الحجة للقراء السبعة بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر اختلافهم في سورة صاد
[ص: 15]
اختلفوا في ضمّ الفاء وفتحها من قوله عزّ وجلّ: من فواق [15].
فقرأ حمزة والكسائي من فواق بضم الفاء.
وقرأ الباقون من فواق بفتح الفاء «1».
أبو عبيدة: ما لها من فواق بفتح الفاء: ما لها من راحة ومن
قال: فواق جعله فواق الناقة: ما بين الحلبتين، قال: وقال قوم:
هما واحد وهو بمنزلة: جمام المكوك «2» وجمامه، وقصاص الشعر
وقصاصه «3».
__________
(1) السبعة ص 552.
(2) كذا الأصل: المكوك بالكاف، وفي مجاز القرآن: المكّول
باللام. والمكّوك كما في اللسان مكك: طاس يشرب فيه، أعلاه ضيق
ووسطه واسع. وفي مادة/ مكل/: مكلت البئر: إذا اجتمع الماء في
وسطها وكثر، وبئر مكول وجمّة مكول ... ومما تقدّم نعلم أن
رواية المكول باللام هي الوجه.
(3) مجاز القرآن 2/ 179.
(6/66)
وذكر محمد بن السّري أن أحمد بن يحيى قال:
الفواق:
الرجوع.
قال: يقال: استفق ناقتك، قال: ويقال: فوق فصيله إذا سقاه ساعة
بعد ساعة، قال: ويقال: ظلّ يتفوّق المحض، وقال عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد إلا صيحة واحدة ما لها من فواق قال:
من رجوع، وأفاقت الناقة: إذا رجع اللّبن في ضرعها، وأفاق الرجل
من المرض، منه. انتهت الحكاية عن ثعلب.
قال أبو علي: ومن هذا الباب قول الأعشى:
حتّى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت «1» فالفيقة من الواو، وإنّما
انقلبت ياء للكسر، وكالكينة، والحينة:
وهما من الكون والحون.
[ص: 29]
قرأ عاصم في رواية الكسائي وحسين عن أبي بكر لتدبروا [ص/ 29]
بالتاء الخفيفة الدال، وروى يحيى عن أبي بكر عن عاصم: ليدبروا
بالياء مشدّدة، وكذلك قال حفص عن عاصم بالياء، وقال أبو هشام:
وكذلك سمعت أبا يوسف الأعشى يقرأ على أبي بكر لتدبروا بالتاء
وقرأ الباقون بالياء «2».
قال أبو علي: ما روي عن عاصم من قراءته لتدبروا أصله
__________
(1) صدر بيت للأعشى عجزه:
جاءت لترضع شقّ النّفس لو رضعا وهو يصف بقرة وحشية، انظر
ديوانه/ 105، واللسان (فوق).
(2) السبعة ص 553.
(6/67)
تتدبروا تتفعلوا من التدبّر، والنظر، فحذف
التاء الثانية التي هي تاء التفعّل والباقية تاء المضارعة،
والمعنى: لتتدبر أنت أيّها النّبيّ والمسلمون، ومن قال:
ليدبروا آياته، أراد: ليتدبّر المسلمون، فيتقرّر عندهم صحّتها،
وتسكن نفوسهم إلى العلم بها.
[ص: 23]
حفص عن عاصم: ولي نعجة [ص/ 23] مفتوحة الياء، الباقون وأبو بكر
عن عاصم: ولي نعجة الياء ساكنة «1».
قال أبو علي: إسكان الياء وتحريكها حسنان جميعا.
[ص: 33]
قال: قرأ ابن كثير وحده: بالسؤق والاعناق [ص/ 33]، بهمز الواو.
وقال «2» البزّي بغير همز، قال البزي: وسمعت أبا الإخريط هنا
يهمزها [ويهمز] سأقيها قال: وأنا لا أهمز شيئا من هذا، وقال
علي بن نصر عن أبي عمرو: سمعت ابن كثير يقرأ: بالسئوق بواو بعد
الهمزة، كذا قال لي عبيد الله بإسناده عن أبي عمرو، وكذا في
أصله.
قال: ورواية أبي عمرو عن ابن كثير هذه هي الصواب من قبل أن
الواو انضمت فهمزت لانضمامها والأولى لا وجه لها «3».
قال أبو علي: ساق وسوق مثل لابة ولوب وقارة وقور، وبدنة وبدن
وخشبة وخشب، وأما الهمز في السوق فغيره أحسن وأكثر، وللهمز فيه
وجه في القياس والسماع، فأمّا السّماع فإنّ أبا عثمان زعم أنّ
أبا الحسن كان يقول: إنّ أبا حيّة النميري يهمز الواو التي
قبلها
__________
(1) السبعة ص 553.
(2) السبعة: وقرأ.
(3) السبعة ص 554. وما بين معقوفين منه.
(6/68)
ضمة وينشد:
لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى «1» وعلى هذا يجوز همز: سؤق.
فأمّا وجه القياس، فإنّ هذه الهمزة لمّا لم يكن بينها وبين
الضمّة حاجز صارت كأنّها عليها، فهمزها كما يهمزها إذا تحركت
بالضمّ، ومثل هذا قولهم:
... مقلات «2» ...
