إعراب القرآن للنحاس

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)

81 شرح إعراب سورة إذا الشمس كورت (التكوير)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة التكوير (81) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
رفعت الشّمس بإضمار فعل مثل الثاني لأن إِذَا بمنزلة حروف المجازاة لا يليها إلا الفعل مظهرا أو مضمرا. وعن أبيّ بن كعب كُوِّرَتْ ذهب ضوءها، وعن ابن عباس أظلمت. قال أبو جعفر: يقال: كوّر الشيء وكبّر الشيء إذا لفّ ورمي به، وفي الحديث «نعوذ بك من الحور بعد الكون» «1» أي من الرجوع بعد أن كان أمرنا ملتئما، ويروى «بعد الكور» .

[سورة التكوير (81) : آية 2]
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
رفعت النجوم بإضمار فعل أيضا. قال أبيّ: انْكَدَرَتْ تناثرت، وقال ابن عباس: بعثرت.

[سورة التكوير (81) : آية 3]
وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3)
بإضمار فعل أيضا.

[سورة التكوير (81) : آية 4]
وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (4)
«2» عُطِّلَتْ قال: أي أهملت. قال الأصمعي: العشراء النّاقة إذا أتى عليها من حملها عشرة أشهر، وقال أبو عبيدة: الناقة إذا أتى عليها من حملها ستة أشهر إلى أن تضع وبعد ذلك وهم يتفقدونها وتعزّ عليهم.

[سورة التكوير (81) : آية 5]
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
فيه قولان: أحدهما حشرت يوم القيامة ليعوّضها الله مما لحقها من الألم في الدنيا وقال قتادة: حشرت جمعت.
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه الباب 20 الحديث رقم (3888) ، والدارمي في سننه 2/ 87، والترمذي، الدعاء 1/ 526.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 423 (قرأ الجمهور بتشديد الطاء، ومضر عن اليزيدي بتخفيفها) .

(5/98)


وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)

[سورة التكوير (81) : آية 6]
وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (6)
وقرأ أبو عمرو سُجِّرَتْ «1» مخففا واحتجّ بالبحر المسجور وخالفه جماعة من أهل العلم من أهل اللغة قالوا: البحر المسجور واحد، والبحار جمع الجمع أولى بالتكثير والتشديد قالوا: والبحر المسجور بحر هذه صفته، وليس هذا مثل وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا معناه ومعروف في اللغة أن يقال: سجرت الشيء ملأته كما قال: [الكامل] 541-
فتوسّطا عرض السّريّ وصدّعا ... مسجورة متجاورا قلّامها «2»
وقال: [المتقارب] 542-
إذا شاء طالع مسجورة ... يرى حولها النّبع والسّاسما «3»
أي مملوءة، وقيل: هذه بحار في جهنم إذا كان يوم القيامة. سجّرت أي ملئت بأنواع العذاب إلّا أن أبا العالية قال: إذا الشمس كوّرت إلى ستّ منها يراها الناس قبل أن تقوم القيامة وستّ في الآخرة بعد قيام القيامة، قال: وحدثني أبيّ بن كعب قال:
بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينا هم على ذلك تناثرت النجوم، وبيناهم على ذلك إذ وقعت الجبال وتزلزلت الأرض وهربت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن وعطلت العشار أي أهملها أهلها، واختلطت الوحوش بالناس فذلك حشرها، وقالت الجن للإنس نحن نعرف لكم الخبر فمضوا إلى البحار فوجدوها قد سعّرت نيرانا ثم تصدّعت الأرض إلى الأرض السفلى إلى السماء العليا ثم أرسلت عليهم الريح فأماتتهم.

[سورة التكوير (81) : الآيات 7 الى 8]
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8)
أي قرّبت الصالح مع الصالح هذا معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) يقال: وأدها يئدها وأدا فهو وائد وهي موءودة إذا دفنها حية وألقى عليها التراب. واشتقاقه من وأده إذا أثقله قال هارون القارئ في حرف أبيّ وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ «4» قال أبو عبيد: هذا أبين معنى. قال أبو جعفر: خولف في هذا
__________
(1) انظر تيسير الداني 179. [.....]
(2) الشاهد للبيد في ديوانه 307، ولسان العرب (سجر) و (عرض) و (صدع) ، و (قلم) ، وتهذيب اللغة 9/ 181، وجمهرة اللغة 747، وتاج العروس (عرض) و (صدع) ، وكتاب العين 1/ 276، ومقاييس اللغة 4/ 275، ومجمل اللغة 3/ 470، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 457.
(3) الشاهد للنمر بن تولب في ديوانه 380، ولسان العرب (سمسم) ، وتاج العروس (سمسم) وبلا نسبة في جهرة اللغة 457، والمخصّص 10/ 37.
(4) انظر البحر المحيط 8/ 424، ومعاني الفراء 3/ 240.

(5/99)


وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)

لأنها قراءة شاذّة مخالفة للمصحف مشكلة. لأنه يجوز أن يكون التقدير سألت ربها جلّ وعزّ، وسألت قاتلها. فهذا معنى مستغلق فكيف يكون بيّنا وفي معنى سئلت قولان:
أحدهما أن المعنى طلب منها من قتلها توبيخا له فقيل لها: من قتلك؟ والمعنى الآخر أنها سئلت فقيل لها لم قتلت بغير ذنب توبيخا لقاتلها؟ كما يقال لعيسى صلّى الله عليه وسلّم: أأنت قلت للناس اتّخذوني وأمي إلهين من دون الله. وزعم الفراء «1» أن مثل هذا قوله: [الكامل] 543-
الشّاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لم القهما دمي «2»
ليس المعنى أنهما إذا لقياه فعلا هذا، وإنما المعنى والنادرين يقولان إذا لقيناه قتلناه، وصحّ عن ابن عباس أنه استدلّ بهذه الآية على أن الأطفال كلّهم في الجنة قال:
لأن الله جلّ وعزّ قد انتصر لهم ممن ظلمهم. قال صلّى الله عليه وسلّم: «الله أعلم بما كانوا عاملين» .

