إعراب القرآن للنحاس قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا
سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ
فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً
وَلَا وَلَدًا (3)
72 شرح إعراب سورة الجنّ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الجن (72) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ
فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1)
قرأ جويّة بن عائذ الأسدي «قل أحي إليّ» «1»
قال أبو جعفر: هذا على لغة من قال: وحى يحي. قال العجاج:
[الرجز] 498- وحى لها القرار فاستقرّت «2»
والأصل: وحي إليّ فأبدل من الواو همزة مثل أُقِّتَتْ «أنه» في
موضع رفع اسم ما لم يسمّ فاعله. والنفر ثلاثة وأكثر. فَقالُوا
إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً كسرت «إن» لأنها بعد القول
فهي مبتدأة. ومعنى عجب عجيب في اللغة على ما ذكره محمد بن يزيد
أنه الشيء يقلّ ولا يكاد يوجد مثله.
[سورة الجن (72) : آية 2]
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ
بِرَبِّنا أَحَداً (2)
«لن» تدلّ على المستقبل، والأصل فيهما عند الخليل «3»
: لا أن، وزعم أبو عبيدة أنه قد يجزم بها.
[سورة الجن (72) : آية 3]
وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا
وَلَداً (3)
وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا هذه قراءة المدنيين «4»
في السورة كلّها إلّا في قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ وفي
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ [الآية: 18] وفي وأَنْ لَوِ
اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ [الآية: 16] . وقد زعم بعض أهل
اللغة قراءة المدنيين لا يجوز غيرها، وطعن على من قرأ بالفتح
لأنه توهم أنه معطوف على أَنَّهُ اسْتَمَعَ. قال أبو جعفر:
وذلك غلط لأنه
__________
(1) انظر البحر المحيط 8: 339، معاني الفراء 3/ 190.
(2) مرّ الشاهر رقم (398) .
(3) انظر الكتاب 3/ 3.
(4) انظر تيسير الداني 175، والبحر المحيط 8/ 341.
(5/31)
وَأَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا
ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى
اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ
يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ
اللَّهُ أَحَدًا (7)
قد قرأ بالفتح من تقوم الحجة بقراءته. روى
الأعمش عن إبراهيم بن علقمة أنه قرأ و «أن» في السورة كلها.
وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بالفتح في السورة
كلها إلى قوله: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي [الواقعة: 20]
فلمّا أشكل عليه هذا عدل إلى قراءة أهل المدينة لأنها بينة
واضحة. والقول في الفتح أنه معطوف على المعنى، والتقدير فآمنّا
به وآمنّا أنه تعالى جدّ ربنا فإنه في موضع نصب. وأحسن ما روي
في معنى «جدّ ربّنا» قول ابن عباس: إنه الغنى والعظمة والرفعة،
وأصل الجدّ في اللّغة الارتفاع. من ذلك الجدّ أبو الأب. ومنه
الجدّ الحظ وباللغة الفارسية البخت. ويقال:
إنّ الجنّ قصدوا إلى هذا وأنهم أرادوا الرفعة والحظ أي ارتفع
ربنا عن أن ينسب إلى الضعف الذي في خلقه من اتّخاذ المرأة وطلب
الولد والشهوة. يدلّ على هذا أن بعده مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً
وَلا وَلَداً وقد زعم بعض الفقهاء أنه يكره أن تقول: وتعالى
جدّك، واحتجّ بأن هذا إخبار عن الجنّ. وذلك غلط لأنه قد صحّ عن
النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك ولم يذمّ الله الجنّ على هذا
القول. وروي عن عكرمة: «وأنه تعالى جدّا ربّنا» .
[سورة الجن (72) : آية 4]
وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً (4)
السّفه رقة الحلم، وثوب سفيه أي رقيق، وفتح أن أيضا حملا على
المعنى أي صدّقنا وشهدنا. والشطط البعد، كما قال: [الكامل]
499- شطّت مزار العاشقين فأصبحت «1»
[سورة الجن (72) : آية 5]
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ
عَلَى اللَّهِ كَذِباً (5)
لاستعظامهم ذلك، والظنّ هاهنا الشك.
[سورة الجن (72) : آية 6]
وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ
مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (6)
اسم كان وخبرها يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ
رَهَقاً مفعول ثان.
[سورة الجن (72) : آية 7]
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ
اللَّهُ أَحَداً (7)
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ وإن فتحت أن حملته أيضا
على المعنى أي علمنا أنهم ظنوا كما ظننتم أَنْ لَنْ يَبْعَثَ
اللَّهُ أَحَداً «أن» وما بعدها في موضع المفعولين لظننتم إن
أعملته وإن أعملت الأول نويت بها التقدّم.
__________
(1) الشاهد لعنترة في ديوانه 109، ولسان العرب (زأر) و (زور) و
(شطط) ، وتاج العروس (زور) و (شطط) و (ركل) ، وبلا نسبة في
مقاييس اللغة 3/ 42. وعجزه:
عسرا عليّ طلابها ابنة مخرم»
(5/32)
وَأَنَّا لَمَسْنَا
السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا
وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ
لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا
رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي
الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا
طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ
اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ
يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ
أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
[سورة الجن (72) : آية 8]
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً
شَدِيداً وَشُهُباً (8)
إن عدّيت وجدنا إلى مفعولين فملئت في موضع المفعول الثاني وإن
عديتهما إلى واحد أضمرت «قد» . قال أبو جعفر: والأول أولى وشهب
في الكثير، وفي القليل أشهبة.
[سورة الجن (72) : آية 9]
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ
يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (9)
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ لم ينصرف
لأنه لا نظير له في الواحد وهو نهاية الجمع. فَمَنْ يَسْتَمِعِ
الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً شرط ومجازاة.
[سورة الجن (72) : آية 10]
وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ
أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10)
أحسن ما قيل فيه إن المعنى: لا ندري أشرّا أراد الله بمن في
الأرض حين منعنا الاستماع من السماء أم أراد بهم ربهم أن يرسل
إليهم رسولا فيرشدهم هذا مذهب ابن زيد، وكانت هذه من علامات
نبوته صلّى الله عليه وسلّم أنه شدّد على الشياطين في استماعهم
من السماء ورموا بالشهب.
