الحجة للقراء السبعة بسم الله الرحمن الرحيم «1»
ذكر اختلافهم في سورة آل عمران
«2»
[آل عمران: 1]
قرءوا كلّهم: الم الله [آل عمران/ 1] مفتوحة الميم والألف
ساقطة إلّا ما حدثني به القاضي موسى بن إسحاق الأنصاري «3»
قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي «4» قال: حدثنا
__________
(1) في (م): «بسم الله».
(2) في (ط): «عونك يا رب، سورة آل عمران».
(3) موسى بن إسحاق أبو بكر الأنصاري الخطمي البغدادي القاضي،
ثقة روى القراءة عن قالون وعن أبي بكر هشام الرفاعي، وهارون بن
حاتم ومحمد بن إسحاق المسيبي. روى عنه القراءة أبو بكر بن
مجاهد .. مات سنة سبع وتسعين ومائتين. طبقات القراء 2/ 317.
(4) هو محمد بن يزيد بن رفاعة بن سماعة. الكوفي القاضي، إمام
مشهور، أخذ القراءة عرضا عن سليم، وروى الحروف سماعا عن الأعشى
وحسين بن علي الجعفي، ويحيى بن آدم ... له كتاب في القراءات.
ومما انفرد به عن الكسائي: إشمام «الصراط» و «ملك يوم الدين»
بغير ألف لم يروه عنه غيره. روى القراءة عنه موسى بن إسحاق
القاضي وغيره ... قال أبو العباس السراج:
مات آخر يوم من شعبان ببغداد، وكان قاضيا عليها سنة ثمان
وأربعين ومائتين، وقال البخاري يوم الأربعاء منسلخ شعبان انظر
طبقات القراء 2/ 280 - 281.
(3/5)
يحيى بن آدم «1» عن أبي بكر «2» عن عاصم
أنّه قرأ (الم) ثم قطع وابتدأ (الله) ثم سكّن فيها. قال يحيى
بن آدم وآخر ما حفظت عنه (الم الله) مثل حمزة.
[حدثنا ابن مجاهد قال] «3»: حدثنا موسى بن إسحاق قال:
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: سمعت أبا يوسف الأعشى «4» قرأها
على أبي بكر (الم) ثم قطع فقال: (الله) بالهمز.
__________
(1) يحيى بن آدم بن سليمان بن خالد بن أسيد أبو زكريا الصلحي،
سبقت ترجمته في 1/ 377.
(2) وأبو بكر هذا الذي يروي عنه يحيى: هو ابن عياش بن سالم
الحناط الأسدي النهشلي الكوفي راوي عاصم. واختلف في اسمه على
ثلاثة عشر قولا أصحها «شعبة» ولد سنة خمس وتسعين وعرض القرآن
على عاصم ثلاث مرات وعلى عطاء بن السائب، وأسلم المنقري ..
وعمّر دهرا، إلّا أنّه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنين وقيل
بأكثر. وكان إماما كبيرا عالما عاملا وكان يقول أنا نصف
الإسلام. وكان من أئمة السنة. قال أبو داود حدثنا حمزة بن سعيد
المروزي، وكان ثقة، قال: سألت أبا بكر بن عياش:
وقد بلغك ما كان من أمر ابن عليّة في القرآن؟ قال: ويلك! من
يزعم أنّ القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق، عدوّ لله، لا
نجالسه ولا نكلمه، وروى يحيى بن أيّوب عن أبي عبد الله النخعي،
قال: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة وكذا قال يحيى
بن معين ... ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك!؟
انظري إلى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة. توفي
في جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وقيل سنة أربع وتسعين
انظر طبقات القراء 1/ 325 - 327.
(3) ما بين معقوفين سقط من (ط).
(4) هو يعقوب بن محمد بن خليفة بن سعيد بن هلال أبو يوسف
الأعشى التميمي الكوفي، أخذ القراءة عرضا عن أبي بكر شعبة وهو
أجلّ أصحابه ...
روى عنه محمد بن يزيد الرفاعي [أبو هشام] توفي في حدود
المائتين. انظر طبقات القراء 2/ 390.
(3/6)
حدثنا ابن مجاهد قال: حدثني محمد بن الجهم
«1» عن ابن أبي أمية «2» عن أبي بكر عن عاصم الم «3» جزم، ثم
ابتدأ ألله.
[حدثنا ابن مجاهد قال] «4»: حدثني أحمد بن محمد ابن صدقة «5»
قال: حدثنا أبو الأسباط «6» عن عبد الرحمن بن أبي حماد «7» عن
أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: (الم الله) بتسكين
__________
(1) محمد بن الجهم بن هارون، أبو عبد الله السمّري، بكسر السين
المهملة- وفتح الميم المشدّدة- البغدادي الكاتب، شيخ كبير،
إمام شهير، أخذ القراءة عرضا عن عائذ بن أبي عائذ صاحب حمزة،
وروى الحروف سماعا عن خلف البزار وغيره ... وسمع كتاب المعاني
من الفراء. روى القراءة عنه الحسن بن العباس الرازي ... وابن
مجاهد. مات ببغداد سنة ثمان ومائتين. انظر طبقات القراء 2/
113.
(2) هو عبد الله بن عمرو بن أبي أمية، أبو عمرو البصري، نزيل
الكوفة، روى القراءة عن أبي بكر [بن عياش] عن عاصم، وروى عنه
القراءة روح بن عبد المؤمن ... ومحمد بن الجهم، شيخ ابن مجاهد.
انظر طبقات القراء 1/ 438. تنبيه: وقع في ترجمته ما يلي: روى
القراءة عن أبي بكر بن عاصم، كذا: ابن عاصم والصواب عن عاصم.
ولعلّه خطأ من الطبع.
(3) رسمها في (ط) هكذا: آلميم.
(4) ما بين المعقوفتين ساقطة من (ط).
(5) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة، أبو بكر البغدادي،
مشهور ثقة، قرأ على إبراهيم بن محمد بن إسحاق صاحب قالون ...
روى القراءة عنه محمد بن يونس وابن مجاهد ... انظر الطبقات 1/
119.
(6) ذكره في طبقات القراء 1/ 173 برقم 812، ولم يزد على قوله:
«أبو الأسباط المعلم» وذكره في ترجمة ابن أبي حماد كذلك. انظر
الترجمة الآتية.
(7) عبد الرحمن بن أبي حماد هو: عبد الرحمن بن سكين، أبو محمد
بن أبي حماد الكوفي، صالح مشهور، روى القراءة عرضا عن حمزة ..
وعن أبي بكر بن عياش وأخذ القرآن عنه تلاوة روى القراءة عنه
الحسن بن جامع ..
(3/7)
الميم وقطع الألف. [حدثنا ابن مجاهد قال]
«1»: حدثني محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: قرأ عاصم: الم جزم
[و] «2» الله مقطوع. والمعروف عن عاصم الم الله موصولة. و «3»
حفص عن عاصم الم (صل) الله مفتوحة الميم غير مهموزة الألف «4».
قال أبو علي: اتفاق الجميع على إسقاط الألف الموصولة في اسم
الله وذاك «5» أن الميم ساكنة كما أن سائر حروف التهجي مبنية
على الوقف فلمّا التقت الميم الساكنة، ولام التعريف حرّكت
الميم بالفتح للساكن الثالث الذي هو لام المعرفة «6». والدّليل
على أنّ التحريك للساكن الثالث- وهو مذهب سيبويه- أن حروف
التهجي يجتمع فيها الساكنان «7» نحو كهيعص «8» [مريم/ 1] وحم
عسق «9» وذلك أنّها مبنيّة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد
كذلك فحرّكت الميم للساكن
__________
وأبو الأسباط المعلم، وعلي بن حمزة الكسائي انظر طبقات القراء
1/ 369 - 370.
(1) سقط ما بين المعقوفتين من (ط).
(2) زيادة من السبعة.
(3) في (م): حفص، بإسقاط الواو.
(4) السبعة ص 200.
(5) في (ط): ذاك على.
(6) في (ط): التعريف.
(7) انظر الكتاب 2/ 275.
(8) كذا في (ط) وفي (م): «كهيعين صاد» وما أثبتناه من (ط)
ينسجم مع رسم المصحف.
(9) كذا في (ط) وفي (م) «حميم .. ».
(3/8)
الثالث بالفتح كما حرّكت النون في قوله: من
الله [آل عمران/ 15] ومن المسلمين [يونس/ 72] ومن البقر اثنين
[الأنعام/ 144] بالفتح لالتقاء الساكنين.
فأمّا ما روي عن عاصم من قطعه الألف، فكأنّه قدّر الوقوف على
الميم، واستأنف (الله)، فقطع الهمزة للابتداء بها. والوجه ما
عليه الجماعة، وما وافقهم هو أيضا عليه، من أنّ
الهمزة تسقط في الوصل، فإذا سقطت لم يجز أن تلقى لها حركة على
ما قبلها.
والّذي حكاه سيبويه من قولهم: ثلاثة اربعة «1»، لم تحمل عليه
هذه الآية، ألا ترى أنّه ذهب إلى أنّ الحركة فيها لالتقاء
الساكنين، وأنّه في الفتح لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله:
من الله.
وأمّا ما حكاه بعض البغداديين من قوله: مريب الذي جعل [ق/ 25/
26]. فإنّه حرّك النّون بالفتح كما حرّك في قولهم: من الله به.
ولا يجوز أن تكون الفتحة لهمزة الوصل ألقيت على النون، لأنّ
الهمزة إذا أوجب الإدراج إسقاطها «2» لم تبق لها حركة تلقى على
شيء، ولم يأت في نحو هذا عنهم شيء فيما علمناه، كما جاء (ثلاثة
اربعة).
__________
(1) ضبطها في (م) بالسكون وفوقها فتحة كما أثبتناه ثم كتب فوق
الكلمة «صل» ولم يشر في (ط) إلى شيء من ذلك بل اكتفى بتحريك
الهاء بالفتح، وضبط كلمة «أربعة» بسكون الباء.
(2) في (ط): بإسقاطها.
(3/9)
[آل عمران:، 3]
اختلفوا في إمالة الرّاء وفتحها من التوراة «1» [آل عمران/ 3].
فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: (التوراة) مفخّما «2».
وكان نافع وحمزة يلفظان: بالراء بين الفتح والكسر، وكذلك كانا
يفعلان بقوله تعالى «3»: مع الأبرار «4» [آل عمران/ 193] ومن
الأشرار [ص/ 62] ومن قرار [إبراهيم/ 26] وذات قرار [المؤمنون/
50] إذا كان الحرف مخفوضا.
وقال ابن سعدان عن المسيّبي عن نافع: الراء مفتوحة، وكذلك قال
ابن المسيبي عن نافع. وقال ورش عن نافع:
(التّورية)، بكسر الراء وكان أبو عمرو والكسائي يقرءان:
(التورية) مكسورة الراء ويميلان هذه الحروف أشد من إمالة حمزة
ونافع أعني: (الأبرار) و (من قرار) وما أشبه ذلك. ابن عامر يشم
الراء الأولى من (الأبرار) الكسر «5».
قال أبو علي: قالوا ورى الزند، يري، إذا قدح ولم يكب «6»،
وقالوا ورى وأوريته، وفي التنزيل: فالموريات قدحا [العاديات/
2] وفيه: أفرأيتم النار التي تورون [الواقعة/ 71]. فأمّا
قولهم: وريت بك زنادي على مثال شريت، فزعم
__________
(1) رسمها في (ط): «التورية».
(2) في (م): «مفخّم» وما أثبتناه من (ط) ومن السبعة.
(3) سقطت من (ط).
(4) هذه الآية الكريمة وردت في (م) و (ط) سهوا: «من الأبرار»
بدل «مع الأبرار» وقد أثبتنا نص الآية الكريمة كما هي في سورة
آل عمران وتوفنا مع الأبرار.
(5) السبعة ص 201.
(6) في (م): ينب. وفي اللسان: كبا الزّند: لم يور. ولم يورد
(اللسان) هذا المعنى في (نبا) وفيه: نبا السيف: كلّ.
(3/10)
أبو عثمان: أنّه استعمل في هذا الكلام فقط
لم يجاوز به غيره. وقال أبو زيد: ورى النّقي، يري، وريا: إذا
كثر ودكه، قال: والواري: الكثير الودك. والوراء في اسم الجهة
التي هي خلاف الأمام ليس من هذا، لأنّ تحقيره: وريئة، مثل
وريعة.
وألحقت الهاء في تحقيرها، وإن كانت على أربعة أحرف كما ألحقت
في قديديمة.
فأمّا الوراء: لولد الولد فيمكن أن يكون من هذا وقيل له:
وراء، كما قيل له: نجل.
وأنشد أبو زيد «1»:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم «2» * أمّ الهنيبر من زند لها
واري
__________
(1) في النوادر، وقبله آخر للقتال الكلابي، وهو ملفق من بيتين
انظرهما عند العسكري- قال:
أمّا الإماء فلا يدعونني ولدا ... إذا ترامى بنو الإموان
بالعار
والبيت من قصيدة في النوادر ص 190 (طبعة الفاتح)، والتصحيف
للعسكري ص 129 - 130 والتنبيه على حدوث التصحيف ص 87، وروي
البيت عن الفراء: «أم الهنيبن» مكان «أم الهنيبر» قال في
التنبيه: فقال [التّوزيّ] له:
إنّما ينشد أصحابنا «أم الهنيبر» وهي الضبع فقال: هكذا أنشدنيه
الكسائي، فأحال تصحيفه على الكسائي، وعند العسكري جاء خبر
التصحيف هذا عن التوزي، أيضا وعن محمد بن يحيى ولكنه أشرح
وأكثر فائدة والبيت في الأغاني 23/ 332 مطلع قصيدة طويلة وذكره
المرصفي في رغبة الآمل 1/ 183 ضمن القصيدة. واللسان (هنبر)
والإنصاف 1/ 119.
والبيت الشاهد يروى: يا قاتل الله .. ، ويا قبّح الله ..
والقتال الكلابي اسمه عبيد بن المضرّجيّ
(2) في (ط): «بها».
(3/11)
قال السكري: ضرب الزّند مثلا للرحم،
والزّند: تستخرج به النار «1»، وقال أمية:
الحامل النار في الرّطبين يحملها ... حتّى تجيء من اليبسين
تضطرم
يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها ... من صلب أعمى أصمّ الصلب منقصم
«2» روى محمد بن السري أن «3» الرّطبين: هما العودان الرطبان،
يعني: الشجر الذي فيه النار، واليبسين: هما العودان اليابسان،
يعني: الزندين، يقول: تكون النار في عودين رطبين، فإذا جفا
قدحا، فجاءت النار منهما، والأعمى الأصمّ: يعني الزّند،
والزّند: الأعلى، والزندة: السفلى، وأصمّ الصّلب يعني:
العود، وأعمى: لا جوف له، يريد: يأتي بها حية للناس أي:
حياة لهم. فأمّا قولهم «4»: التّريّة: لما تراه المرأة من
الطهر [بعد الحيض] «5» فيجوز أن تكون فعيلة من الوراء، لأنّها
ترى بعد الصفرة والكدرة اللتين تريان في الحيض، وتكون فعيلة
من: ورى الزند، يري، كأنّها من خروجها من الطهر بعد الحيض،
فكأنّ الطهر أخرجه، والتاء في الوجهين بدل من الواو التي هي
فاء، كما أنّها في «تيقور»، و «تولج» كذلك «6».
__________
(1) في النوادر نقل هذا التفسير عن أبي حاتم وليس عن السكري.
(2) البيتان لم نعثر عليهما في ديوانه.
(3) سقطت من (م).
(4) في (ط): قوله.
(5) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(6) إشارة إلى ما نقله سيبويه عن الخليل في الكتاب 2/ 356: من
أن «تيقور» من الوقار و «تولج» على وزن فوعل، فأبدلوا التاء
مكان الواو.
(3/12)
فأمّا القول في التوراة، فلا تخلو من أن
تكون فوعلة، على قول «1» الخليل: في تولج «2»، أو تفعلة مثل
تتفلة، أو تفعلة بالكسر وفتح العين كما فتح في: ناصاة «3»،
فممّا يدلّ على أنّها فوعلة، ليست تفعلة، مثل تتفلة، وتألب،
أنّ هذا البناء يقلّ، وأنّ فوعلة في الكثرة بحيث لا يتناسبان،
ولا إشكال في أن الحمل على الأكثر الأشيع أولى من الحمل على
خلافه.
ويدلّك على ذلك أن التاء لم تكثر زائدة أوّلا كما لم تكثر
النون أوّلا، فكما أنّ النون إذا جاءت أولا في نحو نهشل ونعثل
«4»، لا يحكم بزيادتها، لقلتها زائدة. أوّلا، كذلك لا يحكم
بزيادة التاء.
فإن قلت: إنك إذا جعلته فوعلة، حكمت بإبدال الفاء التي هي واو:
تاء، وإذا حكمت بزيادة التاء لم تجعلها «5» بدلا، ولكنك جعلتها
التاء التي زيدت في الكلمة «6»، قيل:
ليس هذا باعتراض لأنّ الواو إذا كانت أوّلا فقد استمرّ البدل
«7»
__________
(1) في (ط): على قياس قول.
(2) انظر التعليق رقم (6) في الصفحة السابقة وسيبويه 2/ 356.
(3) الناصاة والناصية بمعنى وهي لغة طيئية، قصاص الشعر في مقدم
الرأس.
انظر اللسان/ نصا/.
(4) النهشل: المسن المضطرب من الكبر. والنعثل: ضرب من المشي
وهو من التبختر. انظر اللسان نهشل/ نعثل.
وفي (ط): نهصل بدل نعثل.
(5) في (ط): لم تجعله.
(6) في (ط): في أوّل الكلمة.
(7) في (ط): زيادة البدل.
(3/13)
فيها نحو وجوه، وأجوه، ووقّتت، وأقّتت،
ووشاح، وإشاح ووفادة، وإفادة، ووجم، وأجم، ووناة وأناة، فإذا
اجتمعا «1» لزم الأول منهما البدل إمّا همزة وإمّا تاء،
فالهمزة نحو الأولى في فعلى من الأول، وأواق في جمع واقية. وقد
أبدلت التاء من الواو إذا كانت مفردة أوّلا نحو تيقور من
الوقار، فهذا فيعول، وليس بتفعول كتعضوض «2»، ألا ترى كثرة
فيعول نحو سيهوج «3»، وسيهوب «4»، وديقوع «5». وقد أبدلت تاء
أولى مفردة في نحو: تجاه، وتراث، وتخمة، وتكلان «6»، وزعم أبو
عثمان أنّ إبدال نحو تخمة، مضطرد، وقال أبو الحسن:
ليس بمطرد.
فإذا كثر إبدال التاء من الواو أوّلا، هذه الكثرة، كان حملها
على هذا الكثير أولى من حملها «7» على ما لم يكثر، ولم يتسع
هذا الاتساع. ولا يقرب حملها أيضا على تفعلة لأنّه لا يخلو من
أن تجعلها اسما نحو: تودية، أو مصدرا نحو:
توصية، فأمّا باب تودية فقليل، كما أنّ تفعلة كذلك، وباب توصية
فيه اتساع وحمل على لغة لم نعلم منها شيئا في
__________
(1) في (ط): وإذا اجتمعت.
(2) التعضوض: تمر أسود حلو، واحدته بهاء انظر القاموس «عضضته».
(3) في اللسان (سهج) ريح شديدة.
(4) سيهوب: لم أجده في المعاجم التي بين يدي.
(5) في القاموس (دقع): جوع أدقع وديقوع: شديد.
(6) في (ط): وتكأة.
(7) في (ط): حمله.
(3/14)
التنزيل، فإذا لم يكن هذان الوجهان
بالسهلين حملته على فوعلة دونهما للكثرة، ألا ترى أن نحو
صومعة، وحوجلة ودوسرة، وعومرة «1»، قد كثر؟.
ومن لم يمل التوراة. فلأنّ الراء حرف يمنع الإمالة، لما فيه من
التكرير، كما يمنعها «2» المستعلي، فكما أنّ الراء لو كان
مكانها مستعل مفتوح لم تحسن الإمالة، كذلك إذا كانت الراء
مفتوحة. وأيضا فإنّ ما بعد الواو من توراة لو كان منفصلا لم
تكن فيه الإمالة كذلك إذا كان متصلا.
وقول من أمال: إنّ الألف لما كانت رابعة لم تخل من أن تشبه ألف
التأنيث أو الألف المنقلبة عن الياء أو عن الواو.
وألف التأنيث تمال وإن كان قبلها مستعل كقولهم: فوضى وجوخى.
فكما أمالوا المستعلية معها كذلك يميلون الراء، وإذا أمالوا
نحو صغا «3»، وضغا «4»، وشقا «5» مع أنّ الواو تصحّ في هذا
البناء الذي على ثلاثة أحرف فأن يميلوا فيما لا تصحّ الواو معه
أجدر.
__________
(1) في (ط) وعومرة وجوهرة.
(2) في (ط): يمنعه.
(3) في القاموس (صغا) يصغو ويصغى صغوا، وصغي يصغى صغا وصغيّا:
مال. وصغوه وصغوه معك: أي: ميله.
(4) في القاموس (ضغا) استخذى، ضغوا وضغاء.
(5) في (م): سقا.
(3/15)
وممّا يقوّي ذلك أنّهم قد أمالوا اسم
المفعول «1» إذا كان فيه مستعل، نحو معطا، وإذا أمالوا مع
المستعلي كانت الإمالة مع الراء أجود، لأنّ الإمالة على الراء
أغلب منها على المستعلي، ألا ترى أنّه قد حكى «2» الإمالة في
نحو عمران ونحو فراش، وجراب، ولو كان مكان الراء المستعلي لم
تكن فيها «3» إمالة؟. وممّا يقوّي الإمالة في الراء من توراة
أنّهم قد قالوا: رأيت علقا، وعرقا، وضيقا، فأمالوه للتشبيه
بألف حبلى إلّا أنّ الأول من هذه الحروف مكسور وليس من التوراة
كذلك والإمالة في فتحة الراء نحو الكسرة في نحو: مع الأبرار
«4» [آل عمران/ 193] ومن قرار «5» [إبراهيم/ 26] أقوى منها في
التوراة، وذلك أنّ الراء المكسورة قد غلبت المستعلي في نحو
قارب وغارم وطارد، فلما غلبت المستعلي مع قوته على الإمالة كان
أن تغلب الراء المفتوحة فتميل فتحها «6» إلى الكسرة
__________
(1) في الأصل: (م) و (ط) «اسم فاعل» وجاء في (م) على الهامش
«اسم مفعول» وكأنّه تصويب للفظ. وهو الصواب الذي يتفق مع ضبط
الكلمة في الأصل:
«معطا».
(2) حكاه سيبويه في الكتاب 2/ 270.
(3) في (ط) فيه.
(4) من آية كريمة في سورة آل عمران وردت في النص سهوا بلفظ (من
الأبرار) وقد أثبتنا نص الآية كما هي وتوفنا مع الأبرار. وفي
(ط): من الأشرار بدل مع الأبرار.
(5) هذه الآية من سورة إبراهيم وردت في (ط) و (م) سهوا بلفظ
(بالقرار) وقد أثبتنا نص الآية كما هي في السورة الكريمة ما
لها من قرار.
(6) في (ط): فتحتها.
(3/16)
أولى، لأنّ الراء، وإن كان فيها «1» تكرير،
صارت به كأنّها حرفان مفتوحان؛ فهي «2» بزنة حرف واحد، فلمّا
قويت على المستعلي «3» كانت على الراء المفتوحة أقوى.
[آل عمران: 13، 12]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ «4»:
سيغلبون، ويحشرون [آل عمران/ 12] ويرونهم مثليهم [آل عمران/
13].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: ستغلبون وتحشرون
بالتاء، ويرونهم بالياء.
