التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه علم الوجوه والنظائر
القرآنية
موضوع الكتاب - عنوان المخطوط
ورد عنوان المخطوط بطريقتين مختلفتين:
ففي الورقة الأولى من الجزء الأول ورد العنوان على هذا النحو:
"الأول من التصاريف"
كما ورد في الجزء الرابع على نفس الصورة:
"الرابع من التصاريف"
ثم جاء العنوان في ظهر الورقة الأولى من الجزء الأول على النحو
التالي:
"الأول من تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه"
وبالجمع بين الصورتين للعنوان نتبين موضوع الكتاب. فهو يتعلق
بتفسير القرآن. وليس هو تفسيرا بأتم معنى الكلمة لأنه يتقيد
بجانب معين من جوانب التفسير وهو: دراسة ألفاظ تكرر ورودها في
القرآن، مع ذكر معانيها المختلفة التي جاءت بها في الآيات.
يعني إيراد الوجوه التي يصرف إليها اللفظ الواحد في القرآن.
فموضوع الكتاب إذن، علم من علوم القرآن عرف في الكتب التي
تحدثت عن تلك العلوم بعلم الوجوه والنظائر أو النظائر
(1/10)
أو الألفاظ المشتركة.
ومما يلفت الانتباه بالنسبة لعنوان الكتاب، أن ابن سلام انفرد
على ما نعلم، بهذه الطريقة في التسمية، فجميع ما وقفنا عليه من
عناوين كتب الوجوه والنظائر، سلك فيه منهج متقارب في التسمية،
ذكر فيه لفظ الوجوه أو الأشباه ولفظ النظائر سوى هذا التأليف
الذي اختلف عنها بأن حدد موضوع كتابه في العنوان بأكثر دقة.
ولا يبتعد كتاب التصاريف عن المؤلفات الأخرى في استعمال
المصطلحين الدالين على هذا العلم إذ أن المؤلف استعملهما داخل
النص، فهو يردف كل كلمة يروم بيانها بعدد الوجوه التي جاءت بها
في القرآن ويصدر كل معنى بلفظة الوجه، مشفوعة بالرقم المناسب
لها على التسلسل.
كما يستعمل عبارة: ونظيرها، للدلالة على كون اللفظ ورد بنفس
المعنى في آية أخرى. غير أنه إن لم نجد من بين كتب الوجوه
والنظائر ما يشبه عنوانه عنوان كتاب ابن سلام. فإن مادة "صرف"
قد وردت في تلك الكتب سواء منها المؤلفة في الفن نفسه أو
المتحدثة عنه. ولعل ابن سلام ذاته قد أوردها فيما لم نقف عليه
من بقية كتابه.
وبالرجوع إلى متون اللغة، نجد بأن المعاني التي أعطيت إلى هذه
المادة ومشتقاتها يتضمن جميعها مفهوم الحركة والانتقال.
(1/11)
فالصرف هو رد الشيء عن وجهه، يعني إبعاده
عما يكون عليه عادة، وتصريف الأمور هو الانتقال بها من حالة
إلى أخرى والابتعاد بها عن الاستقرار. وتصريف الآيات، يعني
تبيينها.
نستخلص من هذا أن الذي يدل عليه العنوان:
1- معنى البيان يعني الخروج باللفظ من الغموض إلى الوضوح
والانتقال به من حالة إلى أخرى.
2- تقليب اللفظ والانتقال به من معنى إلى آخر.
نضيف إلى هذا العلاقة الموجودة بين مفهوم التصريف اللاحق بأصل
الكلمة في الاشتقاق، والتصريف اللاحق بالمعنى الذي يتغير بتغير
الاشتقاق. ففي تفسير "إظهار" مثلا، ورد اللفظ في صورته الفعلية
المجردة: "ظهر" والمزيدة "تظهرون" وفي مصادر متعددة "الظهور"،
"الإظهار"، "التظاهر"، وفي صورتين اسميتين، "ظاهر"، "ظهري"،
ولكل مشتق من هذه المشتقات معناه الخاص. وهذا خلاف ما ذهب إليه
صاحب كشف الظنون في تعريفه للوجوه والنظائر.
وقد عقد الزركشي فصلا في كتابه سماه: "معرفة التصريف". عرفه
بقوله: "وهو ما يلحق الكلمة ببنيتها ... . وفائدة التصريف حصول
المعاني المختلفة المتشعبة عن معنى واحد".
ولمزيد من التعريف نعود إلى عبارتي الوجوه والنظائر فتتبع
معانيها في كتب اللغة وكتب علوم القرآن بالإضافة إلى الكتب
التي عمدت إلى التعريف بالعلوم عموما، مثل كتاب كشف الظنون،
وكتاب كشاف اصطلاحات الفنون.
(1/12)
الوجوه والنظائر في
كتب علوم القرآن وما تابعها من التآليف
يقول الزركشي في كتابه البرهان، في الباب الذي عنونه بقوله:
"في جمع الوجوه والنظائر ما يلي: "فالوجوه، اللفظ المشترك الذي
يستعمل في عدة معان كلفظ الأمة، والنظائر كالألفاظ المتواطئة.
وقيل النظائر في اللفظ والوجوه في المعاني، وضعف لأنه لو أريد
هذا لكان الجمع في الألفاظ المشتركة. وهم يذكرون في تلك الكتب
اللفظ الذي معناه واحد في مواضع كثيرة فيجعلون الوجوه نوعا
لأقسام، والنظائر نوعا آخر، كالأمثال".
لقد فضلنا إيراد مقالة الزركشي كاملة لسببين:
1- اعتماد المؤلفين في علوم القرآن، وكذلك من عرَّفوا بالعلوم
عامة على تلك المقالة، عند تعريفهم للوجوه والنظائر.
2- شيء من الغموض فيها أحوجها إلى مزيد من التحليل.
وقد ذكرت عبارة الزركشي في الإتقان وفي مفتاح السعادة وفي كشاف
اصطلاحات الفنون.
أما كشف الظنون فإنه قد شذ عن الجماعة، إذ عرف الوجوه والنظائر
بما ضعفه الزركشي ومن أتى بعده.
أورد الزركشي تعريفين اعتمد أولهما وضعّف الثاني.
التعريف الأول للوجوه والنظائر عند الزركشي:
إن ما ذكره الزركشي في التعريف الأول للوجوه والنظائر، يلتحق
بالتعريف اللغوي للكلمتين، إذ نتبين في الوجوه معنى التعدد،
وفي النظائر معنى التشابه والاتفاق. ولعل ترجمة عبارة الزركشي
في الوجوه، تصبح أقرب للأذهان لو قلنا الوجوه هي
(1/17)
المعاني المختلفة التي تكون للفظ الواحد في
سياقات متعددة فيسمى اللفظ من أجل ذلك مشتركا. يعني تتشارك فيه
معان متعددة. وقد ذكر السيوطي هذه المسألة في كتابيه الإتقان،
ومعترك الأقران، فسمى بحثه مرة في معرفة الوجوه والنظائر.
وجعله في الكتاب الثاني متعلقا بالألفاظ المشتركة في القرآن.
والملاحظ أن الزركشي قد استعمل في تعريف الوجوه والنظائر
مصطلحين تابعين لعلم المنطق وهما: اللفظ المشترك، والألفاظ
المتواطئة.
فالألفاظ المشتركة في كتب المنطق هي "الألفاظ المتحدة الدالة
بالوضع المتساوي على مسميات مختلفة بالحقيقة، كلفظ العين الدال
على عين الماء، والذهب والعضو الباصر".
