الإبانة عن معاني القراءات

مقدمات
مقدمة عن مكي بن أبي طالب
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة عن مكي بن أبي طالب:
"355هـ - 437":
هو أبو محمد مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي، القيرواني مولدا، القرطبي مسكنا، الإمام العلامة، المحقق العارف، المتبحر في علوم القرآن والعربية أستاذ القراء والمجودين، والعالم بمعاني القراءات.
ولد مكي بالقيروان لسبع بقين من شعبان سنة خمس وخمسين وثلاثمائة هجرية، وأخذ يتردد منذ صباه الباكر بين مسقط رأسه: القيروان، وبلاد الشرق: مصر والحجاز، حتى رحل إلى الأندلس، واستقر به المقام في قرطبة فسكن فيها منذ سنة 393هـ.
وكانت القيروان مولد مكي بن أبي طالب دار العلم بالمغرب، إليها ينسب أكابر علمائه، وإليها كانت

(1/3)


رحلة أهله في طلب العلم، وكانت موطنا للزهاد والصالحين، والفضلاء والمتبتلين1، وكانت -حين ولد مكي- تحت حكم المعز لدين الله الفاطمي2، الذي استخلف عليها حين ارتحل إلى مصر سنة 362هـ بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي3، وسرعان ما أعلن هذا استقلاله، وأسس الدولة الزيرية "362هـ"4.
وفي بلاد المشرق التي ارتحل إليها مكي دويلات تتنازع مجد العلم والأدب، كما تتنازع السلطان، فكانت -من أجل ذلك- خيرًا وبركة على العلم والعلماء.
وحين قصد مكي بلاد الأندلس كانت الخلافة الأموية تلفظ أنفاسها الأخيرة حتى سقطت سنة 433هـ وتولى بنو جهور حكم قرطبة.
وكان بالأندلس حينئذ حضارة نامية مزدهرة، مما جعلها مقصدًا لطلاب العلم، ورواد المعرفة، واجتهد الخلفاء الأمويون وملوك الطوائف من بعدهم في مباراة أهل المشرق فأخذوا
__________
1 المعجب 356.
2 انظر تاريخ الإسلام السياسي 3/ 165.
3 المعجب 104.
4 تاريخ الإسلام السياسي 3/165.

(1/4)


بألوان الحضارة، وضروب التقدم الفكري، واشتهرت قرطبة في ذلك العصر بمسجدها الجامع، ولم يكن هذا المسجد موطن العبادة حسب؛ بل كان مجمعًا للساسة، ومنتدى العلماء أيضًا.
حفظت كتب التراجم تنقلات مكي على وجه دقيق: فقد سافر إلى مصر في الثالثة عشرة من عمره "367هـ"، وبها اختلف إلى المؤدبين والعارفين بعلوم الحساب1، وأكمل القرآن2 ثم رجع إلى القيروان، واستكمل بها علومه3، ثم نهض إلى مصر ثانية فقرأ القراءات على ابن غلبون سنة 376هـ4، وقيل سنة 277هـ5 وحج حجة الفريضة عن نفسه6، ثم رجع إلى القيروان سنة تسع وسبعين، وقد حفظ القرآن، واستظهر القراءات وغيرها من الآداب7، ثم عاد إلى مصر ثالثة في سنة اثنتين وثمانين8 ليتلقى ما بقي عليه من القراءات9، وبعدها عاد إلى القيروان سنة ثلاث
__________
1 وفيات الأعيان 4/ 261.
2 طبقات القراء 2/ 308.
3 إنباء الرواة 3/ 313.
4 طبقات القراء 2/ 309.
5 إنباه الرواة 3/ 313-314.
6 المصدر السابق.
7 معجم الأدباء 19/ 168.
8 إنباه الرواة 3/ 314.
9 معجم الأدباء 19/ 168.

