إعراب القرآن للنحاس وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ
الْأَمِينِ (3)
95 شرح إعراب سورة التين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التين (95) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
أدغمت اللام في التاء والزاي لقربها منهما، ولا يجوز الإظهار
مع لام التعريف لكثرتها في الكلام، ويجوز في غيرها وإن كانت
هذه اللام قد قيل: إنها مع ما هي هاهنا اسم علم. قال محمد بن
كعب: «التين» مسجد أصحاب الكهف، والزيتون «مسجد إيليا» فإن
أصلها التعريف ثم وقعت التسمية وكذا قول من قال: التين دمشق،
والزيتون بيت المقدس، وقول من قال: هما مسجدان أحدهما الذي
كلّم الله عزّ وجلّ عليه موسى صلّى الله عليه وسلّم. فأما داود
بن أبي هند فروى عن عكرمة وعن ابن عباس قال: التين تينكم هذا،
والزيتون زيتونكم، قال أبو جعفر: وهذه الأقوال إذا حصّلت آلت
إلى معنى واحد لأن القسم إنما هو بربّ العالمين جلّ وعزّ
فالتقدير: وربّ التين والزيتون.
[سورة التين (95) : آية 2]
وَطُورِ سِينِينَ (2)
قيل: هو طور سينا بلغات، وقيل: غير هذا مما ذكرناه «1» .
[سورة التين (95) : آية 3]
وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
وهذه اللغة الفصيحة. والاسم منه ذا عند البصريين، وها للتنبيه،
وعند الكوفيين الاسم الذال. ولم يعرب لأنه اسم غير متمكّن
ينتقل فأشبه الحروف لأنه غير ثابت على مسمّى فوجب أن لا يعرب،
وقال بعض النحويين: لأن في آخره ألفا والألف لا يتحرك. قال
الفرّاء: ولو حرّكت صارت همزة، وقال الخليل رحمه الله: الألف
حرف هوائي فمحال أن يحرك لأنه بمنزلة الحركة ولا تحرك الحركة.
قال أبو جعفر: و «ذا» اسم ظاهر يدلّ على ذلك كسر اللام معه.
وقد قال بعض النحويين- جوابا لمن سأل لم
__________
(1) انظر إعراب الآية 130- الصافات. [.....]
(5/158)
لَقَدْ خَلَقْنَا
الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ
أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
حرّكت المضمرات ولم تحرّك المبهمة؟: إن
المضمرات في مواضع الأسماء المعربة وكانت لها مزيّة فحرّكت.
قال أبو جعفر: وسمعت أبا بكر بن شقير يحكي هذا، وهو جواب حسن
محصّل فأما الفرّاء فخلط الجميع فقال: من قال: هو زيد، بإسكان
الواو قال: هذا زيد، ومن قال: هو زيد، قال: هذا أي زيد، ومن
قال: هو زيد، بتشديد الواو قال هذاه زيد. قال أبو جعفر: وبيان
التخطيط في هذا بيّن لأن قولك: هو بإسكان الواو لغة شاذة،
وقولك: هذا لغة بها جاء القرآن فكيف تحاذي إحداهما الأخرى إلا
أن يتجازيا من جهة أخرى على قوله وذلك أن قولك: هو، الاسم منه
عنده الهاء، والاسم من هذا الذال، وهذا قوله بلا اختلاف عنه.
ومن التخليط أن قولك هذّاه الهاء عنده فيه لبيان الحركة وقد
أثبتها في الوصل. وزعم الفرّاء: أن الدليل على أن الاسم الذال
في هذا قول العرب في التثنية هذان فأسقطوا الألف. وهذا لا يلزم
لأن الألف إنما سقطت في التثنية لالتقاء الساكنين ولم يجز
قلبها فيقال: هذيان ولا هذوان لأنه لا يعلم أنها منقلبة من
ياء، ولا واو فتقلب إلى إحداهما فلم يبق إلا الحذف. الْبَلَدِ
الْأَمِينِ نعت وإن شئت بدل، وإن شئت عطف البيان. وزعم الفرّاء
«1» إن الأمين بمعنى الآمن، وأنشد: [الطويل] 575-
ألم تعلمي يا أسم ويحك أنّني ... حلفت يمينا لا أخون أميني «2»
قال أبو جعفر: وخولف الفرّاء في هذا فقيل: أمين بمعنى مأمون في
الآية والبيت جميعا.
