إعراب القرآن للنحاس أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ
كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا
أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
105 شرح إعراب سورة الفيل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الفيل (105) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (1)
حذفت الألف من ترى للجزم، والأصل الهمزة فألقيت حركة الهمزة
على الراء فحذفت الهمزة «كيف» في موضع نصب بفعل، وهي غير معربة
لأنها في معنى الحروف وإن كانت اسما، وفتحت الفاء لالتقاء
الساكنين.
[سورة الفيل (105) : آية 2]
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
أي في تضليل عما أرادوه.
[سورة الفيل (105) : آية 3]
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (3)
من أحسن ما روي فيه عن المتقدمين ما حدّثناه علي بن الحسين عن
الحسن بن محمد قال: حدثنا عفّان قال: حدّثنا حماد عن عاصم عن
زرّ عن عبد الله طَيْراً أَبابِيلَ قال: فرقا. وقرئ على محمد
بن جعفر عن يوسف بن موسى قال: حدّثنا شهاب عن إبراهيم عن حميد
عن أبي خالد عن أبي صالح «طيرا أبابيل» قال: جمعا بعد جمع. قال
أبو جعفر: ومعروف في كلام العرب جاءوا أبابيل أي جماعة بعد
جماعة عظيمة كثيرة بعد جماعة. مشتق من أبل عليه إذا كثر وجمع
ومنه سمّيت الإبل لعظم خلقها، وقد قيل: إنّ معنى أَفَلا
يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية: 17]
أنها السحاب لعظمها وإن كان القتبي ردّ هذا التفسير بغير حجّة
تثبت. وأصح ما قيل في واحد الأبابيل ما قاله محمد بن يزيد قال:
واحدها ابّيل كسكّين وسكاكين.
[سورة الفيل (105) : آية 4]
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
جمعه سجاجيل.
[سورة الفيل (105) : آية 5]
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
الكاف في موضع نصب مفعول ثان أي مأكول ما فيه، وهو قشر الحنطة،
ويجوز أن يكون بمعنى مأكول للبهائم.
(5/183)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ
(1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)
106 شرح إعراب سورة لإيلاف (قريش)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ
وَالصَّيْفِ (2)
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) مذهب الأخفش أن المعنى فعل بهم ذلك
ليؤلف قريشا.
وهذا القول الخطأ فيه بين، ولو كان كما قال لكانت لإيلاف بعض
آيات «الم تر» وفي إجماع المسلمين على الفصل بينهما ما يدلّ
على غير ما قال، وأيضا فلو كان كما قال لم يكن آخر السورة
تماما، وهذا غير موجود في شيء من السور، وقيل في الكلام حذف
والمعنى أعجبوا لإيلاف قريش. رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ.
وتركهم عبادة رب هذا البيت وهذا أعني الحذف مذهب الفراء «1» ،
ويحتجّ له بأن العرب تقول: لله أبوك فيكون في اللام معنى
التعجب وأصبح من هذين القولين، وهو قول الخليل بن أحمد، أن
المعنى لأن يؤلف الله قريشا إيلافا.
[سورة قريش (106) : آية 3]
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (3)
أي لهذا فليعبدوه. قال أبو جعفر: فهذا لا حذف فيه وهو من حسن
النحو ودقيقه، وإن كان أصحاب كتب المعاني قد أغفلوه. «إلفهم»
مخفوض على البدل كما تقول: عجبت من إحسانك إحسانك إلى زيد،
فأبدلت الثاني من الأول، وزدت في الفائدة للبيان وروي عن يزيد
بن القعقاع أنه قرأ «إلفهم» «2» وروي عنه «إلافهم» وهما مصدران
من ألف يألف على فعل وفعال ففعل مثل قولهم: حلم حلما وعلم علما
وسخر سخرا، وفعال مثل لقيته لقاء وصمت صياما وكتبت كتابا، أجاز
الفراء «3» لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ على المصدر. قال
أبو جعفر: ويجوز النصب أيضا في إلفهم وإيلافهم بمعنى يألفون
إلفا. رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ منصوبة بإيلاف وأجاز
الفراء إيلافهم
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 293.
