الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة الكهف
[الكهف: 2]
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (من لدنه) [الكهف/ 2] بفتح اللام
وإشمام الدّال الضّمّة «1»، وكسر النون والهاء، ولم يقرأ بذلك
غيره، ووصل الهاء بياء في الوصل.
وقرأ الباقون من لدنه بفتح اللام وضمّ الدال وتسكين النون وضمّ
الهاء من غير بلوغ واو، حفص عن عاصم مثلهم «2».
في لدن ثلاث لغات «3»: لدن مثل سبع، وتخفّف الدال، فإذا خفّفت
كان على ضربين: أحدهما أن تحذف الضمّة من الدال، وتنقل إلى
اللام فيقال: لدن، مثل: عضد، وفي كلا الوجهين يجتمع في الكلمة
ساكنان: الدال المنقول عنها الحركة والمحذوفة منها.
__________
(1) في الإتحاف ص 288: إسكان الدال مع إشمامها الضم.
(2) السبعة 388.
(3) نقل في اللسان (لدن) ابن بري عن أبي علي في لدن أربع لغات:
لدن، ولدن بإسكان الدال، حذف الضمة منها كحذفها في عضد، ولدن
بإلقاء ضمّة الدال على اللام، ولدن بحذف الضمة من الدال، فلما
التقى ساكنان فتحت الدال لالتقاء الساكنين ... اللسان 13/ 385.
(5/124)
ويلحق الكلمة حذف النون، فإن حذفت أمكن أن
يقدّر حذف النون منها، وقد أسكنت، وأن يقدّر الحذف منها غير
مسكّن الأوسط، فإذا قدّر حذفها وقد أسكنت وردّ فيها النون بعد
الحذف، جاز أن تحرّك بالفتح فيقال: لدن. قال سيبويه: شبّهوه
بالخفيفة مع الفعل ففتحوها كفتحهم لام الفعل مع الخفيفة. وقال
أبو زيد «1»: جئت فلانا لدن غدوة، ففتحوا الدال، ويجوز أن
تحرّك بالكسر في نحو (من لدنك)، و (لدنه) لأن من الساكنين ما
إذا التقيا ما يحرّك أحدهما بالكسر كما يحرّك بالفتح، وربما
تعاقب الأمران على الكلمة الواحدة، فأما حذف النون في قوله:
من لدشولا «2» ...
فينبغي أن يكون أجري في الحذف، ولم يلتق مع ساكن آخر مجراه في
حذفهم لها لالتقاء الساكنين، وذلك أنه في قولهم: من لد الصلاة،
حذفت لالتقاء الساكنين من حيث كثر، كما حذفت من الأسماء
الأعلام نحو: زيد بن فلان. واستجازوا حذفها كما استجازوه في
نحو:
ولك اسقني «3» ...
__________
(1) النوادر 472.
(2) هذه قطعة من رجز، وهو من الشواهد الخمسين التي لم يعرف لها
قائل وتمامة:
من لدشولا فإلى أتلائها.
انظر الكتاب 1/ 134، وابن الشجري 1/ 222 وابن يعيش 4/ 101 و 8/
35، والعين 2/ 51، والخزانة 2/ 84، وانظر شرح شواهد المغني
للبغدادي 6/ 287 وتخريجه فيه. واللسان (لدن).
(3) هذه قطعة من بيت للنجاشي الحارثي وتمامه:
(5/125)
وكما حذفوها من عمرو العلى ونحو ذلك،
والدليل على أنه حذف كما كان حذف لالتقاء الساكنين أنه لا يخلو
من أن يكون الحذف على ما كان عليه لالتقاء الساكنين، أو على
حدّ الحذف في دد، وددن، فلا يجوز أن يكون على حدّ دد، وددن
لأنه لو كان كذلك لوجب أن يسكن للبناء كما أنك لما حذفت النون
من المعرب الذي هو لام في ددن أجريت على العين ما كان يجري على
اللام من الإعراب، وكذلك لد لو كان الحذف فيه على حدّ الحذف في
ددن لوجب أن تسكن الدّال من لد بعد حذف النون، ألا ترى أنهم
قالوا: لهي أبوك «1»، فبنوا الاسم لما تضمّن معنى لام المعرفة،
وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين، ثم لمّا حذفوا الياء التي في
موضع اللام قالوا: له أبوك، فبنوه على السكون، فكذلك الحذف في
لدن لو كان على حدّ الحذف في لهي، والنون في ددن لوجب أن تسكن
الدال في لد ولا تحرك، فبقاؤها على الحركة دلالة على أن حذفها
ليس على حدّ الحذف في ددن، ولهي أبوك، ولكن حذفت كما كانت حذفت
لالتقاء الساكنين لأن الحذف لالتقاء الساكنين كأنه في تقديره
الثبات، كما أن
__________
فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
انظر الكتاب 1/ 9، الخصائص 1/ 310، والمصنف 2/ 229 وابن الشجري
1/ 385 والإنصاف 2/ 684، وابن يعيش 9/ 142 والأشموني 1/ 271
والخزانة 4/ 367 وانظر شرح شواهد المغني للبغدادي 5/ 194
وتخريجه فيه.
(1) أصلها: لله أبوك، ثم حذفوا منها اللامين فصارت لاه أبوك،
قال سيبويه: وقال بعضهم: لهي أبوك، فقلب العين وجعل اللام
ساكنة، إذ صارت مكان العين كما كانت العين ساكنة، وتركوا آخر
الاسم مفتوحا كما تركوا آخر أين مفتوحا. وإنما فعلوا ذلك به
حيث غيّروه لكثرته في كلامهم فغيّروا إعرابه كما غيروه.
(انظر الكتاب 2/ 144).
(5/126)
التحريك لهما في تقدير السكون، فالذي قال:
«من لد شولا ... » «1»
إنما استعمل المحذوف لالتقاء الساكنين بالدلالة التي ذكرنا،
وأنشد أبو زيد:
لد غدوة حتّى أغاث شريدهم ... جوّ العشارة فالعيون فزنقب
«2» فالدّال متحرّكة بالضم فمن قال: لدن غدوة، على ما حكاه أبو
زيد وسيبويه شبّهها بالخفيفة مع الفعل كما شبّهها مع التنوين
في قوله:
لدن غدوة، وإنّما شبّهوه بالزيادة في الموضعين جميعا أعني:
لدن، لدن، لأنه لم يكن حقّها أن تحذف النون منها لمشابهتها
الحروف وهذا الحذف إنما يكون في الأسماء المتمكنة فلما أشبهت
الحروف لم يلزم الحذف فيها فاستنكروه وجعلوا النون بمنزلة
الزائد في لدن، وفي لدن غدوة، وكذلك قد يستقيم أن تقول في الذي
قال «لد شولا» أنه تركها على الضمة لأنه قدر أن تلك زائدة،
وأنشد عن خالد «3» بن كلثوم:
من عن لدن قرّعت نفس الصّلاة إلى ... أن ولّت الشمس في علّي
وفي نهل
وقد أضيفت فيه إلى الفعل، ويمكن أن تكون إضافتها إلى الفعل
__________
(1) سبق قريبا.
(2) البيت لزيد الفوارس الضبى وهو من جملة أبيات ذكرت في
النوادر لأبي زيد/ 359 والخزانة 1/ 516 وزنقب: بضم أوله وسكون
ثانيه وقاف وآخره باء موحدة: علم مرتجل لا أصل له في النكرات:
وهو ماء لبني عبس (معجم البلدان 3/ 154).
(3) في الأصل خلد ولعل الصواب ما أثبت انظر شرح أبيات المغني
2/ 407
(5/127)
كإضافة حيث إليه لأنها في الإيهام مثلها في
الإبهام، وكإضافة ذي إلى تسلم. وريث إلى الفعل في مواضع، ويمكن
أن يكون المعنى: لدن أن قرّعت، فحذف أن، ويقوي ذلك ثباتها في
قول الأعشى:
أراني لدن أن غاب أهلي كأنما ... يراني فيكم طالب الضيم أرنبا
«1» وقد جاءت أيضا مضافة إلى الفعل في قول بعض عبد القيس:
وإنّ لكيزا لم تكن ربّ عكّة ... لدن صرّحت حجّاجهم فتفرّقوا
«2» وجاء مضافا إلى الفعل في غير هذه المواضع.
فأما ما روي عن عاصم من قراءته: (من لدنه) [الكهف/ 2] فالكسرة
ليست فيه بجرّ إنما هي كسرة لالتقاء الساكنين وذاك أن الدال
أسكنت كما أسكنت في سبع، والنون ساكنة، فلما التقيا كسرت
الثاني منهما. فإن قلت: فكيف حركت الأول من الساكنين فيمن قال:
لدن، وحرك في قراءة عاصم الثاني منهما، قيل: حرّك الأولان لدن
لأنه نزّل أن النون ليست من نفس الكلمة، كما نزّل في لدن غدوة
كذلك، وليس يخرج الكلمة هذا التنزيل فيها من أن تكون النون من
أصلها، بدلالة ردّها في المضمر نحو: من لدنك، ومن لدنه ومن
لدنّي، ولدني، حكاه أبو زيد، والساكنان، إذا التقيا في كلمة
حرّك الثاني منهما، فكذلك حرك الثاني في لدنه، وليس يخرج ما
عرّض من
__________
(1) انظر ديوانه/ 115 وروايته فيه:
أراني لدن أن غاب قومي كأنما ... يراني فيهم طالب الحقّ أرنبا
(2) سبق انظر 4/ 156 وقد ورد هناك علة بدل عكة.
(5/128)
شبه النّون بالزيادة عن أن يكون من نفس
الكلمة، وأن يراعي فيها الأصل، ألا ترى أن نحو الترامي
والتعادي روعي فيه التفاعل فصرف كما صرف، ولم يجعل بمنزلة
جواري وحضاجر «1»، وكذلك قولهم:
المريض عدته، روعي فيه التعدي الذي في الفعل في الأصل، وكذلك
هذه النون جعلت في التحريك لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله:
انطلق، و:
لم يلده «2» ...
لمّا أسكن اللامان من الكلمتين حرّك الآخر منهما لالتقاء
الساكنين، فكذلك في قوله: من لدنه، حرك الثاني من الساكنين لما
أسكن الحرف الذي قبل النون.
وأما إشمام الضم الدال في قراءة عاصم في قوله: (من لدنه)
فليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمّة، ومثل ذلك قولهم: أنت
تغزين، وقولهم: قيل، أشمّت الكسرة فيها الضمّة، لتدلّ أن الأصل
فيها التحريك بالضم وإن كان إشمام عاصم ليس في حركة خرجت إلى
اللفظ، وإنّما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة، ولو كانت مثل
الحركة في تغزين لم يلتق ساكنان ولم تكسر النون لاجتماعهما،
ولكن يجتمعان في أن أصل الحرف التحريك بالضم وإن اختلفا في أنّ
الحركة في تغزين قد خرجت إلى اللفظ، ولم تخرج في قوله: (من
__________
(1) الحضجر: العظيم البطن الواسعة، وحضاجر اسم للذكر والأنثى
من الضياع سميت بذلك لسعة بطنها وعظمه، انظر اللسان (حضجر).
(2) يشير إلى بيت لرجل من أزد السراة وهو:
الا ربّ مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان
سبق انظر 1/ 49.
(5/129)
لدنه) وأمّا وصله الهاء بياء في الوصل
فحسن، ألا ترى أنك لو قلت:
بابه وبعبده، فلم توصل الهاء بياء لم يحسن، ولكان ذلك مما يجوز
في الشعر كقوله:
له زجل كأنّه صوت حاد «1» وأما قراءة الباقين من لدنه فعلى أصل
الكلمة، والنون في موضع جرّ وضم الهاء من غير بلوغ ياء حسن،
لسكون ما قبل الهاء، فلو بلغوا به الياء
لم يجز لأن هذا ليس من المواضع التي تلحق هاء الضمير فيه الياء
لأنه لا ياء قبلها، ولا كسرة ولكن لو بلغوا بها الواو فقال:
(من لدنهو)، لم يكن يحسن الضم بلا واو، لأن الهاء خفية فإذا
سكن ما قبلها وما بعدها أشبه التقاء الساكنين، ولو كان ما قبل
الهاء حرف لين كان أقبح، وأما الجار في قوله: من لدنه فيحتمل
ضربين، أحدهما: أن يكون متعلقا بشديد، والآخر: أن يكون صفة
للنكرة وفيها ذكر الموصوف.
[الكهف: 16]
اختلفوا في [فتح الميم و] كسر الفاء وكسر الميم وفتح الفاء من
قوله: (مرفقا) [الكهف/ 16].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: مرفقا بكسر
الميم وفتح الفاء.
