إعراب القرآن للنحاس عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ
(1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ
مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا
سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)
78 شرح إعراب سورة عمّ يتساءلون (النبأ)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النبإ (78) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَمَّ يَتَساءَلُونَ (1)
الأصل «عن ما» حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر لأن
المعنى: عن أي شيء يتساءلون، وحكى الفراء: أن المعنى لأي شيء
يتساءلون. قال أبو جعفر: و «عن» بمعنى اللام لا يعرف والتقدير:
يتساءلون عن النبأ العظيم، وحذف لدلالة الكلام.
[سورة النبإ (78) : آية 3]
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
في موضع خفض.
[سورة النبإ (78) : آية 4]
كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4)
كَلَّا قيل: هو التمام أي ليس الأمر على ما زعم المشركون من
إنكار البعث.
«ستعلمون» «1» تهديد لهم على قراءة الحسن التقدير قل لهم:
ستعلمون. «ثم كلا ستعلمون» يعلمون معطوف عليه وقراءة العامة
بالياء.
[سورة النبإ (78) : آية 6]
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (6)
يكون واحدا، ويكون جمع مهده.
[سورة النبإ (78) : آية 7]
وَالْجِبالَ أَوْتاداً (7)
معطوف عليه جمع وتد ومن أدغم قال ودّ. ولا يجوز الإدغام في
الجميع لأن الألف قد فصلت بين الحرفين.
[سورة النبإ (78) : آية 8]
وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (8)
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 227. [.....]
(5/79)
وَجَعَلْنَا
نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ
سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
نصب على الحال أي أصنافا أي ذكورا وإناثا
وقصارا وطوالا فنبههم جلّ وعزّ على قدرته.
[سورة النبإ (78) : الآيات 9 الى 10]
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ
لِباساً (10)
وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (9) مفعولان وكذا وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِباساً (10) أي يغشيكم ويغطيكم كالثياب أي فعلنا
هذا لتناموا فيه وتسكنوا كما قال قتادة: لباسا سكنا.
[سورة النبإ (78) : آية 11]
وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (11)
أي ذا معاش أي جعلناه مضيئا ليعيشوا فيه ويتصرّفوا كما قال
مجاهد: معاشا تتصرفون فيه وتبتغون من فضل الله جلّ وعزّ.
[سورة النبإ (78) : آية 12]
وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (12)
حذفت الهاء لأن اللغة الفصيحة تأنيث السماء شِداداً جمع شديدة
ولا تجمع على فعلاء استثقالا للتضعيف.
[سورة النبإ (78) : آية 13]
وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (13)
وَجَعَلْنا سِراجاً روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس وَهَّاجاً أي
مضيئا.
[سورة النبإ (78) : آية 14]
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (14)
وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ قال أبو جعفر: قد ذكرنا قولين
لأهل التفسير: أن المعصرات الرياح والسحاب وأولاهما أن يكون
السحاب لقوله جلّ وعزّ: الْمُعْصِراتِ ولم يقل: بالمعصرات،
وكما قرئ على أحمد بن شعيب عن الحسين بن حريث قال:
حدّثني علي بن الحسين عن أبيه قال: حدّثني الأعمش عن المنهال
عن قيس بن السكن عن ابن مسعود قال: يرسل الله سبحانه الرياح
فتأخذ الماء فتجريه في السحاب فتدر كما تدرّ اللّقحة. وروي عن
ابن أبي طلحة عن ابن عباس ماءً ثَجَّاجاً قال يقول: منصبّا،
وقال ابن يزيد: ثجّاجا كثيرا. قال أبو جعفر: القول الأول
المعروف في كلام العرب يقال: ثجّ الماء ثجوجا إذا انصبّ وثجّه
فلان ثجا إذ صبّه صبّا متتابعا. وفي الحديث «أفضل الحجّ العجّ
والثجّ» «1» فالعجّ رفع الصوت بالتلبية، والثجّ صبّ دماء
الهدي.
[سورة النبإ (78) : آية 15]
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (15)
__________
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 224، وابن حجر في المطالب
العالية 1200، وابن كثير في تفسيره 8/ 327، والزيلعي في نصب
الراية 3/ 33، وابن حجر في تلخيص الحبير 2/ 239، والزبيدي في
إتحاف السادة المتقين 4/ 388، والمتقي الهندي في كنز العمال
(11883) .
(5/80)
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا
(16) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ
يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ
السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ
فَكَانَتْ سَرَابًا (20) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا
(21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا
(23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)
فالحبّ كلّ ما كان قشر والنبات الحشيش
والكلأ ونحوهما.
[سورة النبإ (78) : آية 16]
وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (16)
وَجَنَّاتٍ أي ثمر جنات. أَلْفافاً قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول
من قال: هو جمع لفّ وقول من قال: هو جمع الجمع أراد أنه يقال
لفّاء وألفّ مثل حمراء وأحمر ثم تقول: ألف كما يقال: حمر ثم
يجمع لفّا ألفافا كما تقول: خفّ وأخفاف والقول الأول أولى
بالصواب لأن أهل التفسير قالوا: وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (16) أي
جميعا، لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك فهذا جمع لفّ، ويقال:
لفيف بمعناه، ونخلة لفّاء معناه غليظة فلهذا قلنا الأول أولى
بالصواب.
[سورة النبإ (78) : آية 17]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (17)
خبر كانَ ولو كان في غير القرآن جاز الرفع على إلغاء كان.
[سورة النبإ (78) : آية 18]
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (18)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ بدل. فَتَأْتُونَ أَفْواجاً على
الحال، ويقال: فوج وفوجة.
[سورة النبإ (78) : الآيات 19 الى 20]
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19) وَسُيِّرَتِ
الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20)
وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (19) في معناه قولان:
قيل: معناه انشقّت فكانت طرقا، وقيل: تقطّعت فكانت قطعا
كالأبواب ثم حذفت الكاف، كما تقول: رأيت فلانا أسدا أي كالأسد،
وكذا وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (20) .