(1/5)


وثمانين، وأقام بها يقرئ إلى سنة سبع وثمانين1، وفيها خرج إلى مكة فأقام بها إلى آخر سنة تسعين فحج أربع حجج متوالية2، وجاور ثلاثة أعوام3، ثم رجع إلى مكة فوصل إلى مصر سنة إحدى وتسعين، وفي سنة ثلاث وتسعين رحل إلى الأندلس، فدخل قرطبة، وظل بها إلى أن انتقل إلى جوار ربه.
نشأ مكي بالقيروان، ونزل بمصر متلقيًا القراءات، وزار مكة حاجًّا ومجاورًا، وكان له في كل هذه البلاد أساتذة قرأ عليهم، واشتهر منهم ثلاثة تتلمذ عليهم في مصر: قرأ على أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون، وهو أستاذ ماهر كبير، ضابط ثقة خَيِّر صالح ديِّن4، كما قرأ على ابنه طاهر وقد كان شيخًا للداني، وحجة محررًا، وأستاذًا عارفًا5 وكان مقدمًا بعد أبيه، عالما بعلل النحو ومقاييسه6، كما
__________
1 إنباه الرواة 3: 314.
2 معجم الرواة 19: 186.
3 طبقات القراء 1: 470.
4 طبقات القراء: 1: 470.
5 طبقات القراء 1: 339.
6 الحجة 1: 477 مراد ملا.

(1/6)


سمع مكي من أبي بكر محمد بن علي الأذفوي1 الذي قال الداني عنه: إنه انفرد بالإمامة في دهره في قراءة نافع رواية ورش، مع سعة علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وحسن اطلاعه، وتمكنه من علم العربية، وبصره بالمعاني2.
دخل مكي الأندلس، وجلس للإقراء، وتخرج على يديه وأخذ عنه أعلام مذكورون بالثقة، والضبط، فيحيى بن ابراهيم بن البيار3 المرسى إمام كبير4، وموسى بن سليمان اللخمي5 نزيل قرطبة مقرئ مسند6، وأبو بكر محمد بن المفرج7 مقرئ متصدر مشهور8، ومحمد بن أحمد بن المطرف الكناني9، القرطبي دين فاضل ثقة لازم مكيًّا، وحمل عنه معظم ما عنده10، وعبد الله بن سهيل11، الأنصاري الأندلسي أستاذ ماهر محقق12، ومحمد بن عيسى
__________
1 طبقات القراء 2: 309.
2 طبقات القراء 1: 199.
3 طبقات القراء 2: 309.
4 المصدر السابق 2: 364.
5 طبقات القراء: 2: 309.
6 طبقات القراء 2: 319.
7 المصدر السابق 2: 309.
8 طبقات القراء 2: 265.
9 طبقات القراء 2: 309.
10 المصدر السابق 2: 79.
11 طبقات القراء 2: 309.
12 طبقات القراء 1: 422.

(1/7)


ابن فرج1 الطليطلي أحد الحذاق بالقراءات مشهور بالتقدم والأمانة في الإقراء، وشدة الالتزام للسمت والهيئة2، وهكذا بارك الله في علم مكي، كما بارك في تلاميذه والذين أخذوا عنه.
وقد اشتهر مكي بالتقوى والصلاح، والتواضع والتدين، وإجابة الدعاء، حكى عنه أبو عبد الله الطرفي المقرئ قال:
كان عندنا بقرطبة رجل فيه بعض الحدة، وكان له على الشيخ أبي محمد مكي تسلط، كان يدنو منه إذا خطب فيغمزه، ويحصى عليه سقطاته، وكان الشيخ كثيرًا ما يتلعثم ويتوقف، فجاء ذلك الرجل في بعض الجمع، وجعل يحد النظر إلى الشيخ ويغمزه، فلما خرج معنا، ونزل بالموضع الذي كان يقرئ فيه قال لنا: أمنوا على دعائين ثم رفع يديه وقال: اللهم اكفنيه! اكفنيه! فأمنا، قال: فأقعد ذلك الرجل، وما دخل الجامع بعد ذلك اليوم3.
__________
1 طبقات القراء 2: 309.
2 طبقات القراء 2: 225.
3 إنباه الرواة 3: 314.