وحكى أبان عن عاصم: ترونهم بالتاء، وفي رواية أبي بكر بالياء.
وقرأ نافع: ستغلبون، وتحشرون، وترونهم بالتاء ثلاثتهن.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء ثلاثتهن «5».
قال أبو علي: قوله: قل للذين كفروا ...
[آل عمران/ 12] يجوز أن يعنى به اليهود والمشركون جميعا، يدلّ
على ذلك قوله تعالى «6»: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا
المشركين [البقرة/ 105] ففسر الذين كفروا
__________
(1) في (ط): وإن كانت فيه.
(2) في (ط): فهو.
(3) في (ط): الحرف المستعلي.
(4) سقطت من (ط).
(5) انظر السبعة ص 201 - 202.
(6) سقطت من (ط).
(3/17)
بالقبيلين، وكذلك قوله جلّ وعزّ «1»: لم
يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البينة/ 1]
فالتقدير على هذا: قل للقبيلين: ستغلبون.
ويدلّ على حسن التاء هنا والمخاطبة قوله تعالى «2»: وإذ أخذ
الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81]
والآية كلّها على الخطاب. وكذلك قول من قرأ: ستغلبون بالتاء.
وللتاء على الياء مزية ما في الحسن، وهو أنّه إذا قيل:
سيغلبون فقد يمكن أن يكون المغلوبون والمحشورون من غير
المخاطبين، وأنّهم قوم آخرون، فإذا كان بالخطاب، لم يجز أن
يظنّ هذا.
وحجة من قرأ بالياء قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر
لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] وقوله تعالى «3»: قل للذين آمنوا
يغفروا للذين لا يرجون [الجاثية/ 14] والدّليل على حسن مجازهما
«4» جميعا أنّهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: قل للذين كفروا إن
تنتهوا نغفر لكم «5». فأمّا قوله: قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم [النور/ 30] فظاهره يقوّي قول من قرأ بالياء. ألا ترى
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): حسنهما.
(5) في (ط) يغفر لهم. والصواب ما في (م). وقراءة عبد الله
ذكرها في البحر 4/ 494.
(3/18)
أنّه قال: يغضوا، ولم يقل: غضوا، فيكون
للخطاب كقراءة من قرأ ستغلبون وكذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن [النور/ 31].
إلّا أنّ من الناس من يحمل هذا «1» على إضمار لام الأمر،
وإضمار الجازم لم نعلمه جاء في حال السعة، وقد قيل: إنّ الذين
كفروا: اليهود. والضمير في سيغلبون للمشركين، فعلى هذا القول
لا يكون سيغلبون إلّا بالياء، لأنّ المشركين غيب.
والخطاب لهم، وما تقدّم ذكره أوجه لما ذكرناه من جواز وقوع
الذين كفروا على الفريقين، ولأنّهما جميعا مغلوبان، فاليهود
وأهل الكتاب غلبوا بوضع الجزى عليهم، وحشرهم لأدائها،
والمشركون غلبوا بالسيف، فالقول الأول أبين. ومن قرأ: (يرونهم)
بالياء، فلأنّ بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: فئة تقاتل في سبيل
الله وأخرى كافرة يرونهم [آل عمران/ 13] أي: ترى الفئة
المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم.
ومما يؤكد الياء قوله: مثليهم، ولو كان على التاء لكان:
مثليكم، وإن كان قد جاء: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ثمّ
قال: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ورأيت هنا المتعدية إلى
مفعول واحد يدلّك على ذلك تقييده برأي العين، وإذا كان كذلك،
كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنّه مفعول ثان.
وأمّا مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع.
__________
(1) في (ط): هذا النحو.
(3/19)
فمن الإفراد في التثنية قوله:
وساقيين مثل زيد وجعل ... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل
«1» ومن إفراده في الجمع قوله تعالى «2»: إنكم إذا مثلهم
[النساء/ 140]. ومن جمعه قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/
38]. وأمّا قوله: ترونهم مثليهم [آل عمران/ 13] ويرونهم فمن
قرأ بالتاء فللخطاب الذي قبله، وهو قوله: قد كان لكم آية في
فئتين ... ترونهم مثليهم فالضمير المرفوع في ترونهم للمسلمين،
والضمير المنصوب للمشركين. المعنى: ترون- أيّها المسلمون-
المشركين مثلي المسلمين، وكان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا،
فرآهم المسلمون ستمائة وكسرا، وأرى الله المشركين أن المسلمين
أقلّ من ثلاثمائة، وذلك أن المسلمين قد قيل لهم «3»:
فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال/ 66] فأراهم
__________
(1) الرجز بغير نسبة في سيبويه 1/ 226 والفرق بين الحروف
الخمسة ص 370 (نشر دار المأمون للتراث). وروايته عندهما:
«صقبان» بالصاد. قال ابن السيد: الصقب بالصاد: عمود في آخر
البيت، وهما صقبان. ورجل صقب: ممتلئ الجسم ناعمه، قال الراجز:
وساقيين .. البيت. وقد أخذ الأعلم في تفسيره للبيت بالمعنى
الأول. وجاءت روايته في اللسان (سقب) و (كنز): «سقبان» بالسين
كما هو عندنا. قال: والسقب الذكر من ولد الناقة بالسين لا غير،
وقوله: سقبان، إنما أراد مثل سقبين في قوة الغناء. وممشوق:
خفيف اللحم. وفي (م): وساقيان مثل.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (م وط) سقطت الفاء من أوّل الآية. أمّا قراءة التاء من
قوله تعالى: «فإن
(3/20)
الله عددهم «1» حسب ما حدّ «2» لهم من
العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليه، ولا يحجموا عنهم.
ومثل هذا في المعنى، قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم
قليلا، ويقللكم في أعينهم [الأنفال/ 44] وقال قتادة: كان
المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، وكان أصحاب رسول الله صلّى
الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا.
[آل عمران: 15]
اختلفوا في كسر الراء وضمّها «3» من قوله تعالى «4»:
ورضوان [آل عمران/ 15].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (ورضوان) بضم الراء في كلّ القرآن
إلّا قوله «5» في المائدة [16]: من اتبع رضوانه فإنّه كسر
الراء فيه. وقال شيبان «6» عن عاصم، وابن أبي حمّاد «7» عن أبي
بكر عن عاصم، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، بضم الراء، في كل
ذلك. وقال محمد بن المنذر «8» عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه
ضمّه كلّه.
__________
تكن ... » فهي قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر، انظر السبعة ص
308.
وستأتي في الأنفال آية/ 66.
(1) في (ط): عدوّهم.
(2) في (ط): حدّد.
(3) في (ط): «في قوله».
(4) سقطت من (ط).
(5) في (م): «في قوله» بزيادة (في) والمثبت من (ط) والسبعة.
(6) شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمي الكوفي روى
القراءة عن عاصم، روى القراءة عنه حسين بن علي الجعفي. طبقات
القراء 1/ 329.
(7) سبقت ترجمته في ص 7.
(8) محمد بن المنذر الكوفي، مقرئ معروف، روى الحروف سماعا عن
يحيى بن آدم وله عنه نسخة وعن سليم عن حمزة عن الأعمش وعن ابن
أبي
(3/21)
[حدثنا ابن مجاهد قال] «1»: حدثني محمد بن
الجهم «2» عن ابن أبي أميّة «3» عن أبي بكر عن عاصم: (رضوان) و
(رضوانا) [المائدة/ 2] بضمّ الراء في كلّ القرآن، وكذلك حدّثني
ابن صدقة عن أبي الأسباط عن ابن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم.
وقال حفص عن عاصم: مكسور كلّه، وقرأ الباقون: (رضوان) كسرا
«4».
قال أبو علي: رضوان مصدر، فمن كسر «5» جعله كالرّئمان
والحرمان، ومن ضمّ فقد قال سيبويه: رجح رجحانا، كما قالوا:
الشكران والرّضوان «6».
[آل عمران: 19]
قال أحمد: كلّهم قرأ: إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران/
19] بكسر الألف إلّا الكسائي فإنّه فتح الألف من أن الدين عند
الله الإسلام «7».
قال أبو علي: الوجه: الكسر في (إنّ)، لأنّ الكلام الذي قبله قد
تمّ، وهذا النحو من الكلام الذي يراد به التنزيه، والتقرب، أن
يكون بجمل متباينة أحسن من حيث كان أبلغ في
__________
ليلى، روى عنه الحروف ابنه المنذر ومحمد بن سعدان النحوي.
الطبقات 2/ 266.
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ط).
(2) سبق في ص (7) من هذا الجزء.
(3) سبق في ص (7) من هذا الجزء.
(4) انظر السبعة ص 201 - 202.
(5) في (ط): كسره.
(6) الكتاب 2/ 217.
(7) السبعة ص 202 - 203.
(3/22)
الثناء، وأذهب في باب المدح، ومن ثمّ جاء
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء
[البقرة/ 177].
ومن فتح (أنّ) جعله بدلا، والبدل، وإن كان في تقدير جملتين،
فإنّ العامل لمّا لم يظهر، أشبه الصفة. فإذا جعلته بدلا جاز أن
تبدله من شيئين: أحدهما: من قوله: أنه لا إله إلا هو [آل
عمران/ 18] فكأنّ التقدير: شهد الله أنّ الدين عنده «1»
الإسلام، فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو. ألا ترى
أنّ الدّين الذي «2» هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل وهو هو
في المعنى؟. وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأنّ الإسلام يشتمل
على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من القسط لأنّ الدين الذي
هو الإسلام قسط وعدل، فيكون من البدل الذي الشيء فيه هو هو.
[آل عمران: 21]
[قال] «3» أحمد: كلهم قرأ: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل
عمران/ 21] بغير ألف إلّا حمزة فإنّه قرأ (ويقاتلون) بألف «4».
قال أبو علي: حجة من قرأ: ويقتلون الذين يأمرون أنّه معطوف على
قوله، ويقتلون النبيين [آل عمران/ 21] وقد
__________
(1) في (ط): عند الله.
(2) سقطت من (ط).
(3) زيادة من (ط).
(4) السبعة ص 203.
(3/23)
جاء في أخرى «1» فلم تقتلون أنبياء الله من
قبل [البقرة/ 91] فجاء الفعل على يفعل دون يفاعل، فكذلك:
ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] لأنّ الآمرين
بالقسط من الناس قد وافقوا الأنبياء في الأمر بالقسط، وكبر
عليهم مقامهم وموضعهم فقتلوهم، كما قتلوا الأنبياء.
وحجة من قرأ: ويقاتلون الذين يأمرون أنّ في حرف عبد الله فيما
زعموا: وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط فاعتبرها، وكأن معنى
يقاتلونهم، أنّهم لا يوالونهم ليقلّ «2» نهيهم إياهم «3» عن
العدوان عليهم، فيكونون مباينين لهم، مشاقّين لهم «4»؛ لأمرهم
بالقسط، وإن لم يقتلوهم كما قتلوا الأنبياء، ولكن قاتلوهم قتال
المباين المشاقّ لهم.
فإن قال قائل: إنّه في قراءته (ويقاتلون) لم يقرأ بحرف عبد
الله، وترك قراءة الناس. قيل: ليس بتارك حرف عبد الله الذي هو
(قاتلوا) في قراءته (يقاتلون) لأنّ قوله: (يقاتلون) يجوز أن
يريد به (قاتلوا)، ألا ترى أنّه قد جاء إن الذين كفروا ويصدون
عن سبيل الله [الحج/ 25].
وقال في أخرى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [النحل/ 88،
محمد/ 1] فإذا جاء المعنى لم يكن تاركا لقراءة
__________
(1) في (ط): الأخرى.
(2) في (ط): لثقل نهيهم.
(3) في (ط): إيّاه.
(4) سقطت من (ط).
(3/24)
عبد الله، وذلك أنّ قوله: يصدون يجوز أن
يكون في المعنى (صدّوا)، إلّا أنّه جاء على لفظ المضارع حكاية
للحال، وكذلك حمزة في قراءته (يقاتلون) يجوز أن يكون مراده به
«1» (قاتلوا) إلّا أنّه «2» جاء على لفظ المضارع حكاية للحال.
[آل عمران: 27]
اختلفوا في قوله جلّ اسمه «3»: وتخرج الحي من الميت وتخرج
الميت من الحي [آل عمران/ 27]، في التّشديد والتّخفيف: فقرأ
عاصم في رواية أبي بكر، وابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر: وتخرج
الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت
[الأعراف/ 57] أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة
[يس/ 33] وإن يكن ميتة [الأنعام/ 139] كل ذلك بالتخفيف.
وروى حفص عن عاصم: (من الميّت) مشدّدة «4» مثل حمزة، وقرأ نافع
وحمزة والكسائي: الحي من الميت والميت من الحي [آل عمران/ 27]
ولبلد ميت [الأعراف/ 57] وإلى بلد ميت [فاطر/ 9] مشدّدا.
وخفف حمزة والكسائي غير هذه الحروف. وقرأ نافع:
أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة
__________
(1) في (ط): فيه قد.
(2) في (ط): أنه قد.
(3) في (ط): تعالى.
(4) في (ط): فشدد.
(3/25)
[يس/ 33] ولحم أخيه ميتا [الحجرات/ 12]
وخفّف في سائر القرآن ما لم يمت «1».
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقع في المال: الموتان، والموات،
والموات في قول بعض بني أسد: إذا وقع فيه الموت. قال أبو علي:
يقال «2»: مات يموت مثل: قال يقول، وقالوا:
متّ تموت، ودمت تدوم. ومتّ ودمت: شاذان. ونظيرهما من «3»
الصحيح: فضل يفضل.
فأمّا الميّت فهو الأصل، والواو التي هي عين «4» انقلبت ياء
لإدغام الياء فيها، والأصل التثقيل. وميّت محذوف منه، والمحذوف
العين أعلّت عينه بالحذف كما أعلّت بالقلب، فالحذف حسن
والإتمام حسن. وما كان من هذا النحو، العين فيه واو، فالحذف
فيه أحسن، لاعتلال العين بالقلب، ألا ترى أنّهم قالوا: هائر
«5» وهار، وسائر، وسار، فأعلّوا العين بالحذف.
كما أعلّوها بالقلب؟ فكذلك نحو: ميّت وسيّد. وما مات، وما لم
يمت، في هذا الباب يستويان في الاستعمال «6»، ألا ترى أنّه قد
جاء:
ومنهل فيه الغراب الميت
__________
(1) السبعة في القراءات ص 203 مع اختلاف يسير في العبارة،
والمؤدى واحد.
(2) سقطت من (م).
(3) في (ط): في.
(4) في (ط): عين فيه.
(5) هائر: وصف من هار البناء يهور هورا: انهدم.
(6) يريد ما كان من فعل مات مستعملا في الموت الحقيقي، وما كان
مستعملا في الموت المجازي، يستويان في التخفيف والتشديد.
(3/26)
[كأنّه من الأجون زيت] «1» سقيت منه القوم
واستقيت «2» فهذا قد مات. وقال الآخر:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميت ميّت الأحياء
«3» فقد خفّف [ما مات] «4» في الرّجز والبيت الآخر، وقال:
ميّت الأحياء فشدّد، ولم يمت، وقال تعالى «5»: إنك ميت وإنهم
ميتون [الزمر/ 30].
[آل عمران: 28]
اختلفوا في إمالة القاف من قوله جلّ وعزّ «6»: تقاة [آل عمران/
28].
فأمال الكسائيّ القاف في الموضعين جميعا، وأمال حمزة منهم تقاة
[آل عمران/ 28] إشماما من غير مبالغة، ولم يمل حمزة حق تقاته
[آل عمران/ 102] وفتح الباقون القاف في الموضعين غير أن نافعا
كانت قراءته بين الفتح والكسر «7».
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من (ط).
(2) هذا رجز لأبي محمد الفقعسي. في اللسان/ أجن/ ورواية (م):
«ميت» بدل: «الميت».
(3) البيت لعدي بن الرعلاء الغساني في شرح أبيات المغني 3/ 197
و 7/ 16 مع أبيات، وفي اللسان (موت) وسيأتي منسوبا في الأنعام/
22.
(4) ما بين المعقوفين زيادة من (ط).
(5) في (ط): عزّ وجلّ.
(6) في (ط): عزّ وجلّ.
(7) السبعة ص 203 - 204.
(3/27)
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقيت الرجل أقيه
وقاء و «1» وقاية، وأنشد «2»:
لولا الذي أوليت كنت وقاية ... لأحمر لم تقبل عميرا قوابله
وأنشد أبو زيد:
زيادتنا نعمان لا تحرمنّنا ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
«3» وأنشد أيضا:
تقوه أيّها الفتيان إني ... رأيت الله قد غلب الجدودا
«4» وأنشد أيضا:
تقاك بكعب واحد وتلذّه ... يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل
«5»
__________
(1) سقطت الواو من (م).
(2) لم نعثر على قائله.
(3) البيت في النوادر ص 146 - 200 (ط- الفاتح) لعبد الله بن
همّام السلولي، الخصائص 2/ 286 3/ 89 المحتسب 2/ 372 ابن
الشجري 1/ 205، شرح شواهد الشافية 4/ 496 واللسان (وقي).
ويروى: «لا تمحونّها- ولا تنسينها» بدل «لا تحرمننا».
(4) البيت في النوادر 146 - 200 مع بيتين آخرين قبله لخداش بن
زهير.
وعنه في المنصف 1/ 290. وفي العيني 2/ 371 ضمن قصيدة.
(5) البيت لأوس بن حجر انظر ديوانه/ 96 والنوادر/ 200 والخصائص
2/ 286 واللسان (وقي).
(3/28)
قال أبو عمرو «1»: يصف رمحا، يريد: اتقاك.
وقال السكريّ: تقاك: وليك منه كعب.
قال: ويقال: إبلك اتقت كبارها بصغارها، أي جعلت الصغار ممّا
يليك، وكذلك: اتقاني فلان بحقي، أي: أعطانيه وجعله بيني وبينه.
فأمّا قولهم: تقاك، فتقديره «2»: تعلك، والأصل: اتّقاك فحذف
فاء الفعل المدغمة، فسقطت همزة الوصل المجتلبة لسكونها،
وأعللتها بالحذف كما أعللتها بالقلب، وليس ذلك بالمطّرد،
وقولهم في المضارع: يتقي، تقديره: يتعل وقال:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة «3» .............
وأمّا التّقوى فهو فعلى. من وقيت، وأبدلت من اللّام التي هي
ياء من وقيت الواو، كما تبدل في هذا النحو من الأسماء، وقد
أنشد أبو زيد:
قصرت له القبيلة إذ تجهنا ... وما ضاقت بشدّته ذراعي
«4» فهذا فعلنا من الوجه، يقال: تجه يتجه تجها، مثل: فزع يفزع
فزعا، إذا واجهه.
__________
(1) في (ط): أبو عمر الجرمي.
(2) في (ط) فتقدير مثال الفعل: فعلك.
(3) هذا صدر بيت لساعدة بن جؤية عجزه: فالماء فوق متونه
يتصبّب. انظر شرح أشعار الهذليين 3/ 1100، والنوادر 148 وفيها:
سراته بدل متونه.
(4) البيت لمرداس بن حصين من جملة أبيات انظر النوادر 150
والمنصف 1/ 290 والمحتسب 1/ 263، واللسان (وجه) قال فيه:
والأصمعي يرويه:
(3/29)
وأنشد الأصمعي:
تجهنا «1» .........
فهذا ينبغي أن يحمل على فعل، ولا تجعله مثل: تقى يتقي، لقلة
ذلك وشذوذه، وتقيته واتّقيته مثل شويته واشتويته. وتقول في
المضارع: أنت تتقي وتتّقي. والواقية يشبه أن تكون مصدرا
كالعاقبة والعافية، وقالوا في جمعه: أواق، فأبدلوا لاجتماع
الواوين قال:
................ .. ... يا عديا لقد وقتك الأواقي
«2» فأمّا من لم يمل الألف من تقاة، فحجّته: أنّ قاة من تقاة
بمنزلة قادم، فكما لم يمل هذا كذلك ينبغي أن [لا يمال قاف
تقاة] «3» لاستعلاء القاف، كما لم يمل ما ذكرنا.
وحجّة من أمال أنّ سيبويه زعم: أنّ قوما قد أمالوا من هذا «4»
مع المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس. قال:
وهو قليل، وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا «5».
__________
تجهنا- بفتح الجيم- والذي أراده: اتجهنا، فحذف ألف الوصل وإحدى
التاءين. وسيأتي قول الأصمعي.
(1) نفس المصدر السابق.
(2) هذا عجز بيت لمهلهل، وصدره:
ضربت صدرها إلي وقالت انظر اللسان (وقي)، والمقتضب 4/ 214
وفيه: رفعت رأسها، بدل ضربت صدرها، المنصف 1/ 218، وابن الشجري
2/ 9، وابن يعيش 10/ 10، والخزانة 4/ 211، وشرح أبيات المغني
5/ 75.
(3) ما بين المعقوفتين في (ط): لا يمال فتحة قاف تقى.
(4) في (ط) هذا يعني.
(5) الكتاب 2/ 267.
(3/30)
قال أبو علي: ولو قلت إنّ الإمالة فيما
ذكره أمثل منها في (تقاة) لأنّ قبلها كسرة، والكسرة تجلبها،
والإمالة في حق تقاته [آل عمران/ 102] تحسن «1» لمكان الكسرة
وهو في الأولى نحو:
عرقا، للزوم الكسرة أقوى، وكسرة التاء في تقاته كسرة إعراب لا
تلزم، على أن الأحسن الأكثر أن لا تميل لأنّ: قاته من تقاته
بمنزلة قادم وقافل، فكما لا يمال هذا كذلك ينبغي أن لا تميل
الألف من تقاته.
ومن وجه إمالة القاف في (تقاته، وتقاة) أنّهم قد أمالوا سقى،
وصغا وضغا، ومعطى «2»، طلبا للياء التي الألف في موضعها، فكما
«3» أميلت هذه الألف مع المستعلي كذلك أميلت التي في تقاة
وتقاته.
فإن قلت: إنّ هذه الإمالة إنّما جاءت في الفعل، والفعل أكثر
احتمالا للتغيير، واسم الفاعل بمنزلة الفعل، وليس التقاة،
بواحدة «4» منهما. قيل: يمكن أن يقال: إنّه شبّه المصدر باسم
الفاعل لمشابهته له في الإعمال، وقيامه مقام الصفة في عدل،
وزور، كما شبّه «5» اسم المفعول في معطى بالفعل لعمله عمله.
[آل عمران: 36]
واختلفوا في ضمّ التاء وتسكين العين، وفتح العين وتسكين
__________
(1) في (ط): أحسن.
(2) سبق هذا التنظير ... وهو في سيبويه 2/ 266، 267. وقد رسمت
(سقى ومعطى) في الأصلين بالألف اليابسة.
(3) في (ط): فلما. وسقطت «هذه» من بعدها.
(4) في (ط): التقى بواحد.
(5) في (ط): يشبه.
(3/31)
التاء في قوله تعالى «1»: بما وضعت [آل
عمران/ 36].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بما وضعت بضم التاء
وإسكان العين.
وروى حفص عن عاصم والمفضّل عن عاصم «2»: (بما وضعت) بالإسكان.
وقرأ الباقون: (وضعت) بالإسكان مثل حفص «3».
قال أبو علي: من قرأ: والله أعلم بما وضعت [آل عمران/ 36] جعله
من كلام أمّ مريم. وإسكان التاء أجود في قوله: والله أعلم بما
وضعت لأنّها قد قالت: رب إني وضعتها أنثى [آل عمران/ 36] فليست
تحتاج بعد هذا أن تقول: والله أعلم بما وضعت.