[سورة التين (95) : آية 4]
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
تكلّم العلماء في معناه فعن ابن عباس قال: خلق كل شيء منكبّا
إلّا الإنسان وقال عكرمة فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ الشباب والقوة
والجلد، وقال مجاهد والنخعي فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ في أحسن
صورة. وهذا أحسن ما قيل فيه لأن التقدير في العربية: في تقويم
أحسن تقويم أقيم مقام المنعوت أي في تقويم أعدل تقويم وصورة.
[سورة التين (95) : آية 5]
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (5)
فيه اختلاف أيضا. فعن ابن عباس إلى أرذل العمر، وعن عكرمة إلى
النار، وزعم محمد بن جرير: إن الصّواب إلى أرذل العمر أي إلى
الهرم، ويكون هذا لخاص من الناس، واستدل على صواب هذا إن الله
جلّ وعزّ إنما عدد ما شاهدوه من قدرته من
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 276.
(2) الشاهد بلا نسبة في مقاييس اللغة 1/ 134، وتاج العروس
(أمن) ، ومعاني الفراء 3/ 276، وتفسير الطبري 30/ 241.
(5/159)
إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
خروج الإنسان من الشباب إلى الهرم ولا
يعدّد عليهم ما لا يقرون به من دخول النار.
وقال غيره: هذا لا يلزم لأن حجج الله ظاهرة، وقد ظهرت آيات
نبيه صلّى الله عليه وسلّم فوجب أن يكون كل ما أخبر به بمنزلة
المعاين.
[سورة التين (95) : آية 6]
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ
أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
من قال: المعنى إلى أسفل سافلين إلى النار جعل الَّذِينَ
آمَنُوا في موضع نصب استثناء من الهاء التي في رددناه لأنها
بمعنى جمع، ومن قال إلى أسفل سافلين: إلى أرذل العمر جعل
«الذين» استثناء ليس من الأول، وقيل في الكلام حذف الاستثناء
منه.
والتقدير ثم رددناه إلى الهرم والخرف حتى صار لا يقدر على
عبادة الله جلّ وعزّ وأداء فرائضه، ولا يكتب له شيء لهم مثل ما
كانوا يعملون. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فَلَهُمْ أَجْرٌ
غَيْرُ مَمْنُونٍ قال يقول غير منقوص.
[سورة التين (95) : آية 7]
فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
تكلّم النحويون في هذه الكلمة وفي بيانها واختلاف حركتها
وتنوينها وغير تنوينها ببضعة عشر جوابا: فمن ذلك أن النحويين
مجمعون على أن قبل وبعد إذا كانا غايتين فأصلهما إلا يعربا،
وأجابوا في علّة ذلك بأجوبة فمن أصحّها أن سبيل تعريف الأسماء
أن تكون الألف واللام أو بالإضافة إلى معرفة فلمّا كانتا قد
عرّفتا بغير تعريف الأسماء وجب بناؤهما، وقال علي بن سليمان:
لمّا كانتا متعلّقتين بما بعدهما، وقيل: لما لم يتصرّفا بوجوه
الإعراب ولم يتمكّنا وجب لهما البناء، فهذه ثلاثة أجوبة فإن
قيل: لم وجبت لهما الحركة؟ فالجواب أن سيبويه «1» قال: وأما
المتمكن الذي جعل في موضع بمنزلة غير المتمكّن فقولهم: ابدأ
بهذا أوّل، ويا حكم أقبل، وشرح هذا أن أول وقبل وبعد لما وجب
ألا يعربن في موضع وقد كنّ يعربن في غيره كره أن يخلين من حركة
فضممن فإن قيل: فلم لا فتحن أو كسرن؟ في هذا السؤال خمسة أجوبة
منها أن الظروف يدخلها النصب والخفض إذا لم تعتلّ فلا يدخلها
الرفع فلما اعتلّت ضمّت لأن الضمة من جنس الرفع الذي لا يدخلها
في حال سلامتها، وقيل: لمّا أشبهت المنادى المفرد أعطيت حركته،
وقيل: لما كانت غاية أعطيت غاية الحركات، فهذه ثلاثة أجوبة في
الضم للبصريين لا نعلم لهم غيرها، والجوابان الآخران للكوفيين:
قال الفرّاء «2» : لما تضمّنت قبل وبعد معنيين ضمّتا. قال أبو
جعفر: وشرح هذا أنهما تضمّنتا معناهما في أنفسهما ومعنى ما
بعدهما فأعطيتا أثقل الحركات، وقال هشام: لم يجز أن يفتحا
فيكونا كأنهما مضافتان إلى ما بعدهما ولا يكسران فيكونا
كالمضاف إلى
__________
(1) انظر الكتاب 3/ 319.