(1/8)


اتصل مكي بطائفة من الحكام، وتقدم عندهم: اتصل بالمظفر عبد الملك بن أبي عامر "399هـ"1، وهو الذي نقل مكيا من مسجد النخيلة بقرطبة إلى الجامع الزاهر بها، وظل مكي يقرئ فيه حتى انصرمت دولة آل عامر، فنقله محمد بن هشام المهدي إلى المسجد الجامع بقرطبة، وأقرأ فيه مدة الفتنة كلها، إلى أن قلده أبو الحزم بن جهور الصلاة والخطبة بالجامع سنة 429، وبقى خطيبا إلى أن مات في صدر سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وصلى عليه ابنه أبو طالب2.
"على الجميع رحمة الله".
__________
1 المعجب/ 40.
2 إنباه الرواة/ 40.

(1/9)


مؤلفات مكي بن أبي طالب:
عمر مكي بن أبي طالب اثنين وثمانين عامًا، ترك فيها جملة من التصانيف تدل على مشاركته في مختلف فروع الثقافة الإسلامية، وتفننه في سائر علوم القرآن، فمن تصانيفه:
1- الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن وتفسيره وأنواع علومه في سبعين جزءا.
2- منتخب حجة أبي على الفارسي. ثلاثون جزءا.
3- التبصرة في القراءات. خمسة أجزاء. وهي بدار الكتب مخطوطة برقم 23936ب ومصورة برقم 20103.
4- الموجز في القراءات. جزءان.
5- الماثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره. عشرة أجزاء.
6- الرعاية لتجويد القراءة. أربعة أجزاء.
7- اختصار أحكام القرآن. أربعة أجزاء.
8- الكشوف عن وجوه القراءات وعللها. عشرون جزءا1.
9- الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه. ثلاثة أجزاء.
__________
1 بدار الكتب المصرية باسم الكشف عن وجوه القراءات وعللها مصورة رقم 19972ب.

(1/10)


10- الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخه. جزء.
11- الزاهي في اللمع الدالة على أصول مستعمل الإعراب.
أربعة أجزاء.
12- التنبيه على أصول قراءة نافع وذكر الاختلاف عنه.
جزءان.
13- الانتصاف فيما رده على أبي بكر الأذفوي وزعم أنه غلط فيه في كتاب الإبانة. ثلاثة أجزاء.
14- الرسالة إلى أصحاب الأنطاكي في تصحيح المد لورش. جزءان.
15- الإبانة عن معاني القراءة. جزء. مصورة بدار الكتب المصرية برقم 19664ب. وهو هذا الكتاب.
16- انتخاب كتاب الجرجاني في نظم القرآن وإصلاح غلطه.
أربعة أجزاء.
17- الوقف على "كلا وبلى" في القرآن. جزءان. مخطوطة بالمدينة - "116"2.
18- الاختلاف في عدد الأعشار. جزء واحد.
19- الاختلاف بين قالون وأبي عمرو. جزء.

(1/11)


20- الاختلاف بين قالون وابن كثير. جزء.
21- الاختلاف بين قالون وابن عامر. جزء.
22- الاختلاف بين قالون وعاصم. جزء.
23- الاختلاف بين قالون وحمزة. جزء.
24- الاختلاف بين قالون والكسائي. جزء.
25- التبيان في اختلاف قالون وورش. جزء.
26- شرح رواية الأعشى عن أبي بكر عن عاصم. جزء.
27- شرح الإدغام الكبير في المخارج. جزء.
28- اختصار الألفات. جزء.
29- شرح الفرق لحمزة وهشام. جزء.
30- بيان الصغائر والكبائر. جزءان.
31- شرح اختلاف العلماء في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} 1 جزء.
32- الاستيفاء في قوله "عز وجل": {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّك} 2 جزء.
33- الاختلاف في الذبيح من هو؟ جزء.
__________
1 سورة آل عمرن: 7.
2 سورةهود: 107.