لمّا لم يكن بين الكسرة والقاف حاجز صارت الكسرة كأنّها على
القاف فجازت إمالة الألف من مقلات، كما جازت إمالتها في صفاف
وقصاف وغلاب، وخباث، وكذلك مقلات صارت القاف كأنّها متحركة
بالكسر، فبذلك جازت الإمالة فيها، كما صارت الضمّة في السوق،
كأنّها على العين، فلذلك جاز إبدالها همزة، فأمّا ساق فلا وجه
لهمزها، ويشبه أن يكون وجه الإشكال فيه أنّ لها جمعين قد جاز
في كل واحد منهما الهمز جوازا حسنا، وهو أسؤق وسئوق، وجاز في
السؤق أيضا، فظنّ أنّ الهمز لما جاز في كل واحد من جمع الكلمة
ظنّ أنّها من أصلها.
وأمّا ما رواه أبو عمرو عن ابن كثير: بالسئوق فجائز كثير، وذلك
أنّ الواو إذا كانت عينا مضمومة جاز فيها الهمز، كما جاز في
الفاء
__________
(1) البيت لجرير، سبق في 1/ 239.
(2) كلمة من بيت للعباس بن مرداس، وتمامه كما في الحماسة، شرح
المرزوقي ص 1154:
بغاث الطير أكثرها فراخا وأمّ الصّقر مقلات نزور
(6/69)
نحو: أجوه، وأقّتت ومن تمكّن الهمز في ذلك
أنّهم همزوا: أدؤر، ثم قلبوا فقالوا: أادر، فلم يعيدوا الواو
التي هي عين، وجعلوه بمنزلة:
قائل، وقويئل.
قال: وقرأ أبو عمرو في رواية عليّ بن نصر والخفّاف عنه: أنما
فتناه [ص/ 24] يعني الملكين، يريد: صمدا له «1».
وقرأ الباقون وجميع الرواة عن أبي عمرو: أنما فتناه مشدّدة
النون «2».
[ص: 24]
روي عن أبي عمرو: وظن داود أنما فتناه يعني:
الملكين، أي: علم داود أنّهما امتحناه، وفسّر أبو عبيدة وغيره
الظن هنا بالعلم «3».
[ص: 41]
أبو عمارة عن حفص عن عاصم: بنصب [ص/ 41] بضم النون والصاد.
هبيرة عن حفص بنصب مفتوحة. عاصم بضم النون، والمعروف عن حفص عن
عاصم: بنصب مضمومة النون ساكنة الصاد.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بنصب بضم النون وتسكين الصاد
«4».
__________
(1) صمدا له: أي: قصداه بالخطاب. وهذا ليس من كلام ابن مجاهد.
(2) السبعة ص 553.
(3) في مجاز القرآن 2/ 181: «وظنّ داود» أي: أيقن.
(4) السبعة ص 554.
(6/70)
أبو عبيدة: بنصب: أي بلاء وشر، وأنشد لبشر
بن أبي خازم:
تعنّاك نصب من أميمة منصب «1» وقال النابغة:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب «2» قال: وتقول العرب: أنصبني: أي
عذبني، وبرح بي، وبعضهم يقول: نصبني، قال: والنّصب: إذا فتح
أولها وأسكن ثانيها واحد أنصاب الحرم، وكلّ شيء نصبته وجعلته
علما، ولأنصبنّك نصب العود، ويقال: نصب بعيره ليلته نصبا، قال
أبو الحسن: النّصب الإعياء، لا يمسّنا فيها نصب، ولا أذى «3»،
قال: وأرى: نصب، ونصب لغتين، مثل: البخل والبخل، في معنى
الوجع.
غيره: نصب ونصب واحد، وهو ما أصابه من مرض وإعياء، مثل: الحزن
والحزن.
[ص: 46]
وقرأ نافع وحده: بخالصة ذكرى الدار [ص/ 46] مضافا.
__________
(1) هذا صدر بيت لبشر بن أبي خازم عجزه:
كذي الشوق لما يسله وسيذهب تعنّى: أتعب. النصب: الداء والبلاء.
انظر ديوانه/ 7.
(2) صدر بيت للنابغة عجزه:
وليل أقاسيه بطيء الكواكب انظر ديوانه/ 54، والبيت من شواهد
البغدادي في شرح أبيات المغني 1/ 268 و 3/ 19.
(3) مأخوذة من قوله تعالى: لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها
لغوب [فاطر/ 35].
(6/71)
وقرأ الباقون بخالصة منونة «1».
قال أبو علي: من قال: بخالصة ذكرى الدار احتمل أمرين أحدهما:
أن يكون بدلا من الخالصة تقديره: إنّا أخلصناهم بذكرى الدار،
ويجوز أن يقدّر في قوله ذكرى* التنوين، فيكون الدار* في موضع
نصب تقديره: بأن يذكروا الدار، أي يذكرون بالتأهب للآخرة،
ويزهدون في الدنيا «2». ويجوز أن لا يقدر البدل، ولكن يكون:
الخالصة مصدرا، فيكون مثل من دعاء الخير [فصّلت/ 49] فيكون
المعنى: بخالصة تذكير الدار. ويقوّي هذا الوجه ما روي من قراءة
الأعمش: بخالصتهم ذكرى الدار، فهذا يقوّي النّصب، ويقوّي ذلك
أنّ من نصب خالصة أعملها في الدار، كأنّه: بأن أخلصوا تذكير
الدار، فإذا نوّنت خالصة احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون المعنى:
بأن خلصت لهم ذكرى الدار، فيكون ذكرى الدار في موضع رفع بأنّه
فاعل.
