الإبانة عن معاني القراءات باب: من الأحاديث
التي رويت في الأحرف السبعة
باب: نذكر فيه جملا من الأحاديث
التي رويت في الأحرف السبعة تدل على صحة ما قدمنا ذكره
...
"من الأحاديث التي رويت في الأحرف السبعة":
فصل: نذكر فيه جملا من الأحاديث، التي رويت في الأحرف السبعة
تدل على صحة ما قدمنا ذكره
الذي نكره في هذا الباب هو ما اشتهرت الرواية به، وذكره
اسماعيل القاضي1، وأبو جعفر الطبري2.
وغيرهما ممن هو أعلى درجة منهما.
نقتصر في ذلك على متون الأحاديث، دون الأسانيد، اختصارا
وإيجازا، إن شاء الله.
قد ذكرنا ما روى من قصة "عمر رضي الله عنه"، مع هشام بن حيكم
بن حزام3، وأن عمر سمعه يقرأ سورة الفرقان على غير قراءته،
التي أقرأه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" / 11ش إياها.
قال عمر: فكدت أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته
بردائه، فجئت به إلى النبي "صلى الله عليه وسلم"، فقلت: يا
رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما
أقرأتنيها.
__________
1 سبقت ترجمته.
2 سبقت ترجمته.
3 سبقت ترجمته.
(1/105)
قال عمر: فقال له رسول الله "صلى الله عليه
وسلم": "اقرأ"، فقرأ القراءة التي سمعته يقرؤها.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": "هكذا أنزلت".
ثم قال لي: "اقرأ"، فقرأت، فقال: "هكذا أنزلت، إن هذا القرآن
أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا بما تيسر منه".
وروى قيس مولى عمرو بن العاص: أن رجلا قرأ آية على عهد رسول
الله "صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر: إنما هي كذا وكذا بغير
ما قال الرجل. فقال الرجل: كذا أقرأناها، رسول الله "صلى الله
عليه وسلم"، فقال عمر: وهكذا أقرأناها رسول الله "صلى الله
عليه وسلم".
فخرجا إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" حتى أتياه. فقال أحدهما:
يا رسول الله، آية كذا وكذا، فقرأ عليه، فقال:
"صدقت".
وقال الآخر: يا رسول الله، قد أقرأتناها على نحو ما أقرؤها.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم":
"بلى، إن هذا القرآن أنزل على سبعة حرف، فبأي ذلك
(1/106)
قرأتم أصبتم، فلا تماروا فيه 1، فإن مراء
فيه كفر".
وروى أبو جهم: أن رجلين اختلفا في آية في كتاب الله، فقال
أحدهما: تلقيتها من رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وقال
الآخر: تلقيتها من رسول الله.
فأتيا النبي "عليه السلام"، فذكرا ذلك له فقال:
"إن القرآن يقرأ على سبعة أحرف، إياكم والمراء، فإن المراء في
القرآن كفر".
وعن ابن أبي ليلى2: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم"، قرأ أحدهما آية، فأنكرها الآخر فقال له:
من أقرأكها؟ فقال: رسول الله.
فقال الآخر: النبي أقرأني كذا وكذا.
فقال أحدهما: اذهب بنا إلى أبي بن كعب فذهبنا إليه فسألاه،
فقرأ أبي خلاف ما قرأ، فقال: من أقرأكما؟.
فقالا: النبي "صلى الله عليه وسلم".
__________
1 فلا تماروا فيه: فلا تشكوا فيه. والمراء الشك.
2 هو، عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، الكوفي عرض
القرآن على أبيه عن علي. وعرض عليه أخوه محمد بن عبد الرحمن
القاضي. وثقه ابن معين
"طبقات القراء: 1-609".
(1/107)
قال أبي: فدخلني الشيطان، فقال:
اذهبا بنا إلى رسول الله "صلى الله عليه وسلم". فجاءوا إلى
النبي "صلى الله عليه وسلم".
فقال لأحدهما: "اقرأ"، فقرأ. ثم قال للآخر: "اقرأ"، فقرأ:
فقال: "أحسنتما".
