الإبانة عن معاني القراءات باب: القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة
القراءات المنسوبة إلى الأئمة
السبعة وصلتها بالحديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف
مدخل
...
باب: القراءات المنسوبة إلى الأئمة
السبعة
"القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة، وصلتها بالحديث: أنزل
القرآن على سبعة أحرف":
فإن سأل سائل، فقال:
هل القراءات التي يقرأ بها الناس اليوم، وتنسب إلى الأئمة
السبعة، كنافع1، وعاصم2، وأبي عمرو3، وشبههم4 هي السبعة، التي
أباح النبي "صلى الله عليه وسلم"
__________
1 هو نافع بن عبد الرحمن، أبي نعيم المدني أحد القراء السبعة
والأعلام، ثقة صالح أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل
المدينة. وأقرأ الناس نيفا عن سبعين سنة، وانتهت إليه رياسة
القراءة بالمدينة. مات سنة تسع وستين ومائة.
"طبقات القراء: 2: 330".
2 هو عاصم بن بهدلة أبي النجود "بفتح النون وضم الجيم" أبو بكر
الأسدي مولاهم الكوفي، شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء
السبعة، وأبو النجود اسم أبيه، لا يعرف له اسم غير ذلك. وبهدلة
اسم أمه. جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد، وكان
أحسن الناس صوتا بالقرآن، توفي سنة سبع وعشرين ومائة "طبقات
القراء: 1/ 346".
3 هو أبو عمرو زبان بن العلاء التميمي المازني البصري، أحد
القراء السبعة ولد سنة ثمان وستين، وتوجه مع أبيه لما هرب من
الحجاج، فقرأ بمكة والمدينة وقرأ أيضا بالكوفة، والبصرة على
جماعة كثيرة، فليس في القراء السبعة أكثر شيوخا منه، ومات سنة
أربع وخسمين ومائة. "طبقات القراء: 1-288".
4 من القراء السبعة: حمزة، والكسائي، وابن كثير، وعبد الله بن
عامر.
(1/31)
القراءة بها، وقال: "أنزل القرآن على سبعة
أحرف، فاقرءوا بما شئتم"؟ أو هي بعضها؟ أو هي واحدة؟.
فالجواب عن ذلك:
إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، وصحت روايتها
عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن،
ووافق اللفظ بها خط المصحف، مصحف عثمان1 الذي أجمع الصحابة فمن
بعدهم عليه، واطرح ما سواه مما يخالف خطه2، فقرئ بذلك لموافقة
الخط لا يخرج شيء3 منها عن خط المصاحب التي نسخها عثمان "رضي
الله عنه"، وبعث بها إلى الأمصار4، وجمع المسلمين عليها، ومنع
من القراءة بما خالف خطها، وساعده على ذلك زهاء5 اثنى عشر ألفا
من الصحابة والتابعين، واتبعه على ذلك جماعة من المسلمين بعده.
وصارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة وخطأ، وإن صحت
ورويت.
__________
1 هو، عثمان بن عفان رابع الخلفاء الراشدين.
2 يريد خط المصحف.
3 في الهامش: شيئًا.
4 مكة، والمدينة، والبصرة، والكوفة، والشام.
5 زهاء اثنى عشر ألفا. قدر اثنى عشر ألفا.
(1/32)
"ما يقرأ به
الأئمة حرف واحد من الأحرف السبعة":
وإذا كان المصحف، بلا اختلاف كتب على حرف واحد من الأحرف
السبعة التي نزل بها القرآن، على لغة واحدة، والقراءة التي
يقرأ بها لا يخرج شيء منها عن خط المصحف، فليست هي إذا هي
السبعة الأحرف، التي نزل بها القرآن كلها.
ولو كانت هي السبعة كلها، وهي موافقة للمصحف لكان المصحف قد/2
ي كتب على سبع قراءات، ولكان عثمان "رضي الله عنه"، قد أبقى
الالختلاف الذي كرهه، وإنما جمع الناس على المصحف، ليزول
الاختلاف.
فصح من ذلك أن الذي يقرأ به الأئمة، وكل ما صحت روايته مما
يوافق خط المصحف، إنما هو كله حرف من الأحرف السبعة التي نزل
بها القرآن، وافق لفظها، على اختلافه، خط المصحف، وجازت
القراءة بذلك، إذ هو غير خارج عن
(1/33)
خط المصاحف التي وجه بها عثمان إلى
الأمصار، وجمعهم على ذلك.
وسقط العمل بما يخالف خط المصحف من الأحرف السبعة، التي نزل
بها القرآن بالإجماع على خط المصحف.
فالصحف كتب على حرف واحد، وخطه محتمل لأكثر من حرف. إذ لم يكن
منقوطا، ولا مضبوطا. فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من
الستة الأحرف الباقية، إذ لا يخلو أن يكون ما اختلف فيه من لفظ
الحروف، التي تخالف الخط:
إما هي مما أراد عثمان، أو مما لم يرده إذ كتب المصحف.
فلا بد أن يكون، إنما أراد لفظا واحدا أو حرفا واحدا، لكنا لا
نعلم ذلك بعينه، فجاز لنا أن نقرأ بما صحت روايته، مما يحتمله
ذلك الخط لنتحرى مراد عثمان "رضي الله عنه"، ومن تبعه من
الصحابة وغيرهم.
ولا شك أن ما زاد على لفظ واحد في كل حرف اختلف فيه، ليس مما
أراد عثمان. فالزيادة لاد أن تكون من الأحرف السبعة، التي نزل
بها القرآن. فإن لم تكن كذلك، وقد صح أن عثمان لم يردها كلها
إذ كتب المصحف، إنما أراد حرفا
(1/34)
واحدا، فهي إذا خارجة عن مراد عثمان، وعن
السبعة الأحرف.
والقراءة بما كان هكذا خطأ عظيم، فمن قرأ القرآن بما ليس من
الأحرف السبعة، وبما لم يرد عثمان منها، ولا من تبعه إذ كتب
المصحف فقد غير كتاب الله وبدله، ومن قصد إلى ذلك فقد غلط.
وقد أجمع المسلمون على قبول هذه القراءات، التي لا تخالف
المصحف.
ولو تركنا القراءة بما زاد على وجه واحد من الحروف، لكان لقائل
أن يقول:
لعل الذي تركت هو الذي أراد عثمان، فلا بد أن يكون ذلك من
السبعة الأحرف، التي نزل بها القرآن على ما قلنا.
(1/35)
"ليست قراءة كل قارئ من القراء السبعة، هي
أحد الحروف السبعة":
فأما من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء القراء، كنافع وعاصم
وأبى عمرو1، أحد الحروف السبعة التي نص النبي "صلى الله عليه
وسلم" عليها، فذلك منه غلط عظيم؛ لأن فيه إبطالا أن يكون ترك
العمل بشيء من الأحرف السبعة، وأن يكون عثمان ما أفاد فائدة.
بما صنع من حمل الناس على، / 2ش مصحف واحد وحرف واحد. ويجب منه
أن يكون ما لم يقرأ به هؤلاء السبعة متروكا، إذ قد استولوا على
السبعة الأحرف عنده، فما خرج عن قراءتهم فليس من السبعة عنده.
ويجب من هذا القول: أن نترك القراءة بما روى عن أئمة هؤلاء
السبعة من التابعين والصحابة مما يوافق خط المصحف، مما لم يقرأ
به هؤلاء السبعة.
ويجب منه ألا تروى قراءة عن ثامن فما فوقه؛ لأن هؤلاء السبعة
عند2 معتقد هذا القول، قد أحاطت قراءتهم بالأحرف السبعة. وقد
ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين
__________
1 سبقت الترجمة لهم.
2 في الأصل "عن" وما أثبته هو ما يقتضيه السياق.
(1/36)
ممن هو أعلى رتبة، وأجل قدرا من هؤلاء
السبعة.
على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض
هؤلاء السبعة واطرحهم:-
قد ترك أبو حاتم1 وغيره ذكر حمزة2، والكسائي3 وابن عامر4، وزاد
نحو عشرين رجلا من الأئمة ممن هو فوق هؤلاء السبعة.
__________
1 هو أبو حاتم السجستاني، سهل بن محمد عثمان إمام البصرة في
النحو والراءة واللغة والعروض، عرض على يعقوب الحضرمي، وروي عن
الأصمعي، وسعيد بن أوس، توفي سنة خمس وخمسين ومائتين "طبقات
القراء: 1-320".
2 هو حمزة بن حبيب الكوفي التميمي، مولاهم الزيات أحد القراء
السبعة ولد سنة ثمانين، وكان شيخه الأعمش إذا رآه مقبلا يقول:
هذا حبر القرآن توفي سنة ست وخمسين ومائة "طبقات القراء:
1-62".
3 هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي، مولاهم وهو من أولاد
الفرس من سواد العراق، أبو الحسن الكسائي، الإمام الذي انتهت
غليه رياسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات، أخذ القراءة عرضا
عن حمزة وعليه اعتماده، وعن محمد بن أبي ليلى، وأبي بكر بن
عياش، توفي سنة تسع وثمانين ومائة "طبقات القراء 1-535".
4 هو عبد الله بن عامر اليحصبي، إمام أهل الشام في القراءة،
وإليه انتهت مشيخة الإقراء بها، أخذ القراءة عرضا عن أبي
الدرداء، وقيل عرض على عثمان نفسه. ولد سنة ثمان من الهجرة،
وتوفي بدمشق يوم عاشوراء سنة ثمان وعشرين ومائة. "طبقات
القراء: 2-106".
(1/37)
وكذلك زاد الطبري1 في كتاب القراءات له على
هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلا.
وكذلك فعل أبو عبيد2، وإسماعيل القاضي3.
فكيف يجوز أن يظن ظان أنهؤلاء السبعة المتأخرين قراءة4 كل واحد
منهم أحد الحروف السبعة، التي نص عليها النبي "صلى الله عليه
وسلم"؟ هذا خطأ5 عظيم.
__________
1 هو محمد بن جرير بن يزيد الإمام، أبو جعفر الطبري الآملي
البغدادي أحد الأعلام وصاحب التفسير والتاريخ والتصانيف، ولد
بآمل طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين ورحل لطلب العلم، وله
عشرون سنة. توفي سنة عشر وثلاثمائة.
طبقات القراء: 2-106".
2 هو أبو عبيد القاسم بن سلام الخراساني الأنصاري، الحافظ
العلامة صاحب التصانيف في القراءات والحديث والفقه واللغة
والشعر، أخذ القراءة عن الكسائي وغيره توفي بمكة سنة 214 عن
ثلاث وسبعين سنة "طبقات القراء 2-17".
3 هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد القاضي، أبو إسحاق
الأزدي البغدايد مشهور كبير ولد سنة تسع وتسعين ومائة، وروى
القراءة عن قالون، وصنف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين
إماما، وروى القراءة عنه ابن مجاهد وابن الأنباري -توفي فجأة
وقت العشاء لثمان بقين من ذي الحجة، سنة اثنتين وثمانين
ومائتين ببغداد "طبقات القراء: 1-160".
