إعراب القرآن للنحاس

الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)

69 شرح إعراب سورة الحاقة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الحاقة (69) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَاقَّةُ (1)
رفع بالابتداء.

[سورة الحاقة (69) : الآيات 2 الى 3]
مَا الْحَاقَّةُ (2) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
مَا الْحَاقَّةُ (2) مبتدأ وخبره وهما خبر عن الحاقة، وفيه معنى التعظيم. والتقدير:
الحاقة ما هي؟ إلا أن إعادة الاسم أفخم، وكذا وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) .

[سورة الحاقة (69) : آية 4]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (4)
عادٌ منوّن لخفته وثَمُودُ لا ينوّن على أنه اسم للقبيلة، وينوّن على أنه اسم للحي. قال قتادة: بالقارعة أي بالساعة. قال غيره: لأنها تقرع قلوب الناس بهجومها عليهم.

[سورة الحاقة (69) : الآيات 5 الى 6]
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (6)
وقال قتادة: بعث الله جلّ وعزّ عليهم صيحة فأهدتهم، وقيل: فأهلكوا بالطغيان، وقيل: بالجماعة الطاغية. قال أبو جعفر: وقول قتادة أصحّها أخبر الله بالمعنى الذي أهلكهم به لا بالسبب الذي أهلكهم من أجله كما أخبر في قصة عاد فقال جلّ ثناؤه:
وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ قال قتادة: أي باردة، وقال غيره: أي شديد الصوت عاتِيَةٍ زائدة على مقدار هبوبها.

[سورة الحاقة (69) : آية 7]
سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (7)
وَثَمانِيَةَ أنثت الهاء في ثمانية، وحذفت من سبع فرقا بين المذكر والمؤنّث

(5/14)


فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)

حُسُوماً أصحّ ما قيل فيه متتابعة لصحّته عن ابن مسعود وابن عباس، «وحسوم» نعت ومن قال: معناه أتباع جعله مصدرا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى في موضع نصب على الحال. كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ قال قتادة: أصول النخل، وقال غيره: كأنهم أسافل النخل قد تأكّلت وخوت وتبدّدت خاوِيَةٍ على تأنيث النخل.

[سورة الحاقة (69) : آية 8]
فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (8)
أي من جماعة باقية، وقيل: من بقاء.

[سورة الحاقة (69) : آية 9]
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (9)
وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ «1»
قراءة الحسن وأبي رجاء وعاصم الجحدري وأبي عمرو والكسائي، وهو اختيار أبي عبيد، وقراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير والأعمش وحمزة وَمَنْ قَبْلَهُ وهما منصوبان على الظرف قال الحسن: «ومن قبله» ومن معه. ورد أبو عبيد على من قرأ «ومن قبله» لأنه قد كان فيهم مؤمنون.
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم لأنه قد عرف المعنى بقوله جلّ وعزّ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ.

[سورة الحاقة (69) : آية 10]
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (10)
نعت أي زائدة.

[سورة الحاقة (69) : آية 11]
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (11)
مجاز لأن الجارية سفينة نوح صلى الله عليه وسلم، والمخاطبون بهذا إنما حمل أجدادهم فيها فكانوا بمنزلة من حمل معهم.

[سورة الحاقة (69) : آية 12]
لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (12)
لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً
قال قتادة: بقيت السفينة عظة وآية وتذكرة حتى راها أوائل هذه الأمة. وَتَعِيَها
أي التذكرة، ويروى عن عاصم أنه قرأ «وتعيّها» «2»
وهو لحن لأنه من وعى يعي، وعن طلحة أنه قرأ: «وتعيها» بإسكان العين حذف الكسرة لثقلها، وهو مثل أَرِنِي [البقرة 260 والأعراف: 143] . أُذُنٌ واعِيَةٌ
ويقال: أذن وهي مؤنثة تصغيرها أذينة.
__________
(1) انظر تيسير الداني 173.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 317، وتيسير الداني 173.

(5/15)


فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)

[سورة الحاقة (69) : آية 13]
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (13)
نَفْخَةٌ واحِدَةٌ لمّا نعت المصدر حسن رفعه، ولو كان غير منعوت كان منصوبا لا غير.