ووجهه: أنّه كقول القائل في الشيء: ربّ قد كان كذا وكذا. وأنت
أعلم، ليس يريد إعلام الله سبحانه ذلك، ولكنّه كالتسبيح
والخضوع والاستسلام له «4»، وليس يريد بذلك إخبارا.
ومن قرأ: والله أعلم بما وضعت جعل ذلك من قول الله تعالى،
والمعنى: أنّ الله- سبحانه- قد علم ما قالته، قالته هي أو لم
تقله. وممّا يقوّي قول من أسكن التاء، قوله: والله أعلم بما
وضعت
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): عنه.
(3) في السبعة ص 203، 204 اختلاف يسير عما هنا فأبو علي قدم
وأخر واختصر، ولكن المؤدى واحد.
(4) سقطت من (ط).
(3/32)
ولو كان من قول أمّ مريم لكان: وأنت أعلم
بما وضعت، لأنّها تخاطب الله سبحانه.
وقال بعض المتأوّلين: كانوا لا يحررون الإناث والله أعلم بما
وضعت على جهة النّدم، وأنّها فعلت ما لا يجوز، فلذلك قالت «1»:
وليس الذكر كالأنثى [آل عمران/ 36] لأنّ الذكر يتصرف في الخدمة
والأنثى خلافه، وكانت الأحبار يكفلون المحررين، فاقترعوا على
مريم بأقلامهم، فغلب عليها زكريا.
[آل عمران: 37]
اختلفوا في تشديد الفاء وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ «2»:
وكفلها زكريا «3» [آل عمران/ 37] ومدّ (زكرياء) وقصره ورفعه
ونصبه.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (وكفلها) مفتوحة
الفاء خفيفة، و (زكرياء) رفع ممدود.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (وكفّلها) مشدّدة «4» و (زكرياء)
نصب وكان يمدّ (زكرياء) في كلّ القرآن، وكذلك كلّ من تقدّم
ذكره، هذه رواية أبي بكر.
وروى حفص عن عاصم: (وكفّلها) مشددا و «5» زكريّا قصرا في كل
القرآن.
__________
(1) في (م): قال.
(2) سقطت من (ط). وهي ليست في السبعة.
(3) «زكريا» زيادة من (ط) والسبعة.
(4) الواو زيادة من (ط) والسبعة وفي (م): «مشدّدة» بدل
«مشدّدا».
(5) سقطت الواو من (م).
(3/33)
وكان حمزة والكسائي يشددان (كفّلها)،
ويقصران (زكريّا) في كل القرآن «1».
قال أبو علي: حجة من خفّف (كفّلها) قوله تعالى «2»: أيهم يكفل
مريم [آل عمران/ 44] و (زكرياء) مرتفع لأنّ الكفالة مسندة
إليه، فأمّا من قال: وكفلها زكرياء فشدّد الفاء، فإنّ كفلت
يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو:
غرم زيد مالا، وغرّمت زيدا مالا، وفاعل كفّلها فيمن شدّد
الضمير العائد إلى ربّها من قوله: فتقبلها ربها بقبول حسن [آل
عمران/ 37] وزكرياء الذي كان فاعلا قبل تضعيف العين صار مفعولا
ثانيا بعد تضعيف العين.
وأمّا زكرياء: فالقول في همزته أنّها لا تخلو من أن تكون
للتأنيث أو للإلحاق أو منقلبة، فلا يجوز أن تكون للإلحاق لأنّه
ليس شيء في الأصول على وزنه فيكون هذا ملحقا به. ولا يجوز أن
تكون منقلبة لأنّ الانقلاب لا يخلو من أن يكون من نفس الحرف أو
من حرف للإلحاق، فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف لأنّ الياء
والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف، ولا يجوز أن
يكون منقلبا من حرف الإلحاق لأنّه ليس في الأصول شيء يكون هذا
ملحقا به! فإذا بطل هذان، ثبت أنّه للتأنيث، وكذلك القول فيمن
قصر. فقال: زكريا. ونظير القصر والمدّ في هذا الاسم قولهم:
الهيجا والهيجاء، قال:
__________
(1) انظر السبعة ص 203 - 205، وفيه اختلاف يسير عمّا هنا.
(2) سقطت من (ط).
(3/34)
وأربد فارس الهيجا إذا ما ... تقعّرت
المشاجر بالفئام
«1» وقال:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا ... فحسبك والضّحّاك عضب مهنّد
«2» لمّا أعربت الكلمة وافقت العربية. وقد حذفوا ألف التأنيث
من الكلمة فقالوا: هو يمشي الجيضّ والجيضّى «3»، فعلى هذا
قالوا: زكرياء وزكريّ، فمن قال: زكريّ صرف، والقول فيه أنّه
حذف الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريا) وألحق الكلمة
ياءي النسب «4»، يدلك على ذلك صرف الاسم، ولو كانت الياءان في
زكري الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريّا)، لوجب أن لا
ينصرف الاسم للعجمة والتعريف كما أنّ إبراهيم ونحوه من
__________
(1) البيت للبيد وهو في ديوانه/ 200 وفيه بالخيام بدل بالفئام
وأورده اللسان (هيج/ شجر) وفيه: وأرثد بدل وأربد، وبالقيام بدل
بالفئام.
(2) البيت في ابن يعيش 2/ 48، 51 ومعاني القرآن 1/ 417، وهو من
شواهد شرح أبيات المغني. 7/ 191، واللسان (عصا/ هيج) ويروى:
«سيف» بدل «عضب» والبيت شاهد على أنّه روي «الضحاك» بالحركات
الثلاثة. قال البغدادي: البيت قائله مجهول اهـ. ونسبه في ذيل
الأمالي ص 140 إلى جرير، وليس في ديوانه. ولم يتكلّم عليه
البكري في السمط ص 899 بشيء.
(3) ضبطه في القاموس/ جاض/ بوزن زمكّى وفي التكملة: بكسر الجيم
وفتح الياء، ونص على ذلك بالحروف، ووافقه اللسان. والجيضّ
والجيضّى: مشية فيها تبختر واختيال.
(4) في (ط): ياءين للنسب.
(3/35)
الأعجمية لا ينصرف، فانصراف الاسم يدلّ على
أنّ الياءين للنسب، فانصرف «1» الاسم وإن كان لو لم تلحق
الياءان لم ينصرف بالعجمة «2» والتعريف، يدلّك على ذلك أنّ ما
كان على وزن مفاعل لا ينصرف فإذا ألحقته «3» ياءي النسب انصرف
كقوله:
مدائنيّ ومعافريّ.
وقد جرت تاء التأنيث هذا المجرى، فقالوا: صياقل، فلم يصرفوا،
وألحقوا التاء فقالوا: صياقلة، فاتفق تاء التأنيث، وياء النسب
في هذا كما اتفقا في روميّ، وروم، وشعيرة، وشعير، ولحقت الاسم
الياءان وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء كما لم يكن في كرسيّ
وقمريّ وثمان معنى نسب إلى شيء، وهذا نظير لحاق تاء التأنيث ما
لم يكن فيه معنى تأنيث: كغرفة وظلمة ونحو ذلك، ويدل «4» على
أنّ الياءين في زكريّ ليستا اللتين كانتا في (زكرياء) أنّ ياءي
النسب لا تلحقان قبل ألف التأنيث وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء
من «5» بصرية لأنّ التاء بمنزلة اسم مضموم إلى اسم، والألف
ليست كذلك. ألا ترى أنّك تكسر عليها الاسم والتاء ليست «6»
كذلك؟.
__________
(1) في (ط): فانصراف.
(2) في (ط): للعجمة.
(3) في (ط): ألحقتها.
(4) في (ط): ويدلك.
(5) في (ط): في.
(6) في (ط): ليس.
(3/36)
[آل عمران: 39]
واختلفوا في الألف «1» والتاء من قوله تعالى «2»: فنادته
الملائكة [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر (فنادته)
بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي (فناداه) بإمالة الدال «3».
قال أبو علي: من قرأ (فنادته) بالتاء فلموضع الجماعة، والجماعة
ممن يعقل في جمع التكسير يجري مجرى ما لا يعقل، ألا ترى أنّك
تقول: هي الرجال، كما تقول هي الجذوع، وهي الجمال؟ فعلى هذا
أنّث كما جاء: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] ومن زعم أنّ التأنيث
يكره هاهنا لأنّ فيه كالتحقيق لما كانوا يدّعونه في الملائكة
لم يكن هذا بحجة على من قرأ بالتاء. ألا ترى أنّه قد جاء: إذ
قالت الملائكة [آل عمران/ 45]؟ فلو كان في تأنيث هذا حجة لما
كانوا يدّعونه في الملائكة لكان في تذكير [نحو قوله] «4»
والملائكة باسطو أيديهم [الأنعام/ 93]، والملائكة يدخلون عليهم
[الرعد/ 23] حجة عليهم، ولكان في نحو قوله: إذ قالت الملائكة
حجة لهم، فليس هذا بشيء. ومن قرأ «5»: فناداه
__________
(1) في السبعة: «الياء» بدل الألف.
(2) سقطت من (ط).
(3) السبعة ص 204.
(4) زيادة من (ط).
(5) في (ط): قال.
(3/37)
الملائكة، فهو كقوله: وقال نسوة في المدينة
[يوسف/ 30] وأمّا إمالة الألف في ناداه فحسنة لأنّها تصير إلى
الياء، من الواو كانت أو من الياء، فتحسن الإمالة للانتحاء نحو
ما الألف منقلبة عنه وهو الياء. وحجة التفخيم في ناداه أنّه في
قلبه الياء إلى الألف فرّ من الياء، فإذا أمال بعد فقد قرّب
الحرف مما كان كرهه وفرّ منه.
قال سيبويه: ولا تقول «1» ذلك في حبلى، لأنّه لم يفرّ فيها «2»
من ياء «3». يريد أنّ ألف حبلى لم تكن ياء قلبت ألفا، إنّما هي
في أصلها ألف مزيدة للتأنيث.
[آل عمران: 39]
واختلفوا «4» في كسر الألف في «5» (إنّ) وفتحها من قوله تعالى
«6»: [في المحراب] أن الله [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن عامر وحمزة: إنّ الله بالكسر.
وقرأ الباقون: أن الله بالفتح «7».
قال أبو علي «8»: من فتح «أنّ» المعنى: فنادته بأنّ الله،
فلمّا حذف الجارّ منها وصل الفعل إليها فنصبها، فأنّ في موضع
نصب،
__________
(1) في سيبويه: يقول.
(2) في (ط): منها.
(3) انظر سيبويه 2/ 263.
(4) سقطت الواو من (ط).
(5) في (ط): من.
(6) سقطت من (ط).
(7) السبعة ص 205.
(8) في (ط): فقول.
(3/38)
وعلى قياس قول الخليل في موضع جرّ. ومن كسر
أضمر القول، كأنّه: نادته فقالت: إنّ الله فحذف القول كما حذف
في قول من كسر، فقال: فدعا ربه إني مغلوب [القمر/ 10] وإضمار
القول كثير في هذا النحو، كما قال: والملائكة يدخلون عليهم من
كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا
[الأنعام/ 93]. فاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران/
106]. فأضمر القول في ذلك كلّه. وزعموا أنّ في حرف عبد الله
فنادته الملائكة يا زكرياء إن الله فقوله: يا زكرياء في موضع
نصب بوقوع النداء عليه، وكذلك إن أضمرت يا زكرياء ولم تذكره
كان جائزا وحذف كما حذف المفعول من الكلام، ولا يجوز الفتح في
(إنّ) على هذا، لأنّ ناديت قد استوفى «1» مفعوليها، أحدهما:
علامة الضمير، والآخر: المنادى، فإن فتحت (أنّ) لم يكن لها شيء
يتعلق به.
قال «2»: وكلهم [فتح الراء من: المحراب] «3» [آل عمران/ 37 و
39]: إلا ابن عامر فإنه أمالها.
قال أبو علي: قد أطلق أبو بكر القول في إمالة ابن عامر الألف
من محراب. ولم يخصّ به الجرّ من غيره. وقال غيره:
إنّما يميله في الجر. وحجة من لم يمل أنّ «راب» من محراب
__________
(1) في (ط): استوفت.
(2) سقطت قال من (م).
(3) ما بين معقوفين أثبتناه من السبعة بدلا من عبارة الأصل
عندنا وهي:
«وكلهم قرأ (من المحراب) بفتح الراء» لموافقته لما جاء في آل
عمران، وما جاء في أصلنا هو من [سورة مريم/ 11].
(3/39)
بمنزلة راء وراءة «1» ونحو ذلك. فكما لا
تمال الراء من هذا النحو كذلك ينبغي أن لا تمال من المحراب «2»
في الجرّ ولا في الرفع.
ألا ترى أنّه لا تمال رادة من قولهم: ريح رادة وراشد؟. والراء
من «راب» بمنزلة الراء من راشد. فإن قلت: فهلّا جازت إمالتها
للكسرة التي في الميم كما جازت الإمالة في مقلات «3» للكسرة.
قيل إنّ من أمال مقلاتا، إنّما أماله لأنّه قدّر الكسرة كأنّها
على القاف، لأنّها تليها، والقاف إذا تحركت بالكسر حسنت إمالة
الألف بعدها. نحو: ققاف وغلاب. ولو قدّرت الكسرة على الحاء من
محراب كما قدّرتها على القاف من مقلات لم تحسن «4» الإمالة،
ألا ترى أنّ «حراب» بمنزلة فراش، وفراس؟.
وقد قال «5»: إنّهم لا يميلون فراشا «6»، فكذلك المحراب، يريد
سيبويه، بقوله: لا يميلون، لا يميله الأكثر. وحجة من أمال
الألف من «محراب» أنّ سيبويه قد زعم أنّهم قالوا: عمران، ولم
يميلوا برقان يعني: أنّهم لم يجعلوا الراء كالمستعلي في منع
الإمالة، فعلى هذا يجوز أن تمال الألف في «7» «محراب» في
__________
(1) الراءة: الرؤية.
(2) في (ط): محراب.
(3) قال في اللسان (قلت): أقلتت المرأة إقلاتا، فهي مقلت
ومقلات إذا لم يبق لها ولد، وقيل: هي التي تلد واحدا ثمّ لا
تلد بعد ذلك. قال كثير أو غيره:
بغاث الطّير أكثرها فراخا ... وأمّ الصقر مقلات نزور
ونسب البيت في (بغث) للعباس بن مرداس، وفي المخصص المجلد
الثاني السفر الثامن ص 144: نسبه للنجاشي.
(4) في (ط) لم تجز.
(5) في (ط) قد قالوا.
(6) الكتاب 2/ 267: (هذا باب الراء).
(7) في (ط): من.
(3/40)
الرفع، وزعم أيضا أنّهم قالوا: ذا «1»
فراش، هذا جراب، لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة. قال:
والنصب فيه كلّه حسن «2».
[آل عمران: 39]
اختلفوا في ضمّ الياء «3» وفتحها أو فتح الباء وسكونها
والتثقيل «4» من قوله جلّ وعزّ «5»: يبشرك [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يبشرك بضم الياء وفتح الباء والتشديد
في كل القرآن، إلّا في عسق فإنّهما قرأ ذلك الذي يبشر الله
عباده [الشورى/ 23] مفتوح الياء مضموم الشين مخففا.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم يبشرك مشدّدا في كلّ القرآن.
وقرأ حمزة يبشر خفيفا «6»، مما لم يقع في كلّ القرآن، إلّا
قوله تعالى «7»: فبم تبشرون [الحجر/ 54].
وقرأ الكسائي يبشر مخففة في خمسة مواضع: في آل عمران في قصة
زكريا، وقصة مريم وفي سورة بني إسرائيل، وفي
__________
(1) في (ط): هذا.
(2) في (ط): أحسن.
(3) كذا في (ط) وفي (م) الراء. والصواب ما أثبتناه. من (ط)
والسبعة.
(4) في السبعة: وتثقيل الشين.
(5) سقطت من (ط).
(6) في السبعة أخر قوله: خفيفا، إلى ما بعد قوله: مما لم يقع،
ويريد بقوله: مما لم يقع خفيفا في كل القرآن، أي ما وقع مشددا
بجميع صوره واشتقاقاته في القرآن كله قرأه حمزة خفيفا إلّا ما
استثناه من ذلك.
(7) سقطت من (ط).
(3/41)
الكهف: ويبشر المؤمنين [الإسراء/ 9] وفي
عسق: يبشر الله عباده «1» [الشورى/ 23].
[قال أبو علي] «2»: قال أبو عبيدة: يبشّرك، ويبشرك ويبشرك
وبشرناه «3» واحد «4».
قال أبو الحسن في يبشّر: ثلاث لغات: بشّر وبشر وأبشر يبشر بكسر
الشين إبشارا، وبشر يبشر بشرا وبشورا يقال: أتاك أمر بشرت به،
وأبشرت به في معنى بشّرت به ومنه وأبشروا بالجنة [فصلت/ 30].
وأنشد:
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى ... غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به ... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
«5» وقال أبو زيد: بشّرت القوم بالخير تبشيرا، والاسم:
البشرى. وأبشر «6» بالخير إبشارا، وبشّرت الناقة باللّقاح حين
يعلم ذاك منها أول ما تلقح.
__________
(1) انظر السبعة ص 205 - 206.
(2) سقطت من (ط).
(3) كذا في (ط)، وسقطت من (م).
(4) في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1/ 91: يبشّرك ويبشرك فقط.
(5) البيتان آخر مفضلية برقم 116 ص 385 لعبد القيس بن خفاف
البرجمي وهي الأصمعية رقم 87 وأوردها البغدادي في شرح أبيات
المغني 2/ 223، 224 وأوردهما اللسان (بشر) وعزاهما إلى عطية بن
زيد أو لعبد القيس بن خفاف البرجميّ.
(6) في (ط): وأبشر يا فلان.
(3/42)
قال أبو علي: إذا كانت هذه اللغات في
الكلمة شائعة فأخذ القارئ بإحداها وجمعه بينها مستقيم سائغ.
[آل عمران: 48]
اختلفوا في النون والياء من قوله تعالى «1»: ويعلمه الكتاب [آل
عمران/ 48].
فقرأ نافع وعاصم: ويعلمه الكتاب بالياء، وقرأ الباقون:
ونعلمه بالنون «2».
فحجّة من قرأ: يعلمه أنّه عطفه على قوله: إن الله يبشرك،
ويعلمه على العطف على يبشرك. ومن قال: نعلمه:
فهو على هذا المعنى، إلّا أنّه جعله على نحو «3» نحن قدرنا
بينكم الموت [الواقعة/ 60].
قال: كلّهم قرأ: أني أخلق لكم [آل عمران/ 49].
وقرأ نافع: (إني) «4».
قال أبو عليّ: قول من فتح (أنّ) أنّه جعلها بدلا من (آية):
كأنّه قال: وجئتكم بأنّي أخلق لكم. ومن كسر إنّ احتمل وجهين:
أحدهما: أنّه استأنف، وقطع الكلام مما قبله.
والآخر: أنّه فسّر الآية بقوله: إنّي أخلق لكم من الطين، كما
فسّر الوعد في قوله: وعد الله الذين آمنوا بقوله: لهم مغفرة
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة ص 206.
(3) سقطت من (ط).
(4) انظر السبعة ص 206.
(3/43)
[المائدة/ 9] وكما فسّر المثل في قوله:
كمثل آدم [آل عمران/ 59] بقوله: خلقه من تراب [آل عمران/ 59]
وهذا الوجه «1» أحسن ليكون في المعنى كمن فتح وأبدل من (آية).
قال: وكلّهم قرأ: فيكون طيرا [آل عمران/ 49] بغير ألف غير نافع
فإنّه قرأ: طائرا بألف هاهنا، وفي المائدة «2».
قال أبو علي: حجّة من قرأ: فيكون طيرا قوله تعالى «3»:
إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] ولم يقل
كهيئة الطائر، فكذلك يكون كهيئة الطير «4» وكذلك التي في
المائدة، إلّا أنّ هاهنا فأنفخ فيه وثمّ فتنفخ فيها [المائدة/
110] فيجوز أن يكون على الهيئة مرة وعلى الطير أخرى، ويجوز أن
يكون ذكّر الطير على معنى الجمع، وأنّث على معنى الجماعة.
وقالوا: طائر، وأطيار، فهذا يكون كصاحب وأصحاب.
وقال أبو الحسن: وقول العرب: طيور جمعوا الجمع، ووجه قراءة من
قرأ، فيكون طائرا أنّه أراد: يكون ما أنفخ فيه، أو ما أخلقه
طائرا، فأفرد لذلك، أو يكون أراد: يكون كلّ واحد من ذلك طائرا
كما قال: فاجلدوهم ثمانين جلدة، أي اجلدوا كلّ واحد منهم.
[آل عمران: 57]
قال [أحمد] «5»: ولم يختلفوا في النون من قوله تعالى «6»:
__________
(1) سقطت من (م).
(2) ابن مجاهد في السبعة ص 206.
(3) سقطت من (ط).
(4) في ط: طيرا.
(5) زيادة من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(3/44)
فنوفيهم أجورهم [آل عمران/ 57، النساء/
173] إلّا ما رواه حفص عن عاصم فإنّه «1» روى عنه بالياء «2».
قال أبو علي «3»: وجه من قرأ بالنون قوله: فأما الذين كفروا
فأعذبهم [آل عمران/ 56] فقوله: فنوفيهم بالنون «4» في المعنى
مثل فأعذبهم. ومما يحسّن ذلك قوله: ذلك نتلوه عليك [آل عمران/
58]، ومن قرأ بالياء فلأنّ ذكر الله- سبحانه- قد تقدّم في
قوله: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك [ورافعك إلي] «5» [آل
عمران/ 55] فيحمل على لفظ الغيبة لتقدّم هذا الذكر، إذ صار في
لفظ الخطاب في قوله: فأعذبهم وقوله:
فيوفيهم إلى الغيبة كقوله: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] بعد
قوله: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39].
[آل عمران: 59]
قال: وقرأ ابن عامر وحده: فيكون [آل عمران/ 59] بالنصب وهو
وهم.
وقال هشام بن عمار: كان أيوب بن تميم يقرأ: فيكون نصبا ثم رجع
فقرأ: فيكون رفعا «6».
[قال أبو علي] «7» قد تقدّم ذكر ذلك في سورة البقرة «8».
[آل عمران: 66]
اختلفوا في المدّ في ها أنتم [آل عمران/ 66] والهمز وتركه.
__________
(1) في (ط): روي. وفي السبعة: رواه.
(2) السبعة ص 206.
(3) سقطت من (ط).
(4) سقطت من (م).
(5) زيادة من (ط).
(6) ابن مجاهد في السبعة ص 206، 207.
(7) سقطت من (ط).
(8) انظر 2/ 203.
(3/45)
فقرأ ابن كثير: هأنتم لا يمدّها، ويهمز
أنتم. وقرأت أنا على قنبل عن ابن كثير: هأنتم في وزن «هعنتم».
وقرأ نافع وأبو عمرو هآنتم: ممدودا استفهام «1» بلا همز.
وقال علي بن نصر عن أبي عمرو أنه كان يخفف ولا يهمز استفهاما
بلا همز.
وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع ممدود غير مهموز «2».
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ها أنتم ممدود مهموز. ولم
يختلفوا في مدّ (هؤلاء)، و (ألاء) «3».