وقرأ نافع وابن عامر: (مرفقا) بفتح الميم وكسر الفاء.
الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (مرفقا) بفتح الميم [وكسر الفاء
مثلهما] «2».
__________
(1) سبق انظر 1/ 205 وانظر الأعراف/ 111.
(2) السبعة 388 وما بين معقوفين منه.
(5/130)
أبو عبيدة: المرفق: ما ارتفقت به، وبعضهم
يقول: المرفق.
فأما فى اليدين فهو مرفق «1». وقال أبو زيد: رفق الله عليك
أهون المرفق والرّفق.
قال أبو علي: المرفق فيما حكاه أبو زيد مصدر، ألا ترى أنه جعله
كالرفق، وكان القياس الفتح لأنه ليس من يرفق، ولكنه كقوله:
إلي مرجعكم [آل عمران/ 55]. ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222].
وقال أبو الحسن: مرفقا، أي: شيئا يرتفقون به مثل المقطع،
ومرفقا: جعله اسما مثل المسجد، أو تكون لغة «2».
وقوله: جعله اسما، أي: جعل المرفق اسما، ولم يجعله اسم المكان
ولا المصدر من رفق يرفق، كما أن المسجد ليس باسم الموضع من سجد
يسجد. وقوله: أو يكون لغة، أي: لغة في اسم المصدر، كما جاء
المطلع ونحوه، ولو كان على القياس لفتحت اللام.
قال أبو الحسن أيضا: مرفقا ومرفقا: لغتان لا فرق بينهما أيضا،
هما اسمان مثل المسجد والمطبخ.
[الكهف: 17]
اختلفوا في قوله تعالى: تزاور عن كهفهم [الكهف/ 17].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تزاور) بتشديد الزّاي.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (تزاور) خفيفة.
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 395.
(2) معاني القرآن 2/ 394.
(5/131)
وقرأ ابن عامر: (تزور) مثل تحمرّ «1».
قال أبو عبيدة «2»: (تزاور عن كهفهم) تميل عنه، وهو من الزّور
والأزور منه، وأنشد ابن مقبل:
فينا كراكر أجواز مضبّرة ... فيها دروء إذا شئنا من الزّور
«3» قال أبو علي: تزاور، تزّاور، من قال: تزاور حذف التاء
الثانية، وخفف الكلمة بالحذف، كما تخفف بالإدغام، وقول ابن
عامر: تزور. قال أبو الحسن: لا يوضع في هذا المعنى إنما يقال:
هو مزورّ عني، أي: منقبض. قال أبو علي: ويدلّ على أن ازورّ في
المعنى انقبض كما قاله أبو الحسن، قوله:
وازورّ من وقع القنا بلبانه «4» والذي حسّن القراءة به قول
جرير:
__________
(1) السبعة 388.
(2) انظر نقله في مجاز القرآن 1/ 395.
(3) انظر ديوانه/ 85 وفيه: «إذا خفنا» بدل «شئنا».
كراكر: يقال للقوم إذا كانوا كثيرا كركرة والجمع كراكر:
الأجواز: ج جوز وهو وسط الشيء وأكرمه وأشرفه. ومضبرة: أي
مجتمعة قوية شديدة. شبهها بالناقة المضبرة وهي المكتنزة
الموثقة الخلق، والدروء: ج درء وهو الأنف البارز من الجبل.
والزور: عوج في الزّور، يريد به الاعتراض. يقول: إذا خفنا من
أحد اعتراضا فنحن نعترض كاعتراض أنوف الجبل.
(4) هذا صدر بيت لعنترة عجزه:
وشكا إلى بعبرة وتحمحم انظر ديوانه/ 217 وانظر تفسير القرطبي
10/ 368.
(5/132)
عسفن على الأواعس من قفيل وفي الأظعان عن
طلح ازورار «1» فظاهر استعمال هذا في الأظعان مثل استعماله في
الشمس، فإن قلت: كيف جاز أن يقال: تزاور، ولا يكاد يستعمل هذا
البناء في هذا النحو، فإن هذا حسن لمّا كان معناه الميل عن
الموضع، وقد استعملوا تمايل، فأجروا تزاور مجرى تمايل، قال:
كلون الحصان الأنبط البطن قائما ... تمايل عنه الجلّ واللون
أشقر
«2» وقال:
تجانف عن خلّ اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا
«3»
__________
(1) انظر ديوانه 1/ 134 وفيه: «من حبيّ» بدل «من قفيل».
العسف: الأخذ على غير الطريق، والأواعس من الرمل: الموطوء
الليّن. وحبيّ وطلح: موضعان، والازورار: النكوب عن الشيء.
(2) البيت الذي الرمة من قصيدة طويلة في الديوان 2/ 626 بلغت
79 بيتا يفتخر فيها وقبله:
وقد لاح للساري الذي كمّل السّرى ... على أخريات الليل فتق
مشهّر
والفتق: يعني به الصبح. وأنبط: إذا كان أبيض البطن والصدر. شبه
بياض الصبح طالعا في احمرار الأفق بفرس أشقر قد مال عنه جلّه
فبان بياض إبطه [والأظهر: بطنه] (اللسان: نبط).
(3) البيت للأعشى في ديوانه/ 89 وقد سبق 1/ 250 وانظر الكتاب
1/ 13. وخل:
رويت في الديوان جل، بالجيم، وجل الشيء: معظمه، وبلاد اليمامة:
بين نجد واليمن، وهي تتصل بالبحرين شرقا وبنجد غربا. والخل
بالخاء المعجمة: ماء ونخل لبني العنبر باليمامة، وموضع باليمن
في وادي رمع (معجم البلدان 1/ 385) والتجانف الانحراف، وصف أنه
معوّل في قصده على هذا الممدوح دون خاصة أهله، وجعل الفعل
للناقة مجازا.
(5/133)
والزور في بيت ابن مقبل هو الميل والعدول
للكبر والصّعر، فمعنى العدول فيه حاصل للكبر كان أو لغيره،
وكما أنّ تقرضهم تجاوزهم وتتركهم عن شمالها، كذلك تزاور عنهم:
تميل عنهم ذات اليمين، فإذا مالت عنهم إذا طلعت، وتجاوزتهم إذا
غربت، وكانوا في فجوة من الكهف، دلّ أن الشمس لا تصيبهم
البتّة، أو في أكثر الأمر، فتكون صورهم محفوظة.
[الكهف: 18]
اختلفوا في تشديد اللام وتخفيفها من قوله تعالى: ولملئت
[الكهف/ 18].
فقرأ ابن كثير ونافع: (ولملّئت): مشدّدة مهموزة.
وقرأ ابن عامر وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ولملئت خفيفة
مهموزة، وروى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثير: ولملئت خفيفة «1».
قال أبو الحسن: الخفيفة أجود في كلامهم، تقول: ملأتني رعبا،
ولا يكادون يعرفون: ملأتني. قال أبو علي: مما يدلّ على ما قاله
أبو الحسن من أن التخفيف أكثر في كلامهم قوله:
فيملأ بيتنا أقطا وسمنا «2» وقول الأعشى:
وقد ملأت بكر ومن لفّ لفّها «3»
__________
(1) السبعة 389.
(2) لم نعثر على قائله.
(3) صدر بيت للأعشى وعجزه:
نباكا فأحواض الرجا فالنوا عصا
انظر ديوان/ 149.
(5/134)
وقول الآخر:
ومن مالئ عينيه من شيء غيره «1» وقول الآخر:
لا تملأ الدّلو وعرّق فيها «2» وقولهم: امتلأت، يدلّ على ملأ،
لأنّ مطاوع فعلت افتعلت، قال:
امتلأ الحوض، وقال قطني «3» وقد جاء التثقيل أيضا، أنشدوا
للمخبّل السعدي:
وإذ فتك النعمان بالناس محرما فملّئ من كعب بن عوف سلاسله «4»
[الكهف: 19]
اختلفوا في كسر الراء، وإسكانها من قوله عز وجل:
بورقكم [الكهف/ 19].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بورقكم
مكسورة الراء.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم (بورقكم) ساكنة
__________
(1) لم نعثر عليه.
(2) هذا شطر بيت من الرجز وبعده:
ألا ترى حبار من يسقيها؟
حبار اسم ناقته، عرّق الدلو: جعل فيها ماء قليلا. اللسان (عرق)
ولم ينسبه.
(3) انظر ما سبق 2/ 218 واللسان (قطط).
(4) انظر اللسان (فتك) وتهذيب اللغة (10/ 149، وفيهما: عوف بن
كعب بدل كعب بن عوف وتفسير القرطبي 10/ 374
(5/135)
الراء خفيفة. وروى روح عن أحمد بن موسى عن
أبي عمرو:
(بورقكم) مدغمة، قال: وكان يشمها شيئا من التثقيل «1».
ورق وورق: كنبد ونبد «2» وكتف وكتف، والتخفيف في هذا النحو
سائغ مطرد. وأما إدغام القاف في الكاف فحسن، وذلك نحو قولك:
الحق كلدة «3»، فلمّا كان إدغام الكاف في القاف في قولك: انهك
قطنا كذلك، ولإدغام القاف في الكاف من المزيّة في الحُسن أن
القاف أدخل في الحلق، وهي أول مخارج الفم، والكاف أخرج إلى
الفم، والإدغام فيما كان أقرب إلى الفم أحسن، ألا ترى أن
الإدغام إنّما هو في حروف الفم، وأن حروف الطرفين ليس بأصول في
الإدغام.
[الكهف: 25]
اختلفوا في التنوين من قوله تعالى: ثلاث مائة سنين [الكهف/
25].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم ثلاث مائة سنين منون.
وقرأ حمزة والكسائي (ثلاث مائة سنين) مضاف غير منون «4».
قال أبو الحسن: تكون السنون لثلاث مائة، قال: ولا يحسن إضافة
المائة إلى السنين، لا تكاد العرب تقول: مائة سنين، وقال: هو
جائز في هذا المعنى، وقد يقوله بعض العرب، قال: وقد قرأها
الأعمش، وفي حرف عبد الله: (ثلاثمائة سنة).
__________
(1) السبعة 389.
(2) نبد: أي سكن وركد، انظر اللسان (نبد).
(3) كلدة: الأرض الصلبة، اللسان (كلدة). وانظر سيبويه 4/ 452
(ت. هارون) في باب الإدغام.
(4) السبعة 389.
(5/136)
قال أبو علي: ممّا يدلّ على صحة قول من
قال: ثلاثمائة سنين أن هذا الضرب من العدد الذي يضاف في اللغة
المشهورة إلى الآحاد نحو: ثلاثمائة رجل وأربع مائة ثوب قد جاء
مضافا إلى الجميع في قول الشاعر:
ما زوّدوني غير سحق عمامة ... وخمس مئ فيها قسيّ وزائف
«1» وذاك أن مئ «2» لا تخلو من أن تكون في الأصل مئي، كأنه
فعلة، فجمع على فعل، مثل: سدرة وسدر، أو تكون: فعلة، جمع على
فُعُول، مثل: بدرة وبدور، ومأنة ومئون، قال:
عظيمات الكلاكل والمئون «3» فإن قلت: ما ننكر أن يكون مئ أصله:
مئي، وإنّما حركت العين كما حرّكت نحو: ركك «4»، ومما أتبعت
حركة عينه ما بعده. فالذي يضعّف ذلك أنك لا تجد فيما كان على
حرفين نحو: شعيرة وشعير،
__________
(1) البيت لمزرّد بن ضرار في تهذيب اللغة 15/ 618 وفيه: «وما»
بغير خرم، و «منها» بدل «فيها». وانظر اللسان (قسا) و (مأي)
وفيه عباءة بدل عمامة.
(2) رسمت في الأصل: «ماءي».
(3) في التهذيب 15/ 510: المأنة ما بين السّرة والعانة، ويجمع
مأنات ومئون، وأنشد:
يشبهن السفين وهنّ بخت ... عراضات الأباهر والمئون
(4) كلمة من آخر بيت لزهير وتمامه:
ثم استمروا وقالوا إن موعدكم ... ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك
انظر معجم البلدان (ركك) 3/ 64.
(5/137)
وسدرة، وسدر، فإذا لم تجد لذلك نظيرا عدلت
عنه، وحملته على أنه فُعُول وأنه خفف كما يخفف في القوافي
كقوله:
كنهور كان من أعقاب السّمي «1» وإذا كان كذلك فقد جاء إضافة
نحو: ثلاثمائة إلى الجمع، وكسرت الفاء من مئي كما كسرت من حليّ
ونحوه، فأما قوله:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة ... سودا
«2» ....