[سورة الجن (72) : آية 11]
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا
طَرائِقَ قِدَداً (11)
لمّا سكنت النون من «من» استغنيت عن زيادة نون أخرى فإذا قلت:
منّي فالاسم الياء وزدت النون لئلا تكسر نون «من» كُنَّا
طَرائِقَ قِدَداً الواحدة طريقة ويقال: طريق وطريقة، وفلان على
طريقة فلان: وفلان طريقة القوم أي رئيسهم والقوم طريقة أيضا،
وإن شئت جمعت.
[سورة الجن (72) : آية 12]
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ
وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ
الظن هاهنا يقين. وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً مصدر في موضع
الحال.
[سورة الجن (72) : آية 13]
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ
يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (13)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ على تذكير
الهدى، وهي اللغة الفصيحة. وقد تؤنث فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ
فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش
فَلا يَخافُ «1»
على النهي.
[سورة الجن (72) : آية 14]
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ
أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (14)
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ قسط إذا
جار، هذا الأصل ثم يزاد عليه الألف فيقال: أقسط إذا أزال
القسوط أي عدل.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 344.
(5/33)
وَأَلَّوِ
اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً
غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ
ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
[سورة الجن (72) : آية 16]
وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ
ماءً غَدَقاً (16)
وقراءة يحيى بن وثاب والأعمش وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا بضم
الواو لالتقاء الساكنين ولأن الضمة تشبه الواو إلا أن سيبويه
«1»
لا يجيز إلا الكسر في الواو الأصلية فرقا بينها وبين الزائد
لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً حكى أبو عبيدة «2» سقيته
وأسقيته لغة، وأما الأصمعي فقال: سقيته لفيه وأسقيته جعلت له
شربا. قال أبو جعفر: وعلى ما قال الأصمعي اللغة الفصيحة، منها
لأسقيناهم أي أدمنا لهم ذلك، غير أن أبا عبيدة أنشد للبيد وهو
غير مدافع عن الفصاحة: [الوافر] 500-
سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال «3»
فسئل الأصمعي عن هذا البيت فقال: هو عندي معمول ولا يكون مطبوع
يأتي للغتين في بيت واحد.
[سورة الجن (72) : آية 17]
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ
يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (17)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ حكى أبو زيد وأبو عبيدة: فتنته وأفتنته.
قال أبو زيد: لغة بني تميم أفتنته. قال الأصمعي: فتنه يفتنه
فهو فاتن وفتان قال الله جلّ وعزّ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ
بِفاتِنِينَ [الصافات: 162] قال: ولا يقال: أفتنه وأنكر هذه
اللغة ولم يعرفها، فأنشدهم: [الطويل] 501-
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأمسى قد قلا كلّ مسلم
«4»
قال أبو جعفر: وهذا شعر قديم، غير أن الأصمعي قال: لا بأس هذا
قد سمعناه من مخنّث فلا يلتفت إليه، وإن كان قد قيل قديما. قال
أبو جعفر: قد حكى الجلّة من أهل اللغة ممن يرجع إلى قوله في
الصدق فتنه وأفتنه غير أن سيبويه فرّق بينهما فذهب إلى أن
المعتدي أفتن، وأن معنى فتنه جعل فيه فتنة، كما تقول: كحلّه.
وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً
صَعَداً وقرأ مسلم بن جندب نَسْلُكُهُ «5» بضم النون. قال أبو
جعفر: سلكه وأسلكه لغتان عند كثير من أهل اللغة، وقال الأصمعي:
سلكه بغير
__________
(1) انظر الكتاب 4/ 268.
(2) انظر مجاز القرآن 1/ 349.
(3) مرّ الشاهد رقم/ 239) .
(4) الشاهد لأعشى همدان في لسان العرب (فتن) والمخصّص 4/ 62،
وتاج العروس (فتن) ، ولابن قيس الرقيات في الخصائص 3/ 315،
وليس في ديوانه، وبلا نسبة في لسان العرب (فتن) ، وتهذيب اللغة
14/ 289، وجمهرة اللغة 406، ومقاييس اللغة 4/ 473، وديوان
الأدب 2/ 334، وكتاب العين 8/ 128.
(5) انظر تيسير الداني 175 (قرأ الكوفيون بالياء والباقون
بالنون) .
(5/34)
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ
لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ
لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ
عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
ألف. قال الله جلّ وعزّ ما سَلَكَكُمْ فِي
سَقَرَ [المدثر: 42] وكما قال الشاعر:
[البسيط] 502-
أمّا سلكت سبيلا كنت سالكها ... فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر
«1»
وسلك وسلكته مثل رجع ورجعته وأسلكته لغة معروفة أنشد أبو عبيدة
وغيره لعبد مناف بن ربع: [البسيط] 503-
حتّى إذا أسلكوهم في قتائدة ... شلّا كما تطرد الجمّالة
الشّردا «2»
ولم يطعن الأصمعي في هذا البيت غير أنه قال: أسلكه حمله على أن
يسلك، وزعم أبو عبيدة أن الجواب محذوف وخولف في هذا، وقيل:
الجواب شلّوا وشلّا يقوم مقامه.
[سورة الجن (72) : آية 18]
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ
أَحَداً (18)
وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ «أنّ» في موضع نصب بمعنى ولأن
وعلى قول بعضهم في موضع رفع عطفا على قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ. فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً نهي لجماعة وحذفت
منه النون للجزم.
[سورة الجن (72) : آية 19]
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا
يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس «لبدا» أعوانا، وقال مجاهد:
وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا
يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) لبدا جماعات ومالا لبدا
كثيرا. قال أبو جعفر: وهذا قول بيّن وإن كان هذا قد قرئ
لِبَداً «3» فهو بعيد، والمعنى على الجماعة الأعلى الكثرة كما
قال مجاهد: من تلبد الشيء على الشيء إذا تجمّع عليه ولصق به
وعليه لبدة أي شعر وما أشبهه كما قال: [الطويل] 504-
لدى أسد شاكي السّلاح مقاذف ... له لبد أظفاره لم تقلّم «4»
__________
(1) الشاهد لأعشى باهلة في الأصمعيات 93، والخزانة 1/ 97.
[.....]