قال أبي: فدخلني أمر الجاهلية، حتى عرف النبي ذلك في وجهي،
فضرب في صدري، وقال:
"اخسأ عنك الشيطان".
قال أبي ففضت عرقا، ولكأني أنظر إلى ربي فرقا1.
قال النبي: "إني أتاني آت من ربي، فقال: اقرأ القرآن على حرف
واحد
فقلت: يا ربي خفف عن أمتي.
ثم أتاني آت من ربي فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد.
فقلت: يا ربي خفف عن أمتي".
ثم كذلك في الثالثة والرابعة، فقال:
__________
1 فرقا: خوفا.
(1/108)
"اقرأ القرآن على سبعة أحرف، ولك بكل ردة 1
مسألة".
فقلت: "يارب، اغفر لأمتي، يارب اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة
شفاعة لأمتي".
وفي رواية أخرى: /12 ى أنه قال:
"ما من أحد إلا يطمع فيها حتى إبراهيم خليل الرحمن".
وعن المقبري2، عن أبي هريرة3، أن النبي "صلى الله عليه وسلم"
قال:
"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج، ولكن لا
تختموا ذكر رحمه الله بعذاب، ولا ذكر عذاب برحمة".
__________
1 الردة بالكسر الاسم من الارتداد وهو الرجوع، وبالفتح المرة
الواحدة من الارتداد.
2 المقبري: هو، أبو سعيد كيسان. وهذ النسبة إلى المقبرة كان
يسكن بالقرب منها فنسب إليها، انظر: "للباب في تهذيب الأنساب
1-368".
3 هو، عبد الرحمن بنصخر أبو هريرة الدوسي الصحابي الكبير "رضي
الله عنه" أسلم هو وأمه سنة سبع، وأخذ القرآن عرضا عن أبي بن
كعب، وعرض عليه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبو جعفر، وتنتهي
إليه قراءة أبي جعفر ونافع، توفي سنة سبع وقبل سنة ثمان
وخمسين. وله ثمان وسبعون سنة "طبقات القراء: 1-370".
(1/109)
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه، أن
جبريل "عليه السلام" قال:
يا محمد، اقرأ القرآن على حرف.
قال ميكائيل: استزده، فاستزاده، حتى بلغ سبعة أحرف.
فقال:
اقرأ القرآن على سبعة أحرف، وكل شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب
برحمة، وآية رحمة بعذاب.
وعن زر بن حبيش1 عن أبي بن كعب أنه قال:
لقى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" جبريل، عليهما السلام عند
أحجار المر2، فقال له النبي:
"إني أرسلت إلى أمة أميين، فمنهم الشيخ الكبير، والعجوز،
والشيخ الفاني"، فقال له جبريل:
إن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
__________
1 زر بن حبيش بن حباشة، أبو مريم ويقال: أبو مطرف الأسدي
الكوفي، أحد الأعلام، أدل الجاهلية ولم ير النبي صلى الله عليه
وسلم، وهو من كبار أصحاب ابن مسعود، وكان عالما بالقرآن قارئا
فاضلا، توفي سنة ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وعشرين سنة. "انظر
طبقات القراء جـ2-294 والاستيعاب جـ2-263".
2 في المخطوطة "المرمى" والصواب ما أثبته، والمرا: موضع بقباء
"انظر ص: 18 من فضائل القرآن لابن كثير الملحق بالجزء الثاني
من تفسيره".
(1/110)
وعن ابن شهاب1 عن سلمة، عن أبيه أن النبي
"صلى الله عليه وسلم" قال لابن مسعود: "إن الكتب كانت تنزل من
باب واحد، وعلى حرف واحد، وإن هذا القرآن أنزل من سبعة أبواب،
وعلى سبعة أحرف"، الحديث.
وعن أبي هريرة، أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال:
"أنزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء فيه كفر، ثلاث مرات، فما
قرأتم منه، فاعملوا به، وما جهلتم فردوه إلى عالمه".
وقال علقمة النخعي2:
__________
1 هو، محمد بن مسلم بن شهاب أبو بكر الزهري، المدني أحد الأئمة
الكبار، وعالم الحجاز الأنصاري تابعي، وردت عنه الرواية في
حروف القرآن، قرأ على أنس بن مالك، ولد سنة أربع عشرين ومائة
بشغب آخر حد الحجاز وأول حد فلسطين "انظر طبقات القراء:
جـ2-262".