4 قراءة: بدل من هؤلاء.
5 الأصل: هذا "فخلف"، والسياق يقتضي ما أثبتناه..
(1/38)
أكان ذلك بنص من النبي "صلى الله عليه
وسلم"، أم كيف ذلك؟!
وكيف يكون ذلك والكسائي، إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام
المأمون1 وغيره كان السابع -وهو يعقوب الحضرمي2 فأثبت ابن
مجاهد3 في سنة ثلاثمائة، أو نحوها الكسائي4 في موضع يعقوب5؟
وكيف يكون ذلك والكسائي، إنما قرأ على حمزة6 وغيره، وإذا كانت
قراءة حمزة أحد الحروف السبعة، فكيف يخرج حرف آخر من الحروف
السبعة، وكذلك إلى وقتنا هذا.
__________
1 المأمون الخليفة العباسي ابن هارون الرشيد.
2 هو يعقوب بن إسحق بن زيد أبو محمد الحضرمي، مولاهم البصري
أحد القراء العشرة، إمام أهل البصرة ومقرئها، قال أبو حاتم
السجستاني: هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله
ومذهبه، ومذاهب النحو، كذلك كان والده وجده، مات سنة خمسين
ومائتين وله ثمان وثمانون سنة "طبقات القراء 2-286".
3 هو أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي، الحافظ الأستاذ
أبو بكر ابن مجاهد البغدادي شيخ القراء، وأول من سبع السبعة،
ولد سنة خمس وأربعين ومائتين بسوق العطش ببغداد، وتوفي سنة
أربع وعشرين وثلاثمائة "طبقات القراء 1-139".
4 سبقت ترجمته.
5 سبقت ترجمته.
6 سبقت ترجمته.
(1/39)
وكذلك يلزم أن تكون قراءة كل واحد من أئمة
حمزة أحد الحروف السبعة، فتبلغ الحروف السبعة على هذا إلى أكثر
من سبعة آلاف.
وكذلك أبو عمرو1 إنما قرأ على ابن كثير2 وغيره.
وقراءة ابن كثير عند هذا الظان أحد الحروف السبعة، وقراءة أبي
عمرو كذلك، فيجب أن تكون قراءة من قرأ على أبي عمرو وغيره، أحد
الحروف السبعة.
وكذلك من قرأ عليه ابن كثير قراءته أحد الحروف السبعة؛ لأنهم
كلهم يختلفون في قراءاتهم وروايتهم. وهذا تناقض /3ي ظاهر.
وأيضا فإن هؤلاء السبعة قد روى كل واحد منهم عن جماعة لم يختص
واحد بعينه، وروى عنه جماعة، فيجب أن تكون قراءة كل من روى عنه
باختلاف أحد الحروف السبعة، فيبلغ عدد الحروف السبعة إلى ما لا
يحصى.
__________
1 سبقت ترجمته.
2 هو عبد الله بن كثير بن المطلب القرشي بن عبد الدار، إمام
أهل مكة في القراءة، ولد بمكة سنة خمس وأربعين، ولقى بها عبد
الله بن الزبير، وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك، وروى عنهم،
توفي سنة عشرين ومائة.
"انظر طبقات القراء 1-443".
(1/40)
"معنى: قرأ
فلان بالأحرف السبعة"
فأما قول الناس: قرأ فلان بالأحرف السبعة، فمعناه أن قراءة كل
إمام تسمى حرفا، كما يقال: قرأ بحرف نافع، وبحرف أبي1 وبحرف
ابن مسعود2. وكذلك قراءة كل إمام تسمى حرفا، فهي أكثر من
سبعمائة حرف لو عددنا الأئمة، الذين نقلت عنهم القراءة من
الصحابة فمن بعدهم.
فليس المراد بقولك: قرأ فلان بالأحرف السبعة، هي التي نص عليها
رسول الله "صلى الله عليه وسلم". هذا شيء لم يتأوله أحد، ولا
تعاطاه أحد، ولا يقدر على ذلك.
__________
1 هو، أبي بن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري المدني سيد
القراء، وأقرأ هذه الأمة، قرأ على النبي "صلى الله عليه وسلم"،
وقرأ عليه النبي بعض القرآن للإرشاد والتعليم، وقرأ عليه من
الصحابة ابن عباس، وأبو هريرة، ومن التابعين عبد الله بن عياش،
وأبو عبد الرحمن السلمي، توفي سنة ثلاث وثلاثين.
"طبقات القراء 1-21".
2 هو، عبد الله بن مسعود بن الحارث، أبو عبد الرحمن الهذلي
المكي أحد السابقين والبدريين، والعلماء الكبار من الصحابة
أسلم قبل عمر، وعرض القرآن على النبي "صلى الله عليه وسلم"،
وهو أول من أفضى القرآن من في رسول الله "صلى الله عليه وسلم"،
إليه تنتهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش، وفد من
الكوفة إلى المدينة فمات بها آخر سنة اثنتين وثلاثين، ودفن
بالبقيع وله بضع وستون سنة. "طبقات القراء 1-459".
(1/41)
فحصل من جميع ما ذكرنا وبينا:
أن الذي في أيدينا من القرآن، هو ما في مصحف عثمان الذي أجمع
المسلمون عليه، وأخذناه بإجماع يقطع على صحة مغيبه وصدقه.
والذي في أيدينا من القرآن هو ما وافق خط ذلك المصحف من
القراءات، التي نزل بها القرآن، فهو من الإجماع أيضا.
وسقط العمل بالقراءات التي تخالف خط المصحف، فكأنها منسوخة
بالإجماع على خط المصحف.
والنسخ للقرآن بالإجماع فيه اختلاف، فلذلك تمادى بعض الناس على
القراءة بما يخالف خط المصحف "مما"1 ثبت نقله، وليس ذلك بجيد،
ولا بصواب؛ لأن فيه مخالفة الجماعة، وفيه أخذ القرآن بأخبار
الآحاد، وذلك غير جائز عند أحد من الناس.
وهذا الباب يتسع الكلام فيه، وفيما أشرنا إليه كفاية لمن فهمه.
__________
1 زيادة يقتضيها المقام.
(1/42)
فصل منه: يرى الطبري
ما أختلف القراء فيه هو حرف واحد من الأحرف السبعة
...
فصل منه: "يرى الطبري أن ما اختلف القراء فيه، هو حرف واحد من
الأحرف السبعة"
وقد ذهب الطبري في كتاب البيان له، إلى أن الذي اختلف القراء
اليوم فيه من القراءات، إنما هو كله حرف واحد من الأحرف السبعة
التي نزل بها القرآن، وهو الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف.
قال:
واختلاف القراء فيما اختلفوا فيه من الألفاظ كلا اختلاف.
قال: وليس هو مراد النبي "صلى الله عليه وسلم"، بقوله: "نزل
القرآن على سبعة أحرف".
قال:
وما اختلف فيه القراء هذا بمعزل؛ لأن ما اختلف فيه القراء لا
يخرجون عن خط المصحف على حرف واحد.
قلت:
يذهب الطبري إلى أن الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن
(1/43)
إنما هي تبديل كلمة في موضع كلمة يختلف
الخط بهما، ونقص كلمة، وزيادة أخرى فمنع خط المصحف المجمع عليه
ما زاد على حرف واحد؛ لأن الاختلاف لا يقع إلا بتغير الخط في
رأي العين، فالقراءات التي في أيدي الناس كلها عنده حرف /3ش.
واحد من الأحرف السبعة، التي نص عليها النبي "صلى الله عليه
وسلم".
قال: والستة الأحرف الباقية قد سقطت، وذهب العمل بها بالإجماع
على خط المصحف المكتوب على حرف واحد.
قلت:
فانظر، ما أبعد هذا القول من قول من ظن أن قراءة كل واحد من
هؤلاء السبعة المتأخرين، حرف من السبعة الأحرف التي نص النبي
"صلى الله عليه وسلم" عليها، وأن قراءتهم قد استولت على السبعة
المنصوص عليها.
والذي قدمنا -من أن ما زاد على قراءة لا يخالف المصحف في كل
حرف، هو من الأحرف السبعة- أصوب عندنا لما ذكرنا من أن عثمان
"رضي الله عنه"، لم يرد -إذ كتب المصحف-
(1/44)
إلا لفظا واحدا بكل حرف مما زاد على لفظ
واحد، فهو من السبعة جازت القراءة به لموافقته لخط المصحف
المجمع عليه.
وقد بينا علة كون ما زاد في الأحرف على لفظ واحد، أنه من
الأحرف السبعة؛ لأنه إن لم يكن من السبعة ولا من مراد عثمان
-فهو تغيير في القرآن لا أصل له ولا معنى، فلا بد إما أن يكون
إما من السبعة الأحرف، وإما من مراد عثمان، والذي ثبت أن عثمان
لم يكتب المصحف إلا على حرف واحد، ولفظ واحد، فما زاد على ذلك
فهو من السبعة بلا شك جازت لنا القراءة به، لاحتمال أن يكون
عثمان أراده، وأنه غير خارج عن خط المصحف.
وجاز لنا ذلك -وإن كنا قد علمنا أن عثمان لم يرد إلا وجها
واحدا- كما جاز لنا أن نروي عن النبي "صلى الله عليه وسلم" أنه
قرن في حجته، وأنه أفرد، وأنه تمتع1، ولنا أن نفعل ما شئنا من
ذلك، لاحتمال أن يكون هو الذي فعل النبي "صلى الله عليه وسلم"،
مع علمنا أنه لم يفعل إلا وجها واحدا منها. ولهذا في الحديث
والسنن نظائر كثيرة.
__________
1 قرن في حجته قرن بين الحج والعمرة "الزيارة"، يقرن بالضم
والكسرة قرانا أي جمع بينها.
وتمتع من المتعة، وهي أن تضم عمرة إلى حجك.
(1/45)
باب: "سبب اختلاف القراءة فيما يحتمله خط
المصحف"
فإن سأل سائل فقال:
ما السبب الذي أوجب أن تختلف القراءة، فيما يحتمله خط المصحف،
فقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع والمعنى واحد.
نحو: جُذوة وجِذوة، وجَذوة1.
وقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع وفي المعنى نحو:
يُسَيِّركم، ويَنْشُرُكم2.
وكل ذلك لا يخالف الخط في رأي العين؟
فالجواب عن ذلك:
أن الصحابة "رضي الله عنهم"، كان قد تعارف بينهم من
__________
1 في قوله تعالى: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ
جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29]
وقرأ عاصم: جذوة بفتح الجيم، وقرأ حمزة وخلف بضمها والباقون
بكسرها، وهي لغات ثلاث في الفاء كالرشوة والربوة. "اتحاف فضلا
البشر: 432".
2 في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْر} "سورة يونس: آية 22".
قرأ ابن عامر، وأبو جعفر ينشركم ضد الطي أي يفرقكم، والباقون"،
يسيركم أي يحملكم على السير ويمكنكم منه "الإتحاف: 248".