فالوجوه إذن هي اللفظ المشترك باعتبار أن اللفظ الواحد تتعدد
استعمالاته في القرآن دون أن تكون هنالك علاقة واضحة (في
الظاهر) بين المعاني المختلفة التي استعمل فيها.
وقد مثل الزركشي للوجوه بكلمة "الأمة" التي أوردها ابن سلام في
الجزء الأول من كتاب التصاريف وجعل لها تسعة وجوه أو معاني هي:
عصبة، ملة، سنين، قوم، إمام، الأمم الخالية، أمة محمد خاصة،
أمة محمد الكفار منهم خاصة، خلق.
أما النظائر فقد أوجز الزركشي في تعريفها إذ قال: "والنظائر
كالألفاظ المتواطئة". وأضاف في موضع آخر: "فيجعلون (يعني الذين
ألفوا في الوجوه والنظائر) الوجوه نوعا لأقسام، والنظائر نوعاً
آخر كالأمثال".
وذكرنا منذ قليل أن عبارة "الألفاظ المتواطئة" هي بدورها من
مصطلحات علم المنطق. وتدل هذه العبارة على "الألفاظ المتحدة
الدالة على مسميات مختلفة الحقيقة باعتبار
(1/18)
معنى مشترك بينها كدلالة الحيوان على
أنواعه: الإنسان، والفرس والطائر. فالتواطؤ في اللفظ هو عبارة
عن اتفاق مسميات مختلفة على الاشتراك في اللفظ وفي معنى معين
كالحيوانية في المثال السابق بالنسبة للانسان، والفرس والطائر.
وقد جعل الزركشي النظائر بمثابة الألفاظ المتواطئة. يعني ذلك
أن اللفظ الواحد، إن تكرر وروده في مواضع متعددة من القرآن على
معنى واحد، هو القسط المشترك بينها، تحصلنا على نظائر. فلفظ
"الأمة"، عندما يرد في آيات متعددة (وهي ما يناسب المسميات في
التعريف المنطقي) بمعنى عصبة (وهو ما يناسب المعنى المشترك بين
المسميات) نسمي تلك الآيات نظائر، لاشتراكها جميعا في معنى
واحد يجمع بينها. وكذلك عندما يرد لفظ الأمّة بمعنى "ملة" أو
"سنين" الخ ...
ويؤيد هذا الذي انتهينا إليه، سقالة طاش كبرى زادة في النظائر.
وهو يتفق مثل ما رأينا في تعريف الوجوه والنظائر مع الزركشي.
يقول طاش كبرى زادة: "ومثال النظائر: كل ما فيه من البروج، فهو
الكواكب. إلا {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} فهي
القصور الطوال الحصينة. والمقصود من المثال إنما هو الجزء
الأول منه، يعني "كل ما فيه من البروج فهو الكواكب" حيث نتبين
التعريف اللغوي والتعريف المنطقي للفظة "نظائر".
فكلما وردت كلمة بروج في القرآن (خلا ذلك الموضع الذي أشار
إليه المثال) ، فإنها تعني الكواكب. معنى ذلك أن كل الآيات
التي ورد فيها لفظ البروج بذلك المعنى، تعتبر نظائر لاتفاقها
في المعنى المراد. فالعبرة إذن هنا بالاشتراك المعنوي إلى جانب
الاشتراك اللفظي.
وهكذا فإن الفرق واضح بين الوجوه والنظائر في هذا التعريف.
فبينا تدل الوجوه على التعدد في المسميات للفظ الواحد مع الفصل
بينهما، تدل النظائر على التعدد في المسميات أيضا، ولكن مع
الجمع بينها عن طريق معنى معين تشترك فيه. فتكون النظائر بذلك
أمثالاً، يعني أشباها، يلتقي جميعها في معنى واحد. ويمكن
(1/19)
تقسيم هذا التعريف الأول للوجوه والنظائر
في رسم بياني. (الرسم رقم: 1)
الشكل الأول
حيث أن ثلاث مجموعات من النظائر: مجموعة أولى تشمل الآيات
المتضمنة لكلمة "أمة" بمعنى عصبة. فلفظة "أمة" في الآية
الثانية من المجموعة الأولى نظيرة لفظة "أمة" في الآية الأولى
من نفس تلك المجموعة لاتحادهما لفظا ومعنى. لفظة "أمة" في
الآية الثالثة من هذه المجموعة، نظيرة للفظة "أمة" في الآية
الثانية من نفس المجموعة، وهكذا في بقية آيات المجموعة، وقل
نفس الشيء في المجموعتين الثانية والثالثة.
ففي كل مجموعة، ورد لفظ "أمة" على معنى واحد، في مواضع كثيرة
من القرآن. ورد اللفظ في المجموعة الأولى في خمس نظائر وفي
المجموعة الثانية في ثماني نظائر، وفي الثالثة في نظيرين.
وكما نطلق لفظ "نظير" على كلمة "أمة" في هذا المثال، نطلقه
أيضا على الآية التي ورد فيها لفظ "أمة". يقول طاش كبرى زادة:
"ومثال النظائر: كل ما فيه من البروج والكواكب. يعني كل الآيات
التي ورد فيها البروج فهي تعني الكواكب. فهي إذن نظائر. ويعبر
ابن سلام أحيانا عن النظائر بقوله "والتي في سورة كذا ... "
كما جاء في الوجه الثاني من كلمة "لباس" حيث قال: "والتي في عم
يتساءلون {وَجَعَلْنَا الليل لِبَاساً} [الاية: 10] يعني بـ
"التي" الآية.
التعريف الثاني للوجوه والنظائر عند الزركشي = تعريف حاجي
خليفة:
أورد الزركشي تعريفا ثانيا للوجوه والنظائر، وذكر بأنه قد ضعف.
لكنه لم يبين مَنْ ضعفه، ولم نقف بدورنا على من ذهب ذلك
المذهب. إنما رأينا حاجي خليفة لا غير في تعريف الوجوه
والنظائر سوى هذا التعريف.
يقول حاجي خليفة في حديثه عن علم الوجوه والنظائر: "ومعناه أن
تكون كلمة واحدة، ذكرت في مواضع من القرآن على لفظ واحد، وحركة
واحدة، أريد بها في كل مكان معنى غير الآخر. فلفظ كل كلمة ذكرت
في موضع نظير لـ الكلمة المذكورة في الموضع الآخر، هو النظائر،
وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الأخرى، هو الوجوه. فإذا
النظائر اسم الألفاظ، والوجوه اسم المعاني". إن هذا التعريف مع
التعريف السابق في معنى الوجوه. فهي المعاني المختلفة التي
تصرف إليها اللفظة في القرآن. مثل تصرف لفظة "أمة" إلى: عصبة،
ملة، سنين الخ ... .
(1/20)
لكنهما يفترقان افتراقا كليا في تعريف
النظائر. وقد وقفنا قبل حين على التعريف اللغوي للنظائر
فرأيناها تدل على التساوي في التشابه. لكن المقصود بها في هذا
التعريف عكس ذلك تماما. فهي تعني هنا الانتقال باللفظ المشترك
(يعني أمة في مثالنا) من معنى إلى آخر. يعني ذلك أن اللفظ
المشترك الوارد بمعنى معين في مجموعة من الآيات يعتبر نظيرا
لنفسه عندما يرد في مجموعة ثانية يكون فيها بمعنى ثان.
ويمكن أن نستعمل الرسم السابق لنجسم الفرق الحاصل بين
التعريفين: (انظر الرسم رقم: 2) .