فلا يدلّ على جواز ثلاث مئين، وإضافتها إلى الجمع، لأن أبا عمر
الجرمي حكى عن أبي عبيدة أن الحلوب لا يكون إلا جمعا، والحلوية
تكون واحدا وتكون جمعا، فإذا كان كذلك أمكن أن يكون الشاعر جعل
الحلوبة جمعا وجعل السود وصفا لها، فإذا أمكن هذا لم تكن فيه
دلالة على جواز إضافة ثلاث مائة ونحوها إلى الجمع، فإن قلت
يكون حلوبة في البيت واحدا ولا يكون جمعا، لأنه تفسير العدد
وهذا الضرب من العدد يفسر كالآحاد دون الجموع، قيل: هذا لا
يمتنع إذا كان المراد به الجمع، أن يكون تفسيرا لهذا الضرب من
العدد من حيث كان على لفظ الآحاد، فكذلك الحلوبة يراد به الجمع
ولا يمتنع أن تكون تفسيرا، كما لا يمتنع عشرون نفرا، وثلاثون
قتيلا.
ونحو ذلك من الأسماء التي يراد بها الجمع، وهي على لفظ الآحاد.
وممّا يدلّ على أنه فُعُول قوله:
__________
(1) سبق في 2/ 373.
(2) البيت لعنترة وتتمته:
كخافية الغراب الأسحم انظر ديوانه/ 193.
(5/138)
وحاتم الطائيّ وهّاب المئي «1» فهذا يدلّ
على التخفيف، وهو فُعُول في الأصل، وإنّما خفف للقافية، كما
خفّف البيت الذي قبله وهو:
حيدة خالي ولقيط وعلي فحذف كما حذف نحو:
متى أنام لا يؤرّقني الكري ... ليلا ولا أسمع أجراس المطي
«2» فإن قيل: لم لا يكون المئي فُعُلا، ويكون جمع فعلة على
فُعُل، نحو: خشبة وخشب، وبدنة وبدن؟ فإنّ ذلك لا يكون، ألا ترى
أن فعلا لا يكسر فاؤها كما يكسر فاء فُعول، ولأن فعلا قد رفض
في المعتلّ فلم يستعمل إلا في هذه الكلمة التي هي ثن في جمع
ثنيّ فقط، فلا يحمل عليها غيرها.
__________
(1) البيت من مشطور الرجز قالته امرأة من بني عقيل تفخر
بأخوالها من اليمن، وبعده:
ولم يكن كخالك العبد الدّعي انظر النوادر 321 (ط. الفاتح) وابن
الشجري 1/ 383 والمصنف 2/ 68 والخزانة 3/ 304 وعنده جاء شاهدا
على أن أصله عند الأخفش: المئين، فحذفت النون لضرورة الشعر ...
قال البغدادي: وقال أبو علي- فيما كتبه عليه (لعله على
النوادر): خففت ياءات النسب كلها للقافية: فأما المئي والسني،
فإنهما جمعا على فعول، ثم قلبت الواوات ياءات، فصار: مئي
وسنيّ، ثم خفف بأن حذف إحدى الياءين، كما فعل في: علي والدعي،
فبقي المئي والسني.
(2) البيت سبق في 1/ 188 وانظر إضافة لما سبق الخصائص 1/ 73
والإنصاف 2/ 191.
يقول: متى أنام نوما صحيحا لا يؤرقني الكرى، لأنه جعل نومه مع
تأريق الكرى له غير نوم. والأجراس جمع جرس، وهو الصوت، وهو
كذلك جمع جرس بالتحريك- وهو الجلجل الذي يعلق في عنق الدابة.
(وانظر اللسان: مطا).
(5/139)
وأما قول من قال ثلاثمائة سنين فإن سنين
فيه بدل من قوله:
ثلاثمائة وموضعه نصب، كما أن موضع البدل منه كذلك، وقد قدمنا
ذكر ذلك عن أبي الحسن.
[الكهف: 28]
قال: وقرأ ابن عامر وحده: (بالغدوة والعشي) [الكهف/ 28].
وقرأ الباقون: بالغداة والعشي بألف «1».
أما غدوة فهو اسم موضوع للتعريف، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن
يدخل عليه الألف واللام، كما لا تدخل على سائر الأعلام، وإن
كانت قد كتبت في المصحف بالواو، ولم يدل على ذلك، ألا ترى أنهم
قد كتبوا فيه الصلاة بالواو وهي ألف، فكذلك الغداة إن كتبت في
هذا بالواو، ولا دلالة فيه على أنها واو، كما لم يكن ذلك في
الصلاة ونحوها مما كتبت بالواو وهو ألف. ووجه دخول لام المعرفة
عليها أنه قد يجوز وإن كان معرفة أن يتنكّر، كما حكاه أبو زيد
من أنهم يقولون:
لقيته فينة، والفينة بعد الفينة، ففينة مثل الغدوة في التعريف
بدلالة امتناع الانصراف، وقد دخلت عليه لام التعريف، وذلك أنه
يقدّر من أمّة كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك،
ويقوّي هذا تثنية الأعلام وجمعها، وقولهم:
لا هيثم الليلة للمطيّ «2»
__________
(1) السبعة 390.
(2) البيت في سيبويه 1/ 354 والمقتضب 4/ 362 وابن الشجري 1/
239 وشرح المفصل 2/ 102، 103 و 4/ 123 والخزانة 4/ 57.
والمسائل الحلبيات 204، 311.
قال الأعلم: الشاهد فيه نصب هيثم، وهو اسم علم معرفة بلا، وهي
لا تعمل إلا في النكرة، وجاز ذلك، لأنه أراد: لا أمثال هيثم
ممن يقوم مقامه في حداء المطي،
(5/140)
وقولهم: أما البصرة فلا بصرة لك، فأجري هذا
مجرى ما يكون شائعا في الجنس، وكذلك الغدوة. وقول من قال:
بالغداة أبين.
[الكهف: 24]
قال: وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (يهديني ربي) [الكهف/ 24]
بياء في الوصل.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بغير ياء «1».
إثبات الياء حسن لأنها ليست بفواصل فتكون كالقوافي.
ومن حذف فلأن الحذف في هذا النحو وإن لم يكن قافية فقد جاء
وكثر.
[الكهف: 26]
قال: وكلهم قرأ: ولا يشرك في حكمه أحدا [الكهف/ 26] بالياء
والرفع، غير ابن عامر فإنه قرأ: (ولا تشرك) جزما بالتاء «2».
يشرك بالياء لتقدّم أسماء الغيبة، وهو قوله: ما لهم من دونه من
ولي ولا يشرك، والهاء للغيبة، فكذلك قوله: ولا يشرك أي: لا
يشرك الله في حكمه أحدا.
وقراءة ابن عامر: (ولا تشرك) أنت أيها الإنسان في حكمه على
النهي عن الإشراك في حكمه، المعنى: أي لا تكن كمن قيل فيه:
أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون [الأعراف/ 191]، وقوله:
__________
فصار هذا شائعا ... الخ. وهيثم: اسم رجل كان حسن الحداء للإبل،
وقيل:
المراد هيثم بن الأشتر.
وقال سيبويه: وأما قول الشاعر: لا هيثم ... فإنه جعله نكرة
كأنه قال: لا هيثم من الهيثمين ومثل ذلك: لا بصرة لكم ... الخ.
(1) السبعة 389.
(2) السبعة 390.
(5/141)
سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا
[الأنعام/ 148]، والقراءة الأولى أشيع، والرجوع من الغيبة إلى
الخطاب كقولك: إياك نعبد بعد الحمد لله.
[الكهف: 34]
وقرأ أبو عمرو: (ثمر) [الكهف/ 34] و (بثمره) [42] بضم الثاء
وسكون الميم.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (ثمر) و
(بثمره) مضمومة الثاء والميم.
علي بن نصر، وحسين الجعفي، عن أبي عمرو: (ثمر) مثل نافع.
وقرأ عاصم: ثمر وبثمره، بفتح الثاء والميم فيهما «1».
الثمرة: ما يجتنى من ذي الثمرة، وجمعه: ثمرات، ومثله:
رحبة، ورحبات ورقبة ورقبات، قال: ومن ثمرات النخيل والأعناب
تتخذون منه سكرا [النحل/ 67]. وقال: كلما رزقوا منها من ثمرة
رزقا [البقرة/ 25]. ويجوز في جمع ثمرة ضربان: أحدهما: أن يجمع
على ثمر، كبقرة وبقر. والآخر: على التكسير: ثمار، كرقبة ورقاب،
وهذا على تشبيه المخلوقات بالمصنوعات، وقد يشبّه كل واحد منهما
بالآخر. ويجوز في القياس أن يكسّر ثمار، الذي هو جمع ثمرة، على
ثمر، فيكون ككتاب وكتب، ويكون تكسيره على فُعُل، كتكسيره على
فعائل في نحو قوله:
__________
(1) السبعة 390. وقد سبق أن تكلم المصنف عن هذا الحرف في 3/
369 وأردفه بنظيره من سورة الأنعام/ 99 و 141.
(5/142)
وقرّ بن بالزّرق الجمائل بعد ما ... تقوّب
عن غربان أوراكها الخطر
«1» فقراءة ابن عامر: (وكان له ثمر) إذا خفّف يجوز أن يكون
جمع:
ثمار، ككتاب وكتب، ويخفّف كما يخفّف كتب، ويجوز أن يكون ثمر
جمع ثمرة، كبدنة وبدن، وخشبة وخشب، ويجوز أن يكون ثمر واحدا
كعنق وطنب، فعلى أيّ هذه الوجوه كان جاز إسكان العين منه وساغ،
وكذلك قوله: (وأحيط بثمره) [الكهف/ 42].
وقال بعض أهل اللغة: الثّمر: المال، والثّمر: المأكول. وجاء في
التفسير قريب من هذا، قالوا: الثمر: النخل والشجر، ولم يرد به
الثمرة. والثمر على ما روي عن عدة من السلف: الأصول التي تحمل
الثمرة، لا نفس الثمر، بدلالة قوله: فأصبح يقلب كفيه على ما
أنفق فيها، أي: في الجنة، والنفقة: إنما تكون على ذوات الثمر
في أغلب العرف. وكأن الآفة التي أرسلت عليها، اصطلمت الأصول
واجتاحتها، كما جاء في صفة الجنة الأخرى: فأصبحت كالصريم [ن-
20] أي: كالليل في سواده لاحتراقها، أو كالنهار في بياضها، وما
بطل من خضرتها بالآفة النازلة بها.
وحكي عن أبي عمرو: (الثمر)، والثمر: أنواع المال، وإذا أحيط
بالثمر فاجتيح، دخلت فيه الثمرة ولا يكون أن يصاب الأصل ولا
تصاب الثمرة، وإذا كان كذلك، فمن قرأ: (بثمره) و (بثمره) كان
قوله أبين ممّن قرأ بالفتح. وقد تجوز القراءة بالفتح، فأخبر عن
بعض ما أصيب، وأمسك عن بعض، وهو قراءة عاصم.
وفي الثمرة لغة أخرى ولم يحك عمن ذكر من القراء في هذا
__________
(1) البيت لذي الرُّمة وقد سبق في 2/ 449 و 3/ 368.
(5/143)
الكتاب، قال سيبويه «1»: تقول: ثمرة
وثمرات، وسمرة وسمرات، قال أبو علي: يجوز في جمع ثمرة ثمر كما
جاز السّمر، وقالوا: ثمرة وثمر، وثمار، فثمار جمع ثمرة كما أن
إضاء جمع أضا «2»، وكسّروه على فعال كما كسّروه على فعول في
قولهم: صفا وصفيّ.
[الكهف: 36]
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (خيرا منهما منقلبا) [الكهف/
36] بزيادة ميم بعد الهاء على التثنية، وكذلك هي في مصاحف أهل
مكة والمدينة والشام.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: خيرا منها منقلبا وكذلك
هي في مصاحف أهل البصرة والكوفة «3».
قال: الإفراد أولى من حيث كان أقرب إلى الجنة المنفردة من
قوله: ودخل جنته وهو ظالم لنفسه [الكهف/ 35]. والتثنية لا
تمتنع لتقدم ذكر الجنتين.
[الكهف: 38]
اختلفوا في إسقاط الألف من قوله: لكنا هو الله ربي [الكهف/ 38]
وإثباتها.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: (لكن هو الله
ربي) بإسقاط الألف في الوصل، وإثباتها في الوقف.
وقرأ نافع في رواية المسيّبي: لكنا هو الله ربي يثبت الألف في
__________
(1) في باب ما كان واحدا يقع للجميع ويكون واحده على بنائه من
لفظه إلا أنه مؤنث تلحقه هاء التأنيث. 2/ 183.