(2) الشاهد لعبد مناف بن ربع الهذليّ في الأزهيّة 203،
والإنصاف 2/ 461، وجمهرة اللغة 854، وخزانة الأدب 7/ 39،
والدرر 3/ 104، وشرح أشعار الهذليين 2/ 675، وشرح شواهد
الإيضاح ص 431، ولسان العرب (شرد) و (قتد) ، و (سلك) ، و (إذا)
، ومراتب النحويين ص 85، ولابن أحمر في ملحق ديوانه 179، ولسان
العرب (حمر) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب 434، والأشباه والنظائر
5/ 25، وجمهرة اللغة 390، والصاحبي في فقه اللغة 139، وهمع
الهوامع 1/ 207.
(3) انظر تيسير الداني 175، والبحر المحيط 8/ 346.
(4) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه 24، ولسان العرب (قذف)
و (مكن) ، وتهذيب اللغة 9/ 76، وجمهرة اللغة 974، وتاج العروس
(قذف) .
(5/35)
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو
رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا
أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ
يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ
مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ
جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا
رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ
نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ
مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)
[سورة الجن (72) : آية 20]
قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20)
ويقرأ قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي «1» والقراءة يقال متّسقة
ويقال منقطعة، والمعنيان صحيحان أي قل لهم فقال: إنما أدعو ربي
وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً نسق ويجوز أن يكون مستأنفا.
[سورة الجن (72) : آية 21]
قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (21)
أي لا أملك أن أضرّكم في دينكم ولا دنياكم إلا أن أرشدكم كرها
أي إلّا أن أبلغكم، وفيه قول آخر يكون نصبا على إضمار فعل،
ويكون مصدرا أي: قل إني لن يجيرني من الله أحد إلا أن أبلغ
رسالته فيكون «أن» منفصلة من لا. والمعنى: إلّا بلاغا ما أتاني
من الله ورسالاته. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ
لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً شرط ومجازاة، وهو
في كلام العرب عام لكل من عصى الله جلّ وعزّ إلّا من استثني
بآية من القرآن أو توقيف من الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو
بإجماع من المسلمين، والذي جاء مستثنى منه من تاب وآمن ومن عمل
صغيرة واجتنب الكبائر وسائر ذلك داخلون في الآية إلّا ما صحّ
عن النبي من خروج الموحّدين من النار.
[سورة الجن (72) : آية 22]
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ
أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22)
لَنْ تجعل الفعل مستقبلا لا غير وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ
مُلْتَحَداً أي ملجأ ألجأ إليه وأميل. واللحد في القبر من هذا
لأنه مائل ناحية منه، ويمال الميت إليه.
[سورة الجن (72) : آية 23]
إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ
فِيها أَبَداً (23)
إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ نصب على الاستثناء، والمعنى فيه
إذا كان استثناء.
[سورة الجن (72) : آية 24]
حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ
أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24)
إذا ظرف ولا تعرب لشبهها بالحروف بتنقّلها وأن فيها معنى
المجازاة، وجوابها فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً «من»
في موضع رفع لأنها استفهام، ولا يعمل في الاستفهام ما قبله هذا
الوجه وإن جعلتها بمعنى الذي كانت في موضع نصب وأضمرت مبتدأ
وكان أَضْعَفُ خبره وَأَقَلُّ عطف عليه عَدَداً نصب على
البيان.
[سورة الجن (72) : آية 25]
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ
رَبِّي أَمَداً (25)
أَدْرِي في موضع رفع حذفت الضمة منه، ومن نصبه فقد لحن لحنا لا
يجوز أَمْ يَجْعَلُ لَهُ عطف عليه.
__________
(1) انظر تيسير الداني 175.
(5/36)
عَالِمُ الْغَيْبِ
فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ
ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ
أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ
وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
[سورة الجن (72) : آية 26]
عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26)
عالِمُ الْغَيْبِ نعت فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً.
[سورة الجن (72) : آية 27]
إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)
إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ في موضع نصب على الاستثناء
من أحد لأن أحدا بمعنى جماعة فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً بمعنى جماعة أي ذوي رصد من
الملائكة يحفظونه ويحفظون ما ينزل من الوحي لا يغيّر ولا
يسترق.
[سورة الجن (72) : آية 28]
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ
بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (28)
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ قد ذكرناه
وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ عطف جملة لأن الذي قبله مستقبل وهو
ماض وكذا وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً.
(5/37)
يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
73 شرح إعراب سورة المزّمّل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المزمل (73) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
الأصل المتزمّل أدغمت التاء في الزاي، وفي معناه ثلاثة أقوال.
فمذهب الزهري أنه تزمّل من فزع أصابه أول ما رأى الملك، ومذهب
قتادة أنه تزمّل متأهّبا للصلاة، تأوّلا على قتادة وليس بنصّ
قوله، ومذهب عكرمة أن المعنى: يا أيها المتزمّل النبوة
والرسالة مجازا وتأوّلا على عكرمة، ونصّ قوله: قد زمّلت هذا
الأمر فقم به. قال أبو جعفر: والبيّن قول الزهري. قال إبراهيم
النخعيّ: كان متزمّلا في قطيفة.
[سورة المزمل (73) : الآيات 2 الى 3]
قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ
مِنْهُ قَلِيلاً (3)
كسرت الميم لالتقاء الساكنين ولم تردد الواو لأن الحركة ليست
بلازمة. في معنى قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ثلاثة أقوال:
إنّ هذا ليس بفرض. يدلّ على ذلك أن بعده نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ
مِنْهُ قَلِيلًا وليس كذلك تكون الفروض، والقول الثاني إنه
منسوخ، نسخه آخر السورة وهذا قول ابن عباس، والقول الثالث إنه
كان فرضا فالمخاطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يقل عزّ
وجلّ قوموا، «نصفه» منصوب على إضمار فعل أي قسم نصفه، أَوِ
انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ضمّت الواو لالتقاء الساكنين وإن شئت
كسرت على الأصل.
[سورة المزمل (73) : آية 4]
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ تخيير وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا
حقيقته في كلام العرب تلبّث في قراءته وافصل الحرف من الحرف
الذي بعده، ولا تستعجل فيدخل بعض الحروف في بعض.