(2) انظر معاني الفراء 2/ 321.
(5/160)
أَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
المخاطب فلم يبق إلّا الضم. قال أبو جعفر:
فهذه تسعة أجوبة، وأجاز الفرّاء آتيك بعد يا هذا، بالضم
والتنوين وأنشد: [الطويل] 576-
ونحن قتلنا الأزد أزد شنوءة ... فما شربوا بعد على لذّة خمرا
«1»
قال أبو جعفر: وهذا خارج عما جاء به القرآن وكلام العرب
والمعقول لا حجّة له في البيت إن كان يعرف قائله لأنه بغير
تنوين جائز عند أهل العلم بالعروض، كما أنشدوا: [الطويل] 577-
شاقتك أحداج سليمى بعاقل ... فعيناك للبين تجودان بالدّمع «2»
وأجاز أيضا رأيتك بعدا يا هذا. قال أبو جعفر: فهذا نظير. ذلك
أن يكون أراد النكرة وأجاز هشام رأيتك بعد يا هذا، جعله منصوبا
وأضمر المضاف إليه فكأنه زعم أن قد نطق به لما كان في النية،
وزعم الفراء والأخفش: أنّ المعنى فمن يكذبك بعد بالدين. قال
أبو جعفر: وهذا لا يعرج عليه، ولا تقع «ما» بمعنى «من» إلا في
شذوذ، والمعنى هاهنا صحيح أي فما يحملك يا أيّها المكذب فأيّ
شيء يحملك على التكذيب بعد ظهور البراهين والدلائل بالدين الذي
جاء بخبره من أظهر البراهين.
[سورة التين (95) : آية 8]
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (8)
أي في تدبيره وصنعه لا يدخل دينك فساد ولا تفاوت، وليس كذا
غيره.
__________
(1) الشاهد بلا نسبة في إصلاح المنطق 146، وأوضح المسالك 3/
158، وخزانة الأدب 6/ 501، والدرر 3/ 109، وشرح الأشموني 2/
322، وشرح التصريح 2/ 50، وشرح شذور الذهب 137، ولسان العرب
(بعد) و (خفا) والمقاصد النحوية 3/ 436، وهمع الهوامع 1/ 209،
ومعاني الفراء 2/ 321.
وفي رواية «الأسد أسد خفيّة» .
(2) لم أعثر عليه في المراجع التي بين يديّ.
(5/161)
اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ
(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ (4)
96 شرح إعراب سورة القلم (العلق)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة العلق (96) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ في موضع جزم على قول الكوفيين.
والعامل فيه عند الفرّاء لام محذوفة، وعلامة الجزم حذف الضمة.
وهو عند البصريين غير معرب لأنه لا يضارع الأسماء فيعرب، وحكى
أبو زيد والكسائي «أقر» «1» على بدل الهمزة فيصير كقولك:
اخش، ومثل هذا قول زهير: [الطويل] 578- وإن لا يبد بالظّلم
يظلم «2» وقد قيل: إن على هذا قراءة الجماعة أَتَسْتَبْدِلُونَ
الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة: 61] وأنه
مأخوذ من الدناءة. الَّذِي خَلَقَ في موضع خفض نعت لربك أو في
موضع رفع على إضمار مبتدأ أو في موضع نصب بمعنى أعني.
[سورة العلق (96) : آية 2]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
الإنسان بمعنى جماعة فلذلك قال: علّق وهو جمع علقة.
[سورة العلق (96) : آية 3]
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
وحذف المفعول أي اقرأ ما أنزل إليك وربك الأكرم لا يخليك من
الثواب على قراءتك.
[سورة العلق (96) : آية 4]
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
نعت للذي الأول.
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 488، والإتحاف 272.
(2) مرّ الشاهد رقم (16) .