[سورة التكوير (81) : آية 10]
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
كذا قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم «3» ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي نُشِرَتْ والحجة لهم صُحُفاً مُنَشَّرَةً [المدثر: 52] وهذا ليس من الحجج الموجبة لترك ما قرأ به من تقوم بقراءته الحجّة لأن نشرت يقع للقليل والكثير عند النحويين والقراءتان صحيحتان.

[سورة التكوير (81) : آية 11]
وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (11)
وقال الفراء: نزعت وطويت قال: وكذا قشطت كما تقول: كافور وقافور.

[سورة التكوير (81) : آية 12]
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وقراءة أبي عمرو والكوفيين سُعِّرَتْ «4» ويحتجّ لهم بأن الجحيم واحد ويحتج عليهم بأن الجحيم وإن كان واحدا فالتكثير أولى به لكثرة سعّرت. قال أحمد بن عبيد يقال: جحمت النار أي أكثرت وقودها، وقال الفراء:
جحمت الجمر جعلت بعضه على بعض ورجل جاحم بخيل ضنين.

[سورة التكوير (81) : الآيات 13 الى 14]
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14)
بإضمار فعل كالثاني، وجواب «إذا» عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (14) قيل: معناه ما وجدته حاضرا كما تقول: أحمدت فلانا أي أصبته محمودا قال قتادة: ما أحضرت من عمل.

[سورة التكوير (81) : آية 15]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
«لا» زائدة للتوكيد أي فأقسم بالخنس وفي معنى الخنس ثلاثة أقوال قد مر منها ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنها النجوم الخمسة، وروى سعيد عن سماك
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 240.
(2) مرّ الشاهد رقم (514) .
(3) انظر البحر المحيط 8/ 425.
(4) انظر تيسير الداني 179 (قرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف الجيم والباقون بتشديدها) .

(5/100)


الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)

قال: سمعت خالد بن عرعرة يقول: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:
«الخنّس» النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل. فظاهر هذا القول عام لجميع النجوم، وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة وبكر بن عبد الله المزني وعبد الرّحمن بن زيد. وروى عكرمة عن ابن عباس قال: الخنّس الظباء، وهو قول سعيد بن جبير والضحاك وقال جابر بن زيد وإبراهيم النخعي: الخنس بقر الوحش. قال أبو جعفر: إذا كان التقدير:
فأقسم بربّ الخنس، فالمعنى واحد إلا أن القول الأول أجلها وأعرفها، وإنما يقال لبقر الوحش والظباء خنّس الواحد أخنس وخنساء كما قال: [الكامل] 544-
خنساء ضيّعت الغرير فلم ترم ... عرض الشّقائق طرفها ويغامها «1»
وواحد الخنس خانس والجمع خنس وخناس.

[سورة التكوير (81) : آية 16]
الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16)
«الجواري» في موضع خفض حذفت الكسرة من الياء لثقلها فإن كان بغير ألف ولام حذفت الياء لسكونها وسكون التنوين إذ كان جمع جارية وكذا إن سمّيت به على قول الخليل وسيبويه «2» ، وأما الكوفيون ويونس فيقولون إذا سمّيت رجلا بجوار لم تصرفها في النصب والخفض فقلت: رأيت بواري ومررت بجواري، وقيل في الرفع هؤلاء جواري بإسكان الياء. قال الخليل: هذا خطأ لأنه كان يجب أن يقال على هذا:
هذا جواري فأعلم بضم الياء، قال: ولا يكون أثقل من فواعل إذا سميت به. قال سيبويه «3» : سألت الخليل عن امرأة تسمى بقاض فقال: هي مجراة في الرفع والخفض، تقول: مررت بقاض وهذه قاض. قال أبو جعفر: وقول يونس والكوفيين: مررت بقاضي وهذا قاضي فاعلم الْكُنَّسِ جمع كانس ويقال: كنّاس.

[سورة التكوير (81) : الآيات 17 الى 18]
وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (18)
وَاللَّيْلِ عطف على «الخنس» ، وليست الواو واو قسم إِذا عَسْعَسَ قال الفرّاء:
أجمع المفسرون على أنه إذا أقبل، وهذا غلط. روى مجاهد عن ابن عباس «إذا عسعس» إذا أدبر. قال الضحّاك إِذا تَنَفَّسَ إذا أضاء وأقبل.

[سورة التكوير (81) : آية 19]
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
جواب القسم، وأجاز الكسائي «أنه» بالفتح أي أقسم أنه وتابعه على ذلك محمد بن يزيد النحويّ.
__________
(1) الشاهد للبيد في ديوانه 308، ولسان العرب (بغم) ، وتاج العروس (خنس) و (شفق) و (بغم) ومقاييس اللغة 3/ 172، والمخصّص 8/ 41، وبلا نسبة في كتاب العين 4/ 199.
(2) انظر الكتاب 3/ 344.
(3) انظر الكتاب 3/ 344.

(5/101)


ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)

[سورة التكوير (81) : آية 20]
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
ذِي قُوَّةٍ نعت لرسول أي ذي قوة على أمر الله جلّ وعزّ وطاعته عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ نعت أيضا أي ذي منزلة رفيعة.

[سورة التكوير (81) : آية 21]
مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
مُطاعٍ ثَمَّ أي مطاع في السموات أَمِينٍ على وحي الله جلّ وعزّ ورسالاته فهذا التمام.

[سورة التكوير (81) : آية 22]
وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)
أي ليس خطابه ولا بيانه ولا فعله فعل مجنون.

[سورة التكوير (81) : آية 23]
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
والهاء تعود على الرسول وهو جبريل صلّى الله عليه وسلّم كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى عن يزيد بن هارون ثنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين الله تعالى يقول: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) فقالت أنا أول من سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «ذاك جبريل صلّى الله عليه وسلّم لم أره على صورته التي خلق عليها إلا مرتين قد هبط من السماء قد سدّ عظم خلقه ما بين السماء والأرض» «1» .