[سورة الحاقة (69) : آية 14]
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (14)
لأنهما جمعان، ولو قيل: فدككن أو فدكّت في الكلام لجاز.

[سورة الحاقة (69) : آية 15]
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (15)
العامل في الظرف وقعت.

[سورة الحاقة (69) : آية 16]
وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (16)
مبتدأ وخبره.

[سورة الحاقة (69) : آية 17]
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ (17)
وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها أي على أرجاء السماء والرجا الناحية مقصور يكتب بالألف، والرجاء من الأمل ممدود، وَالْمَلَكُ بمعنى الملائكة يدلّك على ذلك وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ روى السديّ عن أبي مالك عن ابن عباس قال: ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلّا الله جلّ وعزّ، وكذا قال الضحاك، وقال ابن إسحاق وابن زيد: ثمانية أملاك وهم اليوم أربعة.

[سورة الحاقة (69) : آية 18]
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (18)
على تأنيث اللفظ، وقراءة الكوفيين «يخفى» «1»
لأنه تأنيث غير حقيقي، وقد فصل بينه وبين فعله.

[سورة الحاقة (69) : الآيات 19 الى 21]
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ.
رفع بالابتداء، وخبره فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ قال بعض أهل اللغة: الأصل هاكم ثم أبدل من الكاف. وروى ابن طلحة عن ابن عباس إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (20) قال:
أيقنت. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (21) على النسب أي ذات رضىّ.
__________
(1) انظر تيسير الداني 173، والبحر المحيط 8/ 318 (قرأ الجمهور «لا تخفى» بتاء التأنيث وعلي وابن وثاء وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وغيرهم بالياء) .

(5/16)


فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)

[سورة الحاقة (69) : آية 22]
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (22)
بدل بإعادة الحرف.

[سورة الحاقة (69) : آية 23]
قُطُوفُها دانِيَةٌ (23)
روى شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: يأكل من فواكهها وهو قائم.

[سورة الحاقة (69) : آية 24]
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (24)
وهي أيام الدنيا من «خلا» إذا مضى.

[سورة الحاقة (69) : آية 25]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (25)
ومن العرب من يقول: ليتني فيحذف النون كما يحذفها في «إن» .

[سورة الحاقة (69) : آية 26]
وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (26)
بإثبات الهاء في الوقف، وكذا ما لبيان الحركة وإثباتها في الوصل لحن لا يجوز عند أحد من أهل العربية علمته. ومن اتّبع السواد وأراد السلامة من اللّحن وقف عليها فكان مصيبا من الجهتين.

[سورة الحاقة (69) : الآيات 27 الى 28]
يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (27) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28)
يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ اسم كان فيها مضمر، والتاء ليست باسم إنما هي علامة للتأنيث.
ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ «ما» في موضع نصب بأغنى، ويجوز أن تكون نافية لا موضع لها.

[سورة الحاقة (69) : آية 29]
هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (29)
«1»
كما تقدّم في حسابيه.

[سورة الحاقة (69) : الآيات 30 الى 31]
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ويجوز إثبات الواو على الأصل ومن حذفها فلسكون الواو، والهاء ليست بحاجز حصين «2» .

[سورة الحاقة (69) : الآيات 32 الى 34]
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (34)
__________
(1) انظر تيسير الداني 174.
(2) الرجز لحميد الأرقط في شرح شواهد الإيضاح 341، والمقاصد النحوية 4/ 504، وشرح التصريح 2/ 286، وبلا نسبة في ديوان الأدب 1/ 118، وإصلاح المنطق ص 310، وأوضح المسالك 4/ 286، وجمهرة اللغة 1314، وخزانة الأدب 1/ 214، والمخصّص 1/ 167، ومقاييس اللغة 1/ 26، وشرح عمدة الحافظ ص 576، والخصائص 2/ 307، ولسان العرب (ذرع) و (فرع) و (رمى) ، وأدب الكاتب 507، والأزهيّة 276، والأشباه والنظائر 5/ 219 وقبله:
«ما لك لا ترمي وأنت أنزع ... أرمي عليها وهي فرع أجمع»

(5/17)


فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)

الذراع مؤنثة كما قال:
497- وهي ثلاث أذرع وإصبع «1»
وحكى الفراء «2»
: إن بعض عكل يذكّرها، وقد حكى ذلك غيره. إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) في موضع نصب، ورفع لأنه فعل مستقبل وكذا وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (34) .