الشكل الثاني
فالمقصود بالنظائر في هذا التعريف اللفظ الواحد، وبالتالي
الآية التي ذكر فيها اللفظ، عندما يرد في سياقات مختلفة بمعان
مختلفة. فيكون بذلك عدد النظائر في هذا التعريف على عدد
الوجوه، مهما كان عدد الآيات المندرجة تحت كل معنى من معاني
اللفظ المشترك. ولا يمكن الفصل بين الوجوه والنظائر في هذا
التعريف، لأن النظائر تمثل التعبير اللفظي عن الوجوه.
فلفظة: "وجوه"، وبالتالي عبارة: "لفظ مشترك"، يتضمنان مفهوم
النظائر ضرورة لأن اختلاف المعاني لا بد أن يبرز في اللفظ،
وذلك ما تحققه النظائر.
وهذا هو المطعن الذي وجهه الزركشي إلى هذا التعريف. فهو يقول:
"وقيل النظائر في اللفظ، والوجوه في المعاني. وضعف لأنه لو
أريد هذا لكان الجمع (يعني الجميع: الوجوه والنظائر) في
الألفاظ المشتركة". وهذا غير ممكن حسب الزركشي الذي توجه إلى
واقع كتب الوجوه والنظائر، فوجدها تميز بين المصطلحين، ولم
تجعل بينهما علاقة عضوية، من شأنها أن يتم عن طريقها معنى
أحدها بالأخرى. فليست النظائر عند الزركشي سوى أمثال، يعني
آيات متشابهة يتكرر فيها معنى معين من معاني اللفظ المشترك.
فهي لا تضيف إلى مفهوم "الوجوه" أي شيء يذكر، بينما هي عند
حاجي خليفة ضرورية لأنها تجسيم لفظي، يعبر عن الوجه المراد.
فالفرق بين الزركشي وبين حاجي خليفة في تعريف النظائر يتمثل في
أن الأول قد سلك في تعريفها سبيل المناطقة، مراعيا الاتفاق
المعنوي بين الألفاظ، إلى جانب الاتفاق اللفظي، بينما عمد حاجي
خليفة إلى اعتبار التشابه اللفظي فحسب.
أي التعريفين أقرب إلى واقع كتب الوجوه والنظائر؟
يظهر أن التعريف الأول أقرب إلى واقع كتب الوجوه والنظائر من
التعريف الثاني. ذلك أن المؤلفين في الوجوه والنظائر القرآنية
يذكرون لفظة: "نظير" عند سرد الآيات
(1/22)
التي يعددونها في سياق التمثيل لوجه واحد
من الوجوه التي تكون للفظ المشترك، بحيث يكون لكل وجه نظائره
التابعة له، ولا يمكن لوجهين أن يشتركا في النظائر، فيميزون
بذلك بين الوجوه والنظائر.
أضف إلى ذلك أن الاستعمالات الأخرى للفظة نظير، غالبا ما تركز
على المعنى. وقبل أن ننهي الحديث عن تعريف الوجوه والنظائر،
نذكر بأنه ليس من الضروري أن تكون الكلمة المشتركة - خلافا لما
ذهب إليه حاجي خليفة - على لفظ واحد، وحركة واحدة، لأن الذي
نلاحظه في كتب الوجوه والنظائر، استعمال اللفظة ومشتقاتها على
السواء.
أسباب ظهور كتب الوجوه والنظائر
القرآنية
لم نعثرعند من وقفنا عليهم ممن ألفوا في الوجوه والنظائر على
ذكر واضح للأسباب التي دفعتهم للتأليف في هذا الفن. كما لم
يبين المؤرخون لعلوم القرآن تلك الأسباب مثلما فعلوا عند
حديثهم عن كتب الغريب.
ولعل العودة إلى مادة كتب الوجوه والنظائر تقربنا أكثر من
الإجابة عن سبب التأليف فيها. ونود أن تقف قبل ذلك على سبب عام
يمكن تقديمه لوضع هذا الفن في إطاره. ذلك أنه قد ظهر في عصر
مبكر، إذ أن أقدم أثر فيه وصل إلينا يرجع إلى القرن الثاني
للهجرة.
ولا يخفى أن هذا القرن يمتاز بنشاط الحركة العلمية، وتنافس
المدن فيها. نخص بالذكر ذلك التنافس الذي ظهر بين الكوفة
والبصرة حيث أقام مقاتل بن سليمان ويحيى ابن سلام.
وبحكم الاستقرار السياسي نسبيا، بظهور الدولة العباسية، وبحكم
كثرة الاختلاط الناتج عن دخول كثير من الأعاجم في الإسلام، ظهر
في هذا القرن اهتمام شديد باللغة، قصد به إلى الحفاظ على
القرآن خاصة من التحريف، وبدأ التأليف يظهر في عدة ميادين: في
الحديث، والتفسير، واللغة. وظهرت التآليف أجزاء مفرقة، تختص
بمسألة ضيقة، يجمع فيها أصحابها ما بلغهم عنها من معلومات،
ترتكز على
(1/24)
الرواية خاصة. وهكذا ظهرت رسائل في اللغة،
تتعلق بموضوع معين، ككتاب الخيل، وكتاب النخل، وكتاب المطر
وغيرها.
وظهرت رسائل تتعلق بعلوم قرآنية، في لغات القرآن، والناسخ
والمنسوخ والتفسير وغيرها. فمن الطبيعي أن تظهر في هذا الإطار
الثقافي كتب الوجوه والنظائر القرآنية التي تجمع بين الفهم
اللغوي والتفسير القرآني، كما سنبين ذلك.
ونعود إلى مادة كتب الوجوه والنظائر نستجليها عن أسباب ظهور
التأليف فيها. إن الذي نستنتجه، بعد وقوفنا على تعريف مصطلحات
هذا العلم، أن الباحث يجد في كتب الوجوه والنظائر:
1) شرحا لألفاظ قرآنية روعي فيه السياق القرآني.
2) جمعا لآيات اتفقت في اشتمالها على لفظ معين، يدل في كل
مجموعة منها على معنى واحد من المعاني التي يتصرف إليها في
النص القرآني.
فربما كانت هاتان المسألتان هما الحافزتان على التأليف في
الوجوه والنظائر. وكلتاهما هدف قرآني، ما دام المؤلف يعمد في
الأول إلى شرح اللفظ ببيان معناها المقصود في الآية فيتمكن
بذلك المطلع على كتب الوجوه والنظائر من الإلمام بالمعاني
القرآنية. ولا تخفى العلاقة الموجودة بين هذا وبين اللغة.
فالمعاني التي تعطى عادة للألفاظ في كتب الوجوه، نجدها غالبا
في كتب اللغة. يقول الهروي في كتابه الغريبين: "فإن اللغة
العربية إنما يحتاج إليها لمعرفة غريبي القرآن وأحاديث الرسول
عليه السلام، والصحابة والتابعين.
أما الهدف الثاني فهو شرح للقرآن بالقرآن، بتجميع الآيات
المتحدة في المعنى في مكان واحد.
(1/25)
ولعله قصد بهذه الكتب إلى غاية عملية كانت
سائدة في الكتب الدينية وغيرها، وأقصد بذلك تسهيل عملية الحفظ
على الطلاب.
وقد وقفت في مقدمة تفسير ابن جزي، على فصل عقده لذكر "الكلمات
التي يكثر دورها في القرآن، أو تقع في موضعين فأكثر من
الأسماء، والأفعال والحروف". فعلل أسباب جمعه لتلك الكلمات،
وجعل من بينها حرصه على أن يلم المطلع على كتابه بتفسيرها، وأن
يكون حفظه لها مجموعة أسهل عليه.
