التصاريف لتفسير القرآن مما اشتبهت أسمائه وتصرفت معانيه

تفسير الجهاد على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: الجهاد يعني الجهاد بالقول
وذلك قوله في سورة الفرقان {فَلاَ تُطِعِ الكافرين وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبيراً} يعني بالقول. وقال في براءة: {ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين} فجاهد المنافقين بالقول. وقال في سورة التحريم: {ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ} يعني جاهد المنافقين بالقول والغلظة عليهم.

الوجه الثاني: الجهاد يعني القتال بالسلاح
وذلك قوله في سورة النساء: {لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين} يقول: المقيمون عن الجهاد، {والمجاهدون فِي سَبِيلِ الله} يعني الَّذين يغزون ويقاتلون في سبيل الله. قال: {فَضَّلَ الله المجاهدين} الَّذين يقاتلون في سبيل الله {دَرَجَةً} . قَال: وَ {فَضَّلَ الله المجاهدين} الَّذين يقاتلون في سبيله، {عَلَى القاعدين} يعني المقيمين، {أَجْراً عَظِيماً} . وقال في براءة: {ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار} يعني بالسيف. وقال في التحريم: {ياأيها النبي جَاهِدِ الكفار} بالسيف.

(1/332)


الوجه الثالث: جهاد يعني عملا
وذلك قوله في سورة العنكبوت: {وَمَن جَاهَدَ} يعني ومن عمل الخير، {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} فإنما يعمل لنفسه، له نفع ذلك. وقال أيضا {والذين جَاهَدُواْ فِينَا} يعني عملوا لنا، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ} . وقال في سورة الحج: {وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ} يعني اعملوا لله حقَّ عمله.

(1/333)


تفسير المستضعفين على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: المستضعفون يعني المقهورين
وذلك قوله في سورة النساء: {قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض} يعني كُنّا مقهورين في أرض مكة. وقال أيضا: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والمستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان} ، يَقُول: ما لكم لا تقاتلون عن المستضعفين، يعني المقهورين من الرِّجال والنساء والولدان. / وقال في طسم القصص {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} يعني يقهر طائفة منهم، [وهم من بني إِسرائيل فيستعبدهم] . وقال أيضاً: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} ، قُهِرُوا في الأَرْضِ يعني أرض مصر، {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ... .} ، {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ ... } مقهورين في أرض مكة.

الوجه الثاني: المستضعفون يعني الضعفاء، الاتباع للقادة في الفكر
وذلك قوله في سورة سبأ {يَقُولُ الذين استضعفوا} يعني الأَتباع من الكفار {لِلَّذِينَ

(1/334)


استكبروا} يعني القادة {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} ، {قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا} يعني قَالت القادة للأَتباع: {أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الهدى بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} يَعْنِي الأَتْبَاع قَالُوا للَّذين استكبروا، يعني القادة {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} إِلى آخر الآية.

الوجه الثالث: المستضعفون يعني: العجزة
وذلك قوله في سورة النساء: {إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان} يعني العجزة لا قوة لهم. قال في براءة: {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء} يعني العجزة الذين لا قوة لهم. {وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} .

(1/335)


تفسير أول على أربعة وجوه
الوجه الأول: أول يعني أول من كفر بالنبي من اليهود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وذلك قوله في سورة البقرة ليهود المدينة: {وَلاَ تكونوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} يعني أوَّلَ مَنْ كَفَرَ بِالنبِيِّ قال: {وَإِيَّايَ فاتقون} .

الوجه الثاني: أول يعني أول من آمن بالله من أهل مكة
وذلك قول النبي عليه السلام في الزخرف: {قُلْ إِن كَانَ للرحمان وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} يعني أول الموحدين لله من أهل مكة. وقال في سورة الأَنعام: {قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} يعني من أهل مكة. ونظيرها في آخر سورة الأَنعام {وَأَنَاْ أَوَّلُ المسلمين} من أهل مكة. وقال في سورة الزمر: {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} يعني مِنْ أهل مَكَّة.