(1/46)
عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، ترك
الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر، /4ي لقول النبي "صلى
الله عليه وسلم": "أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا بما
شئتم".
ولقوله: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كل شاف كاف".
ولإنكاره "صلى الله عليه وسلم" على من تمارى في القرآن.
والأحاديث كثيرة، سأذكر منها طرفا في آخر هذا الكتاب إن شاء
الله.
فكان كل واحد منهم يقرأ كما علم، وإن خالف قراءة صاحبه لقوله
"صلى الله عليه وسلم": "اقرءوا كما علمتم".
وحديث عمر1 مع هشام بن حكيم2 مشهور، إذ تخاصم معه إلى النبي
"صلى الله عليه وسلم" في قراءة سمعه يقرؤها، فأنكرها عمر عليه،
وقاده إلى النبي "صلى الله عليه
__________
1 عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين "رضي الله عنه".
2 هو، هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن
قصي القرشي الأسدي.
كان مهيبا، وكان يأمر بالمعروف في رجال معه، وكان له فضل،
واستشهد بأجنادين "رحمه الله" انظر الإصابة "6-538"، تحقيق
الأستاذ علي محمد البجاوي.
(1/47)
وسلم" ملببا بردائه1. فاستقرأ النبي "صلى
الله عليه وسلم" كل واحد منها، فقال له: "أصبت"، ثم قال:
"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا بما شئتم".
فكانوا يقرءون بما تعلموا، ولا ينكر أحد على أحد قراءته، وكان
النبي "صلى الله عليه وسلم"، قد وجه بعضهم إلى البلدان ليعلموا
الناس القرآن والدين.
ولما مات النبي "صلى الله عليه وسلم"، خرج جماعة من الصحابة في
أيام أبي بكر2 وعمر إل ما افتتح من الأمصار، ليعلموا الناس
القرآن والدين فعلم كل واحد منهم أهل مصره، على ما كان يقرأ
على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، فاختلفت قراءة أهل
الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم.
فلما كتب عثمان المصاحف، وجهها إلى الأمصار3، وحملهم
__________
1 جمع ثيابه عند نحره ثم جره مخاصما له.
2 أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول الخلفاء الراشدين "رضوان
الله عليهم أجمعين".
3 البصرة، والكوفة، ومكة، والشام، واليمن، والبحرين وأمسك
لنفسه مصحفا الذي يقال له الإمام "النشر: 1-8".
(1/48)
على ما فيها وأمرهم بترك ما خالفها، قرأ
أهل كل مصر مصحفهم الذي1 وجه إليهم على ما كانوا يقرءون قبل
وصول المصحف إليهم، مما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم
التي كانوا عليها، مما يخالف خط المصحف: فاختلفت قراءة أهل
الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، وسقط من قراءتهم كلهم ما
يخالف لخط.
ونقل ذلك الآخر عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك، حتى
وصل النقل إلى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك، فاختلفوا فيما
نقلوا على حسب اختلاف أهل الأمصار، لم يخرج واحد منهم عن خط
المصحف فيما نقل، كما لم يخرج واحد من أهل الأمصار عن خط
المصحف، الذي وجه إليهم.
فلهذه العلة اختلفت رواية القراء فيما نقلوا، واختلفت أيضا
قراءة من نقلوا عنه لذلك.
واحتاج كل واحد من هؤلاء القراء، أن يأخذ مما قرأ ويترك، فقد
قال نافع2:
قرأت على سبعين من التابعين، فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما
شك فيه 4/ ش واحد تركته، حتى اتبعت هذه القراءة.
__________
1 في الأصل: إلى، والسياق يقتضي ما أثبته.
2سبقت ترجمته.
(1/49)
وقد قرأ الكسائي1 على حمزة2، وهو يخالفه في
نحو ثلاثمائة حرف؛ لأنه قرأ على غيره3، فاختار من قراءة حمزة،
ومن قراءة غيره قراءة، وترك منها كثيرا.
وكذلك أبو عمرو4 قرأ على ابن كثير5، وهو يخالفه في أكثر من
ثلاثة آلاف حرف؛ لأنه قرأ على غيره6، واختار من قراءته، ومن
قراءة غيره قراءة.
فهذا سبب الاختلاف الذي سألت عنه.
__________
1 سبقت ترجمته.
2 سبقت ترجمته.
3 من الذين قرأ عليهم الكسائي غير حمزة -محمد بن أبي ليلى،
وعيسى بن عمر الهمذاني، وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش،
وإسماعيل ويعقوب بني جعفر عن نافع والمفضل الضبي، وزائدة بن
قدامة، ومحمد بن الحسن بن سارة، وقتيبة ابن مهران. "طبقات
القراء: 1-535".
4 سبقت ترجمته.
5 سبقت ترجمته.
6 من الذين قرأ عليهم أبوعمرو، غير ابن كثير، الحسن بن أبي
الحسن البصري، وحميد بن قيس الأعرج، ورفيع بن مهران الرياحي،
وسعيد بن جبير.
وشيبة بن نصاح، وعاصم بن أبي النجود، وعبد الله بن أبي إسحاق
الحضرمي، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة بن خالد المخزومي، وعكرمة
مولى ابن عباس، ومجاهد بن جبير، ومحمد بن عبد الرحمن بن محيصن،
ونصر بن عاصم، والوليد بن اليسار، ويزيد بن اليسار، ويزيد بن
القعقاع المدني، ويزيد بن رومان، ويحيى بن يعمر.
(1/50)
4/ ش باب:
فإن سأل سائل فقال:
فما الذي يقبل من القراءات الآن، فيقرأ به؟
وما الذي لا يقبل، ولا يقرأ به؟
وما الذي يقبل، ولا يقرأ به؟
فالجواب:
أن جميع ما روي من القراءات على ثلاثة أقسام:
قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال،
وهي:
أن ينقل عن الثقات إلى النبي "صلى الله عليه وسلم".
ويكون وجهه في العربية، التي نزل بها القرآن شائعا.
ويكون موافقا لخط المصحف.
فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به، وقطع على مغيبه
وصحته وصدقه؛ لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقته لخط المصحف،
وكفر من جحده.
والقسم الثاني: ما صح نقله في الآحاد، وصح وجهه في العربية،
وخالف لفظه خط المصحف.
(1/51)
فهذا يقبل، ولا يقرأ به لعلتين:
إحداهما1: أنه لم يؤخذ بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا
يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.
والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه، فلا يقطع على
مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا تجوز القراءة به، ولا
يكفر من جحده، وبئس ما صنع إذ جحده2.
والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في
العربية.
فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف.
ولكل صنف من هذه الأقسام تمثيل تركنا ذكره اختصار، وقد قال
الطبري3 في كتاب البيان:
لا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره
__________
1 في الأصل: أحدهما.
2 تمثيل لقراءة صح نقلها في الآحاد، وصح وجهها في العربية،
وخالف لفظها خط المصحف: كقراءة عمر بن الخطاب غير المغضوب
عليهم، وغير الضالين.
تمثيل ما نقله غير ثقة: ذلك الكتاب لا زيت فيه "انظر الفهرست
لابن النديم ص18".
تمثيل ما نقله ولا وجه له في العربية، وإن وافق خط المصحف:
كإسكان "بارئكم، ويأمركم" ونحوه "انظر النشر: 1-10".
3 سبقت ترجمته
(1/52)
لهم إمامهم المشفق عليهم، الناصح لهم، دون
ما عداه من الأحرف السبعة.
وقد ذكرنا هذا من مذهبه.
وقد ألف هو كتابه القراءات، فذكر فيه اختلاف نحو عشرين من
الأئمة، من الصحابة والتابعين، ومن دونهم فنقض مذهبه بذلك.
وقد قال في كتاب القراءات له كلاما نقض أيضا به مذهبه قال:
كل ما صح عندنا من القراءات، أنه علمه رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأمته من الأحرف السبعة التي أذن الله له، ولهم أن يقرءوا
بها/ 5ي القرآن، فليس لنا أن نخطئ من كان ذلك به موافقا لخط
المصحف.
فإن كان مخالفا لخط المصحف لم نقرأ به، ووقفنا عنه، وعن الكلام
فيه.
فهذا إقرار منه، أن ما وافق خط المصحف مما اختلف فيه، فهو من
الأحرف السبعة، على مثل ما ذهبنا إليه.
(1/53)
وقد تقدم من قوله1: أن جميع ما اختلف فيه
مما يوافق خط المصحف، فهو حرف واحد، وأن الأحرف الستة ترك
العمل بها.
وهذا مذهب متناقض.
"القراءة بما خالف خط المصحف وإن روى":
وقد قال إسماعيل القاضي2 في كتاب القراءات له:
أن عمر بن الخطاب قرأ: غير المغضوب عليهم وغير، الضالين3.
قال: وهذا -والله أعلم- علم ما جاء: أن القرآن أنزل على سبعة
أحرف.
ثم قال إسماعيل:4
لأن هذا -وإن كان في الأصل جائزا، فإنه إذا فعل ذلك رغب في
اختيار أصحاب النبي "صلى الله عليه وسلم"، حين اختاروا أن
يجمعوا الناس على مصحف واحد، مخافة
__________
1 انظر: ص43، وما بعدها.
2 سبقت ترجمته.
3 سورة الفاتحة آية7.
4 هو إسماعيل القاضي المذكور، وقد سبقت ترجمته.
(1/54)
أن يطول بالناس زمان، فيختلفوا في القرآن.
ثم قال إسماعيل:
فإذا اختار الإنسان أن يقرأ ببعض القراءات، التي رويت مما
يخالف خط المصحف صار إلى أن يأخذ القراءة برواية واحد عن واحد،
وترك ما تلقته الجماعة عن الجماعة، والذين هم حجة على الناس
كلهم -يعني خط المصحف.
قال إسماعيل:
وكذلك ما روي من قراءة ابن مسعود1 وغيره ليس لأحد أن يقرأ
اليوم به - يعني مما يخالف خط المصحف من ذلك2.
قال إسماعيل:
لأن الناس لا يعلمون أنها قراءة عبد الله، وإنما هي شيء يرويه
بعض من يحمل الحديث. يعني أن ما خالف خط المصحف من القراءات،
فإنما يؤخذ بأخبار الآحاد، وكذا ما وافق خط
__________
1 سبقت ترجمته.
2 مثل قراء ابن سعود: "إن الله لا يظلم مثقال نملة". "انظر
المصاحف للسجستاني: 54".
(1/55)
المصحف الذي هو يقين إلى ما يخالف خطه مما
لا يقع على صحته.