(5/162)
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ
مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى
(6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى
(8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ
لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ
كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
[سورة العلق (96) : الآيات 5 الى 6]
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلاَّ إِنَّ
الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6)
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) مفعولان. ومن قال:
إن كَلَّا تمام في جميع القرآن قال: المعنى ليس يجب أن يدعوا
التفكّر فيما بيّنه الله من خلقكم مما يدلّ على وحدانيته، وأنه
لا شبه له. إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى جاء على فعل يفعل لأنّ
فيه الغين.
[سورة العلق (96) : آية 7]
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (7)
«1» فجاء المفعول متصلا، ولم يستعمل رأى نفسه، لأنه من أخوات
ظننت.
[سورة العلق (96) : آية 8]
إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (8)
في موضع نصب ولم يتبيّن فيه الإعراب لأن في آخره ألفا.
[سورة العلق (96) : الآيات 9 الى 12]
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (11) أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوى (12)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (9) عَبْداً إِذا صَلَّى (10) وحذف
الجواب لعلم السامع، وكذا أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى
(11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (12) .
[سورة العلق (96) : آية 13]
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
أي مع منعه من الصلاة إن كذّب الله ورسوله وتولّى عن طاعته.
[سورة العلق (96) : الآيات 14 الى 16]
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ
يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (15) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ
خاطِئَةٍ (16)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (14) أي يراه ويعلم فعله
فيعاقبه عليه ومن قال كَلَّا التمام قال:
المعنى: ليس الأمر على ما قدره من أنه يتهيّأ له أن يمنعه من
الصلاة لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ حذفت الياء للجزم، ومن أثبتها في
غير القرآن قدّرها متحركة لَنَسْفَعاً «2» الوقف عليه بالألف
فرقا بينه وبين النون الثقيلة ولأنه بمنزلة قولك: رأيت زيدا،
كما قال: [الطويل] 579- ولا تحمد الشّيطان والله فاحمدا «3»
بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (16) .
على البدل. والفراء «4» على التكرير، وأجاز ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ
خاطِئَةٍ لأنها نكرة بعد معرفة.
[سورة العلق (96) : آية 17]
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (17)
__________
(1) انظر تيسير الداني 181 (قرأ قنبل بقصر الهمزة والباقون
بمدّها) .
(2) انظر البحر المحيط 8/ 490.
(3) مرّ الشاهد رقم (173) .
(4) انظر معاني الفراء 3/ 279، والبحر المحيط 8/ 491.
(5/163)
سَنَدْعُ
الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ (19)
حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه
اتّساعا أي أهل ناديه.
[سورة العلق (96) : آية 18]
سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (18)
كتب بغير واو على الإدراج، ولا يجوز الوقف عليه.
[سورة العلق (96) : آية 19]
كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
كَلَّا لا تُطِعْهُ أي في ما ينهاك عنه من الضلالة وَاسْجُدْ
وَاقْتَرِبْ إلى الله جلّ وعزّ بطاعته فإنه يعظّمك ويمنع منك.
وفي الحديث «أقرب ما يكون العبد من الله تعالى إذا كان ساجدا
فأكثروا من الدعاء في السجود فإنه قمن أن يستجاب لكم» «1» .
__________
(1) ذكره البغوي في شرح السنة 3/ 151، والمتقي الهندي في كنز
العمال (3328) ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء 2/ 690.