مشتقّ من الرتل. قال الأصمعي: وفي الأسنان الرتل وهو أن يكون
بين الأسنان الفرج، لا يركب بعضها بعضا، يقال ثغر رتل. قال أبو
جعفر: وهذا قول صحيح بيّن، وقيل: هو من الرّتل الذي هو الضعف
واللين. فالمعنى: ليّن القراءة ولا تستعجل بالانكماش.
(5/38)
إِنَّا سَنُلْقِي
عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ
أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي
النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ
وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا
(9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا
جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ
وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
[سورة المزمل (73) : آية 5]
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)
في معناه قولان: قال عروة: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا
أوحي إليه وهو على ناقته ثقل عليها حتى تضع جرانها، وقيل: لما
فيه من الفرائض والمنع من الشهوات كما قال قتادة: ثقله في
الميزان كثقله على الإنسان في الدنيا.
[سورة المزمل (73) : آية 6]
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ
قِيلاً (6)
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ من نشأ إذا ابتدأ هِيَ أَشَدُّ
وَطْئاً «1» كذا يقرأ أكثر القراء، وهذا نصب على البيان. ووطأ
مصدر واطأ مواطأة ووطاء وَأَقْوَمُ قِيلًا بيان أيضا.
[سورة المزمل (73) : آية 7]
إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7)
وعن يحيى بن يعمر أنه قرأ «سبخا» «2» بخاء معجمة أي راحة
ونوما. وفي الحديث «لا تسبّخي عنه» أي لا تخفّفي.
[سورة المزمل (73) : آية 8]
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)
تبتيل مصدر بتّل لأن المعنى واحد، وقد تبتّل تبتّلا.
[سورة المزمل (73) : آية 9]
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ
فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ بالرفع والكوفيون يقرءون «رب
المشرق والمغرب» «3» بالخفض. والرفع حسن لأنه أول الآية بمعنى
هو ربّ المشرق ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره لا إِلهَ
إِلَّا هُوَ ولو كان خبره فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا لكان النصب
أولى به.
[سورة المزمل (73) : آية 10]
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً
(10)
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي مما يؤذيك. وَاهْجُرْهُمْ
هَجْراً جَمِيلًا وهو الهجر في ذات الله جلّ وعزّ، كما قال:
وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ
عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام: 68]
.
[سورة المزمل (73) : آية 11]
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ
قَلِيلاً (11)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ. عطف على النون والياء، ويجوز أن
يكون مفعولا معه أُولِي النَّعْمَةِ كتبت بزيادة واو بعد الألف
فرقا بين أولي وإلى وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا نعت لمصدر أو ظرف.
__________
(1) انظر تيسير الداني 175.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 355 (وهذه قراءة عكرمة وابن أبي عبلة
أيضا) .
(3) انظر تيسير الداني 175، والبحر المحيط 8/ 355.
(5/39)
وَطَعَامًا ذَا
غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ
وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
[سورة المزمل (73) : آية 13]
وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (13)
إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا اسم «إنّ» الواحد نكل وَجَحِيماً
وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (13) نسق كلّه،
والمعنى عندنا هذا.
[سورة المزمل (73) : آية 14]
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ
كَثِيباً مَهِيلاً (14)
قال الفراء «1» : هلت التراب إذا حرّكت أسفله فسقط أعلاه، وقال
أبو عبيد: يقال لكلّ شيء أرسلته، إرسالا من رمل أو تراب أو
طعام أو نحوه: قد هلته أهيله هيلا إذا أرسلته فهو مهيل. قال
أبو جعفر: الأصل مهيول فاعلّ فألقيت حركة الياء على الهاء
فالتقى ساكنان، واختلف النحويون بعد هذا فقال الخليل وسيبويه
«2» : حذفت الواو لالتقاء الساكنين لأنها زائدة وكسرت الهاء
لمجاورتها الياء فقيل: مهيل، وزعم الكسائي والفراء والأخفش أن
هذا خطأ والحجة لهم أن الواو جاءت لمعنى فلا تحذف ولكن حذفت
الياء فكان يلزمهم على هذا أن يقولوا: مهول فاحتجّوا بأن الهاء
كسرت لمجاورتها الياء فلمّا حذفت الياء انقلبت الواو ياء
لمجاورتها الكسرة. قال أبو جعفر:
وهذا باب التصريف وغامض النحو، وقد أجمعوا جميعا على أنه يجوز
مهيول ومبيوع ومكيول ومغيوم.
قال أبو زيد: هي لغة لتميم، وقال علقمة بن عبدة: [البسيط] 505-
يوم رذاذ عليه الدّجن مغيوم «3» فهذا جائز في ذوات الياء، ولا
يجيزه البصريون في ذوات الواو، ولا يجوز عندهم خاتم مصووغ ولا
كلام مقوول، لثقل هذا لأنه قد اجتمعت واوان وضمة، وهم يستثقلون
الواحدة ويفرّون منها. قال جلّ وعزّ: وَإِذَا الرُّسُلُ
أُقِّتَتْ [المرسلات: 11] كذا في المصحف المجتمع عليه. قال
الشاعر: [الرجز] 506- لكلّ دهر قد لبست أثؤبا «4»
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 198.
(2) انظر الكتاب 4/ 491.
(3) الشاهد لعلقمة بن عبدة في ديوانه 59، وجمهرة اللغة 963،
وخزانة الأدب 11/ 295، والخصائص 1/ 261، وشرح المفصّل 10/ 78،
والمقتضب 1/ 101، والممتع في التصريف 2/ 460، والمنصف 1/ 286،
وبلا نسبة في شرح الأشموني 3/ 866.
(4) الرجز لمعروف بن عبد الرّحمن في شرح أبيات سيبويه 2/ 390،
ولسان العرب (ثوب) ، وله أو لحميد بن ثور في شرح التصريح 2/
301 والمقاصد النحوية 4/ 522، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب
2/ 804، والكتاب 4/ 65، وشرح الأشموني 3/ 672، ولسان العرب
(ملح) ، ومجالس ثعلب 439، والمقتضب 1/ 29، والممتع في التصريف
1/ 336، والمنصف 1/ 284.