والآخر: أن يقدّر المصدر الذي هو خالصة: من الإخلاص، فحذفت
الزيادة، كما حذفت من نحو:
دلو الدالي «3» ونحوه، فيكون المعنى: بإخلاص ذكرى فيكون ذكرى*
في موضع نصب كانتصاب الاسم في عمرك الله، والدار يجوز أن يعنى
بها الدنيا، ويجوز أن يعنى بها الآخرة، فالذي يدلّ على أنّه
يجوز أن
__________
(1) السبعة ص 554.
(2) في الأصل كلمة مطموسة وما أثبته ينسجم مع السياق ويؤيده
كتب التفسير.
(3) من رجز للعجّاج سبق في 2/ 254 و 3/ 150.
(6/72)
يراد بها الدنيا قوله عزّ وجل في الحكاية
عن إبراهيم: واجعل لي لسان صدق في الآخرين [الشعراء/ 84]
وقوله: وجعلنا لهم لسان صدق عليا [مريم/ 50] فاللّسان هو القول
الحسن والثناء عليه، وليس اللّسان هنا الجارحة، يدلّ على ذلك
ما أنشده أبو زيد:
ندمت على لسان كان مني فليت بأنه في جوف عكم «1» فالكلام لا
يكون على العضو، إنّما يكون على كلام يقوله مرّة، ويمسك عنه
أخرى، وكذلك قول الآخر:
إني أتاني لسان لا أسرّ به من علو لا كذب ولا سخر «2» وقوله:
وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم [الصافّات/ 108،
109] وسلام على نوح في العالمين
[الصافّات/ 79] وسلام على إلياسين [الصافّات/ 130] وسلام على
عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] فالمعنى: أبقينا عليهم الثناء
الجميل في الدنيا، فالدار في هذا التقدير ظرف، والقياس أن
يتعدى الفعل والمصدر إليه بالحرف، ولكنّه على: ذهبت الشام عند
سيبويه، و: كما عسل الطريق الثعلب «3» فأمّا جواز كون الدّار
الآخرة في قوله: أخلصناهم بخالصة
__________
(1) البيت للحطيئة، سبق في 2/ 175.
(2) البيت لأعشى باهلة، انظر اللسان (لسن) وفيه أتتني بدل
أتاني، وبها بدل به، ولا عجب بدل لا كذب.
(3) بعض بيت لساعدة بن جؤية، سبق في 5/ 440.
(6/73)
ذكرى الدار مفعولا بها فيكون ذلك بإخلاصهم
ذكر الدار، ويكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها، من حسابها كما
قال: وهم من الساعة مشفقون [الأنبياء/ 49] وإنما أنت منذر من
يخشاها [النازعات/ 45] وقال: يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه
[الزمر/ 9] فالدّار على هذا مفعول بها، وليست كالوجه الآخر
المتقدّم.
فأما من أضاف فقال: بخالصة ذكر الدار فإنّ الخالصة تكون على
ضروب: تكون للذكر، وغير الذكر، فإذا أضيف إلى ذكرى، اختصّت
الخالصة بهذه الإضافة، فتكون الإضافة إلى المفعول به، كأنّه
بإخلاصهم ذكرى الدار، أي: أخلصوا ذكرها، والخوف منها لله،
ويكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل، تقديره:
بأن أخلصت لهم ذكرى الدار، والدار على هذا يحتمل الوجهين
اللذين تقدّما من كونها الآخرة والدنيا، فأمّا قوله: وقالوا ما
في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا [الأنعام/ 139] فيجوز في
خالصة وجهان: أحدهما: أن يكون مصدرا كالعافية والعاقبة،
والآخر: أن يكون وصفا، وكلا الوجهين يحتمل الآية، ويجوز أن
يكون ما في بطون هذه الأنعام ذات خلوص، ويجوز أن يكون الصفة،
وأنث على المعنى، لأنّه كثرة. والمراد به: الأجنّة، والمضامين،
فيكون التأنيث على هذا.
[ص: 48]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: واليسع [الصافّات/ 48] فقرأ حمزة
والكسائي: والليسع بلامين، وقرأ الباقون: واليسع بلام واحدة
«1».
__________
(1) السبعة ص 554 - 555.
(6/74)
قال أبو علي: نرى أن الكسائي إنّما قال
الليسع ليجعله اسما على صورة الصفات، فيحسن لذلك دخول لام
المعرفة عليه. فيكون كالحارث والعباس والقاسم ونحو ذلك، ألا
ترى أن فيعلا مثل ضيغم، وحيدر كثير في الصفات، وليس في الأسماء
المنقولة التي في أوائلها زيادة المضارعة ما يدخل فيها الألف
واللام مثل: يشكر، وتغلب، ويزيد، وتدمر، فكذلك ما أعرب من
الأعجمي، لأنّه لا يدخله لام المعرفة، وليس يخرج بذلك على أن
يكون حمل ما لا نظير له، ألا ترى أنّه ليس في الأسماء الأعجمية
الأعلام مثل: الحارث والعباس؟
ووجه قراءة من قرأ: اليسع أن الألف واللام قد تدخلان الكلمة
على وجه الزيادة، كما حكى أبو الحسن: الخمسة العشر درهما، وقد
قال بعضهم: في إلياس* أنّه اسم علم. وقرأ ابن عامر: وإن إلياس
لمن المرسلين [الصافّات/ 123]، فعلى هذا أيضا يكون اليسع، وقد
أنشد أبو عثمان عن الأصمعي:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر «1»
وأنشدوا أيضا:
يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي مكان من أنشا على الركائب «2»
وأنشد أبو عثمان:
__________
(1) البيت غير منسوب لقائل، سبق في 3/ 348.