الوجه الثالث: أول يعني أول من آمن أن الله لا يرى في الدنيا
وذلك قوله لموسى في سورة الأَعراف حين قال: {رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ولاكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تجلى

(1/336)


رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} يعني تبت من قوله {أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} ، {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} يعني المصدقين بأنك لا تُرى في الدنيا.

الوجه الرابع: أول المؤمنين من بني إسرائيل
فذلك قول السحرة في طسم الشعراء بعدما أسلموا حين أوعدهم فرعون بالقتل: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ المؤمنين} يعني أن كنَّا أول المصدّقين من بني إِسرائيل بما جاء به موسى.

(1/337)


تفسير قليل على ستة وجوه
الوجه الأول: قليل يعني يسيرا
وذلك قوله في سورة البقرة {لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} يعني عرضا من الدنيا يسيرا. وقال في آخر آل عمران: {واشتروا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} يعني يسيرا.

الوجه الثاني: قليل يعني رياء وسمعة
وذلك قوله في سورة الأَحزاب: {وَلاَ يَأْتُونَ البأس إِلاَّ قَلِيلاً} يعني رياء وسَمْعة. وقال في سورة النساء للمنافقين: {وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً} يعني رياء وسمعة.

الوجه الثالث: قليل يعني لا شيء
وذلك قوله في سورة الأَعراف: {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} يعني أنهم لا يشكرون البتة. وقال في تبارك: {قُلْ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} يعني أنهم لا يشكرون. وقال في سورة الحاقة: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} يعني أنهم لا يؤمنون، قال: {وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} يعني لا يذكَّرون.

(1/338)


الوجه الرابع: قليل يعين القليل من الكثير
وذلك قوله في قول فرعون، في طسم الشعراء لموسى ومن معه {إِنَّ هاؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} يعني هم قليل في كثير. وكان أصحاب موسى ستمائة ألف، وفرعون وأصحابه ستة آلاف ألف. وقال في سورة النساء: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} يعني أقلهم.

الوجه الخامس: قليل يعني ثلاثمائة وثلاثة عشرة
وذلك قوله في سورة البقرة لأَصحاب طالوت {إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} إِلى قوله: {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} يعني ثلاثمائة وثلاثة عشر كعدد أصحاب النَّبي يوم بدر.

الوجه السادس: القليل يعني ثمانين
[القليل يعني ثمانين فذلك قوله في] سورة هود لأصحاب سفينة نوح: {وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} مع نوح إِلاَّ ثمانون نفسا، أربعون رجلا وأربعون امرأة.

(1/339)


تفسير قضى على عشرة وجوه
الوجه الأول: قضى يعني وصّى
وذلك قوله في سورة بني إِسرائيل: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ} يعني وصَّى ربّك ألا تعبدوا إِلاَّ إياه. وقال في طسم: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر} يعني عهدنا إلى موسى فأوصيناه [بالرسالة] إِلى فرعون وقومه.

الوجه الثاني: قضى يعني أخبر
وذلك قوله في بني إسرائيل: {وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب} يعني في التَّوْرَاةِ {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ} يعني أخبرنا بني إِسرائيل. وقال في سورة الحجر: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} يعني عهدنا إلى لوط فأخبرناه {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} .

الوجه الثالث: قضى يعني فرغ
وذلك قوله في سورة البقرة: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ} يعني إِذا فرغتم من أمر مناسككم. كقوله في سورة النساء: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة} يعني إِذا فرغتم. وقال في سورة الجمعة:

(1/340)


{فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة} يعني فإذا فرغتم من صلاة الجمعة المكتوبة {فانتشروا فِي الأرض} . وقال في سورة الأَحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن} إِلى قوله {فَلَمَّا قُضِيَ} يعني فلما فرغ النبيِّ من قراءة القرآن {وَلَّوْاْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} .