(5/40)
إِنَّا أَرْسَلْنَا
إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا
إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ
فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ
كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
فأبدل من الواو همزة، وأجاز النحويون رمل
مهول وثوب مبوع ينوه على بوع الثوب فأبدل من الياء واو لضمة ما
قبلها، وأنشد الفراء: [الطويل] 507-
ألم تر أنّ الملك قد شون وجهه ... ونبع بلاد الله قد صار عوسجا
«1»
يريد «شين» ، وأنشد الكسائي والفراء: [الطويل] 508-
ويأوي إلى زغب مساكين دونهم ... فلا لا تخطّاه الرّكاب مهوب
«2»
واللغة العالية التي جاء بها القرآن. قال عائذ بن محصن بن
ثعلبة:
[الوافر] 509-
فأبقى باطلي والحدّ منها ... كدكّان الدّرابنة المطين «3»
[سورة المزمل (73) : آية 15]
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ
كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15)
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا النون والألف الثانية
في موضع رفع والأولى في موضع نصب واتّفق المكنيان لأنهما غير
معربين شاهِداً عَلَيْكُمْ نعت لرسول. كَما أَرْسَلْنا إِلى
فِرْعَوْنَ رَسُولًا الكاف في موضع نصب.
[سورة المزمل (73) : الآيات 16 الى 17]
فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً
(16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ
الْوِلْدانَ شِيباً (17)
فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ رسول الأول نكرة لأنه لم يتقدّم
ذكره والثاني معرفة لأنه قد تقدّم ذكره ولهذا يكتب في أول
الكتب «سلام عليك» وفي آخرها «والسّلام» ، ولهذا اختار بعض
العلماء في التسليمة الأولى من الصلاة: سلام عليكم، وفي
الثانية: السّلام عليكم وذلك المختار في كلام العرب
فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا نعت لأخذ. روى ابن أبي طلحة عن
ابن عباس «وبيلا» أي شديدا. قال أبو جعفر: يقال كلأ مستوبل أي
لا يستمرأ. قال الفراء «4» : وفي قراءة ابن مسعود: فَكَيْفَ
تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ
شِيباً قال أبو جعفر: وهذه القراءة على التفسير، وفي يجعل ضمير
يعود على اليوم،
__________
(1) البيت غير موجود في معاني الفراء، ولم أجده في المصادر
التي بين يديّ.
(2) الشاهد لحميد بن ثور في ديوانه ص 54، ولسان العرب (هيب) و
(فلا) ، والتنبيه والإيضاح 1/ 153، وبلا نسبة في تاج العروس
(هيب) و (فلا) .
(3) الشاهد للمثقّب العبدي في ديوانه 200، ولسان العرب (دكك) ،
و (دربن) و (طين) ، وجمهرة اللغة 1324، وتاج العروس (دكك) و
(دربن) ، و (طين) ، وشرح اختيارات المفضّل ص 1264، ومقاييس
اللغة 2/ 258، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 14/ 247، ومجمل اللغة
2/ 282، والمخصص 14/ 42، وجمهرة اللغة 680. [.....]
(4) انظر معاني الفراء 3/ 198.
(5/41)
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ
بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ
فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) إِنَّ
رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ
اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ
مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ
أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ
مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ
مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا
حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
ويجوز أن يكون الضمير يعود على اسم الله
ويكون في الكلام حذف أي يجعل الولدان فيه شيبا.
[سورة المزمل (73) : آية 18]
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18)
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ولم يقل: منفطرة والسماء مؤنثة في
هذا ثلاثة أقوال: قال الخليل رحمه الله: وهو كما تقول معضّل
يريد على النسب، وقيل: حمل التذكير على معنى السقف، والقول
الثالث قول الفراء «1» إن السماء تؤنث وتذكّر فجاء هذا على
التذكير، وأنشد: [الوافر] 510-
فلو رفع السّماء إليه قوما ... لحقنا بالنّجوم مع السحاب «2»
كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا أي ليس لوعده خلف، وقد وعد بكون هذه
الأشياء في القيامة.
[سورة المزمل (73) : آية 19]
إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ
سَبِيلاً (19)
إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ أي هذه الأشياء التي تكون في القيامة
عظة وقال قتادة: يعني القرآن. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى
رَبِّهِ سَبِيلًا قال: أي بطاعتهم.
[سورة المزمل (73) : آية 20]
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ
اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ
مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ
لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ
مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى
وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ
اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما
تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ
اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ عطف على ثلثي
الليل، وهي قراءة الحسن وأبي عمرو وأبي جعفر وشيبة ونافع، وقرأ
عاصم والأعمش وحمزة والكسائي نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ «3» عطفا على
أدنى، وقرأ ابن كثير وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ حذف الضمة لثقلها
واختار أبو عبيد الخفض واحتجّ أن بعده عَلِمَ أَنْ لَنْ
تُحْصُوهُ قال: فكيف يقومون نصفه؟ قال أبو جعفر:
القراءتان قد قرأ بهما الجماعة، وتقدير الخفض ويا قوم أدنى من
نصفه وأدنى من ثلثه.
وتقدير النصب أدنى من ثلثي الليل وذلك أكثر من النصف مرة وتقوم
نصفه مرة وتقوم ثلثه مرة والاحتجاج بعلم أن لن تحصوه لا معنى
له لأنه لم يخبر أنّهم قالوا: قمنا نصفه
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 199.
(2) مرّ الشاهد رقم 466.
(3) انظر تيسير الداني 175، والبحر المحيط 8/ 358.
(5/42)
وإنما أخبر بحقيقة ما يعلمه، وقد عكس
الفراء «1» قوله فاختار النصب لأن المعنى عنده عليه أولى لأنه
يستبعد وأقلّ من نصفه: لأنه إنما يبين القليل عنده لا أقلّ
القليل، ولو كان كما قال لكان نصفه بغير واو حتى يكون تبيينا
لأدنى، والسلامة من هذا عند أهل الدين إذا صحّت القراءتان عن
الجماعة أن لا يقال إحداهما أجود من الأخرى لأنهما جميعا عن
النبي صلّى الله عليه وسلّم فيأثم من قال ذلك. وكان رؤساء
الصحابة رحمهم الله ينكرون مثل هذا وقد أجاز الفراء «2» .