كذلك ورد في مقدمة كتاب النيسابوري في الوجوه والنظائر قوله:
"ورتبته على حروف التهجي ليسهل على الباحث طلبها (يعني
الأبواب) وعلى التحفظ (هكذا) حفظها".
وربما اعتبرنا ما أورده ابن جزي أيضاً سببا آخر للتأليف في هذا
الفن. فقد اعتبر أنه من بين البواعث على الخلاف بين المفسرين،
"اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر". فيكون ضبط معاني اللفظ
القرآني الواحد، في مواضعه المختلفة داعيا إلى الحد من ذلك
الخلاف.
هذه الأسباب عموما، هي التي نجدها أصلا للتأليف في بقية العلوم
القرآنية. والمتعلقة باللفظ القرآني خاصة، مثل كتب الغريب،
وكتب المتشابه، وكتب مبهمات القرآن وغيرها.
والهدف منها جميعا مزيد الاهتمام بالنص القرآني ضبطا، وحفظا.
وقد ذكرت المصادر حديثا يروونه عن أبي الدرداء فيه حث على
تعليم وجوه القرآن وهذ نصه: "لا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى
يرى للقرآن وجوها كثيرة".
واتفقت المصادر على أن الذي أورد هذا الحديث مقاتل بن سليمان
في كتابه في نظائر القرآن. وهذا الحديث لم نقف عليه في كتب
الصحاح. إنما أورده ابن سعد في طبقاته
(1/26)
وكأنه اعتبره كلاما لأبي الدرداء لا حديثا
نبويا شريفا يرويه، إذ يقول: ... عن أبي قلابة أن أبا الدرداء
كان يقول: "إنك لن تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها".
وهذا الحديث لا يبتعد في اتجاهه عن الحديث الآخر الذي يحث على
تعلم معاني الألفاظ القرآنية والإلمام بمعرفة غريبها. وقد روي
عن أبي هريرة وغير ولفظه: "اعربوا القرآن والتمسوا غريبه".
والقريب من الذهن أن هذا الحديث ومثله مما وضع قصد الحث على
الاهتمام بهذه المادة، ومما نعلمه من أسباب الوضع في الحديث
الترغيب والترهيب.
ونضيف إلى هذا، أن الذي أورد الحديث مقاتل بن سليمان وهو كذاب.
غير أن السيوطي بدا عليه الاهتمام بهذا الحديث. وقد نقل في
تفسيره له تأويلين اثنين:
التأويل الأول: يرجع إلى المعنى اللغوي للفظة وجوه. يعني أن
يرى الباحث للفظ الواحد معاني متعددة في مواضع من القرآن.
التأويل الثاني: يلتحق بالتفسير الإشاري، حيث إن المقصود
بالوجوه فيه "استعمال الإشارات الباطنة، وعدم الاقتصار على
التفسير الظاهر".
ولعل تأليف الحكيم الترمذي يلتحق بهذا المفهوم للوجوه
والنظائر، وكذلك ما نلمسه في تفاسير الشيعة عند اعتبارهم أن
للقرآن ظاهرا وباطنا.
ثم إن السيوطي عاد إلى التأويل الأول، ليبين انعكاس احتمال
اللفظ القرآني لوجوه متعددة على نفسية الناظر في القرآن. فإذا
الوجوه تصبح كالحاجز المانع للباحث عن الخوض في التفسير. وهذه
الفكرة ترتبط ارتباطا وثيقا بموقف المانعين عن الخوض في
التفسير. "فقلت لأيوب (وهو من رجال السند عن أبي الدرداء
(1/27)
عند ابن عساكر) أرأيت قوله: "حتى ترى
القرآن وجوها" أهو أن ترى له وجوها فتهاب الإقدام عليه؟ "قال:
نعم، هو هذا".
وقد تجاوز انعكاس خاصية احتمال اللفظ القرآني لوجوه متعددة
ميدان العلوم إلى الميدان العقدي، بل قل والسياسي كذلك. فذكر
السيوطي أن ابن سعد أخرج عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب أرسله
إلى الخوارج فقال: "اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجّهم بالقرآن
فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة".
غير أنه قد رأينا قبل حين بأن هذا ليس سببا كافيا للإمساك عن
الخوض في التفسير، ويكفي المفسر أن يطلع على مختلف الوجوه للفظ
القرآني لكي يعصم نفسه من الوقوع في الخطأ.
بهذا يمكن اعتبار علم الوجوه والنظائر من العلوم الأداة التي
لا يحق لمفسر الاستغناء عنها.
كتب الوجوه والنظائر القرآنية
يمكن أن نعتبر التأليف في الوجوه والنظائر من أسبق ما ظهر في
ميدان علوم القرآن. فقد ورد في كشف الظنون نقلا عن ابن الجوزي،
أنه قد نسب في هذا العلم كتاب إلى عكرمة (ت105/723) مولى ابن
عباس، وآخر إلى علي بن أبي طلحة (ت143/760) عن ابن عباس أيضا.
ويتفق هذا القول مع ما ذكره الإمام أبو عبد الرحمن إسماعيل بن
أحمد الضرير النيسابوري الحيري في مقدمة كتابه: وجوه القرآن
حيث قال: "ذكرت في هذا الكتاب وجوه القرآن. والسابق بهذا
التصنيف، عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم مقاتل ثم الكلبي".
(1/28)
لكن بقية المصادر تنطلق في ذكر كتب الوجوه
والنظائر من كتاب مقاتل بن سليمان (ت150/767) الذي توجد منه
نسخة بمكتبة جامعة الدول العربية تحت رقم: [عمومية بايزيد 561.
286ق. صغير الحجم] وقد تم نشره على يد د. عبد الله محمود
شحاتة. وقد وضع المحقق مقدمة بين يدي الكتاب ضمنها دراسة حول
مقاتل بن سليمان، في حياته وتهمته بالتشبيه والكذب، ونشاطه
العلمي في الحديث، والتفسير، وعلوم القرآن. لكنه لم يتناول علم
الوجوه والنظائر إلا بما ورد عند الزركشي.
ووضع المحقق هوامش، تعين القارئ على مزيد الإفادة من الكتاب،
وذلك بالإشارة إلى أرقام الآيات الواردة في النص، وبتصويب ما
جاء فيه من أخطاء.
وأغفل إلقاء بعض الأضواء على تأليف مقاتل بالرجوع إلى محتواه
وقيمته وعلاقته بغيره من كتب هذا الفن.
واشتمل كتاب مقاتل على تفسير خمس وثمانين ومائة كلمة، لم يُراع
فيها ترتيب معين. وأبقيت على ترتيبها الذي ذكرت عليه في الأصل.
وقد اتفق كتاب مقاتل في ترتيب عدد كبير من كلماته مع كتاب
التصاريف، واختلف في عدد آخر. أما كيفية تقديم الوجوه والنظائر
فهي واحدة بين الكتابين. وإن اشترك كتاب التصاريف مع كتاب
مقاتل في حوالي سبع وسبعين كلمة فقد تفرد بقرابة أربعين كلمة
لم ترد عند مقاتل. كما اختلف الكتابان في عدد وجوه بعض
الكلمات، فتفوقت الوجوه في كتاب التصاريف في أحد عشر موضعا،
وتفوقت في كتاب مقاتل في ثلاثة مواضع.