(5/164)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
97 شرح إعراب سورة ليلة القدر (القدر)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة القدر (97) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
إِنَّا أصله إنّنا فحذفت النون لاجتماع النونات ولأنها زائدة
أَنْزَلْناهُ النون والألف في موضع رفع بالفعل، وأسكنت اللام
لاتصالها بالمضمر المرفوع اتباعا لما تتوالى فيه الحركات
والهاء في موضع نصب، وحذفت الواو بعدها لسكونها وسكون الألف،
وإن الهاء ليست بحاجز حصين لخفائها وبعدها، وقيل: لاجتماع حرفي
مدّ ولين فحذف أحدهما، والهاء كناية عن القرآن، وإن كان لم
يتقدم له ذكر في هذه السورة، وأكثر النحويين يقولون: لأنه قد
عرف المعنى، كما قال: [الطويل] 580- ألا ليتني أفديك منها
وأفتدي «1» ومن العلماء من يقول: جازت الكناية في أول السورة
لأن القرآن كلّه بمنزلة سورة واحدة لأنه أنزل جملة إلى السماء
الدنيا وسنذكر هذا بإسناده، وقول ثالث بيّن حسن وهو: إنّا
أنزلناه يدلّ على الإنزال والمنزل، كما حكى النحويون «2» : من
كذب كان شرّا له، لأن كذب يدلّ على الكذب، وأخفيت ليلة القدر
على الناس إلّا ما جاء في الحديث من أنها في العشر الأواخر من
شهر رمضان فقيل: إنما أخفيت لفضل العمل فيها لئلا يدع الناس
العمل في غيرها والاجتهاد ويتّكلوا على فضل العمل فيها، وقيل:
لأنها مختلفة تكون في سنة لثلاث وعشرين ثم يكون في غيرها. وأما
الحديث في تنزيل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة
القدر فصحيح غير مدفوع عند أهل السّنّة وإنّما يدفعه قول من
أهل الأهواء كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى
قال: حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في
__________
(1) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه 29، والدرر 2/ 269، وبلا
نسبة في الإنصاف 1/ 96 وصدره:
«على مثلها أمضي إذا قال صاحبي» [.....]
(2) انظر الكتاب 2/ 412.
(5/165)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا
لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ (1) قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا
فكان بموقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض
فقالوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً
كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا
[الفرقان: 32] . فأما تسميتها بليلة القدر ففيه قولان: أحدهما
أنها ليلة الجلالة والتعظيم من قولهم: لفلان القدر، والقول
الآخر، وهو الذي عليه العلماء المتقدمون، أنّها سمّيت ليلة
القدر لأنها تقدّر فيها آجال العباد وأرزاقهم كما قال قتادة:
يقدّر في ليلة القدر ما يكون إلى السنة الأخرى من الآجال
والأرزاق.
[سورة القدر (97) : آية 2]
وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
ما في موضع رفع بالابتداء وأَدْراكَ فعل ماض في موضع الخبر
والكاف في موضع نصب ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ مبتدأ وخبره، فيه
معنى التعظيم.
[سورة القدر (97) : آية 3]
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
مبتدأ وخبره أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها
ليلة القدر.
هذا البين، وإن كان قد روي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي
الله عنهما أنه قال: هي ألف شهر وليت فيها بنو أمية. قال: وكان
النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أريهم على المنابر فهاله ذلك
فأحصيت ولايتهم بعد ذلك فكانت كذلك. فهذا حديث مرويّ ليس في
ظاهر التلاوة ما يدلّ عليه والله أعلم.
[سورة القدر (97) : الآيات 4 الى 5]
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ
(5)
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
الأصل تتنزّل فحذفت التاء لاجتماع تاءين، وقال أهل التفسير:
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بأمر ربهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ هذا تمام
الكلام عند النحويين منهم الفراء، والمعنى على قولهم: تنزّل
الملائكة والروح فيها بأمر ربهم أي ينزلون بأمر الله الذي فيه
الآجال والأرزاق إلى السماء الدنيا من كلّ أمر أي من كلّ أمر
فيه الرزق والأجل والحجّ لمن يحجّ وغير ذلك، وحكى أبو عبيد أنه
روي عن ابن عباس وعكرمة أنهما قرءا «من كلّ امرى» «1» قال
إسماعيل بن إسحاق: لم يذكر أبو عبيد إسناده ولعلّه ضعيف. قال
أبو جعفر: إسناده ضعيف بغير لعلّ: رواها الكلبي عن أبي صالح عن
ابن عباس، وهذا إسناد لا يعرّج عليه، وهو مخالف للمصحف الذي
تقوم به الحجّة فمن جاء به هكذا قال التمام: من كل امرئ سلام،
كما قال الشعبي من كل امرئ من الملائكة سلام على المؤمنين
والمؤمنات، وقيل: المعنى من كل أمر مخيف سلام أي سلامة، وعلى
قراءة الجماعة سَلامٌ مرفوع على خبر هي كما تقول: قائم زيد أي
هي
__________
(1) انظر البحر المحيط 2/ 368، والبحر المحيط 8/ 493.