قال إسماعيل:
فإن جرى شيء من ذلك على لسان الإنسان، من غير أن يقصد له كان
له في ذلك سعة، إذا لم يكن معناه يخالف معنى خط المصحف المجمع
عليه. ويدخل ذلك في معنى ما جاء:
أن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
قلت:
فهذا كله من قول إسماعيل يدل على أن القراءات، التي وافقت خط
المصحف هي من السبعة الأحرف كما ذكرنا، وما خالف خط المصحف
أيضا هو من السبعة، إذا صحت روايته ووجهه في العربية
، ولم يضاد معنى خط المصحف. لكن لا يقرأ به، إذ لا يأتي إلا
بخبر الآحاد، ولا يثبت قرآن يخبر الآحاد، وإذ هومالف للمصحف
المجمع عليه.
فهذا الذي نقول به ونعتقده، وقد بيناه كله.
(1/56)
باب: "جمع القرآن، وكيف جمع؟ وما سبب جمعه؟
"
فإن سأل سائل فقال:
هل كان القرآن مجموعا على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"؟.
وكيف جمع بعده؟ وما سبب جمعه؟.
5ش/ فالجواب:
أن القرآن كان على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، متفرقا في
صدور الرجال؛ لأنه نزل في نيف1 وعشرين سنة، شيئا بعد شيء وقيل:
في عشرين سنة.
وتواترت الرواية أنه مات "صلى الله عليه وسلم"، وهو غير مجموع
في صحف. لم يختلف في ذلك.
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولى أبو بكر رضي
الله عنه، خرج القراء من الصحابة إلى الغزوات، فاستشهد كثير
منهم يوم اليمامة.
__________
1 النيف: بوزن هين: الزيادة يخفف ويشدد يقال عشرة ونيف، ومائة
ونيف. وكل ما زاد على العقد، فهو نيف حتى يبلغ العقد الثاني.
(1/57)
قال زيد بن ثابت1: فارسل إلي أبو بكر بعد
مقتل اليمامة، فجئته، فإذا عمر عنده قال زيد:
فقال لي أبو بكر: إن عمر جاءني فقال: إن القتل قد استحر2 يوم
اليمامة بقراء القرآن، وإن أخشى أن يستحر القتل بالقراء في
المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن.
قال أبو بكر: فقلت لعمر: أنفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟
قال عمر: هو والله خير.
قال أبو بكر: فلم يزل عمر يراجعني في ذلك، حتى شرح الله صدري
بالذي شرح به صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى.
قال زيد: ثم قال لي أبو بكر: أنت غلام شاب عاقل
__________
1 زيد بن ثابت بن الضحاك، أبو سعيد الأنصاري الخزرجي المقرئ
الفرضي "رضي الله عنه"، كاتب النبي طصلى الله عليه وسلم"
وأمينه على الوحي، وأحد الذين جمعوا القرآن على عهده "صلى الله
عليه وسلم"، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر الصديق رضي الله
عنه، ثم لعثمان حين جهزها إلى الأمصار، توفي سنة 48 عن ستة
وخمسين سنة. "طبقات القراء: 1-296".
2 استحر القتل: اشتد.
(1/58)
لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله
"صلى الله عليه وسلم"، فتتبع القرآن واجمعه.
قال زيد: فوالله لقد كلفوني ثقل جبل من الجبال، ما كان بأثقل
علي مما أمروني به من جمع القرآن.
قال زيد: فقلت: أتفعلون شيئا لم يفعله رسول الله، "صلى الله
عليه وسلم"؟.
قال أبو بكر: هو والله خير.
قال زيد: فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري بالذي
شرح به صدر أبي بكر وعمر.
قال زيد: فتتبعت القرآن، أجمعه من الرقاع والسعف واللخاف1.
وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة عند ذي الشهادتين
الأنصاري2. كان رسول الله "صلى الله عليه
__________
1 جاء في أصل الكتاب: اللخاف في كتاب أبي عبيد، قال الأصمعي:
واحدتها لحفة، وهي حجارة. رقاق بيض، وكذلك وقع في كتاب العين.
2 هو خزيمة بن الفاكه بن ثعلبة الحظمي الأنصاري، من بني خطمة
من الأوس، ويكنى أبا عمار، شهد بدرا، وما بعدها من المشاهد
"الاستيعاب: 2-448".
(1/59)
وسلم" جعل شهادته كشهادة رجلين، لم نجدها
مع غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ، إلى
آخر السورة.
قال المقري1: ومعنى هذا أن زيدا وغيره كانوا يحفظون الآية
لكنهم أنسوها، فوجدوها في حفظ ذلك الرجل، فتذاكروها،
واستيقنوها وأثبتوها في المصحف لحفظهم لها، وسماعهم إياها من
رسول الله "صلى الله عليه وسلم". ولم يخالفهم أحد في ذلك فصارت
إجماعا، لا أنهم2 أثبتوها قرآنا بشهادة ذلك الرجل، وإن كانت
شهادته مقام شهادة رجلين؛ لأن القرآن لا يؤخذ إلا بالإجماع،
وتواتر يقطع على مغيبه بالصدق، ويجب بذلك العلم والعمل، ولا
يؤخذ بشهادة رجل ولا رجلين، ولا بشهادة من لا يقطع على صدق
شهادته.
قال زيد:
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه
الله، ثم عند حفصة بنت عمر3 حتى
__________
1 هو صاحب الكتاب: مكي بن أبي طالب، حموش القيسي.
2 في الأصل؛ لأنهم، والسياق يقتضي ما أثبته.
3 وزوج النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/60)
أخذها منها عثمان رضي الله عنه /6ى فنسخها
في المصحف، ثم ردها إليها.
وذكر إسماعيل القاضي من روايته أن زيد بن ثابت قال:
كتبته على عهد أبي [بكر] 1 في قطع الأدم2، وكسر الأكتاف، وفي
كذا وكذا. قال: فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبه في صحيفة
واحدة، وكانت عنده. فلما هلك عمر كانت الصحيفة عند حفصة زوج
النبي "صلى الله عليه وسلم".
وروى أن حفصة لما ماتت قبض الصحيفة، عبد الله بن عمر3 فعزم
عليه مروان4 فأخذها منه، وشققها، ومزقها، مخافة أن يكون فيها
خلاف ما نسخ عثمان فيقع الاختلاف.
__________
1 ناقصة من الأصل.
2 باطن الجلد الذي يلي اللحم.
3 عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
4 هو، مروان بن الحكم أول من أحدث ملك يوم الدين بغير ألف
"انظر طبقات القراء: 2-263".
(1/61)
6ى/ باب: "سبب جمع عثمان القرآن في مصحف
على لغة واحدة وحرف واحد"
فإن سأل سائل فقال:
ما السبب الذي من أجله جمع عثمان القرآن في مصحف على لغة واحدة
وحرف واحد، وجمع الناس على ذلك، وخرق ما عداه من المصاحف؟
فالجواب:
أن الروايات قد تكررت عن ابن شهاب1، وغيره أن حذيفة بن اليمان2
كان قد حضر في زمن عثمان "رضي الله عنه"، في فتح أذربيجان
وأرمينية، فرأى الناس يختلفون في ألفاظ القرآن اختلافا شديدا،
حتى كاد أن يكفر بعضها
__________
1 ابن شهاب، هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، المدني أحد
الأئمة الكبار وعالم الحجاز والأنصار تابعي، وردت عنه الرواية
في حروف القرآن، قرأ على أنس بن مالك ولد في سنة خمسين، وروى
عن عبد الله بن عبد الله بن عمر مات سنة أربع وعشرين بشغب آخر
حد الحجاز، وأول حد فلسطين "طبقات القراء: 2-262-263".
2 حذيفة بن اليمان، هو أبو عبد الله العيسى، وردت الرواية عنه
في حروف القرآن، توفي بعد عثمان بأربعين عاما "طبقات القراء:
1-203".
(1/62)
بعضًا. وكان سبب ذلك ما قدمنا ذكره1 أن أهل
كل مصر قرءوا على ما أقرأهم الصحاب، الذي وصل إليهم ليعلمهم
القرآن، والدين في زمان أبي بكر وعمر، فاختلفوا في قراءاتهم
بألفاظ مختلفة في السمع لا في المعنى2، وفي السمع والمعنى3
مخالفة للخط، وغير مخالفة، بزيادة ونقص4، وتقديم، وتأخير5،
واختلاف حركات وأبنية واختلاف حروف، ووضع حروف في موضع أحرف
أخر6.
وكان ذلك قد تعارف بين الصحابة على عهد النبي "صلى الله عليه
وسلم" على ما قدمنا وبينا، فلم يكن ينكر أحد ذلك على أحد
لمشاهدتهم من أباح لهم ذلك، وهو النبي "صلى الله عليه وسلم".
فلما انتهى ذلك الاختلاف إلى ما لم يعاين صاحب الشرع،
__________
1 انظر ص49.
2 كقراءة: جذوة مثلثة الجيم.
3 كقراءة يسيركم وينشركم.
4 وما خلق الذكر والأنثى، والذكر بنقص لفظ ما خلق.
5 فيقتلون بفتح ياء المضارعة، مع بناء الفعل للفاعل في إحدى
الكلمتين، وبضمها مع بناء الفعل للمفعول في الكلمة لأخرى.
6 مثل: طلح منضود. وطلع منضود.
(1/63)
ولا علم بما أباح من ذلك، أنكر كل قوم على
آخرين قراءتهم، واشتد الخصام بينهم. وقال كل فريق: قراءتنا
أولى من قراءتكم. فراع ذلك حذيفة وأفزعه، فقد على عثمان "رضي
الله عنه" فقال:
يا أمير المؤمنين: أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتاب الله
كاختلاف اليهود والنصارى، فأحضر عثمان الصحيفة التي كانت عند
حفصة، ودعا زيد بن ثابت الأنصاري1، وعبد الله بن الزبير2،
وسعيد بن العاص3، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام4. وأمرهم بنسخ
المصحف.
__________
1 سبقت ترجمته.
2 هو، عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر القرشي الأسدي
الصحابي ابن الصحابي "رضي الله عنهما"، وردت الرواية عنه في
حروف القرآن هاجرت أمه، وهو حمل في بطنها فكان أول مولود ولد
بالمدينة من المهاجرين، ولد في السنة الثانية ونقل في جمادى
الأولى سنة ثلاث وسبعين "طبقات القراء: 1-419".
3 سعيد بن العاص بن أمية ولد عام الهجرة، وكان أحد أشراف قريش
ممن جمع الشجاعة والفصاحة، وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان
"رضي الله عنه"، استعمله عثمان على الكوفة توفي في خلافة
معاوية سنة تسع وخمسين "الاستيعاب القسم الثاني ص624".
4 عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي، المخزومي،
كان ابن عشر سنين حين قبض رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
(1/64)
وقيل: بل جمع اثنى عشر رجلا من قريش
والأنصار فيهم زيد بن ثابت، وأمرهم بكتابة1 المصحف.
وقال عثمان للرهط من قريش: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في
شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانها.
فلما نسخوا المصحف كتبوه في سبع نسخ.
6ش/ وقيل: في خمس. ورواة الأول أكثر.
ووجه عثمان إلى كل مصر مصحفا، وحرق ما عدا ذلك من المصاحف.
وقيل: إنه سخن الماء لها وألقاها فيه.