ونود لفت الانتباه إلى الشبه الكبير الموجود بين الكتابين،
بالنسبة للكلمات المشتركة بينهما. وقد يصبح هذا التشابه في
مواضع عديدة تطابقا بين الكتابين. فكأن المسألة عملية نسخ من
كتاب إلى آخر. ويبدو التطابق في عدد الوجوه المذكورة للكلمة،
وفي طريقة تتاليها وفي الآيات النظائر المذكورة في كل وجه، بل
وحتى في تسلسل عدد كبير من الكلمات المفسرة.
ولم أوفق إلى معرفة سر هذا التطابق معرفة قطعية. ذلك أن مقاتل
بن سليمان لم يرد ذكره في كتاب التصاريف، مثلما ورد عند
الدامغاني.
(1/29)
وإن قلنا بإمكانية نقل ابن سلام عنه دون
الإشارة إليه، يعترضنا الاختلاف الذي لاحظناه بين الكتابين،
فيجعل التصاريف غير كتاب الأشباه والنظائر لمقاتل.
وهنا نشير إلى ما سنذكره بعد حين حول الشبه الموجود بين
التصاريف وبين تفسير يحيى الجد.
ولعل ما سنذهب إليه من ترجيح نسبه "التصاريف" إلى الجد يتأكد
بهذا الشبه الموجود بين "التصاريف" وبين كتاب مقاتل.
ذلك أن مقاتل بي سليمان قد دخل البصرة وتوفي بها سنة (150/767)
وقد نشأ ابن سلام (124 - 200/741 - 815) بالبصرة وأخذ عن عدد
كبير من شيوخها. فلعله جلس إلى من جلس إليهم مقاتل فاشترك معه
في السماع، ولعله جلس إلى مقاتل نفسه وأخذ عنه.
غير أنه لم يرد ذكر مقاتل فيما وقفنا عليه من تفسير ابن سلام
(وهو أغلب التفسير) ، كما لم تذكر له كتب التراجم تلمذة عليه،
رغم اشتهار مقاتل الواسع في ميدان التفسير. ولا ينبغي أن نذهب
إلى أن ابن سلام قد أمسك عن الرواية عن مقاتل، لما اشتهر به من
الكذب والآراء الكلامية المرفوضة فسوف نرى ابن سلام الجد يروي
عن أمثاله كالسدي والكلبي وغيرهما.
إذن كل ما نستطيع تقديمه حول التشابه الموجود بين الكتابين هو
إمكانية اشتراك ابن السلام ومقاتل في الأخذ عن شيخ واحد في
موضوع كتاب "التصاريف". وربما ذكرنا كذلك بان موضوع الكتاب
ذاته يدعو إلى هذا التشابه فهو يتناول علما من علوم التفسير،
والتفسير في تلك الفترة يرتكز أساسا على الرواية والنقل فلا
يسمح فيه بإعمال الرأي. ومن هنا اتحدت وجوه الكلمات في
الكتابين الا في القليل.
وبتتبع المصادر التي تحدثت عن علوم القرآن، وكذلك بمراجعة
فهارس المكتبات، عثرنا على عدد من المؤلفين في الوجوه
والنظائر. وتوزعت هذه التآليف بين القرنين 2/8 و 10/15. فلا
يكاد يخلو قرن بين هذين القرنين من كتب في هذا الفن. وقد
لاحظنا أن أكثر القرون حظا بالنسبة لكتب الوجوه والنظائر هو
القرن الثاني، فقد أحصينا فيه ستة مؤلفين هم:
(1/30)
1- عكرمة مولى بن عباس (ت105/723) .
2- علي بن أبي طلحة (ت143/760) .
3- مقاتل بن سليمان (ت150/767) .
4- العباس بن الفضل الأنصاري الموصلي المقرئ (ت186/802) .
5- عبد الله بن هارون الحجازي.
6- علي بن وافد الذي كان يعيش في عهد الخليفة الرشيد
(ت193/808) . ثم تتابعت التآليف على هذا النحو.
7- أبو العباس المبرد (ت285/898) واسم كتابه: ما اتفق لفظه
واختلف معناه من القرآن المجيد. وهو كتاب من الحجم الصغير،
قليل الصفحات. وقد ذكر ابن النديم كتابا للمبرد بعنوان: "ما
اتفقت ألفاظه ومعانيه في القرآن". ولسنا ندري إن كان هذا
الكتاب يلتحق بالكتاب الأول لشبه ملحوظ بينهما، إذ أن في كل
وجه من وجوه اللفظ المذكورة في كتب الوجوه والنظائر يذكر نفس
اللفظ بنفس المعنى.
8- الحكيم الترمذي وقد اختلف في تاريخ وفاته بين (285/898)
وبين (315/927) . واسم كتابه تحصيل نظائر القرآن. منه نسخة
بجامعة الدول العربية تحت رقم: [البلدية 3585/2ح. 35ق] .
(1/31)
وقد نحا فيه منحى التصوف. وحلل
P. Nwyia هذا التأليف
في كتابه:
Exegese: xoranique et langage
mystique.
9- محمد النّقاش (ت351/962) وهو محمد بن الحسين بن محمد بن
زياد بن هارون الموصلي الأصل البغدادي. ذكر ابن الجوزي أنه قد
ألف في الوجوه والنظائر وأشار كحالة إلى أن له تأليف في غريب
القرآن.
10- أبو الحسين أحمد بن فارس القزويني اللغوي (ت395/1004) واسم
كتابه الأفراد. ذكر السيوطي نبذة منه في الإتقان. ولا يخفى أن
ابن فارس ممن ألف في اللغة ومن كتبه: المجمل، ومقاييس اللغة،
وكتاب فقه اللغة.
11- الثعالبي. ولعله أبو منصور عبد الملك (ت429-1037) صاحب
الاقتباس من القرآن الكريم. وقد أشار إلى كتابه: الأشباه
والنظائر فهرس جامعة الدول العربية، تحت رقم: [ولي الدين 52.
51ق] .
12- إسماعيل الحيري النيسابوري الضرير (ت430/1039) له وجوه
القرآن. منه نسخة بجامعة الدول العربية، تحت رقم: [جامعة
كمبريدج 1282 OR. 156ق]
والكتاب لا زال مخطوطا.
ونعتبر هذا التأليف هاما لأنه بالرجوع إلى ما وقفنا عليه من
كتب الوجوه والنظائر، أول ما طلع علينا في هذا الفن بميزتين
جديدتين هما: تضخم عدد الكلمات المشروحة فيه من ناحية، ومراعاة
الترتيب الأبجدي في إيرادها من ناحية أخرى. وقد حدد المؤلف في
المقدمة عدد الأبواب التي أوردها. فهو يقول: "والسابق بهذا
التصنيف عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم مقاتل ثم الكلبي.
ومصنفاتهم لا تزيد على مائتين وأربعة عشر بابا. وما جمعنا في
هذا الكتاب خمسمائة وأربعين (هكذا) بابا".
وقد قسم التأليف إلى كتب وأبواب، تمثل الكتب فيه الأحرف التي
تفتتح بها الكلمات المدروسة، مثال ذلك: كتاب الألف، كتاب الباء
الخ ... .
(1/32)
أما الأبواب فإنها عبارة عن الكلمات
المشروحة في الكتاب مثال ذلك: باب الاتقاء باب الإيمان، باب
الآخرة، وجميعها ورد في كتاب الألف. وذكر المؤلف عمله هذا في
المقدمة حيث قال: "ورتبته على حروف التهجي ليسهل على الباحث
طلبها (يعني الأبواب) ".