[سورة الحاقة (69) : آية 35]
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (35)
قال أبو زيد: الحميم القريب في كلام العرب.

[سورة الحاقة (69) : آية 36]
وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (36)
يجوز أن يكون استثناء من الأول.

[سورة الحاقة (69) : آية 37]
لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (37)
وقراءة موسى بن طلحة إِلَّا الْخاطِؤُنَ على إبدال الهمزة وهي لغة شاذة.

[سورة الحاقة (69) : الآيات 38 الى 39]
فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ (38) وَما لا تُبْصِرُونَ (39)
وَما لا تُبْصِرُونَ (39) «لا» زائدة للتوكيد.

[سورة الحاقة (69) : آية 40]
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
قيل: هو مجاز لأنه سمعه منه الرسول صلّى الله عليه وسلّم.

[سورة الحاقة (69) : الآيات 41 الى 42]
وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (41) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (42)
نصب قَلِيلًا لأنه نعت لمصدر أو لظرف وكذا. وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ.

[سورة الحاقة (69) : آية 43]
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (43)
__________
(1) انظر المذكر والمؤنّث للفراء 77.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 321، والمحتسب 2/ 329.

(5/18)


وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)

على إضمار مبتدأ.

[سورة الحاقة (69) : آية 44]
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (44)
أي من الباطل.

[سورة الحاقة (69) : آية 45]
لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
في معناه قولان: أحدهما بالقوة، والآخر: أهنّاه كما تقول: خذ بيده فأقمه.

[سورة الحاقة (69) : آية 46]
ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
فأخبر الله جلّ وعزّ بحكمه في أوليائه ومن يعز عليه ليعتبر غيرهم.

[سورة الحاقة (69) : آية 47]
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (47)
نعت لأحد على المعنى.

[سورة الحاقة (69) : آية 48]
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
قال قتادة: القرآن.

[سورة الحاقة (69) : آية 49]
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)
اسم «أنّ» .

[سورة الحاقة (69) : آية 50]
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ (50)
أي يتحسرون يوم القيامة على تركهم الإيمان به.

[سورة الحاقة (69) : آية 51]
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
أي محضه وخالصه. والكوفيون يقولون: هذا إضافة الشيء إلى نفسه.

[سورة الحاقة (69) : آية 52]
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
أي نزّهه وبرّئه مما نسب إليه من الأنداد والأولاد والشّبه «العظيم» الذي كلّ شيء صغير دونه.

(5/19)


سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)

70 شرح إعراب سورة سأل سائل (المعارج)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المعارج (70) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (1)
سَأَلَ سائِلٌ هذه قراءة أهل الكوفة وأهل البصرة يهمزها جميعا، وقرأ أبو جعفر والأعرج ونافع سَأَلَ سائِلٌ «1»
الأول بغير همز والثاني مهموز، وهذه القراءة لها وجهان: أحدهما أن يكون «سال» من السيل أي انصبّ، والآخر أن يقال: سال بمعنى سأل لا أنه منه لأن هذا ليس بتخفيف الهمز لو كان منه إنما يكون على البدل من الهمز، وذلك بعيد شاذّ. قال أبو جعفر: ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أنه من الهمز، وإنه إنما غلط فيه على نافع وإنه إنما كان يأتي بالهمزة بين بين. قال أبو جعفر:
وهذا تأويل بعيد وتغليط لكل من روى عن نافع، والقول فيه أن سيبويه حكى: سلت أسأل بمعنى سألت فالأصل في سال سول فلما تحركت الواو وتحرك ما قبلها قلبت ألفا، ومثله خفت. وسائل مهموز على أصله إن كان من سأل وإن كان من سال فالأصل في ساول فاعل فقلبت الواو ألفا وقبلها ألف ساكنة ولا يلتقي ساكنان فأبدل من الألف همزة مثل صائم وخائف بِعَذابٍ واقِعٍ.