(1/12)


34- الاختلاف في الرسم من "هؤلاء" والحجة لكل فريق. جزء.
35- دخول حروف الجر بعضها مكان بعض.
36- تنزيه الملائكة من الذنوب وفضلهم على بني آدم. جزء.
37- الياءات المشددة في القرآن والكلام. جزء.
38- بيان إعجاز القرآن.
39- بيان اختلاف العلماء في النفس والروح جزء.
40- شرح إيجاب الجزاء على قاتل الصيد في الحرم خطأ على مذهب مالك والحجة في ذلك. جزء.
41- شرح اختلاف العلماء في الوقف على قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} 1.
42- شرح قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} 2.
43- شرح قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ} . الآية. جزءان3.
44- مسائل الإخبار بالذي وبالألف واللام.
45- أصول الظاء في القرآن والكلام وذكر مواضعها في القرآن جزء.
__________
1 سورة الحج: 23.
2 الذاريات: 65.
3 الأعراف: 179.

(1/13)


46- الوصول إلى تذكرة كتاب الأصول لابن السراج في النحو. جزء.
47- التذكرة لأصول العربية ومعرفة العوامل. جزء.
48- الاختلاف بين أبي عمرو وحمزة. جزء.
49- "اختصار الإدغام الكبي على ألف: با - تا - ثا".
50- شرح مشكل غريب القرآن. ثلاثة أجزاء.
51- شرح الراءات على قراءة ورش وغيره. جزء.
52- اتفاق القراء. جزء.
53- المدخل إلى علم الفرائض. جزء.
54- اختلاف القراء في ياءات الإضافة وفي الزوائد. جزء.
55- اختصار الوقف علىكلا، وبلى، ونعم.
56- منع الوقف على قوله: {إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى} 1.
57- شرح الاختلاف في قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَة} 2.
58- شرح معنى الوقف على: {لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُم} 3.
59- الرد على الأئمة فيما يقع في الصلاة من الخطأ واللحن في شهر رمضان وغيره. جزء.
__________
1 التوبة: 107.
2 المائدة: 103.
3 يونس: 65.

(1/14)


60- بيان العمل في الحج من أوله الإحرام إلى الزيارة لقبر النبي "صلى الله عليه وسلم". جزء.
61- فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا. جزء.
62- التذكرة لاختلاف القراء السبعة. جزء.
63- قسمةالأحزاب. جزء.
64- منتخب كتاب الإخوان لابن وكيع. جزءان.
65- التهجد في القرآن. أربعة أجزاء.
66- قوله تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي} 1 جزء.
67- دعاء خاتمة القرآن.
68- شرح حاجة وحوائج وأصلها. جزء.
69- إصلاح ما أغفله ابن مسرة في قراءات شاذة. جزء.
70- شرح العارية والعرية. جزء.
71- الاختلاف في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} 2 جزء.
72- شرح قوله تعالى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُم} 3 الآيات الثلاثة. جزء.
__________
1 سورة النساء: 23.
2 سورة فاطر: 32.
3 سورة المائدة: 106.

(1/15)


73- وجوه كشف اللبس التي لبس بها أصحاب الأنطاكي في المد لورش.
74- شرح قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} 1. جزء.
75- فرش الحروف المدغمة. جزءان.
76- شرح التمام والوقف. أربعة أجزاء.
77- تفسير مشكل المعاني والتفسير خمسة عشر جزء2.
78- علل هجاء المصاحف. جزءان.
79- ما أغفله القاضي منذر ووهم فيه في كتاب الأحكام. جزءان.
80- "الرياض" مجموع. خمسة أجزاء.
81- المنتقى في الأخبار. أربعة أجزاء.
82- الترغيب في النوافل. جزء.
83- الترغيب في الصيام. جزء.
84- منتقى الجوهر في الدعاء. جزء.
__________
1 سورة الشعراء: 61.
2 ورد في فهرس المخطوطات بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية باسم: مشكل إعراب القرآن. انظر ص45 من الفهرست المذكور.

