
وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
الكوفيون يقولون: إِنْ بمعنى «ما» واللام بمعنى إلّا، والبصريون يقولون:
هي إن المشدّدة لما خفّفت وقع بعدها الفعل ولزمته لام التوكيد ليفرق بين النّفي والإيجاب. وذكر بعض النحويين الكوفيين أن هذا من إصابة العين، واستجهله بعض العلماء وقال: إنما كانوا يقولون: إنّا نصيب بالعين ما نستحسنه ونتعجّب من جودته. وهذا ليس من ذاك إنّما كانوا ينظرون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم نظر الإبغاض والنفور.
فالمعنى على هذا أنهم لحدّة نظرهم إليه يكادون يزيلونه من مكانه. يقال: أزلق
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 311 (قرأ الجمهور «تداركه» ماضيا ولم تلحقه علامة التأنيث، وقرأ عبد الله وابن عباس «تداركته» بتاء التأنيث، وابن هرمز والحسن والأعمش بشدّ الدال) .

(5/12)


وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)

الحجّام الشّعر وزلّفه إذا حلقه، وقد قرئ لَيُزْلِقُونَكَ «1» من أزلق وزلق أي باللغتين جميعا.

[سورة القلم (68) : آية 52]
وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52)
مبتدأ وخبره، والضمير يعود على الذكر المتقدّم.
__________
(1) انظر تيسير الداني 173، والبحر المحيط 8/ 311.

(5/13)