(2) البيت غير منسوب لقائل، سبق في 3/ 348.
(6/75)
باعد أمّ العمر من أسيرها «1» وبنات أوبر:
ضرب من الكمأة معرفة ينتصب الخبر عنه، كما أنّ ابن قترة، وابن
بريح «2» كذلك، فأدخل في الاسم المعرفة الألف واللام، وهذا
إنّما ينصرف إلى الزيادة، وعليها يتجه فكذلك تكون التي في
اليسع، ولو قال قائل: إنّ هذا أوجه مما ترى أن الكسائي قصده من
جعله إيّاه كالضيغم والحيدر، وليس هو كذلك، إنّما هو اسم علم
أعجمي، كإدريس وإسماعيل ونحوهما، من الأعلام، ويشبه أن يكون
الألف واللّام إنّما هو لخفّة في التعريب، ألا ترى أنّه ليس في
هذه الأسماء العجميّة التي هي أعلام ما فيه الألف واللّام التي
تكون للتعريف في الأسماء العربية، وقد قدّمنا القول في ذلك.
وقرأ ابن كثير وحده: واذكر عبدنا إبراهيم [ص/ 45]، واحدا. وقرأ
الباقون: عبادنا جماعة «3».
وجه إفراده قوله: عبدنا* أنّه اختصّه بالإضافة على وجه التكرمة
له، والاختصاص بالمنزلة الرفيعة، كما قيل في مكّة بيت الله،
وكما اختصّ بالخلّة في قوله: واتخذ الله إبراهيم خليلا
[النساء/ 125].
ومن قرأ: عبادنا فلأنّ غير إبراهيم من الأنبياء قد أجري عليه
__________
(1) صدر بيت لأبي النجم العجلي وعجزه:
حراس أبواب على قصورها سبق في 3/ 347.
(2) ابن قترة: ضرب من الحيّات خبيث. انظر اللسان (قتر) وابن
بريح وأم بريح:
اسم للغراب معرفة. سمّي بذلك لصوته. انظر اللسان (برح).
(3) السبعة 554.
(6/76)
هذا الوصف فجاء في عيسى إن هو إلا عبد
أنعمنا عليه [الزخرف/ 59] وفي أيوب: نعم العبد [ص/ 44]، وفي
نوح: إنه كان عبدا شكورا [الإسراء/ 3].
ومن قال: عبادنا، جعل ما بعده بدلا من العباد، ومن قال:
عبدنا، جعل إبراهيم بدلا، وما بعده معطوفا على المفعول
المذكور.
[ص: 53]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: ما توعدون [ص/ 53] في الياء والتاء.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: هذا ما يوعدون بالياء هاهنا، وافترقا
في سورة قاف [32].
فقرأ ابن كثير: بالياء، وقرأ أبو عمرو: بالتاء.
وقرأ الباقون بالتاء في السورتين «1».
التاء على: قل للمتّقين هذا ما توعدون، والياء وإن للمتقين
لحسن مآب [ص/ 49]، هذا ما يوعدون [ص/ 53]، والتاء أعمّ لأنّه
يصلح أن يدخل فيه الغيب من الأنبياء إذا اختلط الخطاب.
فأمّا ما في سورة قاف، فنحو هذا: وأزلفت الجنة للمتقين [ق/ 31]
هذا ما توعدون [ق/ 32] أيّها المتّقون على الرّجوع من الغيبة
إلى الخطاب أو على: قل لهم هذا ما توعدون، والياء على إخبار
النبيّ بما وعدوا، كأنّه هذا ما يوعدون أيّها النبيء.
[ص: 57]
اختلفوا في قوله: وغساق [ص/ 57] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن
عاصم: وغساق مشددا.
__________
(1) السبعة ص 555.
(6/77)
وفي عمّ يتساءلون مثله «1».
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: وغساق بالتخفيف في الموضعين
«2».
أمّا الغسّاق: فلا يخلو من أن يكون اسما، أو وصفا، فيبعد أن
يكون اسما، لأنّ الأسماء لم تجىء على هذا الوزن إلّا قليلا،
وذلك الكلاء، والقذّاف، والجبّان. وقد ذكر في الكلّاء التأنيث،
ولم نعلمهم حكوا ذلك فيما جاء من هذا الوزن من الأسماء، فإذا
لم يكن اسما كان صفة، وإذا كان صفة فقد أقيم مقام الموصوف، وأن
لا تقام الصفة مقام الموصوف أحسن. إلّا أن يكون صفة قد غلب
نحو: العبد، والأبطح، والأبرق.
والقراءة بالتخفيف أحسن من حيث كان فيه الخروج من الأمرين
اللّذين وصفناهما في غسّاق بالتثقيل، وهما قلّة البناء، وإقامة
الصفة مقام الموصوف.
[ص: 58]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: وأخر من شكله أزواج [ص/ 58] جماعة.
وقرأ الباقون وآخر واحدا، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا مؤمّل قال: حدّثنا حمّال بن سلمة،
قال:
سمعت ابن كثير يقرأ وأخر* مضمومة الألف.
وحدّثنا ابن حيّان عن أبي هاشم عن سويد بن عمرو عن حماد بن
سلمة عن ابن كثير: وأخر بالضمّ «3».