(2) الأضاة: الغدير. انظر اللسان (أضا).
(3) السبعة 390.
(5/144)
الوصل والوقف، وقال ابن جمّاز وإسماعيل بن
جعفر وورش عن قالون عن نافع: بغير ألف في الوصل، ويقف بالألف.
وقرأ ابن عامر: لكنا هو الله ربي، يثبت الألف في الوصل والوقف.
قال أبو بكر أحمد: ولم يختلف في الوقف أنه بألف، وإنما اختلف
في الوصل «1».
قال: القول فيمن قرأ: (لكن هو الله ربّي) فلم يثبت الألف في
الوصل أنه كان: لكن أنا، فخفّف الهمزة وألقى حركتها على النون،
فصار لكننا، فاجتمع مثلان، فأدغم المثل الأول في الثاني بعد أن
أسكنها، فصار في الدّرج: (لكن هو الله ربي)، فلم يثبت الألف في
الوصل كما لم تثبت الهاء في الوصل في نحو: ارمه واغزه، لأنها
إنما تلحق في الوقف لتبين الحرف الموقوف عليه، فإذا وقف قال:
لكنا، فأثبت الألف في الوقف كما كان يثبت الهاء فيه. ومثل ذلك
في الإدغام ما حكاه أبو زيد من قول من سمعه يقرأ: (أن تقع
علرض) [الحج/ 65] خفّف الهمزة، وألقى حركتها على لام المعرفة
فصار على الرض. وخفّفها على قول من قال: الحمر، فأثبت همزة
الوصل لأن اللام في تقدير
السكون، فلمّا كان في تقدير السكون حذف الألف من على، كما
يحذفها إذا كانت اللام ساكنة، فاجتمع لامان مثلان فأدغم الأولى
في الثانية، ولو خفّفها على قول من قال: لحمر، لم يجز الإدغام
لأن الألف في على تثبت ولا تحذف كما حذفت في القول الأول، لما
كانت اللام في تقدير سكون، فلم يجز الإدغام لفصل
__________
(1) السبعة 391.
(5/145)
الألف بين المثلين، فإذا وقف من أدغم لكنا
أثبت الألف، وإذا لم يقف حذفها.
ومثل هذه الألف في أنها تثبت في الوقف وتسقط في الإدراج، الألف
في حيهلا، تقول: حيّ هل بعمر، فتحذفها، فإن وقفت قلت:
حيّهلا، وقد تجيء هذه الألف مثبتة في الشعر في الإدراج، كقول
الأعشى:
فكيف أنا وانتحالي القوافي «1» وقول الآخر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذرّيت السّناما
«2» ولا يكون هذا مختارا في القراءة، وقد جاء في غير هذا إجراء
الوصل مجرى الوقف. نحو قوله:
ببازل وجناء أو عيهلي «3» فأما من قرأ لكنا هو الله ربي في
الوصل فإنه يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يجعل الضمير المتصل مثل المنفصل الذي هو: نحن،
فيدغم النون من لكن لسكونها في النون من علامة الضمير، فيكون
على هذا في الوصل والوقف، لكنا بإثبات الألف لا غير، ألا ترى
أن أحدا لا يحذف الألف في نحو: فعلنا.
وقوله: هو من: هو الله ربي علامة الحديث والقصة، كما أنه من
قوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]
__________
(1) صدر بيت للأعشى سبق في 2/ 365.
(2) سبق في 2/ 365.
(3) سبق في 1/ 152 (حاشية) و 2/ 362.
(5/146)
وقوله: قل هو الله أحد [الإخلاص/ 1] كذلك
والتقدير: الأمر الله أحد، لأن هذا الضمير يدخل على المبتدأ
والخبر، فيصير المبتدأ والخبر في موضع خبر، كما أنّه في: إنّ،
وكأن، وظننت، وما يدخل على المبتدأ والخبر كذلك، وعاد الضمير
على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى، ولو عاد على اللفظ
لكان: لكنا هو الله ربنا، ودخلت لكن على الضمير مخففة كما دخلت
في قوله: إنا معكم [البقرة/ 14] وهذا وجه.
ويجوز فيه وجه آخر: وهو أن سيبويه حكى أنه سمع من العرب من
يقول: أعطني أبيضه «1»، فشدّد وألحق الهاء. والتشديد للوقف،
وإلحاقه إياها، كإلحاقه الألف في: سبسبّا «2». والياء في:
عيهلي «3».
فأجرى الهاء مجراهما في الإطلاق كما كانت مثلهما في قوله:
صفية قومي ولا تجزعي ... وبكي النساء على حمزة
«4» فهذا الذي حكاه سيبويه في الكلام، وليس في شعر، وكذلك
الآية تكون الألف فيها كالهاء، ولا تكون الهاء للوقف، ألا ترى
أنّ هاء الوقف لا يبين بها المعرب، ولا ما ضارع المعرب، فعلى
أحد هذين الوجهين يكون قول من أثبت الألف في الوصل أو عليهما
جميعا. ولو كانت فاصلة لكان مثل فأضلونا السبيلا [الأحزاب/
76].
__________
(1) يريد: أبيض. الكتاب 2/ 283، باب: الوقف في أواخر الكلم
المتحركة في الوصل.
(2) يشير إلى بيت من الرجز لرؤبة وهو:
وهبت الريح بمور هبّا ... تترك ما أبقى الدبا سبسبا
قد سبق انظر 1/ 65، 410.
(3) سبق قريبا.
(4) لكعب بن مالك وقد سبق انظر 1/ 73، 212.
(5/147)
[الكهف: 39]
وقرأ ابن كثير: (إن ترني أنا) [الكهف/ 39] و (يؤتيني خيرا)
[40] و (نبغي فارتدا) [64]، و (إن تعلمني مما) [66] و (يهديني
ربّي) [24] يثبت الياء في الوصل والوقف.
وقرأ نافع وأبو عمرو بياء في الوصل في هذه الحروف، وزاد (فهو
المهتدي) [17] بياء في الوصل، ويحذفها في الوقف.
الكسائي يحذفها ويثبت الياء في (نبغي) وحدها في الوصل.
ابن عامر وعاصم وحمزة يحذفون الياء في الوصل والوقف في كلّ ذلك
«1».
إثبات ابن كثير الياء فيما أثبت من هذه الحروف في الوصل والوقف
هو الأصل والقياس، وإثبات نافع وأبي عمرو الياء في هذه الحروف
التي حكيت عنهما في الوصل هو القياس والأصل، وحذفهما لها في
الوقف أنه فواصل، أو قد أشبهت الفواصل، فحذفاها كما تحذف في
القوافي لأنه موضع وقف، والوقف مما يعبّر فيه الكلم عن حالها
في الوصل.
وأما حذف ابن عامر وعاصم وحمزة الياء في هذه الحروف في الوصل
والوقف فإن حذفهم لها في الوقف كحذف من تقدم ذكره، لأنها
كالفواصل، وأما حذفها في الوصل «2»، فلأنهم قد يحذفون مما ليس
بفاصلة في الوصل نحو: يوم يأت لا تكلم [هود/ 105].
[الكهف: 43]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عز وجل: ولم تكن له فئة
[الكهف/ 43].
__________
(1) السبعة 391، 392.
(2) كذا الأصل ولعل الصواب «الوصل» بإسقاط الألف: أو:
«الفواصل» بزيادة الفاء.
(5/148)
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن
عامر- فيما أرى-: ولم تكن بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي (ولم يكن) بالياء «1».
الياء والتاء كلاهما حسن وقد مضى ذلك في غير موضع.
[الكهف: 44]
اختلفوا في قوله عز وجل: هنالك الولاية لله الحق [الكهف/ 44].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في الروايتين «2»:
الولاية بفتح الواو لله الحق خفضا.
وقرأ حمزة: (هنا لك الولاية لله الحقّ) بكسر الواو والقاف.
وقرأ أبو عمرو: (هنا لك الولاية لله الحقّ) بفتح الواو وضم
القاف.
وقرأ الكسائي: (هنا لك الولاية) كسرا (لله الحقّ) بضم القاف
«3».
قال أبو علي: قال أبو عبيدة: الولاية: أي التوالي، قال: وهو
مصدر الوليّ «4»، وحكي عن أبي عمرو والأصمعي أنّ الولاية هنا
لحن، والكسر يجيء في فعالة فيما كان صنعة ومعنى، متقلّدا
كالكتابة والإمارة والخلافة وما أشبه ذلك، وليس هنا معنى تولّي
أمر إنّما هو الولاية من الدين وكذلك التي في الأنفال: ما لكم
من ولايتهم من
__________
(1) السبعة 392.
(2) أي: رواية أبي بكر ورواية حفص.
(3) السبعة 392.
(4) مجاز القرآن 1/ 405 (الحاشية).
(5/149)
شيء [72]، وقد كسر قوم من القراء ذلك أيضا،
وحكى ابن سلام عن يونس في قوله: (هنا لك الولاية لله الحق) قال
يونس: ما كان لله عزّ وجل فهو ولاية مفتوح من الولاية في
الدين، وما كان من ولاية الأمور فبالكسر: ولاية. وقال بعض أهل
اللغة: الولاية: النصر. يقال: هم أهل ولاية عليك، أي: متناصرون
عليك، والولاية: ولاية السلطان، قال: وقد يجوز الفتح في هذه
والكسر في تيك، كما قالوا: الوكالة والوكالة، والوصاية
والوصاية بمعنى واحد، فعلى ما ذكر هذا الذاكر يجوز الكسر في
الولاية في هذا الموضع.
وأما من قال: هنالك الولاية لله الحق فكسر القاف فإنه جعله من
وصف الله سبحانه، ووصفه بالحق وهو مصدر كما وصفه بالعدل
وبالسلام، والمعنى: أنه ذو الحق وذو السلام، وكذلك الإله
معناه: ذو العبادة، يدلّ على ذلك قوله: ويعلمون أن الله هو
الحق المبين [النور/ 25] وقوله: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق
[الأنعام/ 62].
ومن رفع (الحقّ) جعله صفة للولاية، ومعنى وصف الولاية بالحق
أنه لا يشوبها غيره، ولا يخاف فيها ما يخاف في سائر الولايات
من غير الحق.
[الكهف: 44]
اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله جل وعز: عقبا [الكهف/
44].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: (عقبا)
مضمومة القاف.
وقرأ عاصم وحمزة: عقبا ساكنة القاف «1».
__________
(1) السبعة 392.
(5/150)
أبو عبيدة: خير عقبا، وعاقبة، وعقبى،
وعقبة، والمعنى واحد وهي الآخرة «1». قال أبو علي: ما كان على
فعل جاز تخفيفه نحو العنق، والطنب وقد تقدم ذكر ذلك.
[الكهف: 47]
اختلفوا في قوله عز وجل: ويوم نسير الجبال [الكهف/ 47].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ويوم تسيّر) بالتاء. (الجبال) رفعا.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: نسير بالنون الجبال نصبا «2».
حجة من بنى الفعل للمفعول به فقال: (تسير) قوله: وسيرت الجبال،
وقوله: وإذا الجبال سيرت [التكوير/ 3].
ومن قال: نسير فلأنه أشبه بما بعده من قوله: وحشرناهم فلم
نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] فإن قلت: وقد جاء وتسير الجبال
سيرا [الطور/ 10] ولم يجب على هذا أن يقال: (تسيّر الجبال)،
قيل: إنما قرئ على: (تسيّر الجبال) و (نسيّر الجبال) ولم يقرأ
على غير هذين الوجهين، فكما أسند الفعل إلى المفعول به في
قوله:
(وسيّرت الجبال) كذلك أسند إليها في قوله: (تسيّر الجبال).
[الكهف: 52]
اختلفوا في قوله تعالى: ويوم يقول نادوا [الكهف/ 52] في النون
والياء.
فقرأ حمزة وحده: (نقول) بالنون وقرأ الباقون بالياء «3».
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 405.
(2) السبعة 393.
(3) السبعة 393.
(5/151)
قال أبو علي: قول حمزة (نقول) إن قبلها:
وما كنت متخذ المضلين عضدا [الكهف/ 51] (ويوم نقول): محمول على
ما تقدم في المعنى، فكما أن كنت للمتكلم كذلك (نقول) والجمع
والإفراد في ذلك بمعنى.
