إعراب القرآن للنحاس

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)

100 شرح إعراب سورة العاديات
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5)
وَالْعادِياتِ خفض بواو القسم. وللعلماء في معناها قولان: روى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس أنها الخيل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنها الإبل وكذا قال ابن مسعود، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس سألني رجل عن وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فقلت: هي الخيل، فمضى إلى علي بن أبي طالب فأخبره فبعث لي فأحضرني فقال لي: أتتكلّم في كتاب الله بغير علم؟ والله إن أول غزوة كانت لبدر، وما كان معنا إلّا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود إنّما العاديات من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منّى. ونظير هذا ما حدّثناه البهلول بن إسحاق بن البهلول بن حسان ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا كثير بن عبد الله المزنيّ قال: كنت عند محمد بن كعب القرظيّ فجاءه رجل فقال: يا أبا حمزة إني رجل صرورة لم أحجج قطّ فعلّمني مما علّمك الله سبحانه. قال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم. قال: فاستفتح فاقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ خمس آيات وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) أتدري ما هذا؟ قال: لا. قال: «والعاديات ضبحا» الرفع من عرفة فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) إلى المزدلفة فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) لا تغير حتى تصبح فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) يوم منى. قال أبو جعفر: اختلف العلماء في معنى فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فمذهب علي بن أبي طالب وابن مسعود أنها الإبل، وروى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس قال: الناس يورون النار ليراها غيرهم، وروى غيرهما عن ابن عباس الخيل، وقال قتادة: الخيل تشعل الحرب، وقال عكرمة: الموريات الألسن. قال أبو جعفر: ولا دليل يدلّ على تخصيص شيء من هذه الأقوال فالصواب أن يقال ذلك لكل من أورى على أن المعنى واحد إذا كان التقدير: وربّ العاديات ونصبت ضَبْحاً لأنه مصدر في موضع الحال. وعن ابن عباس الضّبح نفخها

(5/173)


إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)

بمشافرها. ونصبت قَدْحاً على المصدر لأن معنى «فالموريات» فالقادحات «فالمغيرات» عن ابن عباس أنها الخيل وعن ابن مسعود أنها الإبل «ضبحا» ظرف زمان فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) قال الفراء: الهاء كناية عن الوادي، ولم يتقدّم له ذكر لأنه قد عرف المعنى، وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس: النقع الغبار. وسطن ووسّطن وتوسّطن واحد. وعن ابن عباس فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (5) من العدو. عن ابن مسعود «جمعا» المزدلفة.

[سورة العاديات (100) : آية 6]
إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
أهل التفسير على أن معناه لكفور أي كفور لنعمه. قال الحسن: يتسخّط على ربه جلّ وعزّ ويلومه فيما يلحقه من المصائب، وينسى النعم.

[سورة العاديات (100) : آية 7]
وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
وَإِنَّهُ أي وإنه ربه عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ.

[سورة العاديات (100) : آية 8]
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
وَإِنَّهُ أي وإن الإنسان لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ في معناه أقوال: قيل: لشديد القوى، وقول الفراء «1» : أن المعنى أن الإنسان للخير لشديد الحب فالتقدير عنده إنه لحبّ الخير لشديد الحب ثم حذف ما بعد شديد، والقول الثالث سمعت علي بن سليمان يقول كما تقول: أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك أي وإنه من أجل حبّ الخير أي المال لشديد أي لبخيل.

[سورة العاديات (100) : آية 9]
أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (9)
لا يجوز أن يعمل في «إذا» «يعلم» ، ولا «لخبير» ، ولكن العامل فيها عند محمد بن يزيد «بعثر» ، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

[سورة العاديات (100) : آية 10]
وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (10)
يقول أبرز.

[سورة العاديات (100) : آية 11]
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
كسرت «إنّ» من أجل اللام. حكى علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه يجوز فتحها مع اللام لأنها زائدة، دخولها كخروجها إلّا أنها أفادت التوكيد.
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 285.

(5/174)


الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)

101 شرح إعراب سورة القارعة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القارعة (101) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْقارِعَةُ (1)
مرفوعة بالابتداء والخبر في الجملة وقيل: هي مرفوعة بإضمار فعل والتقدير:
ستأتي القارعة. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس: الْقارِعَةُ من أسماء القيامة عظّم الله وحذّر منه.

[سورة القارعة (101) : آية 3]
وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3)
قال أبو جعفر: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (3) تعظيم لها ونصب يَوْمَ: ستأتي على قول من أضمره، ومن لم يضمره فالتقدير عنده: القارعة.