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ
اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ نصب «ثلثه» عطفا على «أدنى»
وخفض نِصْفَهُ عطفا على ثُلُثَيِ اللَّيْلِ واحتجّ بالحديث:
انتهت صلاة النبي إلى ثلث الليل «3» وهذا أيضا مما يكره أن
تعارض به قراءة الجماعة بما لم يقرأ به وبحديث إن صح لم تكن
فيه حجّة وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ احتجّ بعض العلماء
بهذا واستدل على أن صلاة الليل ليست بفرض. قال: ولو كانت فرضا
لقاموا كلّهم. وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي
يقدّر ساعاتهما وأوقاتهما عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ قال
الحسن وسعيد بن جبير: أن لن تطيقوه، وقال الفراء: أن لن تحفظوه
فَتابَ عَلَيْكُمْ رجع لكم إلى ما هو أسهل عليكم. والتوبة في
اللغة الرجوع فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ
أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى والتقدير عند سيبويه أنّثه
وذكّر سيكون لأنه تأنيث غير حقيقي وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي
الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عطف على «مرضى»
وكذا وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا
ما تَيَسَّرَ مِنْهُ فلهذا استحبّ جماعة من العلماء من العلماء
قيام الليل، ولو كان أدنى شيء والحديث فيه عن النبي صلّى الله
عليه وسلّم مؤكد. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ
وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً قال ابن زيد: النوافل
سوى الزكاة. وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً أي
مما أنفقتم ونصبت «خيرا» لأنه خبر «تجدوه» وهُوَ زائدة للفصل
وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ أي من ذنوبكم وتقصيركم إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ أي على سائر عقوبة من تاب رَحِيمٌ به لا يعذّبه بعد
التّوبة.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 199.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 199.
(3) انظر تفسير الطبري 19/ 33.
(5/43)
يَا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
74 شرح إعراب سورة المدّثّر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المدثر (74) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
الأصل المتدثر أدغمت التاء في الدال لأنها من موضع واحد. قال
إبراهيم النخعي: كان متدثّرا بقطيفة. وقال عكرمة: أي دثّرت هذا
الأمر فقم به.
[سورة المدثر (74) : آية 2]
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
قال قتادة: أي أنذر عذاب الله وقائعه بالأمم. قال أبو جعفر:
فالتقدير على قول قتادة فأنذرهم بهذه الأشياء ثم حذف هذا
للدلالة.
[سورة المدثر (74) : آية 3]
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
أي عظّمه بعبادته وحده، وهو نصب بكبّر.
[سورة المدثر (74) : الآيات 4 الى 5]
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) نصب بطهّر وَالرُّجْزَ نصب ب فاهجر
ولو كانت في الأفعال الهاء لكان النصب أولى أيضا لأن الأمر
بالفعل أولى.
[سورة المدثر (74) : آية 6]
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَلا تَمْنُنْ جزم بالنهي، وأظهرت التضعيف لسكون الثاني ولو
كان في الكلام لجاز لا تمنّ بفتح النون وكسرها وضمها، وروى
حصيف عن مجاهد قال: لا تَمْنُنْ لا تضعف، قال أبو جعفر: ويكون
مأخوذا من المنين وهو الضعيف، ويكون التقدير ولا تضعف أن
تستكثر من الخير فحذفت «أن» ورفع الفعل، وقال ابن زيد: ولا
تمنن على الناس بتأدية الرسالة لتستكثر منهم. قال أبو جعفر:
وأولى ما قيل في المعنى والله جلّ وعزّ أعلم- ولا تَمْنُنْ
بطاعتك وتأديتك الرسالة تَسْتَكْثِرُ ذلك، وهذا معنى
(5/44)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ
(7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ
يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا
مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ
تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا
إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ
صَعُودًا (17)
قول الحسن «1» . قال أبو جعفر: فقلنا: هذا
أولى لأنه أشبه بسياق الكلام لأن في الكلام تحذيرا وأمرا
بالصبر والجدّ في الطاعة.
[سورة المدثر (74) : آية 7]
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
أي على طاعته.
[سورة المدثر (74) : آية 8]
فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
اسم ما لم يسمّ فاعله على قول سيبويه: في الناقور، وعلى قول
أبي العباس مضمر دل عليه الفعل.
[سورة المدثر (74) : الآيات 9 الى 10]
فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ
غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
فَذلِكَ مبتدأ يَوْمَئِذٍ يكون بدلا منه وفتح لأنه مبني كما
قرئ مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ [المعارج: 11] ، ويجوز أن يكون
منصوبا بمعنى أعني، يَوْمٌ خبر الابتداء عَسِيرٌ من نعته وكذا
غَيْرُ يَسِيرٍ.
[سورة المدثر (74) : آية 11]
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11)
مَنْ في موضع نصب على أنها مفعول معه أو عطف على النون والياء
وَحِيداً نصب على الحال.
[سورة المدثر (74) : آية 12]
وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (12)
لَهُ في موضع المفعول الثاني.
[سورة المدثر (74) : آية 13]
وَبَنِينَ شُهُوداً (13)
لما تحرّكت حذفت ألف الوصل، وعلى هذا قالوا: في النسب بنويّ
وأجاز سيبويه «2» : «ابنيّ» ، ومنعه بعض الكوفيين.
[سورة المدثر (74) : آية 14]
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14)
مصدر مؤكّد.
[سورة المدثر (74) : الآيات 15 الى 16]
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ
لِآياتِنا عَنِيداً (16)
كَلَّا ردّ لطعمه وردع له إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً
بمعنى معاند.
[سورة المدثر (74) : آية 17]
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 364.
(2) انظر الكتاب 3/ 395.
(5/45)
إِنَّهُ فَكَّرَ
وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ
كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ
(22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا
إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ
الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا
سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)
روى عطية عن أبي سعيد عن النبي صلّى الله
عليه وسلّم قال: «يكلّف صعود عقبة إذا جعل يده عليها ذابت وإذا
جعل رجله عليها ذابت» «1» .
[سورة المدثر (74) : الآيات 18 الى 19]
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) أي فكّر في ردّ آيات الله جلّ
وعزّ، وقد رجع مرة بعد مرة ينظر هل يقدر أن يردّها وهو الوليد
بن المغيرة بلا اختلاف. قال قتادة: زعموا أنه فكر فيما جاء به
النبي فقال: والله ما هو بشعر، وإن له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة
وما هو عندي إلا سحر. فأنزل الله تعالى: فَقُتِلَ كَيْفَ
قَدَّرَ (19) قال أبو جعفر: قول الفراء قتل بمعنى لعن. قال أبو
جعفر: هذا يجب على كلام العرب أن يكون قتل بمعنى أهلك لأن
المقتول مهلك.