2 علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك، أبو شبل النخعي الفقيه
الكبير، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ القرآن
عرضا عن ابن مسعود، وسمع من علي وعمر وأبي الدرداء وعاشة. وأن
أشبه الناس بابن مسعود سمتا وهديا وعلما، وكان من أحسن الناس
صوتا بالقرآن مات سنة اثنتين وستين "طبقات القراء: 1-516".
(1/111)
لما خرج عبد الله بن مسعود من الكوفة،
اجتمع إليه أصحابه فودعهم، ثم قال:
لا تنازعوا في القرآن، فإنه لا يختلف، ولا يبلى، ولا ينفد
لكثرة الرد. وإن شريعة الإسلام، وحدوده وفرائضه واحدة.
ولو كان شيء من الحرفين ينهى أحدهما عن شيء، ويأمر به الآخر
لكان ذلك اختلافا، ولكنه جامع ذلك كله، لا تختلف فيه الحدود،
ولا الفرائض، ولا شي من شرائع الإسلام.
ولقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله "صلى الله عليه وسلم"،
فيأمرنا فنقرأ عليه فيجيزنا، أن كلنا محسن.
ولو أعلم أحدًا أعلم بما انزل الله على رسوله مني، لطلبته حتى
أزداد علمه إلى علمي.
ولقد قرأت من لسان رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، سبعين
سورة، وقد كنت أعلم أنه يعرض عليه القرآن في كل رمضان، حتى كان
عام قبض، فعرض عليه القرآن مرتين، فكان إذا فرغ أقرأ عليه
فيجيزني أني محسن. فمن قرأ على قراءتي فلا
(1/112)
يدعنها رغبة عنها. ومن قرأ على شيء من هذه
الحروف، فلا يدعنه رغبة عنه، فإنه من جحد آية جحد به كله.
وعن ابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، قال:
"أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده، فيزيدني حتى
أنتهي إلى سبعة أحرف".
-/ 12 ش قال ابن شهاب:
بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي الأمر الذي يكون واحدا،
لا يختلف في حلال ولا حرام.
وروت أم أيوب1 أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
قال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، أيها قرأت أصبت".
__________
1 أم أيوب: بنت قيس بن سعد بن قيس بن عمر بن امرئ القيس بن
مالك الأغر، ذكر محمد بن عمر أنها أسلمت، وبايعت رسول الله
"صلى الله عليه وسلم" "طبقات ابن سعد 8-362".
(1/113)
باب:
قال أبو محمد المقري:
وهذا الباب واسع الرواية،
كثير الطرق.
وهذا كله يدل على أن الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن ألفاظ
مختلفة مسموعة، وليست بمعان مستترة في القلوب والاعتقادات على
ما قدمنا1.
__________
1 أنظر ص: 72 وما بعدها.
(1/114)
باب: "مثال لاختلاف
القراء في سورة الفاتحة مما هو جزء من الأحرف السبعة"
مدخل
...
باب: "مثال لاختلاف القراء في سورة الفاتحة، مما هو جزء من
الأحرف السبعة"
قال أبو محمد المقري:
وإذ قد ذكرنا ما يمكن ذكره، من معاني القراءات السبع، فلنذكر
الآن سورة أذكر ما فيها من الاختلاف في القراءات، مما روي عن
السبعة المشهورين مما لا يخالف خط المصحف، مما قرأت به.
ثم نعيدها ثانية فنذكر ما فيها من القراءات، عن غير هؤلاء
السبعة: ممن هو أعلى درجة منهم، مما لا يخالف خط المصحف أيضًا،
وهو أيضًا مقبول، معمول به في الأمصار، مروي عن أئمة مشهورين،
غير هؤلاء السبعة.
ثم نعيدها ثالثة، فنذكر ما روي فيها من القراءات عن غير الأئمة
السبعة، ممن هو أعلى رتبة منهم، وأجل قدرا مما يخالف خط
المصحف، وقد تركت القراءة به للإجماع على المصحف، ولكن لا
تجحد، ويصدق به. وتترك القراءة به،
(1/115)
لأنه بغير إجماع، إنما نقل بخبر الواحد.