[سورة القارعة (101) : الآيات 4 الى 5]
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) الكاف في موضع نصب خبر يكون، وكذا: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) وفي قراءة عبد الله (كالصوف) والعهن جمع عهنة.

[سورة القارعة (101) : آية 6]
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (6)
مَنْ في موضع رفع بالابتداء والجملة الخبر. قال الفراء «1» : موازينه أي وزنه.

[سورة القارعة (101) : آية 7]
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (7)
قال مجاهد: يرضى بها. قال أبو جعفر: التقدير في العربية: ذات رضى على النسب.

[سورة القارعة (101) : الآيات 8 الى 9]
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (9)
قول الأخفش: إن معنى أمّه مستقرّه، وهاوية نار وأنشد: [الطويل]
__________
(1) انظر معاني الفرّاء 3/ 287.

(5/175)


وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)

583-
هوت أمّه ما يبعث الصّبح غاديا ... وماذا يؤدّي اللّيل حين يؤوب «1»
وقال غيره: «فأمّه هاوية» أصله هاو أي هالك لأن أمّ الشيء أصله ومعظمه ومنه قيل للحمد: أمّ القرآن، ومنه قول الشاعر: [الوافر] 584-
لأمّ الأرض ويل ما أجنّت ... غداة أضرّ بالحسن السّبيل «2»

[سورة القارعة (101) : آية 10]
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (10)
جيء بالهاء لأن من العرب من يقول: هي بإسكان الياء فتثبت الهاء على لغة من حرّكها ليفرق بينها وبين لغة من أسكن فإن وصلت لم يجز إثبات الهاء لأن الحركة قد ثبتت، والصواب أن يوقف عليه يتّبع السواد ولا يلحن، وسمعت علي بن سليمان يقول: من قال: أصل وأريد الوقوف فقد أخطأ لأنه يلزمه أن لا يعرب الأسماء في الأدراج ويريد الوقوف. قال أبو جعفر: وهذا حجّة بيّنة صحيحة.

[سورة القارعة (101) : آية 11]
نارٌ حامِيَةٌ (11)
بإضمار مبتدأ.
__________
(1) الشاهد لكعب بن سعد الغنويّ في الأصمعيات ص 95، ولسان العرب (أمم) و (هوا) ، وتهذيب اللغة 15/ 602، وجمهرة اللغة 229، والأصمعيات 95، وسمط اللآلي ص 773، وجمهرة أشعار العرب 703، وتاج العروس (أم) و (هوى) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 6/ 492، والمخصّص 12/ 182، ولسان العرب (هبل) .
(2) الشاهد لعبد الله بن عنمة الضبيّ في لسان العرب (ضرر) و (حسن) ، والتنبيه والإيضاح 2/ 153، وتهذيب اللغة 4/ 316، وجمهرة اللغة 535، ولعنمة بن عبد الله الضبيّ في تاج العروس (حسن) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة 122، ومقاييس اللغة 2/ 58، ومجمل اللغة 2/ 62، وأساس البلاغة (سلف) .

(5/176)


أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)

102 شرح إعراب سورة التكاثر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2)
أصوب ما قيل في معناه أنّ المعنى: ألهاكم التكاثر عن طاعة الله جلّ وعزّ إلى أن صرتم إلى المقابر فدفنتم، ودلّت هذه الآية على عذاب القبر لا بعدها كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) أي إذا صرتم إلى المقابر. وروي عن زرّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نزل في عذاب القبر ألهاكم التكاثر، وقرأ إلى كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) قال الفراء:
واحد المقابر مقبرة ومقبرة وبعض أهل الحجاز يقول: مقبرة، وقد سمعت مشرقة ومشرقة ومشرقة.

[سورة التكاثر (102) : الآيات 3 الى 4]
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) تكرير عند الفراء. وأحسن منه ما قاله الضحاك قال:
الأولى للكفار، وذهب إلى أن الثانية للعصاة من المؤمنين.

[سورة التكاثر (102) : الآيات 5 الى 6]
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) مصدر، وحذف جواب لو. والتقدير: لو تعلمون أنكم ترون الجحيم لمّا تكاثرتم في الدنيا بالأموال وغيرها. قال الكسائي: جواب لَوْ في أول السورة أي لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر. وقرأ الكسائي لَتَرَوُنَّ «1» بضمّ التاء. حكاه أبو عبيد عنه، وقرئ على إبراهيم بن موسى عن محمد بن الجهم عن أبي عبد الرّحمن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قرأ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها «2» الأولى بضمّ التاء والثانية بفتحها. قال أبو جعفر:
والأولى عند الفرّاء «3» وأبي عبيد فتحها، لأن التكرير يكون متفقا. قال أبو جعفر:
والأحسن ألا يكون تكريرا، ويكون المعنى لترونّ الجحيم في موقف القيامة.
__________
(1) انظر تيسير الداني 182.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 506.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 288.