[قال أبو علي] «4»: أمّا قول ابن كثير (هأنتم هؤلاء) فوجهه:
أنّه أبدل من همزة الاستفهام الهاء، أراد: أأنتم فأبدل من
الهمزة الهاء. فإن قلت: هلّا لم يجز البدل من الهمزة لأنّه «5»
على حرف واحد؟ وإذا كان على حرف واحد وأبدلت منه لم يبق شيء من
الحرف يدلّ عليه، فيكون الإبدال منه كالحذف له، فكما لا يجوز
حذفه، كذلك لا يجوز البدل منه. قيل: لا يمتنع البدل منه، وإن
كان على حرف، وما ذكرته ضرب من القياس الذي جاء
__________
(1) في (ط): استفهاما.
(2) في حاشية (ط): بلغت.
(3) السبعة ص 207 وفيه اختلاف يسير في الألفاظ عمّا هنا، ولكن
المؤدى واحد.
(4) سقطت من (ط).
(5) في (ط): لأنّها.
(3/46)
استعمالهم بخلافه. ألا ترى أنّهم قد أبدلوا
من الباء الواو في قولهم: والله، وأبدلوا من الواو التاء في
تالله؟ فهذه حروف مفردة وقد وقع الإبدال منها كما ترى، فكذلك
تكون الهاء بدلا من الهمزة. فإن قلت: فهل يجوز أن تكون الهاء
التي «1» في «ها» التي للتنبيه، كأنّه أراد: ها أنتم، فحذف
الألف من الحرف، كما حذف «2» من «ها» «3» في قولهم: هلمّ؟.
قيل: لا يسهل ذلك، لأنّ الحروف لا يحذف منها، إلّا إذا كان
فيها تضعيف، وليس ذلك في «ها» وإنّما حذف من هلمّ لأنّ اللّام
التي هي فاء في تقدير السكون، لأنّها متحركة بحركة منقولة
[إليها، والحركة المنقولة قد يكون] «4» الحرف المتحرك بها في
نيّة السكون. كقولهم: الحمر، فاللّام في تقدير سكون بدلالة
تقدير الهمزة التي للوصل معها، فكذلك اللّام في هلمّ. فإذا كان
في نيّة سكون استقام حذف الألف من «ها» كما تحذف لالتقاء
الساكنين، وليس ذلك في (هأنتم) فإذا كان كذلك لم يستقم الحذف
فيه كما جاء في هلمّ. ومعنى الاستفهام في أأنتم تقرير.
فأمّا قراءة نافع وأبي عمرو (هانتم) فتحتمل ضربين:
أحدهما «5»: يجوز أن تكون (ها) التي للتنبيه دخلت على أنتم
__________
(1) سقطت من (م).
(2) في (ط): تحذف.
(3) في (م) رسمها متصلة هكذا «منها».
(4) جاءت العبارة المحصورة بين معقوفين في (م) كذا: «وفيها
الحركة المنقولة بدلا من» وما أثبتناه من (ط) أبين.
(5) سقطت من (ط).
(3/47)
ويكون التنبيه داخلا على الجملة كما دخل في
قوله «1»: هلمّ، وكما دخلت (يا) التي للتنبيه في نحو ألا يا
اسجدوا [النمل/ 25] وكما دخلت فيما أنشده أبو زيد [من قوله]
«2»:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم ... أمّ الهنيبر من زند لها واري
«3» [وكما أنشد غيره:
يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا] «4» فإن شئت قلت: إنّ «يا» دخلت
يراد بها منادى محذوف كقوله:
أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله «5» * ..........
__________
(1) في (ط): قولهم.
(2) سقطت من (ط).
(3) سبق في ص 11.
(4) ما بين المعقوفين ساقط من (م) وهذا صدر بيت عجزه:
من هؤليائكنّ الضّال والسّمر وهو من شواهد شرح أبيات المغني 8/
71 ذكره مع جملة أبيات انظر تخريجه هناك. والبيت مختلف في
نسبته، فهو للعرجي كما نسبه العيني ولكامل الثقفي كما في
الدمية ولحسين بن عبد الرحمن العريني عند الصاغاني ولعلي بن
محمد العريني، وهو متأخر، عند السخاوي شارح المفصل. قاله
البغدادي في شرح أبيات المغني 8/ 73.
(5) هذا صدر بيت للصلتان العبدي وعجزه:
جرير ولكن في كليب تواضع.
انظر الكتاب 1/ 328 والخزانة 1/ 304 والمحتسب 1/ 311 والبيت من
قصيدة طويلة يحكم فيها بين جرير والفرزدق فيحكم لجرير بالشعر
وللفرزدق بالمجد انظرها في الأمالي 2/ 141، 142.
(3/48)
وكقوله:
يا لعنة الله والأقوام كلّهم «1» * ..........
وإن شئت جعلته لاحقا للجماعة بدلالة قولهم: هلم، ألا ترى أنّه
لاحق للجملة التي هي (لمّ) بدلالة أن الفريقين جميعا من يثنّي
الفاعل فيه ويجمع، ومن لا يفعل ذلك قد اتفقوا على فتح الآخر
منه؟ وإنّما فتح الآخر منه لبنائها مع الكلمة، ولا يجوز مع هذا
البناء وكون الكلمتين بمنزلة شيء واحد أن تقدر منبّها، فكما
أنّ هذا لاحق للجملة كذلك يجوز في: «يا قاتل الله» «2» وقوله:
ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] لاحقا لها.
فأمّا الهمزة من (أنتم) فيجوز أن تخفّف ولا تحقّق لوقوعها بعد
الألف، كما تقول في هباءة: هباة، وفي المسائل: المسايل ويجوز
أن تكون الهاء في «3» ها أنتم بدلا من همزة الاستفهام، كما
كانت بدلا منها في قول ابن كثير، وتكون الألف التي تدخل بين
الهمزتين لتفصل بينهما، كما تدخل بين النونين لتفصل بينهما في
اخشينانّ.
فإن قلت: إنّ الألف إنّما تلحق لتفصل بين المثلين في:
__________
(1) هذا صدر بيت عجزه:
والصالحين على سمعان من جار انظر الكامل 3/ 1016 الكتاب 1/ 320
والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 6/ 171، ولم ينسب لقائل.
(2) هذا أوّل بيت، سبق قريبا.
(3) في (ط): من.
(3/49)
اخشينانّ، وأاأنتم، واجتماع المثلين قد زال
بإبدال الهاء من الهمزة فلا يحتاج إلى الألف، وإذا لم يحتج «1»
إليها كان قوله: ها أنتم (ها) فيه للتنبيه «2»، ولا تكون الهاء
فيه بدلا من الهمزة، ألا ترى أنّ من قال: هراق قال: أهريق، ولم
يحذف الهاء «3» مع الهمزة كما يحذف إذا قال: أريق لزوال اجتماع
المثلين؟. قيل: إنّ البدل قد يكون في حكم المبدل منه، ألا ترى
أنّك لو سميت رجلا بهرق لقلت: هريق فلم تصرف كما لا تصرف مع
الهمزة، وأنّ حكم الهاء حكم الهمزة؟ وكذلك الهمزة في حمراء،
حكمها حكم الألف التي انقلبت عنه في امتناع الصّرف، وكذلك
الهمزة في علياء، حكمها حكم الياء التي انقلبت عنها في مثل
درحاية «4»، وكذلك قال أبو الحسن: إنّك لو سمّيت بأصيلال لم
تصرفه، فجعل «5» اللام في حكم النون، وذلك لما قامت الدلالة
عليه من أن النون في عطشان لما كانت بدلا من الهمزة في حمراء
جرى عليها ما جرى على الهمزة، فكذلك تكون الهاء إذا كانت بدلا
من الهمزة تجتلب الألف معها كما كانت تجتلب مع الهمزة، وتخفّف
الهمزة من أنتم بعد الألف الفاصلة كما تخفّف بعد الألف من «6»
(ها) فإن كان ما حكوه في الترجمة حكوه عن أبي عمرو، فإنّه يدل
على أنّه كان
__________
(1) في (م): فلا تحتاج ... لم نحتج وما أثبتناه من (ط).
(2) كذا في (ط)، وفي (م): للتثنية وهو خطأ.
(3) كذا في (ط)، وفي (م): الياء. وهو سبق قلم من الناسخ.
(4) في القاموس (درح): رجل درحاية: بالكسر، قصير سمين بطين.
(5) في (ط): فجعلت.
(6) في (ط): في.
(3/50)
يذهب «1» إلى أنّه استفهام، وكذلك، ما حكي
عن نافع ممدود غير مهموز. يريد: أنّه ممدود غير محقّق الهمزة.
وأما قراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (ها أنتم) ممدود
مهموز، فإنّ (ها) فيه تحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما في قراءة
نافع وأبي عمرو إلّا أنّهم حقّقوا الهمزة التي هي بعد الألف
ولم يخفّفوها كما خفّفها أبو عمرو ونافع، وإن لم يروا إلحاق
الألف للفصل بين الهمزتين، كما يراه أبو عمرو في نحو أاأنتم.
فينبغي أن تكون (ها) في قولهم حرف التنبيه، ولا تكون الهاء «2»
بدلا من همزة الاستفهام، كما يجوز أن تكون بدلا منها على قول
من أدخل الألف بين الهمزتين. قال: ولم يختلفوا في مدّ هؤلاء،
وألاء.
قال أبو علي: في هؤلاء لغتان: المدّ والقصر كالتي في قول
الأعشى «3»:
هاؤلى ثمّ هاؤلى «4»
كلّا اعطي ... ت نعالا محذوّة بمثال
__________
(1) في (ط): يذهب فيه.
(2) في (م): «الياء» بدل «الهاء» والصواب ما أثبتناه.
(3) البيت في ديوانه/ 11، والمقتضب 4/ 278، وفي ابن الشجري 1/
30 وابن يعيش 3/ 137، وشرح أبيات المغني 2/ 195: «بنعال» بدل
«بمثال» وكذلك جاء في (ط). وهو من قصيدة طويلة يمدح فيها
الأسود اللخمي. ويشير بذلك إلى إيقاعه ببني محارب حين أحمى لهم
الأحجار، وسيّرهم عليها، فتساقط لحم أقدامهم. وحذا النعل:
قطعها وقدرها على مثال (انظر حاشية الديوان).
(4) رسمها في (ط) في الموطنين «هاؤلا» بإبقاء ألف هؤلاء على
رسمها بعد قصرها بحذف الهمزة بعدها.
(3/51)
[آل عمران: 73]
وكلّهم «1» قرأ: أن يؤتى أحد غير ممدود، إلّا ابن كثير فإنّه
قرأ: أن يؤتى أحد، ممدودا [آل عمران/ 73] «2».
قال أبو علي: فقول الباقين أن المعنى على قراءة الجماعة «3»:
لا تصدقوا إلّا لمن تبع دينكم، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم،
وقوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] اعتراض بين
المفعول وفعله، والتقدير: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما
أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم.
فأمّا قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] فإن «4»
أول الآية: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على
الذين آمنوا وجه النهار [آل عمران/ 72] فقوله «5»: ولا تؤمنوا
... أن يؤتى أحد يكون تؤمنوا فيه متعدّيا بالجارّ، كما كان في
أول الآية متعديا به. وإذا حذفت «6» الجارّ من «أن» كان موضع
«أن» على الخلاف، يكون «7» في قول الخليل جرّا، وفي قول سيبويه
نصبا. وأمّا اللّام في «8» قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم
[آل عمران/ 73]
__________
(1) في (ط): كلهم.
(2) السبعة 207.
(3) جاءت العبارة في (م) كما يلي. ابن كثير (آن يؤتى أحد)
والباقون: [(أن يؤتى أحد)] وأثبتنا ما بين معقوفين من: (ط)
لوضوحه.
(4) في (ط): فإن في.
(5) في (م): «وقوله».
(6) في (ط): حذف.
(7) سقطت من (ط).
(8) في (ط): من.
(3/52)
فلا يسهل أن يعلّقه ب تؤمنوا وأنت قد
أوصلته بحرف آخر جارّ فتعلّق بالفعل جارّين، كما لا يستقيم أن
تعدّيه إلى مفعولين إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد، ألا ترى أنّ
تعدّي الفعل بالجارّ كتعديه بالهمزة، وتضعيف العين؟ فكما لا
يتكرر هذان، كذلك لا يتكرر الجارّ. فإن قلت: فقد جاء:
فلأبغينّكم قنا وعوارضا ... ولأقبلنّ الخليل لابة ضرغد
«1» والتقدير: لأقبلنّ بالخيل «2» إلى هذا الموضع. فإنّ هذا
إنّما جار لأنّ الثاني من المفعولين مكان، فيجوز أن يكون شبه
المختص بالمبهم كقولهم: ذهبت الشام، فيمن لم يجعل الشام اسم
الجهة. فإذا لم يسهل تعليق المفعولين به حملته على المعنى،
والمعنى:
لا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم، كما
تقول:
أقررت لزيد بألف، فيكون اللام متعلقا بالمعنى، ولا تكون زائدة
على حدّ إن كنتم للرءيا تعبرون [يوسف/ 43] ولكن متعلق
بالإقرار.
فإن قلت: فهذا فعل قد تعلّق بجارّين. فإن الجارّين [لم
__________
(1) البيت لعامر بن الطفيل من أصمعية برقم 78 ص 216 قالها في
يوم الرقم كما في معجم البلدان 3/ 456 (ضرغد) وهي المفضلية رقم
107 ص 363 وفي الكتاب 1/ 82، 109، وابن الشجري 2/ 248 والخزانة
1/ 470 وشرح أبيات المغني 8/ 4. قال ابن الأنباري في شرح
المفضليات ص 712. قال الأثرم: الملا: من أرض كلب، وعوارض: جبل
في بلاد بني أسد، واللابة:
الحرة. وضرغد: من أرض العالية. ولابة ضرغد: حرة لبني تميم اهـ
ورواية المصنف رواية الأصمعيات ويروى البيت فلأنعينّكم، بالعين
المهملة قبلها نون ولأهبطنّ، بدل: لأقبلنّ. كما في المفضليات.
(2) في (م): «الخيل» بدون حرف جار، والتقدير جرى عليه.
(3/53)
يتعلقا به] «1» على حدّ أنّه «2» مفعول
بهما، ولكن أحدهما على غير أنّه «3» مفعول به، والمفعول به إذا
تعدى الفعل إليه بالجارّ أشبه الظرف، ولذلك جاز: «سير بزيد
فرسخ» فأقمت الظرف مقام الفاعل، مع أنّ في الكلام مفعولا به
على المعنى، لما كان المفعول به الذي هو الجار والمجرور يشبه
الظرف، ولولا ذلك لم يجز: «سير بزيد فرسخ». فالمعنى: لا تقرّوا
أن يؤتى أحد إلّا لمن تبع دينكم، فاللام غير زائدة. وإن شئت
حملت الكلام على معنى الجحود، لأنّ معنى لا تؤمنوا: اجحدوا،
فكأنّه قيل: اجحدوا أن يؤتى أحد، أو اجحدوا بأن يؤتى أحد إلّا
من تبع دينكم، كأنه قيل:
اجحدوا الناس إلّا من «4» تبع دينكم، فتكون اللّام على هذا
زائدة.
وقد تعدى (آمن) باللّام في غير هذا، قال تعالى: فما آمن لموسى
إلا ذرية [يونس/ 83] وقال: آمنتم له قبل أن آذن لكم [الشعراء/
49، وطه/ 71] ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61] فتعدى
مرّة بالباء، ومرّة باللّام. فأمّا قوله: أن يؤتى أحد [فإنّ
قوله: أحد] «5» إنّما دخل للنفي الواقع في أوّل الكلام، وهو
قوله: ولا تؤمنوا كما دخلت من في قوله: ما يود الذين كفروا من
أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم
[البقرة/ 105] فكما دخلت من في صلة «أن ينزّل» لأنّه مفعول
النفي اللّاحق لأول الكلام، كذلك دخل أحد في
__________
(1) في (ط): لم يتعلّق بهما.
(2) في (ط): أنهما.
(3) زيادة من (ط).
(4) في (ط): لمن.
(5) في (م): «فإنّ أحدا».
(3/54)
صلة «أن» من قوله: أن يؤتى أحد لدخول النفي
في أول الكلام.
ووجه قول ابن كثير أنّ: (أن) في موضع رفع بالابتداء. ألا ترى
أنّه لا يجوز أن يحمل على ما قبله من الفعل لقطع الاستفهام
بينهما، كما كان يحمل عليه قبل؟ فارتفع بالابتداء. وخبره:
تصدّقون به، وتعترفون «1» به، أو تذكرونه لغيركم، ونحو هذا مما
دلّ عليه قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، وهذا في «2» قول
من قال: أزيد ضربته، ومن قال: أزيدا ضربته، كان (أن) عنده «3»
في موضع نصب، ومثل حذف خبر المبتدأ هنا، لدلالة ما قبل
الاستفهام عليه، حذف الفعل في قوله [جلّ وعزّ] «4» آلآن وقد
عصيت قبل [يونس/ 91] التقدير: الآن أسلمت حين لا ينفعك
الإيمان، للإلجاء من أجل المعاينة إلى الإيمان، كما قال: يوم
يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل
[الأنعام/ 158] فحذف الفعل لدلالة ما قبل الاستفهام عليه،
فكذلك حذف خبر المبتدأ من قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل
عمران/ 73] ويجوز أن يكون موضع (أن) نصبا فيكون المعنى «5»:
أتشيعون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو أتذكرون أن يؤتى أحد.
ويدلّ على جواز ذلك قوله تعالى «6»: أتحدثونهم بما فتح الله
عليكم [البقرة/ 76]
__________
(1) في (ط): أو تعترفون.
(2) في (ط): «من».
(3) سقطت «أن» من (م).
(4) زيادة من (ط).
(5) في (ط): التقدير.
(6) سقطت من (ط).
(3/55)
فحديثهم بذلك إشاعة منهم له ذكر وإفشاء.
ومثل هذا في المعنى في قراءة ابن كثير قوله: وإذا خلا بعضهم
إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به
عند ربكم أفلا تعقلون
[البقرة/ 76] فوبخ بعضهم بعضا. بالحديث بما علموه من أمر
النبي- صلى الله عليه وسلم- «1» وعرفوه من وصفه «2»، فهذه
الآية في معنى قراءة ابن كثير، ولعله اعتبرها في قراءته هذه
«3». فإن قلت: فكيف وجه دخول أحد في قراءة ابن كثير، وقد انقطع
من النفي بلحاق الاستفهام، والاستفهام ما بعده منقطع مما قبله،
والاستفهام على قوله تقرير وتوبيخ كما أنه في «4» قوله:
أتحدثونهم بما فتح الله عليكم تقرير، وإذا كان تقريرا كان
بمعنى الإيجاب، وإذا كان بمعنى الإيجاب، لم يجز دخول أحد في
الكلام كما لم يجز دخوله في الإيجاب، ألا ترى أن التقرير لا
يجاب بالفاء كما لا يجاب الإيجاب بها؟ وأحد على قول ابن كثير
أيضا يدلّ «5» على الكثرة، كما أنّه في قول سائرهم ممن لا
يستفهم كذلك، ألا ترى أن بعده: أو يحاجوكم والضمير ضمير جماعة؟
فالقول في ذلك أنّه يجوز أن يكون أحد في هذا الموضع أحدا الذي
في نحو: أحد وعشرون «6» وهذه تقع في الإيجاب، ألا ترى أنّه
بمعنى واحد؟.
__________
(1) سقطت (وسلم) من (ط).
(2) في (ط): صفته.
(3) زيادة من (ط).
(4) في (ط): على.
(5) في (ط): يدل أيضا.
(6) في (ط): أحد وعشرين.
(3/56)
وقد قال أحمد بن يحيى: إن أحدا، ووحدا،
وواحدا بمعنى، وجمع ضمير أحد، لأنّ المراد به الكثرة، فحمل على
المعنى في قوله: أو يحاجوكم، وجاز ذلك لأنّ الأسماء المفردة قد
تقع للشياع، وفي «1» المواضع التي يراد بها الكثرة، فهذا موضع
ينبغي أن ترجّح له قراءة غير ابن كثير على قراءته، لأنّ
الأسماء التي هي مفردة تدلّ على الكثرة ليس بالمستمر في كلّ
موضع. وفي قراءة غيره ليس يعترض هذا ويقوي قوله:
يخرجكم طفلا [غافر/ 67] واجعلنا للمتقين إماما [الفرقان/ 74]
فيمن جعل الإمام مثل كتاب ولم يجعله كصحاف «2».
[آل عمران: 80]
اختلفوا في ضمّ الرّاء وفتحها من قوله تعالى «3»: ولا يأمركم
[آل عمران/ 80].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، ولا يأمركم رفعا،
وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: ولا يأمركم نصبا.
ولم يختلفوا في رفع الراء من قوله: أيأمركم بالكفر [آل عمران/
80] إلّا اختلاس أبي عمرو «4».
__________
(1) في (ط): في المواضع.
(2) في (ط): مثل صحاف.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 213.
(3/57)
قال أبو علي: قال سيبويه: قال «1» تعالى:
ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول
للناس [آل عمران/ 79] ثم قال: ولا يأمركم فجاءت منقطعة من
الأول، لأنّه أراد: ولا يأمركم الله. قال: وقد نصبها بعضهم على
قوله: ما كان لبشر ... أن يأمركم أن تتخذوا «2».
ومما يقوي الرفع أنّه في حرف ابن مسعود زعموا: ولن يأمركم فهذا
يدل على الانقطاع من الأول. وممّا يقوّي النصب أنّه قد جاء في
السّير فيما ذكر عن «3» بعض شيوخنا أنّ اليهود قالوا:
للنّبيّ صلى الله عليه وسلم «4»: أتريد يا محمد أن نتخذك ربّا؟
فقال الله تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم
والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ... ولا
يأمركم «5».
[آل عمران: 79]
اختلفوا في فتح التاء واللام والتخفيف وضمّها والتشديد في «6»
قوله [جلّ وعزّ] «7»: تعلمون الكتاب [آل عمران/ 79].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: تعلمون بإسكان العين ونصب
اللام.
__________
(1) في (ط): قوله.
(2) انظر الكتاب 1/ 430.
(3) «عن» زيادة من (ط).
(4) سقطت من (ط).
(5) روى هذا الخبر الطبري في تفسيره 3/ 325 وابن كثير 1/ 377
كلاهما من حديث أبي رافع القرظي. وانظر القرطبي 4/ 123.
(6) في (م): (من) والمتبت من (ط) والسبعة.
(7) سقطت من (ط).
(3/58)
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي:
تعلمون مثقّلا.
قال أبو علي: قال سيبويه: علّمت: أدّبت، وأعلمت:
آذنت «1»، والباء في قوله: بما كنتم. متعلقة بقوله: كونوا من
قوله: ولكن كونوا ربانيين بما كنتم [آل عمران/ 79] ومثل ذلك
قول طفيل «2»:
نزائع مقذوفا على سرواتها ... بما لم تخالسها الغزاة وتركب
وقول الأعشى:
................ .. ... قالت بما قد أراه بصيرا
«3» فأمّا (ما) في كلتا «4» القراءتين فهي التي مع الفعل
بتأويل المصدر مثل أن الناصبة للفعل في أنّها مع الفعل كذلك،
والتقدير:
بكونكم تعلمون، ولا عائد من الصلة إلى الموصول، يدلك على ذلك
«5» أنه لا يخلو الذكر إن عاد من أن يكون من «6» قوله:
__________
(1) الكتاب 2/ 236.
(2) في (م) «الشاعر» بدل «طفيل» والبيت سبق في 1/ 302 وفي
المعاني الكبير 1/ 99، وفي ديوانه ص/ 23 برواية يسهب، قال ابن
قتيبة: المسهب:
المهمل المتروك، ويقال: مقذوفا على سرواتها الشحم، بما لم
تخالسها الغزاة. أي: حين ترك ركوبها والمخالسة لها سمنت، ولو
كان يفعل ذلك بها لضمرت ومن ذهب إلى هذا رواه: «يخالسها الغزاة
ويركب».