(2) انظر تيسير الداني 182، ومختصر ابن خالويه 180.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 293.
(5/184)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ
مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
رحلة الشتاء والصّيف. قال أبو جعفر: يكون
هذا على البدل، وتقديره: إيلافهم إيلاف رحلة الشتاء والصيف.
ْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
(3) وإن شئت كسرت اللام على الأصل.
[سورة قريش (106) : آية 4]
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
الَّذِي في موضع نصب نعت لربّ، ويجوز أن يكون في موضع رفع أي
هو الذي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ صلة الذي وَآمَنَهُمْ مِنْ
خَوْفٍ داخل في الصلة.
(5/185)
أَرَأَيْتَ الَّذِي
يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
(2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
107 شرح إعراب سورة أرأيت (الماعون)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الماعون (107) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
هذه القراءة البيّنة، ويجوز أن تأتي الهمزة بين بين فتقول:
أرأيت ويجوز أريت بحذف الهمزة، وعن عبد الله بن مسعود
أَرَأَيْتَكَ «1» والكاف زائدة للخطاب وهمزة بين بين متحركة
بوزنها مخففة، كذا قال سيبويه، فأما قول من قال: هي لا ساكنة
ولا متحركة فمحال لأنها إذا لم تكن ساكنة فهي متحرّكة وإذا لم
تكن متحرّكة فهي ساكنة فيجب على قوله أن تكون ساكنة متحرّكة.
والدليل على أنها متحركة قوله: [البسيط] 588-
أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به ... ريب المنون ودهر مفند خبل «2»
فلو قلت: أأن لكان الوزن واحدا. وهمزة بين بين كثيرا ما يغلط
فيها، وهي من أصعب ما في النحو، ومن دليل ما قلنا قوله عزّ
وجلّ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ [البقرة:
6] فلو كانت همزة بين بين ساكنة لاجتمع ساكنان، وكذا أرأيت
الياء ساكنة وهمزة بين بين متحركة، ومن أسكنها وكسر الياء فقد
جاء بما لا يجوز وما لا وجه له ولا تقدير في العربية، ويجوز أن
يكون «أرأيت» من رؤية العين فلا يكون في الكلام حذف وأن يكون
من رؤية القلب فيكون التقدير: أرأيت الذي يكذّب بالدين بعد ما
ظهر له من البراهين أليس مستحقا عذاب الله.
[سورة الماعون (107) : آية 2]
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
وقرأ أبو رجاء يَدُعُّ الْيَتِيمَ مخفّفة أي يتركه.
[سورة الماعون (107) : آية 3]
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3)
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 517، ومعاني الفراء 3/ 294.
(2) الشاهد للأعشى في ديوانه 105، والكتاب 3/ 176، وجمهرة
اللغة 872، وشرح أبيات سيبويه 2/ 75، وشرح شافية ابن الحاجب 3/
45، وشرح شواهد الإيضاح ص 262، وشرح شواهد الشافية 332، ولسان
العرب (قبل) و (منن) ، وبلا نسبة في شرح المفصّل 3/ 83،
والمقتضب 1/ 155.
(5/186)
فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ
(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
(7)
قال الفراء: أي لا يحافظ على طعام المسكين
ولا يأمر به.
[سورة الماعون (107) : الآيات 4 الى 5]
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ
ساهُونَ (5)
قال أبو العالية: هو الّذي يسجد ويقول هكذا وهكذا أو التفت عن
يمينه وشماله.
قال أبو جعفر: وأولى من هذا القول، لعلوّ من قال به ولصحّته في
العربية، ما حدثناه علي بن الحسين عن الحسين عن الحسن بن محمد
قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرّف عن مصعب بن
سعد عن سعد بن مالك قال له رجل: الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) أهو حديث النفس في الصلاة؟ قال: كلّنا
نجد ذلك، ولكنه يضيّعها لوقتها. وفي غير رواية طلحة بن مصرف أن
سعدا قال: سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الذين هم عن
صلاتهم ساهون قال: الذين يؤخّرونها عن وقتها.