وحجة الياء أن الكلام الأول قد انقضى. وهذا استئناف، فالمعنى:
ويوم يقول: أي يوم يقول الله سبحانه: أين شركائي الذين زعمتم
وهذا يقوّي القراءة بالياء دون النون، ولو كان بالنون لكان
أشبه بما بعده أن يكون جمعا مثله، فيقول: شركاءنا، فأما قوله:
الذين زعمتم، فالراجع إلى الموصول محذوف، وخبر الزعم محذوف،
والمعنى: الذين زعمتموهم إياهم، أي: زعمتموهم شركاء، فحذف
الراجع من الصلة، ولا بد من تقديره، كقوله: أهذا الذي بعث الله
رسولا [الفرقان/ 41] ومثل هذا في حذف المفعولين جميعا، قول
الشاعر، وهو الكميت:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
«1» فالآية أقوى من هذا، لأن الراجع إلى الموصول مقتضى، وإذا
ثبت الراجع ثبت حصول المفعول الثاني، لأن الاقتصار على الأول
من المفعولين لا يجوز.
[الكهف: 55]
اختلفوا في قوله عز وجل: (العذاب قبلا) [الكهف/ 55] في كسر
القاف وفتح الباء، وضم القاف والباء.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (قبلا) بكسر القاف.
__________
(1) انظر المحتسب 1/ 183، الخزانة 4/ 5، والعيني 2/ 413، الدرر
1/ 134.
(5/152)
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: قبلا رفعا «1».
أبو عبيدة: قبلا مقابلة «2»، وقال أبو زيد: لقيت فلانا قبلا
ومقابلة وقبلا وقُبُلا وقبليّا وقبيلا كلّه واحد [وهو
المواجهة] «3».
قال أبو علي: فقوله: قبلا، أي: مقابلة. وقالوا إذا سقى إبله
ولم يكن أعدّ لها الماء قبل ورودها: سقاها قبلا، والقابل: الذي
يسقيها وهي تقابل سقيه «4»، قال الراجز:
لن يغلب اليوم جباكم قبلي «5» فهذا أيضا من المقابلة فمعنى:
(أو يأتيهم العذاب قُبلا) أي:
مقابلة من حيث يرونه وهذا كقوله: فلما رأوه عارضا مستقبل
أوديتهم [الأحقاف/ 24].
وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي قبلا فيحتمل تأويلين:
يجوز أن يكون قُبُلا بمعنى قبلا، كما حكاه أبو زيد، فيكون معنى
القراءتين على ما فسره واحدا اختلف اللفظ، واتفق المعنى، ويجوز
أن يكون قُبُلا جمع قبيل، كأنّه: يأتيهم العذاب قبيلا قبيلا،
أي: صنفا صنفا، فجمع قبيلا الذي هو فعيلا على فُعُل، وصنوف
العذاب التي يقابلونها كما أخذ أصحاب فرعون، فيكون ضروبا
مختلفة كلّ قبيل منه
__________
(1) السبعة 393.
(2) مجاز القرآن 1/ 407 (حاشية).
(3) النوادر (ط. الفاتح) ص 570 وما بين معقوفين منه.
(4) السقب والصقب: عمود الخباء، والسقب بالسين لا غير: ولد
الناقة، وقيل: الذكر من ولد الناقة (اللسان).
(5) الجبا: أن يتقدم الساقي للإبل قبل ورودها بيوم، فيجبي لها
الماء في الحوض ثم يوردها من الغد.
(5/153)
غير صاحبه، ويكون ضربا واحدا ويجيئهم منه
شيء بعد شيء.
[الكهف: 63]
وقرأ الكسائي وحده: وما أنسانيه [الكهف/ 63] بإمالة السين.
وكلهم فتحها غيره «1».
قال أبو علي: الإمالة في السين من أنسانيه سائغة، لأنك تقول:
أنسيته، وسواء كان من نسيت، الذي هو خلاف ذكرت، أو من نسيت
الذي هو تركت، لأن كلّ واحد منهما يتعدّى إلى مفعول واحد، وإذا
نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالإمالة في السين شائعة من
حيث قلت في كلّ واحد منهما أنسيته، وفي التنزيل: ولا تكونوا
كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 59].
حفص عن عاصم أنسانيه إلا بضم الهاء، وفي الفتح: بما عاهد عليه
الله [الفتح/ 10] بضم الهاء. أبو بكر عن عاصم:
أنسانية بكسر الهاء و (بما عاهد عليه الله) بكسر الهاء.
الباقون بكسر الهاء من غير بلوغ ياء، إلا ابن كثير فإنه يثبت
الياء في الوصل بعد الهاء (أنسانيهي إلا) «1».
قال: وقد تقدم ذكر القول في وجوه ذلك كلها.
[الكهف: 66]
اختلفوا في قوله تعالى: مما علمت رشدا [الكهف/ 66] في التثقيل
والتخفيف.
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: مما علمت رشدا
مضمومة الراء خفيفة الشين.
وقرأ ابن عامر: (مما علّمت رشدا)، مضمومة الراء والشين،
__________
(1) السبعة 393.
(5/154)
هكذا في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن
ذكوان، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان: رشدا: خفيفة،
وقال هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا خفيفة.
وقرأ أبو عمرو (رشدا)، مفتوحة الراء والشين «1».
قال: رشدا ورشدا لغتان، وكلّ واحد منهما بمعنى الآخر، وقد أجرت
العرب كلّ واحد منهما مجرى الآخر، فقالوا: وثن ووثن، وأسد وأسد
وخشبة وخشب، وبدنة وبدن، فجمعوا فعلا على فعل، ولما كان فُعل
يجري عندهم مجرى فعل جمعوا أيضا فُعلا على فُعل، كما جمعوا
فعلا عليه. وذلك قوله: والفلك التي تجري في البحر [البقرة/
164]، وفي أخرى: في الفلك المشحون [الشعراء/ 119] [يس/ 41]،
فهذا يدلّك على أنهما عندهم يجريان جميعا مجرى واحدا، وعلى هذا
أيضا جمعوا فُعلا وفَعَلا، على فعلانٍ، فقالوا: قاعٌ وقيعان.
وتاج وتيجان، وقالوا: حوت وحيتان، ونون ونينان، وقد قيل: إن
القراءة ب رشدا أرجح، لأنهم اتفقوا في قوله: فأولئك تحروا رشدا
[الجن/ 14] على الفتح، والتي في الكهف رأس آية مثل ما وقع
الاتفاق على فتحه، وتحريك عينه، فوجب أن يكون هذا أيضا مثله،
من حيث اجتمعا في أن كل واحد في رأس آية. فأما انتصاب رشدا،
فيجوز أن ينتصب على أنه مفعول له، ويكون متعلقا بأتّبع،
وكأنّه: هل أتّبعك للرشد، أو لطلب الرّشد على أن تعلمني، فيكون
على حالا من قوله: أتبعك، ويجوز أن يكون للرشد مفعولا به
تقديره: هل أتبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته، ويكون العلم
__________
(1) السبعة 394.
(5/155)
الذي يتعدّى إلى مفعول واحد يتعدّى بتضعيف
العين إلى مفعولين، كقوله: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31]
تقديره: هل أتّبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته. فحذفت
الراجع من الصلة إلى الموصول، ويكون على هذا كلّ واحد من
الفعلين قد استوفى مفعوليه اللذين يقتضيهما الفعلان، ومعنى:
علّمني رشدا: علّمني أمرا ذا رشد، أو علما ذا رشد.
[الكهف: 59]
قال: قرأ عاصم وحده، في رواية أبي بكر: (لمهلكهم) [الكهف/ 59]
بفتح الميم واللام الثانية. وفي النمل: (ما شهدنا مهلك أهله)
[49] مثلها. وروى عنه حفص: لمهلكهم ومهلك أهله بكسر اللام
فيهما.
وقرأ الباقون: (لمهلكهم) و (مهلك أهله)، بضم الميم وفتح اللام
«1».
قالوا: هلك زيد وأهلكته، وفي التنزيل: وكم أهلكنا من قرية بطرت
معيشتها [القصص/ 58] وفيه: أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو
رحمنا [الملك/ 28] وحكوا أن تميما تقول: هلكني زيد، كأنهم
جعلوه من باب رجع، ورجعته، وغاض الماء وغضته، وعلى هذا حمل
بعضهم:
ومهمه هالك من تعرّجا «2» فقالوا: هو بمنزلة: مهلك من تعرّجا.
ومن لم يجعل هلك
__________
(1) السبعة 393.
(2) شطر بيت من الرجز للعجاج في ديوانه 2/ 43. والمهمه: الأرض
القفر المستوية وانظر ما سبق 4/ 379
(5/156)
متعدّيا ففي هالك ضمير عائد إلى النكرة،
واسم الفاعل مضاف إلى المفعول به، كما أنّه لو كان مكان الهالك
المهلك كان كذلك، ومن لم يجعل هالك بمعنى مهلك كان تقديره:
هالك من تعرّجه، ومن تعرجه فاعل المهلك في المعنى وموضعه نصب
مثل: حسن الوجه، فلمّا حذف التنوين أضافه إليه مثل حسن الوجه،
فموضع «من تعرّجا»: جرّ على هذا الحدّ. فقول عاصم: (لمهلكهم):
مصدر يكون على قول من عدّى هلكت مضافا إلى المفعول به، نحو من
دعاء الخير [فصلت/ 49] وفي قول من لم يعدّ هلكت مضافا إلى
الفاعل، كقولك: وجعلنا لهلاكهم. والمصدر من فعل في الأمر
الشائع يبنى على مفعل.
ومن قال: (وجعلنا لمهلكهم موعدا) كان المصدر مضافا إلى المفعول
بهم، كأنّه: لإهلاكهم موعدا. ورواية حفص عن عاصم:
لمهلكهم ومهلك الرواية الأولى، وفتح اللام التي هي عينٌ من
مهلك أقيس وأشيع، وقد جاء المصدر من باب فعل يفعل بكسر العين
قال: إلي مرجعكم [آل عمران/ 55] وقال: يسألونك عن المحيض
[البقرة/ 222] وقالوا: ما في برّك مكيل، يريدون: الكيل، والأول
أكثر وأوسع.
[الكهف: 70]
اختلفوا في قوله: (فلا تسألن عن شيء) [الكهف/ 70].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فلا تسألني
ساكنة اللام.
وقرأ نافع: (تسألني) مفتوحة اللام مشدّدة النون.
وقرأ ابن عامر: (فلا تسألنّ عن شيء) اللام متحركة بغير ياء
(5/157)
مكسورة النون. وقال هشام عنه: (تسألني)
بتاء مشدّدة النون «1».
قول ابن كثير ومن تبعه عدّوا فيه السؤال إلى المفعول الذي هو
المتكلم مثل: لا تضربنّي، ولا تظلمنّي، ونحو ذلك.
وقول نافع: (تسألنّي) مفتوحة اللام، ففتحة اللام لأنه لما ألحق
الفعل الثقيلة بنى الفعل معها على الفتح. فإن أثبت الياء، كما
أثبت من تقدّم ذكره، فقد عدّاه إلى المفعول به كما عدّاه من
تقدّم. فإن فتح النون عدّى الفعل في المعنى، وليس في اللفظ
بمتعد.
وقول ابن عامر: (فلا تسألنّ) ألحق الثقيلة، وعدّى الفعل إلى
المفعول به في اللفظ، والكسرة في النون تدلّ على إرادة المفعول
به، وحذف الياء من اللفظ.
ورواية هشام (تسألنّي) بياء، مشدّدة النون، تعدّى الفعل فيه
إلى المفعول به، وبيّن إثبات علامته غير محذوف منها الياء.
[الكهف: 71]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله: لتغرق أهلها [الكهف/ 71]
ورفع الأهل ونصبهم.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لتغرق بالتاء
أهلها نصبا.
وقرأ حمزة والكسائي: (ليغرق أهلها) بفتح الياء والراء (أهلها)
رفع «2». وكلهم يخفّف الراء.
قال أبو علي: لتغرق أولى ليكون الفعل مسندا إلى المخاطب
__________
(1) السبعة 394.
(2) السبعة 395، وسقط قوله بعد: «وكلهم يخفف الراء» منه.
(5/158)
كما كان المعطوف عليه كذلك، ألا ترى أن
المعطوف عليه: أخرقتها وكذلك المعطوف، وهذا يجيء على معنى
الياء، لأنه إذا أغرقهم غرقوا، وما بعده أيضا كذلك وهو قوله:
لقد جئت فهو أيضا خطاب.
قال: وكلهم خفف الراء، يعني أنهم قرءوا: لتغرق، ولم يقل أحد
منهم لتغرّق، وذلك لقوله: فأغرقناهم أجمعين [الأنبياء/ 77]،
ولقوله: وأغرقنا آل فرعون [البقرة/ 50]، وقد يدخل فَعَّلَ في
هذا النحو نحو: غرّمته وأغرمته، إلا أن الذي جاء به التنزيل
أولى.