(5/166)
سلام أي دار سلامة أي ذات سلامة، كما قرئ
على محمد بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدّثنا جرير عن الأعمش عن
المنهال بن عمرو عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى «سلام هي» قال: لا
تعمل فيها الشياطين، ولا يجوز فيها السّحر ولا يحدث فيها شيء
إلى الفجر قال يوسف وحدّثنا تميم بن زياد قال: حدثنا أبو جعفر
الرازي عن الربيع عن أبي العالية «سلام هي» قال: خير كلّها إلى
مطلع الفجر، وروى الضحّاك عن ابن عباس قال تصفد فيها مردة
الشّياطين، وتقبل فيها التوبة فهذه أقوال المتقدمين من أهل
التفسير، وقال بعد المتأخرين: معنى «سلام هي» إنما يقضى فيها
الخير من الأرزاق والحجّ والشرّ يقضى في غيرها يذهب إلى أن
ليلة النصف من شعبان قد جاء فيها حديث من تقدير الأشياء فهذه
أقوال المتقدمين والمتأخرين والله أعلم بما أراد.
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ «1» بفتح اللام قراءة العامة، وقال
الفراء «2» : وقرأ يحيى بن وثّاب وحده حَتَّى مَطْلَعِ
الْفَجْرِ. قال أبو جعفر: وهي قراءة أبي رجاء العطارديّ. وأحسن
ما قيل في هذا قول سيبويه «3» قال: وقد كسروا المصدر قالوا:
أتيتك عند مطلع الشمس أي عند طلوع الشمس. هذه لغة بني تميم،
وأما أهل الحجاز فيقولون: مطلع والمطلع المكان.
قال أبو جعفر: شرح هذا أنه ما كان على فعل يفعل فالباب فيه أن
يكون المصدر منه واسم المكان مفعلا بالفتح، وكان يجب أن يكون
اسم المكان منه بالضم إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل فلم يكن
بدّ من تحويله إلى الفتحة أو الكسرة فكانت الفتحة أولى لأنها
أخفّ والدليل على ما قلناه أنه ما كان على فعل يفعل فالمصدر
منه مفعل بالفتح، اسم المكان والزمان بالكسر قالوا: جلس مجلسا
وهو في مجلسك، وفي الزمان أتت الناقة على مضربها بالكسر فهذا
يبيّن لك أن الأصل مطلع في المكان ثم حوّل إلى الفتح ثم سمع من
العرب أشياء تؤخذ سماعا بغير قياس قالوا: مطلع للمكان الذي
تطلع فيه الشمس، وقال بعضهم: مطلع للمصدر والفتح أولى لأن
الفتح في المصدر قد كان لفعل يفعل فكيف يكون في فعل يفعل وأيضا
فإنّ قراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة «حتّى مطلع» هذا في
قوّته في العربية وشذوذ الكسر وخروجه من القياس. قال أبو حاتم:
وفي حرف أبيّ «سلام هي إلى مطلع الفجر» قال أبو جعفر:
وهذه القراءة على التفسير، ولا يجوز لأحد أن يقرأ بها
لمخالفتها السواد الأعظم.
__________
(1) انظر تيسير الداني 182، ومعاني الفراء 3/ 280.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 280.
(3) انظر الكتاب 4/ 205.
(5/167)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ
مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
98 شرح إعراب سورة لم يكن (البيّنة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة البينة (98) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ
وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ (1)
يَكُنِ في موضع جزم بلم، وعلامة الجزم فيه حذف الضمة من النون
وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. فإن قيل: قد تحرّكت النون فلم
لأردت الواو؟ فالجواب أنها حركة عارضة، غير ثابتة فكأنها لم
يكن ولا تعرّج على قول من قال: حذفت الواو والضمة للجزم، ولا
يجوز عند الخليل وسيبويه والكسائي والفراء. حذف النون على لغة
من قال:
لم يك زيد جالسا لأنها قد تحرّكت وأجاز غيرهم حذفها كما قال:
[الطويل] 581- ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل «1»
وَالْمُشْرِكِينَ عطف على أهل، ولو كان عطفا على الذين لكان
مرفوعا مُنْفَكِّينَ خبر يكن في معناه قولان: قال عطاء: منفكين
بارحين، وبرح وزال في منهاج واحد.