[سورة المدثر (74) : الآيات 21 الى 22]
ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
أي قبض بين عينيه وقطّب لمّا عسر عليه الردّ على النبي صلّى
الله عليه وسلّم.
[سورة المدثر (74) : آية 23]
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)
ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق وَاسْتَكْبَرَ فأخبر الله بجهله أنه
تكبّر أن يصدّق بآيات الله ورسوله بعد أن يتهيأ له ردّ ما جاء
به، ولم يتكبّر أن يسجد لحجارة لا تنفع ولا تضر.
[سورة المدثر (74) : الآيات 24 الى 25]
فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلاَّ
قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) لما لم يجد حجّة
كفر ثم قال إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) فزاد في
جهله ما لم يخف لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قد تحدّاهم
وهم عرب مثله على أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك، ولو
كان قول البشر لساغ لهم ما ساغ له.
[سورة المدثر (74) : آية 26]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
قيل: لم ينصرف لأنها اسم لمؤنث، وقيل: إنها اسم أعجمي والأول
الصّواب لأن الأعجمي إذا كان على ثلاثة أحرف انصرف وإن كان
متحرّك الأوسط، وأيضا فإنه اسم عربيّ مشتقّ يقال: سقرته الشمس
إذا أحرقته، والسّاقور حديدة تحمى ويكوى بها الحمار.
[سورة المدثر (74) : آية 27]
وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27)
الجملة في موضع نصب بإدراك إلّا أن الاستفهام لا يعلم فيه ما
قبله.
[سورة المدثر (74) : آية 28]
لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28)
يقال: لم حذفت الواو من «تذر» ؟ وإنما تحذف في «يذر» ؟ فإن
قيل: أصله يفعل
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 366.
(5/46)
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ
(29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا
أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا
عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ
اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ
يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ
رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ
(31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)
قيل: فتح وليس فيه حرف من حروف الحلق؟
فالجواب قاله ابن كيسان: لمّا كان يذر بمعنى يدع في أنه لا
ينطق منه بماضي ومعناهما واحد اتبعوه إياه.
[سورة المدثر (74) : آية 29]
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
على إضمار مبتدأ أي هي لوّاحة للبشر أي للخلق، ويجوز أن يكون
جمع بشرة.
[سورة المدثر (74) : آية 30]
عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
في موضع رفع بالابتداء إلا أنه فتح لأن واو العطف حذفت منه
فحرّك بحركتها، وقيل: ثقل فأعطي أخفّ الحركات لأنهما اسمان في
الأصل واختلف النحويون في النسب إليهما فمذهب سيبويه «1»
وجماعة من النحويين أنك إذا نسبت إليهما حذفت الثاني ونسبت إلى
الأول فقلت: تسعيّ، وأحدي إلى أحد عشر وبعلي في النسب إلى
بعلبكّ، والقول الآخر أن النسب إليهما جميعا لا غير وأنه يقال
تسعة عشريّ وبعلبكيّ وردّ أبو العباس أحمد بن يحيى القول الأول
وقال: هما اسمان يؤدّيان عن معنى فإذا أسقطت الثاني ذهب معناه
ولم يجز إلا النسب إليهما جميعا، واحتجّ بما أجمع عليه
النحويون من قولهم: هذا حبّ رمانيّ وجحر ضبيّ فأضاف إلى الثاني
ولم يحذف، وكذا هذا أبو عمريّ. قال أحمد بن يحيى: فهذا في
النسب أوكد. يعني هذا تسعة عشريّ ومعدي كربيّ وبعلبكيّ. وأجاز
الفراء «2» : جاءني أحد عشر بإسكان العين، وكذا ثلاثة عشر إلى
تسعة عشر، ولا يجيز هذا في اثني عشر لئلا يجمع بين ساكنين، ولا
يجيزه في المؤنّث لئلا يجمع بين ساكنين. قال أبو جعفر: والذي
قاله لا يبعد قد روي عن أبي جعفر أنه قرأ عَلَيْها تِسْعَةَ
عَشَرَ «3» .
[سورة المدثر (74) : الآيات 31 الى 32]
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما
جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا
لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا
مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ
يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ
إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (31) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (32)
أَصْحابَ جمع صاحب على حذف الزائد لأن أفعالا ليس بجمع فاعل
بغير حذف، وأفعال جمع ثمانية أمثلة ليس منها فاعل ولا فعل وَما
جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي
شدّة وتعبدا ليكفروا فيعلموا أن الله قادر على تقوية هؤلاء
الملائكة وتأييدهم لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
لام كي وأصلها أنها لام الخفض لأن المعنى: لاستيقان الذين
__________
(1) انظر الكتاب 3/ 412.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 203.
(3) انظر المحتسب 2/ 338، والبحر المحيط 8/ 368.
(5/47)
وَاللَّيْلِ إِذْ
أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا
لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)
أوتوا الكتاب وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا
إِيماناً عطف على الأول، وكذا وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ثم أعيدت اللّام، ولو لم يؤت بها
لجاز في وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا «ما» في
موضع نصب بأراد، وهي وذا بمنزلة شيء واحد فإن جعلت «ذا» بمعنى
الذي فما في موضع رفع بالابتداء وذا خبره وما بعده صلة له
كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ
الكاف في موضع نصب نعت لمصدر. وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ رفع بيعلم، ولا يجوز النصب على الاستثناء، وكذا
وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ قال مجاهد: أي وما النار
إلا ذكرى للبشر، وذكر محمد بن جرير أن التمام كَلَّا على أن
المعنى ليس القول على ما قال المشرك لأصحابه المشركين أنا
أكفيكم أمر خزنة النار وَالْقَمَرِ قسم أي وربّ القمر.