فعند ذلك اجتمع الناس في الأمصار على مصحف عثمان.
وقرأ أهل [كل] 2 مصر من قراءتهم، التي كانوا عليها بما يوافق
خط المصحف، وتركوا من قراءتهم ماخالف خط المصحف، وقد بينا هذا.
__________
1 في الأصل بكتبه.
2 زيادة يقتضيها المقام.
(1/65)
قال أنس بن مالك1:
أرسل عثمان إلى كل جند من أجناد المسلمين مصحفا، وأمرهم أن
يحرقوا كل مصحف يخالف الذي أرسل به إليهم.
قال الطبري، عند ذكره للمصحف:
فاستوسقت2 له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أنفيما فعل من ذلك
الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها
إمامها العادل في تركه، طاعة منها له، ونظرا منها لأنفسها،
ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست الأمة معرفتها. وتعفت
آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها، وعفو
آثارها، وتتابع المسلمين إلى رفض القراءة بها من غير جحود منهم
صحتها، وصحة شيء منها. ولكن نظرا منها لأنفسها، ولسائر أهل
دينها.
فلا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره
__________
1 هو أنس مالك بن النضير الأنصاري، أبو حمزة صاحب رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" وخادمه، روى القراءة عنه سماعا: وقرأ
عليه قتادة ومحمد بن مسلم الزهري توفي سنة 91 "طبقات القراء:
1-172".
2 استوسقت له الأمة: اجتمعت له بالطاعة.
(1/66)
لهم أمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من
الأحرف الستة الباقية.
وروى خارجة بن زيد1 عن أبيه أنه قال:
فقدت يوم نسخت المصحف آية من سورة الأحزاب، كنت أسمع رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" يقرؤها {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا} 2 الآية فالتسمتها فأصبتها مع خزيمة بن ثابت
الأنصاري، ولم أصبها مع غيره، فألحقتها في سورتها.
قال المقري:
قلت: وهذا مبني على ما قدمنا من فقده لآخر سورة التوبة3 في عهد
أبي بكر، أنهم كانوا يحفظونها لكنهم أنسوها، فلما وجدوها
تذكروها، وأيقنوا بها وكتبوها، لا أنهم قبلوها بشهادة من
وجدوها معه؛ لأن غير هذا لا يجوز أن يتأول.
__________
1 خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، الخزرجي "انظر الاستيعاب:
2-537".
2 سورة الأحزاب آية 23.
3 الآيتان: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ... } ،
إلخ السورة.
(1/67)
والدليل على صحة ما تأولنا:
قول زيد في هذا الخبر: كنت أسمع رسول الله "صلى الله عليه
وسلم" يقرؤها، فهو شيء سمعه من رسول الله "صلى الله عليه وسلم"
وأنسيه، فلما وجده تذكر، وأيقن به هو وغيره، فكتبوا ذلك بإجماع
منهم، لسماعهم ذلك من رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
وكذلك كل ما كتبوا وأثبتوا في المصحف.
وكان المصحف إذ كتبوه لم ينقطوه، ولم يضبطوا إعرابه فتمكن لأهل
كل مصر أن يقرءوا الخط على قراءتهم، التي كانوا عليها مما لا
يخالف صورة الخط.
فقرأ قوم مصحفهم: "من كل حدب1" بالحاء والباء على ما كانوا
عليه وقرأ الآخرون: "من كل جدث"، بالجيم على ما كانوا عليه.
وقرأ الآخرون/ 7ى: "من كل جدث" بالجيم والثاء على ما كانوا
عليه2.
__________
1 سورة الأنبياء آية 96.
2 قرأ ابن عباس "من كل جدث"، وهو القبر. "البحر المحيط:
6-339".
(1/68)
وقرأ قوم: "يقص الحق1" بالصاد على ما كانوا
عليه، وقرأ قوم: "يقض الحق" بالضاد على ما كانوا عليه2.
وكذلك ما أشبه هذا. لم يخرج أحد في قراءته عن صورة خط المصحف.
فهذا سبب جمع المصحف، وسبب الاختلاف الواقع في خط المصحف.
قال زيد بن ثابت: القراءة سنة.
قال إسماعيل القاضي:
أحسبه يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف.
وذكر عن محمد بن سيرين3، أنه قال:
__________
1 سورة الأنعام آية 57.
2 قرأ "يقص الحق"، نافع وابن كثير وعاصم وأبو جعفر، من قص
الحديث أو الأثر تتبعه، وقرأ الباقون بقاف ساكنة وضاد معجمة
مكسورة من القضاء، ولم ترسم إلا بضاد كأن الياء حذفت كما في
"تغن النذر" "اتحاف فضلاء البشر: 209".
3 محمد بن سيرين أبو بكر بن أبي عمرة البصري، مولى أنس بن مالك
"رضي الله عنه"، إمام البصر مع الحسن، وردت عنه الرواية في
حروف القرآن، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وروى عن مولاه،
وعن زيد بن ثابت وعمران بن الحصين، وعائشة وأبي هريرة وغيرهم،
وكان يكره أن يقرأ الرجل القرآن إلا كما أنزل، فكره أن يقرأ ثم
يتكلم ثم يقرأ، مات سنة عشر ومائة "طبقات القراء: 2-151".
(1/69)
كانوا يرون أن قراءتنا هذه إحداهن بالعرضة1
الآخرة2.
وروى عن علي بن أبي طالب "رضي الله عنه"، أنه قال: لو كنت أنا
لصنعت في المصاحف ما صنع عثمان.
__________
1 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "النشر: 1-8".
2 عام قبض رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حيث عرض عليه القرآن
مرتين.
(1/70)
باب: "معنى أنزل القرآن على سبعة أحرف"
فإن سأل سائل فقال:
ما الذي نعتقد في معنى قول النبي "صلى الله عليه وسلم":
"أنزل القرآن على سبعة أحرف"؟ وما المراد بذلك؟
فالجواب:
أن هذا المعنى قد كثر اختلاف الناس فيه.
والذي نعتقده في ذلك، ونقول به، وهو الصواب إن شاء الله:
أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن: هي لغات متفرقة في
القرآن، ومعان في ألفاظ تسمع في القراءة:
مختلفة في السمع متفقة في المعنى.
ومختلفة في السمع وفي المعنى.
نحو: تبديل كلمة في موضع أخرى وصورة الخط متفقة، أو مختلفة
نحو:
يسيِّرُكم، وَيَنْشُرُكُمْ1. ونحو: صيحة وزقية2.
__________
1 سورة يونس آية 22، وقد قرأ ابن عامر وأبو جعفر ينشركم،
والباقون يسيركم "الإتحاف: 248".
2 سورة يس آية 53.
(1/71)
وزيادة كلمة ونقص أخرى.
وزيادة حرف ونقص آخر.
وتغيير حركات في موضع حركات أخر.
وإسكان حركة.
وتشديد، وتخفيف.
وتقديم، وتأخير1.
وشبه ذلك مما يسمع ويميز بالسمع.
وليس هو مما يحتوي على المعاني المستترة، كقول من قال: الأحرف
السبعة: حلال وحرام، وناسخ ومنسوخ، وأمر ونهي، وشبه هذا.
هذه معان في النفس مستترة، لا تعلم إلا بسؤال من يعتقدها دليل
ذلك:
أن عمر إنما سمع هشاما2 يقرأ غير قراءته، فأنكر عليه ولم يره
يغير حكما، ولا يحرف معنى في القرآن.
ويدل على ذلك: أن النبي "صلى الله عليه وسلم" لما
__________
1 ستأتي الأمثلة على ذلك.
2 هو، هشام بن حكيم وقد سبقت ترجمته.
(1/72)
تخاصموا إليه في القراءة أمرهم بالقراءة،
فلما سمعهم صوب، قراءتهم، ولم يسالهم عن معان مستورة في
أنفسهم، أنما سمع ألفاظهم فصوبها.
وأيضا فإنها لو كانت في حلال وحرام، وأمر ونهي، وناسخ ومنسوخ
وشبهه لم يقل: اقرءوا بما شئتم، وأي ذلك قرأت أصبت.
قال بعض القراء:
هي سبع أحرف منطبقة المفهوم، مختلفة المسموع، وهو معنى ما
قلناه.
وقال مالك وغيره1:
هو قراءة القارئ: عزيز حكيم. وفي موضع: غفور رحيم.
وهذا الذي يخالف الخط، لا تجوز به اليوم لمخالفة خط المصحف،
وهو المنهي عنه.
__________
1 هو، مالك بن أنس بن مالك، أبو عبد الله الأصبحي المدني، إمام
دار الهجرة وصاحب المذهب، أخذ القراءة عرضا عن نافع بن أبي
نعيم، وروى القراءة عنه أبو
عمرو الأوزاعي، ويحيى بن سعيد، ولد سنة ثلاث وسبعين ومات سنة
تسع وسبعين ومائة "طبقات القراء: 2-35".
(1/73)
والذي يشتمل عليه معنى القراءات: أنها ترجع
إلى سبعة أوجه:
الأول:
ش7/ أن يختلف في إعراب الكلمة، أو في حركات بنائها بما لا
يزيلها عن صورتا في الكتاب، ولا يغير معناها نحو:
البُخْل والبَخَلَ1، وميسَرة وميسُرة2.
وما هن أمهاتهم، وما هن أمهاتهم3.
وهو كثير. يقرأ منه بما صحت روايته، وصح وجهه في العربية؛ لأنه
غير مخالف للخط.
الثاني:
أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة، أو في حركات بنائها بما
يغير معناها، على غير التضاد4، ولا يزيلها عن
__________
1 سورة النساء آية38، سورة الحديد آية 24، قرأ حمزة والكسائي
وخلف بفتح الباء والخاء، وقرأ الباقون بضم الباء وسكون الخاء.
"النشر: 2-236".
2 سورة البقرة آية 280 قرأ نافع بضم السين، وقرأ الباقون
بفتحها "النشر: 2/ 236".
3 سورة المجادلة آية: 2. قرأ الجمهور أمهاتهم بالنصف على لغة
الحجاز، والمفضل عن عاصم بالرفع على لغة تميم "البحر المحيط:
8-232".
4 في الأصل على غير التضاد.
(1/74)
صورتها في الخط وذلك نحو قوله:
"ربُّنا باعد بين أسفارنا"، و"ربِّنا بَعِّدْ بين أسفارنا"1.
و"إذ تَلَقَّوْنَه" وتُلْقُونَه"2.
و"ادكر بعد إمة"، و"بعد أمه"3.
الثالث:
أن يكون الاختلاف في تبديل حرف الكلمة، دون إعرابها بما يغير
معناها، ولا يغير صورة الخط بها في رأي العين نحو:
نُنْشِرها، ونُنْشِزُها4.
__________
1 سورة سبأ آية 19 اختلفوا في "ربنا باعد"، فقرا يعقوب برفع
الباء من "ربنا" وفتح العين والدال وألف قبل العين من "باعد"،
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وهشام بنصب الباء، وكسر العين مشددة
من غير ألف مع إسكان الدال. وقرأ الباقون كذلك إلا أنهم
بالألف، وتخفيف العين. "النشر: 2-350".