وقال غيره: «منفكّين» متفرّقين. قال أبو جعفر: معنى القول
الأول: لم يكن الكفار زائلين عما هم عليه حتى يجيئهم الرسول
فيبيّن لهم ضلالتهم، ومعنى القول الثاني: لم يكن الكفار
متفرّقين إلا من بعد أن جاءهم الرسول لأنهم فارقوا ما عندهم من
صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم فكفروا بعد البيان. وهذا القول
في العربية أولى لأن منفكّين لو كان بمعنى زائلين لاحتاج إلى
خبر ولكن يكون من انفكّ الشيء من الشيء أي فارقه، كما قال ذو
الرمّة: [الطويل] 582-
قلائص ما تنفكّ إلّا مناخة ... على الخسف أو يرمي بها بلدا
قفرا «2»
__________
(1) مرّ الشاهد رقم (55) .
(2) الشاهد لذي الرمة في ديوانه 173، والكتاب 3/ 52، وتخليص
الشواهد 270، وخزانة الأدب 9/ 247، وشرح شواهد المغني 1/ 219،
ولسان العرب (فكك) ، والمحتسب 1/ 329، وهمع الهوامع 1/ 120،
وبلا نسبة في أسرار العربية ص 142، والأشباه والنظائر 5/ 173،
والجنى الداني 521، وشرح الأشموني 1/ 121، ومغني اللبيب 1/ 73
وهمع الهوامع 1/ 230.
(5/168)
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ
يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ
خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
وزعم الأصمعي أن ذا الرمة أخطأ في هذا. قال
أبو جعفر: تأول الأصمعي «ما تنفكّ» ما تزال، والصواب ما قال
المازني قال: أخطأ الأصمعيّ وما تنفكّ كلام تامّ ثم قال: إلّا
مناخة على الاستثناء المنقطع حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ.
[سورة البينة (98) : آية 2]
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2)
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ على البدل، ويجوز أن يكون بمعنى هي رسول
من الله. قال الأخفش سعيد: وفي حرف أبيّ «رسولا من الله» «1»
على الحال. قال الضحاك:
الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم يَتْلُوا صُحُفاً
مُطَهَّرَةً قال: القرآن.
[سورة البينة (98) : آية 3]
فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
قال ابن زيد: مستقيمة معتدلة.
[سورة البينة (98) : آية 4]
وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ
بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
يدلّ على أن الجواب الثاني في منفكين.
[سورة البينة (98) : آية 5]
وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ
وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ من القراء من يقول:
هذه لام أن أي إلّا أن يعبدوا الله وأصل هذا للفراء. فأما
البصريون فهي عندهم لام كي أي أمروا بهذا كي يعبدوا الله
مخلصين له الدين حُنَفاءَ على الحال. قال قتادة: الحنفيّة
الختان وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمّات والمناسك.
قال الضحاك: الحجّ. قال أبو جعفر: أصل هذا أن الحنف الميل:
فقيل: حنيف للمائل إلى الإسلام ميلا لا خلل فيه ولا رجوع
وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ وهذا دليل قاطع على أن الإسلام قول وعمل. قال جل
وعز: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران:
19] ويبيّن أن إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة دين القيّمة. قال
الفراء «2» : وفي حرف ابن مسعود «الدين القيّمة» وزعم أنه
إضافة الشيء إلى نفسه، وذلك محال عند البصريين لأنك إنما تضيف
الشيء إلى ما تبيّنه به فتضمه إليه فمحال أن تبيّنه بنفسه أو
تضمه إلى نفسه فالتقدير عندهم دين الجماعة القيمة، وقيل: دين
الملّة القيمة، ولهذا وقع التأنيث.
[سورة البينة (98) : الآيات 6 الى 7]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ
وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ
هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ
(7)
__________
(1) انظر البحر المحيط 8/ 495، ومعاني الفراء 3/ 282.
(2) انظر معاني الفراء 3/ 282.