[الكهف: 74]
اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: نكرا [الكهف/
74].
فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو الكسائي: نكرا خفيفة في كلّ
القرآن إلا قوله: (إلى شيء نكر) [القمر/ 6]، وخفف ابن كثير
أيضا (إلى شيء نكر).
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر في كلّ القرآن: (نكرا) و
(نكر) مثقّل. حفص عن عاصم نكرا خفيفة.
واختلف عن نافع فروى إسماعيل بن جعفر نكرا خفيفا في كل القرآن،
إلا قوله: (إلى شيء نكر) فإنه مثقّل. وروى ابن جمّاز وقالون
والمسيبي وأبو بكر بن أبي أويس وورش عن نافع (نكرا) مثقّل في
كلّ القرآن، نصر عن الأصمعي عن نافع (نكرا) مثقل «1».
قال أبو علي: نكر: فُعُل، وهو من أمثلة الصفات، قالوا: ناقة
__________
(1) السبعة 395.
(5/159)
أجد، ورجل شلل، ومشية سجح وأنشد سيبويه:
وامشوا مشية سجحا «1» فمن خفّف ذلك، فكما يخفّف العنق والعنق،
والطنب والطنب، والشغل والشغل، والتخفيف في ذلك مستمر، وإذا
كان الأمر كذلك فمن أخذ بالتثقيل وبالتخفيف كان مصيبا، وكذلك
إن أخذ آخذ باللغتين وقرأ في موضع بالتخفيف وفي موضع بالتثقيل
فجائز.
[الكهف: 76]
اختلفوا في قوله: من لدني [الكهف/ 76].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: من لدني
مثقل.
وقرأ نافع: (من لدني) بضم الدال مع تخفيف النون.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من
الضم في رواية خلف عن أبي بكر عن عاصم. وقال غيره عن يحيى عن
أبي بكر عن عاصم (من لدني) يسكن الدال مع فتح اللام. وروى أبو
عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) بضم اللام
وتسكين الدال وهو غلط. وفي كتاب المعاني الذي عمله إلى طه عن
الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) مفتوحة اللام ساكنة
الدال، وقال حفص عن عاصم: لدني مثل أبي عمرو وحمزة «2».
قال أبو علي: من قال: من لدني، زاد النون التي تزاد مع
__________
(1) هذه قطعة من بيت لحسان بن ثابت تمامه:
دعوا التخاجؤ وامشوا مشية سجحا ... إن الرجال ذوو عصب وتذكير
انظر ديوانه 1/ 219 والكتاب 2/ 315 واللسان (سجح).
(2) السبعة 396.
(5/160)
علامة المضمر المجرور والمنصوب في نحو:
منّي وعنّي، وقطني، وضربني، فأدغم الأولى الساكنة في التي تزاد
مع الضمير، فصار لدني، وهذا هو القياس، والذي عليه الاستعمال.
وقرأ نافع (من لدني)، بضم الدال مع تخفيف النون. وجه ذلك: أنه
على ما قدّم ذكره إلا في حذفه النون التي تلحق علامة الضمير،
وإنما حذفها كما حذفت من قدني وقدي، قال:
قدني من نصر الخبيبين قدي «1».
ولا تكون النون المحذوفة الثالثة من لدن لأنها تردّ مع إضافتها
إلى الضمير في نحو: من لدنه ويبشر [الكهف/ 2]، ومن لدنّا
ولدنّي، فكما لا تحذف من علامة الضمير، وإن حذفت من: «لد شول»
«2» و «لد غدوة» «3» فإنها تردّ مع الضمير إلى الأصل، كما
ردّوا:
فلا بك ما أسال ولا أغاما «4» ونحو ذلك. وقرأ عاصم في رواية
أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من الضم في رواية خلف، قال
أبو علي: وجه ذلك أن لدن مثل سبع، وعضد، فكما تحذف الضمة من
نحو سبع، كذلك حذفت من لدن، فصار لدن، فأما إشمامها الضم
فليعلم أن الدال كانت تتحرك بالضم، كما أن من قال: تغزين،
وقيل، فأشمّ الحرفين الضمة، أراد أن يعلم أنها في الأصل
مضمومة.
__________
(1) سبق انظر 3/ 334.
(2) سبق في ص 125.
(3) سبق في ص 127.
(4) سبق انظر 1/ 106.
(5/161)
قال أحمد: وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر عن
عاصم:
يسكن الدال مع فتح اللام. قال أبو علي: هذا هو الوجه الذي
تقدّم، إلا أنه لم يشمّ الدال الضمة، وإنما لم يشمّها، كما أن
كثيرا منهم لا يشمّون الضمة نحو: قيل.
قال: وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم:
(من لدني) بضم اللام، ويسكن الدال، قال أحمد: وهو غلط. قال أبو
علي: يشبه أن يكون التغليط من أبي بكر أحمد في وجه الرواية،
فأما من جهة اللغة ومقاييسها فهو صحيح، ألا ترى أنّ مثل سبع
وعضد إذا خفف فتخفيفه على ضربين، أحدهما: أن تحذف الضمة وتبقى
فتحة الفاء على حالها، فيقال: عضد. والآخر: أن تلقى الحركة
التي هي الضمّة على الفاء، وتحذف الفتحة فيقال: عضد، فكذلك
لدن، ومثل ذلك: كبد وكبد وكبد، فهذه أوجه هذه الرواية في
القياس. والنون التي تتبع علامة الضمير تحذف إذا سكنت الدال،
لأن الدال قد سكنت بإلقاء الحركة منها، والنون من لدن ساكنة،
فتحذف النون، لأن إدغام الأولى فيها لا يصلح لسكون ما قبلها من
الدال فيصير لدني أو لدني «1»، فيحذف لالتقاء الساكنين، أحدهما
الدال المسكنة، والآخر نون لدن، فإن أدغمت ولم تحذف لزمك أن
تحرّك الدال لئلا يلتقي ساكنان، فيصير في الامتناع للإدغام
بمنزلة امتناعه في: قرم مالك، في تحريك الساكن في المنفصل،
وهذا ممتنع، فلما لم يسغ ذلك حذف لالتقاء الساكنين إذ قد حذفت
لالتقائهما في نحو: لد الصلاة ولد الحائط.
__________
(1) كتب في الهامش (ط) من هنا إلى آخر الفصل سقط من كتاب
الشيخ.
(5/162)
[الكهف: 77]
اختلفوا في قوله: (لتخذت) [الكهف/ 77].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لتخذت) بكسر الخاء، وكان أبو عمرو
يدغم الدال، وابن كثير يظهرها.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (لاتخذت).
وكلّهم أدغم إلا ما روى حفص عن عاصم فإنه لم يدغم مثل ابن كثير
«1».
قال أبو زيد: اتّخذنا مالا فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت أتخذ
تخذا. وحكى سيبويه: استخذ فلان أرضا «2»، يتأوّله على أمرين:
أحدهما: أنه أراد اتّخذ فأبدل «3» السين من التاء الأولى،
والآخر: أنه استفعل، فحذف التاء التي هي فاء، من تخذت.
قال أبو علي: قوله: (لتخذت) بكسر الخاء: فعلت، وأنشدوا:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها ... نسيفا كأُفحوص القطاة المطرّق
«4» وقال: وكان أبو عمرو يدغم الدال، ووجه الإدغام أن هذه
الحروف متقاربة، فيدغم بعضها في بعض كما يدغم سائر المتقاربة،
والطاء والدال، والتاء والذال والثاء والظاء، أدغم بعضها في
بعض للمقاربة، فأما الصاد والسين والزاي فتدغم بعضها في بعض،
وتدغم فيها الحروف الستة ولا يدغمن في الستة لما يختل في
إدغامها في
__________
(1) السبعة 396.
(2) سيبويه 2/ 429.
(3) في الأصل: فأن بدل.
(4) سبق في 2/ 68.
(5/163)
مقاربها من الصّفير، فالذال أدغمها أبو
عمرو في التاء، وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة لأن ما بينهما
من الجهر والهمس لا يمنع من الإدغام لقلة ذلك.
فأما تبيين ابن كثير: (لتخذت) وتركه الإدغام، فلأن لكل حرف من
الذال والتاء حيزا غير حيّز الآخر، فالذال من حيّز الظاء
والثاء، فلم يدغم لاختلاف الحيّزين واختلاف الحرفين في الجهر
والهمس.
وحكى سيبويه أنهم قالوا: أخذت، فبيّنوا.
[الكهف: 81]
اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله جل وعزّ: أن يبدلهما
[الكهف/ 81].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: أن يبدلهما [الكهف/ 81]
(وليبدلنهم) [النور/ 55] وأن يبدله أزواجا خيرا منكن [التحريم/
5] وأن يبدلنا خيرا منها [ن/ 32] خفافا جمع.
وقرأ نافع وأبو عمرو في الكهف والتحريم ونون والنور مشدّدا
كلّه.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي في الكهف والتحريم ونون مخففا،
وفي النور: وليبدلنهم مشدّدة. وروى حفص عن عاصم أنّه خفف في
الكهف والتحريم ونون، وشدّد في النور «1».
قال: بدّل وأبدل يتقاربان في المعنى، كما أن نزّل وأنزل كذلك،
إلا أن بدّل ينبغي أن يكون أرجح لما جاء في التنزيل من قوله:
لا تبديل لكلمات الله [يونس/ 64] ولم يجيء منه الإبدال كما جاء
__________
(1) السبعة 397.
(5/164)
التبديل في مواضع من القرآن، وقد جاء: وإن
أردتم استبدال زوج مكان زوج [النساء/ 20] فهذا يكون بمعنى
الإبدال كما أن قوله:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب «1» بمعنى: فلم يجبه، فكما جاءت
يستجبه بمنزلة يجبه، كذلك الاستبدال يمكن أن يكون بمعنى
الإبدال، فأما من قال: إن بدّل غير أبدل، لأن قولك: تبدل، هو
أن تذهب بالشيء وتجيء بغيره، كقوله:
عزل الأمير للأمير المبدل «2» وقد يقال: يبدّل في الشيء، وقد
يكون قائما وغير قائم، كقوله:
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا [النور/ 55] فالخوف ليس بقائم في
حال الأمن، ومن قال: وإذا بدلنا آية مكان آية [النحل/ 101] فقد
تكون الآية المبدلة قائمة التلاوة كقوله: والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر [البقرة/ 234] والذين
يتوفون منهم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير
إخراج [البقرة/ 240]. وربما رفع المبدل من التلاوة. وقال:
وبدلناهم بجنتيهم جنتين [سبأ/ 16] فالجنتان قائمتان، وقال:
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم [البقرة/ 59] فالقولان
جميعا قائمان، فليس ينفصل بدّل من أبدل في هذا النحو بشيء.
[الكهف: 81]
اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: رحما [81].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: (رحما) ساكنة
الحاء.
__________
(1) هذا عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي سبق في 1/ 352.
(2) هذا رجز لأبي النجم، انظر تهذيب اللغة 14/ 132، واللسان
(بدل).
(5/165)
وقرأ ابن عامر: رحما مثقلة الحاء، وروي عن
أبي عمرو:
(رُحما ورُحُما). عباس عن أبي عمرو أنه قال: أيتهما شئت فاقرأ.
قال: وأنا أقرأ بالضم (رحما). علي بن نصر، عن أبي عمرو:
وأقرب رحما و (رحما) بتسكين الحاء وتحريكها «1».
أبو عبيدة «2»: الرّحم والرّحم، وهو الرحمة، وأنشد العجاج:
ولم تعوّج رحم من تعوّجا «3» وأنشد غيره لرؤبة:
يا منزل الرّحم على إدريس ... ومنزل اللعن على إبليس
«4» قال أبو عبيدة: وأقرب رحما: عطفا.
[الكهف: 92، 89، 85]
اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/
85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا)
(ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين
[الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175]
وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين
[الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
__________
(1) السبعة 397.
(2) مجاز القرآن 1/ 413.
(3) ديوان العجاج 2/ 66، وفيه:
ولم تعرّج رحم من تعرّجا
(4) ديوان رؤبة/ 175 وانظر اللسان (رحم).
(5/166)
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع
الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا
ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان
مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة «1».
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم،
ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك
وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته
بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في
هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة
[هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام
الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا
إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته،
وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما
جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا
كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف
أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه
[الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93]
والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر
به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه
أو
__________
(1) السبعة 398.