(1/16)


85- الموعظة المنبهة. جزء.
86- معاني السنين القحطية والأيام. جزء.
87- إسلام الصحابة. مختصر جزء.
88- المبالغة في الذكر.
89- تحميد القرآن وتهليله وتسبيحه.

(1/17)


التعريف بكتاب الإبانة:
والإبانة كتاب قيم على صغر حجمه؛ فقد بين فيه مكي معاني القراءات، وتحدث عن تفسير الحديث الشريف: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" حديثا طريف مدعوما بالأدلة والأسانيد، وذكر ما يجب أن يعتقد في القراءات مع ما يتصل بذلك من فوائدها، وغرائب معانيها.
جعل مكي كتاب الإبانة هذا متصلا بكتابه: "الكشف عن وجوه القراءات" وهو الكتاب الذي ألفه مكي سنة أربع وعشرين وأربعمائة، ونظر فيه إلى كتاب الحجة لأبي على الفارسي، حيث احتج للقراءات السبعة، وكشف عن عللها وحججها1. وإن كان كتاب الإبانة متصلا بالكشف، فقد أفرده مكي -كما قال- لمن يرغب في نسخه على انفراد دون كتاب الكشف2.
وكتاب "الإبانة" من الكتب التي ظلت معتمد القراء.
__________
1 انظر رسالتنا في أبي علي الفارسي من ص385-391 الطبعة الولى دار نهضة مصر.
2 انظر صدر الإبانة.

(1/18)


والمشتغلين بالدراسات القرآنية، فالإمام بدر الدين الزركشي "ت794هـ" ينقل منه في كتاب "البرهان في علوم القرآن"1.
كما اعتمد عليه ابن الجزري2، "ت833هـ". وعن هذين نقل السيوطي في كتابه الإتقان.
وقد اعتمدت في تحقيق الإبانة على نسخة وحيدة، هي النسخة المصورة بدار الكتب المصرية تحت رقم "19164"ب، وبحثت -قبل التحقيق- عن نسخة أخرى للمقابلة بينها وبين نسخة دار الكتب فأعياني البحث3 ثم اطمأننت إلى هذه النسخة الوحيدة؛ إذ هي مخطوطة في حياة المؤلف سنة "435هـ"4 ثم هي تامة كاملة لا نقص فيها ولا خرم أو تشويه.
وعدد صفحات المصورة خمس وعشرون صفحة ونصف -في كل منها خمسة وعشرون سطرا، وقد ألحق به مكي فصلا
__________
1 انظر البرهان في علوم القرآن "تحقيق الستاذ محمد ابي الفضل إبراهيم"، "1: 329-331" فما هو منقول عن مكي في هذه الصفحات مذكور في الإبانة.
2 انظر النشر 1: 37، 47.
3 أذكر هنا أن بروكلمان يشير إلى الإبانة بالمكتبة الحميدية بتركيا تحت رقم 18، 243.
4 انظر الكشف 2: 439.

(1/19)


ذكر فيه انفرادات القراء في الإمالة، وليس هو من الكتاب نفسه، والمصورة بخط مغربي كتبه عبد الله بن محمد الفهري وذلك حيث يقول في الصفحة الأخيرة:
"كتب الجميع بخط1 يده الفانية العبد الواثق بكرم ربه، الراجي من الله سبحانه مغفرة ذنبه: عبد الله بن محمد بن محمد الفهري بمكة المشرفة".
وقد ورد الكتاب في وفيات الأعيان2، ومعجم الأدباء3.
وإنباه الرواة4 باسم: "الإبانة عن معاني القراءة" ولكني آثرت أن يكون: "الإبانة عن معاني القراءات" ذلك ما يشير إليه قول مكي: هذاكتاب أبين فيه -إن شاء الله تعالى- معاني القراءات وكيفيتها5.
__________
1 يقصد كتابي الكشف والإبانة، والفصل الذي أضيف خاصا بالإمالة.
2 4: 363.
3 29: 169.
4 3: 316.
5 انظر مقدمة كتاب الإبانة.