[سورة المعارج (70) : آية 2]
لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (2)
لِلْكافِرينَ قول الفراء «2»
أن التقدير بعذاب للكافرين، ولا يجوز عنده أن يكون للكافرين متعلقا بواقع. قال أبو جعفر: وظاهر القرآن على غير ما قال وأهل التأويل على غير قوله. قال مجاهد: وواقع في الآخرة، وقال الحسن: أنزل الله جلّ وعزّ:
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ فقالوا لمن هو على من يقع؟ فأنزل الله تعالى: لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 326، وتيسير الداني 174.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 183. [.....]

(5/20)


مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)

[سورة المعارج (70) : آية 3]
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (3)
قيل: المعارج درج الجنّة، وروى ابن نجيح عن مجاهد قال: السماء.

[سورة المعارج (70) : آية 4]
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
وفي قراءة عبد الله «يعرج» «1»
على تذكير الجميع. فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال أبو جعفر: قد ذكرنا فيه أقوالا، وأعلى ما قيل فيه عن ابن عباس أنه قال: هو يوم القيامة، وأن المعنى مقدار محاسبة الله جلّ وعزّ الخلق فيه وإثابته ومعاقبته إياهم مقدار ذلك خمسون ألف سنة لو كان غيره المحاسب، ويدلّ على هذا حديث أبي سعيد الخدري قيل: يا رسول الله ما أطول هذا اليوم فقال: «إنّه على المؤمن أخفّ من صلاة مكتوبة يصلّيها» «2» .

[سورة المعارج (70) : آية 5]
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5)
فَاصْبِرْ على أذاهم. صَبْراً جَمِيلًا لا جزع فيه.

[سورة المعارج (70) : آية 6]
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6)
لأنهم لا يؤمنون به. قيل: الضمير في «إنهم» للكافرين وفي «يرونه» للعذاب.

[سورة المعارج (70) : آية 7]
وَنَراهُ قَرِيباً (7)
لأنه كائن، وكلّ كائن قريب.

[سورة المعارج (70) : آية 8]
يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (8)
يكون التقدير: يقع هذا أو يبصرونهم يوم تكون السّماء كالمهل، وأضيف يوم إلى الفعل، لأنه بمعنى المصدر وعطف عليه.

[سورة المعارج (70) : آية 9]
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (9)
جمع عهنة، ويقال عهون.

[سورة المعارج (70) : الآيات 10 الى 11]
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
يُبَصَّرُونَهُمْ في هذا المضمر اختلاف عن العلماء فعن ابن عباس يبصّر الحميم حميمه أي يراه ويعرفه ثم يفرّ منه. فهذا قول، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد يبصر
__________
(1) انظر تيسير الداني 174، ومعاني الفراء 3/ 184، والبحر المحيط 8/ 327.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 327.

(5/21)


وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18) إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)

المؤمنون الكافرين وعن ابن زيد يبصّر في النار التابعون للمتبوعين. قال أبو جعفر:
وأولى هذه الأقوال بالصواب القول الأول لأنه قد تقدّم ذكر الحميم فيكون الضمير راجعا عليه أولى من أن يعود على ما لم يجر له ذكر يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ
بنيت «يومئذ» »
لمّا أضيفت إلى غير معرب، وإن شئت خفضتها بالإضافة فقرأت مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ.

[سورة المعارج (70) : الآيات 12 الى 13]
وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
وَفَصِيلَتِهِ والجمع فصائل وفصل وفصلان.

[سورة المعارج (70) : آية 14]
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)
أي ثم ينجيه الافتداء لأن يَفْتَدِي يدلّ على الافتداء.

[سورة المعارج (70) : الآيات 15 الى 16]
كَلاَّ إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (16)
كَلَّا تمام حسن إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى بين النحويين في هذا اختلاف تكون لظى في موضع نصب على البدل من قولك «ها» ونزّاعة خبر «إنّ» ، وقيل: لَظى في موضع رفع على خبر «إن» ونَزَّاعَةً خبر ثان أو بدل على إضمار مبتدأ، وقيل: إنّ «ها» كناية عن القصة ولَظى نَزَّاعَةً مبتدأ وخبره وهما خبر عن «إنّ» وأجاز أبو عبيد نَزَّاعَةً «2»
بالنصب، وحكى أنه لم يقرأ به. قال أبو جعفر: وأبو العباس محمد بن يزيد لا يجيز النصب في هذا لأنه لا يجوز أن يكون إلا نزاعة للشوى، وليس كذا سبيل الحال.