[سورة النبإ (78) : آية 21]
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21)
أي ترصد من عصى الله سبحانه وترك طاعته. وقال الحسن: لا يدخل
أحد الجنة حتى يرد النار ومرصاد في العربية من رصدت فأنا راصد
ومرصاد على التكثير. وقال «كانت» ولم يقل مرصادة لأنه غير جار
على الفعل فصار على النّسب.
[سورة النبإ (78) : آية 22]
لِلطَّاغِينَ مَآباً (22)
أي مرجعهم إليها. وآب يؤوب رجع كما قال: [مخلّع البسيط] 524-
وكلّ ذي غيبة يئوب ... وغائب الموت لا يؤوب «1»
[سورة النبإ (78) : الآيات 23 الى 24]
لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً
وَلا شَراباً (24)
__________
(1) مرّ الشاهد رقم (379) .
(5/81)
لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) هذه قراءة
أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو وعاصم والكسائي، وقرأ علقمة
ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة «لبثين» «1» بغير ألف. وقد اعترض
في هذه القراءة فقيل: هي لحن لا يجوز: هو حذر زيدا، وإن كان
سيبويه قد أجازه وأنشد: [الكامل] 525-
حذر أمورا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار «2»
وأنشد الفراء: [الكامل] 526-
أو مسحل عمل عضادة سمحج ... بسراته ندب لها وكلوم «3»
إلّا أن سيبويه أنشده «أو مسحل شنج» ، وقال قوم: هو لحن لأنه
إنما يقال:
حذر، وكذا باب فعل لمن كان في خلقته الحذر، فأما اللّابث فليس
من ذلك في شيء.
قال أبو جعفر: أما القول الأول فغلط ولا يشبه هذا قولك: حذر
زيدا لأن أحقابا ظرف وما لا يتعدّى يتعدى إلى الظرف، وأما
الثاني فهو يلزم إلّا أنه يجوز على بعد.
والقراءة بلابثين بيّنة حسنة. فأما حجة من احتجّ بلبثين بما
رواه شعبة عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله «لبثين» فلا
حجة فيه لأن أبا إسحاق لم يلق عبد الله، ولو كان إسناده متصلا
كانت فيه حجة، وهذه الأشياء تؤخذ من قراءة عبد الله بما لا
تقوم به حجة من إسناد منقطع أو من صحف قد يكتب لابثين بغير ألف
فيتوهّم قارئه أنه «لبثين» . وفي هذه الآية إشكال لقوله جلّ
وعزّ: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً وهم لا يخرجون منها. فمن أحسن
ما قيل فيها أن قتادة قال: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا
انقطاع لها فعلى هذا التقدير يكون الجمع وحقبة حقب، وأحقاب جمع
الجمع كما قال: [الطويل] 527-
وكنّا كندماني جذيمة حقبة ... من الدّهر حتّى قيل لن يتصدّعا
«4»
ويجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وقد ذكرنا ما قال أهل التفسير في
معناه.
فأما أهل اللغة فقولهم إن الحقب والحقبة يقعان للقليل من الدهر
والكثير. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: سألنا أبا
العباس محمد بن يزيد عن قول الله جلّ وعزّ: لابِثِينَ فِيها
أَحْقاباً فقال: ما معنى هذا التحديد؟ ونحن إذا حددنا الشيء
فقلنا: أنا أقيم عندك يوما، كان في قوة الكلام أنك لا تقيم بعد
اليوم ثم لم يجبنا عنها مذ نيف وثلاثون سنة ونظرت فيها فوقع لي
أنه يعني به الموحدون العصاة ثم نظرت فإذا
__________
(1) انظر تيسير الداني 177.
(2) مرّ الشاهد رقم (120) .
(3) الشاهد للبيد في ديوانه 125، وخزانة الأدب 8/ 169 وشرح
أبيات سيبويه 1/ 24، وشرح المفصل 6/ 72، ولسان العرب (عضد) ، و
(عمل) ، والمقاصد النحوية 3/ 513، وبلا نسبة في الكتاب 1/ 167.
(4) الشاهد لمتمم بن نويرة في ديوانه 111، وتاج العروس (حبر) و
(صدع) ، وديوان المفضليات 535، والكامل (1237) .
(5/82)
إِلَّا حَمِيمًا
وَغَسَّاقًا (25)
بعده أنهم كانوا لا يرجون حسابا فعلمت أن
ذلك ليس هو الجواب قال: فالجواب عندي أن المعنى لابثين في
الأرض أحقابا، فعاد الضمير على الأرض لأنه قد تقدم ذكرها
والضمير في لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً يعود على
النار لأنه قد تقدّم أيضا ذكرها.
قال: ولم أعرف لأبي العباس فيها جوابا. قال أبو جعفر: فسألت
أبا إسحاق عنها فقال: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول:
المعنى لابثين فيها أحقابا هذه صفتها أي يعذبون بهذا العذاب في
هذه الأحقاب لا يذوقون فيها إلا الحميم والغسّاق ويعذبون بعد
هذا العذاب بأصناف من العذاب غير هذا. وهذا جواب نظري بيّن،
وهو قول ابن كيسان يكون «لا يذوقون» من نعت الأحقاب، واختلف
العلماء في قوله جلّ وعزّ: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً فقيل
أي لا يذوقون فيها بردا يبرد عنهم السعير، وقيل: نوما كما قال
الشاعر: [الكامل] 528-
بردت مراشفها عليّ فصدّني ... عنها وعن قبلاتها البرد «1»
أي النوم والنعاس وقد يكون البرد الهدو والثبات، كما قال
الشاعر: [الرجز] 529- اليوم يوم بارد سمومه «2» وقد يكون البرد
ما ليس فيه شدة كما روي «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة» «3»
وهي التي ليس فيها حرّ السلاح. ويقال: بردت حرّه كما قال:
[الطويل] 530-
وعطّل قلوصي في الرّكاب فإنّها ... ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا
«4»
وأصحّ هذا الأقوال القول الأول لأن البرد ليس باسم من أسماء
النوم وإنما يحتال فيه فيقال للنوم: برد لأنه يهدي العطش،
والواجب أن يحمل تفسير كتاب الله جلّ وعزّ على الظاهر والمعروف
من المعاني إلّا أن يقع دليل على غير ذلك.