(5/177)


ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)

[سورة التكاثر (102) : آية 7]
ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
ثُمَّ لَتَرَوُنَّها إذا دخلتم النار عَيْنَ الْيَقِينِ مصدر لأن المعنى لتعايننّها عيانا.

[سورة التكاثر (102) : آية 8]
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
قيل: أي عن النعيم الذي يشغل عن طاعة الله جلّ وعزّ. وظاهر الكلام يدلّ على أنه عام، وأنّ الإنسان مسؤول عن كل نعيم تنعّم به في الدنيا من أين اكتسبه؟ وما قصد به؟ وهل فعل ما غيره أولى منه؟ ويسند الظاهر للأحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال: حدّثنا هشام بن عبد الملك قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة قال: حدّثنا عمّار بن أبي عمّار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: جاءني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخرجنا أو قدمنا إليه رطبا أو بسرا وماء فقال: «هذا من النّعيم الذي تسألون عنه» «1» . وحدّثنا علي بن الحسين عن الحسن بن محمد قال: حدّثنا داود بن مهران عن داود بن عبد الرّحمن عن محمد بن عيثم عن ابن عباس ثم لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ قال: الأمن والصحّة.
__________
(1) أخرجه النسائي في سننه الوصايا ب 4، وأحمد في مسنده 3/ 338، وموارد الظمآن للهيثمي (2531) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1/ 120، والهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 317.

(5/178)


وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)

103 شرح إعراب سورة العصر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة العصر (103) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ (1)
التقدير: وربّ العصر، ويدخل فيه كلّ ما يسمى بالعصر لأنه لم يقع اختصاص تقوم به حجة فالعصر الدهر، والعصر العشي، والعصر الملجأ.

[سورة العصر (103) : آية 2]
إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
الإنسان بمعنى الناس، والخسر دخول النار. فهو أكبر الخسران.

[سورة العصر (103) : آية 3]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
الَّذِينَ في موضع استثناء من موجب آمَنُوا صلته، وكذا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ لأنه معطوف.

(5/179)


وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)

104 شرح إعراب سورة الهمزة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الهمزة (104) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
وَيْلٌ رفع بالابتداء ويجوز نصبه لأنه بمعنى المصدر كما يجوز قبوحا له منصوب إلّا أن الرفع في «ويل» أحسن لأنه غير مأخوذ من فعل والنصب في قبوح أجود لأنه مأخوذ من فعل. وفي نصب «ويل» قول آخر، يكون التقدير قولوا الزم الله ويلا لكل همزة، وهذا مذهب سيبويه «1» . قال مجاهد: ليست هذه خاصّا لأحد. قال أبو جعفر: وهذا قول صحيح في العربية لأن سبيل كل أن تكون غير خاصة. قال أبو العالية: «الهمزة» الذي يعيب الناس في وجوههم، واللّمزة الذي يعيبهم من ورائهم.
وسمعت علي بن سليمان يستحسن هذا القول. وقال ابن زيد: الهمزة الذي يهمز الناس ويضربهم بيده، واللّمز الذي يلمزهم ويعيبهم بلسانه.

[سورة الهمزة (104) : آية 2]
الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (2)
الَّذِي في موضع رفع بمعنى هو الذي، ويجوز النصب بمعنى أعني الذي، ويجوز الخفض على البدل من كلّ. قرأ أبو جعفر ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي «جمع» «2» بالتشديد. وقرأ الحسن وابن كثير وعاصم وأبو عمرو وشيبة ونافع جَمَعَ. قال أبو جعفر: «جمع» بالتخفيف يكون للقليل والكثير، وجمّع لا يكون إلا للكثير. وروي عن الحسن وَعَدَّدَهُ بالتخفيف، وهي قراءة شاذة إن كان يريد عدّه ثم أظهر التضعيف كما قال: [البسيط] 585- إنّي أجود لأقوام وإن ضننوا «3»
__________
(1) انظر الكتاب 1/ 396.
(2) انظر تيسير الداني 182، والبحر المحيط 8/ 510.
(3) مرّ الشاهد رقم (176) .

(5/180)


يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)

وهو بعيد، وإنما يجوز في الشعر وإن كان يريد جمع مالا وجمع عدده على أنه مفعول أي أحصى عدده فهو جائز.