وينبغي أن نشير إلى أن المؤلف لم يراع الاشتقاق في توزيع
الكلمات على الكتب. إنما اعتبر الحرف الأول الذي افتتحت به
سواء كان ذلك الحرف أصليا أم زائدا. فقد ذكر في كتاب الألف
الاتقاء، والإقامة، والإنفاق إلى جانب الإيمان والآخرة. وذكر
في كتاب التاء التسبيح، والتزكية، والتصريف إلى جانب التلاوة
والتابوت. كما أنه لم يمراع الترتيب الأبجدي في ترتيب داخل
الباب الواحد. فقد أورد في كتاب الجيم باب جعل، يليه باب
الجنة، يليه باب الزاء، وبعده باب الجدال الخ ... .
فالكتاب إذن في حاجة إلى إعادة التنظيم.
وسلك المؤلف في شرح الكلمات وذكر وجوهها مسلك غيره من المؤلفين
في هذا الفن، ولم يتميز عليهم سوى بوفرة الكلمات المشروحة،
وكذلك أحيانا بتفوق عدد الوجوه للكلمات المشروحة. فكلمة:
"الطعام" وردت عنه مقاتل وابن سلام على أربعة وجوه، وعند
النيسابوري على اثني عشر وجها. وكلمة: "الكفر" أورد لها مقاتل
وابن سلام أربعة وجوه بينما جعل لها النيسابوري تسعة وجوه.
ولا يمنع هذا من أن نجد عدد وجوه بعض الكلمات عند النيسابوري
دون ما أورده لها غيره من المؤلفين. فقد جعل الدامغاني لكلمة:
"يقين" أربعة وجوه ولم يجعل لها النيسابوري سوى وجهين. وذكر
الدامغاني لكلمة: "اليمين" تسعة وجوه، وجعل لها النيسابوري
خمسة وجوه.
(1/33)
وقد عمد النيسابوري من حين لآخر إلى نسبة
الأقوال إلى اصحابها فقد ذكر مثلا ابن عباس وعليّ بن أبي طالب
رضي الله عنهما ومجاهدا. ولم يقف عند هؤلاء بل إنه توسع في
نطاق الرواية إلى ذكر أقوال الفقهاء مثل الشافعي واللغويين
كذلك مثل الزجاج. غير أن هذا لم يتكرر كثيرا في الكتاب.
13- الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي الحنبلي (أبو علي)
(ت471/1079) . وقد نسب إليه ابن الجوزي تأليفا في الوجوه
والنظائر.
14- الحسين الدامغاني (أبو عبد الله) (ت 478/1085) وكتابه في
الوجوه والنظائر مطبوع. وقد ذكر بأنه وقف على كتاب مقاتل بن
سليمان وغيره، فوجدهم قد أغفلوا أحرفا من القرآن لها وجوه
كثيرة فكتب كتابه وضمنه ما وصفه السابقون وأضاف إلى ذلك ما
أغفلوه.
لكن الكتاب لم يصل إلينا في طبعته الحالية على صورته الأصلية.
فقد عمد المحقق إلى إكماله وإصلاحه. لذلك أتى عنوانه على النحو
التالي: "قاموس القرآن، أو إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن
الكريم".
وقد تمثل عمل المُحقق خاصة في ذكر السور التي منها الآيات
المذكورة، لأن المؤلف قلما أتى بها، وكذلك في إعادة تبويب
الكلمات على أحرف الهجاء، إذ يظهر أن الدامغاني رغم كونه قد
تعهد بتبويب كتابه على حروف المعجم لم يوفق تمام التوفيق. فلم
يعتبر الأحرف الأصلية للكلمة في التبويب، إنما اعتبر الحرف
الأول منها سواء كان أصليا أو زائدا مثلما فعل النيسابوري
فأرجع المحقق الكلمات إلى أصلها فأعاد بذلك ترتيب الكلمات. كما
أنه عمد إلى حذف ما وقع في الكتاب من تكرار. وقد حلى المحقق
الكتاب بحواشي علق بها على بعض التعاريف، أخذها من كتب الغريب
أو التفسير.
إن ما قام به المحقق عمل جليل، غير أنه يمكن مؤاخذته بعدم ذكر
أشياء ذات بال
(1/34)
بالنسبة لهذا الكتاب، من ذلك عدم الإشارة
في الحواشي إلى أرقام الآيات، وهو عمل ضروري في هذا الكتاب،
كما يؤاخذ ببعض أخطاء وقع فيها، منها في تسمية السورة أو في
الآية.
ولم يجعل المحقق بي يدي الكتاب مقدمة ضافية حول المؤلف ولا حول
كتاب، كما أنه لم يتعرض إلى علم الوجوه والنظائر بشيء من
التفصيل.
وتعوز التحقيق فهارس من شأنها أن تعين المطالع للكتاب على
العثور على طلبته فيه.
وكتاب الدامغاني ضخم في حجمه. فقد اشتمل على اثنتين وخمسمائة
كلمة. فهو بذلك قريب من كتاب النيسابوري. وكما أن هذا لم يجدد
في منهجه فكذلك الدامغاني الذي اكتفى بأن قفى على أثر سابقيه.
15- علي بن عبيد الله الزاغوني الحنبلي (أبو الحسن)
(ت527/1132) .
16- عبد الرحمن بن الجوزي (ت597/1201) واسم كتابه: نزهة الأعين
النواظر في علم الوجوه والنظائر. منه نسخة بجامعة الدول
العربية تحت رقمي:
[البلدية بالإسكندرية 3572 ج. 95ق] .
[عمومية بايزيد 9499. 10ق] .
وله كتاب ثان بعنوان: الوجوه والنظائر. ولعله نفس الكتاب الذي
أشار إليه كشف الظنون تحت عنوان: الوجوه النواظر في الوجوه
والنظائر، وقال المؤلف ذكر فيه وجوه الآيات المفسرة في مجلس
الوعظ ونظائرها.
(1/35)
وقد جلب ابن الجوزي في كتابه المدهش في
علوم القرآن والحديث واللغة أبوابا منتخبة من الوجوه والنظائر
وهي ثلاثة وعشرون بابا.
17- مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز ابادي (ت817/1415) .
وكتابه: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز. وذكر
المؤلف في الجزء الأول من هذا الكتاب جملة من العلوم المتعلقة
بالقرآن، ثم إنه خصص الأجزاء الثلاثة الباقية لذكر وجوه
الكلمات الواردة في القرآن مرتبة على حروف الهجاء.
والملاحظات التي أبديناها عند حديثنا عن كتابي النيسابوري
والدامغاني تصدق على ما ورد في كتاب الفيروز ابادي. فهو قد رتب
الكلمات على أحرف الهجاء، دون أن يراعي الاشتقاق. كما أنه توسع
في إيراد الكلمات وربما فاق في ذلك النيسابوري ما دام أنه تعهد
بإيراد "جميع كلمات القرآن".
ولعل الجديد الذي اختص به الفيروز ابادي دون غيره أنه قدم بين
يدي ذكر وجوه اللفظة القرآنية بحثا لغويا وصرفيا للكلمة
المدروسة. وهذا مما يؤكد على العلاقة الموجودة بين كتب هذا
الفن وكتب اللغة. غير أن المؤلف لم يلتزم هذه القاعدة في كل
الكلمات.
18- محمد بن محمد بن علي البلبيسي ثم القاهري (شمس الدين،
المعروف بابن العماد (ت887/1482) . واسم كتابه كشف السرائر في
معنى الوجوه والأشباه والنظائر. منه نسخة بدار الكتب الوطنية
بتونس تحت رقم: 18324.