[سورة النبإ (78) : آية 25]
إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25)
قال أبو رزين وإبراهيم: الغسّاق ما يسيل من صديد، وقال عبد
الله بن بردة:
__________
(1) الشاهد بلا نسبة في جمهرة اللغة 295، والاشتقاق ص 478
والأزمنة والأمكنة 2/ 15، وهو في ديوان امرئ القيس 231.
(2) الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (برد) وتاج العروس (سمم) ،
وتهذيب اللغة 12/ 320، وجمهرة اللغة 294، مقاييس اللغة 1/ 243،
ومجمل اللغة 1/ 260، المخصص 17/ 23. وبعده:
«من جزع اليوم فلا تلومه»
(3) انظر اللسان (برد) .
(4) الشاهد لمالك بن الريب في ديوانه ص 47، ولسان العرب (برد)
، والتنبيه والإيضاح 2/ 9، وبلا نسبة في جمهرة اللغة 295،
ومقاييس اللغة 1/ 242، ومجمل اللغة 1/ 260، وأساس البلاغة
(برد) و (قود) .
(5/83)
جَزَاءً وِفَاقًا (26)
إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)
الغساق المنتن، وروى ابن أبي طلحة عن ابن
عباس، قال: الغساق الزمهرير. قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ليست
بمتناقضة لأنه يكون ما يسيل من جلودهم منتنا شديد البرد وسمعت
علي بن سليمان يقول: غساق بالتشديد أولى، لأنه يقال: غسقت عينه
أي دمعت، فغساق مثل سيّال تكثير غاسق، وقال غيره: من هذا قيل
لليل: غاسق، لتغطيته وهجومه كما يهجم السيل، وقيل الحميم
مستثنى من الشراب، والغسّاق مستثنى من البرد.
[سورة النبإ (78) : آية 26]
جَزاءً وِفاقاً (26)
جَزاءً مصدر دلّ على فعله ما قبله. وِفاقاً من نعته.
[سورة النبإ (78) : آية 27]
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27)
قيل: يرجون بمعنى يخافون لأن من رجا شيئا يلحقه خوف من فواته
فغلب إحدى الخيفتين كما قال: [الطويل] 531-
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عوامل
«1»
وقيل: الرجاء هاهنا على بابه أي لا يرجون ثواب الحساب.
[سورة النبإ (78) : آية 28]
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28)
مصدر، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وَكَذَّبُوا
بِآياتِنا كِذَّاباً «2» بتخفيف الأول والثاني، وهي رواية
شاذّة ولكنه قد صحّ عن الكسائي أنه قرأ الثانية بالتخفيف كما
قال: [مجزوء الكامل] 532-
فصدقتهم وكذّبتهم ... والمرء ينفعه كذابه «3»
وكذّاب التشديد على قول بعض الكوفيين لغة يمنية وهذا ما لا
يحصل منه كثير فائدة ولكن قول سيبويه «4» أنه مصدر كذّب على
الحقيقة وأن كان الكلام يكذّب تكذيبا كثيرا. وفيه من النحو ما
يدق من المجيء بهذه التاء في تكذيب وليس لها في الفعل أصل
ويقال: ما الدليل على أن الأصل كذّاب؟ ونحن نشرحه على مذهب
سيبويه إن شاء الله. سبيل الفعل إذا كان رباعيا أن يزاد على
ماضيه ألف في المصدر فتقول: أكرم
__________
(1) الشاهد لأبي ذؤيب الهذليّ في ديوان الهذليين 1/ 143، وشرح
أشعار الهذليين 1/ 144، واللسان (رجا) .
(2) انظر معاني الفراء 3/ 229.
(3) الشاهد للأعشى في شرح شواهد الإيضاح 606، ولسان العرب
(صدق) ، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في شرح المفصل 6/ 44.
(4) انظر الكتاب 4/ 193. [.....]
(5/84)
وَكُلَّ شَيْءٍ
أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ
إِلَّا عَذَابًا (30) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)
وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)
إكراما وانطلق انطلاقا فهذا قياس مستتب
وكذا كذّب كذّابا وتكلم كلاما ثم إنهم قالوا كذب تكذيبا فقال
سيبويه: أبدلوا من العين الزائدة تاء وقلبوا الألف ياء فغيّروا
أوله كما غيّروا آخره. قال أبو جعفر: فأما تكلّم تكلما فجاؤوا
بالماضي ولم يزيدوا ألفا لكثرة حروفه وضموا اللام قال سيبويه:
لأنه ليس في الأسماء تفعل.
[سورة النبإ (78) : الآيات 29 الى 30]
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (29) فَذُوقُوا فَلَنْ
نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (30)
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ نصب كلّ بإضمار فعل ليعطف ما عمل
فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل كما قال «1» : [مخلع البسيط]
533-
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
والذّئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرّياح والمطرا
ويجوز الرفع بالابتداء والكوفيون يقولون: بالعائد عليه.
كِتاباً مصدر فمن النحويين من يقول: العامل فيه مضمر أي كتبناه
كتابا أي كتبنا عدده ومبلغه ومقداره فلا يغيب عنا منه شيء
كتابا. وقيل: العامل فيه «أحصيناه» لأن أحصيناه وكتبناه واحد.
قال الحسن: سألت أبا بردة عن أشد آية في القرآن على أهل النار
فقال: تلا رسول الله فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا
عَذاباً (30) فقال: أهلك القوم بمعصيتهم لله جلّ وعزّ، وقال
عبد الله ابن عمر: ولم ينزل على أهل النار أشدّ من قوله:
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (30) .