[سورة الهمزة (104) : الآيات 3 الى 4]
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) يقال: هي لغة النبي صلّى الله عليه وسلّم بكسر السين جاء على فعل يفعل، وله نظائر يسيرة قد ذكرناها. «أنّ» وما عملت فيه في موضع المفعولين، والمعروف من قراءة الحسن «لينبذانّ في الحطمة» «1» بعينه وماله، وقد روي عنه (لينبذنّ) بضم الذال. فقيل لا يجوز لأنه إنما تقدّم ذكر اثنين، وقيل: هو للهمزة واللمزة والذي جمع مالا.

[سورة الهمزة (104) : آية 5]
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
قال الفراء: اسم للنار، ولو كانت بغير ألف ولام لم تنصرف. قال أبو جعفر:
يقال: حطمه إذا كسّره كما قال: [الرجز] 586- قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم «2» ورجل حطم أي أكول.

[سورة الهمزة (104) : الآيات 6 الى 7]
نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
نارُ اللَّهِ أي هي نار الله «الموقدة» نعت للنار، وكذا الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) اطّلعت على فلان وطلعت أي بلغت وواحد الأفئدة فؤاد.

[سورة الهمزة (104) : آية 8]
إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
خبر «إن» يقال: آصدت أوصد فمن قال: أوصدت قال: موصدة فلم يهمز، ومن قال: آصدت قال: مؤصدة، وجاز أن يخفّف الهمزة فيقول: موصدة واللغتان حسنتان كثيرتان، وكذا أكّدت ووكدت وهو التأكيد والتوكيد، وكذا أرّخت وورّخت وهو التأريخ والتوريخ، وأكفت وأوكفت وهو الاكاف والوكاف.

[سورة الهمزة (104) : آية 9]
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
فِي عَمَدٍ هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود وزيد بن
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 510، ومختصر ابن خالويه 179، ومعاني الفراء 3/ 290.
(2) الشاهد لرشيد بن رميض في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي 355، والأغاني 15/ 199، وللأغلب العجلي في الحماسة الشجرية 1/ 144، وللحطم القيسي في الكتاب 3/ 246، وشرح المفصّل 1/ 62، وله أو لأبي زغيبة الأنصاري في شرح أبيات سيبويه 2/ 286، وله أو لأبي زغبة الخزرجي أو لرشيد بن رميض في لسان العرب (حطم) ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (حطم) وجمهرة اللغة 830، وسمط اللآلي 59، وشرح المفصّل 6/ 112. [.....]

(5/181)


ثابت وهي قراءة عاصم ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي، وقرأ المدنيون وأبو عمرو فِي عَمَدٍ «1» وإذا جاء الشيء على هذا الاجتماع حظر في الديانة أن يقال:
إحداهما أولى من الأخرى. وأجود ما قيل هكذا أنزل كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» «2» ولكن تلخّص القراءات من العربية فيقال: عمود وعمد فهكذا فعول وفعيل وفعال يجمعن على فعل نحو كتاب وكتب ورغيف ورغف، وقد قالوا: أديم وأدم، وهذا كعمود وعمد اسم للجميع لا جمع على الحقيقة وكذا أفيق وأفق وإهاب وأهب ونعيم ونعم، وقال: خادم وخدم فأما معنى «في عمد» فقد تكلّم فيه أهل التفسير وأهل العربية. قال عطاء الخراساني يعني عمدا من نار ممددة عليهم، وقال ابن زيد: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ أي هم مغلّلون بعمد من حديد قد احترقت فصارت نارا، وقيل: توصد عليهم الأبواب أي تطبق ويقام عليها عمد من حديد ليكون ذلك أشدّ ليأسهم من الخروج، وقيل «في عمد» أي بين عمد، كما تقول: فلان في القوم أي بينهم، وقيل مع عمد، كما قال: [الطويل] 587-
وهل ينعمن من كان آخر عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال «3»
أي مع، وسمعت علي بن سليمان يقول: «في» على بابها أي ثلاثين شهرا داخلة في ثلاثة أحوال. قال أبو جعفر ومن أجلّ ما يروى في الآية ما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أتدرون كيف أبواب النار؟ قلنا: مثل أبوابنا هذه فقال: لا، إنّ بعضها فوق بعض «ممدّدة» بالخفض نعت لعمد، وبالرفع نعت لموصدة أو خبر بعد خبر.
__________
(1) انظر تيسير الداني 182، والبحر المحيط 8/ 510 ومعاني الفراء 3/ 290.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 2/ 232، والهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 150، وابن كثير في تفسيره 2/ 9، والهيثمي في موارد الظمآن (1779) .
(3) مرّ الشاهد رقم (396) .

(5/182)