[سورة التكوير (81) : آية 24]
وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع ويحيى والأعمش وحمزة، ويقال: إنها في حرف أبيّ بن كعب كذلك وقرأ ثلاثة من الصحابة «بظنين» «2» كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن علي بن عبد الله المديني عن سفيان عن عمرو، قال: سمعت ابن عباس يقرأ «بظنين» بالظاء، وروى شعبة عن مغيرة عن مجاهد قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقرأ بظنين بالظاء، وقال عروة سمعت عائشة تقرأ بالظاء. وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، ولا اختلاف بين أهل التفسير واللغة أن معنى «بظنين» بمتّهم و «بضنين» ببخيل فالقراءتان صحيحتان قد رواهما الجماعة إلّا أنه في السواد بالضاد، وعدل أبو عمرو والكسائي وهما نحويا القراءة إلى القراءة. «بظنين» لأنه يقال: فلان ظنين على كذا أيّ متّهم عليه، وظنين بكذا وإن كانت حروف الخفض يسهل فيها مثل هذا، وعدل أبو عبيد أيضا إليها لأنه ذكر أنه جواب لأنهم كذّبوه. وهذا الّذي احتجّ به لا نعلم أحدا من أهل العلم يعرفه ولا يرى أنه جواب، ولا هو عندهم
__________
(1) مرّ في إعراب الآيات 11- 13 من سورة النجم.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 426، وتيسير الداني 179.

(5/102)


وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)

إلا مبتدأ وخبر، وقد قلنا: إن القراءتين صحيحتان ومجاز «ضنين» أنّ من العلماء من يضن بعلمه، وفي الحديث «من كتم علما لجمه الله بلجام من نار» «1» فأخبر الله عن نبيه صلّى الله عليه وسلّم أنه ليس بضنين بشيء من أمر الدين، وأنه لا يخصّ به أحدا دون أحد على خلاف ما يقول قوم أنه خصّ الإمام بما لم يلقه إلى غيره.

[سورة التكوير (81) : آية 25]
وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (25)
لو حذفت الباء لنصبت لشبه «ما» بليس.

[سورة التكوير (81) : آية 26]
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
ذكر الفرّاء «2» أن المعنى فإلى أين تذهبون وحذفت «إلى» كما يقال: ذهبت الشام وذهبت إلى الشام، وانطلقت إلى السوق وانطلقت السّوق، وخرجت الشام وإلى الشام، وحكى الكسائي: انطلق به الغور، والتقدير عنده: إلى الغور فحذفت «إلى» فجعل الكوفيون هذه الأفعال الثلاثة انطلق وذهب وخرج يجوز معها حذف إلى، وقاسوا على ما سمعوا من ذلك زعموا. فأما سيبويه فحكى منها واحدا ولا يجيز غيره وهو ذهبت الشام، ولا يجيز ذهبت مصر، وعلى هذا قول البصريين لا يقيسون من هذا شيئا.
وروى أبو العباس على هذا شيئا فزعم أن قولهم: ذهبت الشام ومعناه الإبهام أي ذهبت شامة الكعبة، غير أن هذا إنما يرجع فيه إلى قول من حكى ذلك عن العرب ولم يحكه سيبويه إلا على أنه الشام بعينها.

[سورة التكوير (81) : آية 27]
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27)
أي ما في القرآن إلا عظة وتذكرة للعالمين.

[سورة التكوير (81) : آية 28]
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)
لِمَنْ بدل من العالمين على إعادة اللام، ولو كان بغير لام لجاز. قال مجاهد:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) أي أن يتبع الحق.

[سورة التكوير (81) : آية 29]
وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)
وَما تَشاؤُنَ في معناه قولان أحدهما وما تشاؤون أن تستقيموا أي تتّبعوا الحقّ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ والقول الآخر أنه منهم أي ما تشاؤون يشاء من الطاعة والمعصية إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ذلك منكم، ولو لم يشأ لحال بينكم وبينه.
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه باب 24 الحديث (261) والدارمي في سننه 1/ 73، وأبو داود في سننه الحديث (3658) .
(2) انظر معاني الفراء 3/ 243. [.....]

(5/103)


إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)

82 شرح إعراب سورة انفطرت (الانفطار)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3)
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) لتأنيث السماء على اللغة الفصيحة، وقد حكى الفرّاء «1» فيها التذكير، فمن أنثها صغرها سميّة وإن كانت رباعية في الأصل لأنه قد حذف منها حرف، والسماء مرفوعة بإضمار فعل، وكذا وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (2) وكذا وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3) ولا يجوز أن تكون مرفوعة بالفعل الآخر إلا على شيء حكاه لنا علي بن سليمان عن أحمد بن يحيى ثعلب، قال: زيد قام مرفوع بفعله ينوى به التأخير قيل:
معنى وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3) فجر بعضها إلى بعض لاضطراب الأرض بزوال الجبال والزلازل فاختلط بعض البحار ببعض.

[سورة الانفطار (82) : آية 4]
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: يقول بحثرت وتأوّله الفرّاء على أنّ الأرض بحثرت فألقت ما فيها من الكنوز والموتى، واحتجّ الحديث «تلقي الأرض أفلاذ كبدها» «2» . قال أبو جعفر: وهذا غلط وليس في القرآن وإذا الأرض وفيه خصوص القبور «وتلقي أفلا كبدها» لا اختلاف بين أهل العلم أنه في آخر الزمان وليس هو يوم القيامة.

[سورة الانفطار (82) : آية 5]
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
تمام الكلام، وهو جواب «إذا» وفي معناه قولان: قال ابن زيد ما قدمت ما عملت وما أخّرت تركت وضيّعت وأخرت مما أمرت بتقديمه من أمر الله جلّ وعزّ، والقول الآخر أن معنى ما أخّرت ما سنّت من سنّة فعمل بها بعدها. قال أبو جعفر: هذا عن ابن عباس، وهو أولى، وبه يقول أصحاب الحديث، وينكره بعض أهل الأهواء.
__________
(1) انظر معاني الفراء 1/ 128.
(2) انظر أمالي المرتضى 1/ 95.

(5/104)


يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)

والدليل على صحته أن الإنسان إذا ضيع ما أمر به وأخره كان ذلك مما قدم من الشرّ لا مما أخّره.