فلا يقطع على1 غيبه، وما لا يقطع على غيبه لا يقرأ به، إذ
القراءة باليقين أولا، وهو ما عليه خط المصحف.
فيعلم من ذلك كله تحقيق ما ذكرنا أن قراءة هؤلاء المشهورين،
جزء من الأحرف السبعة التي نص عليها النبي "صلى الله عليه
وسلم".
إذ لو كانت قراءتهم هي السبعة الأحرف، لكان ما خرج عنها خطأ،
وإن وافق خط المصحف.
ولوجب على جميع السلف، ألا ينقلوا ما خرج عن قراءة السبعة
المشهورين المتأخرين، إذ ليس هو من السبعة على قول هذا الظان
لذلك، وهذا لا يقوله أحد.
ونعلم أيضًا من ذلك معاني السبعة، التي نص عليها النبي "صلى
الله عليه وسلم"، ونعلم قدر ما روى من القراءات الجائزة
القراءة بها، لموافقتها خط المصحف غير هؤلاء السبعة.
ونعلم أيضًا قدر ما تركت القراءة به تركا واحدا،
__________
1 في الأصل عليه، والسياق يقتضي ما أثبته.
(1/116)
ولا نكذب الرواية به، مما هو مخالف لخط
المصحف.
ونعلم أن كل سورة فيها منالأنواع الثلاثة من الاختلاف على قدر
طولها، وربما كان أكثر.
على أني لا أدعي ذكر كل ما روي في هذه السورة، التي جعلتها
مثالا. فقد بلغ غيري فيها من الاختلاف، أمثال ما بلغني فقدر في
نفسك، /13ى وتوهم قدر ما ذكرت لك في جميع سور القرآن، فإنه
يكثر الاختلاف، ويعظم من الأصناف الثلاثة.
وأنا أجعل السورة، التي أذكر أم القرآن، الحمد لله، ليكون ذلك
أخف، وأخصر، وأسهل، إذ ليست بسورة طويلة، ولو ذكرت سورة من
الطوال أو من المئين لطال بذلك الكتاب لكثرة الأنواع الثلاثة
فيها من الاختلاف، فتمثيلنا وإظهارنا لما أردناه بسورة الحمد
يغني أهل الفهم، وينبههم على قدر ما في سائر القرآن من
الاختلاف من الأنواع الثلاثة.
(1/117)
أولًا: ذكر اختلاف القراء السبعة المشهورين
في سورة الحمد، مما قرأت به، ويوافق الخط
قرأ عاصم والكسائي:
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بألف.
وقرأ باقي القراء ملك بغير ألف.
وقرأ ابن كثير في رواية قنبل1 عنه:
السراط وسراط بالسين.
وقرأ حمزة في رواية خلف2 عنه: الصراط بين الصاد والزاي.
__________
1 هو، محمد بن عبد الرحمن أبو عمر المخزومي، مولاهم المكي
الملقب بقنبل شيخ القراء بالحجاز، ولد سن خمس وتسعين ومائة،
وأخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد بن عون النبال، وهو الذي
خلفه في القيام بها بمكة، وروى القراءة عن البزي، وممن روى عنه
أحمد بن موسى بن مجاهد، واختلف في سبب تلقيبه قنبلا، فقيل:
اسمه، وقيل: لأنه من بيت بمكة يقال لهم: القنابلة، وقيل:
لاستعماله دواء يقال له قنيبل فلما أكثر منه عرف به، وحذف
الياء تخفيفا، وقد انتهت إليه رياسة الإقرار بالحجاز، مات سنة
إحدى وتسعين ومائتين عن ست وتسعين سنة "طبقات القراء: 2-166".
2 هو، خلف بن هشام أبو محمد الأسدي أحد القراء العشرة، وأحد
الرواة عن سليم عن حمزة، ولد سنة خمس ومائة، ومات سنة تسع
وعشرين ومائة ببغداد "طبقات القراء: 1-272-274".
(1/118)
وقرأ ذلك باقي القراء بالصاد خالصة.
قرأ حمزة عليهم بضم الهاء.