الوجه الرابع: قضى يعني فعل
وذلك قوله في طه في قول السّحرة حين آمنوا، قالوا لفرعون: {فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ} يقولون: افعل في أمرنا ما أنت فاعل {إِنَّمَا تَقْضِي هاذه الحياة الدنيآ} يعني إِنما تفعل في هذه الحياة الدنيا. وقال في سورة الأَنفال: {لِّيَقْضِيَ الله أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} يعني ليَفْعَل اللهُ أمْرًا كَانَ قَدْ شَاءَهُ في عِلْمِهِ أن يُفعَل. وقال في سورة آل عمران في أمر عيسى: {إِذَا قضى أَمْراً} إِذا فعل أمرا كان في عمله أن يفعله، {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . نَظِيرُهَا في سورة مريم. وقال في سورة الأَحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} يعني إِذا فعل الله ورسوله أمرا، يعني شيئا فِي أمْرِ تزويج زينب، {أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ} .

الوجه الخامس: قضى يعني النزول
وذلك / [قوله في الزخرف] :

(1/341)


{يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [يعنون الموت. وقال في] سورة الملائكة: {لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} يعني لا ينزل بهم الموت فيَموتوا. وقال في سورة سبأ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت} يعني فلما أنزلنا عليه الموت. وقال في طسم القصص: {فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ} يعني فأنزل به الموت.

الوجه السادس: قضى يعين وجب فوقع
وذلك قوله في هود: {وَقُضِيَ الأمر} يعني وجب العذاب فوقع بقوم نوح. وقال في سورة مريم: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة إِذْ قُضِيَ الأمر} يعني إِذْ وجب العذاب فوقع بأهل النار. وَقَالَ: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} . وقال في سورة إِبراهيم: {وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر} يعني لما وجب العذاب، فوقع بأهل النَّار. وقال في سورة يوسف: {قُضِيَ الأمر الذي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} يعني وجب، وقع الأَمر الذي فيه تستفتيان. وقال في سورة البقرة: {فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة وَقُضِيَ الأمر} يعني وجب، وقع.

الوجه السابع: قضى يعين كتب
وذلك قوله في مريم في أمر عيسى: {وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} يعني كان عيسى امرا من الله مكتوبا في اللوح المحفوظ أنه يكون.

(1/342)


الوجه الثامن: قضى يعني تم
وذلك قوله في سورة القصص: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} يعني أتَمّ موسى شرطه {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} كَقَوْلِهِ: {أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ} يعني أتممت. وقال في سورة الأَنعام: {ثُمَّ قضى أَجَلاً} يعني أتم أجلا، {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ} . كقوله في طه: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن مِن قَبْلِ أَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} يعني لا تعجل بالقرآن من قبل أن ينزل الله جبريل بالوحي. وقال في سورة الأَحزاب: {فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} يعني أتمّ أجله.

الوجه التاسع: قضى يعني فصل
وذلك قوله في سورة الزمر: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يعني وفصل بينهم بالحقّ وهم لا يظلمون. وقال في سورة الأَنعام: {قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمر بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} يعني لَفُصِل الأَمر بيني وبينكم بالعذاب. وقال في سورة يونس: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بالقسط} / يعني فُصِل بينهم بالعدل، {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} . وَقَال في يونس {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} يعني يفصل بينهم، [ {يَوْمَ القيامة] فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .

الوجه العاشر: قضى يعني خلق
وذلك قوله في حمالسّجدة: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} يعني فخلقهن سبع سماوات في يومين.

(1/343)


تفسير يسير على ثلاثة وجوه
الوجه الأول: يسير يعني هيِّنا
وذلك قوله في سورة الحج: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السمآء والأرض إِنَّ ذلك فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} الذي فيه العلم على الله يسير، يعني هيّنا حين كتبه. وقال في سورة الحديد: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} المصيبات في اللوح المحفوظ، {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ} يعني عليه هيّن. وقال في سورة الملائكة: {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ} يعني هينا عليه، وليس شديدا عليه.