[سورة النبإ (78) : الآيات 31 الى 32]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32)
حَدائِقَ بدل من «مفاز» والمفاز الظفر بما يحبّه الإنسان. قال
ابن عباس:
الحدائق الشجر الملتفّ، وقال الضحاك: الذي عليه الحيطان. قال
أبو جعفر: وكذلك هو في اللغة وقد حدق بالقوم كما قال: [الخفيف]
534- وقد حدقت بي المنيّة «2»
[سورة النبإ (78) : آية 33]
وَكَواعِبَ أَتْراباً (33)
معطوف الواحدة كاعب وكواعب للجمع والمؤنث.
[سورة النبإ (78) : آية 34]
وَكَأْساً دِهاقاً (34)
أي ممتلئة. مشتقّ من دهقه إذا تابع عليه الشدّة.
__________
(1) مرّ الشاهد رقم (113) .
(2) الشاهد مقطع من بيت للأخطل التغلبي في ديوانه 83، واللسان
(حدق) ، وتمامه:
«المنعمون بنو حرب وقد حدقت ... بي المنيّة واستبطأت أنصاري»
(5/85)
لَا يَسْمَعُونَ
فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ
عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)
[سورة النبإ (78) : آية 35]
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35)
وقرأ الكسائي «كذابا» «1» وهي خارجة من قراءة الجماعة يجوز أن
يكون مصدرا من كاذب كذابا ويجوز أن يكون مصدرا من كذب كما
تقول: صام صياما، وهذا أشبه أي لا يسمعون فيها باطلا يلغى ولا
كذبا.
[سورة النبإ (78) : آية 36]
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36)
جَزاءً مصدر، وكذا عَطاءً حِساباً من نعته أي عطاء كافيا كما
قال:
[الطويل] 535-
ونغني وليد الحيّ إن كان جائعا ... ونحسبه إن كان ليس بجائع
«2»
وقال مجاهد: حسابا بأعمالهم.
[سورة النبإ (78) : آية 37]
رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا
يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37)
«3» قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو، وقرأ عبد الله بن
أبي إسحاق، وعاصم بخفضهما جميعا، وقرأ ابن محيصن ويحيى بن وثاب
وحمزة بخفض الأول ورفع الثاني، وهو اختيار أبي عبيد لقرب الأول
وبعد الثاني، وخالفه قوم من النحويين قالوا ليس بعده مما يوجب
الرفع لأنه لم يفرق بينهما ما يوجب هذا فرفعهما جميعا على أن
يكون الأول مرفوعا بالابتداء والثاني نعت له والخبر لا
يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً، ويجوز أن يكون الأول مرفوعا
بإضمار هو، ومن خفض الاثنين جعلهما نعتا أو بدلا من الاسم
المخفوض، ومن خفض الأول ورفع الثاني جعل الثاني مبتدأ أو أضمر
مبتدأ.
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا
يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ
صَواباً (38) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ روى ابن أبي طلحة عن ابن
عباس قال: الروح ملك عظيم الخلق، وروى عنه غيره قال: الروح
أرواح الناس تقوم مع الملائكة في ما بين النفختين من قبل أن
ترد إلى الأبدان. وقال الشعبي والضحاك: الروح جبرائيل صلّى
الله عليه وسلّم، وقال الحسن وقتادة: الروح بنو آدم، وقال ابن
زيد: الروح القرآن، وقال مجاهد: الروح على صور بني آدم وليسوا
منهم. قال أبو جعفر: لا دليل فعلمه يدلّ على أصحّ هذه الأقوال
يكون
__________
(1) انظر تيسير الداني 178، والبحر المحيط 8/ 406.
(2) الشاهد لامرأة من بني قشير في التنبيه والإيضاح 1/ 63،
ومقاييس اللغة 2/ 60، وتاج العروس (حسب) ولسان العرب (حسب) ،
وبلا نسبة في لسان العرب (قفا) ، ومجمل اللغة 2/ 64، والمخصص
14/ 57، وأساس البلاغة (قفو) وتاج العروس (قفا) .
(3) انظر تيسير الداني 178.
(5/86)
ذَلِكَ الْيَوْمُ
الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ
الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا
لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
قاطعا من توقيف من الرسول أو دلالة بينة،
وهو شيء لا يضرّ الجهل به ولو قال قائل:
هذه الأشياء التي ذكرها العلماء ليست بمتناقضة ويجوز أن يكون
هذا كلها لها لما عنّف. وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا نصب على الحال،
وكذا لا يَتَكَلَّمُونَ في موضع نصب.
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ يكون «من» في موضع رفع على
البدل من الواو، وفي موضع نصب على الاستثناء أي إلا من أذن له
الرّحمن في الكلام وَقالَ صَواباً من الحق وتأوّل عكرمة المعنى
على غير هذا. قال أبو جعفر: وقال صوابا في الدنيا أي قال: لا
إله إلا الله.
[سورة النبإ (78) : آية 39]
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ
مَآباً (39)
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ نعت لليوم أي ذو الحقّ. فَمَنْ شاءَ
اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً أي نجاء مآب أي عملا صالحا في
الدنيا.
[سورة النبإ (78) : آية 40]
إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ
الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا
لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40)
َّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
نعت لعذاب أو لظرف أي وقتا قريباوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما
قَدَّمَتْ يَداهُ
الجملة في موضع خفض أي يوم نظره يَقُولُ الْكافِرُ يا
لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
خبر كنت، وأجاز بعض النحويين: ليتني قائما. قال: لأن «كان»
تنثر بعد ليت فحذفت.