[سورة المعارج (70) : آية 17]
تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
مجاز لأنه يروى أن خزنتها ينادون: ائتونا بمن أدبر وتولّى عن طاعة الله، وروى سعيد عن قتادة: تدعو من أدبر عن طاعة الله وتولّى عن كتابه وحقّه.

[سورة المعارج (70) : آية 18]
وَجَمَعَ فَأَوْعى (18)
أي جعل المال في وعاء ولم يؤدّ منه الحقوق. ويقال: وعيت العلم وأوعيت المتاع.

[سورة المعارج (70) : الآيات 19 الى 21]
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)
__________
(1) انظر تيسير الداني 174 (قرأ نافع والكسائي بفتح الميم والباقون بخفضها) .
(2) انظر تيسير الداني 174، والبحر المحيط 8/ 328.

(5/22)


إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)

خُلِقَ في موضع خبر «إنّ» ونصبت هَلُوعاً على الحال المقدّرة والهلوع فيما حكاه أهل اللغة الذي يستعمل في حال الفقر ما لا ينبغي أن يستعمله من الجزع وقلة التأسّي وفي الغنى ما لا ينبغي أن يستعمله من منع الحقّ الواجب وقلة الشكر. وقد بين هذا بقوله: إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ونصبت جَزُوعاً ومَنُوعاً على النعت لهلوع، ويجوز أن يكون التقدير صار كذا.

[سورة المعارج (70) : آية 22]
إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22)
نصب على الاستثناء.

[سورة المعارج (70) : آية 23]
الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (23)
نعت.

[سورة المعارج (70) : آية 24]
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
عطف عليه روى سعيد بأن قتادة قال: الصدقة المفروضة، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس: وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ قال: يقول سوى الصدقة يصل بها رحما ويقوّي بها ضعيفا أو يحمل بها كلّا أو يعين بها محروما.

[سورة المعارج (70) : آية 25]
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
قال أبو جعفر: صح عن ابن عباس قال: المحروم المحارف، وعن قتادة السائل الذي يسأل بكفّه، والمحروم المتعفّف أي الذي لا يسأل، ولكل عليك حقّ يا ابن آدم، وعن ابن زيد «المحروم» الذي احترق زرعه.

[سورة المعارج (70) : الآيات 26 الى 34]
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (34)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ في موضع نصب كله معطوف على نعت المصلين وكذا وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ وكذا وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ قال أبو جعفر وقراءة أبي عبد الرحمن والحسن بِشَهاداتِهِمْ «1»
قال أبو جعفر: شهادة مصدر فذلك قرأها جماعة على التوحيد، ويجوز أن يكون واحدا يدل على جمع، وكذا وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ.
__________
(1) انظر تيسير الداني 174.

(5/23)


أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)

[سورة المعارج (70) : آية 35]
أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
مبتدأ وخبره.

[سورة المعارج (70) : آية 36]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
نصب على الحال وكذا عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ جمع عزة جمع بالواو والنون وفيه علامة التأنيث عوضا مما حذف منه، وفيه لغة أخرى يقال: مررت بقوم عزين، يجعل الإعراب في النون.

[سورة المعارج (70) : آية 38]
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)
وقراءة الحسن وطلحة أَنْ يُدْخَلَ «1»
بفتح الياء وضم الخاء. قال أبو جعفر:
والآية مشكلة. فمما قيل فيها إن المعنى فما للذين كفروا قبلك مسرعين بالتكذيب لك، وقيل: بالاستماع منك ليعيبوك عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ أي متفرّقين في أديانهم وهم مخالفون للإسلام أيطمع كل امرئ منهم أن يثاب على هذا فيدخل الجنة، وقيل:
أيطمع كلّ امرئ منهم أن ينجو من العذاب على هذا الفعل لأن معنى يدخل الجنة ينجو من العذاب.