وكسرها باقي القراء.
قرأ ابن كثير والحلواني1 عن قالون2، عن نافع عليهم بضم الميم،
ويصلانها بواو في الوصل خاصة،
وأسكنها باقي القراء.
قرأ أبو عمرو الرحيم ملك بالإدغام.
[و] 3 باقي القراء بالإظهار.
فهذا ما اختلف فيه القراء السبعة المشهورون في هذه السورة، مما
قرأت به.
__________
1 هو، أحمد بن يزيد بن أزداذ الصفار الأستاذ أبو الحسن
الحلواني، إمام كبير عارف صدوق متقن ضابط، خصوصا في قالون
وهشام توفي سنة نيف وخمسين ومائتين "طبقات القراء 1: 149".
2 قالون هو، عيسى بن مينا بن وردان، وقد سبقت ترجمته.
3 زيادة يقتضيها المقام.
(1/119)
ثانيا: ذكر "×"
الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد مما يوافق المصحف،
ويقرأ به
ولما قرأ به إبراهيم بن أبي عبلة1 الحمد كله لله بضم اللام
الأولى.
وقرأ الحسن البصري2 الحمد لله بكسر الدال.
وفي القراءتين بعد في العربية، ومجازها الاتباع.
قرأ أبو صالح3 مالك يوم الدين بألف، والنصب على النداء.
وكذلك قرأ محمد بن السميفع اليماني4. وهي قراءة حسنة.
__________
"×" هكذا ورد هذا العنوان في الأصل، ولعل المراد: ذكر اختلاف
الأئمة إلخ.
1 اسمه شمر بن يقظان الشامي الدمشقي، ثقة تابعي أخذ القراءة عن
أم الدرداء الصغرى عن مالك بن أنس، وقد توفي سنة ثلاث وخمسين
ومائة "طبقات القراء: 1-19".
2 هو، الحسن بن الحسن يسار أبو سعيد البصري. روى عنه عمرو بن
العلاء توفي سنة 110، عن تسعين سنة "طبقات القراء: 1-235".
3 هو، محمد بن عمير بن الربيع أبو صالح الهمذاني، الكوفي مقرئ
عارف بحرف حمزة. طال عمره وبقى إلى حدود عشر وثلاثمائة.
4 هو، محمد بن عبد الرحمن كان من أفصح العرب. قرأ على أبي حيوة
شريح بن يزيد. وقيل: إنه قرأ على نافع "طبقات القراء: 2-162".
(1/120)
وقرأ شريح بن يزيد الحضرمي، أبو حيوة1:
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّين} ، بالنصب على النداء من غير ألف.
وقرأ علي بن أبي طالب ملك يوم الدين بنصب اللام والكاف، ونصب
يوم. جعله فعلا ماضيا.
وروى عبد الوارث2 عن أبي عمرو أنه قرأ ملك يوم الدين، بإسكان
اللام والخفض، ولم أقرأ بذلك له، وهي قراءة منسوبة إلى عمر بن
عبد العزيز "رضي الله عنه".
قرأ عمر بن فايد الأسواري3: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ} ، بتخفيف الياء فيهما.
وقد كره ذلك بعض المتأخرين لموافقة لفظه لفظ إيا الشمس، وهو
ضياؤها.
__________
1 الحمصي مقرئ الشام، وهو والد حيوة بن شريح الحافظ، روى
القراءة عن الكسائي مات سنة 203 "طبقات القراء: 1-325".
2 هو، عبد الوارث بن سعيد بن العنبري، مولاهم البصري، إمام
حافظ مقرئ ثقة ولد سنة 102، وعرض القرآن علي أبي عمرو، ومات
180هـ.
3 هو، عمر بن عيسى بن فايد البغدادي، روى القراءة عرضا عن
إدريس الحداد "انظر طبقات القراء 1-195".
(1/121)
وقرأ يحيى بن وثاب1: "نستعين" بكسر النون،
وهي لغة2 مشهورة حسنة.
وروى الخليل بن أحمد3 عن ابن كثير أنه قرأ:
"غير المغضوب" بالنصب، ونصبه حسن على الحال، أو على الاستثناء،
أو على الصفة من الذين أنعمت عليهم.