(3) جزء من بيت للأعشى وتمامه: على أنّها إذ رأتني أقا ... د
قالت ...
انظر ديوانه/ 95.
(4) جاء رسمها في الأصل «كلتى» بالألف المقصورة.
(5) في (م) «يدل على أنه».
(6) في (م): (في).
(3/59)
كنتم أو من تعلمون فلا يجوز أن يعود من
قوله: كنتم، لأنّ قوله تعلمون في موضع نصب.
ألا ترى أنّ التقدير: بكونكم عالمين للكتاب؟ وإذا كان في موضع
نصب لم يجز أن يقدر في الكلام راجع إلى الموصول لاستيفائه
المفعول الذي يقتضيه ظاهرا، ولا يجوز أن يعود من تعلمون، لأنّ
قوله تعلمون قد استوفى أيضا المفعول الذي يقتضيه وهو قوله:
الكتاب فإذا كان كذلك علمت أنّه لا راجع في الصلة إلى الموصول،
ومثل ذلك قوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10]
ومثله قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا
بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] التقدير:
كنسيانهم «1» لقاء يومهم هذا، وككونهم «1» بآياتنا جاحدين.
فأمّا قوله: تعلمون: فهو من العلم الذي يراد به المعرفة فيتعدى
إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في
السبت [البقرة/ 65] والله يعلم المفسد من المصلح [البقرة/
220]. فإذا ضعّفت العين تعدى إلى مفعولين، كما أنّك لو نقلت
بالهمزة كان كذلك، فالمفعول الثاني من قوله: في قراءة من قرأ:
تعلمون الكتاب محذوف. التقدير:
بما كنتم تعلّمون الناس الكتاب، أو: غيركم الكتاب، ونحو هذا،
وحذف [هنا] «3» لأنّ المفعول به قد يحذف من الكلام كثيرا،
__________
(1) في (م): «بنسيانهم ... وبكونهم» وما أثبتناه من (ط) جار مع
قوله تعالى: كما نسوا ... وما كانوا ... » أي: وكما كانوا ...
(3) زيادة من (ط).
(3/60)
ومثل ذلك قوله تعالى «1»: وعلم آدم الأسماء
كلها [البقرة/ 31] فهذا منقول من: علم آدم الأسماء، وعلّمه
الله الأسماء. وحجّة من قال: (بما كنتم تعلمون)، أبا عمرو قال
فيما زعموا: يصدّقها «2»: تدرسون «3»، ولم يقل: تدرّسون، ومن
حجّتها أنّ العالم الدارس قد يدرك بعلمه ودرسه مما «4» يكون
داعيا إلى التمسك بعلمه، والعمل به ما يدركه العالم المعلّم في
تعليمه، ألا ترى أنّه يتكرر عليه في درسه ما يتكرر في تعليمه
مما ينبّه ويبصّر من اللطائف التي يثيرها النظر في حال الدرس؟.
[قال أبو زيد كلاما معناه: لا يكون الدرس درسا حتى تقرأه على
غيرك] «5».
وحجة من قال: تعلّمون، أن التعليم أبلغ في هذا الموضع، لأنّه
إذا علّم الناس فلم يعمل بعلمه، ولم يتمسك بدينه كان مع
استحقاق الذّم بترك عمله بعلمه داخلا في جملة من وبّخ بقوله:
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [البقرة/ 44]، ومن حجّتهم:
أن الذي يعلّم لا يكون إلّا عالما بما يعلّم. فإذا علّم كان
عالما، فيعلّم في هذا الموضع، أبلغ لأنّ المعلّم عالم، والعالم
لا يدلّ على علّم.
__________
(1) «تعالى» زيادة من (ط).
(2) في (ط) «تصديقها».
(3) جاء في هامش (ط) في نهاية الورقة (114): قال أبو زيد: لا
يكون درسا حتى تقرأه على غيرك هـ.
(4) في (ط): (ما).
(5) ما بين المعقوفين ذكر في (ط) وسقط من (م). وتكرر في (ط)
على الحاشية كما سبقت الإشارة إلى ذلك في التعليق؟.
(3/61)
[آل عمران: 81]
واختلفوا «1» في فتح اللام وكسرها من قوله: لما آتيتكم [آل
عمران/ 81].
فقرأ حمزة وحده: (لما) مكسورة اللّام.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: لما مفتوحة اللام.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم (لما) بكسر اللام، وذلك غير محفوظ
عن حفص عن عاصم، والمعروف عن عاصم في رواية حفص وغيره فتح
اللام «2».
قال أبو علي: وجه قراءة حمزة (لما آتيتكم) بكسر اللّام أنّه
يتعلق بالأخذ كأنّ المعنى: أخذ ميثاقهم لهذا، لأنّ من يؤتى
الكتاب والحكمة يؤخذ عليهم الميثاق لما أوتوه من الحكمة،
وأنّهم الأفاضل وأماثل الناس. فإن قلت: أرأيت الجملة التي هي
قسم هل يفصل بينها وبين المقسم عليه بالجارّ؟. قيل: قد قالوا:
«بالله» والجارّ والمجرور متعلقان بالفعل والفاعل المضمرين
وكذلك قوله:
ألم ترني عاهدت ربي .........
على حلفة لا أشتم الدهر «3» ............
__________
(1) في (ط): اختلفوا.
(2) السبعة ص 213.
(3) هاتان قطعتان من بيتين للفرزدق، وهما:
ألم ترني عاهدت ربي وإنّني ... لبين رتاج قائما ومقام
على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام
انظر ديوانه 2/ 769 - وفيه على قسم بدل على حلفة- وسيبويه 1/
173 والكامل للمبرد 1/ 105 والمحتسب 1/ 57 وشرح أبيات المغني
5/ 254 وشرح شواهد الشافية 4/ 72.
(3/62)
فيمن جعل لا أشتم يتلقى قسما. وهو قول
الأكثر، علّق قوله: على حلفة بعاهدت، فكذلك قوله: (لما آتيتكم)
في قراءة حمزة. فإن قال «1» إنّ (ما) في قوله: (لما) «2»
موصولة، فلا يجوز أن تكون غير موصولة، كما جاز ذلك في قول من
فتح اللام، فإذا كان كذلك، لزم «3» أن يرجع من الجملة المعطوفة
على الصلة ذكر إلى الموصول وإلّا لم يجز. ألا ترى أنّك لو قلت:
الذي قام أبوه ثم انطلق زيد، ذاهب، لم يجز، إذا لم يكن راجع
مذكور، وليس يقدّر «4» محذوف؟.
قيل: يجوز أن يكون المظهر بمنزلة المضمر، ألا ترى أنّ قوله: ما
معكم هو في المعنى: ما أوتوه من الكتاب والحكمة، فهذا يكون على
قياس قول أبي الحسن مثل قوله «5»: إنه من يتق ويصبر فإن الله
لا يضيع أجر المحسنين [يوسف/ 90] والمعنى كأنّه قال: لا يضيع
أجرهم لأنّ المحسنين هو من يتقي «6» ويصبر، وكذلك قوله: إن
الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا
[الكهف/ 30] المعنى عنده «7» إنّا لا نضيع
__________
(1) في (ط): قيل.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (ط): وجب.
(4) في (ط): أو مقدر.
(5) في (ط): قوله تعالى.
(6) في (ط): «يتق» جاءت على أصل القراءة التي أثبتها في
الأصلين. وجاءت في (م) «يتقي» بإثبات الياء. على اعتبار أن
(من) اسم موصول وليست اسم شرط. وإثبات الياء قراءة قنبل عن ابن
كثير وحده في الوصل والوقف. كما في السبعة ص 351.
(7) في (ط): «عندهم».
(3/63)
أجرهم لأنّ من أحسن عملا هم الذين آمنوا
وعملوا الصالحات.
فكذلك قوله: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما
معكم تقديره: مصدّق له: أي: مصدق لما آتيتكم من كتاب وحكمة.
ألا ترى أنّ ما معهم هو ما أوتوه من كتاب وحكمة؟
فهذا وجه. ويجوز فيه شيء آخر، وهو: أن يكون: (لما آتيتكم من
كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول [مصدق لما معكم لتؤمنن] به) أي:
بتصديقه، أي: بتصديق ما آتيتكموه، فحذف من الصلة، وحسن الحذف
للطّول، كما حسن الحذف للطول فيما حكاه «1» الخليل من قولهم:
«ما أنا بالذي قائل لك شيئا» «2».
فأمّا من فتح اللام فقال: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم
فإنّ ما فيه تحتمل «3» تأويلين: أحدهما: أن تكون موصولة،
والآخر: أن تكون للجزاء. فمن قدّرها موصولة، كان القول فيما
يقتضيه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم [آل عمران/ 81] من
الراجع إلى الموصول، ما تقدّم ذكره في وجه قراءة حمزة. فأمّا
الراجع إلى الموصول من الجملة الأولى فالضمير المحذوف من الصلة
تقديره: لما آتيتكموه، فحذف الراجع كما حذف من قوله: أهذا الذي
بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] ونحو ذلك. واللّام في لما فيمن
قدّر ما موصولة لام الابتداء وهي المتلقية «4» لما أجري مجرى
القسم من قوله:
__________
(1) في (ط): ذكره.
(2) في سيبويه 1/ 399: زعم الخليل أنّه سمع عربيّا يقول «ما
أنا ... ».
(3) في (ط): «يحتمل».
(4) في (ط): المنقلبة.
(3/64)
وإذ أخذ الله ميثاق النبيين [آل عمران/ 81]
وموضع ما رفع بالابتداء، والخبر: لتؤمنن به [آل عمران/ 81]
ولتؤمننّ: متعلق بقسم محذوف، المعنى: والله لتؤمننّ به. فإذا
قدرت (ما) للجزاء كانت (ما) في موضع نصب بآتيتكم وجاءكم في
موضع جزم بالعطف على آتيتكم، واللّام الداخلة على (ما) لا تكون
المتلقية للقسم، ولكن تكون بمنزلة اللّام في قوله: لئن لم ينته
المنافقون والذين في قلوبهم مرض [الأحزاب/ 60]. والمتلقية
للقسم قوله:
لتؤمنن به كما أنّها في قوله: لئن لم ينته المنافقون قوله
لنغرينك بهم [الأحزاب/ 60]. وهذه اللّام الداخلة على إن في لئن
لا يعتمد القسم عليها، فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة كما
قال: وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا [المائدة/
73] فتلحق هذه اللّام مرة (إن) ولا تلحق أخرى، كما أنّ «1»
(أن) كذلك في قوله: والله أن لو فعلت لفعلت، وو الله لو فعلت
لفعلت.
فهذه اللام بمنزلة (أن) الواقعة بعد لو. قال سيبويه: سألته-
يعني الخليل- عن قوله: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم
من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه
[آل عمران/ 81] فقال: (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ودخلتها اللام
كما دخلت على (إن) حين قلت: لئن فعلت لأفعلنّ، فاللّام التي في
(ما) مثل هذه التي في (إن) واللّام التي في الفعل كهذه التي في
الفعل هاهنا «2».
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) انظر الكتاب 1/ 455.
(3/65)
قال أبو عثمان: فيما حكى عنه أبو يعلى [ابن
أبي زرعة] «1»: زعم سيبويه أنّ (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ثمّ
فسّر تفسير الجزاء.
والقول فيما قاله من أنّ لما بمنزلة الذي، أنّه أراد أنّه اسم
كما أنّ الذي اسم، وليس بحرف كما كان حرفا في قوله: وإن كلا
لما ليوفينهم [هود/ 111] وإن كل ذلك لما متاع
الحياة الدنيا
[الزخرف/ 35] فهذا المعنى أراد بقوله: أنّه بمنزلة الذي ولم
يرد أنّها موصولة كالذي. وإنّما لم يحمله سيبويه على أنّ (ما)
موصولة بمنزلة الذي لأنّه لو حمله على ذلك للزم أن يكون في
الجملة المعطوفة على الصّلة، ذكر يعود إلى «2» الموصول فلمّا
لم ير ذلك مظهرا، ولم ير أن يضع المظهر موضع المضمر كما يراه
أبو الحسن، عدل عن القول بأنّ (ما) موصولة إلى أنّها للجزاء،
ولا يجيز سيبويه:
لعمرك ما معن بتارك حقّه ولا منسئ أبو زيد «3» ...
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة من (ط).
(2) في (ط): على.
(3) هكذا وقعت الرواية بالأصل: أبو زيد ... وبنى عليها
الفارسي- كما ترى- تعليله.
وهذا بيت للفرزدق في ديوانه 1/ 384 ونصه:
لعمرك ما معن بتارك حقه ... ولا منسئ معن ولا متيسّر
وهو في الكتاب 1/ 31 والخزانة 1/ 181 وفي ذيل أمالي القالي ص
73: قال أبو محلم: ومعن: رجل كان كلّاء بالبادية يبيع بالكالئ
أي: بالنسيئة، وكان يضرب به المثل في شدّة التقاضي وفيه يقول
القائل: قال أبو الحسين أنشدناه المبرد للفرزدق-: لعمرك ما معن
.... البيت. اهـ وقال البغدادي في
(3/66)
إذا كان أبو زيد كنيته لأنّه ليس باسمه
الظاهر ولا المضمر، وأبو الحسن يجيز ذلك فلم يحمل الآية على ما
لا يراه، ولم يحملها على الحذف من المعطوف على الصلة أيضا،
لأنّه ليس بالكثير، ولا بموضع يليق به الحذف، ألا ترى أنّها
إنّما تذكر للإيضاح. فإن قلت فمن جعل (ما) موصولة في قوله: لما
آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] وجب أن تكون على قوله
ابتداء، وإذا كانت «1» ابتداء اقتضت «2» خبرا، فما خبر هذا
المبتدأ؟.
قيل: خبره قوله: لتؤمنن به، والذكر الذي في به يعود على الذي
آتيتكموه، والذكر الذي في لتنصرنه يعود على رسول المتقدم ذكره،
ولا يجوز أن يعود الذكر الأول أيضا على رسول «3» لبقاء الموصول
حينئذ غير عائد إليه من خبره ذكر. فأمّا من جعله جزاء فإنّه لا
يمتنع على رأيه أن يكون الذكر في لتؤمننّ به عائدا أيضا على
رسول المتقدّم ذكره، لأنّ (ما) إذا كانت للجزاء لا تحتاج إلى
عائد ذكر، كما تحتاج إليه (ما) التي بمنزلة الذي في أنّها
موصولة لأنّ (ما) إذا كانت جزاء مفعول بها، والمفعول لا يحتاج
إلى عائد ذكر. فإن قلت: فما وجه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما
معكم
__________
الخزانة في شرح البيت: قال شراح أبيات الكتاب: عنى بالبيت معن
بن زائدة الشيباني وهو أحد أجواد العرب ... وهذا غير صحيح، فإن
معن بن زائدة متأخر عن الفرزدق، فإنه قد توفي الفرزدق في سنة
عشر ومائة وتوفي معن بن زائدة في سنة ثمان وخمسين ومائة.
(1) في (ط): كان.
(2) في (ط): اقتضى.
(3) في (ط): رسول الله.
(3/67)
، والنبيّون لم يأتهم الرسول؟ ألا ترى أنّ
النبي- صلى الله عليه وسلم- «1» لم يكن في وقته رسول ولا نبي،
وإنّما الذين [كانوا في زمانه أهل الكتاب] «2». قيل: يجوز أن
يعنى بذلك أهل الكتاب في المعنى، لأنّ الميثاق إذا أخذ على
النبيّين، فقد أخذ على الذين أوتوا كتبهم من أممهم، وعامّة ما
شرع للأنبياء قد شرع لأممهم وأتباعهم، من ذلك «3» أن الفروض
التي تلزمنا تلزم نبينا صلى الله عليه وسلم «4»، وإذا كان
كذلك، فأخذ الميثاق على النبيّين كأخذ ميثاق الذين أوتوا كتبهم
من أممهم. ومن ثم جاء نحو: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
[الطلاق/ 1] فجمع النبي صلى الله عليه وسلم «5» ومن تبعه «6»
في الخطاب الواحد. فهذا من جهة المعنى. ويجوز من جهة اللفظ أن
يكون المراد: وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيّين أو أتباع
النبيّين. وأهل الكتاب إنّما يأخذ عليهم الميثاق الأنبياء
الذين أتوهم بالكتب، كما أخذه نبيّنا، عليه السلام، على أمّته
فيما جاء من قوله «7»: وما لكم لا تؤمنون. بالله والرسول
يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم «8» إن كنتم مؤمنين
[الحديد/ 8].
[آل عمران: 81]
اختلفوا في التاء والنون من قوله تعالى «9»: آتيتكم [آل عمران/
81].
__________
(1) سقطت (وسلم) من (ط).
(2) في (ط): كانوا أهل الكتاب في زمانه.
(3) في (ط): يبين ذلك.
(4) سقطت (وسلم) في (ط).
(5) سقطت (وسلم) من (ط).
(6) في (م): «معه».
(7) في (ط): قوله تعالى.
(8) هذه قراءة أبي عمرو وحده كما سيأتي، وفي (ط) ضبطها (أخذ)
على قراءة الجمهور.
(9) سقطت من (ط).
(3/68)
فقرأ نافع وحده: (آتيناكم) بالنون. وقرأ
الباقون: آتيتكم بالتاء «1».
[قال أبو علي] «2»: الحجة لنافع في قراءته: (لما آتيناكم)،
قوله تعالى: وآتينا داود زبورا [الإسراء/ 55] وآتيناه الحكم
صبيا [مريم/ 12] وآتيناهما الكتاب المستبين [الصافات/ 17] ونحو
ذلك.
وحجة من قال: آتيتكم، قوله: هو الذي ينزل على عبده آيات بينات
[الحديد/ 9] ونزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] والحمد لله
الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1].
[آل عمران: 83]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: يبغون، و (ترجعون)
[آل عمران/ 83].
فقرأ أبو عمرو وحده: يبغون، بالياء مفتوحة (وإليه ترجعون)
بالتاء مضمومة. وقرأهما الباقون: (تبغون وإليه ترجعون) بالتاء
جميعا.
وروى حفص عن عاصم: يبغون، ويرجعون بالياء جميعا «4».
قال أبو علي: هذا مخاطبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم «5»،
بدلالة قوله: قل آمنا بالله [آل عمران/ 84] فإذا كان كذلك كان
هذا حجة لمن قرأ
__________
(1) السبعة ص 214.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 214.
(5) سقطت (وسلم) من (ط).
(3/69)
بالتاء على تقدير: قل لهم: (أفغير دين الله
تبغون وإليه ترجعون) [آل عمران/ 83] ليكون مثل (تبغون) في أنّه
خطاب. ويؤكّد التاء في (ترجعون) أنّهم كانوا منكرين للبعث،
ويدل على ترجعون إلي مرجعكم [آل عمران/ 55].
وحجة من قرأ بالياء: يبغون أنّه على تقدير: قل: كأنّه قل لهم:
أفغير دين الله يبغون، وإليه يرجعون؟! فهذا: لأنّهم غيب فجاء
على لفظ الغيبة وكذلك: وإليه يرجعون. وقد تقدّم القول في
ترجعون ويرجعون. والمعنى على الوعيد، أي: أيبغون غير دين الله،
ويزيغون عن دينه مع أنّ مرجعهم إليه فيجازيهم على رفضهم له.
وأخذهم ما سواه «1»؟.
[قوله: إصري آل عمران/ 81] «2».
قال: كلهم قرأ إصري بكسر الألف إلّا ما حدّثني به محمد بن أحمد
بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان عن معلّى [ابن منصور] «3» عن
أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ:
أصري بضم الألف «4».
قال أبو علي: يشبه أن يكون الضمّ في «الأصر» لغة في «الإصر».
[آل عمران: 97]
اختلفوا في نصب الحاء وكسرها من قوله جلّ وعزّ «5»: حج البيت
[آل عمران/ 97].
__________
(1) في (م): «سواه».
(2) ما بين معقوفين ساقط من الأصل، واستدركناه من السبعة.
(3) زيادة في السبعة ص 214.
(4) المصدر السابق.
(5) في (ط): تعالى.
(3/70)
فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: حج البيت
بكسر الحاء.
وقرأ الباقون: (حج البيت) بفتح الحاء «1» قال أبو علي: قال
سيبويه: حجّ حجّا، مثل: ذكر ذكرا «2»، فحجّ على هذا مصدر، فهذا
حجة لمن كسر الحاء. وقال أبو زيد:
قال المفضّل: أنشدني أبو الغول هذا البيت لبعض أهل اليمن:
لا همّ إن كنت قبلت حجّتج ... فلا يزال شاحج يأتيك بج
«3» قال أبو علي فقوله: حجّتي مصدر حججت، حجّة.
قال أبو زيد: الحجج: السنون، واحدتها «4» حجّة.
قال أبو علي: يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ «5»: على أن تأجرني
ثماني حجج [القصص/ 27].
__________
(1) انظر السبعة 214.
(2) الكتاب 2/ 216.
(3) هذان بيتان من مشطور الرجز في النوادر ص 456 (ط الفاتح)
ومعهما ثالث هو: أقمر نهات ينزي وفرتج وفيها: «يا رب» مكان «لا
هم».
والأبيات في سر صناعة الإعراب 1/ 193، وشرح شواهد الشافية 4/
215، 216 وفي المحتسب 1/ 75 ومجالس ثعلب 1/ 171 البيتان فقط.
تنويه: توهم البغدادي رحمه الله في شرح شواهد الشافية أن أبا
علي الفارسي وابن جني لم يخطر على بالهما رواية هذه الأبيات عن
أبي زيد في نوادره، ولهذا نسباها إلى الفراء .. إلخ ما قال،
فهذا إن صح عن ابن جني كما في سر الصناعة، لأنه رواه عن
الفراء- لا يصح عن الفارسي الذي رواه كما نرى عن أبي زيد عن
المفضل عن أبي الغول، وهو السند نفسه في النوادر.
(4) في (م): «واحدها».
(5) في (ط): تعالى.
(3/71)
وقال أبو زيد: والحجّة، من حجّ البيت:
الواحدة «1».
وقال سيبويه: قالوا: غزاة، فأرادوا عمل وجه واحد، كما قالوا:
حجّة يريد «2»: عمل سنة «3»، ولم يجيئوا بها على الأصل، ولكنّه
اسم له «4»:
فقوله: لم يجيئوا به «5» على الأصل، أي: على الفتح الذي هو
للدّفعة من الفعل، ولكن كسروه فجعلوه اسما لذا المعنى كما أنّ
غزاة كذلك، ولم تجىء فيه الغزوة وكان القياس [أن تجيء] «6».
قال أبو زيد: ويقال: حجّ، وأنشد:
أصوات حج من عمان غادي «7» قال: يريد أصوات حجّاج، وأنشد أبو
زيد:
وإن رأيت الحجج الرّواددا ... قواصرا للعمر أو مواددا
«8»
__________
(1) النوادر ص 457.
(2) في (ط): يريد فيه.
(3) في (ط): سنة واحدة.
(4) الكتاب 2/ 230 مع اختلاف يسير في العبارة.
(5) في (ط): بها.
(6) زيادة من (ط).
(7) سبق البيت في 2/ 306.
(8) البيت في النوادر/ 457 وفيه: مراددا» بدل «مواددا» وفي (م)
«مواردا» وهو في الخصائص لابن جني 1/ 161، 3/ 87، برواية ما
أثبتناه من (ط) وموادد:
على وزن فواعل من صيغ منتهى الجموع وهي قياسية من مادّه في
المدة، أي أطالها. وفي الحديث: «إن شاءوا ماددناهم» انظر
اللسان والتاج (مدد) والروادد: على وزن فواعل من الفعل (ردّ)،
وفي التكملة للصاغاني يشتقها من (رود)، ويجعل واحد الروادد
الرودد، وفسره بالعاطف.