[سورة المعارج (70) : آية 39]
كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
كَلَّا ردّ عليهم إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ذكّرهم مهانتهم وأنهم إنما خلقوا من نطفة فكيف يستحقّون الثواب إذا لم يعملوا عملا صالحا، كما قال قتادة: خلقت من قذر يا ابن آدم فاتّق الله جلّ وعزّ.

[سورة المعارج (70) : آية 40]
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (40)
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ. قال أبو ظبيان عن ابن عباس: للشمس كلّ يوم مشرق ومغرب لم يكونا لها بالأمس فذلك قوله جلّ وعزّ: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ولا زائدة للتوكيد لا نعلم في ذلك اختلافا فإنما اختلفوا في «لا أقسم» لأنه أول السورة فكرهوا أن يقولوا: زائد في أول السورة وقد أجمع النحويون أنه لا تزاد «لا» و «ما» في أول الكلام فكان الكلام في هذا أشدّ، وجواب القسم: إِنَّا لَقادِرُونَ.

[سورة المعارج (70) : آية 41]
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)
أي ليس يعجزوننا ولا يفوتوننا لأن من فاته الشيء ولم يلحقه فقد سبقه.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 186، والبحر المحيط 8/ 330.

(5/24)


فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)

[سورة المعارج (70) : آية 42]
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا جواب، وفيه معنى الشرط وفي موضع آخر ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام: 91] لأن هذا ليس بجواب، وزعم الأخفش سعيد أن الفرق بينهما أنه إذا كان بالنون فهم في تلك الحال وإذا لم يكن بالنون فهو للمستقبل يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ.

[سورة المعارج (70) : آية 43]
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
يَوْمَ يَخْرُجُونَ بدل منه. مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً نصب على الحال. كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ وقراءة الحسن إِلى نُصُبٍ «1»
وكذا يروى عن زيد بن ثابت وأبي العالية: أي إلى غايات يستبقون، وقال الحسن: كانوا يجتمعون غدوة فيجلسون فإذا طلعت الشمس تبادروا إلى أنصابهم. فقال الأعرج: إلى نصب إلى علم. قال أبو جعفر: وتقديره في العربية إلى علم قد نصب نصبا.

[سورة المعارج (70) : آية 44]
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (44)
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ أي ذليلة خاضعة لما نزل بهم ونصب خاشعة بترهقهم أو بيخرجون تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي تغشاهم ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ «2»
قيل: الذي كانوا مشركو قريش يوعدون به فلا يصدّقون ذلك.
__________
(1) انظر تيسير الداني 174 (قرأ ابن عامر وحفص بضم النون والصاد والباقون بفتح النون وإسكان الصاد) .
(2) انظر البحر المحيط 8/ 330 (قرأ الجمهور «ذلة» منوّنا، و «ذلك اليوم» برفع الميم مبتدأ وخبره، وقرأ عبد الرحمن بن خلاد عن داود بن سالم عن يعقوب والحسن بن عبد الرحمن عن التمار «ذلة» بغير تنوين مضافا إلى «ذلك» ، واليوم بخفض الميم) .

(5/25)


إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)

71 شرح إعراب سورة نوح عليه السّلام
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة نوح (71) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (1)
إِنَّا الأصل إنّنا حذفت النون تخفيفا أَرْسَلْنا سكّنت اللام في الأصل لاجتماع الحركات وأنه مبنيّ نُوحاً اسم أعجمي انصرف لأنه على ثلاثة أحرف. إِلى قَوْمِهِ اسم للجمع، وقيل: قوم جمع قائم مثل تاجر وتجر أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ «أن» بمعنى التبيين تقول: أي أنذر قومك، ويجوز أن يكون في موضع نصب، ويكون المعنى بأن أنذر قومك مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ خفضت قبل بمن وأعربتها لأنها مضافة إلى «أن» .

[سورة نوح (71) : الآيات 2 الى 3]
قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يكون أن أيضا بمعنى «أي» ، ويكون بمعنى نذير بأن اعبدوا الله وصلتها اعبدوا وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ عطف عليه.