ذكر ابن العماد في مقدمته، وهي مختصرة، أنه استخار الله في
"تأليف كتاب أجْمَعُ فيه ما جاء من معانيه (يعني القرآن)
العظيمة وما فيه من الوجوه والأشباه والنظائر ... . أجمعه من
كتب التفاسير وغير ذلك.
والكتاب قد احتوى على خمس ومائة كلمة وهو كامل ليس به نقص،
والنسخة بخط مؤلفها، نسخت سنة 869هـ.
(1/36)
ولم يشذ ابن العماد في كتابه من حيث المنهج
في سرد الوجوه والنظائر عن بقية المؤلفات الأخرى، وإن وجدنا
فيه بعض التعليقات، يأتي بها بالمناسبة ليتحدث عن عصره. كما
يذكر في تعليقاته بعض الأسماء كابن عباس، والحسن البصري،
والشبلي، والطبري، والفضيل بن عياض. ويشير أحيانا إلى اختلافات
وقعت بين العلماء في مسألة معينة. وهذا لم نقف عليه فيما
اطلعنا عليه من كتب الوجوه والنظائر. والذي لفت الانتباه من
حيث ترتيب الكلمات في كتاب ابن العماد، اتفاقه مع كتاب
التصاريف، خاصة في الجزء الأول منه. كما اتفقا، إلا نادرا، في
عدد الوجوه التي أورداها للكلمة الواحدة.
19- عبد الرحمان السيوطي (ت911/1505) . وقد أشار بنفسه إلى
كتابه في معترك الأقران مرة، ومرة في الإتقان. ولم نعثر على
هذا التأليف. غير أن السيوطي قد اشاد بذكره، معتبرا إياه كافيا
في هذا الفن. وقد سمى السيوطي كتابه: معترك الأقران في مشترك
القرآن وهو غير كتابه معترك الأقران في إعجاز القرآن.
20- أبو الحسين محمد بن عبد الصمد المصري. نسب إليه السيوطي
مؤلفا في الوجوه والنظائر، وقال بأنه من المتأخرين.
21-22- ذكر ابن الجوزي أن ممن ألف في الوجوه والنظائر، أبو
الفضل العباس بن الفضل الأنصاري، وأن مطروح بن محمد بن شاكر قد
روى عن عبد الله بن هارون الحجازي، عن أبيه كتابا في الوجوه
والنظائر.
23- ابن أبي المعافي. ذكره السيوطي في معترك الأقران، وذكر
بأنه من المتأخرين.
ذكرنا مجموع ما وقفنا عليه من كتب الوجوه والنَّظائر لغرضين:
1) لنبين كثرتها من جهة.
2) لنشير إلى خاصية فيها. إذ أنّ الذي استنتجناه مما طالعناه
من كتب الوجوه والنظائر، أو من وصف بعضها، بقاؤها على حالتها
الأولى التي ظهرت بها، خاصةً في مادتها ومنهجها الذي سارت عليه
في تناول الكلمات وسرد الآيات المتعلقة بها.
(1/37)
فمطالعة كلمة "هدى" مثلا في كتاب مقاتل بن
سليمان، وهو من المتقدمين، لا تختلف عمَّا جاء في أحدث ما
وصلنا من كتب الوجوه والنظائر. فكأنما كتب الوجوه والنظائر،
على مرّ القرون، كتاب واحد، تداولته أيدي النساخ، مع تغييرات
قليلة، لا تغيّر من جوهر تلك الكتب. ونشير هنا إلى مقالة
النيسابروي في مقدمته، فهي تعبر عن هذه الفكرة. يقول
النيسابروي: "والسابق بهذا التصنيف عبد الله بن عباس رضي الله
عنه، ثم مقاتل ثم الكلبي. ومصنفاتهم لا تزيد على مائتين وأربعة
عشر بابا. وجمعنا في هذا الكتاب خمسمائة وأربعين بابا. وليس
بشيء منها يعزب عن أقاويلهم إمَّا ذكر في الوجوه وإمَّا ذكر في
التَّفسير. ولست أبدع قولا".
ولعل ما يمكن أن يذكر من تطوّر في هذه الكتب، تكاثر عدد
كلماتها. فكتاب النيسابوري، ضخم إذا ما قورن بغيره. وكذلك ثم
شيء من التصرف في كيفية تبويبها فبعد أن ذكرت الكلمات على
الاتفاق في كتاب مقاتل وكتاب ابن سلام، حرص بعض المؤلفين على
ترتيبها ترتيبا أبجديا. كما فعل النيسابوري والدامغاني.
ولا يمكن أن نعتبر هذا تطوّرا في كتابة الوجوه والنَّظائر،
بأتم معنى الكلمة، فإن الترتيب الأبجدي لم يظهر في آخر ما
ألَّف منها. كما أنّ تكاثر الكلمات الوارد في بعضها، لم يكن في
التآليف المتأخرة أيضا، ما دمنا قد وقفنا على تآليف متأخرة، لا
تختلف في عدد كلماتها ولا في كيفية ترتيبها عن كتب الأوّلين.
ونتساءل: هل توقّف التآليف في الوجوه والنظائر عند حدود القرن
العاشر؟ إن المتأمل في بعض المعاجم القرآنية المعاصرة يتبين
له، أنَّه من الضروريِّ اعتبارها مندرجة في فنّ الوجوه
والنظائر. وأخصّ بالذكر من هذه المعاجم: معجم ألفاظ القرآن
الكريم لمجمع اللغة العربية، وكذلك: معجم الألفاظ والأعلام
القرآنية لمحمد اسماعيل إبراهيم.
ما الذي يقدّمه معجم المجمع؟
لقد تعهد هذا المعجم باستعراض المعاني المختلفة الَّتي ترد
عليها اللَّفظة الواحدة في القرآن، وذلك ما يطابق فيما رأيناه
"الوجوه".
كما تعهَّد باستعراض الآيات الواردة في كلّ معنى من معاني
اللَّفظة. وتلك هي النظائر.
(1/38)
وقد رتَّب المعجم الكلمات ترتيبا أبجديا
حسب الأصل، ثم فرّع عنه المشتقات.
فهل أتى هذا المعجم بجديد في الميدان؟
لعلّ الَّذي توفَّر فيه خصوصا، ولم يتمّ في الكتب الَّتي مرَّت
بنا أمران:
1) القصد إلى استيفاء الألفاظ القرآنية دون أي تخير.
2) القصد إلى استيفاء الآيات المتعلِّقة بكل معنى من المعاني
القرآنية للَّفظ.
فهو من هاتين النَّاحيتين يعتبر متمِّماً لكتب الوجوه والنظائر
المذكورة إذ أنَّها لم تستوف الكلمات القرآنية، كما أنَّها لم
تذكر كلّ الآيات المتعلِّقة بالمعنى الواحد، وتشير إلى وجود
آيات أخرى في نفس المعنى بقولها: "ونحوه كثير" أو ما شابه ذلك.
لكنّ هذا المعجم، من جهة ثانية لا يعتبر دقيقا دقَّة كتب
الوجوه والنظائر في استخراج المعاني من اللَّفظ.
كما يعطي المعجم لبعض الآيات معنى غير الَّذي أعطي لها في كتب
الوجوه والنظائر. نذكر هذا لأن هذه الكتب أقرب إلى الصّحَّة ما
دامت تتعلق بالتفسير بطريقة مباشرة، أي عن طريق الرواية التي
هي الطريقة المتبعة في كتب الوجوه.