[سورة الانفطار (82) : آية 6]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
ما في موضع رفع بالابتداء، وهو اسم تام والكاف في موضع نصب بغرّ.

[سورة الانفطار (82) : آية 7]
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة وأهل الشام، وقرأ الكوفيون فَعَدَلَكَ «1» مخففا، واستبعدها الفرّاء وإن كانت قراءة أصحابه لأنه إنما يقال: عدلته إلى كذا وصرفته إليه، ولا يكاد يقال: عدّلته في كذا ولا صرّفته. قال أبو جعفر فيه: وهذا غلط لأن الكلام تام عند «فعدلك» و «في» متعلقة بركّبك لا بعدلك فيكون كما قال. ومعنى عدلك في اللغة خلقك معتدلا لا يزيد رجل على رجل، وكذا سائر خلقك. وقد يكون عدّلك تكثير عدلك فيكونان بمعنى واحد كما قال ابن الزبعرى: [الرمل] 545- وعدلنا مثل بدر فاعتدل «2» أي قتلنا منهم مثل من قتلوا منا، وقد قيل: عدلك أمالك إلى ما شاء من حسن وقبيح وقبح وصحة وسقم.

[سورة الانفطار (82) : آية 8]
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8)
ما زائدة قال مجاهد: في صورة أب أو أمّ أو عمّ أو خال.
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10)

[سورة الانفطار (82) : آية 9]
كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
وحكى الفرّاء «3» عن بعض أهل المدينة «بل يكذبون» وردّها لأن بعدها

[سورة الانفطار (82) : آية 10]
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10)
قال أبو جعفر: ولا أعرف ما حكاه عن بعض أهل المدينة، ولا أعلم أحدا رواه غيره.

[سورة الانفطار (82) : الآيات 11 الى 12]
كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12)
كِراماً كاتِبِينَ (11) نعت لحافظين وكذا يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) .

[سورة الانفطار (82) : آية 13]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
__________
(1) انظر تيسير الداني 179، والبحر المحيط 8/ 428.
(2) الشاهد عجز بيت لعبد الله بن الزبعرى في ديوانه 93، وبلا نسبة في لسان العرب (عدل) ، وتهذيب اللغة 2/ 211، وتاج العروس (عدل) . وصدره:
«ليت أشياخي ببدر شهدوا»
(3) انظر معاني الفراء 3/ 244.

(5/105)


وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)

أي الذين برّوا بطاعة الله واجتناب معاصيه، وقال الحسن: الأبرار الذين لا يؤذون الذرّ.

[سورة الانفطار (82) : الآيات 14 الى 15]
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (15)
على تأنيث النار وإن كان الجحيم مذكرا.

[سورة الانفطار (82) : آية 16]
وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (16)
قال الفرّاء «1» : أي إذا أدخلوها فليسوا بخارجين منها. قال قتادة: يوم يدان الناس بأعمالهم.

[سورة الانفطار (82) : آية 17]
وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (17)
قيل: ليس هذا تكريرا. والمعنى: وما أدراك ما في يوم الدين من العذاب والنكال للفجار ثم ما أدراك ما في يوم الدين من النعيم للأبرار.

[سورة الانفطار (82) : آية 19]
يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وابن كثير وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي وقال الفرّاء «2» : «في كتابه في المعاني» اجتمع القرّاء على نصب «يوم لا تملك» . قال أبو جعفر. وهذا غلط. قرأ أبو عمرو وعبد الله بن أبي إسحاق وعبد الرّحمن الأعرج وهو أحد أستاذي نافع يَوْمَ لا تَمْلِكُ «3» بالرفع فمن رفع فتقديره هو يَوْمَ لا تَمْلِكُ، ويجوز أن يكون بدلا مما قبله ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً ومن نصب فتقديره: الدين يوم لا تملك ومثله وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ [القارعة: 3، 4] أي القارعة يوم يكون الناس، ويجوز أن يكون التقدير: يصلونها يوم الدين يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً فهذان قولان الأول أولاهما، وللفرّاء قول ثالث أجاز أن يكون «يوم» في موضع رفع فبناه كما قال: [الطويل] 546- على حين عاتبت المشيب على الصّبا «4» قال أبو جعفر: وهذا غلط لا يجوز أن يبنى الظروف عند الخليل وسيبويه مع شيء معرب والفعل المستقبل معرب فأما الكسائي فأجاز ذلك في الشعر على الاضطرار ولا يحمل كتاب الله جلّ وعزّ على مثل هذا، ولكن تبنى ظروف الزمان مع الفعل الماضي كما مرّ في البيت لأن ظروف الزمان منقضية غير ثابتة فلك أن تبنيها مع ما
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 244.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 244.
(3) انظر تيسير الداني 179.
(4) مرّ الشاهد رقم (129) .

(5/106)


بعدها إذا كان غير معرب، وأن تعربها على أصلها نحو قول الله جلّ وعزّ وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ [هود: 66] بإعراب يوم، وإن شئت وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ وعلى هذا تبنى يوم مع «إذ» في موضع الرفع والخفض والنصب على الفتح، وكذا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.

(5/107)


وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)

83 شرح إعراب سورة المطففين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة المطففين (83) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
رفعت ويلا بالابتداء «للمطففين» خبره أي تأنيب، ويجوز النصب في غير القرآن لأن ويلا بمعنى المصدر، وكان الاختيار الرفع لأنه لا ينطق منه بفعل إلا شيئا شاذا أنشده محمد بن الوليد وهو: [الهزج] 547-
فما وال ولا واح ... ولا واس أبو هند «1»
فإن كان مشتقا من فعل فالاختيار النصب عند النحويين نحو: بؤسا له، وإن لم يأت بالخبر في الأول نصبت فقلت: ويله وويحه.

[سورة المطففين (83) : آية 2]
الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)
الَّذِينَ في موضع خفض نعت للمطففين أو نصب على الذمّ وهو أولى بالآية وربما توهّم الضعيف في العربية أن معنى اكتلت عليه واكتلت منه واحد وتقديرهما مختلف فمعنى اكتلت عليه أخذت ما عليه، ومعنى اكتلت منه استوفيت منه.