[سورة الماعون (107) : آية 6]
الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6)
أي لا يصلّون خوفا من عقاب ولا رجاء لثواب، ولكن لينظرهم
المسلمون فلا يسفكون دماءهم وهم المنافقون.
[سورة الماعون (107) : آية 7]
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)
قد تكلّم العلماء في معناه كما قرئ على إبراهيم بن موسى عن
محمد بن الجهم عن الفراء «1» حدّثني قيس بن الربيع عن السدّي
عن عبد خير عن علي رضي الله عنه، قال: الماعون الزكاة، ويروى
هذا عن ابن عمر وابن عباس باختلاف، وعن ابن عباس:
الماعون ما يتعاطاه الناس، وحكى الفراء عن بعض العرب الماعون
الماء، وأنشد:
[الوافر] 589- يمجّ صبيره الماعون صبّا «2» صبيره: سحابه. قال
أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى أصل واحد، وإنما هو الظن
بالشيء اليسير الذي يجب ألّا يضنّ به مشتقّ من المعن، وهو
الشيء القليل. والله أعلم.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 259.
(2) الشاهد بلا نسبة في معاني الفراء 3/ 295، وتفسير الطبري
30/ 214.
(5/187)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
108 شرح إعراب سورة الكوثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الكوثر (108) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1)
النون والألف الأوليان في موضع نصب اسم إن والأخريان في موضع
رفع والْكَوْثَرَ مفعول ثان وهي في اللغة فوعل من الكثرة وقد
اختلف العلماء في معناه فعن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه
الحوض ولما قال سعيد بن جبير: الكوثر الخير الكثير قيل له فقد
قيل: إنه الحوض فقال: الحوض من الخير الكثير، وقال الحسن
وقتادة: الكوثر القرآن، وقرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف
بن موسى ثنا عبيد الله بن موسى ثنا شعبة عن عمارة بن أبي حفصة
عن عكرمة قال: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» (1) قال:
النبوة والقرآن.
[سورة الكوثر (108) : آية 2]
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
اختلف العلماء في معناها فمن أجلّ ذلك ما حدّثنا محمد بن أحمد
بن جعفر قال: ثنا أبو بكر بن شيبة ثنا وكيع عن يزيد بن أبي
زيادة بن أبي الجعد عن عاصم الجحدري عن عقبة بن ظهير عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه في قول الله جلّ وعزّ: فَصَلِّ
لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) قال: وضع اليمين على الشمال في
الصلاة. قال أبو جعفر: وقد اختلف عنه في ذلك فروي عنه أنه قال:
يضع اليمين على الساعد الأيسر على صدره، وعنه وعن أبي هريرة
يجعلهما تحت السرّة وهذا مذهب الكوفيين، ويحتجّ للقول الأول
أنه أشبه بالآية لأن معنى وانحر أي اجعل يدك نحو نحرك، وقد روى
سفيان لشعبة عن عاصم بن كليب عن ابنه عن وائل بن حجر. قال:
رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم اجعل يدك نحو نحرك، وقد روى
سفيان وشعبة عن عاصم بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال:
كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في
الصلاة. قال أبو جعفر: فعلى هذا القول فصلّ لربك أي الصلوات
كلّها وانحر اجعل يدك نحو نحوك فهذا قول وعن أبي جعفر محمد بن
علي وَانْحَرْ ارفع يدك نحو نحرك إذا كبّرت للإحرام، وقال
الضحاك: وَانْحَرْ واسأل، وقول رابع «وانحر»
(5/188)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ (3)
واستقبل القبلة بنحرك كما حكي عن العرب هما
يتناحران أي يتقاتلان. قال أبو جعفر:
وليس هذا قول أحد من المتقدمين، وقول خامس عن أنس بن مالك قال:
كان النبي ينحر ثم يصلّي حتى نزلت فصلّ لربك وانحر فصار يصلّي