(5/87)
وَالنَّازِعَاتِ
غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ
سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
79 شرح إعراب سورة النازعات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النازعات (79) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (1)
وَالنَّازِعاتِ خفض بواو القسم، وقيل التقدير وربّ النازعات،
وروى شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله و
«النازعات» قال: الملائكة وروى شعبة عن السّدّي عن أبي صالح عن
ابن عباس والنَّازِعاتِ قال: ينزع نفسه فصار التقدير والملائكة
النازعات غَرْقاً مصدر. قال سعيد بن جبير: تنزع نفوسهم ثم تغرق
ثم تحرق ثم يلقى بها في النار. والتقدير ورب النازعات والمعنى:
فتغرق النفوس فتغرق غرقا، وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: 17] .
[سورة النازعات (79) : آية 2]
وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (2)
وَالنَّاشِطاتِ معطوف على النازعات أي الجاذبات الأرواح بسرعة
يقال: نشطه إذا جذبه بسرعة إلا أن الفراء «1» حكى نشطه إذا
ربطه، وأنشطه حلّه وحكي عن العرب:
كأنما أنشط من عقال وخولف في هذا واستشهد مخالفه بقوله:
[الرجز] 536- أضحت همومي تنشط المناشطا «2»
[سورة النازعات (79) : آية 3]
وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (3)
معطوف أي: والملائكة السابحات أي السريعات، وقال عطاء:
السَّابِحاتِ السفن سَبْحاً مصدر.
[سورة النازعات (79) : آية 4]
فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (4)
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 230.
(2) الشاهد لهيمان بن قحافة في تفسير الطبري 30/ 29، واللسان
(نشط) ، وتمامه:
«أمست همومي تنشط المناشطا ... الشام بي طورا وطورا واسطا»
(5/88)
فَالْمُدَبِّرَاتِ
أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَإِنَّا
لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
فَالسَّابِقاتِ معطوف أي: والملائكة
السابقات الشياطين بالوحي، وقال عطاء:
السابقات الخيل سَبْقاً مصدر.
[سورة النازعات (79) : آية 5]
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (5)
فَالْمُدَبِّراتِ عطف أي والملائكة. قال: ولا اختلاف بين أهل
العلم في هذا أنه يراد به الملائكة وهو مجاز لأن الله جلّ وعزّ
هو المدبر الأشياء. قال: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ
إِلَى الْأَرْضِ [السجدة: 5] فلما كانت الملائكة صلوات الله
عليهم ينزلون بالوحي والأحكام وتصريف الأمطار قيل لهم مدبرات
على المجاز. قال الفراء «1» : كما قال فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ
عَلى قَلْبِكَ [البقرة: 97] فنسب التنزيل إلى جبرائيل عليه
السّلام والله الذي نزله، وكذا نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الْأَمِينُ [الشعراء: 193] . أَمْراً منصوب على المصدر، ويجوز
أن يكون التقدير فالمدبّرات بأمر من الله حذفت الباء فتعدى
الفعل، وأنشد سيبويه: [البسيط] 537-
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب
«2»
فأما جواب القسم ففيه أربعة أقوال أصحها وأحسنها أنه محذوف دلّ
عليه دلالة واضحة، والمعنى والنازعات لتبعثنّ فقالوا: أنبعث
إذا كنا عظاما نخرة فقولهم: أَإِذا كُنَّا يدلّ على ذلك
المحذوف، وقيل: الجواب إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ
يَخْشى (26) وهذا بعيد لأنه قد تباعد ما بينهما، وقيل حذفت
اللام فقط. والتقدير: ليوم ترجف الراجفة وهذا أيضا أبعد من ذاك
لأن اللام ليست مما يحذف لأنها تقع على أكثر الأشياء فلا يعلم
من أين حذفت ولو جاز حذفها لجاز والله زيد منطلق، بمعنى اللام.
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس الرَّاجِفَةُ النفخة الأولى،
والرَّادِفَةُ الثانية روى أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه
وسلّم بينهما أربعون.
[سورة النازعات (79) : آية 8]
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (8)
مبتدأ وخبر. قال عطاء: واجفة متحركة، وقال غيره: خائفة.
[سورة النازعات (79) : آية 9]
أَبْصارُها خاشِعَةٌ (9)
مبتدأ وخبره أنهم أذلاء لفضيحتهم يوم القيامة من معاصيهم وتم
الكلام.
[سورة النازعات (79) : آية 10]
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (10)
يَقُولُونَ أي في الدنيا. أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي
الْحافِرَةِ روى ابن أبي طلحة عن ابن
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 230.
(2) مرّ الشاهد رقم (51) .
(5/89)
أَإِذَا كُنَّا
عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ
خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى
(15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
(16)
عباس فِي الْحافِرَةِ قال: يقول في الحياة،
وقال ابن زيد: في النار، وقال مجاهد:
في الأرض والتقدير على قول مجاهد في الأرض المحفورة أي في
القبر مثل مِنْ ماءٍ دافِقٍ [الطارق: 6] أي مدفوق، وحقيقته في
العربية من ماء ذي دفق وعلى قول ابن عباس فِي الْحافِرَةِ نحيا
كما حيينا أو لا مرة.
[سورة النازعات (79) : آية 11]
أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (11)
صحيحة عن ابن عباس رواها ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن
عباس وصحيحة عن ابن الزبير ومروية عن عمر، وابن مسعود، فهؤلاء
أربعة من الصحابة وهي مع هذا قراءة ابن وثاب والأعمش وحمزة
والكسائي. وهي أشبه برءوس الآيات التي قبلها وبعدها. وقراءة
نَخِرَةً «1» أهل الحرمين والحسن وأبو عمرو فالقراءتان حسنتان
لأن الجماعة نقلتهما.
[سورة النازعات (79) : آية 12]
قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (12)
قيل: المعنى رجعة وردة وجعلوها خاسرة لأنهم وعدوا فيها بالنار.