2 سورة النور آية 15 قرأ الجمهور: تلقونه، وقرأ ابن السميفع
تلقونه مضارع ألقى. وقد حكى صاحب البحر المحيط قراءات أخرى
"انظر حـ6 ص438".
3 سورة يوسف آية 45، قرأ الأشهب العقيلي بعد أمة بكسر الهمزة،
أي بعد نعمة أنعم الله بها على يوسف في تقريب إطلاقه، وقرأ ابن
عباس، وزيد بن علي والضحاك وقتادة، وشبيل بن عذرة الضبعي،
وربيعة بن عمر بعد أمه بفتح الهمزة والميم مخففة، وهاء
والجمهور قرءوا بعد أمة. "البحر المحيط: 5-314".
4 سورة البقر آية 259 قرأ ابن عامر، والكوفيون بالزاي
المنقوطة، وقرأ الباقون بالراء المهملة. "النشر 2-231".
(1/75)
وفزع عن قلوبهم. وفزع عن قلوبهم1.
ويقص الحق، ويقض الحق2.
وهو كثير، يقرأ به إذا صح سنده ووجهه لموافقته لصورة الخط في
رأي العين.
الرابع:
أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يغير صورتها في الكتاب ولا
يغير معناها، نحو: إن كانت إلا صيحة واحدة، وإلا زقية واحدة3.
وكالصوف المنفوش، والعهن المنفوش4.
فهذا يقبل إذا صحت روايته، ولا يقرأ به اليوم لمخالفته لخط
المصحف؛ ولأنه إنما ثبت بخبر الآحاد.
__________
1 سورة سبأ آية 23 قرأ ابن عامر، ويعقوب فتح الفاء والزاي،
وقرأ الباقونبضم الفاء وكسر الزاي "النشر: 2-351".
2 سورة الأنعام آية 57 قرأ المدنيان: أبو جعفر ونافع، وابن
كثير وعاصم "يقص" بالصاد المهملة مشددة، وقرأ الباقون بإسكان
الفاء وكسر الضاد "النشر 3-258".
3 سورة يونس آية 29.
4 سورة القارعة آية 5 في مصحف ابن مسعود كالصوف المنفوش، وقرأ
الجمهور كالعهن المنفوش "انظر المصاحف للسجستاني".
(1/76)
الخامس:
أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها في الخط، ويزيل
معناها نحو:
ألم تنزيل الكتاب. في موضع: ألم ذلك الكتاب1.
فهذا لا يقرأ به أيضا، لمخالفته للخط، ويقبل منه ما لم يكن فيه
تضاد2 لما عليه المصحف.
وهذه الأقسام كلها كثيرة لو تكلفنا أن نؤلف في كل قسم كتابا
مما جاء منه، وروى، لقدرنا على ذلك لكثرته.
السادس:
أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير. نحون ما روي عن أبي بكر
"رحمه الله" أنه قرأ عند الموت:
وجاءت سكرة الحق بالموت3. وبذلك قرأ ابن مسعود.
وهذا يقبل لصحة معناها إذا صحت روايته. ولا يقرأ به لمخالفته
المصحف؛ ولأنه أتى بخبر الأحاد.
__________
1 سورة البقرة الآية2.
2 في الأصل تضاد بفك الإدغام.
3 سورة ق آية 19.
(1/77)
والسابع:
أن يكون الاختلاف بالزيادة، أو بالنقص في الحروف والكلم، فهذا
يقبل منه ما لم يحدث حكما لم يقبله أحد.
ويقرأ منه بما اختلفت المصاحف في إثباته وحذفه، نحو:
"تجري تحتها" في براءة عند رأس المائة، و {مِنْ تَحْتِهَا} 1
"فإن الله الغني الحميد" في الحديد، و {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
الْغَنِيُّ الْحَمِيد} 2.
ونحو ذلك اختلف فيه المصاحف3 التي وجه بها عثمان إلى الأمصار،
فيقرأ به إذا لم يخرج عن خط جميع المصاحف.
ولا يقرأ منه بما لم تختلف فيه المصاحف/ 8ى: لا يزاد شيء لم
يزد في شيء من المصاحف، ولا شيء لم ينقص في شيء من المصاحف.
وأما ما اختلفت فيه القراءة من الإدغام، والإظهار، والمد،
والقصر، وتشديد، وتخفيف، وشبه ذلك فهو من القسم الأول؛ لأن
القراءة بما يجوز منه في العربية، وروى عن
__________
1 سورة الحديد آية: 12.
2 سورة الحديد آية: 24.
3 انظر اختلاف مصاحف الأمصار، التي نسخت من المصحف الإمام من
كتاب المصاحف للسجستاني ص39.
(1/78)
أئمة وثقات: جائزة في القرآن؛ لأنه كله
موافق للخط.
وإلى هذه الأقسام في معاني السبعة، ذهب جماعة من العلماء.
وهو قول ابن قتيبة1 وابن شريح2 وغيرهما.
لكننا شرحنا ذلك من قولهم.
__________
1 ابن قتيبة: هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري،
المروزي ولد سنة 211هـ، وتربى في بغداد، وتولى القضاء بدينور.
وهو صاحب عيون الأخبار، وطبقات الشعراء، والإمامة والسياسة،
وأدب الكاتب، وكتاب القراءات، وغريب القرآن، ومشكل القرآن
"توفي 276هـ"، انظر وفيات الأعيان.
2 ابن شريح هو محمد بن شريح الرعيني الأشبيلي، ولد سنة 388هـ،
ورحل إلى مصر ومكة، ثم لقي مكي بن أبي طالب وأجازه. مات في
شوال سنة 476هـ.
(1/79)
باب: "فائدة تعدد القراءات"
فإن سأل سائل، فقال:
ما الذي تفيد قراءة على أكثر من حرف لمن قرأ على أكثر من حرف؟
فالجواب.
أن الله "عز وجل" لم يجعل على عباده حرجا في دينهم، ولا ضيق
عليهم فيما افترض عليهم.
وكانت لغات من أنزل عليهم القرآن مختلفة، ولسان كل صاحب لغة،
لا يقدر على رده إلى لغة أخرى إلا بعد تكلف ومئونة شديدة، فيسر
الله عليهم أن أنزل كتابه على سبع لغات متفرقات1 في القرآن
بمعان متفقة ومختلفة، ليقرأ كل قوم على لغتهم، على ما يسهل
عليهم من لغة غيرهم، وعلى ما جرت به عادتهم.
فقوم جرت عادتهم بالهمز.
وقوم بالتخفيف.
__________
1 في هامش الأصل هذه العبارة: نسخة في كتاب الشيخ "مفترقات".
(1/80)
وقوم بالفتح.
وقوم بالإمالة.
وكذلك الأعراب واختلافه في لغاتهم، والحركات واختلافها في
لغاتهم. وغير ذلك.
فتفصح كل قوم، وقرءوا على طبعهم ولغتهم ولغة من قرب منهم، وكان
في ذلك رفق عظيم بهم، وتيسير كثير لهم.
ونظير هذا في القرآن، مما رفق الله به عباده، ويسر عليهم نزول
الفرائض والأحكام، والأوامر والنواهي لشيء بعد شيء في أكثر من
عشرين سنة، فكانوا لذلك أقبل، وهو عليهم أسهل، إذ لو نزل كله
مرة واحدة لصعب عليهم واشتد، وللحقهم في ذلك عنت وصعوبة. فمن
الله عليهم بنزول شيء من الفرائض. فإذا أنسوا بالفرض، وعملوا
به، وطال الأمر، وصار عندهم عادة نزل فرض آخر، حتى أكمل الله
دينه في يسر على عباده. فنعمة الله لا تحصى.
ونظير ذلك أيضًا في القرآن:
أن الله "جل ذكره" علم أن القرآن لا يجمعه كل إنسان في وقت
نزوله، ولا يقف على ما نص فيه جميع العباد، فكرر
(1/81)
القصص، والتحذير والتخويف، والتوحيد
والإخبار عن البعث والنشر والحجج على جوازه، وغير ذلك في أكثر
سور القرآن، ليكون من بلغه بعض السور وقف على ذلك أجمع، ومن
بلغه البعض الآخر وقف فيه على نحو ذلك.
ومن بلغه سورة واحدة وقف على أكثر ذلك، فلا يفوت أحدا منهم ما
به الحاجة إليه، مما أراد الله إعلامه لخلقه، فكان في/ 8ش
التكرير رفق عظيم، وهداية ظاهرة للحق، وذلك بلطف الله لخلقه،
وهذا كثير من نعم الله على خلقه، ورفقه بهم.
ولو تتبعت ذلك أوجدت منه عددًا كبيرًا.
(1/82)
باب: العلة في كثرة
اختلاف المروي عن الآئمة القراء
...
باب: "العلة في كثر اختلاف المروي عن الأئمة القراء"
فإن سأل سائل، فقال:
ما العلة التي من أجلها كثر الاختلاف عن هذه الأئمة، وكل واحد
منهم قد انفرد بقراءة اختارها مما قرأ به على أئمته؟
فالجواب:
أن كل واحد من الأئمة قرأ على جماعة بقراءات مختلفة، فنقل ذلك
على ما قرأ، فكانا في برهة من أعمارهم يقرئون الناس بما قرءوا،
فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يرده عنه، إذا كان ذلك مما قرءوا
به على أئمتهم.
ألا ترى أن نافعا قال:
قرأت على سبعين من التابعين، فما اتفق عليه اثنان أخذته، وما
شذ فيه واحد تركته؟.
يريد، والله أعلم، مما خالف المصحف.
فكان مما قرأ عليه بما اتفق فيه اثنان من أئمته لم ينكر عليه
ذلك.
(1/83)
وقد روى عنه أنه كان يقرئ الناس بكل ما قرأ
به حتى يقال له: نريد أن نقرأ عليك باختيارك مما رويت.
وهذا قالون1 ربيبه وأخص الناس به. وورش2 أشهر الناس في
المتحملين إليه، اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف، من قطع
وهمز، وتخفيف، وإدغام وشبيهه.
ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه، ولا نقلها أحد
عن نافع غير ورش.
وإنما ذلك؛ لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلده، فوافق ذلك
__________
1 قالون: هو عيسى بن مينا بن وردان، مولى ابن زهرة أبو موسى
الملقب قالون، قارئ المدينة ونحويها، يقال إنه ربيب نافع، وقد
اختص به كثيرا، وهو الذي سماه قالون لجودة قراءته، فإن قالون
بلغة الرومية "جيد"، وكان أصم يقرئ القرآن، ويفهم خطأهم ولحنهم
بالشفة توفي سنة 220هـ.