[سورة نوح (71) : آية 4]
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ جزم لأنه جواب الأمر وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى عطف عليه إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لم يجزم بلو الفعل المستقبل لمخالفتها حروف الشرط في أنها لا تردّ الماضي إلى المستقبل.

[سورة نوح (71) : آية 5]
قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (5)
على الظرف.

[سورة نوح (71) : آية 6]
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (6)
مفعول ثان.

(5/26)


وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)

[سورة نوح (71) : الآيات 7 الى 8]
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (8)
وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ منصوب على الظرف و «ما» متصلة مع «كل» إذا كانت بمعنى إذا، والجواب جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ الواحدة إصبع مؤنثة ويقال: إصبع.
وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا عطف عليه قال الفراء «1»
: أَصَرُّوا سكتوا على الكفر.
وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً مصدر فيه معنى التوكيد، وكذا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ويجوز أن يكون التقدير: ذا جهار.

[سورة نوح (71) : آية 9]
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (9)
إِسْراراً مصدر أيضا فيه معنى التوكيد.

[سورة نوح (71) : آية 10]
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (10)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ أي استدعوا منه المغفرة. إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً أي ستّارا على عقوبات الذنوب لمن تاب.

[سورة نوح (71) : آية 11]
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (11)
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ جواب الأمر. مِدْراراً نصب على الحال من السماء، ومفعال للمؤنّث بغير هاء لأنه جار على الفعل يقال: امرأة مذكار ومئناث بغير هاء.

[سورة نوح (71) : آية 12]
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (12)
يروى أنهم قيل لهم هذا لأنهم كانوا شديدي المحبة للمال.

[سورة نوح (71) : آية 13]
ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13)
قد ذكرناه.

[سورة نوح (71) : آية 14]
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (14)
أكثر أهل التفسير على أن الأطوار خلقكم نطفة ثم علقة ثم مضغة، وقيل:
اختلاف المناظر لأنك ترى الخلق فتميّز بينهم في الصور والكلام، ولا بدّ من فرق وإن اشتبهوا. وذلك دالّ على مدبر وصانع.

[سورة نوح (71) : آية 15]
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (15)
طِباقاً مصدر، ويجوز أن يكون نعتا لسبع، وأجاز الفراء «2»
الخفض في غير القرآن.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 188.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 188.

(5/27)


وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)

[سورة نوح (71) : آية 16]
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (16)
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً قال أبو جعفر: أجلّ ما روي فيه قول عبد الله بن عمرو:
إنّ وجه القمر إلى السموات فهو فيهن على الحقيقة وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً مفعولان ...

[سورة نوح (71) : آية 17]
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (17)
ومصدر أنبت إنبات إلّا أن التقدير فنبتهم نباتا قيل: هذا لأن آدم صلّى الله عليه وسلّم خلق من طين، وقيل: النطفة مخلوقة من تراب.

[سورة نوح (71) : آية 18]
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (18)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها بالإقبار وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً إلى البعث.

[سورة نوح (71) : آية 19]
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (19)
ويجوز بصاد لأن بعدها طاء.

[سورة نوح (71) : آية 20]
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (20)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس سُبُلًا فِجاجاً قال: طرقا مختلفة.

[سورة نوح (71) : آية 21]
قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (21)
وقرأ الكوفيون وأبو عمرو وَوَلَدُهُ «1»
ويجوز والده مثل «أقّتت» وروى شبل عن مجاهد قال: ولده زوجه وأهله وروى خارجة عن أبي عمرو بن العلاء قال: ولده عشيرته وقومه. قال أبو جعفر: أما أهل اللغة سوى هذه الرواية عن أبي عمرو فيقولون: ولد وولد مثل بخل وبخل وفلك وفلك، ويجوز عندهم أن يكون ولد جمع ولد وثن ووثن.

[سورة نوح (71) : آية 22]
وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22)
وكُبَّاراً «2»
هي قراءة بمعنى واحد.

[سورة نوح (71) : آية 23]
وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (23)
وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً. هذه قراءة أهل المدينة، وقرأ الكوفيون
__________
(1) انظر تيسير الداني 174، والبحر المحيط 8/ 334.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 189، والبحر المحيط 8/ 325 (قرأ الجمهور بتشديد الباء وهو بناء فيه مبالغة، وقرأ عيسى وابن محيصن وأبو السمال بتخفيف الباء، وقرأ زيد بن علي وابن محيصن «كبارا» بكسر الكاف وفتح الباء) .