[سورة النازعات (79) : الآيات 13 الى 14]
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فَإِذا هُمْ
بِالسَّاهِرَةِ (14)
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14) قال سفيان: الساهرة أرض
بالشام، وقال سعيد عن قتادة:
الساهرة جهنم، قال أبو جعفر: والساهرة في كلام العرب الأرض
الواسعة المخوفة التي يسهر فيها للخوف، وزعم أبو حاتم: أن
التقدير فإذا هم بالسّاهرة والنّازعات. وهذا غلط بيّن، لأن
الفاء لا يبتدأ بها والنازعات أول السورة وهذا القول الرابع في
جواب القسم.
[سورة النازعات (79) : آية 15]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (15)
تكون هَلْ بمعنى «قد» وقد حكى ذلك أهل اللغة وقد تكون على
بابها.
[سورة النازعات (79) : آية 16]
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (16)
طُوىً بالتنوين وضم الطاء قراءة ابن عامر والكسائي، وقراءة أهل
المدينة وأبي عمرو بغير تنوين وبضم الطاء، وقراءة الحسن طُوىً
«2» بكسر الطاء والتنوين ومعناه عنده بالوادي الذي قدّس مرتين
ونودي فيه. والقراءة بضم الطاء والتنوين على أنه اسم للوادي
وليس بمعدول إنما هو مثل قولك: حطم فلذلك صرف، ومن لم يصرفه
جعله كعمر معدولا إلا أن الفراء «3» ينكر ذلك لأنه زعم أنه لا
يعرف في كلام العرب اسما من
__________
(1) انظر تيسير الداني 178.
(2) انظر تيسير الداني 122، والبحر المحيط 8/ 413.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 233.
(5/90)
فَقُلْ هَلْ لَكَ
إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ
فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ
وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى
(23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ
اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا
أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا
(28)
ذوات الياء والواو معدولا من فاعل إلى فعل.
قال أبو جعفر: يجوز أن يكون ترك الصرف على أنه اسم للبقعة
فيكون على غير ما تأول، وقد قرأ به غير منوّن من تقوم الحجة
بقوله.
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) من قال في
المستقبل: يطغى قال: طغيت وهو الطغيان ومن قال: يطغو قال:
طغوت.
[سورة النازعات (79) : آية 18]
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (18)
قراءة أهل المدينة وقراءة أبي عمرو تَزَكَّى «1» بتخفيف الزاي،
والمعنى والتقدير في العربية واحد. لأن أصل تزكى تتزكى فحذفت
التاء. ومن قال: تزّكّى أدغمها. ولا يعرف التفريق بينهما. قال
ابن زيد: «تزكّى» تسلم، قال: وكلّ تزكية في القرآن إسلام.
[سورة النازعات (79) : آية 19]
وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19)
وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ عطف وكذا فَتَخْشى أي فتخشى عقابه
بترك معاصيه.
[سورة النازعات (79) : آية 20]
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20)
مما لا يجوز حذف الألف واللام منه ولا يؤتى به نكرة.
[سورة النازعات (79) : آية 21]
فَكَذَّبَ وَعَصى (21)
معنى الفاء أنها تدلّ على أن الثاني بعد الأول. والواو
للاجتماع. هذا أصلها.
[سورة النازعات (79) : آية 22]
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22)
في موضع الحال.
[سورة النازعات (79) : الآيات 23 الى 24]
فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24)
فَحَشَرَ وحذف المفعول أي وحشر قومه ما قال ابن زيد: جمع قومه
فَنادى فيهم فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) .
[سورة النازعات (79) : آية 25]
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25)
قال الفراء: أي فأخذه الله أخذا نكالا للآخرة والأولى.
[سورة النازعات (79) : آية 26]
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26)
أي يخشى عقاب الله كما نزل بغيره لما عصى؟
[سورة النازعات (79) : آية 27]
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27)
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ أي لم تنكرون البعث
وخلق السماء أشد من بعثكم.
[سورة النازعات (79) : آية 28]
رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28)
أي سقفا للأرض.
__________
(1) انظر تيسير الداني 178، والبحر المحيط 8/ 413.
(5/91)
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا
وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا
(30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ
وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ
الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى
(35)
[سورة النازعات (79) : آية 29]
وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29)
وَأَغْطَشَ لَيْلَها إضافة مجاز لأن معنى اللّيل ذهاب الشمس
فلمّا كانت تغيب في السماء قيل ليلها كما يقال: سرج الدّابة،
وكذا وَأَخْرَجَ ضُحاها.
[سورة النازعات (79) : آية 30]
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30)
وَالْأَرْضَ منصوب بإضمار فعل أي ودحا الأرض، وزعم الفراء «1»
: أن النصب والرفع جائزان وأنه مثل وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ
مَنازِلَ [يس: 39] يعني في الرفع والنصب.
قال أبو جعفر: بينهما فرق. لأن قوله: الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ
مَنازِلَ الرفع فيه حسن لأن تقديره وآية لهم القمر.
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (30) الرفع فيها بعد لأن
قبلها ما عمل فيه الفعل ولا يتعلق بشيء مرفوع فهذا فرق بيّن
ولا نعلم أحدا قرأ «والأرض» بالرفع «والقمر» بالرفع قرأ به
الأئمة. وفي الآية إشكال لأنه قال تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ
لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
[فصّلت: 9] وبعده ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فدلّ على خلق
السماء كان بعد خلق الأرض وهاهنا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ
دَحاها (30) فمن أصحّ ما قيل في هذا وأحسنه ما رواه ابن أبي
طلحة عن ابن عباس قال: خلق الله جلّ وعزّ الأرض قبل السماء
فقدّر فيها أقواتها، ولم يدحها، ثم خلق السماء ثم دحا الأرض
بعدها، وقال مجاهد والسديّ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
أي مع ذلك دحاها، كما قال جلّ وعزّ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ
زَنِيمٍ [القلم: 13] قال أبو جعفر: القول الأول أولى أن يكون
الشيء على بابه. ومعنى الدّحو في اللغة البسط، يقال: دحوت أدحو
ودحيت أدحي ومن الثاني سمي دحية.