(3/72)
فالحجج اسم السنين كما قدّمه. وقولهم: حجّ
في الحجّاج يجوز أن يكون تسمية بالمصدر على قول من كسر فيكون
كزور وعدل، ويجوز أن يكون اسما صيغ للجمع كقوم
ورهط.
[آل عمران:/ 115]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ] «1»: وما تفعلوا
من خير فلن تكفروه «2» [آل عمران/ 115].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بالتاء،
وكان أبو عمرو لا يبالي كيف قرأهما بالياء، أو بالتاء.
وقال علي بن نصر عن هارون عن أبي عمرو بالياء، ولم يذكر التاء.
وكان حمزة والكسائي وحفص عن عاصم يقرءونها بالياء «3».
[قال أبو علي] «4»: حجة من قرأ بالتاء: قوله «5» إن أحسنتم
أحسنتم لأنفسكم [الإسراء/ 7] وقوله: وما تنفقوا من خير، يوف
إليكم [البقرة/ 272] وقوله «5»: وما تفعلوا من خير يعلمه الله
وتزودوا [البقرة/ 197] قوله: يعلمه الله أي: يجازي «7» عليه.
وحجّة من قرأ بالياء أنّه قد تقدّم أمة قائمة يتلون آيات الله
[آل عمران/ 113] وما يفعلوا من خير فلن يكفروه [آل عمران/
115].
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (ط): بالياء في قوله: «يفعلوا ... يكفروه».
(3) انظر السبعة ص 215.
(4) سقطت من (ط).
(5) زيادة من (ط).
(7) في (م): يجاز.
(3/73)
[آل عمران: 120]
اختلفوا في ضمّ الضّاد وتشديد الرّاء، وكسر الضاد، وتخفيف
الراء من قوله تعالى «1» لا يضركم [آل عمران/ 120].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: (لا يضركم) «2» بكسر الضاد
وتخفيف الراء.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يضركم: بضم الضاد وتشديد
الراء. [حدثنا ابن مجاهد قال]: أخبرني أبو عبد الله محمد بن
عبد الله المقرئ «3» عن عبد الرزّاق بن الحسن قال حدثنا: أحمد
بن جبير قال: حدثنا حجّاج الأعور عن حمزة أنّه
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) ما بين المعقوفين سقطت من (ط).
(3) كذا جاء في الأصل عندنا، وفي السبعة: أخبرني بذلك أبو عبد
الله محمد بن عبد الله الرملي، عن عبد الرزاق بن الحسن ... قال
الجزري: هو محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن سليمان أبو بكر
الضرير الرملي، من رملة لدّ، يعرف بالداجوني الكبير، إمام كامل
ناقل رحّال مشهور ثقة ... حدّث عنه ابن مجاهد، وحدّث هو عن ابن
مجاهد، وصنف كتابا في القراءات، قال الداني: إمام مشهور ثقة
مأمون، حافظ، ضابط، رحل إلى العراق وإلى الريّ بعد سنة
ثلاثمائة، قلت: وقد دلّس ابن مجاهد اسمه في كتابه فقال: حدثنا
أبو عبد الله محمد بن عبد الله الرملي المقرئ. قال حدثنا عبد
الرزاق، فمحمد بن عبد الله هذا هو الداجوني وقال في مكان آخر
حدثنا محمد بن أحمد المقرئ قال حدثنا عبد الرزاق بن الحسن،
والمقرئ هذا هو الداجوني، مات في رجب سنة أربع وعشرين
وثلاثمائة عن إحدى وخمسين سنة اهـ منه. الطبقات 2/ 77. والمكان
الآخر الذي ذكره فيه ابن مجاهد هو في سورة الأنعام، قال:
«أخبرني بذلك محمد بن أحمد المقرئ قال حدثنا عبد الرزاق بن
الحسن ... » انظر السبعة ص 268.
(3/74)
قرأ: (لا يضركم) مثل قراءة أبي عمرو «1».
قال أبو علي: من قال: (لا يضركم) جعله من ضار يضير مثل باع
يبيع وحجّته قوله: قالوا: لا ضير [الشعراء/ 50] فضير مصدر
كالبيع.
وقال الهذليّ:
فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها
«2» وحجّة من قال: لا يضركم قوله تعالى: ويعبدون من دون الله
ما لا يضرهم ولا ينفعهم [يونس/ 18] فكلتا القراءتين حسنة
لمجيئهما جميعا في التنزيل.
[آل عمران: 124]
قال: وكلّهم قرأ منزلين، [آل عمران/ 124] خفيف «3» الزاي غير
ابن عامر فإنّه قرأ منزلين مشدد الزاي «4».
قال أبو علي: حجّة ابن عامر: تنزل الملائكة والروح فيها
[القدر/ 4] ألا ترى أنّ [مطاوع نزّل ينزّل نزّلته فتنزّل] «5»،
وقوله
__________
(1) السبعة ص 215.
(2) البيت لأبي ذؤيب في شرح أشعار الهذليين 1/ 208، والكتاب
لسيبويه 1/ 438 والمقتضب 2/ 72، وابن يعيش 8/ 158، والخزانة،
3/ 647 وشرح شواهد الألفية للعيني 4/ 431، والأشموني 1/ 18،
وشرح أبيات المغني 1/ 372 و 5/ 52 قال الأعلم في شرح البيت:
وصف قرية كثيرة الطعام، من امتار منها، وحمل فوق طاقته، لم
ينقصها.
(3) في (ط): خفيفة.
(4) السبعة ص 215.
(5) جاء ما بين المعقوفين في (ط): «أنّ تنزّل مطاوع نزّل
ينزّل، تقول: نزّلته فتنزّل».
(3/75)
[جلّ اسمه] «1»: ولو أننا نزلنا إليهم
الملائكة [الأنعام/ 111] وحجّة من خفّف قوله: وقالوا لولا أنزل
عليه ملك [الأنعام/ 8] ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر [الأنعام/
8]. ومن حجّة «2» من قرأ:
منزلين أنّ الإنزال يعمّ التنزيل وغيره، قال تعالى «3»:
وأنزلنا إليك الذكر [النحل/ 44]. وإنا أنزلناه في ليلة القدر
[القدر/ 1] وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25] وأنزل
لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6].
[آل عمران: 125]
واختلفوا في فتح الواو وكسرها من قوله [جلّ وعز] «4»:
مسومين [آل عمران/ 125].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: مسومين بكسر الواو.
وقرأ الباقون: مسومين بفتح الواو «5».
قال أبو علي «6»: جاء في التفسير في قوله تعالى: يعرف المجرمون
بسيماهم [الرحمن/ 41] أنّه سواد الوجوه وزرقة الأعين. قال أبو
زيد: السّومة: العلامة تكون على الشاة ويجعل عليها لون يخالف
لونها لتعرّف به «7». قال أبو علي: فقوله: مسومين من هذا، وهذه
العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها. قال:
__________
(1) في (ط): تعالى.
(2) في (ط): وحجة.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): تعالى.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(7) في (ط): بها.
(3/76)
فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم ... شاك سلاحي في
الحوادث معلم
«1» وقال أبو زيد: سوّم الرجل تسويما فهو مسوّم إذا أغار على
القوم إغارة فعاث فيهم. وقال: وسوّمت الخيل تسويما إذا أرسلتها
وخلّيتها تخلية. وأمّا من قرأ: مسومين فقال أبو الحسن: لأنّهم
هم سوّموا الخيل. قال: ومن قرأ: مسومين فلأنّهم هم سوّموا.
قال: ومسوّمين. يكون معلمين، ويكون مرسلين من قولك:
سوّم فيها الخيل، أي: أرسلها، ومنه السائمة. وذكر بعض شيوخنا
أنّ الاختيار عنده الكسر، لما جاء في الخبر أن رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، قال يوم بدر: «سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت»
«2» فنسب الفعل إلى الملائكة.
[آل عمران: 133]
أحمد: وكلّهم «3» قرأ: وسارعوا-[آل عمران/ 133] بواو
__________
(1) البيت ثاني أبيات من أصمعية برقم 39 لطريف بن تميم العنبري
برواية:
فتوسموني، بدل: تعرفوني، وقبله:
أو كلّما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
وانظر الكتاب لسيبويه 2/ 129، 378، والمنصف 2/ 53، 3/ 66،
والمحتسب 2/ 253 وأسماء المغتالين ص 219 من نوادر المخطوطات
وشرح الشافية 4/ 370 ومعاهد التنصيص 1/ 204.
(2) رواه الطبري في تفسيره 4/ 82 وأخرجه السيوطي في الدر
المنثور 2/ 70 فقال: أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمير بن
إسحاق قال: إن أول ما كان الصوف ليوم بدر، قال رسول الله صلى
الله
عليه وسلم: «تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت» فهو أول وضع
الصوف. قال في النهاية 2/ 425 (سوم) فيه: «أنّه قال يوم بدر:
سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت»، أي: اعملوا لكم علامة يعرف
بها بعضكم بعضا، والسومة والسّمة: العلامة.
(3) السبعة ص 216.
(3/77)
غير نافع وابن عامر فإنّهما قرأ: سارعوا
بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. وروى أبو
عمر الدوري عن الكسائي: وسارعوا وأولئك يسارعون في الخيرات
[المؤمنون/ 61] ونسارع لهم في الخيرات [المؤمنون/ 56] بالإمالة
في كلّ ذلك «1».
قال أبو علي: [كلا الأمرين سائغ] «2» مستقيم، فمن قرأ بالواو
فلأنّه عطف الجملة على الجملة، والمعطوف عليها قوله: وأطيعوا
الله والرسول [آل عمران/ 132] وسارعوا. ومن ترك الواو فلأنّ
الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بالتباسها بها «3» عن
عطفها بالواو.
وقد جاء الأمران في التنزيل في قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم
كلبهم [الكهف/ 22] وقال: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/
22] وقال «4»: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39]
فهذا على قياس قراءة نافع وابن عامر. وما روي عن الكسائي من
إمالة الألف في وسارعوا وأولئك يسارعون ونسارع لهم في الخيرات
فالإمالة هنا في الألف حسنة، لوقوع الراء المكسورة بعدها، وكما
تمنع المفتوحة الإمالة، فكذلك المكسورة تجلبها.
[آل عمران: 140]
اختلفوا في فتح القاف وضمّها من قوله تعالى «5»: قرح [آل
عمران/ 140].
__________
(1) انظر السبعة ص 216.
(2) في (ط): كل الأمر شائع.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): وقال تعالى.
(5) سقطت من (ط).
(3/78)
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر:
قرح بفتح القاف في كلّهنّ.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: قرح* بضم القاف في
جميعهنّ. وروى حفص عن عاصم: قرح بالفتح مثل أبي عمرو. وكلّهم
أسكن الراء في قرح «1».
قال أبو علي: قرح وقرح مثل: الضّعف والضّعف، والكره والكره،
والفقر والفقر، والدّف والدّف. والشّهد والشّهد. وكأن الفتح
أولى لقراءة ابن كثير، ولأنّ لغة أهل الحجاز الأخذ بها أوجب،
لأنّ القرآن عليها نزل.
وقال أبو الحسن: قرح، يقرح قرحا، وقرحا، فهذا يدلّ على أنّهما
مصدران، وأنّ كلّ واحد منهما بمعنى الآخر.
ومن قال: إنّ القرح الجراحات بأعيانها، والقرح ألم الجراحات
«2» قبل ذلك منه إذا أتى فيه برواية، لأنّ ذلك ممّا لا يعلم
بالقياس.
[آل عمران: 146]
اختلفوا في الهمز من قوله تعالى «3» كأين [آل عمران/ 146].
__________
(1) السبعة ص 216.
(2) قال في المحكم 2/ 402: «وقيل: القرح: الآثار. والقرح:
الألم. وقال يعقوب: كأنّ القرح: الجراحات بأعيانها، وكأنّ
القرح: ألمها ... وقيل يميت الجراحات قرحا بالمصدر، والصحيح
أنّ القرحة: الجراحة، والجمع قرح وقروح».
(3) سقطت من (ط).
(3/79)
فقرأ ابن كثير وحده: وكائن* الهمزة بين
الألف والنون في وزن كاعن.
وقرأ الباقون: وكأي الهمزة بين الكاف والياء، والياء مشدّدة في
وزن كعيّ «1».
قال أبو علي: كنّا رأينا قديما في قولهم: وكائن وأكثر ما يجيء
في الشعر كقول الشاعر: [كما أنشده سيبويه] «2»:
وكائن رددنا عنكم من مدجّج ... يجيء أمام القوم يردي مقنّعا
«3» وكقوله «4»:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة ... جنودا وأمثال الجبال كتائبه
وقول جرير: «5».
وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت المصابا
__________
(1) السبعة ص (216).
(2) ما بين المعقوفتين ساقط في (ط).
(3) في (ط): برواية:
وكائن رددنا عنكم من كتيبة ... يجيء أمام الألف يردي مقنّعا
وكتب في الهامش: في أخرى: مدجج. أي بدل «كتيبة». وفي (م) رسم
فوق كلمة: «القوم»: «الألف» مشيرا إلى الرواية الثانية.
والبيت لعمرو بن شأس في الكتاب 1/ 297، وفي الهمع 1/ 256 صدره،
والدرر 1/ 213 واستشهد به القرطبي في تفسيره للآية 4/ 228.
(4) لم نعثر عليه.
(5) ديوانه ص 17 (ط: الصاوي) وابن الشجري 1/ 106، وابن يعيش 3/
110،
(3/80)
وكائن على وزن كاعن، كان الأصل فيه كأيّ
دخلت الكاف على أيّ كما دخلت على (ذا) من (كذا) و (أنّ) من
(كأنّ)، وكثر استعمال الكلمة فصارت ككلمة واحدة، فقلب قلب
الكلمة الواحدة، كما فعل ذلك في قولهم: لعمري ورعملي، حكي «1»
لنا عن أحمد بن يحيى، فصار كيّإن [مثل كيّع] «2» فحذفت الياء
الثانية كما حذفت في كينونة فصار كيء بعد الحذف، ثمّ أبدلت من
الياء الألف كما أبدل من طائيّ، وكما أبدلت من «آية» عند
سيبويه، وكانت «أيّة». وقد حذفت الياء «3» من أيّ في قول
الفرزدق:
تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما ... عليّ من الغيث استهلّت
مواطره
«4» ومن قول الآخر: «بيّض .. » «5».
فحذف الياء الثانية من أيّ أيضا. فأمّا النون في أيّ، فهي
التنوين الداخل على الكلمة مع الجرّ، فإذا كان كذلك، فالقياس
إذا وقفت عليه (كاء) فتسكن الهمزة المجرورة للوقف، وقياس من
__________
4/ 135، والهمع 1/ 256، والدرر 1/ 213، والخزانة 2/ 454،
والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 75 وهو من قصيدة في مدح
الحجاج بن يوسف الثقفي. واستشهد به القرطبي في تفسيره 4/ 228.
(1) في (ط): وحكي.
(2) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(3) سقطت من (ط).
(4) سبق البيت في 1/ 67 وهو في المحتسب 1/ 41، 108 و 2/ 152،
والبيت من شواهد شرح أبيات المغني 2/ 146، 149. ونصر: هو نصر
بن سيار أمير خراسان.
(5) سقط من (م) قوله: «ومن قول الآخر بيّض» وهي قطعة من شاهد
لم نقف على تمامه.
(3/81)
قال: مررت بزيدي أن يقول: كائي، فيبدل منه
«1» الياء. ولو قال قائل: إنّه بالقلب الذي حدث في الكلمة،
صارت بمنزلة النون التي من نفس الكلمة، فصار بمنزلة لام فاعل
فأقرّه نونا في الوقف، وأجعله بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، كما
جعلت التي في «لدن» بمنزلة التنوين الزائد في قول من قال «2»:
لدن غدوة لكان قولا.
ويقوّي ذلك أنّهم لمّا حذفوا الكلام في قولهم: إما لا جعلوها
بالحذف ككلمة واحدة حتى أجازوا الإمالة في ألف لا* كما أجازوها
في التي تكون من نفس الكلمة في الأسماء والأفعال.
وسمعت أبا إسحاق يقول: إنّها تقال ممالة فجعل القلب في كائن
بمنزلة الحذف في إما لاجتماعهما في التغيير، لكان قولا، فيقف
على كائن بالنون، ولا يقف على النون إذا لم تقلب، كما لا تميل
الألف في لا* إذا «3» لم تحذف معها.
[آل عمران: 146]
اختلفوا في ضمّ القاف وفتحها وإدخال الألف وإسقاطها من قوله
تعالى: قتل معه [آل عمران/ 146].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع قتل معه [آل عمران/ 146] بضم
القاف بغير ألف.
وقرأ الباقون: قاتل بفتح القاف وبألف «4».
__________
(1) في (ط): «منها».
(2) هذا من قول العرب: قال المبرد وثعلب: العرب تقول: لدن غدوة
ولدن غدوة ولدن غدوة، فمن رفع أراد لدن كانت غدوة، ومن نصب
أراد: لدن كان الوقت غدوة، ومن خفض أراد من عند غدوة.
انظر تهذيب اللغة للأزهري 8/ 171.
(3) في (ط): «إذ» بدل «إذا».
(4) السبعة ص 217.
(3/82)
[قال أبو علي] «1»: أمّا قتل فيجوز أن يكون
مسندا إلى ضمير أحد اسمين إلى ضمير «نبي»، والدّليل على جواز
إسناده إلى هذا الضمير أنّ هذه الآية في معنى قوله: أفإن مات
أو قتل انقلبتم [آل عمران/ 144] وروي عن الحسن أنّه قال: «ما
قتل نبي في حرب قطّ» «2» وقال ابن عباس في قوله «3»: وما كان
لنبي أن يغل «4» [آل عمران/ 161]: «قد كان النبيّ يقتل فكيف لا
يخوّن» «5»! والذي في الآية من قوله: قتل لم يذكر أنّه في حرب.
فإذا أسند قتل إلى هذا الضمير احتمل قوله: معه ربيون أمرين:
أحدهما: أن يكون صفة لنبي «6»، فإذا قدّرته هذا التقدير كان
قوله: ربّيون: مرتفعا بالظرف بلا خلاف «7». والآخر: أن لا
تجعله صفة ولكن حالا من الضمير الذي في قتل، فإن جعلته صفة كان
الضمير الذي في «8» معه* المجرور، لنبيّ، وإن جعلته حالا كان
الضمير الذي في معه* يعود إلى الذكر المرفوع الذي في قتل،
والاسم الآخر الذي يجوز أن يسند إليه قتل ربّيّون فيكون قوله:
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) ذكره القرطبي في التفسير 4/ 229.
(3) في (ط): قوله تعالى.
(4) وهي قراءة ستأتي في موضعها. وانظر البحر المحيط 3/ 101.
(5) قال السيوطي في الدر المنثور 2/ 91: «أخرج الطبراني
والخطيب في تاريخه عن مجاهد قال: كان ابن عباس ينكر على من
يقرأ: وما كان لنبي أن يغل ويقول: كيف لا يكون له أن يغلّ وقد
كان له أن يقتل؟! قال الله: ويقتلون الأنبياء بغير حق ولكن
المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة
فأنزل الله: وما كان لنبي ... » اهـ منه.
(6) في (ط): للنبي.
(7) في (م): لا خلاف.
(8) سقطت من (ط).
(3/83)
معه* على هذا التقدير معلّقا «1» بقتل،
وعلى القولين الآخرين اللذين هما: الصفة والحال متعلّقا في
الأصل بمحذوف، وكذلك من قرأ:
قاتل فهو يجوز فيه ما جاز في قراءة من قرأ قتل*:
والرّبيون: الذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّي. هكذا فسره أبو
الحسن، وقيل فيه: إنه منسوب إلى علم الربّ وكذا «2»
الربّانيّون.
وحجّة من قرأ: قتل* أنّ هذا الكلام اقتصاص ما جرى عليه سير أمم
الأنبياء قبلهم ليتأسوا بهم، وقد قال: أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم [آل عمران/ 144] وحجّة من قرأ: قاتل أن المقاتل قد
مدح كما مدح المقتول فقال: «3» وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم
سيئاتهم [آل عمران/ 195]. فمن أسند الضمير الذي في قتل إلى نبي
كان قوله: فما وهنوا [آل عمران/ 146] أي: ما وهن الرّبيون، ومن
أسند الفعل إلى الربّيين دون ضمير نبي كان معنى: فما وهنوا ما
وهن باقيهم بعد من قتل منهم في سبيل الله، فحذف المضاف وأقيم
المضاف إليه مقامه. ومن جعل قوله: معه ربيون صفة أضمر للمبتدإ
الذي هو كأيّ خبرا، وموضع الكاف الجارّة في كأيّ مع المجرور:
رفع، كما أنّ موضع الكاف في قوله «4»: له كذا وكذا: رفع، ولا
معنى للتشبيه فيها، كما أنّه لا معنى للتشبيه في كذا وكذا.
[آل عمران: 151]
اختلفوا في تخفيف قوله: [جلّ وعز] «5»: الرعب
__________
(1) في (ط): متعلّقا.
(2) في (ط): وكذلك.
(3) في (ط): فقال تعالى.
(4) في (ط): قولك.
(5) سقطت من (ط).
(3/84)
وتثقيله [آل عمران/ 151] فقرأ ابن كثير
ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة: الرعب ساكنة العين خفيفة. وقرأ
ابن عامر والكسائي: الرعب* مضمومة العين مثقلة حيث
وقعت «1».
قال أبو علي: الإلقاء في قوله تعالى: سنلقي في قلوب الذين
كفروا الرعب [آل عمران/ 151] أصله في الأعيان، واستعمل في
غيرها على طريق الاتّساع. يدل «2» على ذلك قوله «3»: وألقى
الألواح [الأعراف/ 150] وفألقوا حبالهم وعصيهم [الشعراء/ 44]
وإذ يلقون أقلامهم [آل عمران/ 44].
وقال سيبويه: «ألقيت متاعك بعضه على بعض» «4»، وليس الرعب
بعين، وكذلك قوله تعالى: وألقيت عليك محبة مني [طه/ 39] ومثل
الإلقاء في ذلك الرمي، قال: رمى فأخطأ أي:
السهم. وقال «5»:
كشهاب القذف يرميكم به
__________
(1) السبعة ص 217.
(2) في (ط): يدلك.
(3) في (ط): قوله تعالى.
(4) انظر الكتاب 1/ 78 فقد أطنب سيبويه في تقليب وجه إعرابه.
وفسر سيبويه هنا ألقى بمعنى أسقط وطرح ...
(5) صدر بيت للأفوه الأودي في ديوانه ص 12 من الطرائف الأدبية
وعجزه:
الحماسة البصرية 1/ 49 والحيوان 6/ 275، ورسالة الغفران ص 79
وذكر الجاحظ في الحيوان 6/ 280، أنّ البيت من قصيدة مصنوعة.
فارس في كفّه للحرب نار.
(3/85)
فأضاف الشهاب إلى القذف لمّا كان من رمي
الرامي به، كما قال «1»:
يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي وإذا مات لم تكن له خلّة، ولكن
أضافها إلى نفسه، لما كان منه من سدّه لها، وهذا النحو من
الإضافة على هذا الوجه كثير.
وقال تعالى: والذين يرمون أزواجهم [النور/ 6] أي: بالزنا، فهذا
اتساع لأنّ هذا ليس بعين، وكذلك قوله «2».