[سورة المدثر (74) : الآيات 33 الى 34]
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ
(34)
«1» قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعمر بن عبد العزيز
وأبي جعفر وشيبة وابن كثير وأبي عمرو وعاصم، وقرأ الحسن وابن
محيصن وحمزة ونافع وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ. قال أبو جعفر:
الصحيح أن دبر وأدبر بمعنى واحد. على هذا كلام أهل التفسير
وأكثر أهل اللغة. و «إذا» للمستقبل و «إذ» للماضي. وأما قول
أبي عبيد أنه يختار «إذا دبر» لأن بعده وَالصُّبْحِ إِذا
أَسْفَرَ لأن الله تعالى يقسم بما شاء ولا يتحكّم في ذلك بأن
يكونا جميعا مستقبلين أو ماضيين.
[سورة المدثر (74) : آية 35]
إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
أن إن النار لإحدى الأمور العظام قال أبو رزين: «إنها» أي إن
جهنّم والْكُبَرِ بالألف واللام لا يجوز حذفهما عند أحد من
النحويين، ولم يجيء في كلام العرب شيء من هذا بغير الألف
واللام إلّا أخر، ولذلك منعت من الصرف.
[سورة المدثر (74) : آية 36]
نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36)
قال الحسن: ليس نذير أدهى من النار أو معنى هذا. قال أبو رزين:
يقول الله تعالى أنا نذير للبشر، وقال ابن زيد: محمد صلّى الله
عليه وسلّم نذير للبشر. قال أبو جعفر: فهذه أقوال أهل التأويل
وقد يستخرج الأقراب منها. وفي نصب نذير سبعة أقوال: يكون حالا
من المضمر في «أنا» ، ويجوز أن يكون حالا من إحدى الكبر. وهذان
القولان مستخرجان من قول الحسن لأنه جعل النار هي المنذرة،
ويجوز أن يكون التقدير: وما يعلم جنود ربّك إلا هو نذيرا
للبشر، ويجوز أن يكون التقدير: صيّرها الله جلّ وعزّ
__________
(1) انظر تيسير الداني 176، وكتاب السبعة لابن مجاهد 659،
والبحر المحيط 8/ 369. [.....]
(5/48)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ
أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي
جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا
تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
كذلك نذيرا للبشر، وهذان القولان مستخرجان
من قول أبي رزين وقال الكسائي: أي قم نذيرا. وهذا يرجع إلى قول
ابن زيد. ويجوز أن يكون نذير بمعنى إنذار كما قال:
«فكيف كان نذير» «1» ويكون التقدير: وما جعلنا أصحاب النار
إلّا ملائكة إنذارا. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول:
يكون التقدير: أعني نذيرا. قال أبو جعفر: وحذف الياء من نذير
إذا كان للنار بمعنى النسب.
[سورة المدثر (74) : آية 37]
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
بدل بإعادة اللام، ولو كان بغير اللام لجاز.
[سورة المدثر (74) : آية 38]
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)
رَهِينَةٌ محمول على المعنى، ولو كان على اللفظ كان رهين.
[سورة المدثر (74) : الآيات 39 الى 42]
إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ
(40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
نصب على الاستثناء وقد صحّ عن رجلين من أصحاب النبي أنه يراد
بأصحاب اليمين هاهنا الملائكة والأطفال، ويدلّ على هذا أن بعده
يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ
فهذا كلام من لم يعمل خطيئة، وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار
قال سمعت ابن الزبير يقرأ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ
يا فلان ما سلكك في سقر وهذه القراءة على التفسير، والإسناد
بها صحيح.
[سورة المدثر (74) : الآيات 42 الى 44]
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ حذفت النون لكثرة الاستعمال
ولو جيء بها لكان جيدا في غير القرآن، وقال محمد بن يزيد:
أشبهت النون التي تحذف في الجزم في قولنا:
يقومان ويقومون، وقال أحمد بن يحيى ثعلب: أخطأ، ولو كان كما
قال لحذفت في قولنا: لم يصن زيد نفسه.
[سورة المدثر (74) : الآيات 45 الى 47]
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (47)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ جيء بالكاف مضمومة ليدلّ
ذلك على أنها من ذوات الواو فنقل فعل إلى فعل، وكذا وَكُنَّا
نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ أي إلى
أن و «أن» مضمرة بعد «حتى» .
[سورة المدثر (74) : آية 48]
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
أي ليس يشفع فيهم الشافعون ودلّ بهذا على أن الشفاعة تنفع
غيرهم.
__________
(1) هذه ليست آية وإنما الآية فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
[الملك: 17] .
(5/49)
فَمَا لَهُمْ عَنِ
التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ
مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ
يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا
مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)
كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ
التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
[سورة المدثر (74) : آية 49]
فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)
منصوب على الحال.
[سورة المدثر (74) : آية 50]
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
قراءة أهل المدينة والحسن، وقراءة ابن كثير وعاصم والأعمش
وحمزة وأبي عمرو مُسْتَنْفِرَةٌ «1» وعن الكسائي القراءتان
جميعا. قال أبو جعفر: «مستنفرة» في هذا أبين أي مذعورة
ومستنفرة مشكل لأن أكثر ما يستعمل استفعل إذا استدعى الفعل،
كما تقول: استسقى إذا استدعى أن يسقى والحمر لا تستدعي هذا،
ولكن مجاز القراءة أن يكون استنفر بمعنى نفر فيكون المعنى
نافرة.
[سورة المدثر (74) : آية 51]
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
فعولة من القسر. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا ما قال أهل التفسير
فيها.
[سورة المدثر (74) : آية 52]
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً
مُنَشَّرَةً (52)
أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً على تأنيث الجماعة ووحّد لأنه
أكثر في العدد.
[سورة المدثر (74) : آية 53]
كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (53)
لا يجوز إلا الإدغام لأن الأول ساكن.
[سورة المدثر (74) : آية 55]
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55)
أي إنّ القرآن.
[سورة المدثر (74) : آية 56]
وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ
التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
«وما تذكرون» قراءة نافع على تحويل المخاطبة، وأكثر الناس يقرأ
وَما يَذْكُرُونَ ليكون مردودا على ما تقدّم وما تشاؤون إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللَّهُ على حذف المفعول لعلم السامع هُوَ أَهْلُ
التَّقْوى مبتدأ وخبره وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ أعيدت «أهل»
للتوكيد والتفخيم، ولو لم تعد لجاز.
__________
(1) انظر تيسير الداني 176، والبحر المحيط 8/ 74.
(5/50)
|