قرأ أيوب السختياني4 ولا الضألين بهمزة مفتوحة في موضع الألف،
/13ش همز وحرك لالتقاء الساكنين، وهو قليل في كلام العرب.
__________
1 يحيى بن وثات الأسدي مولاهم الكوفي، تابعي ثقة كبيرة من
العباد الأعلام، وكان حسن القراءة مات سنة 103 "طبقات القراء:
2-380".
2 وهي، لغة قيس وتميم وأسد وربيعة "انظر البحر المحيط: 23".
3 الخليل بن أحمد أبو عبد الرحمن الفراهيدي، الأزدري البصري
النحوي، الإمام المشهور صاحب العروض وكتاب العين. ومات سنة 170
"طبقات القراء 1-275"، وانظر إعراب "غير" بالنصب على ما رواه
الخليل في البحر المحيط: 1-29".
4 الأصل السجستاني: ولم يرد في طبقات القراء سجستاني اسمه
أيوب، وقد أورد ابن الجزري أيوب السختياني، من القراء "انظر
طبقات القراء: 1-322" كما أورده بهذا اللقب في النشر جـ1 ص47
عند نقله كلام مكي في الإبانة.
(1/122)
وهذا كله موافق لخط المصحف، والقراءة به من
رواه عن الثقات جائزة، لصحة وجهه في العربية، وموافقته الخط
إذا صح نقله1.
__________
1 قال ابن الجزري في كتابه النشر: "كذا اقتصر، مكي على نسبه
هذه القراءات لمن نسبها إليه، وقد وافقهم عليها غيرهم، وبقيت
قراءات أخرى عن الأئمة المشهورين في الفاتحة توافق خط المصحف،
وحكمها حكم ما ذكر.
ذكرها الإمام الصالح الولي، أبو الفضل الرازي في كتاب اللومح
له. وأورد ابن الجزري ما ذكره الرازي "انظر النشر ج1-47، 48".
(1/123)
ثالثا: ذكر اختلاف الأئمة المشهورين، غير
السبعة في سورة الحمد مما يخالف خط المصحف، فلا يقرأ به اليوم
قرأ أبو هريرة1: مليك يوم الدين بياء بين اللام والكاف، وهو
معنى حسن؛ لأنه بناء للمبالغة، فهو أبلغ في الوصف والمدح من
ملك، ومن مالك.
قرأ ابن السوار2 الغنوي: "هياك نعبد وهياك نستعين" بالهاء في
موضع الهمزة، وهي لغة قليلة، أكثر ما تقع في الشعر.
روى الأصمعي3 عن أبي عمرو4 أنه قرأ: الزراط بزاي خالصة، وهو
حسن في العربية.
__________
1 هو، عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي الصحابي، الكبير أخذ
القرآن عرضا عن أبي بن كعب، وإليه تنتهي قراءة أبي جعفر ونافع،
توفي سنة سبع وقيل: سنة ثمان وله ثمان وسبعون سنة. "طبقات
القراء: 1-470".
2 في الأصل أبو البرار، والتصويب من البحر المحيط ح1 ص23.
3 هو، عبد الملك بن قريب أبو سعيد الأصمعي الباهلي البصري،
إمام اللغة وأحد الأعلام فيها وفي العربية والشعر والأدب، روى
القراءة عن نافع وأبي عمرو والكسائي مات سنة 215 عن إحدى
وتسعين سنة "طبقات القراء 1-470".
4 هو، أبو عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة، وقد تقدمت
ترجمته.
(1/124)
/قرأ الحسن البصري1: "اهدنا صراطا مستقيما"
منونتين من غير ألف ولام فيهما. وبذلك قرأ الضحاك2. وهو معنى
حسن لولا مخالفته للمصحف.
قرأ جعفر بن محمد "رضي الله عنه": "اهدنا صراط المستقيم"،
بإضافة الصراط إلى المستقيم من غير ألف ولام في الصراط، وهو
جائز في العربية كدار الآخرة.
قرأ عمر بن الخطاب "رضي الله عنه": صراط من أنعمت عليهم، غير
المغضوب عليهم وغير الضالين، فجعل من في موضع الذين وغير في
موضع لا. وهو في المعنى حسن كالذي قرأ الجماعة في المعنى. وهو
مروي أيضا عن أبي بكر "رضي الله عنهما".