__________
(1) أي قوله تعالى: إلا حميما وغساقا [النبأ/ 25].
(2) السبعة ص 555.
(3) السبعة ص 555.
(6/78)
قال أبو علي: قوله: وآخر من شكله أزواج،
روي عن ابن مسعود وقتادة أنّهما قالا: الزمهرير، فتفسيرهما
يقوّي قراءة من قرأ:
وآخر بالتوحيد، كأنّه: ويعذب به آخر، لأنّ الزّمهرير واحد،
ويجوز على تفسيرهما الجمع، وأخر على أن يجعل أجناسا يزيد برد
بعضه على بعض على حسب استحقاق المعذبين، ورتبهم في العذاب،
فيكون ذلك كقولهم: جمالان، وتمران، ونحو ذلك من الجموع التي
تجمع وتثنّى إذا اختلفت، وإن لم تختلف عندي. ويجوز الجمع على
وجه آخر، وهو أن يجعل كلّ جزء منه وإن اختلف زمهريرا، فيجمع
كما جمعوا في قولهم: شابت مفارقه، وبعير ذو عثانين «1»،
ومغيربانات «2». ونحو ذلك، ويجوز أن يجعل أخر على الجمع لما
تقدّم من قوله: حميم، وغساق، وزمهريرا الذي هو نهاية البرد
بإزاء الجميع، فيجوز الجمع لما في الكلام من الدّلالة على جواز
الجمع، فمن قرأ: وأخر* على الجمع كان أخر* مبتدأ وقوله: من
شكله في موضع وصفه، ومعنى من شكله: قال أبو عبيدة: من ضربه،
قال:
ويقال: ما أنت من شكلي أي من ضربي «3».
وأزواج خبر المبتدأ، لأنه جمع كالمبتدإ، وقد وصفت النكرة فحسن
الابتداء بها. فإن قلت: فهلّا كان من شكلها لترجع إلى الآخر،
وهلّا دلّ ذلك على أنّ آخر أجود من أخر قيل: يجوز أن يكون
الضمير
__________
(1) العثنون: شعيرات طوال تحت حنك البعير، يقال: بعير ذو
عثانين، انظر اللسان (عثن).
(2) المغيربانات: وقت غروب الشمس يقال: لقيته مغرب الشمس
ومغيرباناتها، انظر اللسان (غرب).
(3) مجاز القرآن 2/ 185.
(6/79)
المفرد تجعله راجعا إلى ما ذكر من المفرد
صفة فتفرد، فيكون المعنى من شكل ما ذكرنا، ويجوز أن يعود إلى
قوله: حميم فأفرد بذلك، والذكر الراجع إلى المبتدأ من وصفه
الذكر المرفوع الذي في الظرف، ومن أفرد فقال: وآخر من شكله
أزواج، فآخر يرتفع بالابتداء في قول سيبويه، وفيه ذكر مرفوع
عنده، وبالظرف في قول أبي الحسن، ولا ذكر في الظرف لارتفاع
الظاهر به، وإن لم تجعل آخر مبتدأ في هذا الوجه خاصة، وقلت
لأنّه يكون ابتداء بالنكرة فلا أحمل على ذلك، ولكن لمّا قال:
هذا فليذوقوه حميم وغساق [ص/ 57] دلّ هذا الكلام على أنّ لهم
حميما وغسّاقا، فحمل المعطوف على المعنى، فجعل لهم المدلول
عليه خبرا آخر، فهو قول، وكأنّ التقدير: لهم عذاب آخر من شكله
أزواج، فيكون من شكله في موضع الصفة، ويكون ارتفاع أزواج به،
وقول سيبويه وأبي الحسن: ولا يجوز أن يجعل قوله: من شكله أزواج
في قول من قرأ وأخر على الجمع وصفا، وتضمر الخبر كما فعلت ذلك
في قول من وحّد، لأنّ الصفة لا يرجع منها ذكر إلى الموصوف، ألا
ترى أنّ أزواج إذا ارتفع بالظرف لم يجز أن يكون فيه ذكر مرفوع،
والهاء التي للإفراد لا ترجع إلى الجمع في الوجه البين فتجعل
الصفة بلا ذكر يعود منها إلى الموصوف، وإذا كان كذلك لم يجز أن
يكون صفة.
ومعنى أزواج: أشياء مقترنات، يبين ذلك قوله: يهب لمن يشاء
إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم [الشورى/ 49، 50] أي يهب
الإناث مفردة من الذكور، والذكور مفردة من الإناث، أو يقرن بين
الإناث والذكور، للموهوبة له الأولاد، فيجمع له الذكر والأنثى
في الهبة، وكذلك قوله: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا
(6/80)
يعبدون من دون الله [الصافّات/ 22] وقال:
وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا [الفرقان/
3].
وقيل: في قول من قرأ حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد
المشرقين فبئس القرين [الزخرف/ 38] إنّه الكافر، وقرينه، ومنه:
وإذا النفوس زوجت [التكوير/ 7] أي جمع بينها وبين أشكالها،
وقربت في الجنّة أو النار، فكذلك: وآخر من شكله أزواج أي قرن
للمعذبين، وجمع لهم بين الحميم والغسّاق والزمهرير، وقرن بعض
ذلك إلى بعض، وأمّا امتناع أخر من الصّرف في النكرة فللعدل
والوصف، فمعنى ذلك العدل فيه، أن هذا النحو لا يوصف به إلّا
بالألف واللّام نحو: الأصغر والأكبر، والصغرى والصّغر،
والأصاغر، لا يستعمل شيء من ذلك إلّا بالألف واللّام، واستعملت
آخر* بلا ألف ولام، فصار بذلك معدولة عن الألف واللازم، فإن
قلت: فإذا كانت معدولة عن الألف واللام، فهلّا لم يجز أن يوصف
بها النكرة؟
لأنّ المعدول عن الألف واللام بمنزلة ما فيه الألف واللّام!