[سورة المطففين (83) : آية 3]
وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
اختلف النحويون في موضع الهاء والميم فقال جلتهم أبو عمرو بن العلاء والكسائي والأخفش وغيرهم: موضع الهاء والميم موضع نصب، وهو مذهب سيبويه قياسا على قوله: كلتك وصدتك ولا يجيز وهبتك لأنه يشكل فإن قلت: وهبتك دينارا جاز. وقال عيسى بن عمر: الهاء والميم في موضع رفع، وعبرّ عنه أبو حاتم بأن المعنى عنده: هم إذا كالوا أو وزنوا يخسرون لأن عيسى قال: الوقف «وإذا كالوا» ثم تبتدئ «هم أو وزنوا» ، وعبرّ غيره: أن «هم» توكيد كما تقول: قاموا هم. قال أبو
__________
(1) الشاهد بلا نسبة في شرح التصريح 1/ 330، والممتع في التصريف 2/ 567، والمنصف 2/ 198 وشرح مشكلات الحماسة 312.

(5/108)


أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)

جعفر: والصواب أن الهاء والميم في موضع نصب لأنه في السواد بغير ألف، ونسق الكلام يدل على ذلك لأن قبله إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ فيجب أن يكون بعده وإذا كالوا لهم، وحذفت اللام كما قال، أنشده أبو زيد: [الكامل] 548-
ولقد جنيتك أكموءا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر «1»
وحرف الخفض يحذف فيما يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بحرف كما قال:
[البسيط] 549-
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب «2»
وقال آخر: [الطويل] 550-
نبّيت عبد الله بالجوّ أصبحت ... كراما مواليها لئيما صميمها «3»
وقال الآخر: [البسيط] 551-
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه الوجه والعمل «4»

[سورة المطففين (83) : آية 4]
أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)
أنّ وما عملت فيه في موضع المفعولين.

[سورة المطففين (83) : الآيات 5 الى 6]
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6)
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6) في نصبه أقوال: يكون التقدير: لمبعوثون يوم يقوم النّاس لربّ العالمين، وقال الأخفش سعيد هو مثل قولك: الآن وجعله الفرّاء «5» مبنيا.
قال أبو جعفر: وذلك غلط أن يبنى مع الفعل المستقبل، ويجوز في العربية خفضه على البدل، ورفعه بإضمار مبتدأ فهذا ما فيه من الإعراب. وقرئ على بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف عن عيسى بن يونس عن ابن عون عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في
__________
(1) الشاهد بلا نسبة في الاشتقاق ص 402، والإنصاف 1/ 319، وأوضح المسالك 1/ 180، وتخليص الشواهد 167، وجمهرة اللغة 331، والخصائص 3/ 58، ورصف المباني ص 78، وسرّ صناعة الإعراب 366، وشرح الأشموني 1/ 85، وشرح التصريح 1/ 151، وشرح شواهد المغني 1/ 166 وشرح ابن عقيل 96، ولسان العرب (جوت) و (حجر) و (سور) و (وبر) و (جحش) ، والمحتسب 2/ 224 ومغني اللبيب 1/ 52، والمقاصد النحوية 1/ 498 والمقتضب 4/ 28، والمنصف 3/ 134.
(2) مرّ الشاهد رقم (51) .
(3) مرّ الشاهد رقم (321) .
(4) الشاهد بلا نسبة في أدب الكاتب 524، والكتاب 1/ 71، والأشباه والنظائر 4/ 16، وأوضح المسالك 2/ 283، وتخليص الشواهد 405 وخزانة الأدب 3/ 111، والدرر 5/ 186، وشرح أبيات سيبويه 1/ 420، وشرح التصريح 1/ 394 وشرح المفصّل 7/ 63، والصاحبي في فقه اللغة 181، ولسان العرب (غفر) ، والمقاصد النحوية 3/ 226، والمقتضب 2/ 321، وهمع الهوامع 2/ 82. [.....]
(5) انظر معاني الفراء 3/ 246.

(5/109)


كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)

قول الله تعالى يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6) قال: «يقومون في رشحهم إلى أنصاف آذانهم» «1» قال أبو جعفر: فهذا حديث مجمل صحيح الإسناد، وروى عقبة بن عامر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مشروحا قال: «تدنو الشمس يوم القيامة من الأرض فمن الناس من يغرق إلى كعبيه ومنهم من يغرق إلى أنصاف ساقيه ومنهم من يغرق إلى منكبيه ومنهم من يغرق إلى عنقه ومنهم من يغرق إلى نصف فمه ملجما به ومنهم يشتمله الغرق» .

[سورة المطففين (83) : آية 7]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
من قال: إنّ كَلَّا تمام في كل القرآن، قال: المعنى ليس الأمر كما يذهب إليه الكافرون من أنهم لا يبعثون ولا يعذّبون، وتكلم العلماء في معنى سجّين فقال أبو هريرة: سِجِّينٍ جبّ في جهنم مفتوح، وقال سعيد بن جبير: «سجين» تحت حد إبليس، وقيل «سجين» من السجل والنون مبدلة من اللام أي في ما كتب عليهم، وقال أبو عبيدة: في سجين في حبس فقيل من السجن، وقال بعض النحويين: «سجين» الصخرة التي تحت الأرض السفلى، وزعم أن هذا يروى وأنه صفة لأنه لو كان اسما للصخرة لم ينصرف، قال: ويجوز أن تجعله اسما للحجر فتصرفه. قال أبو جعفر:
وأولى ما قيل في سجين، ما صحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما قرئ على أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن سليمان عن ابن فضيل وأبي معاوية عن الأعمش عن المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ العبد الكافر أو الفاجر إذا مات صعد بروحه إلى السّماء الدنيا فيقول الله جلّ وعزّ اكتبوا كتابه في سِجِّينٍ «2» قال:
وهي الأرض السفلى.

[سورة المطففين (83) : آية 8]
وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8)
على التعظيم، وهو مبتدأ وخبره.

[سورة المطففين (83) : آية 9]
كِتابٌ مَرْقُومٌ (9)
إضمار مبتدأ أي هو كتاب مرقوم.

