التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه

مقدمة التحقيق
تقديم
يندرج تحقيق هذا الكتاب في نطاق خطة عملية تهدف إلى الكشف عن إسهام إفريقية التونسية في خدمة القرآن وعلومه. فقد وقفت الباحثة الفاضلة هند شلبي جهدها في السنوات الأخيرة على البحث في هذا الإسهام، مفيدة من ثقافتها العميقة وتخصصها المتين في أصول الدين الذي تخرجت فيه من الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين.
وبالرغم من أنه قد أنجزت لحد الآن دراسات تاريخية وحضارية تناولت الحياة الأدبية واللغوية في إفريقية، كما استهدفت التاريخ والسياسة والاجتماع على مدى يشمل أغلب أدوار إفريقية التاريخية فإننا لا نجد أية دراسة جادة اهتمت بالقرآن وعلومه في إفريقية خاصة في القرون الإسلامية الأولى، وهذا ما جعل عمل المحققة رائدا، فهو سيفتق للباحثين سبل البحث في القرآن وعلومه بإفريقية، وذلك بحكم طرحه لقضايا أصلية ما كان من اليسير الوقوف عليها أو تجليتها لو لم يكن للباحثة هذا الصبر البين على مثافنة النصوص، وتلك القدرة الفائقة على النقد والتحليل، وذلك التمرس البادي على الاستقراء والاستدلال.
إن صورة إفريقية من خلال كتاب التصاريف ليحيى بن سلام المغربي تبدو جلية، يتآلف فيها تعلق التونسيين بالقرآن، واستهداؤهم به، وإلحافهم في مقاومة البدع والأهواء.
وهذا الكتاب هو أحد الكتب الستة في الوجوه والنظائر التى ظهرت في القرن الثاني، وقد جلت جميعها اللفظ القرآني في تلاحق معانيه وسمو إعجازه، وكان أسبقها إلى الظهور كتاب التصاريف وكتاب مقاتل بن سليمان، بالإضافة إلى هذه القيمة اللغوية المتميزة فإنها ساعدت على تقريب علم التفسير بما أتاحته من الوقوف على مقاصد ألفاظ القرآن وطرائق بيانه وتنوع دلالته فأحكمت أفهام المختصين وأزاحت حيرة

(1/5)


المريدين، وغدت أداة طيعة في أيدي من لم تسعفه سليقته اللغوية بالوقوف على أسرار اللغة العربية، إما لقصور في ثقافته الدينية أو لجهله بالعربية وأساليبها بحكم انتسابه إلى غير العرب.
ومنذ ذلك الوقت تتالت التآليف في هذا الموضوع حسبما فصلته المحققة في المقدمة، وتلاحق الاهتمام باللفظ القرآني من حيث كونه غريبا، أو متشابها، أو مبهما، وتبعا لذلك تعددت التفاسير وزكت علوم القرآن، واختلفت مناهج المفسرين وفقا لاختلاف المذاهب الفقهية والعقدية. ولقد أبدعت المحققة في تعريفها للوجوه والنظائر بالانطلاق من تعريف الزركشي وما أثاره من ردود فعل مختلفة، وفي وضع اطار لترجمة ابن سلام تناول أهم القضايا المتعلقة به، كما أنها حددت طبيعة العلاقة بين هذا الكتاب لابن سلام وبين تفسيره من جهة، وبينهما وبين مذهبه وثقافة مجتمعه من جهة ثانية، فكشفت عن تضلع في اعتمادها الاستقراء والاستدلال والمقارنة، وهو اعتماد لا غنى عنه للباحث في ثقافة الإسلام.
إن كتاب التصاريف بتحقيقه ليدل على إبداع تونسي مزدوج، فهو إبداع مبكر من ابن سلام في خدمة القرآن وتقريبه من القراء والدارسين، وهو إبداع للمرأة التونسية يذكرنا بما كان لعدد من التونسيات في عهود مختلفة من شغف بالقرآن وانصراف إليه وعناية بكتابته واقتنائه وتحبيسه. وفي هذا النطاق يندرج إعداد المحققة لأطروحة للحصول على درجة دكتوراه الحلقة الثالثة من الكلية الزيتونية موضوعها: "القرآن وعلومه في تونس حتى منتصف القرن الخامس الهجري"، وهي قد أشرفت على الانتهاء منه، وبلا جدال فإن هذا الموضوع سيفتح آفاقاً للبحث تجلي إسهام تونس المبكر وتحض الباحثين على التعمق في دراسة موضوعات محددة تثري البحث وتنير السبيل التي عرفتها المباحث القرآنية في تلك الفترة.
نرجو الله أن يوفقنا إلى ما فيه الخير والسداد وأن يكلأنا برعايته وعونه، إنه هو السميع المجيب

(1/6)