ألا ترى أن سحر «1» لمّا كان معدولا عن الألف واللام كان
بمنزلة ما ثبت فيه، وكذلك أمس*- في قول من لم يصرف، ولم يبن
الاسم- معدول عن الألف واللام فصار بذلك بمنزلة ما ثبت فيه
الألف واللّام، فالقول أن ما ذكرته في العدل في سحر وأمس كما
ذكرت، وهكذا كان القياس في أخر أن لا يوصف بها النكرة، ولكنّ
ذلك إنّما جاز لأنّك قد تجد العدل عمّا هو مقدّر في التقرير،
وإن لم يخرج إلى اللّفظ، ألا ترى أنّهم
__________
(1) هذا من قولهم «أتيتك سحر» تمنعه من الصرف لأنه بمنزلة
المحلّى بالألف واللام، كأنك قلت: أتيتك في السحر.
(6/81)
عدلوا جمع وكتع عن جمع غير مستعمل في
اللّفظ، ولم يمنعهم أن لم يستعمل ذلك في اللّفظ من أن يوقعوا
العدل عنه، فكذلك أخر* يقدّر فيه أنّه قد عدل عن الألف واللّام
في المعنى والتقدير حملا على أخواتها، وإن لم يكن في اللّفظ
ألف ولام عدل ذلك عنه، كما كان ذلك في جمع، فلمّا لم يكن ذلك
خارجا إلى اللّفظ لم يمتنع أن يوصف به النكرة في نحو: فعدة من
أيام أخر [البقرة/ 184، 185] ولم يجب، وإن لم يعتدّ بذلك في
التعريف، ووصف النكرة بها أن لا يعتدّ به في العدل، لأنّ العدل
قد صحّ عمّا لم يخرج إلى اللّفظ، فأمّا الاعتداد به في
التعريف، فلم يجز من حيث جاز الاعتداد به في العدل، لأنك لا
تجد الألف واللّام تعرّف في موضع مقدرة غير خارجة إلى اللّفظ،
بل ذلك لا يعرّف، ألا تراهم قالوا في نحو قولهم: قد أمرّ
بالرجل مثلك، أنّه في تقدير الألف واللّام وكذلك: في خير منك،
ونحوه، ولم يتعرّف مع ذلك عند العرب كما وجدت العدل معتدّا به
فيما لم يخرج إلى اللفظ، فصارت الألف واللام في أخر* في أنّه
معتد به من وجه، وغير معتدّ به من آخر أعني أنّه معتدّ به في
العدل ولم يعتدّ به في التعريف بمنزلة اللّام في: لا أبا لك،
فإنّها معتد بها من وجه وغير معتد بها من وجه آخر.
[ص: 63، 62]
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: من الأشرار اتخذناهم [ص/ 62،
63] موصولة.
وقرأ الباقون: من الأشرار أتخذناهم بقطع الألف «1».
قال أبو علي في إلحاق همزة الاستفهام: قوله: أتخذناهم
__________
(1) السبعة ص 556.
(6/82)
سخريا [ص/ 63] بعض البعد، لأنّهم قد علموا
أنّهم اتخذوهم سخريا، فكيف يستقيم أن يستفهم عن اتخاذهم سخريا
وهم قد علموا ذلك؟ يدلّ على علمهم به أنّه أخبر عنهم بذلك. في
قوله:
فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110] فالجملة
التي هي اتخذناهم صفة للنكرة. فأمّا قوله: حتى أنسوكم ذكري.
فليس في أن هؤلاء الصالحين من عباد الله أنسوهم في الحقيقة ذكر
الله سبحانه، ولكنّهم لمّا اتخذوهم سخريا فاشتغلوا بذلك عن
الصّلاح والإخبات أسند الإنساء إلى صالحي عباد الله المظلومين،
كما أسند الإضلال إلى الأصنام لمّا اشتغلوا بعبادتهنّ عن عبادة
الله.