[سورة المطففين (83) : الآيات 10 الى 11]
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)
نعت للمكذبين ويجوز النصب على ما مرّ.

[سورة المطففين (83) : آية 12]
وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
قال الحسن بن واقد: أي معتد في قوله أثيم عند ربّه.

[سورة المطففين (83) : آية 13]
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)
__________
(1) انظر تفسير الطبري 30/ 92.
(2) انظر تفسير القرطبي 17/ 255.

(5/110)


كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)

على إضمار مبتدأ.

[سورة المطففين (83) : آية 14]
كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)
بإدغام اللام في الراء وترك الإمالة قراءة أبي جعفر وشيبة ونافع وأبي عمرو، وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة والكسائي بإدغام غير أنهم أمالوا، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق بَلْ رانَ «1» بغير إدغام. قال أبو جعفر: والإدغام في هذا أولى لقرب اللام من الراء وترك الإمالة أولى لأنه لا ياء فيه ولا كسرة، وإنما الإمالة محمولة على المعنى لأنه من ران يرين مشتق من الرّين كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن عارم قال: سألت الأصمعي عن حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله عزّ وجلّ مائة مرة» «2» فقال: التوقي في الكلام في حديث رسول الله كالتوقي في القرآن ولكن العرب تسمي الغيم إذا كان دون الغيم رقيقا الغين والرّين. قال أبو جعفر: فهذا الإعراب والاشتقاق فأما المعنى فقال فيه مجاهد: للقلب أصابع فإذا أذنب عبد انقبض منها إصبع ثم إن أذنب انقبضت منها أخرى حتى تنقبض كلّها، ويطبع على قلبه فلا ينفع فيه موعظة. قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في هذا ما صحّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم كما قرئ على أحمد بن شعيب عن قتيبة عن الليث عن محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال: «إذا أخطأ العبد خطيئة وكت في قلبه وكتة يعني سوداء فإن نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتّى يعلو قلبه فذلك الرين الذي ذكره جلّ وعزّ كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14) «3» .

[سورة المطففين (83) : آية 15]
كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
في معناه قولان: أحدهما أنه دلّ بهذا على أنّ المؤمنين لا يحجبون عن النظر إليه جلّ وعزّ. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا ما قاله مالك بن أنس في ذلك وسئل الشافعي رحمه الله عن النظر إلى الله جلّ وعزّ يوم القيامة فقال: يدل عليه كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) والقول الآخر أنّ التقدير: عن كرامة ربّهم مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:
82] . قال أبو جعفر: وهذا خطأ على مذهب النحويين منهم الخليل وسيبويه، ولا يجوز عندهما ولا عند غيرهما من النحويين: جاءني زيد، بمعنى جاءني غلامه وجاءتني كرامته.

[سورة المطففين (83) : آية 16]
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16)
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ لأنه للمستقبل فمن حذف النون تخفيفا قال: لصالو الجحيم بالخفض على الإضافة ومن حذفها لالتقاء الساكنين نصب.
__________
(1) انظر تيسير الداني 179.
(2) انظر إتحاف السادة المتقين 8/ 517.
(3) انظر مستدرك الحاكم 1/ 5، وتفسيري الطبري 30/ 62، وكنز العمال (1288) .

(5/111)


ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)

[سورة المطففين (83) : آية 17]
ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)
اسم ما لم يسمّ فاعله على قول سيبويه «1» في الجملة وكذا قال في ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ [يوسف: 35] في موضع الفاعل. وهذا عند أبي العباس خطأ لأن الجملة لا تقوم مقام الفاعل ولكن الفعل دلّ على المصدر، وقام المصدر مقام الفاعل.

[سورة المطففين (83) : الآيات 18 الى 19]
كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19)
وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19) فيه خمسة أقوال وفي إعرابه قولان فأكثر أهل التفسير منهم كعب ومجاهد وزيد بن أسلم يقولون: علّيّون السماء السابعة، وحكى الفرّاء «2» إنه السماء الدنيا، وقال قتادة: قائمة العرش اليمنى، وقال الضحّاك: علّيّون سدرة المنتهى وقيل: علّيّون الملائكة. قال أبو جعفر. القول الأول عليه الجماعة فأما الإعراب فالقولان اللذان فيه أحدهما أن عليين أشبه عشرين وما أشبهها لأنه لا واحد له، وإنما هو بمعنى من علوّ إلى علو فأعرب كإعراب عشرين. قال أبو جعفر: فهذا قول موافق لتأويل الذين قالوا علّيّون السماء السابعة، والقول الآخر أن عليين صفة للملائكة فلذلك جمع بالواو والنون.

[سورة المطففين (83) : آية 20]
كِتابٌ مَرْقُومٌ (20)
أي ذلك الكتاب كتاب أي مكتوب وفسّر ذلك الضحّاك قال: إذا خرج روح المؤمن أخذه الملك فصعد به إلى السماء الدنيا فتبعه الملائكة المقربون ثم كذلك من سماء إلى سماء حتى ينتهي به إلى السماء السابعة إلى سدرة المنتهى فيوافيهم كتاب من الله جلّ وعزّ مختوم فيه أمان من الله لفلان ابن فلان من عذاب النار يوم القيامة وبالفوز بالجنة. قال ابن زيد: المقربون الملائكة.

[سورة المطففين (83) : آية 22]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)
قيل: سمّوا أبرارا لكثرة ما يأتونه من الصدق لأن الصدق يقال له برّ.

[سورة المطففين (83) : الآيات 23 الى 24]
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (23) أي إلى ما لهم من القصور والحور وغير ذلك. قال أبو جعفر: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) وأجاز الفرّاء «3» يعرف لأنه تأنيث غير حقيقي.

[سورة المطففين (83) : آية 25]
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)
__________
(1) انظر الكتاب 3/ 124.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 247.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 248.

(5/112)


خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)

مِنْ رَحِيقٍ في موضع نصب على خبر ما لم يسمّ فاعله على غير قول الأخفش.