(5/169)
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
وَالْمُشْرِكِينَ في موضع خفض عطف على أهل،
ويجوز النصب عطفا على الذين فِي نارِ جَهَنَّمَ في موضع الخبر
خالِدِينَ فِيها على الحال أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ
خبر بعد خبر، ويجوز أن تكون الجملة خبر «إن» مثل إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ
خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) بغير همز قراءة الجماعة، وهو المعروف
من كلام العرب، وقرأها نافع بالهمز. أخذها من برأ الله الخلق،
ومن لم يهمزها أخذها من البرا، وهو التراب وترك الهمز، وهو
الأصل عنده، والبريّة الخلق كما قرئ على أحمد بن شعيب بن علي
عن أبي كريب ثنا عبد الله بن إدريس سمعت المختار بن فلفل سمعت
أنس بن مالك يقول: قال رجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
يا خير البريّة فقال: «ذلك إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم» «1»
. قال أبو جعفر: ولا معنى لاحتجاج من احتجّ بأن الأنبياء صلوات
الله عليهم والمؤمنين أفضل من الملائكة صلوات الله عليهم بهذه
الآية لأن الملائكة من الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
[سورة البينة (98) : آية 8]
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ مبتدأ وخبره. قال
ابن مسعود: جَنَّاتُ عَدْنٍ بطنان الجنة أي وسطها. قال أبو
جعفر: يقال: عدن بالمكان إذا أقام به خالِدِينَ فِيها حال
أَبَداً ظرف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ من ذوات
الواو انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. والرضى بالألف
والتثنية بالواو ورضوان، ولا معنى لحكاية من حكى رضيان.
ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ قيل: أي لمن اتّقى الله في الدنيا
في سرّه وعلانيته فأدّى فرائضه واجتنب معاصيه.
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه الحديث رقم (4672) .
(5/170)
إِذَا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ
أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ
أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا
لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
99 شرح إعراب سورة إذا زلزلت (الزلزلة)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الزلزلة (99) : آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (1)
إِذا في موضع نصب ظرف زمان، والعامل فيها زلزلت زِلْزالَها
مصدر كما قال: أكرمتك كرامتك والمعنى كرامة، وكذا المعنى زلزلت
زلزالا. وحسنت الإضافة لتتفق الآيات. والكسائي والفراء «1»
يذهبان إلى أن الزلزال مصدر والزلزال اسم وأنه يقال: وسوسة
وسواسا، والوسواس الاسم. وقرأ عاصم الجحدري وَزُلْزِلُوا
زِلْزالًا شَدِيداً [الأحزاب: 11] بالفتح، وقرأ إِذا
زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها «2» .
[سورة الزلزلة (99) : آية 2]
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (2)
جمع ثقل والثقل في الأذن.
[سورة الزلزلة (99) : آية 3]
وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (3)
ما في موضع رفع بالابتداء، وهو اسم تام.
[سورة الزلزلة (99) : آية 4]
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (4)
قال أبو جعفر: لأن معنى تحدّث وتخبّر واحد. ودل هذا على أن
معنى حدّثنا وأخبرنا واحد.
[سورة الزلزلة (99) : آية 5]
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5)
ويقال: وحى له وإليه فيهما.
[سورة الزلزلة (99) : آية 6]
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا
أَعْمالَهُمْ (6)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً نصب على الحال. قال
الفراء «3» : اجتمع القراء على لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ «4» قال
أبو جعفر: حكى أبو حاتم أن عبّاد بن كثير قال: بلغني أنّ
__________
(1) انظر معاني الفراء 3/ 283.
(2) انظر البحر المحيط 8/ 496.
(3) انظر معاني الفراء 3/ 248.
(4) انظر البحر المحيط 8/ 498. [.....]
(5/171)
فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ لِيُرَوْا
أَعْمالَهُمْ «1» . قال أبو جعفر: في الكلام تقديم وتأخير عند
النحويين أي يومئذ تحدّث أخبارها ليروا أعمالهم.
[سورة الزلزلة (99) : الآيات 7 الى 8]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
فَمَنْ في موضع رفع بالابتداء، وهو اسم تام. ويعمل جزم بالشرط
وخَيْراً منصوب على البيان أو بدل من مثقال «يره» جواب الشرط
حذف الألف منه للجزم، وكذا وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ (8) فدلّ ظاهر الكلام على أنّ كلّ من عمل شيئا
رآه من مؤمن وكافر، وأنّ الكافر يجازى على عمله الحسن في
الدنيا من دفع مكروه، وكذا الأحاديث على هذا. أن الكافر يجازى
على حسن عمله في الدنيا، ولا يكون له في الآخرة خير، وأن
المؤمن على الضدّ من ذلك نصيبه المصائب في الدنيا وأجره موفّر
عليه في الآخرة.
__________
(1) انظر تيسير الداني 182 ( «يره» قرأ هشام بإسكان الهاء
والباقون بصلتها) .
(5/172)
|