(5/167)
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف
أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك:
فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما
هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله:
واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون
[الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى:
أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا
وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه
لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين
الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا
[هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك
الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو:
(واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى
مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل،
وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى:
وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره:
فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا،
وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض
المتأوّلين في قوله:
وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ
شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه
فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا
به للسبب الذي
(5/168)
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة:
اتّبع سببا: طريقا وأثرا «1».
[الكهف: 86]
اختلفوا في قوله تعالى: في عين حمئة [الكهف/ 86].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: حمئة [الكهف/ 86] وكذلك عاصم
في رواية حفص: حمئة «2».
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية)
«3».
أبو عبيدة: في عين حميئة: ذات حمأة «4». قال الحسن:
رحمه الله من قرأ: حمئة فهي فعلة، ومن قرأ: (حامية) فهي فاعلة
من حميت تحمى فهي حامية. حدّثنا الكندي قال: حدثنا المؤمّل
قال: حدثنا إسماعيل عن ابن أبي رجاء عن الحسن في قوله: (في عين
حامية) قال: حارّة، ويجوز فيمن قرأ: (حامية) أن يكون فاعلة من
الحمأة، فخفّف الهمزة على قياس قول أبي الحسن، فقلبها ياء
محضة، وإن خفّف الهمزة من فاعل على قول الخليل كانت بين بين.
قال سيبويه: وهو قول العرب والخليل. وروي عن ابن عباس قال:
كنت عند معاوية فقرأ: (في عين حامية) فقلت: ما نقرؤها إلا حمئة
فقال: لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها
يا أمير المؤمنين، قال ابن عباس: فقلت: في بيتي نزل القرآن،
فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال:
أما
__________
(1) مجاز القرآن 1/ 413.
(2) زاد في السبعة موضحا: «مهموزة بغير ألف».
(3) السبعة 398 وزاد: بألف غير مهموزة.
(4) مجاز القرآن 1/ 413.
(5/169)
العربية، فأنتم أعلم بها، وأجد الشمس في
التوراة تغرب في ماء وطين، وكان جمهور الناس على (حامية) «1».
[الكهف: 88]
اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله عز وجل: جزاء الحسنى
[الكهف/ 88].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن
عامر (جزاء الحسنى) «2» رفع مضافة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جزاء الحسنى منون منصوب «3».
قال أبو علي: من قرأ: (جزاء الحسنى)، كان المعنى: له جزاء
الخلال الحسنى، لأن الإيمان والعمل الصالح خلال، فالتقدير:
المؤمن له جزاء الخلال الحسنة التي أتاها وعملها.
ومن قال: فله جزاء الحسنى فالمعنى: له الحسنى جزاء، أي: له
الخلال الحسنى جزاء، فالجزاء مصدر واقع موقع الحال، المعنى:
فله الحسنى مجزيّة، قال أبو الحسن: وهذا لا تكاد العرب تكلم به
مقدّما إلا في الشعر.
[الكهف: 94، 93]
اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله جل وعزّ: (بين السدين)
[الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير: بين السدين بفتح السين، وبينهم «4» سدا
__________
(1) انظر تفسير البحر المحيط 6/ 159 والقرطبي 11/ 49.
(2) سقطت من الأصل.
(3) السبعة 398.
(4) في الأصل (بينهما) وهو خطأ.
(5/170)
[الكهف/ 94] بفتح السين أيضا، وقرأ في يس:
(سدّا) و (سدّا) [9] «1»، وأبو عمرو مثله. حفص عن عاصم بفتح
ذلك كلّه.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر بضم السين في ذلك كلّه،
وكذلك ابن عامر.
وقرأ حمزة والكسائي بضم (بين السّدين) وحدها، ويفتحان:
وبينهم سدا ومن بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا «2».
أبو عبيدة: كلّ شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب
فهو سدّ، وما بناه الآدميون فهو سدّ «3»، وقال غيره: هما لغتان
بمعنى واحد، كالضّعف والضّعف، والفَقر والفُقر.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون السّد المصدر من سددته سدا،
والسّد: المسدود في الأشياء التي يفصل فيها بين المصادر
والأسماء نحو السِّقي والسُّقي، والطِّحن والطُّحن والشِّرب
والشُّرب والقبض والقبض، فإذا كان ذلك كذلك، فالأشبه (بين
السّدين) لأنه المسدود.
ويجوز فيمن فتح السّدين أن يجعله اسما للمسدود، نحو: نسج
اليمن، وضرب الأمير تريد بهما: منسوجه ومضروبه، فأما ما في يس
من قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا) [يس/ 9]، فمن ضم كان
المعنى جعلنا بينهم مثل السّد والحاجز المانع من الرؤية، ومن
فتح جعل السّد المسدود، قال أبو الحسن المفتوحة أكثر اللغتين.
__________
(1) الآية بتمامها: وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا
فأغشيناهم فهم لا يبصرون.
(2) السبعة 399. وزاد في الأصل: (وبينهم سدّا) ولا ضرورة
لإثباتها فقد سبق ذكرها.
(3) مجاز القرآن 1/ 414.
(5/171)
[الكهف: 93]
اختلفوا في فتح الياء وضمها من قوله تعالى: يفقهون قولا
[الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: (يفقهون قولا)
بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي: يفقهون قولا بضم الياء، وكسر
القاف «1».
لا يكادون يفقهون قولا أي: يعلمونه ولا يستنبطون من فحواه
شيئا. ومن قال: (لا يكادون يفقهون) فإنّ فقهت فعل يتعدّى إلى
مفعول واحد، تقول: فقهت السّنّة، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى
مفعولين، فالمعنى فيمن ضم: لا يكادون يفقهون أحدا قولا، فحذف
أحد المفعولين كما حذف من قوله: لينذر بأسا شديدا [الكهف/ 2]
وكما حذف من قوله: فأتبعوهم مشرقين «2» [الشعراء/ 60]. وهذا
النحو غير ضيّق.
[الكهف: 94]
اختلفوا في همز يأجوج ومأجوج [الكهف/ 94].
فقرأ عاصم وحده: يأجوج ومأجوج مهموز هاهنا، وفي سورة الأنبياء
«3» [96] أيضا. وقرأ الباقون بغير همز «4».
اعلم أنك إن جعلت (يأجوج) عربيّا فيمن همز فهو يفعول مثل
يربوع، وهو من أجّ من قولك: هبّ له بأجّة «5»، وليس من يأجج
الذي
__________
(1) السبعة 399.
(2) أي: فأتبعوهم جندهم مشرقين.
(3) وهي قوله سبحانه: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل
حدب ينسلون).
(4) السبعة 399.
(5) وهي شدة الحر.
(5/172)
حكاه سيبويه «1»، لأن الياء في يأجج فاء
فالكلمة من ياء وهمزة وجيم وأظهر الجيم في يأجج لأنها للإلحاق
كما أظهرت الدال في مهدد لذلك، ولو كان في العربية فعلول لأمكن
أن يكون يأجوج فيمن همز فعلول من يأجوج، ومن لم يهمز فقال:
يأجوج، أمكن أن يكون خفف الهمزة، فقلبها ألفا مثل رأس، فهو على
قوله أيضا يفعول، فإن كانت الألف في يأجوج فيمن لم يهمز ليس
على التخفيف، فإنه فاعول من ي ج ج، فإن جعلت الكلمة من هذا
الأصل كانت الهمزة فيها كمن قال: سأق، ونحو ذلك مما جاء مهموزا
ولم ينبغ أن يهمز، ويكون الامتناع من صرفه على هذا للتأنيث
والتعريف، كأنه اسم للقبيلة كمجوس.
وأما (مأجوج) فيمن همز فمفعول من أجّ كما أن يأجوج يفعول منه،
فالكلمتان على هذا من أصل واحد في الاشتقاق. ومن لم يهمز ماجوج
كان ماجوج عنده فاعول من مجّ، كما كان يأجوج من يجّ، فالكلمتان
على هذا من أصلين وليسا من أصل واحد، كما كانتا كذلك فيمن
همزهما، ويكون ترك الصرف فيه أيضا للتأنيث والتعريف، وإن
جعلتهما من العجمي فهذه التمثيلات لا تصح فيهما، وامتنعا من
الصرف للعجمة والتعريف، وإنما تمثل هذه التمثيلات في العجمية
ليعلم أنها لو كانت عربيّة لكانت على ما يذكرا.
[الكهف: 93]
اختلفوا في قوله جل وعز «2»: خرجا [الكهف/ 94] فخراج ربك
[المؤمنون/ 72].
__________
(1) حكاه في باب علل ما تجعله زائدا من حروف الزوائد، وما
تجعله عن نفس الحرف. انظر الكتاب 2/ 346.
(2) جاء عن هامش الأصل: بلغ.
(5/173)
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم:
خرجا، وفي المؤمنين: خرجا بغير ألف. فخراج الأخير بألف.
وقرأ ابن عامر: خرجا بغير ألف، وفي المؤمنين خرجا بغير ألف،
(فخرج ربّك) بغير ألف في الثلاثة.
وقرأ حمزة والكسائي ثلاثتهن بألف «1».
قال أبو علي: هل نجعل لك خرجا: أي: هل نجعل لك عطيّة نخرجها
إليك من أموالنا، وكذلك قوله: أم تسألهم خرجا، أي: مالا
يخرجونه إليك، فأما المضروب على الأرض فالخراج، وقد يجوز في
غير ضرائب الأرض الخراج بدلالة قول العجاج:
يوم خراج يخرج الشمرّجا «2».
فهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين المفتتحة كأرض
السواد، لأن ذلك لا يكاد يضاف إلى وقت من يوم وغيره، وإنما هو
شيء مؤبد لا يتغير عما عليه من اللزوم للأرضين، ويدلّ على أن
الخراج العطيّة منهم له، قوله في جوابه لهم: ما مكني فيه ربي
خير [الكهف/ 95] كأن المعنى: ما مكنني فيه من الاتساع في
الدنيا خيرٌ من خرجكم الذي بذلتموه لي، فأعينوني بقوّة دون
الخراج الذي بذلتموه.
[الكهف: 95، 96]
قال: كلّهم قرأ: ردما، آتوني [الكهف/ 95، 96] ممدودا غير عاصم
فيما حدّثني به إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي عن أبيه عن
__________
(1) السبعة 400.
(2) انظر ديوانه 2/ 25، وفيه السّمرجا، وانظر اللسان (شمرج).
(5/174)
يحيى عن أبي بكر عن عاصم: (ردما ائتوني)
بكسر النوين «1».
وحدّثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم
(ردما. ءاتوني) بكسر النوين على معنى جيئوني. وحدّثني.
موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم:
(ردما ءاتوني) مثله، على جيئوني.
وروى حفص عن عاصم: ردما آتوني مثل أبي عمرو «2».
حجة من قرأ ردما ءاتوني أن (ائتوني) أشبه بقوله: فأعينوني بقوة
[الكهف/ 95] لأنه كلّفهم المعونة على عمل السد، ولم يقبل
الخراج الذي بذلوه. فقوله: (ءاتوني) الذي معناه: جيئوني، إنما
هو معونة على ما كلّفهم من قوله: فأعينوني بقوة.
وأما آتوني فمعناه: أعطوني، وأعطوني يجوز أن يكون على
المشاركة، ويجوز أن يكون على الاتهاب.
أخبرنا أبو الحسن عبد الله بن الحسين، أن ابن سماعة روى عنه
محمد في رجل كان عنده ثوب لرجل، فقال له: أعطني هذا الثوب،
فقال: قد أعطيتك، قال: هو صدقة، فإن لم يكن الثوب عنده ولكن
عند ربّ الثوب فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك قال:
هو عارية.
وقولهم: آتوني مثل أعطوني في المعنى، وقد احتمل أعطوني
الوجهين، وكذلك يحتملها آتوني. وائتوني لا يحتمل إلا جيئوني،
__________
(1) زاد في السبعة: ووصل الألف.
(2) السبعة 400.
(5/175)
فائتوني المقصورة هاهنا أحسن لاختصاصه
بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عين، والعطيّة قد تكون هبة،
قال:
ومنّا الذي أعطى الرسول عطيّة ... أسارى تميم والعيون دوامع
«1» فالعطية تجري مجرى الهبة لهم والإنعام عليهم في فك الأسير،
وقد يكون بمعنى المناولة.