الوجه الثاني: يسير يعين خفيّا
وذلك قوله في سورة الفرقان: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً} يعني خفيّا.

الوجه الثالث: يسير يعني سريعا
وذلك قوله في سورة يوسف: {وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلك كَيْلٌ يَسِيرٌ} يعني سريعا.

(1/344)


تفسير ضلال على ثمانية وجوه
الوجه الأول: ضلال يعني هو الكفر
فذلك قوله في النِّساء حكاية قول إِبليس {وَلأُضِلَّنَّهُمْ} يعني لأُغوينهم عن الهدى فيكفروا، كقوله في يس {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً} يقول: لقد أغوى إِبليس منكم خلقا كثيرا فكفروا. وقال في الصَّافات: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين} فكفروا. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: الضلال يعني الاستذلال
فذلك قوله في النساء للنبي صلى الله عليه وعلى آله: {لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ} يعني أن يستذلوك عن الحق. وقال في ص لداود: {فاحكم بَيْنَ الناس بالحق وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله} يعني فيستزلك الهوى عن طاعة الله في الحكم / من غير كفر] .

الوجه الثالث: ضلال يعني خسارا
وذلك قوله في حمالمؤمن: {وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} يعني في خسار. وقال في يس:

(1/345)


{إني إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} يعني في خسران بيّن. وقال في سورة يوسف فِي قَوْلِ أبْنَاءِ يَعْقُوب لأَبيهم: {إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} يعنون خسرانا مبينا بيّنا من حب يوسف. وقال فيها أيضا: {قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم} يعني خسرانك القديم من حبّ يوسف. وقال أيضا: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المدينة} إِلى قوله: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} يعني خسرانا بينا من حب يوسف.

الوجه الرابع: ضلال يعني شقاء
وذلك قوله في تبارك: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ} يعني في شقاء طويل. وقال في اقتربت: {إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} يعني شقاء، وَقَالَ: {إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} يعني في شقاء وعناء. وقال في سبأ: {بَلِ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة فِي العذاب والضلال البعيد} يعني الشقاء الطويل.

الوجه الخامس: ضلال يعني إبطالا
وذلك قوله في سورة محمّد: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [يعني أبطل الله] أعمَالهم.

(1/346)


وقال فيها أيضا: {والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله [فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} يعني لن يبطل أعمالهم] . وقال في سورة الكهف [ {الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحياة الدنيا} يعني بطل عملهم في الحياة الدنيا.

الوجه السادس: ضلال يعني جهالة
فذلك قوله في الفرقان: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} يعني أخطأ طريقا. مثلها في الأَعراف. وقال أيضاً في الفرقان: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} يعني أخْطأ طريقا. وقال في الأَحزاب: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً} يعني أخطأ خطأ طويلا. وقال في النِّساء: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} يعني لئلاَّ تخطئوا قسمة المواريث.

الوجه السابع: ضلال يعني جهالة
فذلك قول موسى في الشُّعراء: {قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين} يعني فعلتها وأنا من الجاهلين.

الوجه الثامن: ضلال يعني النسيان
فذلك قوله] / في البقرة: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا} يعني أن تنسى الشَّهادة، {الأخرى} .

(1/347)


تفسير آية على وجهين
الوجه الأول: آية يعني عبرة
وذلك قوله في سورة المؤمنون: {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} يعني عبرة. وقال في سورة العنكبوت: {فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} يعني عبرة للعالمين. وقال: {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً} . قال مجاهد: عبرة وقال في سورة النَّحل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} يعني لعبرة.