فأمّا وجه قول من فتح الهمزة فقال: أتخذناهم سخريا فإنّه يكون
على التقرير وعودلت بأم لأنّها على لفظ الاستفهام، كما عودلت
الهمزة بأم في نحو قوله: سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر
لهم [المنافقون/ 6]، وإن لم يكن استفهاما في المعنى، وكذلك
قولهم: ما أبالي أزيد قام أم عمرو، فلمّا جرى على حرف
الاستفهام جعل بمنزلته، كما جعل بمنزلته في قولهم: ما أبالي
أزيدا ضربت أم عمرا، فإن قلت: فما الجملة المعادلة لقوله: أم
زاغت عنهم الأبصار في قول من كسر الهمزة في قوله من اتخذناهم
سخريا، فالقول فيه أنّ الجملة المعادلة لأم محذوفة، المعنى:
أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار، وكذلك قوله: أم كان من
الغائبين [النمل/ 20] لأنّ معنى:
ما لي لا أرى الهدهد [النمل/ 20] أخبروني عن الهدهد، أحاضر هو
أم كان من الغائبين، وهذا قول أبي الحسن، ويجوز عندي في قوله:
قل تمتع بكفرك قليلا أنك من أصحاب النار أمن هو قانت آناء
الليل ساجدا وقائما [الزمر/ 8، 9] أن تكون المعادلة لأم قد
حذفت
(6/83)
تقديرها: أفأصحاب النار خير أم من هو قانت؟
ومن كان على هذه الصفة والصفات الأخر التي تتبع هذه، فهو من
أصحاب الجنّة، فصار المعنى: أصحاب النار خير أم أصحاب الجنّة؟
وعلى هذا التبكيت، ومثل هذا في المعنى قوله: أفمن يلقى في
النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة [فصلت/ 40] ومن قرأ:
أمن هو قانت [الزمر/ 9] بالتخفيف فيشبه أن يكون فعل ذلك لمّا
لم يجد ما يعادل أم، ولم يحمل على الحذف كالآي الأول التي حملت
على حذف الجملة المعادلة، والتقدير: أمن هو قانت، وكان بصفة
كيت وكيت، كمن لا يفعل ذلك؟ ومثل ذلك في الحذف قوله: ليسوا
سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون [آل عمران/ 113] والمعنى:
وأمة على خلاف ذلك، ودلّ على المحذوف قوله: قل هل يستوي الذين
يعلمون والذين لا يعلمون [الزمر/ 9] فكما حذفت الجملة الأولى
التي دخلت عليها الهمزة في الآي التي تقدّم ذكرها، كذلك حذفت
الجملة الأولى التي دخلت عليها أم* وذلك قوله: أم من خلق
السموات والأرض [النمل/ 60] خير أم ما تشركون [النمل/ 59].
قال: وأمال الراء أبو عمرو وابن عامر والكسائي من الأشرار،
وقرأ نافع بإشمام الراء الأولى: الإضجاع، وكذلك حمزة يشمّ،
وفتحها ابن كثير وعاصم «1».
قال أبو علي: إمالة الراء التي قبل الألف من الأشرار حسنة في
نحو من قرار [إبراهيم/ 26] ومن الأشرار [ص/ 62] ودار القرار
[غافر/ 39] وذلك أنّ الرّاء المكسورة لما غلبت المستعلي في نحو
__________
(1) السبعة ص 556.
(6/84)
طارد وغارم وصادر فجازت الإمالة مع
المستعلي كان أن تكون في الراء أجدر، لأنّ الراء لا استعلاء
فيها، وإنّما هي بمنزلة الياء واللّام، ومن ثمّ كان الألثغ
بالرّاء ربّما
جعلها ياء، وممّا غلبت فيه الرّاء المكسورة المستعلي قوله:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرّباب سكوب «1»
وأمّا من فتح فلم يمل فلأنّ الكثير لا يميل الألف مع الراء
المكسورة، ولا مع غيرها.
[ص: 63]
قال: قرأ ابن عامر وأبو عمرو وابن كثير وعاصم: سخريا [ص/ 63]
كسرا. المفضل عن عاصم: سخريا* بالضم.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: سخريا* ضم.
حكي عن أبي عمرو قال: ما كان من قبل العبوديّة فسخريّ مضموم،
وما كان من قبل السّخر فسخري مكسور السين، وقد تقدّم ذكر هذا
الحرف قبل.
[ص: 75]
قال: حدّثني الصوفي عن روح عن محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير
وأهل مكّة: بيدي استكبرت [ص/ 75] موصولة على الواجب «2»،
حدّثني الخزاز عن محمد بن يحيى عن عبيد عن شبل عن ابن كثير
وأهل مكّة بيدي استكبرت، كأنّها موصولة، وهي على الاستفهام
[يعني بقوله: وهي على الاستفهام أن] الهمزة مخفّفة بين
__________
(1) البيت لهدبة بن خشرم، سبق في 1/ 404.
(2) أي: على الخبر لا على الاستفهام.
(6/85)
بين، قال غير أحمد: المعروف عن ابن كثير
أستكبرت بقطع الألف على التقرير «1».
وجه قول من وصل الهمزة، وقال: بيدي استكبرت، أنّه لم يجعل أم
المعادلة للهمزة، ولكن جاء باستكبرت على وجه الإخبار عنه
بالاستكبار، وجاء بأم منقطعة كقوله: أم يقولون افتراه
[الأحقاف/ 8] على وجه التقرير لذلك منهم، والتوبيخ لهم.
ومن حجّة من وصل أنّه لو عادل أم بالهمزة لكان المعنى كأنّه
يكون استكبرت: أم استكبرت، ألا ترى أنّ قوله: أم كنت من
العالين [ص/ 75] استكبارا يدلّك على ذلك قوله: إن فرعون علا في
الأرض [القصص/ 4] وفي موضع آخر: واستكبر هو وجنوده في الأرض
[القصص/ 39].
ووجه قول من قطع الهمزة أن الاستكبار كأنّه أذهب في باب
الطغيان من قوله: علا* فجاز معادلة أم، بالهمزة. وقال الشاعر:
أنصب للمنيّة تعتريهم رجالي أم هم درج السّيول «2» فمن كان
درجا للسيول كان نصبا للمنيّة، وقد عادلها بقوله:
نصب للمنيّة.
__________
(1) السبعة ص 556 - 557، وما بين معقوفين تفسير من كلام أبي
على.