تصدير
نضع بين يدي القارئ الكريم كتاب "التصاريف"، وهو في الوجوه والنظائر القرآنية. والكتاب - حسب ما ورد في المخطوط - ليحيى بن محمد بن يحيى بن سلام البصري (ت 180/893) وقد رأينا نشر هذا المخطوط رغم ما به من نقص لأسباب:
- انتماؤه إلى التراث الثقافي بإفريقية الإسلامية التونسية.
2- التعريف بالكتاب، لما لاحظناه من سكوت الناس عنه قديما وحديثا.
3- إننا نملك منه نسخة نادرة، لا نعلم لها ثانية في المكتبات التي وقفناعلى فهارسها. وقد لاحظنا تلاشي عدد كبير من أوراقها. فكانت المبادرة إلى نشرها، ضمانا لحفظ ما تبقى منها.
وكتاب "التصاريف"، وإن لم يكن الأول في موضوعه ومادته، إذ قد ظهر قبله كتاب مقاتل بن سليمان (ت 150/767) ، فإنه فرصة لنا نغتنمها للحديث عن فن الوجوه والنظائر بشيء من التفصيل.
ذلك أن ما اطلعنا عليه، مما نشر من كتب الوجوه والنظائر لم يحفل فيه المحققون بتفصيل القول في هذا الفن واكتفوا بتسجيل عبارة، كتب علوم القرآن في التعريف به، وهي كما سنرى موجزة لا تبرز موضوعه بوضوح، ولا تذكر منزلة هذا العلم بين بقية العلوم القرآنية الأخرى.
وقد أبقينا التأليف على هيأته التي وصل بها إلينا، فهو مقسم إلى فقرات وكل فقرة اشتملت على شرح لفظة من الألفاظ القرآنية.
وعمدنا إلى ترقيم هذه الفقرات ليتم الرجوع إليها بسهولة، وعند الإحالة نرجع إلى تلك الأرقام.

(1/7)


وقد سجل الناسخ في الجزءين الثاني والرابع، في الهوامش الجانبية، الكلمة التي سوف يقع البحث فيها مع المعنى الذي ذكرت به. وهو بهذا لا يضيف شيئاً إلى ما كتب داخل الفقرات. لذلك رأينا الاستغناء عن إيراد ذلك.
ثم إننا عمدنا في الهوامش إلى الإشارة إلى أرقام الآيات في المصحف، كما أشرنا إلى السورة كلما وجدنا ابن سلام قد أغفل ذكرها.
وأشرنا في الهوامش إلى الإضافات التي أدخلت على النص. وقد حرصنا على كتابة الآيات على الرسم التوقيفي الموجود بالمصحف المطبوع برواية حفص. وما وجدناه في النص مخالفا لهذه الرواية أشرنا إليه في الهامش مع ذكر صاحب تلك الرواية الأخرى. وعرفنا في الهوامش أيضاً بالأشخاص الذين ذكرهم ابن سلام عند نسبة الأقوال إلى قائليها.
أما النقص الموجود في النسخة بسبب تلف أجزاء بعض الأوراق، فقد حاولنا إكماله بالوقوف على كتب الوجوه والنظائر الموجودة بين يدينا خاصة منها كتاب مقاتل بين سليمان، للشبه الكبير الموجود بينه وبين كتاب التصاريف. وقد جعلنا ما نقلناه من تلك الكتب بين معقفين هكذا [] .
كما جعلنا للكتاب فهارس، لعلها تسهل البحث على الناظر في هذا الكتاب.
أما ترقيم المخطوط، فما اعتبرنا فيه ما ورد في النسخة الخطية، لأن الأرقام التي نلاحظها عليها ليست من وضع الناسخ، إنما هي وضع المرحوم الأستاذ البهلي النيال، وقد وضعها لغاية عملية، ولم يراع فيها تجزئة الكتاب مراعاة صحيحة. لذلك فضلنا وضع الأرقام متسلسلة من رقم: 1 إلى آخر ورقة في المخطوط.
وقبل الختام أود أن أذكر بتشجيعات أستاذي الجليل، الدكتور علي الشابي الذي تفضل بالإشراف على هذا التحقيق. وقد أنار لي السبل لإنجاز هذا العمل، بتوجيهاته القيمة فله جزيل الشكر.
كما أود أن أشكر كل من قدم لي مساعدة في هذا العمل وأخص بالذكر الأستاذ عز الدين قلوز، مدير دار الكتب الوطنية بتونس، وأسرة قسم المخطوطات بها وكذلك الأستاذ سعد غراب، فقد مكنوني من الاطلاع على قطع كتاب التصاريف، وغيرها من المخطوطات الموجودة بمكتبة القيروان الأثرية مما يتعلق بالبحث، قبل أن تتم فهرسة تلك المكتبة.

(1/8)


كما أقدم شكري إلى الأستاذ محمد العياري الذي أعارني صورا لمخطوطات تتعلق بهذا البحث.
أسأل الله التوفيق أولا وآخرا

(1/9)