(1/20)


وكان من منهجي في تحقيق هذا الكتاب أن:
1- ترجمت للأعلام الواردة في غضونه، وإذا تكرر الاسم أكثر من مرة اكتفيت بترجمته أولا، ثم أحلت في سائر المرات عليه.
كما نبهت على الأعلام التي وردت في المتن وقد عراها التصحيف.
2- شرحت الكلمات اللغوية الصعبة.
3- ضبط النص ضبطًا يزيل اللبس والإبهام.
4- وضعت عناوين تدل على الفصول المختلفة، وجعلتها مميز كل عنوان بين قوسين.
5- عدلت عن بعض كلمات لا يقتضيها السياق، وأثبت أخرى يقتضيها المعنى1.
6- شرحت بعض القضايا التي أوردها المؤلف في غضون بحثه، ومثلت لها.
7- أثبت بعض كلمات كانت ساقطة في الأصل والسياق يقتضيها2.
__________
1 انظر مقدمة كتاب الإبانة.
2 كان هذا في قلة نادرة وقد نبهت إلى ذلك.

(1/21)


8- خرجت الآيات القرآنية، والقراءات المختلفة الواردة في نص الكتاب.
9- أشرت إلى بدء الصفحات ونهايتها في متن المصورة، وجعلت أرقامًا تدل على ذلك، ورمزت للوجه الأيمن من الورقة بالرقم مقرونًا بالحرف "ي"، وللوجه الأيسر منها بالرقم مقرونا بالحرف "ش".
10- جعلت فهارس لموضوعات الكتاب والأعلام الواردة فيه ... إلخ.
وأرجو أن ينفع الله بهذا الكتاب حين يخرج للناس.
وأن يحقق لي ما قصدت إليه من خدمة القرآن الكريم الخالد على الزمان.
حدائق القبة: 6 من رمضان المعظم 1379هـ
3 من مارس 1960م

(1/22)


الصفحة الأخيرة من كتاب الكشف عن وجوه القراءات وعللها وفيها تاريخ نسخة ونسخ الكتابين الملحقين به: الإبانة، ثم انفرادات القراء في الإمالة: سنة 435هـ.

(1/23)


الصحفة الأولى من كتاب الإبانة

(1/25)


الصفحة الأخيرة من كتاب الكشف، والكتابين الملحقين به: الإبانة، ثم انفرادات القراء في الإمالة يخط ناسخها" عبد الله بن محمد بن محمد الفهري"

(1/27)


مقدمة المؤلف:
ش/ بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال أبو محمد1 نسال الله "جل ذكره" التوفيق.
فيما نقوله، ونرغب إليه "تبارك اسمه" -في العصمة فيما نعتقده. ونتولاه ونتضرع إليه -لا إله إلا هو- في الصلاة على نبيه ورسوله محمد "صلى الله عليه وسلم، وعلى أهله وسلم، وشرف وكرم":
هذا كتاب أبين فيه -إن شاء الله تعالى- معاني القراءات وكيفيتها، وما يجب أن نعتقد فيها، مع ما يتصل بذلك من فوائدها، وغرائب معانيها.
وما علمت أن أحدًا تقدمني إلى مثل كتابي هذا فيما جمعت، [و] 1 بينت فيه2. "أعظم الله عليه الأجر، وأكمل به الذخر، وجعله لوجهه خالصًا، ولا جعله رياء ولا سمعة".
__________
1 هو أبومحمد مكي بن أبي طالب بن حموش القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي مؤلف الكتاب.
2 زيادة يقتضيها المقام.

(1/29)


جعلته متصلا بكتاب: الكشف عن وجوه القراءات1 فيه تتم فائدة كتاب الكشف، وأفردته لمن يرغب في نسخه على انفراده دون كتاب الكشف.
فهو كتاب قائم بنفسه في معناه، والله المستعان على ذلك كله، وهو حسبي، ونعم الوكيل.
__________
1 انظر التعريف بكتاب الكشف في المقدمة.

(1/30)