(2) البيت لإبراهيم بن هرمة، والمعنى: يقول باكيا على قومه
لكثرة من فقد منهم: أهم نصب للمنيّة تدور عليهم لا تتخطاهم أم
هم درج السيول تذهب بهم وتجرفهم السيول، والنصب: ما نصب
للعبادة ونحوها ممّا يلتزم ويدار حوله. ومعنى تعتريهم تتردّد
عليهم وتغشاهم.
انظر الكتاب 1/ 206 - 207، والخزانة 1/ 203، واللسان (درج).
(6/86)
[ص: 84]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: فالحق والحق أقول [ص/ 84].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع وابن عامر والكسائي: فالحق
والحق أقول بالفتح فيهما.
وقرأ عاصم وحمزة: فالحق والحق بالفتح. المفضل عن عاصم: فالحق
والحق، مثل أبي عمرو «1».
قال أبو علي: من نصب الحق الأوّل كان منصوبا بفعل مضمر يدلّ
انتصاب الحقّ عليه، وذلك الفعل هو ما ظهر في قوله: ويحق الله
الحق بكلماته [يونس/ 82] وقوله: ليحق الحق ويبطل الباطل
[الأنفال/ 8] وهذا هو الوجه.
ويجوز أن ينصب على التشبيه بالقسم فيكون الناصب للحقّ ما ينصب
القسم من نحو قوله: آلله لأفعلنّ، فيكون التقدير: آلحق لأملأن،
فإن قلت: فقد اعترض بين القسم وجوابه قوله: والحق، أقول فإنّ
اعتراض هذه الجملة التي هي: والحق أقول لا يمتنع أن يفصل بها
بين القسم والمقسم عليه، لأنّ ذلك ممّا يؤكّد القصّة ويشدّدها،
قال الشاعر:
أراني ولا كفران لله أيّة لنفسي لقد طالبت غير منيل «2»
__________
(1) السبعة ص 557.
(2) انظر الدرر 1/ 127، والخصائص 1/ 337، وشرح المفضليات/ 806،
وشرح أبيات المغني 6/ 225 واللسان (أوى) ولم ينسب لقائل.
وفي البيت اعتراضان: أحدهما: «ولا كفران لله» والآخر «أيّة» أي
أويت لنفسي أيّة، معناه رحمتها ورققت لها (انظر الخصائص 1/
337)، وقال في الخصائص أيضا في الهامش: ذكر ابن هشام في المغني
في مبحث
(6/87)
فاعترض بما ترى بين المفعول الأول والثاني.
وقد يجوز أن يكون الحقّ الثاني الأول وكرّر على وجه التوكيد،
فإذا حملته على هذا كان: لأملأن على إرادة القسم.
قال سيبويه: سألته يعني الخليل عن: لأفعلنّ، إذا جاءت مبتدأة؟
فقال: هو على إرادة قسم، أو نيّة قسم.
ومن رفع فقال: الحق والحق أقول كان الحقّ محتملا لوجهين:
أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنا الحقّ، ويدلّ على
ذلك قوله: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام/ 62] فكما
جاز وصفه سبحانه بالحقّ كذلك يجوز أن يكون خبرا في قوله: أنا
الحقّ.
والوجه الآخر: أن يكون الحقّ مبتدأ وخبره محذوف، وتقدير الخبر:
منّي، فكأنّه قال: الحقّ منّي، كما قال: الحق من ربك فلا تكونن
من الممترين [البقرة/ 147].
[ص: 8]
قال: وقرأ ابن كثير: أءنزل عليه [ص/ 8] بلا مد «1».
قوله بلا مدّ: يعني أنّه لا يدخل بين الهمزتين ألفا، ولكن
يحقّق الأولى ويجعل الثانية بين بين، مثل: لؤم.
وكذلك أبو عمرو في رواية أصحاب اليزيدي عنه غير مهموز «2»: أو
نزل أو لقي، وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي
__________
الجملة الاعتراضية أن أبا علي لا يجيز الاعتراض بأكثر من جملة
وأوّل هذا البيت، وابن جنّي على خلافه (الخصائص 1/ 337). وانظر
مغني اللبيب ص 515 (ط. دار الفكر).
(1) السبعة ص 552.
(2) في السبعة: غير ممدود.
(6/88)
عمرو: او نزل آولقي، بهمزة مطوّلة.
قوله: بهمزة مطوّلة يعني: أنّه يدخل بين همزة الاستفهام وبين
الهمزة الأخرى المضمومة ألفا ثم يلين همزة آونزل ليمدّ الألف
التي بينهما.
وروى أبو قرّة عن نافع وخلف وابن سعدان عن المسيبي عن نافع
آأنزل ممدود الألف وآألقي [القمر/ 25] «1» قال أبو علي: هذه
الأقوال قد مضى ذكرها فيما تقدّم.
[ص: 69]
حفص عن عاصم: ما كان لي من علم [ص/ 69] منصوبة الياء «2».
__________
(1) السبعة ص 552، وفي بعض النص اختلاف عمّا هنا وزيادة قوله:
وروى عباس: سألت أبا عمرو فقرأ: (آونزل) بهمزة مطوّلة. وذلك
بعد قول اليزيدي.
وزاد بعد قوله المسيبي عن نافع: وقال محمد بن إسحاق عن أبيه،
والقاضي عن قالون عن نافع: استفهام بنبرة واحدة. وقرأ الباقون:
(أو نزل) و (أؤلقي) بهمزتين.
(2) السبعة ص 556.
(6/89)
|