__________
(1) هذا عجز بيت، صدره:
زعمت تماضر أنّني إمّا أمت وهو من قصيدة أوردها أبو زيد في
النوادر ص 375، وفي الأصمعيات ص 161 برقم (156) نسبها لعلباء
وفي أمالي القالي 1/ 81 عن الأصمعي لسلّميّ بن ربيعة، وفي
الحماسة شرح المرزوقي 2/ 546 - 552 والتبريزي 2/ 55 لسلمى بن
ربيعة. وتماضر: امرأته. وهو من شواهد الرضي في شرح الكافية 3/
379، وابن الشجري 1/ 43 و 2/ 69 وابن يعيش 9/ 5، 41 والخزانة
3/ 400، والهمم 2/ 63، والدرر 2/ 79. قال في النوادر:
«قال أبو الحسن: هكذا وقع في كتابي: سلمى، وحفظي: سلميّ».
قال التبريزي: فقوله: أبينوها على هذا: تصغير أبناء مقصورا عند
البصريين وهو اسم صيغ للجمع كأروى وأضحى، فهو على أفعل بفتح
العين، وعند الكوفيين تصغير ابن مثل دلو وأدل على أفعل بضم
العين.
(2) البيت أول بيتين لعمرو بن أحمر، انظرهما في شعره ص 187،
وتتمته:
... ومن أجل الطّويّ رماني وهو من أبيات سيبويه 1/ 38. واستشهد
به البغدادي في شرح أبيات المغني 6/ 9 على أن التمثيل من محاسن
الكلام. وهو أن يروم الشاعر ذكر معنى فيعدل على الإفصاح به إلى
ما يجري مجرى المثل فيكون مبنيا على
(3/86)
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ....
وقال «3»:
قذفوا سيّدهم في ورطة ... قذفك المقلة وسط المعترك
«4» فالأوّل: على الاتساع، والثاني: على الأصل، ألا ترى أن
المقلة تلقى للتصافن، كما يلقى غيرها؟ فهذا بمنزلة: ألقيت
الحجر ونحوه. ومما جاء قريبا من الرمي والقذف والإلقاء، الرجم،
ورجم ماعز «5»، ومن الاتساع فيه قوله:
__________
مراده فيه كقوله الشاعر ... وأنشد البيت. وأراد أنه رجع إليه
ما رمى به، من قولهم: «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها» اهـ منه.
وقد فاتنا تخريجه في شرح أبيات المغني.
(3) سقطت من (ط).
(4) البيت ليزيد بن طعمة الخطميّ. انظر المعاني الكبير 1/ 309
وفيه: جارهم في هوة بدل: سيدهم في ورطة واللسان (مقل) وشروح
سقط الزند/ 1433/. والمقلة: حصاة القسم، توضع في الإناء ليعرف
قدر ما يسقى كل واحد منهم، وذلك عند قلة الماء في المفاوز
(اللسان).
(5) ماعز هو ماعز بن مالك الأسلمي قال ابن حبان له صحبة وهو
الذي رجم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم انظر الإصابة 3/ 317
وقصة ماعز بن مالك وإقراره على نفسه بالزنى في مسلم برقم/
1692/ من حديث جابر بن سمرة وبرقم/ 1694/ من حديث أبي سعيد
(حدود) وعند البخاري بشرح الفتح برقم/ 6814/ من حديث جابر بن
عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم إلخ الحديث .. وقد استوفى
ابن حجر طرق الحديث، وشرح قصته شرحا وافيا. انظره في 12/ 120 -
127.
(3/87)
هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النابح
العاوي أشدّ رجام
«1» فالرجام المراجمة بالسّباب، فهذا نحو: رماه بالزّنا، وقذفه
به، وألقى عليه مسألة، ونفثا السّباب: اتساع أيضا، لأنّه ليس
بعين. فأمّا مثل «2» الرّعب والرعب، والطنب والطنب، والعنق
والعنق، فقد تقدّم ذكره.
[آل عمران: 154]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى «3»: يغشى طائفة منكم
[آل عمران/ 154] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن
عامر يغشى طائفة منكم بالياء. وقرأ حمزة والكسائي تغشى بالتاء
«4».
[قال أبو علي] «5»: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى «6»: إذ
يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فالنّعاس هو الغاشي، وكذلك قراءة
من قرأ: إذ يغشيكم النعاس لأنّه إنّما جعل الفاعل بتضعيف العين
مفعولا. ومن حجّتهم: أنّ يغشى أقرب إلى النعاس،
__________
(1) البيت للفرزدق، في ديوانه ص 771 برواية: تفلا بدل نفثا
ولجامي بدل:
رجام. وفي الكتاب 2/ 83، 202، والمقتضب 3/ 158 والخصائص 1/
170، 3/ 147، والمحتسب 2/ 238، والإنصاف 1/ 345 والخزانة 2/
269، 3/ 346 وشرح شواهد الشافية 4/ 115 واللسان (فوه).
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 217.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(3/88)
فإسناد الفعل إليه أولى. ومنها «1» أنّه
يقال: غشيني النعاس، وغلب عليّ النعاس، ولا يسهل: غشيني
الأمنة، ومن قرأ بالتاء حمله «2» على الأمنة.
فأمّا قوله: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي [الدخان/
45] فحمل الكلام على الشجرة لقوله تعالى «3»:
فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون [الصافات/ 66] وقال:
لآكلون من شجر من زقوم [الواقعة/ 52] فنسب الأكل إلى الشجر.
ومن حجّة من قرأ بالتاء: أنّ النعاس، وإن كان بدلا من الأمنة،
فليس المبدل منه في طريق ما يسقط من الكلام، يدلّك على ذلك
قولهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله.
وقال:
وكأنّه لهق السّراة كأنّه ... ما حاجبيه معيّن بسواد
«4» فجعل الخبر عن «5» الذي أبدل منه.
__________
(1) في (ط): «منه».
(2) في (ط): «جعله».
(3) سقطت من (ط).
(4) البيت للأعشى في الكتاب 1/ 80 وابن يعيش 3/ 67، والخزانة
2/ 370، والبيت ليس في ديوانه قال الأعلم: وصف ثورا وحشيا شبه
به بعيره في حذقه ونشاطه، فيقول: كأنّه ثور لهق السراة، أي:
أبيض أعلى الظهر، وسراة الظهر أعلاه أسفع الخدين كأنما عين
بسواد. اهـ.
(5) في (م): على.
(3/89)
[آل عمران: 154]
واختلفوا في رفع اللام ونصبها من قوله: [جلّ وعز] «1»:
قل إن الأمر كله لله [آل عمران/ 154].
فقرأ أبو عمرو وحده: قل إن الأمر كله لله رفعا. وقرأ الباقون
كله نصبا «2».
قال أبو علي: حجّة من نصب: أنّ كله بمنزلة أجمعين وجمع في أنّه
للإحاطة والعموم، فكما أنّه لو قال:
[إنّ الأمر] «3» أجمع، لم يكن إلّا نصبا «4»، كذلك إذا قال:
كله لأنّه بمنزلة أجمعين، وليس الوجه أن يلي العوامل، كما لا
يليها أجمعون. وحجّة أبي عمرو في رفعه كله* وابتدائه به أنّه
وإن كان في أكثر الأمر بمنزلة أجمعين لعمومها، فإنّه قد [ابتدئ
بها كما] «5» ابتدئ «6» بسائر الأسماء في نحو «7» قوله: وكلهم
آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فابتدأ به في الآية.
ولم يجره على ما قبله، لأنّ قبله كلاما قد بني عليه فأشبه
[بذلك ما يكون] «8» جاريا على ما قبله، وإن خالفه في الإعراب،
ألا ترى أنّ اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا جرى صفة لموصوف أو
حالا لذي حال أو خبرا لمبتدإ، ولا يحسن إعماله عمل الفعل، إلّا
في هذه المواضع؟ وقد قالوا: أقائم أخواك وأ ذاهب إخوتك،
__________
(1) في (ط): تعالى.
(2) السبعة ص 217.
(3) سقطت من (ط).
(4) في (ط): إلّا النصب.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(6) في (ط): ابتدأ.
(7) سقطت من (ط).
(8) في (ط): به اسما يكون.
(3/90)
وما ذاهب إخوتك، فأعملوا اسم الفاعل لمّا
تقدّمه كلام أسند إليه، وإن لم يكن أحد تلك الأشياء التي تقدّم
ذكرها، فكذلك حسن ابتداء كلّهم في الآية لمّا كان قبله كلام،
فأشبه بذلك [اتباعه، ما كان] «1» جاريا عليه كما أشبه اسم
الفاعل في إجرائه على ما ذكرنا، ما يجري صفة على موصوف أو حالا
أو خبر مبتدأ، نحو:
مررت برجل قائم أبواه، وهذا زيد قائما غلامه وزيد منطلق أبواه،
فكذلك. حسن الابتداء بكلّهم، وقطعه مما قبله لما ذكرت من
المشابهة.
ومن ثمّ أجاز سيبويه: أين تظن زيد ذاهب «2»، فألغى الظنّ، وإن
كان أين غير مستقرّ، كما جاز إلغاؤه إذا كان أين مستقرّا لأنّ
قبله كلاما، فجعله، وإن لم يكن مستقرا، بمنزلة المستقر كما
جعلوا همزة الاستفهام، وحرف النفي في: أقائم أخواك، بمنزلة
الموصوف نحو: مررت برجل قائم أخواه.
[آل عمران: 156]
واختلفوا «3» في التاء والياء من قوله: [جلّ اسمه] «4» يحيى
ويميت والله بما تعملون بصير [آل عمران/ 156] فقرأ ابن كثير
وحمزة والكسائي يعملون بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء. وروى هارون الأعور وعلي بن نصر عن أبي
عمرو بالياء «5».
__________
(1) في (ط): اتباعهم ما يكون.
(2) انظر سيبويه 1/ 63 حيث قال: «كما ضعف أظنّ زيد ذاهب، وهو
في متى وأين أحسن».
(3) سقطت الواو من (ط).
(4) في (ط): تعالى.
(5) في السبعة ص 217: روى علي بن نصر عن هارون الأعور عن أبي
عمرو.
(3/91)
[قال أبو علي] «1»: حجّة من قرأ بالتاء
قوله تعالى «1»: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا
[آل عمران/ 156] وحجّة الياء: أنّ قبلها أيضا غيبة وهو قوله:
وقالوا لإخوانهم [آل عمران/ 147] وما بعده، فحمل الكلام على
الغيبة.
[آل عمران: 157]
واختلفوا «3» في ضمّ الميم وكسرها [من قوله جلّ وعزّ] «4»: مت
ومتنا ومتم، في كلّ القرآن. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في
رواية أبي بكر، وابن عامر: مت، ومتم ومتنا برفع الميم في كلّ
«5» القرآن. وروى حفص عن عاصم ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم
[آل عمران/ 157] ولئن متم أو قتلتم [آل عمران/ 158] برفع الميم
في هذين الحرفين، ولم يكن يرفع الميم في غير هذين الحرفين في
جميع القرآن.
[حدّثنا ابن مجاهد قال] «6»: حدثنا وهيب المروذيّ قال:
حدّثنا الحسن بن المبارك، قال: حدّثنا أبو حفص قال: حدّثنا سهل
أبو عمرو قال: قال عاصم: ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل
عمران/ 157] بضمّ الميم من الموت، وباقي القرآن متّم «7» بكسر
الميم، أي: بليتم. ومتنا ومتّ.
__________
(1) ما بين معقوفين زيادة في (م).
(3) سقطت الواو من (ط).
(4) ما بين المعقوفين سقط من (ط).
(5) في (ط): جميع.
(6) ما بين المعقوفين ساقط من (ط).
(7) سقطت من (ط).
(3/92)
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: متم*، ومت*،
ومتنا* في كلّ القرآن بالكسر «1».
قال أبو علي: الأشهر «2» الأقيس: متّ تموت، مثل: قلت تقول وطفت
تطوف، وكذلك هذا يستمرّ على ضمّ الفاء منه، والكسر شاذ في
القياس، وإن لم يكن في الاستعمال كشذوذ «3».
... اليجدّع «4» ونحوه مما شذّ عن الاستعمال والقياس، ونظيره:
فضل يفضل في الصحيح، وأنشدوا:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر ... وما مرّ من عمري ذكرت وما فضل
«5» وقد أنشد بعضهم:
عيشي ولا يومي بأن تماتي «6» ولا أظنّه ثبتا، وكذلك شعر آخر
فيه «تدام» «7» وهو عندي مثل
__________
(1) السبعة ص 218 وسقط من السبعة من قوله: وقرأ نافع ... إلى
بالكسر.
(2) سقطت من (ط).
(3) في (م) بشذوذ.
(4) هذا آخر بيت سبق في 1/ 101.
(5) البيت أوّل أبيات ثلاثة لأبي الأسود الدؤلي في الأغاني في
12/ 322 وهو في المنصف 1/ 256، وفيه وفي الأغاني: عيشي بدل
عمري. وابن يعيش 7/ 154 وفيه: يومي بدل عمري.
(6) شطر بيت من الرجز: في اللسان (موت) ولم يعزه. ونصه:
بنيّ يا سيدة البنات ... عيشي ولا يؤمن أن تماتي
(7) قال في اللسان/ دوم/: دام الشيء يدوم ويدام، قال:
يا ميّ لا غرو ولا ملاما ... في الحبّ إنّ الحبّ لن يداما.
قال أبو الحسن: في هذه الكلمة نظر، ذهب أهل اللغة في قولهم،
دمت
(3/93)
الأول، ولا أعلم فصلا بين الموت إذا تبعه
البلى، وبينه إذا لم يتبعه البلى.
قال: وكلّهم قرأ: خير مما تجمعون بالتاء [آل عمران/ 157] إلّا
عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ بالياء، ولم يروها عن عاصم غيره
بالياء «1».
[قال أبو علي] «2»: والمعنى: خير مما تجمعون. أيها المقتولون
في سبيل الله، أو المائتون مما تجمعون من أعراض الدنيا التي
تتركون القتال في سبيله للاشتغال بها وبجمعها عنه.
ومعنى الياء أنه: لمغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم، مما
تركوا القتال لجمعه. والأول أظهر وأشكل بالكلام.
[آل عمران: 161]
اختلفوا في فتح الياء وضمّ الغين، وضمّ الياء وفتح الغين من
قوله: [جلّ وعز] «3»: يغل [آل عمران/ 161].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بغل بفتح الياء وضمّ الغين.
وقرأ الباقون: يغل بضم الياء، وفتح الغين «4».
__________
تدوم إلى أنّها نادرة كمتّ تموت. وفضل يفضل ... وذهب أبو بكر
إلى أنها متركبة فقال: دمت تدوم كقلت تقول. ودمت تدام، كخفت
تخاف، ثمّ تركبت اللغتان فظن قوم أن تدوم على دمت، وتدام على
دمت ذهابا إلى الشذوذ وإيثارا له، والوجه ما تقدّم من أنّ:
تدام على دمت. اهـ منه.
(1) السبعة ص 218.
(2) ما بين معقوفين سقط من (ط) والواو بعدها زيادة منها.
(3) سقطت من (ط).
(4) السبعة ص 218.
(3/94)
[قال أبو علي] «1»: قالوا في الخيانة: أغلّ
يغلّ إغلالا: إذا خان ولم يؤدّ الأمانة، قال النمر بن تولب
«2»:
جزى الله عنّا جمرة ابنة نوفل ... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب
وقال آخر:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع
«3» أي: لكراهة الغدر.
فأمّا «4» «خائنة» فيحتمل أن تكون مصدرا كالعافية، والعاقبة،
فإن حملته في البيت على هذا قدرت حذف المضاف، وإن شئت جعلته
مثل راوية.
__________
(1) سقط من (ط).
(2) البيت أول أبيات أربعة له في الأغاني 22/ 291 والبيت في
اللسان والصحاح/ غلل/ وكلهم برواية «حمزة» بدل «جمرة» وجاء في
هامش الأغاني: في مخطوطة: «عمرة» وفي المشوف المعلم 2/ 549
برواية المصنف.
(3) البيت مع آخر بعده في المشوف المعلم 2/ 550 عن أحد بني
كلاب، وهو:
أقرين إنّك لو رأيت فوارسي ... بعمايتين إلى جوانب ضلفع
قال العكبري في معناه: حدثت نفسك، أي: لو رأيت جمعنا بهذه
المواضع لحدثت نفسك بأن تفي ولم تغدر، وكان قد استجار به رجل
فقتله. وخائنة: الهاء للمبالغة. والإصبع هنا: الأثر الحسن.
وقدم ابن السيرافي البيت الثاني على الأول وهو الأوجه من حيث
المعنى. (انظر حاشية المشوف) وانظر اللسان (غلل صبع، ضلفع).
(4) في (م): فأما ما جاء.
(3/95)
ونسب الإغلال إلى الإصبع كما نسب الآخر
الخيانة إلى اليد في قوله:
فولّيت العراق ورافديه ... فزاريا أحذّ يد القميص
«1» [الرواية: أأطعمت العراق] «2».
وقالوا: من الغلّ الذي هو الشحناء والضّغن، غلّ يغلّ، بكسر
الغين. وقالوا في الغلول من الغنيمة: غلّ يغلّ بضمّ الغين.
والحجّة «3» لمن قرأ: يغل أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو
أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو ما كان لنا أن نشرك بالله من
شيء [يوسف/ 38] وما كان ليأخذ أخاه [يوسف/ 76] وما كان لنفس أن
تموت إلا بإذن الله [آل عمران/ 145] وما كان الله ليضل قوما
بعد إذ هداهم [التوبة/ 115] وما كان الله ليطلعكم على الغيب
[آل عمران/ 179] ولا يكاد يجيء منه «4»: ما كان زيد ليضرب،
فيسند الفعل فيه «5» إلى المفعول به.
فكذلك ما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161] يسند الفعل فيه إلى
الفاعل. وروي عن ابن عباس أنّه قرأ: يغل وقيل له: إنّ
__________
(1) البيت للفرزدق، ثاني أبيات خمسة في هجاء عمر بن هبيرة.
وروايته في ديوانه 2/ 487: أأطعمت بدل فولّيت، وأراد: أنّه
قصير اليدين عن نيل المعالي كالبعير الأخذ، وهو الذي لا شعر
لذنبه، وانظر الحيوان 5/ 197 وفيه: بعثت بدل: فوليت. وانظر
الشعر والشعراء/ 88 وفيه أوليت بدل فوليت. والكامل 3/ 808
والأغاني 21/ 336 والسمط 862.
(2) ما بين المعقوفين سقط من (ط).
(3) في (ط): الحجة.
(4) في (ط): فيه.
(5) في (ط) «منه» بدل: «فيه».
(3/96)
عبد الله قرأ: يغل فقال ابن عباس: بلى
والله ويقتل «1»، وروي أيضا «2» عن ابن عباس: «قد كان النبي
يقتل فكيف لا يخوّن» «3»؟.
ومن قال: يغلّ احتمل أمرين: أحدهما أن ينسب إلى ذلك، أي:
لا يقال له غللت، كقولك: أسقيته. أي «4»: قلت له: سقاك الله.
وقال:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه
«5» وكقولهم: [أكفرتني أي: نسبتني] «6» إلى الكفر قال:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم «7» .....
أي: نسبتني إلى الكفر. ويجوز أن يكون يغل. أي: ليس لأحد أن
يغلّه، فيأخذ من الغنيمة التي حازها، وإن كان لا يجوز أن يغلّ
غير النبي صلى الله عليه وسلم «8» من إمام للمسلمين «9» وأمير
لهم، لأنّ ذلك يجوز أن يعظم بحضرته، ويكبر كبرا لا يكبر عند
غيره [عليه
__________
(1) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2/ 91 من طريق ابن جرير
[الطبري] عن الأعمش. وهو كذلك في تفسيره 4/ 155 بدون جملة
القسم: «والله».
(2) سقطت من (ط).
(3) وسبق نقله هذا عن ابن عباس في ص 79.
(4) سقطت من (م).
(5) البيت لذي الرّمة في ديوانه 2/ 821، وشرح شواهد الشافية 4/
41 والعيني 2/ 176 والأشموني 1/ 263.
(6) في (ط): أكفرته أي نسبته.
(7) هذا صدر بيت للكميت بن زيد عجزه:
وطائفة قالوا مسيء ومذنب وهو من قصيدة من قصائده الهاشميات
أوردها البغدادي في الخزانة 2/ 207، 208 وفيها: بحبّهم، بدل:
بحبّكم.
(8) سقطت (وسلم) من (ط).
(9) في (م): المسلمين.
(3/97)
السلام] «1»، لأنّ المعاصي تعظم بحضرته،
كما قال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. [الحجرات/ 2]
فالغلول «2» وإن كان كبيرا، فهو بحضرته عليه السلام أعظم.
قال: وكلهم قرأ: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله [آل
عمران/ 169] مخففة التاء إلا ابن عامر فإنّه قرأ: قتلوا*
مشدّدة التاء «3».
[قال أبو علي] «4»: وجه من قرأ قتلوا بالتخفيف أنّ التخفيف
يصلح للكثير والقليل، تقول: قتلت القوم فيصلح، التخفيف للكثرة،
وضربت زيدا ضربة، فيصلح للقلّة. ووجه التّثقيل أنّ المقتولين
كثرة «5» فحسن التثقيل، كما قال: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]
وفعّل يختص به الكثير دون القليل.
[آل عمران: 171]
اختلفوا في قوله [جلّ وعز] «6» وأن الله لا يضيع [آل عمران/
171] في كسر الألف وفتحها، فقرأ الكسائي وحده:
وإن الله لا يضيع بكسر الألف وقرأ الباقون: وأن الله بفتح
الألف «7».
[قال أبو علي] «8»: وجه الفتح أنّ المعنى يستبشرون بنعمة من
الله، وبأنّ الله لا يضيع، فأنّ معطوفة على الباء، المعنى:
يستبشرون، بتوفر ذلك عليهم، ووصوله إليهم، لأنّه إذا لم يضعه،
__________
(1) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(2) في (ط): فكذلك الغلول.
(3) السبعة ص 219.
(4) سقطت من (ط).
(5) سقطت من (ط).
(6) في (ط): «كثير».
(7) السبعة ص 219.
(8) سقطت من (ط).
(3/98)
وصل إليهم، فلم يبخسوه، ولم ينقصوه، فهذا
مما يستبشر به «1»، كما أنّ النعمة والفضل كذلك. ومن كسر فإلى
ذا «2» المعنى يؤول، لأنّه إذا لم يضعه وصل إليهم، فلم ينقصوه،
فالأول أشدّ إبانة لهذا المعنى.
[آل عمران: 176]
اختلفوا في فتح الياء وضمّ الزاي، وضمّ الياء وكسر الزاي من
قوله تعالى «3»: ولا يحزنك [آل عمران/ 176].
فقرأ نافع وحده يحزنك* وليحزن [المجادلة/ 10] وإني ليحزنني
[يوسف/ 13] بضم الياء، وكسر الزاي في كلّ القرآن إلّا في سورة
الأنبياء: لا يحزنهم الفزع [الآية/ 103] فإنّه فتحها، يعني
الياء، وضمّ الزاي.
وقرأ الباقون في جميع ذلك يحزن* بفتح الياء وضمّ الزاي في كلّ
القرآن «4».
[قال أبو علي] «5»: قال سيبويه تقول «6»: فتن «7» الرجل
وفتنته، وحزن وحزنته. قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت: فتنته
__________
(1) في (ط): له.
(2) في (ط): هذا.
(3) سقطت من (ط).
(4) انظر السبعة ص 219.
(5) سقطت من (ط).
(6) سقطت من (ط).
(7) كذا الأصل ضبط: فتن بكسر التاء في المكانين وهو صحيح.