ووجه قول من قرأ: آتونى أنه لم يرد بآتوني: العطيّة والهبة،
ولكن تكليف المناولة بالأنفس، كما كان قراءة من قرأ: (ائتونى)
لا يصرف إلى استدعاء تمليك عين بهبة ولا بغيرها، وأمّا انتصاب
(زبر الحديد) فإنك تقول: أتيتك بدرهم، وقال:
أتيت بعبد الله في القد موثقا ... فهلا سعيدا ذا الخيانة
والغدر
«2» فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بحرف الجر، ثم يجوز أن يحذف
الحرف اتساعا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حدّ:
أمرتك الخير «3» .. ونحوه.
قال: قرأ ابن كثير وحد: (ما مكنني) [الكهف/ 95] بنونين، وكذلك
هي في مصاحف أهل مكّة.
__________
(1) البيت للفرزدق من قصيدة هجا بها جريرا وهي من النقائض ص
696.
انظر ديوانه 2/ 516 وشرح أبيات مغني اللبيب 3/ 122.
(2) البيت لم يعرف قائله، انظر ابن الشجري 1/ 353، والأشموني
4/ 51 والعيني 4/ 475. والقدّ: سير يقدّ من جلد غير مدبوغ.
(3) يشير إلى بيت عمرو بن معد يكرب، وقد سبق انظر 2/ 331.
(5/176)
وقرأ الباقون ما مكني مدغم «1».
قال أبو زيد: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء، وقد مكن
مكانة. قال أبو علي: مكن فعل غير متعد كشرف وعظم، فإذا ضعّفت
العين عديته بذلك كقولك: شرّفته وعظمته، فقول ابن كثير: مكنني
يكون منقولا من مكن، وكذلك قول الباقين، فأما إظهار المثلين في
مكّنني فلأن الثاني منهما غير لازم، لأنك قد تقول: مكّنك
ومكّنه فلا تلزم النون، فلما لم تلزم لم يعتد بها، كما أن
التاء في اقتتلوا كذلك، ومن أدغم لم ينزله منزلة ما لا يلزم،
فأدغم، كما أن من قرأ: قتّلوا في:
اقتتلوا كذلك.
[الكهف: 96]
اختلفوا في قوله: بين الصدفين [الكهف/ 96].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (الصدفين) بضم الصاد
والدال.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الصدفين بفتح الصاد والدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (الصدفين) بضم الصاد وتسكين الدال.
وروى حفص عن عاصم: الصدفين بفتحتين «2».
هذه لغات في الكلمة فاشية زعموا. وقال أبو عبيدة: الصدفان:
جانبا الجبل «3».
[الكهف: 96]
اختلفوا في قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه [الكهف/ 96] فقرأ
__________
(1) السبعة 400.
(2) السبعة 401.
(3) انظر مجاز القرآن 1/ 414.
(5/177)
ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي قال
آتوني أفرغ ممدودا، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة (قال
ائتوني) قصرا.
وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قال:
آتوني ممدودة. حفص عن عاصم قال: آتوني ممدودة «1».
قال أبو على: أما قراءة من قرأ (ائتوني أفرغ عليه قطرا)
فمعناه:
جيئوني به، واللفظ على إيصال الفعل إلى المفعول الثاني بالحرف،
كما كان قوله: (ائتوني زبر الحديد) كذلك، إلا أنه أعمل الفعل
الثاني، ولو أعمل الأول لكان: (ائتوني أفرغه عليه قطرا)، إلا
أن تقدير الفعل أن يصل إلى المفعول الثاني، بلا حرف كما كان
كذلك في قوله: (ائتوني زبر الحديد)، وجميع ما مرّ بنا في
التنزيل من هذا النحو إنما هو على إعمال الثاني كما يختاره
سيبويه، فمنه قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة
[النساء/ 176] ومنه قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19].
ووجه من قال: آتوني أفرغ عليه قطرا أن المعنى: ناولوني قطرا
أفرغه عليه، إلا أنه أعمل الثاني من الفعلين كما أعمل الثاني
في قصر ائتوني.
[الكهف: 96]
قال: كلّهم قرأ فما اسطاعوا [الكهف/ 96] بتخفيف الطاء غير حمزة
فإنه قرأ (فما استطاعوا) يريد: فما استطاعوا، ثم يدغم التاء في
الطاء، قال: وهذا غير جائز لأنه قد جمع بين السين وهي ساكنة
والتاء المدغمة وهي ساكنة «2».
__________
(1) السبعة 401.
(2) السبعة 401.
(5/178)
قالوا: طاع يطوع، فلم يتعدّ الفعل منه،
فإذا أريد تعديته ألحقت الهمزة فقالوا: أطعت زيدا، قال:
وأطيعوا الله ورسوله [الأنفال/ 1] وقالوا أيضا: اسطاع يسطيع في
معنى أطاع يطيع، وقولهم: أسطاع أفعل، وإنما ألحقت السين البناء
لنقل الحركة إلى الفاء وتهيئة الكلمة بنقل الحركة فيها للحذف،
ألا ترى أنها هيأت الكلمة للحذف منها في نحو لم يسطع، ومثل
السين في ذلك الهاء في قول من قال: أهراق يهريق. فالهاء في
أنها عوض مثل السين في اسطاع، وليس هذا العوض بلازم، ألا ترى
أنّ ما كان نحوه لم يلزم هذا العوض. وقالوا أيضا: استطاع
يستطيع، وفي التنزيل: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112] فهذا
استفعل، وكأن استفعل في ذلك جاء في معنى أفعل، كما أنّ استجاب
في معنى أجاب في نحو:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب «1» وحذفوا من الكلمة التاء المزيدة
مع السين فقالوا: اسطاع يسطيع، وفي التنزيل: فما استطاعوا أن
يظهروه وهو قراءة الجمهور، لما اجتمعت المتقاربة أحبّوا
التخفيف بالإدغام كما أحبّوا ذلك في الأمثال، فلمّا لم يسغ
التخفيف بالإدغام لتحريك ما لم يتحرك في موضع عدل عنه إلى
الحذف، كما أنه لما اجتمع المثلان في قولهم:
علماء بنو فلان، يريدون: على الماء، ولم يسغ إدغام الأولى في
الثانية وإن كانت تتحرك بحركة الهمزة في نحو قولهم: الحمر،
حذفوا الأول من المثلين لما كان الإدغام يؤدي إلى تحريك ما
تكره الحركة فيه فأما تحريكه بحركة الهمزة فهي في هذا التحريك
في نية السكون
__________
(1) هذا عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي سبق في 1/ 352.
(5/179)
يدلّك على ذلك تقدير همزة الوصل مع تحرّك
اللام، فقالوا: علماء بنو فلان، فحذفوا الأول من المثلين حيث
لم يتجه الإدغام، وهذا أولى من قولهم، اسطاع، لأن هذه السين لم
تتحرك في موضع من الحركات كما تحركت اللام، فهذا استفعل بمنزلة
أفعل وأجروا المتقاربين في هذا مجرى المثلين، فقالوا: بلعنبر،
لما كانت النون مقاربة اللام، وكانت تدغم فيها في نحو: من لك،
أريد إدغامها في هذا الموضع أيضا، فلما لم يسغ ذلك عندهم خففوا
بالحذف كما خففوا به في المثلين، ولغة أخرى خامسة في الكلمة،
وهي أن بعضهم قال في:
يسطيع: يستيع، فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه أبدل من الطاء
التي هي فاءٌ التاء ليقربها من الحرف الذي قبلها، فأبدل التاء
لتوافق السين في الهمس، كما أبدل الدال من التاء في نحو: ازدان
ليوافق ما قبله في الجهر، والآخر: أن يكون حذف الطاء لما لم
يستقم إدغام ما قبلها في المتقارب منها، كما حذف المثل
والمتقارب من: علماء بنو فلان، وبلعنبر، ويكون هذا في أنه حذف
من الكلمة الأصل للتخفيف، بمنزلة قولهم: تقيت، ألا ترى أنه في
الأصل: اتّقى، فحذف الفاء التي هي في الأصل واو، فلما حذفها
سقطت همزة الوصل المجتلبة لسكون الفاء فبقي تقيت على فعلت، فإن
قلت: فلم لا يكون على أنه أبدل من الفاء التي هي واو التاء،
كما أبدل من تيقور وتولج «1» ونحو ذلك، ولا يكون على ما ذكرت
من حذفه الفاء من افتعلت، فالدليل
__________
(1) تيقور: من الوقار، وهو فيعول، أبدلت التاء من الواو،
وأصله: ويقور، وتولج: وهو الكناس الذي يستظل به الوحش في شدة
الحر، ووزنه: فوعل على رأي الخليل أيضا، فأبدلوا التاء مكان
الواو وجعل فوعلا أولى بهما من تفعل، لأنك لا تكاد تجد في
الكلام تفعلا اسما، وفوعل كثير.
انظر الكتاب 2/ 356 والمنصف 3/ 38، 39.
(5/180)
على أن الحذف من افتعلت وليس على حد ما
ذكرت قولهم في المضارع: يتقي ولو كان على الحد الآخر لسكن ما
بعد حرف المضارعة وأنشدنا:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة «1» ومثل تقديره الفاء التي هي طاء من
يستيع، تقدير حذف التاء من قولهم: استخد فلان ما لا، يجوز أن
يكون: استتخد، فحذف الفاء لاجتماع حروف متماثلة، فحذفت التاء
التي هي فاء، كما حذفت الفاء في يستيع، وإنما هو يستطيع، ويجوز
أن يكون: استخذ اتخذ، فأبدل السين من التاء لاجتماعهما في
الهمس ومقاربة المخرج، وأبدلت السين من التاء، كما أبدلت التاء
من السين في قولهم: طست. قال العجاج:
أأن رأيت هامتي كالطّست «2» والأصل السين، يدل على ذلك أن أبا
عثمان أنشد:
لو عرضت لأيبليّ قسّ
أشعث في هيكله مندسّ ... حنّ إليها كحنين الطسّ
«2» فأمّا قول حمزة: فما اسطاعوا أن يظهروه فإنما هو على إدغام
التاء في الطاء ولم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك،
ولكن
__________
(1) صدر بيت لساعدة وعجزه:
فالماء فوق متونه يتصبّب انظر شرح ديوان الهذليين 3/ 1100
واللسان (نفي) وفيه: يقرو، مكان يتقي.
(2) سبق في 3/ 120.
(5/181)
أدغم مع أنّ الساكن الذي قبل المدغم ليس
حرف مدّ، وقد قرأت القراء غير حرف من هذا النحو، وقد قدّمنا
ذكر وجه هذا النحو، ومما يؤكّد ذلك أن سيبويه أنشد:
كأنّه بعد كلال الزاجر ... ومسحي مرّ عقاب كاسر
«1» والحذف في: ما استطاعوا، والإثبات في ما استطاعوا، كلّ
واحد منهما أحسن من الإدغام على هذا الوجه.
[الكهف: 98]
اختلفوا في قوله عز وجل: (دكا) [الكهف/ 98]. فقرأ ابن كثير
ونافع وأبو عمرو وابن عامر (دكّا) منون غير مهموز ولا ممدود.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: دكاء ممدود مهموز بلا تنوين.
وهبيرة عن حفص (دكّا) منون غير ممدود، وقال غير هبيرة عن حفص
عن عاصم: ممدود «2».
قال أبو علي: من قال: (جعله دكّا) احتمل أمرين: أحدهما:
أنه لمّا قال: جعله وكان بمنزلة خلق وعمل، فكأنه قد قال: دكّه
دكّا، فحمله على الفعل الذي دلّ عليه قوله: جعله، والوجه
الآخر: أن يكون جعله ذا دك، فحذف المضاف، ويمكن أن يكون حالا
في هذا الوجه.
ومن قال: جعله دكاء فعلى حذف المضاف، كأنه جعله مثل دكّاء،
قالوا: ناقة دكّاء، أي: لا سنام لها، ولا بدّ من تقدير الحذف،
__________
(1) سبق انظر 2/ 397، وانظر الكتاب 2/ 413.
(2) السبعة 402.
(5/182)
لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء، لأنه من
المؤنث وجعل مثل خلق، ويمكن أن يكون حالا.
[الكهف: 109]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أن تنفد كلمات ربي
[الكهف/ 109].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم «1»: قبل أن تنفد كلمات
بالتاء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (ينفد) بالياء «2».
قال أبو علي: التأنيث أحسن، لأن المسند إليه الفعل مؤنث،
والتذكير حسن أيضا لأن التأنيث ليس بحقيقي وقد تقدم ذكر ذلك في
غير موضع.
__________
(1) زاد في السبعة «ابن عامر» فيمن قرأ هذه القراءة، وأنقصه في
قراءة الياء.
(2) السبعة 402.
(5/183)
|