هذا كله يجعلنا نعتبر المعجم غير مجدّد في الميدان، وذلك ما
رآه الدكتور إبراهيم مدكور حين قال متحدثا عنه: "وقد جاء (يعني
المعجم) حلاً وسطا يوفق بين الطرفين (القدامى والمحدثين) وإن
كان إلى المحافظة أميل".
أما المعجم الثاني فإنه لا يختلف كثيرا في منهجه وأهدافه عن
معجم المجمع، وإنَّما يختلف عنه يسيرا في طريقة التَّقديم. فهو
يعمد في أوّل حديثه عن مادة معينة إلى ذكر جميع وجوهها بالصيّغ
الَّتي ذكرت بها في القرآن، ثم يستعرض إثر ذلك الآيات الَّتي
ورد فيها اللَّفظ في مشتقَّاته المتنوّعة.
لكنّ المؤلِّف لا يأتي بكلّ الآيات التي ضبط عددها تحت المادة
مباشرة، رغم كونه قد وعد بذلك في مقدمته.
(1/39)
كتب الوجوه والنظائر
وكتب غريب القرآن
إنّ أبرز مقارنة يمكن القيام بها هي التي تجمع بين كتب الوجوه
والنظائر وكتب غريب القرآن.
وبالرّجوع إلى كتب الغريب الَّتي نذكر من بينها كتاب الراغب
الأصبهاني (ت 502/1108) : المفردات في غريب القرآن، وكتاب غريب
القرآن لأبي بكر السجستاني (ت 316/929) وكذلك كتاب الغريبين
للهروي (ت401/1011) ، وبمقارنتها بكتب الوجوه والنظائر، نلاحظ
أن كتب الغريب تتضمَّن الكلمات الواردة في كتب الوجوه
والنظائر، باستثناء عدد قليل لا يذكر، وتزيد عليها الكثير.
ونذكر على سبيل المثال أن الأصبهاني قد أورد في حرف الألف كلّ
الكلمات الواردة في الألف من كتاب الدامغاني ما عدا خمس كلمات،
وزاد عليه في نفس الحرف ستّاً وأربعين كلمة.
وهنا يتساءل الباحث ثانية عن سبب ظهور كتب الوجوه والنَّظائر
ما دامت مادّتها متوفرة في كتب الغريب، وقد ظهرت هذه أيضا في
زمن متقدم مثل كتب الوجوه والنَّظائر. يبدو أن المادة المشتركة
بين كتب الغريب وكتب الوجوه هي تلك التي كثر ورودُها في
القرآن، لا غير. ومن هنا عبثا نحاول البحث عن الأساس الَّذي
وقع عليه إختيار الكلمات الواردة في كتب الوجوه والنَّظائر.
فإن الباحث يجد فيها كلمات تنتمي إلى ميادين متعدّدة: العقيدة،
الأخلاق، الفقه الخ ... ولعلّ الفرق الكبير بين كتب الغريب
وكتب الوجوه، أنّ اهتمام الكتب الأولى باللّغة أكثر من أيّ شيء
آخر، في حين تهتمّ كتب الوجوه باللّغة حسب السيّاق الَّذي وردت
عليه في القرآن.
اشعاع كتب الوجوه والنظائر على بعض
الميادين العلمية الأخرى
سبق أن قلْنا أنّ كتب الوجوه والنَّظائر القرآنيَّة ظهرتْ في
زمن مُتقدم. ويبدو أنّ هذه الكتب قد لاقت في منهجها والفكرة
الَّتي سارت عليها، استحسانا لدى العلماء. فقد تجاوز هذا الفنّ
ميدان القرآن إلى غيره.
(1/40)
ولعل أول ميدان تابع العلوم القرآنية في
ذلك هو ميدان اللغة، فقد ألف أبو عبيد القاسم بن سلام كتابا
سماه: "كتاب الأجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف
في المعنى" وقد استخرج هذا الكتاب من مؤلفه في غريب الحديث.
وطريقته فيه أن يأتي بالكلمة ويستعرض معانيها على التوالي، كأن
يقول:
"الهادي من كل شيء: أوّله.
والهادي: الدليل.
والهادي: العصا".
وهكذا يفعل بكل الكلمات التي أتي بها في كتابه ومجموعها تسع
وأربعون ومائة كلمة.
وطبيعي أن يكون الشبه بين هذا الكتاب وكتب الوجوه والنظائر
القرآنية قويا. ذلك أن جميعها يهتم بمعاني اللفظ.
ولعل الفرق بينهما أن الصنف الثاني منهما يتقيد بالمعاني
القرآنية في حين أن الصنف الأول يجمع بينها وبين غيرها من
المعاني التي يستعمل فيها اللفظ بصفة عامة. أما الميدان الثاني
الذي تابع العلوم القرآنية في ميدان الوجوه والنظائر فهو ميدان
الشعر.
فقد ظهر كتاب الأشباه والنظائر للخالديّين: أبي بكر محمد
(ت380/990) وأبي عثمان سعيد (ت390-391/1000) ابني هشام. وهما
شاعران من الموصل. وقد جاء في مقدمة الكتاب، أن الغرض منه
"إبراز" فضل السَّبق إلى المعاني الشعرِّية للمتقدمين
والمخضرمين، وذلك بعقد المقارنة بينهم وبين المحدثين عن طريق
التتَّبّع، وإيراد الأشباه والنَّظائر للمعاني المختلفة من
كلام هؤلاء وهؤلاء".
ونحن، وإن لم نكن بالضّبط هنا إزاء تآليف قد حذت كتب الوجوه
والنظائر القرآنية، فإنّ الشَّبه بينهما كبير. فقد اهتمّ هذا
الكتاب بالنظائر. ولم يهتمّ بالوجوه. وذلك راجع إلى طبيعة
المادّة المبحوث فيها. فإن كتب الوجوه والنظائر القرآنية،
تنطلق من اللَّفظة لتعدّد معانيها، ثم تعمد إلى ذكر النظائر
الواردة منها في القرآن.
ولعلّ شيئا من هذا المعنى يمكن العثور عليه في كتاب الأشباه
والنظائر في الشعر، إن اعتبرنا الكيفيات المختلفة الَّتي وقع
بها تناول معنى معيَّن عن طريق الحرف.
(1/41)
أمَّا الميدان الثَّالث الَّذي ظهرت فيه
كتب النظائر فهو ميدان الفقه. وقد تأخر صدور المؤلفات فيه
نسبيّاً. فقد اعتبر السيوطي بأن أوّل من فتح هذا الباب عزّ
الدين بن عبد السلام (ت 660/1262) في قواعده الكبرى والصّغرى.
وتتضمَّن هذه الكتب أبوابا تشكِّل مسائل، يدرج فيها الفقيه
النظائر الَّتي يمكن إدخالها تحت ذلك الباب.
وقد ألَّف في النَّظائر الفقهية كثيرون من الفقهاء من المذاهب
المختلفة.
أمَّا الميدان الرابع الَّذي اهتم بالتأليف في النظائر فهو
ميدان النحو.
وصلنا في ذلك كتاب: الأشباه والنَّظائر النَّحوية للسيّوطي
(ت911/1505) . فذكر في مقدمته أنَّه لم يُسبق إلى التَّأليف في
هذا الميدان الَّذي يشتمل على القواعد النَّحوية ذوات الأشباه
والنظائر.
وصرّح المؤلف بأنَّه قد تأسَّى في عمله هذا بعمل الفقهاء:
"واعلم أنّ السَّبب الحامل لي على تأليف ذلك الكتاب الأوّل،
أني قصدت أن أسلك بالعربية سبيل الفقه فيما صنعه المتأخرون
وألّفوه من كتب الاشباه والنظائر.
(1/42)
|