[سورة النازعات (79) : آية 32]
وَالْجِبالَ أَرْساها (32)
على إضمار فعل أيضا.
[سورة النازعات (79) : آية 33]
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33)
قال الفراء «2» أي خلق ذلك منفعة لكم ومتعة قال: ويجوز الرفع
مثل مَتاعٌ قَلِيلٌ [آل عمران: 197] .
[سورة النازعات (79) : آية 34]
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: القيامة عظم الله أمرها
وحذّر منه. قال أبو جعفر: العرب إذا عظّمت الشيء وصفته
بالطامة.
[سورة النازعات (79) : آية 35]
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35)
أي إذا قرأ كتابه ورأى محلّه تذكّر عمله.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 233. [.....]
(2) انظر معاني الفراء 3/ 223.
(5/92)
وَبُرِّزَتِ
الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)
وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ
الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى
النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوَى (41) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ
مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى
رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ
يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ
يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
[سورة النازعات (79) : آية 36]
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36)
أنّث الجحيم لمعنى النار، وهو نعت لها هاهنا.
[سورة النازعات (79) : الآيات 37 الى 39]
فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39)
مَنْ في موضع رفع بالابتداء وخبره فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ
الْمَأْوى (39) والتقدير عند الكوفيين فهي مأواه، والألف بدل
من الضمير والتقدير عند البصريين هي المأوى له.
[سورة النازعات (79) : آية 40]
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ
الْهَوى (40)
وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ أي مقام الحساب على معاصيه.
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى وهو الميل إلى ما لا يحسن.
[سورة النازعات (79) : آية 41]
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41)
كالذي تقدّم.
[سورة النازعات (79) : آية 42]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42)
قال الفراء «1» : يقال إنما الإرساء للسفينة والجبال وما
أشبههن فكيف وصفت الساعة بالإرساء؟ فالجواب أنها كالسفينة إذا
جرت ثم رست ورسوها قيامها وليس كقيام القائم على رجله ونحوه
ولكن كما تقول: قام العدل، وقام الحقّ أي ظهر وثبت.
[سورة النازعات (79) : آية 43]
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43)
أي ليس إليك ذكرها لأنك لم تعرف وقتها. والأصل «في ما» حذفت
الألف فرقا بين الاستفهام والخبر فإنّ قبل ما حرفا خافضا،
والوقوف عليه فيمه لا يجوز غيره لئلا تذهب الألف وحركة الميم،
والصواب أن لا يوقف عليه لئلا يخالف السواد في زيادة الهاء أو
يلحن إن وقف عليه بغير الهاء.
[سورة النازعات (79) : آية 44]
إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44)
في موضع رفع بالابتداء أي منتهى علمها.
[سورة النازعات (79) : آية 45]
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45)
وقرأ أبو جعفر وابن محيصن وطلحة مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها «2»
بالتنوين وهو الأصل وإنما يحذف تخفيفا.
[سورة النازعات (79) : آية 46]
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ
عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46)
أي زال عنهم ما كانوا فيه فلم يفكروا في ما مضى وقلّ عندهم،
وكان في هذا معنى التنبيه لمن اغتر بالدنيا وسلامته فيها في
أنه سيتركها عن قليل ويذهب عنه ما كان يجد فيها من اللّذة
والسرور فكأنه لم يلبث فيها إلا عشيّة أو ضحاها.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 234.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 416.
(5/93)
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ
يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
80 شرح إعراب سورة عبس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة عبس (80) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
ويقال في التكثير: عبّس.
[سورة عبس (80) : آية 2]
أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2)
أَنْ في موضع نصب أي لأن، ومن النحويين من يقول:
موضعها خفض على إضمار اللام، ومنهم من يقول: «أن» بمعنى «إذ» .
[سورة عبس (80) : آية 3]
وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
والأصل يتزكّى أدغمت التاء في الزاي.
[سورة عبس (80) : آية 4]
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4)
الأصل يتذكر أدغمت التاء في الذال لقربها منها فَتَنْفَعَهُ
الذِّكْرى وزعم الفراء «1» أنه يجوز النصب ولم يقرأ به. قال
أبو جعفر: الرواية معروفة عن عاصم أنه قرأ فَتَنْفَعَهُ
الذِّكْرى «2» بالنصب، والكوفيون يقولون: هو جواب لعلّ ولا
يعرف البصريون جواب لعلّ بالنصب، وقد حكوا هم والكوفيون وإيجاب
النصب وهو الأمر والنهي والنفي والتمني والاستفهام، وزاد
الكوفيون الدعاء، ولم يذكروا جواب لعل مع هذه الأجوبة. وسألت
عنها أبا الحسن علي بن سليمان فقال: ما أعرف للنصب وجها وإن
كان عاصم مع جلالته قد قرأ به إلا أن «أو» يجوز أن تنصب ما
بعدها كما قال: [الطويل] 538-
فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا «3»
فقد يجوز أن يعطفه على ما ينتصب بعد «أو» .
[سورة عبس (80) : الآيات 5 الى 6]
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى قراءة المدنيين، والأصل تتصدّى ثم
أدغم، وقراءة الكوفيين وأبي عمرو تَصَدَّى «4» بحذف التاء لئلا
يجمع بين تاءين.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 235.
(2) انظر تيسير الداني 178.
(3) مرّ الشاهد رقم (148) .
(4) انظر البحر المحيط 8/ 419، وتيسير الداني 178.
(5/94)
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا
يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ
يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا
تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ
مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي
سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا
أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ
نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ
يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
[سورة عبس (80) : آية 7]
وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7)
والأصل يتزكّى.
[سورة عبس (80) : آية 8]
وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8)
في موضع نصب على الحال وكذا
[سورة عبس (80) : آية 9]
وَهُوَ يَخْشى (9)
ويجوز أن تكون الجملة خبرا آخر.
[سورة عبس (80) : آية 10]
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
والأصل تتلهّى أي تتشاغل وفعل هذا صلّى الله عليه وسلّم طلبا
منه لإسلام المشرك.