__________
1 هو، الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد البصري، إمام زمانه
علما وعملا روى عنه، أبو عمرو بن العلاء وغيره. ولد سنة إحدى
وعشرين، وتوفي سنة عشر ومائة. "طبقات القراء: 1-315".
2 وكذلك قرأها عن الحسن زيد بن علي ونصر بن علي. كقوله:
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ
اللَّه} "البحر المحيط: 1-16"، والضحاك هو ابن مزاحم التابعي،
سمع سعيد بن جبير. توفي سنة 105هـ "انظر طبقات القراء: 1-337".
(1/125)
قرأ ابن مسعود1: أرشدنا الصراط في موضع
"اهدنا"، والمعنى واحد.
قرأ ثاب البناني2. "بصرنا الصراط" في موضع اهدنا والمعنى واحد.
قرأ ابن الزبير3: صراط من أنعمت عليهم، مثل قراءة عمر في هذا
الحرف وحده.
قلت:
وهذا الاختلاف الذي يخالف خط المصحف، وما جاء منه مما هو زيادة
على خط المصحف، أو نقصان من خط المصحف، وتبديل لخط المصحف،
وذلك كثير جدا: هو الذي سمع حذيفة في المغازي، وسمع رد الناس
بعضهم على بعض، ونكير بعضهم لبعض، فجرأه ذلك على إعلام عثمان
"رضي الله عنه"، وهو الذي حدا عثمان على جمع الناس على مصحف
واحد، ليزول ذلك الاختلاف فافهمه.
__________
1 هو، عبد الله بن مسعود وقد تقدمت ترجمته.
2 هو، ثابت بن أسلم أبو محمد البناني المصري، وردت عنه الرواية
في حرف من القرآن العظيم توفي سنة سبع وعشرين ومائة "طبقات
القراء: 1-188".
3 هو، عبد الله بن الزبير بن العوام. وقد تقدمت ترجمته.
(1/126)
قال أبو مجمد:
فهذا لا يجوز اليوم لأحد أن يقرأ به؛ لأنه إنما نقل إلينا بخير
الواحد عن الواحد، ولا يقطع على صحة ذلك، ولا على غيبه، وهو
مخالف لخط المصحف الذي عليه الإجماع، ويقطع على صحته وعلى
غيبه، فخط المصحف أولى؛ لأنه يقين والخبر غير يقين، فلا يحسن
أن ينتقل عن اليقين إلى غير يقين.
وقد بينا هذا من قول إسماعيل القاضي وغيره.
فهذا المثال من الاختلاف الثالث، هو الذي سقط العمل به من
الأحرف السبعة، التي نص عليها النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو
الأكثر في القرآن من الاختلاف.
/14ى وإنما قرئ بهذه الحروف، التي تخالف المصحف قبل جمع عثمان
"رضي الله عنه" الناس على المصحف، فبقي ذلك محفوظا في النقل
غير معمول به عند الأكثر، لمخالفته للخط المجمع عليه.
وهذا النوع، هو الذي نهى عن القراءة به من حرف ابن مسعود "رضي
الله عنه".
(1/127)
فإنما مثلت لك ذلك لتقف عليه، وتعرف قدر
الاختلاف في هذه السورة على قلة حروفها، فكيف يظن الاختلاف
فيما طال من السور؟!
فتعلم بذلك كله المثالات التي اختلف القراء فيها، وما يجوز أن
يقرأ به، وما لا يجوز، وما زاد من الاختلاف على قراءة السبعة
المشهورين، وأن قراءتهم لم تحتو على الأحرف السبعة، التي نص
النبي "صلى الله عليه وسلم" عليها، وأنها ليست بحرف واحد، كما
ذكرنا من قول الطبري، أن ما زاد على قراءة في كل حرف فهو من
السبعة الأحرف، قرئ به لموافقته لخط المصحف على ما قدمنا،
وبينا. وبالله التوفيق.
تم الكتاب والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد
وآله الطيبين، وسلم عليه وعليهم أجمعين.
(1/128)
|