2 ورش: هو عثمان بن سعيد أبو عمر والقرشي، مولاهم القبطي
المصري الملقب بورش شيخ القراء والمحققين، وإمام أهل الأداء
المرتلين انتهب إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه
ولد سنة 110 بمصر، ورحل إلى نافع بالمدينة فعرض عليه سنة
155هـ، وكان أشقر أزرق أبيض اللون قصيرا هو إلى السمن أقرب منه
إلى النحافة، فقيل: إن نافعا لقبه بالورشان؛ لأنه كان على قصه
يلبس ثيابا قصارا. وكان إذا مشى بدت رجلاه مع اختلاف ألوانه:
فكان نافع يقول: هات يا ورشان، وأقرأ يا ورشان، وأين ورشان، ثم
خفف فقيل: ورش. والورشان طائر توفي سنة 198هـ.
(1/84)
رواية قرأها نافع عن بعض أئمته، فتركه على
ذلك.
وكذلك ما قرأ عليه قالون وغيره.
وكذلك الجواب عن اختلاف الرواة عن جميع القراء.
وقد روي عن غير نافع أنه كان يرد على أحد ممن يقرأ عليه، إذا
وافق ما قرأ به على بعض أئمته.
فإن قيل له: أقرءنا بما اخترته من روايتك اقرأ بذلك.
(1/85)
باب: السبب في إشهار
السبعة القراء دون من هو فوقهم
...
باب: "السبب في اشتهار السبعة القراء دون من هو فوقهم"
فإن سأل سائل فقال:
ما العلة التي من أجلها اشتهر هؤلاء السبعة بالقراءة دون من هو
فوقهم، فنسبت إليهم السبعة الأحرف مجازا، وصاروا في وقتنا أشهر
من غيرهم، ممن هو أعلى درجة منهم، وأجل قدرا؟.
فالجواب:
أن الرواة عن الأئمة من القراء، كانوا في العصر الثاني والثالث
كثيرا في العدد، كثيرا في الاختلاف، فأراد الناس في العصر
الرابع أن يقتصروا من القراءات، التي توافق المصحف على ما يسهل
حفظه، وتنضبط القراء به، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة
والأمانة وحسن الدين، وكمال العلم، قد طال عمره، واشتهر أمره،
وأجمع أهل مصره على عدالته فيما نقل، وثقته فيما قرأ وروى،
وعلمه بما يقرأ، فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم،
فأفردوا من كل/ 9ى مصر وجه إليه عثمان مصحفا، إماما هذه صفته
وقراءته على مصحف ذلك المصر.
(1/86)
فكان أبو عمرو من أهل البصرة.
وحمزة وعاصم من أهل الكوفة وسوادها.
والكسأ من أهل العراق.
وابن كثير من أهل مكة.
وابن عامر من أهل الشام.
ونافع من أهل المدينة.
كلهم ممن اشتهرت إمامته، وطال عمره في الإقراء، وارتحال الناس
إليه من البلدان.
ولم يترك الناس مع هذا نقل، ما كان عليه أئمة هؤلاء من
الاختلاف، ولا القراءة بذلك.
وأول من اقتصر على هؤلاء: أبو بكر بن مجاهد1 قبل سنة ثلاثمائة
أو في نحوها، وتابعه على ذلك من أتى بعده، إلى الآن.
ولم تترك القراءة بقراءة غيرهم، واختيار من أتى بعدهم إلى
الآن.
__________
1 أبو بكر بن مجاهد سبقت ترجمته.
(1/87)
فهذه قراءة يعقوب الحضرمي1 غير متروكة.
وكذلك قراءة عاصم الجحدري2.
وقراءة أبي جعفر3 وشيبة4 إمامي نافع.
وكذلك اختيار أبي حاتم5، وأبي عبيد6.
واختيار المفضل7.
__________
1 يعقوب الحضرمي سبقت ترجمته.
2 هو، عاصم بن أبي الصباح العجاج الجحدري، البصري، أخذ القراءة
عن سليمان بن قفة عن ابن عباس، وقرأ على نصر بن عاصم ويحيى بن
يعمر مات سنة 128هـ.
3 أبو جعفر: يزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزومي، المدني
أحد العشرة تابعي مشهور كبير القدر، عرض القرآن على مولاه عبد
الله بن عياش، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة وروى القراءة عنه
نافع بن أبي نعيم، مات بالمدينة سنة 130. "طبقات القراء:
2-382".
4 هو شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب، مقرئ المدينة مع أبي جعفر
وقاضيها ومولى أم سلمة "رضي الله عنها"، مسحت على رأسه ودعت له
بالخير مات سنة 132 "طبقات القراء: 1-329".
5 هو، أبو حاتم السجستاني وقد سبقت ترجمته.
6 هو، أبو عبيد القاسم بن سلام وقد سبقت ترجمته.
7 هو، المفضل بن محمد بن يعلى أبو محمد الضبي الكوفي، إمام
مقرئ نحوى إخباري، موثق أخذ القراءة عن عاصم، وروى القراءة عنه
الكسائي مات سنة 168هـ "طبقات القراء: 2-307".
(1/88)
واختيارات لغير هؤلاء الناس، على القراء
بذلك في كل الأمصار من الشرق.
وهؤلاء الذين اختاروا إنما قرءوا لجماعة، وبروايات، فاختار كل
واحد مما قرأ وروى قراءة تنسب إليه بلفظ الاختيار، وقد اختار
الطبري وغيره.
وأكثر اختياراتهم، إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة
أشياء:
قوة وجهه في العربية.
وموافقته للمصحف.
واجتماع العامة عليه. والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة،
وأهل الكوفة.
فذلكعندهم حجة قوية، فوجب الاختيار.
وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين1.
وربما جعلوا الاختيار على ما اتفق عليه نافع، وعاصم، فقراءة
هذين الإمامين أوثق القراءات، وأصحها سندا، وأفصحها في
العربية، ويتلوهما في الفصاحة خاصة قراءة أبي عمرو، والكسائي
"رحمهم الله".
__________
1 مكة والمدينة.
(1/89)
باب: لم جعل القراء
الذين اختيروا للقراء سبعة؟
...
باب: "لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة؟ "
فإن سأل سائل فقال:
لم جعل القراء الذين اختيروا للقراءة سبعة؟
ألا كانوا أكثر أو أقل؟
فالجواب:
أنهم جعلوا سبعة لعلتين:
إحداهما: أن عثمان "رضي الله عنه" كتب سبعة مصاحف، ووجه بها
إلى الأمصار، فجعل عدد القراء على عدد المصاحف،
والثانية: أنه جعل عددهم على عدد الحروف، التي نزل بها القرآن،
وهي سبعة على أنه لو جعل عددها أكثر أو أقل لم يمنع ذلك أن عدد
الرواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى.
وقد ألف ابن جبير المقرى، كان قبل ابن مجاهد، كتابا في
القراءات، وسماه: كتاب الثمانية، وزاد على هؤلاء السبعة يعقوب
الحضرمي.
وهذا باب واسع.
وإنما الأصل الذي يعتمد عليه في هذا: أن ما صح سنده،
(1/90)
واستقام وجهه في العربية، ووافق لفظه خط
المصحف، فهو من السبعة المنصوص عليها، ولو رواه سبعون ألفا،
متفرقين أو مجتمعين.
فهذا هو الأصل، الذي بني عليه من قبول القراءات عن سبعة أو
سبعة آلاف، فاعرفه، وابن عليه.
(1/91)
9ش/ باب: جامع
لمعان مما ذكرنا
قال: فإن سأل سائل، فقال:
هل جمع حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، أحد من
الصحابة، فتقوى بذلك الأنفس فيما يقرءونه اليوم؟
فالجواب:
أنه قد اختلف الناس فيمن جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله
عليه وسلم".
فقال جماعة: إن النبي "صلى الله عليه وسلم"، توفي ولم يجمع
القرآن إلا أربعة:
أبي بن كعب1، ومعاذ بن جبل2، وزيد بن ثابت3 [سالم مولى أبي
حذيفة] .4.
__________
1 هو أبي بن كعب الأنصاري المدني، قرأ على النبي صلى الله عليه
وسلم، "وقد سبقت ترجمته".
2 معاذ بن جبل بن عمرو، أبو عبد الرحمن الأنصاري "رضي الله
عنه" أحد الذين حفظوا القرآن حفظا على عهد النبي "صلى الله
عليه وسلم"، وهو الذي أشار إليه النبي "صلى الله عليه وسلم"
بقوله: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن
كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة"، توفي سنة 18هـ، وهو
ابن ثلاث وثلاثين سنة.
3 زيد بن ثابت "سبقت ترجمته".
4 زيادة لم ترد في الأصل.
(1/92)
وقيل: إن معهم عثمان، وتميم الداري.
وقيل: عثمان، وأبو الدرداء1.
وذكر ابن عيينة2 أن الشعبي3 قال:
لم يقرأ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم"، إلا ستة
كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وأبو الدرداء.
وسعد بن عبيد القاري، وأبو زيد، وزيد، وليس بزيد بن ثابت.
قال الشعبي: غلب زيد بن ثابت الناس بالقرآن والفرائض قال أنس:
جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" أربعة من
الأنصار:
__________
1 هو، عويمر بن زيد أبو الدرداء الأنصاري، الخزرجي أحد الذين
جمعوا القرآن حفظا على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" ولي
قضاء دمشق، هو أول قاض ولها توفي سنة 32هـ.
2 مقرئ سمع من محمد بن أبي أيوب الثقفي، الكوفي "انظر طبقات
القراء: 2-103".
3 عامر بن شراحيل بن عيد، أبو عمرو الشعبي الكوفي إمام كبير
مشهور، وهو القائل: القراءة سنة، فاقرءوا كما قرأ أولوكم. مات
سنة خمس ومائة وله سبع وسبعون سنة.
(1/93)
أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت،
وأبو زيد
قيل لأنس: من أبو زيد؟.
قال: بعض عمومتي.
وقيل: إن أول من حفظ القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه
وسلم"، سعد بن عبيد، وجمعه من الخزرج: أبي بن كعب، ومعاذ بن
جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأبو زيد.
وقال ابن عباس:
جمع القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" أربعة:
معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، ومجمع بن جارية1، وسالم مولى أبي
حذيفة2.
__________
1 في الأصل "حارثة" وهو تصحيف، ومجمع بن جارية بن عامر العطاف
الأنصاري الصحابي، وكان غلاما حدثا، حين جمع القرآن، وكان أبوه
جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلى بهم فيه، ثم أخر
به النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان زمان عمر كلم ليصلي
بالناس، فقال: لا! أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار.
فقال لعمر: والله الذي لا إله إلا هو، ما علمت بشيء من أمرهم
فتركه فصلى بهم. مات بالمدينة في خلافة معاوية "رضي الله عنه"
"طبقات القراء جـ2-42".
2 هو، سالم بن عتبة بن ربيعة، أبو عبد الله الصحابي الكبير،
وردت عنه الرواية في حروف القرآن، استشهد يوم اليمامة سنة
12هـ. وهو أحد الذين قال فيهم الرسول: خذوا القرآن من أربعة
"انظر طبقات القراء: 1-301".