[سورة عبس (80) : آية 11]
كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (11)
خبر «إنّ» .
[سورة عبس (80) : آية 12]
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (12)
لأنه تأنيث غير حقيقي.
[سورة عبس (80) : الآيات 13 الى 15]
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
قيل: يعني به اللوح المحفوظ. هذا على تفسير ابن عباس لأن سعيد
بن جبير روي عنه في معنى بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) أنهم
الملائكة. وروى عنه علي بن أبي طلحة أنهم الكتبة، وقال قتادة:
هم القراء. والصحيح القول الأول، ومعروف في كلام العرب أنه
يقال: سفر الرجل بين القوم إذا ترسّل بينهم بالصلح. والملائكة
سفرة لأنهم رسل الله تعالى إلى أنبيائه صلوات الله عليهم، وهم
أيضا كتبة يكتبون أفعال العباد. فهذا كله غير متناقض إلّا أن
وهب بن منبّه قال: السّفرة الكرام البررة أصحاب محمد صلّى الله
عليه وسلّم. وبررة جمع بار، وأبرار جمع بر.
[سورة عبس (80) : آية 17]
قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (17)
قال مجاهد: إذا قال الله تعالى: قتل الإنسان أو فعل به فهو
الكافر. ومعنى قتل أهلك لأن المقتول مهلك، وقيل: قتل لعن ما
أكفره الأولى أن تكون «ما» استفهاما أي ما الذي أكفره مع ظهور
آيات الله جلّ وعزّ وانعامه عليه، وقيل هو تعجب.
[سورة عبس (80) : الآيات 18 الى 20]
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ
فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ أي وإنما خلق من قذر، وإنما ينبل بطاعة
الله. وأولى ما قيل في معنى ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
قول عبد الله بن الزبير رحمه الله أنّه يسّره أي سهل عليه حتى
خرج من الرحم، والتقدير في العربية: ثم للسبيل وحذف اللام لأنه
ممّا يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بحرف.
[سورة عبس (80) : آية 21]
ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
أي صيّره ذا قبر أي أن نقبر، وأما الدافن فيقال له: قابر كما
قال: [السريع]
(5/95)
ثُمَّ إِذَا شَاءَ
أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا
صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ
شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا
وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ
غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ
وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
539-
لو أسندت ميتا إلى نحرها ... عاش ولم يتنقل إلى قابر»
[سورة عبس (80) : آية 22]
ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22)
أي أحياه، والتقدير: إذا شاء أنشره. يقال أنشره الله فنشر فهو
منشر وناشر كما قال: [السريع] 540-
حتّى يقول النّاس ممّا رأوا ... يا عجبا للميّت النّاشر «2»
[سورة عبس (80) : آية 23]
كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (23)
من النحويين من يجعل «كلّا» تماما في جميع القرآن أي كلا ليس
الأمر كما يقول الكافر قد قضيت ما عليّ، ومن النحويين من
يجعلها في جميع القرآن مبتدأة، ومنهم من يفصلها وهذا يمرّ في
التمام مشروحا إن شاء الله.
[سورة عبس (80) : الآيات 24 الى 26]
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا
الْماءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
تمام على قراءة المدنيين وأبي عمرو وعلى قراءة الكوفيين ليس
بتمام لأنهم يقرءون أَنَّا «3» بمعنى لأنّا، ولا يجوز أن يكون
بدلا من طعام على ما تأوّله أبو عبيد لأن وجوه البدل قد بينها
النحويون ولا يدخل فيها هذا.
ومعنى صَبًّا وشَقًّا التوكيد، وكذا هذه المصادر.
[سورة عبس (80) : الآيات 27 الى 31]
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28)
وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدائِقَ غُلْباً (30)
وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31)
وعن ابن عباس أنه قال بين يدي عمر: نبات الأرض السبعة فقال له
ما أفهم ما تقول، فقال فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27)
وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا (29)
وَحَدائِقَ غُلْباً (30) أي ملتفة وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) أي
مرعى الأنعام. قال عمر: هكذا فتكلّموا كما تكلّم هذا الفتى
وروى عنه ابن أبي طلحة الأب ما لأن من الثمار.
[سورة عبس (80) : آية 32]
مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (32)
نصب على المصدر.
[سورة عبس (80) : آية 33]
فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال القيامة، وقال عكرمة النفخة
الأولى، وقال الحسن: يصيخ لها كلّ شيء أي يصمت لها كلّ شيء.
__________
(1) الشاهد للأعشى في ديوانه 189، ومقاييس اللغة 5/ 47 والبحر
المحيط 8/ 420، وتفسير الطبري 30/ 56، والخزانة 2/ 110.
(2) مرّ الشاهد رقم (58) .
(3) انظر تيسير الداني 178.
(5/96)
يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ
يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
[سورة عبس (80) : الآيات 34 الى 36]
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ
وَأَبِيهِ (35) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
قيل: يفرون لما بينهم من المطالبة فيخافون ذلك، وقيل: يفرّون
لأن بعضهم يستحي من بعض فيكره أن يرى ما ينزل به من الفضيحة.
[سورة عبس (80) : آية 37]
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
أي يشغله عن غيره.
[سورة عبس (80) : آية 38]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ رفع بالابتداء وإن كان نكرة للفائدة التي
فيه، والخبر مُسْفِرَةٌ.
[سورة عبس (80) : آية 39]
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
نعت. قال ابن زيد: القترة «1» ما علا من الغبار، ويروى أنه إذا
قيل للبهائم: كوني ترابا صار ذلك التراب غبرة في وجوه الكفار.
[سورة عبس (80) : آية 42]
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
تكون هم فاصلة أو مبتدأة والْفَجَرَةُ خبر والجملة خبر أولئك.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 421 (قرأ الجمهور «قترة» بفتح التاء
وابن أبي عبلة بإسكانها) .
(5/97)
|