ثم ينحر، وقول سادس عليه أكثر التابعين، قال الحسن وعطاء أي
صلّ العيد وانحر البدن. قال أبو جعفر: وهذا قول مجاهد وسعيد بن
جبير، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه وبعض أهل النظر يميل
إليه لأنه ظاهر المعنى أي انحر البدن، ولا تذبحها، وبعض
الفقهاء يردّه لأن صلاة العيد ليست بفرض عند أحد من المسلمين،
الضحية ليست بواجبة عنه أكثر العلماء كما روي أن أبا بكر وعمر
كانا لا يضحيّان مخافة أن يتوهّم الناس أنّها واجبة، وكذا ابن
عباس قال: ما ضحّيت إلا بلحم اشتريته، وفي الآية قول سابع، وهو
أبينها، وهو مذهب محمد بن كعب قال: أخلص صلاتك لله وانحر له
وحده. وهو قول حسن لأن الله جل وعز عرفه ما أكرمه به وأعطاه
إياه فأمره أن يشكره على ذلك لئلا يفعل كما يفعل المشركون وأن
تكون صلاته خالصة لله وحده ويكون نحره قاصدا به ما عنده الله
جلّ وعزّ لا كما يفعل الكفار.
[سورة الكوثر (108) : آية 3]
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
إِنَّ شانِئَكَ قال ابن عباس: عدوك أبا جهل، وقيل العاصي بن
وائل هُوَ الْأَبْتَرُ أي المنقطع الذّكر من الخير لا أحد يا
قوم بدينه، ولا يذكره بخير. فكان هذا من علامات نبوته صلّى
الله عليه وسلّم أنه خبر بما لم يقع فكان كما أخبر به، وقد
قيل: لما أنزل الله إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) لم
يولد له بعد ذلك، والأول أصحّ، وأصله من بتره أي قطعه.
(5/189)
قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا
عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
109 شرح إعراب سورة الكافرين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الكافرون (109) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)
قُلْ في موضع جزم عند الفراء على حذف اللام، وسمعت علي بن
سليمان يقول: لو كان كما قال لكان بالتاء. وهو عند البصريين
غير معرب يا أَيُّهَا «يا» حرف نداء وضممت أيا لأنه منادى مفرد
قد مرت العلة فيه الْكافِرُونَ نعت لأي أو عطف البيان. قال
محمد بن يزيد: ليس في هذا تكرير وإنما جهل من قال: إنه مكرّر
اللغة، والمعنى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)
[سورة الكافرون (109) : الآيات 2 الى 5]
لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما
أَعْبُدُ (3) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا
أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5)
لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) في هذا الوقت، وكذا وَلا
أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3) انقضى هذا، ثم قال وَلا
أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) فيما استقبل وَلا أَنْتُمْ
عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5) مثله، وكان في هذا دلالة على نبوته
صلّى الله عليه وسلّم لأن كل من خاطبه بهذا المخاطبة ثم لم
يسلم منهم أحد، وكذا الذين خاطبهم بقولهم سَواءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
[البقرة: 6] . أَنْتُمْ عابِدُونَ مبتدأ وخبر، وكذا أَنا
عابِدٌ على حذف الواو، ومعناها ولم تنصب «لا» كما تنصب «ما»
لأن «ما» أدخل في شبه ليس فنصبت كما نصبت ليس.
[سورة الكافرون (109) : آية 6]
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
لَكُمْ دِينُكُمْ مبتدأ، وكذا وَلِيَ دِينِ «1» وحذفت الياء من
ديني لأنه رأس آية فحسن الحذف لتتفق الآيات، ومن فتح الياء في
قوله «ولي» قال: هي اسم فكرهت أن أخلّ به، ومن أسكنها قال: قد
اعتمدت على ما قبلها في موضع نصب.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 523 (قرأ سلام «ديني» بالياء وصلا
ووقفا، وحذفها القرّاء السبعة) .
(5/190)
|