[سورة المطففين (83) : آية 26]
خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (26)
خِتامُهُ مِسْكٌ مبتدأ وخبره. هذه قراءة أكثر الناس. وقرأ الكسائي رواه عنه أبو عبيد «خاتمه مسك» «1» وزعم أن هذه القراءة قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذكر إسماعيل بن إسحاق أنه لم يجد أحدا يعرف هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد عن محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرّحمن السلميّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ «خاتمه مسك» «2» قال أبو جعفر: ختامه بمعنى واحد إلا أن ختاما مصدر وخاتم اسم الفاعل، وأكثر كلام العرب في الناس وما أشبههم هو خاتمهم كما قال جلّ وعزّ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] ، وكذا خاتم وفي غير الناس ختام كما قال: [الكامل] 552-
أغلي السّباء بكلّ أدكن عاتق ... أو جونة قدحت وفضّ ختامها «3»
وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ أي فليحرص وليطلب. وأصل هذا من نفست عليه بالشيء أي أردت أن يكون لي دونه، واشتقاقه من النّفس أي الذي تفرح به النفس وتميل إليه.

[سورة المطففين (83) : الآيات 27 الى 28]
وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) في نصب عين خمسة أقوال: قول الأخفش إنها منصوبة بيسقون، وقال محمد بن يزيد حكاه لنا علي بن سليمان: لا يصحّ لي أن تكون منصوبة إلّا بمعنى أعني، وقال الفرّاء «4» : أي من تسنيم عين ثم نوّنت فتنصب مثل أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ [البلد: 14] والقول الرابع «تسنيم عينا» ، والقول الخامس أن يكون تسنيم اسما للماء معرفة وعين نكرة فنصب لذلك. قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب لأنه صحيح على قول أهل التأويل، كما قرأ محمد بن جعفر عن حفص بن يوسف بن موسى ثنا سلمة ثنا نهشل عن الضحّاك قال:
«تسنيم» عين تتسنّم من أعلى الجنة ليس في الجنة عين أشرف منها. قال أبو جعفر:
__________
(1) انظر تيسير الداني 179، ومعاني الفراء 3/ 248.
(2) انظر تيسير الداني 179، ومعاني الفراء 3/ 248.
(3) الشاهد للبيد بن ربيعة في ديوانه 314، وأسرار العربية 303، وخزانة الأدب 3/ 105، وسرّ صناعة الإعراب 632، وشرح المفصّل 8/ 92 ولسان العرب (قدح) و (عتق) ، و (دكن) ، والمعاني الكبير 1/ 452، والمقاصد النحوية 4/ 125، وأساس البلاغة (سبأ) ، وكتاب العين 7/ 315، وبلا نسبة في جمهرة اللغة 402، ورصف المباني ص 411.
(4) انظر معاني الفراء 3/ 249.

(5/113)


إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)

وقول مجاهد أيضا يدلّ على هذا قال: تسنيم علو وكذا الاشتقاق يقال: تسنّمت الماء أتسنّمه تسنيما إذا أجريته من موضع عال، وقبر مسنم أي مرتفع، ومن هذا سنام البعير فإن قال قائل فلم انصرف تسنيم وهو معرفة اسم للمؤنث؟ قيل: تقديره أنه اسم لمذكّر للماء الجاري من ذلك الموضع العالي ومعنى عينا جاريا فقد صارت في موضع الحال.

[سورة المطففين (83) : آية 29]
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا أي اكتسبوا الإثم. يقال: جرم وأجرم إذا اكتسب إلا أنّ الأكثر في اكتساب الإثم أجرم وفي غيره جرم. الَّذِينَ اسم إنّ أَجْرَمُوا صلته كانُوا خارج من الصلة لأنه خبر «إن» أي كانوا في الدنيا مِنَ الَّذِينَ صدقوا بتوحيد الله يَضْحَكُونَ استهزءوا بهم ويروى أن أبا جهل وأصحابه ضحكوا واستهزءوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه.

[سورة المطففين (83) : آية 30]
وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (30)
استهزءوا بهم.

[سورة المطففين (83) : آية 31]
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
«1» وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فاكهين يقول معجبين. قال أبو جعفر: أي معجبين بما يفعلون مسرورين به، وقال ابن زيد: فاكهين ناعمين، وزعم الفرّاء «2» أن فاكهين بمعنى واحد وحكى أبو عبيد أن أبا زيد الأنصاري حكى عن العرب أن الفكه الضحوك الطيب النفس. قال محمد بن يزيد: كان الأصمعي يرفع بأبي زيد في اللغة ويذكر محلّه وتقدّمه ويذكر صدقه وأمانته قال: وكان خلف بن حيان أبو محرز على جلالته يحضر حلقته.

[سورة المطففين (83) : آية 32]
وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (32)
هذا قول الكفار في الدنيا أي لضالّون عن طريق الصواب.

[سورة المطففين (83) : آية 33]
وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (33)
أي لم يرسلوا ليحفظوا عليهم أعمالهم وإنما أمروا بطاعة الله تعالى.

[سورة المطففين (83) : الآيات 34 الى 36]
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) وذلك بعد دخولهم الجنة. قال ابن عباس: يفتح لهم أبواب إلى النار فينظرون إلى الذين كانوا يسخرون في الدنيا
__________
(1) انظر تيسير الداني 179، والبحر المحيط 8/ 435. [.....]
(2) انظر معاني الفراء 3/ 249.

(5/114)


ويضحكون بهم فإذا رأوهم في النار سرّوا بانتقام الله تعالى من أعدائه وضحكوا بهم إذ ذاك عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (35) إليهم. وقال غيره: على الأرائك ينظرون إلى قصورهم وأزواجهم، ويقول بعضهم لبعض هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وقيل هَلْ مبتدأة منقطعة مما قبلها أي هل جزي الكفار بأعمالهم، وما في موضع نصب على هذا المعنى.

(5/115)


إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)

84 شرح إعراب سورة انشقت (الانشقاق)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الانشقاق (84) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (1)
إِذَا في موضع نصب وقد ذكرنا قول النحويين في جواب «إذا» ، وقد قيل:
المعنى: اذكروا إذا السّماء انشقّت، فعلى هذا لا تحتاج إلى جواب أي اذكر خبر ذلك الوقت.