الوجه الثاني: آية يعني علامة
وذلك قوله في يس: {وَآيَةٌ لَّهُمْ} يعني وعلامة لهم، {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون} . وقال في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ} يعني ومن علامات الرّبّ أنه واحد، {أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} . وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ} يعني ومن علامات الرّبّ أنه واحد فاعرفوا توحيده في صنعه، {أَن تَقُومَ السمآء والأرض بِأَمْرِهِ} يعني بغير عَمَد. {وَمِنْ آيَاتِهِ}

(1/348)


يعني ومن علامات الرّبّ أَنَّه واحد، فاعرفوا توحيده في صنعه، {أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} . وقال في البقرة: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت} وقَالَ في آل عمران: {قَالَ رَبِّ اجعل لي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ} . وقال في مريم: {ثَلاَثَ لَيَالٍ} .

(1/349)


تفسير يوم على أربعة وجوه
الوجه الأول: يوم يعني الأيام الستة التي خلق الله فيهن الدنيا
وذلك قوله في حمالسَّجدة: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ} وقال: {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} . ثم قال: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} ، وذلك ستَّة أيّام. وذلك قوله في تنزيل السَّجدة: {الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} . وذلك قوله في سورة الحجِّ: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} .

الوجه الثاني: يوم يعني أيام الدنيا
وذلك قوله في تنزيل السّجدة: {يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ} من أيَّام الدُّنيا، قال: {كَانَ مِقْدَارُهُ} يعني مقدار نزول جبريل وصعوده إِلى السّماء، {أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} لغير جبريل.

الوجه الثالث: يوم يعني يوم القيامة
وذلك قوله في يس: {فاليوم} يعني في الآخرة، {لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} . وقال: {إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم} يعني في الآخرة. وقوله: {اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ}

(1/350)


يعني في الآخرة. وقوله: {اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هاذا} يعني الآخرة. وقال في حمالمؤمن: {اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} يعني في الآخرة. وقوله: {هاذا يَوْمُ الدين} هو يوم الآخرة.

الوجه الرابع: يوم يعني حين
وذلك قوله في سورة مريم في يحيى {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} يعني حين ولد، {وَيَوْمَ يَمُوتُ} وحين يموت، {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً} وحين يبعث حيّا. وكذلك قوله في عيسى لنفسه: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ} يعني حين ولدت، {وَيَوْمَ أَمُوتُ} يعني حين أموت، {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} يعني وحين أبعث حيا. وقال في النَّحل: {تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} يعني حين ظعنكم، {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} يعني وحين إِقامتكم. وقال في سورة الأَنعام: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} يعني حين كيله] .

(1/351)


تفسير الآخرة على خمسة وجوه
الوجه الأول: الآخرة يعني القيامة
فذلك قوله في المؤمنين: {وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} يعني بالبعث يوم القيامة، {عَنِ الصراط لَنَاكِبُونَ} . وقال في المفصل: {وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأولى} يعني الدُّنيا والآخرة. ونحوه كثير.

الوجه الثاني: الآخرة يعني الجنة
فذلك قوله في البقرة: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشتراه مَا لَهُ فِي الآخرة مِنْ خَلاَقٍ} يعني ما له في الجَنَّةِ من نصيب. نظيرها فيها. وقال في الزُّخرف: {والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} . وقال في القصص: {تِلْكَ الدار الآخرة} يعني الجنَّة، {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض} . وقال في عساقا: {وَمَا لَهُ فِي الآخرة} يعني الجنَّة، {مِن نَّصِيبٍ} .

(1/352)


الوجه الثالث: الآخرة يعني جهنم
فذلك قوله في الزُّمر: {يَحْذَرُ الآخرة} يعني عذاب جهنَّم، {وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ} .

الوجه الرابع: الآخرة يعني القبر
فذلك قوله في إِبراهيم: {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة} يعني وفي القبر حين يسألهم منكر ونكير.

الوجه الخامس: الآخرة يعني الأخير
فذلك قوله في ص: {سَمِعْنَا بهاذا فِى الملة الآخرة} يعني الملَّة الأَخيرة، في ملَّة عيسى، وكانت آخر الملل بعد الأُمم قبل النبي عليه السلام. وقال في بني إِسرائيل: {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة} يعني الوقت الأَخير بين العذابين الَّذِي وعدهم.

(1/353)