(5/28)


وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)

وأبو عمرو وَدًّا بفتح الواو وهو اختيار أبي عبيد واحتجّ بقولهم عبد ودّ وأن الصنم اسمه ودّ. قال أبو جعفر: وهذا من الاحتجاجات الشاذة، والمتعارف عكس ما قال إنما يقال: عبد ودّ فإن كان من جهة التعارف فهو هذا، وإن كان من جهة الأشبه فالأشبه أن يسمّى بودّ مشتقّ من الوداد، وهو السهولة واللين، ومنه وددت الرجل أحببته ووددته إذا بررته، ووددت أن ذلك الشيء لي أي تمنيت بسهولة وتسميتهم الصنم ودّا من هذا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً لم ينصرف يغوث ويعوق لشبههما الفعل المستقبل، وقرأ الأعمش «ولا يغوث ويعوق» بالصرف، وفي حرف عبد الله فيما روى وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً قال أبو جعفر: هذا عند الخليل وسيبويه لحن وهو أيضا مخالف للسواد الأعظم وزعم الفراء «1»
: أنّ ذلك يجوز صرفه لكثرته أو كأنه نكرة، وهذا ما لا يحصل لأنه ليس إذا كثر الشيء صرف فيه ما لا ينصرف على أنه لا معنى لقوله:
لكثرته في اسم صنم، ولا معنى لأن يكون نكرة ما كان مخصوصا مثل هذا. وقد زاد الكسائي على هذا فقال: العرب تصرف كل ما لا ينصرف إلا أفعل منك. قال محمد بن يزيد: هذا خطأ لأنهم قد صرفوا خيرا منك وشرّا منك ومعها منك.

[سورة نوح (71) : آية 24]
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً (24)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً ويجوز في غير القرآن وقد أضللن وقد أضلّت وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا قيل: المعنى: لا توفقهم، وقيل: إلا ضلالا عن الثواب وطريق الجنة.

[سورة نوح (71) : آية 25]
مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً (25)
«ما» زائدة للتوكيد، ولا يجوز عند البصريين غير ذلك، والكوفيون يقولون:
صلة ثم يرجعون في بعض المواضع إلى الحقّ وهذا منها زعم الفراء «2»
أن «ما» هاهنا تفيد لأن المعنى من أجل خطيئاتهم أغرقوا واحتجّ بأنّ «ما» تدل على المجازاة، وذكر حيثما تكن أكن، وذكر كيف وأين هذا في كتابه «في معاني القرآن» ومذهبه في هذا حسن لولا ما فيه من التخطيط. ذكر حيثما وهي لا يجازى بها إلّا ومعها «ما» وذكر «كيف» وهي لا يجازى بها البتة، وذكر «أين» وهي يجازى بها مع «ما» وبغير «ما» ، فجمع بين ثلاثة أشياء مختلفة.

[سورة نوح (71) : آية 26]
وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26)
أي أحدا وهو من دار يدور أي أحدا يدور، وقيل: ديّار صاحب دار.

[سورة نوح (71) : آية 27]
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (27)
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 189.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 189. [.....]

(5/29)


رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)

إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ شرط يُضِلُّوا عِبادَكَ مجازاة وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً عطف عليه.

[سورة نوح (71) : آية 28]
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً (28)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ بفتح الياء لأنها ياء النفس لا يجوز كسرها وهي نظيرة بِمُصْرِخِيَّ [إبراهيم: 22] وكذا قراءة من قرأ «ولوالدي» «1»
ومن قرأ «ولوالدي» جاز أن يسكن الياء وأن يفتحها. وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ عطف بإعادة الحرف وَالْمُؤْمِناتِ عطف بغير إعادة الحرف وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً قال الفراء «2»
: إلّا ضلالا، وأولى منه قول مجاهد: إلّا هلاكا، مشتق من التّبر وتبرت الشيء وتبرته كسرته.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 337.
(2) انظر معاني الفراء 1/ 190.

(5/30)