[سورة الانشقاق (84) : آية 2]
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (2)
قال سعيد بن جبير: حقّ لها أن تأذن. قال أبو جعفر: حقيقة هذا أن المعنى حقّق الله جلّ وعزّ عليها فانقادت إلى أمره وانشقت أي تصدّعت فصارت أبوابا.

[سورة الانشقاق (84) : آية 3]
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)
رفعت الأرض بإضمار فعل يفسره الثاني.

[سورة الانشقاق (84) : الآيات 4 الى 5]
وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (5)
وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (4) معطوف على الأول، وكذا وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (5) .

[سورة الانشقاق (84) : آية 6]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6)
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ نعت لأي، والأخفش يقول صلة لأنه لا بدّ منه إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً مصدر فيه معنى التوكيد فَمُلاقِيهِ في موضع رفع والأصل ضمّ الياء فحذفت الضمة لثقلها. فهذا قول، وقيل: حذفت لأن الياء هاهنا حرف مد ولين فأشبهت الألف فحذفت منه الضمة والكسرة، ومن العرب من يحذف منها الفتحة فيجريها مجرى الألف فلا يحركها بحال.

[سورة الانشقاق (84) : الآيات 7 الى 8]
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8)
فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (8) أي يثاب بحسناته ويتجاوز عن سيئاته.

[سورة الانشقاق (84) : آية 9]
وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9)

(5/116)


وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)

نصب على الحال.

[سورة الانشقاق (84) : الآيات 10 الى 11]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11)
فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (11) مفعول به أي يقول يا ثبوراه. قال سيبويه: في نظير هذا أي احضر فهذا من إبانك.

[سورة الانشقاق (84) : آية 12]
وَيَصْلى سَعِيراً (12)
«1» من صلي يصلى ويصلى من صلاه يصليه إذا أحرقه، وكذا أصلاه.

[سورة الانشقاق (84) : آية 13]
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13)
خبر كان، ويبعد أن يكون منصوبا على الحال إلّا أنه جائز كما نقول: زيد في أهله ضاحكا.

[سورة الانشقاق (84) : آية 14]
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
أَنْ وما بعدها تقوم مقام المفعولين، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أَنْ لَنْ يَحُورَ قال: يقول: أن لن يبعث، وقال مجاهد: أن لن يرجع إلينا. يقال: حار يحور إذا رجع وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «اللهمّ إني أعوذ بك من الحور بعد الكور» «2» قيل:
معناه أعوذ بك من الرجوع إلى الكفر بعد الإيمان، وقيل أعوذ بك من النقصان بعد الزيادة.

[سورة الانشقاق (84) : آية 15]
بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (15)
أي بلى ليحورنّ وليبعثنّ أنّ ربه كان به بصيرا بعمله وبما يصير إليه لأنه كان يرتكب المعاصي مجترئا عليها إذ كان عنده أنه لا يبعث.

[سورة الانشقاق (84) : آية 16]
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)
الباء هي الأصل في القسم، وتبدل منها الواو.

[سورة الانشقاق (84) : الآيات 17 الى 18]
وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)
وَاللَّيْلِ واو عطف لا واو قسم وَما وَسَقَ. وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) كلّه معطوف.

[سورة الانشقاق (84) : الآيات 19 الى 20]
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20)
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) مفتوحة الباء صحيحة عن ابن عباس كما قرئ على
__________
(1) انظر تيسير الداني 179 (قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو «ويصلى» بفتح الياء وإسكان الصاد مخفّفا والباقون بضمّ الياء وفتح الصاد وتشديد اللام) .
(2) انظر تفسير الطبري 30/ 75، والقرطبي 19/ 273.

(5/117)


فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)

إبراهيم بن موسى عن إسماعيل عن علي بن عبد الله عن سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ لَتَرْكَبُنَّ «1» بفتح الباء، وهي قراءة عبد الله بن مسعود والشعبي ومجاهد والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ المدنيون لَتَرْكَبُنَّ بضم الباء، وهي قراءة الحسن وأبي عمرو، وقال الفرّاء: وقرئت «ليركبنّ» قال أبو جعفر: القراءة الأولى مخاطبة للواحد وبني الفعل مع النون على الفتح لخفّته، وأكثر أهل التفسير يقول: المخاطبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنهم من يقول المخاطبة لجميع الناس، والمعنى: يا أيّها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا. لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (19) أي حالا بعد حال، وقيل: سماء بعد سماء إذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم. والكادح العامل وقد كدح لأهله إذا اكتسب لهم، وأنشد سيبويه: [الطويل] 553-
وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح «2»
و «لتركبنّ» بضم الباء مخاطبة للجماعة والضمة تدلّ على الواو المحذوفة، وليركبن إخبار عن جماعة لأن بعده

[سورة الانشقاق (84) : آية 20]
فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20)
وقبله ذكر من يؤتى كتابه بيمينه، ومن يؤتاه كتابه من وراء ظهره: فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) في موضع نصب على الحال.

[سورة الانشقاق (84) : آية 21]
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21)
أهل التفسير على أن المعنى لا يخضعون ولا يذلّون بالانتهاء إلى طاعة الله جلّ وعزّ.

[سورة الانشقاق (84) : آية 22]
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)
بالخروج من حديث إلى حديث يقع بعد الإيجاب والنفي عند البصريين.

[سورة الانشقاق (84) : آية 23]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23)
من أوعى الشيء إذا جمعه، ووعى حفظه.

[سورة الانشقاق (84) : الآيات 24 الى 25]
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
الصَّالِحاتِ الَّذِينَ في موضع نصب استثناء من الهاء والميم، ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأول، كما روى عكرمة عن ابن عباس إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، قال الشيخ الكبير إذا كبر وضعف وقد كان يعمل شيئا من الخير وقت قوته كتب له مثل أجر ما كان يعمل قال: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أي لا يمنّ به عليهم.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 440، ومعاني الفراء 3/ 251.
(2) مرّ الشاهد رقم (52) .

(5/118)