والذي في سيبويه 2/ 234 بفتحها، وفي تهذيب الأزهري 14/ 300:
أبو زيد: فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة ... وقال ابن
شميل: يقال: افتتن الرجل وافتتن لغتان. وهذا صحيح، [وأمّا
فتنته ففتن، فهي لغة ضعيفة].
وهذا الأخير في التكملة 6/ 285 وفي كتاب الأفعال للسرقسطي 4/
51 وزن فعل، قال في:/ فتن/: وفتن فتونا تحول من حسن إلى قبيح،
وفتن إلى النساء أراد الفجور بهنّ، وفتن أيضا فيهما. اهـ. وهذا
الضبط لم يذكره القاموس والتاج والصحاح واللسان. والجمهرة.
والتكملة. بل جميعهم ضبطه، ضبط شكل، بالفتح.
(3/99)
وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته
فاتنا، كما أنّك حين قلت: أدخلته، أردت: جعلته داخلا، ولكنك
أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة، فقلت: فتنته، كما قلت:
كحلته، أي: جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا، فجئت بفعلته
على حدّه «1». ولم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله: حزن وفتن، ولو
أردت ذلك لقلت أحزنته، وأفتنته، وفتن من فتنته، كحزن من حزنته.
قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته: أراد «2» جعلته
حزينا وفاتنا، فغيروا فعل «3».
قال أبو علي: فهذا الذي حكاه عن بعض العرب حجة نافع في قراءته
«4» ليحزنني وأمّا قراءته: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/
103] فعلى أنّه يشبه أن يكون تبع فيه أثرا أو أحبّ الأخذ
بالوجهين إذ كان كل واحد منهما جائزا.
[آل عمران: 188، 180، 178]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز] «5»:
ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو
عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء «6»، ولا يحسبن الذين
يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/
188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ «7»
__________
(1) ضبط في سيبويه: حدة.
(2) في (ط): إذا.
(3) سيبويه 2/ 234 مع اختصار يسير.
(4) في (ط): قوله.
(5) سقطت من (ط).
(6) كذا في (ط) وسقطت من (م).
(7) في (م): «ضمّ».
(3/100)
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر
السين في كل «1» القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178]
ولا يحسبن الذين يبخلون «2» [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين
يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء «3» فلا تحسبنهم [آل
عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها
ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178]
ولا تحسبن الذين يفرحون ... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح
الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في
هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله «4»: ولا يحسبن الذين
يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178]
فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم
يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها
بالتاء «5».
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين
كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/
180] ولا يحسبن الذين يفرحون
__________
(1) في (ط): جميع.
(2) سقط ما بين القوسين من (م) واستدرك من (ط) والسبعة.
(3) وقع في (م) بالتاء بدل بالياء. والصواب ما أثبتناه من (ط)
ومن السبعة. والبحر المحيط 3/ 138 حيث قال: وقرأ نافع وابن
عامر (لا يحسبن) بياء الغيبة.
(4) سقطت من (ط).
(5) انظر السبعة ص 219 - 220.
(3/101)
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في
يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي] «1»: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب
«2» مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ
المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث
والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم «3»،
فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ
المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ:
يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى.
ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام
الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ
بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا
يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا
يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن
تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ
الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة
الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه «4».
وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي
لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله:
ولا يحسبن الذين
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) في (م): حسبت.
(3) في (ط): أن يقوم عمرو.
(4) في (ط): إليها.
(3/102)
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم
[آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول
محذوف من «1» اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من
كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله
البخل «2» هو خيرا لهم، فدخلت «3» هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون
بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل
هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل
عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب،
ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني «4» قراءة
من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم
يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو:
علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي «5» .......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ
القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت،
في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
__________
(1) في (ط): في.
(2) كذا في (م) وفي (ط): «هو البخل».
(3) في (ط): «فدخل».
(4) في (ط): لا تعجبني.
(5) صدر بيت للبيد عجزه: إنّ المنايا لا تطيش سهامها.
انظر الكتاب 1/ 456 والخزانة 4/ 13 وهو من شواهد شرح أبيات
المغني 6/ 232 وأمّا رواية البيت في ديوانه ص 171 والقصائد
السبع الطوال ص 557.
صادفن منها غرّة فأصبنها ... إنّ المنايا لا تطيش سهامها.
(3/103)
كلامهم] «1» لغوا لا يكون في حكم الجمل
المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة ... عراض المذاكي المسنفات
القلائصا
«2» إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك «3» قال الخليل: تقول: ما
رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا
يدلّك «4» أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع
فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم
عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو «5» وأما إن
كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة
الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم
يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله:
فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا
من الأول،
__________
(1) زيادة من (ط).
(2) البيت للأعشى في ديوانه/ 151 والبحر المحيط 3/ 137 مصحفا،
واللسان (سنف). قال شارح ديوانه:
المذاكي من الخيل: التي قد بلغت أسنانها، المسنفات: المتقدمات،
القلائص:
الإبل، وكانوا في غاراتهم يركبون الإبل ويسوقون أمامها الخيل
فلا يركبونها إلّا إذا قاربوا موضع الغارة حتى لا يتعبوها،
لينزلوا بها إلى القتال موفورة النشاط.
وجاء في طرة (ط) تعليق على كلمة المسنفات فيما يظهر نصه:
«بالكسر المتقدمات وبالفتح: المشدودات بالسّناف» اهـ. والسّناف
(في اللسان):
خيط يشد من حقب البعير إلى تصديره، ثم يشد إلى عنقه إذا ضمر.
(3) في (م): ولذلك.
(4) في (ط): يدلك على.
(5) في (ط): نحو قوله تعالى.
(3/104)
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية
الأول «1» إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
«2» بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما
«3» فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين
يفرحون بما أتوا ... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما «4» ولا يدخل بين البدل والمبدل منه
الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن
تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون
الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين
يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم
يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير
العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ «5»
تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
__________
(1) في (م): الأولى.
(2) البيت للكميت بن زيد من قصائده الهاشميات. انظر الخزانة 2/
208، 4/ 5 والعيني 2/ 413 والمحتسب 1/ 183 والهمع 1/ 152
والدرر 1/ 134 والبحر المحيط 3/ 137.
(3) في (م): إليها.
(4) في (م): «فيها» وما أثبتناه من (ط) أوجه.
(5) في (ط): «يحسبون» جاء بها على أصل الفعل قبل توكيده بالنون
التي توجب في مثل هذه الحالة حذف واو الجماعة، والمؤدى واحد.
(3/105)
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من
يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني
[الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت «1» فيه التقاء الساكنين لما
في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة،
فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو
قلت: لا يحسبن «2» زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى
الخفيفة لهذا «3». وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول
الثاني وفيه «4» ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب
يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء
والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر
[كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك] «5»: ظننتني ذاهبا، كما
تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين «6» عليها، لو
قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن
الذين يبخلون [آل عمران/ 180] .. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ
ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) شدد النون في (ط) وهو سهو من الناسخ لأنّ أبا علي يمثل
للنون الخفيفة.
(3) في (ط): في هذا.
(4) في (م): «ففيه» وما أثبتناه من (ط).
(5) (م): «كدخولها على الأفعال عليهما وذلك قول .. » وما
أثبتناه من (ط) أجدر بالصواب.
(6) في (ط): «النفس» بدل «اليقين».
(3/106)
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي
عمرو، وقد مرّ «1» القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم
بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين
يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا
يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو
لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون
فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء «2».
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول
الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا
فتح إنّ في «3» قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم،
لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في
أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا
الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من «4» قوله: وإذ
يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من
إحدى الطائفتين] «5» قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من
الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب
خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من
حيث
__________
(1) في (ط): وقد قدّم.
(2) السبعة ص 220.
(3) في (ط): من.
(4) في (ط): في.
(5) ما بين معقوفين سقط من (م).
(3/107)
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم
ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت «1» أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا
لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] «2» ولا تحسبن الذين
كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في
موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين
يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه
تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من «3» قوله: فلا تحسبنهم بمفازة
من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن،
كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة
ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين «4». وقد قدّمنا أنّ
الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من «5» أن تكون للعطف،
أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة
على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ
الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا
يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن
الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من
الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما
دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ
مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
__________
(1) في (ط): علم.
(2) في (ط): «لم يجز إلّا الكسر، كسر إن».
(3) في (ط): في.
(4) في (ط): فعل الفاعلين.
(5) سقطت من (ط).
(3/108)
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في
قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت،
وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك
أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي
هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول
الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن
تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال:
وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي «1» قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ
ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين
يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما
فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله:
ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه
فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل
مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن
يتركوا [العنكبوت/ 29].
__________
(1) عجز بيت للنمر بن تولب صدره:
لا تجزعي إن منفسا أهلكته سبق في 1/ 44.
وجاء هنا على حاشية (م): «ولم يذكر حجة حمزة في: «لا تحسبنّ
الذين يبخلون» بالياء، ولا كيف يكون تقديرها؟.
قلت: الملاحظ أن قراءة حمزة التي أشار إليها بالحاشية هي
بالتاء لا بالياء، ومع ذلك فإن أبا علي احتجّ للقراءتين بما
فيه المأرب. انظر ما تقدم ص 98 - 99.
(3/109)
قال: ولم «1» يختلفوا في قوله: ولا تحسبن
الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله «2»: تحسبن
مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول،
والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله
ومفعوليه.
[آل عمران: 179]
اختلفوا في فتح الياء والتخفيف وضمّها والتّشديد من قوله عز
وجل «2»: حتى يميز [آل عمران/ 179] وليميز الله الخبيث
[الأنفال/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: حتى يميز
وليميز الله الخبيث بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة والكسائي
حتى يميز وليميز الله بضمّ الياء والتشديد «4».
[قال أبو علي] «5»: قال يعقوب: مزته، فلم ينمز، وزلته فلم
ينزل، وأنشد أبو زيد «6»:
__________
(1) في (م): «لم».
(2) في (ط): تعالى.
(4) انظر السبعة ص 220.
(5) سقطت من (ط).
(6) البيت لمالك بن الرّيب أوّل أبيات أربعة له في النوادر ص
285 (ط: الفاتح) وفي الأغاني 22/ 311 من قصيدة طويلة يقع البيت
الشاهد السابع منها.
ويروى في النوادر: «شرّ عدوته ... ولا بعلا» وفي الأغاني: «شر
عدوته رقدت لا مثبتا ذعرا ولا بعلا» قال في النوادر. مسئيا:
«أراد مسيئا فقدم الهمزة وهي لغة كما يقال: رآني وراءني ...
قال أبو الحسن: أمّا روايتهم (لا مسئيا) وتفسيرهم لها على
تقديم الهمزة فقد صدقوا في ترتيب اللفظ وسهوا عن المعنى، لأنّ
مسيئا لو ردّ إلى أصله فقيل، وإن لم يكن شعرا: لا مسئيا ذعرا،
لم يكن له معنى وإن كان قد يجوز على وجه بعيد: لا مسيئا للذعر
وذلك أنّه
(3/110)
لمّا ثنى الله عنّي شرّ عزمته ... وانمزت
لا مسئيا
«1» ذعرا ولا وجلا [مسئيا من قول ذي الرّمّة «2»:
... بعيد السأو مهيوم والسأو: هو الهمّة.
تقول: لا أذعر ولا أهم بالذعر. فمزت وميّزت لغتان] «3»، وليس
ميّزت بمنقول من مزت كما أنّ غرّمته منقول من غرم، يدلّك على
ذلك أنّه لا يخلو تضعيف العين في ميّز من أن يكون لغة في ماز،
أو يكون تضعيف العين لنقل الفعل، كما أنّ الهمزة في أقمته له،
فالذي يدلّ على أنّه ليس للنقل، كما أن غرّمته للنّقل، أنّه لو
كان للنّقل للزم أن يتعدّى ميّزت إلى مفعولين، كما أنّ غرّمت
يتعدى إلى مفعولين، تقول: غرّمت زيدا مالا. وفي أنّ ميّزت لا
يتعدّى إلى مفعولين إلّا بحرف جر نحو قولهم «4»: ميّزت
__________
إذا فزع فقد أساء عند نفسه ... والذي قرأناه في شعر مالك بن
الريب:
«وانحزت لا مونسا ذعرا» وهذا لا طعن عليه ولا مئونة فيه».
والبعل: المتحير.
(1) في (ط): مسيئا وهو تحريف من الناسخ.
(2) في ديوانه بشرح الأصمعي 1/ 382 من قصيدة طويلة يقع البيت
الحادي عشر منها وتتمته:
كأنني من هوى خرقاء مطّرف ... دامي الأظل ...
قال في شرحه: بعير مطرف: اشتري طريفا، لا من بلاد القوم .. فهو
يحن إلى ألأفه ويشتاق. مهيوم، أي: به هيام، وهو داء يأخذ الإبل
شبيه بالحمى.
(3) ما بين المعقوفين سقط من (م) واستدرك من (ط).
(4) ما بين المعقوفين جاء في (ط) قبل قوله: أنشد أبو زيد
السابق.
(3/111)
متاعك بعضه من بعض، دلالة بيّنة على أنّ
تضعيف العين ليس للنّقل. ومثل ميّزت في أنّ التضعيف فيه ليس
للتعدية إنّما هو لغير هذا المعنى، الهمزة في قولهم: ألقيت ألا
ترى أنّ الهمزة فيه ليست لنقل الفعل من فعل إلى أفعل ليزيد في
الكلام مفعول؟ إنّما ألقيت بمنزلة أسقطت، ولو كان منقولا من
لقي لتعدّى إلى مفعولين، لأنّ لقي يتعدّى إلى مفعول في قولك:
لقيت زيدا، ولو كانت الهمزة في ألقيت للنقل لتعدّى إلى
مفعولين. وفي قولهم:
ألقيت متاعك بعضه على بعض وتعدّيه إلى المفعول الثاني بالجارّ
دلالة على أنّ ألقيت ليس للنقل «1» من لقي، وأنّ ألقيت بمنزلة
أسقطت في تعدي ألقيت إلى مفعول واحد كما أنّ أسقطت يتعدّى إلى
مفعول واحد، ولا يتعدّى إلى مفعول ثان، إلّا بحرف الجرّ، كما
أنّ أسقطت لا يتعدّى إلى مفعول ثان إلّا بحرف الجرّ، كقولك:
أسقطت متاعك بعضه على بعض. ومثل ميّز في أنّ التضعيف فيه ليس
للتعدي قولهم: عوّض، فالتضعيف فيه ليس للنقل، ولو كان للنقل من
عاض، لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين لأنّ عاض يتعدّى إلى مفعولين
يدلّك على ذلك ما أنشده الأصمعي:
عاضها الله غلاما بعد ما ... شابت الأصداغ والضرس نقد
«2»
__________
(1) في (ط): بنقل والمؤدى واحد.
(2) البيت من شواهد شرح أبيات المغني 7/ 65 وهو في إصلاح
المنطق ص 49 والمشوف المعلم 2/ 786 والخصائص 2/ 71، والصحاح
واللسان والتاج (نقد) اهـ.
قال البغدادي وهذا البيت لم أقف على قائله ولا على تتمته،
والله أعلم.
(3/112)
وتقول: عوّضت زيدا مالا، فعوّض وعاض لغتان
كما أنّ ميّز وماز لغتان، كلّ واحد منهما في معنى الآخر، ليس
عوّض منقولا من عاض، كما أنّ ميّز ليس بمنقول من ماز. وإذا كان
الأمر في ذلك على ما وصفنا، فكلتا القراءتين حسنة، لأنّ ماز
فعل متعد إلى مفعول واحد، كما أنّ ميّز كذلك. ولقولهم: ماز من
المزية أنّ أكثر القراء عليها، وكثرة القراءة بها يدلّ على
أنّها أكثر في استعمالهم.
[آل عمران: 180]
قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: والله بما يعملون خبير [آل
عمران/ 180] بالياء وقرأ الباقون بالتاء «1».
[قال أبو علي] «2»: القول في ذلك أنّ من قرأ بالياء أتبعه ما
قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله: سيطوقون [آل عمران/ 180]
والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] من منعهم الحقوق من
أموالهم فيجازيهم عليه، ومن قرأ بالتاء فلأنّ قبله خطابا، وهو
قوله: وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم [آل عمران/ 179] والله
بعملكم المرضيّ خبير «3» فيجازيكم عليه، فالغيبة أقرب إليه من
الخطاب.
قال: قرأ ابن عامر وحده: بالبينات وبالزبر [آل عمران/ 184]
بالباء وكذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون: بالبينات
والزبر بغير باء [في الزبر] «4» وكذلك هي «5» في مصاحفهم «6».
__________
(1) السبعة ص 220.
(2) سقطت من (ط).
(3) سقطت من (ط).
(4) زيادة من (ط).
(5) سقطت: «هي» من (ط).
(6) السبعة ص 221.
(3/113)
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: بالبينات
والزبر أنّ الواو قد أغنت عن تكرير العامل، ألا ترى أنّك إذا
قلت: مررت بزيد وعمرو، أشركت الواو عمرا في الباء، فأنت عن
تكريرك الباء مستغن، وكذلك إذا قلت: جاءني زيد وعمرو: فالواو:
قد.
أشركت عمرا في المجيء، وكذلك جميع حروف العطف. ووجه قول ابن
عامر أنّ إعادة الباء، وإن كان «1» مستغنى عنها فإنّه لضرب من
التأكيد، ولو لم يكرر لاستغنى بإشراك حرف العطف فممّا جاء على
قياس قراءة ابن عامر قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن «2».
فكرر الدار ولو قلت: دار زيد وعمرو، لأشركت الحرف «3» في الاسم
الجار كما تشرك بالباء، فكما كرر الدار كذلك كرر الباء، والدار
في شعر رؤبة [دار «4»] واحدة لهما. ويدلك على ذلك قوله:
أما جزاء العارف المستيقن ... عندك إلّا حاجة التفكّن
«2» وكلا الوجهين حسن عربي.
__________
(1) في (ط): كانت.
(2) سبقت الأشطار الثلاثة- وهي من قصيدة واحدة- في 1/ 257
والشطر الأول في سيبويه 1/ 305.
(3) في (ط): «الواو» وكلاهما بمعنى، لأنه سبق ذكره عند قوله:
«بإشراك حرف العطف».
(4) زيادة من (ط).
(3/114)
[آل عمران: 181]
اختلفوا «1» في قوله تعالى «2»: سنكتب ما قالوا، وقتلهم
الأنبياء بغير حق .... وتقول [آل عمران/ 181] في الياء والنون
والرفع والنصب.
فقرأ حمزة وحده: سيكتب ما قالوا بالياء، وقتلهم* رفعا ويقول*
بالياء. وقرأ الباقون: سنكتب ما قالوا بالنون وقتلهم نصبا،
ونقول بالنون «3».
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ سنكتب أنّ قبله: لقد سمع الله
قول الذين قالوا إن الله فقير [آل عمران/ 181] فالنون هاهنا
بعد الاسم الموضوع للغيبة، كقوله: بل الله مولاكم [آل عمران/
150] ثمّ قال: سنلقي [آل عمران/ 151] ولو قرئ:
سيكتب ما قالوا بالياء لكان في الإفراد كقوله: وقذف في قلوبهم
الرعب [الأحزاب/ 26] وقوله: كتب الله لأغلبن أنا [المجادلة/
21] وقوله: ونقول [آل عمران/ 181] معطوف على سنكتب. ووجه قول
حمزة: ويقول* أنّ معنى سيكتب، سيكتب «4»، كما أنّ معنى: كتب
عليه أنه من تولاه [الحج/ 4] كتب، ويقوّي سنكتب قوله: وكتبنا
عليهم فيها [المائدة/ 45].
وأمّا رفع حمزة وقتلهم* [آل عمران/ 181] فلأنّه عطفه على ما
قالوا وهو في موضع رفع بإسناده إلى الفعل المبني للمفعول به.
__________
(1) في (ط): واختلفوا.
(2) زيادة من (ط).
(3) السبعة ص 220 - 221.
(4) في (ط): ستكتب.
(3/115)
ومن قال: وقتلهم فنصب حمله على سنكتب ما
قالوا وهو في موضع نصب بأنّه مفعول به.
[آل عمران: 187]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: «1» لتبيننه للناس
ولا تكتمونه [آل عمران/ 187].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالياء فيهما.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء فيهما «2».
قال أبو علي: حجّة من قرأ بالتاء قوله «3»: وإذ أخذ الله ميثاق
النبيين لما آتيتكم [آل عمران/ 81] والاتفاق عليه، وكذلك: وإذ
أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله [البقرة/ 83] وقد
تقدّم القول في ذلك.
وحجّة من قرأ بالياء أنّ الكلام حمل على الغيبة لأنّهم غيب.
[وقد تقدم القول في ذلك] «4».
[آل عمران: 195]
واختلفوا في قوله: وقاتلوا [آل عمران/ 195] وقتلوا [آل عمران/
195] في تقديم الفعل المبني للفاعل، وتأخيره والتشديد
والتخفيف.
فقرأ ابن كثير وابن عامر: وقاتلوا وقتلوا مشدّدة التاء.
__________
(1) سقطت من (ط).
(2) السبعة ص 221.
(3) سقطت من (ط).
(4) زيادة من (ط).
(3/116)
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو: وقاتلوا وقتلوا
خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائي: وقتلوا، وقاتلوا. يبدءان بالفعل المبني
للمفعول به قبل الفعل المبني للفاعل، وكذلك اختلافهم في سورة
التوبة، غير أنّ ابن كثير وابن عامر شدّدا في التوبة «1».
قال أبو علي: تقديم قاتلوا على: قتلوا حسن، لأنّ القتال قبل
القتل، والتشديد حسن لتكرّر القتل، فهو مثل مفتحة لهم الأبواب
[ص/ 50]. ومن خفّف فقال: وقتلوا فإنّ فعلوا يقع على الكثير
والقليل، والتثقيل تختص به الكثرة. ومن قرأ: قتلوا وقاتلوا كان
حسنا، لأنّ المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى، وإن
كان مؤخرا في اللفظ، وليس العطف بها كالعطف بالفاء، وكذلك
اختلافهم في سورة التوبة. ووجه قول من قرأ قتلوا وقاتلوا أن
يكون لمّا قتل منهم قاتلوا ولم يهنوا ولم يضعفوا للقتل الذي
أوقع بهم، كما قال: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل
عمران/ 146].
قال [أحمد] «2»: وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة
والكسائي: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62]
وذات قرار [المؤمنون/ 50] وما كان مثله بين الفتح والكسر.
وقرأ ابن كثير وعاصم بالفتح. وروى خلف بن هشام وأبو هشام
الرفاعي عن سليم بن عيسى الحنفي عن حمزة أنّه كان يشمّ
__________
(1) السبعة ص 221 - 222.
(2) سقطت من (ط).
(3/117)
الراء الأولى من قوله: ذات قرار، والأشرار، وما كان مثل ذلك
الكسر من غير إشباع «1».
قال أبو علي: الإمالة في فتحة الراء حسنة، لأنّ الراء المكسورة
تغلب المفتوحة، كما غلبت المستعلي في قولهم: قارب وطارد،
وقادر، فإذا غلبت المستعلي فأن تغلب الراء المفتوحة أجدر لأنّه
لا استعلاء في الراء، إنّما هو حرف من مخرج اللام فيه تكرير.
ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميل «2» شيئا من ذلك.
[آخر الكلام في سورة آل عمران] «3» |