(1/94)
واختلف في الحرف الذي كتب عليه المصحف:
فقيل: حرف زيد بن ثابت.
وقيل: حرف أبي بن كعب؛ لأنه على العرضة الآخرة، التي قرأ بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى الحرف الأول أكثر الرواة:
ومعنى قولنا: حرف زيد، أي قراءته وروايته وطريقته.
ولم يختلف في أن ابن مسعود لم يكن على عهد النبي "صلى الله
عليه وسلم" جمع القرآن كله. بل قال: إني جمعت منه على عهد
النبي بضعا وسبعين سورة، وتلقيت من في رسول الله "صلى الله
عليه وسلم" سبعين سورة.
فإن سأل سائل، فقال:
قد روى عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال:
"خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب،
ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة".
ولم يذكر زيدا، وأنتم تنتمون في القراءة وجمع المصحف إلى أبي،
وزيد؟
(1/95)
فالجواب: / 10ى.
أن هذا الأمر من النبي "صلى الله عليه وسلم"، عند العلماء إنما
هو تنبيه منه على قوم كانوا لم يشتهروا في ذلك الوقت بما نسب
إليهم النبي "صلى الله عليه وسلم"، فنبه النبي عليهم ليعلم ذلك
منهم، وترك ذكر من اشتهر في القرآن، وعرف فضله، ولم يجهل قدره
وعلمه، كزيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب.
وقيل:
إن معنى ذلك أنه "صلى الله عليه وسلم"، قال ذلك يوم قاله، ولم
يكن في القوم أقرأ ممن ذكر، ثم حدث بعد من هو مثلهم، وأقرأ
منهم كزيد بن [ثابت] 1 وعلى.
فإن قيل:
قد روي عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال: "من أراد أن
يقرأ القرآن غضا، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد"، يعني ابن مسعود.
وعنه أنه قال: "من أراد أن يسمع كلام الله غضا، كما أنزل
__________
1 زيادة يقتضيها المقام.
(1/96)
فليسمعه من في ابن أم عبد".
وقد تركت قراءة ابن مسعود اليوم، ومنع مالك وغيره أن يقرأ
بالقراءة، التي تنسب إلى ابن مسعود.
فالجواب:
أن ما قاله الحسين بن علي الجعفي1 قال:
إن معنى ذلك أن ابن مسعود كان يرتل القرآن، فحض النبي الناس
على ترتيل القرآن بهذا القول.
دليله قوله في الحديث الآخر: فليسمعه من في ابن مسعود، فحض على
سماع ترتيل القرآن.
وكذلك الجواب عن الحديث الذي روى عنه "صلى الله عليه وسلم"،
أنه قال: "من أراد أن يقرا القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه كما
يقرأ ابن مسعود".
قال الجعفي:
__________
1 الحسين بن علي الجعفي، مولاهم الكوفي الزاهد أحد الأعلام،
قرأ على حمزة، وهو أحد الذين خلفوه في القيام بالقراءة، وروى
القراءة عن أبي بكر بن عياش، وأبي عمرو بن العلاء، قال عنه
الكسائي: إنه أقرأ الناس في عهده مات سنة 203هـ، عن أربع
وثمانين سنة "طبقات القراء: 1-247".
(1/97)
معناه أنه ليس يريد به حرفه الذي يخالف
المصحف، إنما أراد ترتيله إذا قرأ.
حض النبي "صلى الله عليه وسلم" أمته على ترتيل القرآن.
وقد أمر الله "تبارك وتعالى" نبيه بذلك فقال:
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} 1.
قلتك ولا ينكر أن يكون "صلى الله عليه وسلم"، أراد حرفه الذي
كان يقرأ به، ونحن نقرأ بذلك من قراءته، ونتولى ذلك، ونرويه،
ونرغب اليوم فيه، ما لم تخالف قراءته المصحف. فإن خالف المصحف
لم نكذب بها، ولم نقرأ بها؛ لأنها خارجة عن الإجماع، منقولة
بخبر الآحاد، والإجماع أولى من خبر الآحاد؛ ولأنا لا نقطع أنها
قراءة ابن مسعود على الحقيقة، إذ لم يصحبها إجماع.
ولذلك قال مالك وغيره: القراءة التي تنسب إلى ابن مسعود. فقال:
تنسب إليه. ولم يقل قراءة ابن مسعود، والشيء قد ينسب إلى
الإنسان، وهو غير صحيح عنه.
ولذلك قال إسماعيل القاضي:
__________
1 سورة المزمل آية 4.
(1/98)
ما روي من قراءة ابن مسعود وغيره، يعني مما
يخالف خط المصحف، ليس ينبغي لأحد أن يقرأ به اليوم؛ لأن الناس
لا يعلمون علم يقين أنها قراءة ابن مسعود، وإنما هو شيء يرويه
بعض من يحمل الحديث، ولا يجوز أن يعدل عن اليقين/ 10ش إلى ما
لا يعلم يقينه.
وقد فسرنا هذا القول فيما مضى، وهو مارد مالك وغيره، وإنما
عنوا من ذلك ما يخالف خط المصحف لا يقرأ به اليوم.
وقد قال عمر "رضي الله عنه": على أقضانا، وأبي، أقرؤنا.
ومعناه: أنه وصفهما بأكثر علمهما، وهما يعلمان غير ذلك من
العلوم.
ويروى أن أبيا، كان أقرب الناس عهدا بآخر قراءة النبي "صلى
الله عليه وسلم"، وهي العرضة الآخرة.
وقد ثبت عن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أنه قال لأبي:
إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، في حديث طويل معناه: أنه
"صلى الله عليه وسلم"، أمر أن يقرأ على أبي ليتعلم أبي منه
(1/99)
قراءته، ويسمع ألفاظه وترتيله، لا ليتعلم
النبي "صلى الله عليه وسلم" منه شيئا.
وقد خص أبو بكر زيدا بجمع القرآن في السعف والجريد، ولم يخالفه
فيه أحد من الصحابة.
ثم خصه عمر بجمعه في الصحيفة، ولم يخالفه أحد من الصحابة.
ثم خصه عثمان بجمع المصحف مع غيره، ولم يخالفه فيه أحد من
الصحابة.
وهذا كله يدل على فضل ظاهر، بارع، وثقة وأمانة في زيد.
ويقوي ذلك تخصيص رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بكتابة الوحي.
ولذلك خصه أصحابه بجمع القرآن، مع أنه كان قد جمع القرآن على
عهد رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وقرأه على النبي كأبي.
ولذلك أضاف أكثر القراء القراءة إليهما، عن النبي "صلى الله
عليه وسلم"، أعني أبيًّا وزيدًا.
فإن قيل:
(1/100)
فإنك قد ذكرت أولا عن زيد أنه قال: فقدنا
آية كذا في عهد أبي بكر، وآية كذا في عهد عثمان، فوجدنا ذلك مع
فلان، ومع فلان فأثبتنا ذلك.
وقد روى أنه قال، إذ أمره أبو بكر بجمع القرآن:
فجمعت القرآن من صدور الرجال،
ومن كذا، ومن كذا.
وهذا كله يدل على أن زيدا، لم يكن يحفظ القرآن على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم" وإذا لم يحفظ، فكيف قرأ على النبي "صلى
الله عليه وسلم"، وهو لا يحفظه.
فالجواب عن ذلك:
أن من حفظ القرآن من الأولين والآخرين، لا ينكر أن يشك في آية
وفي أكثر، وأن تسقط عنه الآية والحرف والأكثر، ولا يخرجه ذلك
من أن ينسب إليه حفظ القرآن، وأن يقرأه على غيره.
وإنما جرت الناس، فيمن نسب إليه حفظ القرآن، أن يكون ذلك على
الأعم والأكثر، وإلا فليس يسلم أحد من الحفاظ، من وهم أوشك أو
غلط فيه. لكن الناس يتفاضلون في ذلك:
فمنهم من يقل منه ذلك، وهو الممدوح بقوة الحفظ.
(1/101)
ومنهم من يكثر ذلك منه، ولا يخرجه ذلك من
أن ينسب إليه حفظ القرآن؛ لأنه/ 11ى يحفظ الأكثر والأعم بلا
شك.
وقد صح أن النبي "صلى الله عليه وسلم"، أسقط في قراءته في
صلاته شيئا من القرآن. فهل يقول أحد: إن النبي "صلى الله عليه
وسلم"، كان لا يحفظ القرآن؟!
وأما قول زيد بن ثابت: "جمعت القرآن من صدور الرجال". فإنما
معنى ذلك أنه استوثق فيما نقل بحفظ غيره مع حفظه.
ويجوز أن يكون أراد جمع ما وهم فيه، أو نسي من صدور الرجال،
فلما ذكره غيره بما نسى من حفظه تذكره وتيقنه؛ لأنه كان يحفظه،
فأثبته على يقين منه به، ولم يخالفه أحد فيما أثبت، فصار
غجماعا لا أنه1 فيه خبر الواحد.
وقد بينا هذا المعنى فيما تقدم2.
__________
1 في الأصل؛ لأنه، والسياق يقتضي "لا أنه".
2 انظر ص: 60، ص: 77.
(1/102)
فإن قيل:
فإن بعض القراء السبعة المشهورين، ومن تقدمهم من أنهم يسندون
قراءتهم إلى ابن مسعود عن النبي، وإلى علي عن النبي، وإلى
عثمان عن النبي.
وهلاء لم يكونوا يحفظون القرآن على عهد النبي "صلى الله عليه
وسلم"، فكيف قرءوا على النبي، ونقلوا عنه القراءة، وهم لا
يحفظون القرآن؟
فالجواب:
أن عثمان "رضي الله عنه"، قد روي أنه كان يحفظ القرآن على عهد
النبي صلى الله عليه وسلم".
وأما ابن مسعود فإنه قال: قرأت من لسان رسول الله "صلى الله
عليه وسلم"، سبعين سورة قال: وقد كنت أعلم أنه يعرض عليه
القرآن في كل رمضان، حتى كان عام قبض، فعرض عليه القرآن مرتين،
فكان إذا فرغ النبي أقرأ عليه فيخبرني أني محسن.
فأما ما بقي عليه من القرآن، فيجوز أن يكون قرأه بعد موت النبي
"صلى الله عليه وسلم"، على من قرأ على النبي فأسنده إلى النبي.
(1/103)
ويجوز أن يكون قرأه على النبي تلقينا، ولم
يكمل له إتقان حفظه، إلا بعد موت النبي "صلى الله عليه وسلم".
ويجوز أن يكون سمعه من النبي، فيقوم سماعه منه مقام قراءته
عليه.
وكذلك تأويلنا في علي وعثمان إن كانا لم يكمل لهما حفظ القرآن
على عهد النبي "صلى الله عليه وسلم".
على أن القراء يسندون قراءتهم في الأكثر إلى أبي، وزيد، والنبي
"صلى الله عليه وسلم".
وقد صحت قراءتهم على النبي "صلى الله عليه وسلم".
(1/104)
|