الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة المؤمن
[غافر: 1]
اختلفوا في الحاء من حاميم [1]. فقرأ ابن كثير، بفتح الحاء.
واختلف عن أبي عمرو فأخبرني أحمد بن زهير عن القصبيّ عن عبد
الوارث عن أبي عمرو أنه قرأ حم* جزما مفتوحة الحاء قليلا،
وكذلك أخبرني ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو حم الحاء بين
الكسر والفتح، وأخبرني الجمال عن أحمد بن يزيد عن أبي معمر عن
عبد الوارث عن أبي عمرو مثله، وأخبرني الخزاز عن محمد بن يحيى
عن عبيد عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء، وقال عباس بن الفضل،
وهارون الأعور عن أبي عمرو: حم* جزم لم يذكرا غير ذلك. وأخبرني
محمد بن يحيى عن محمد عن اليزيدي عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء.
وقال ابن رومي عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء.
حدّثنا إبراهيم بن علي العمري قال:
حدّثنا عبد الغفّار عن عباس عن أبي عمرو حم* بكسر الحاء شكلا
لا ترجمة.
واختلف عن نافع فأخبرني محمد بن الفرج عن محمد بن
(6/101)
إسحاق [المسيبي] عن أبيه عن نافع: حم بفتح
الحاء. وكذلك قال محمد بن سعدان عن إسحاق عن نافع.
وأخبرني الأشناني «1» عن أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع
حم لا مفتوحة ولا مكسورة وسطا بين ذلك. وقال خارجة ومصعب عن
نافع حم بفتح غير مشبع، ذكره عن خارجة محمد بن أبان البلخي.
واختلف عن عاصم أيضا، فقال الكسائي عن أبي بكر عن عاصم أنّه لم
يكسر من الهجاء شيئا إلّا طه* [طه/ 1] وحدها. وكان يفتح حم
ويفخمها، وقال محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه
كان يكسر الحاء من حاميم، وأخبرنا النرسي وأبو بكر قال:
حدّثنا خلاد عن حسين عن أبي بكر عن عاصم أنّه كان يكسر الحاء
من حم* وقال حفص عن عاصم أنّه قرأ حم مفخّمة.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي حم* بكسر الحاء «2».
قال أبو علي: قد بيّنا وجوه هذه الأقوال فيما تقدّم.
[غافر: 20]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: والذين يدعون من
دونه [المؤمن/ 20] فقرأ نافع وابن عامر والذين تدعون* بالتاء.
وقرأ الباقون: يدعون بالياء وكلّهم فتح الياء.
__________
(1) الأشناني هو الحسن بن علي بن مالك روى القراءة عن أحمد بن
صالح وسمع منه كتابه في قراءة نافع، توفي سنة 278 هـ. انظر
طبقات القراء 1/ 225.
(2) السبعة ص 566 - 567.
(6/102)
ووجه الياء من قوله: والذين يدعون أي يدعو
الكفّار من آلهتهم من دون اللَّه تعالى.
والتاء على: قل لهم: والذين تدعون.
قال: وكلّهم فتح الياء، أي لم يضمّها أحد منهم، فيقولوا،
والذين يدعون من دونه، ولو قرئ ذلك لكان المعنى في يدعون:
يسمّون، وذلك كقولهم: ما تدعون كذا فيكم؟ أي ما تسمّون؟ فكأنّ
المعنى:
والذين يسمّون آلهة لا يقضون بشيء. قال:
أهوى لها مشقصا حشرا فشبرقها وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
«1» أدعو: أي كنت أسمّي.
[غافر: 15]
قال: واختلفوا في إثبات الياء وحذفها من قوله: يوم التلاق
[المؤمن/ 15] والتنادي [المؤمن/ 32]. فقال أحمد بن صالح عن ورش
وقالون وأبي بكر بن أبي أويس عن نافع: التلاقي يثبت الياء في
الوصل وكذلك قال ورش وقالون: يوم التنادي بياء، وقال عن أبي
بكر بن أبي أويس بغير ياء في وصل ولا وقف التناد، وقال إبراهيم
القورسي عن أبي بكر بن أبي أويس عن نافع: بغير ياء التلاق،
وقال أبو قرة عن نافع: التنادي بمدّ الياء.
__________
(1) البيت لابن أحمر في شعره ص 49، وانظر اللسان (هوى)
والخصائص 2/ 148، وفيه: مشقص بدل مشقصا. والمعنى: أهوى: هوى
وانقض عليها وسقط، المشقص: السهم العريض، والحشر: اللطيف
الدقيق، وشبرقها:
مزقها، يريد: أن عينه أصابها سهم ففقأها، وكان من قبل مشفقا
عليها حريصا على ألّا ينالها شيء حتى إن الإثمد القرد كان يراه
قذى لها، والقرد: المتلبّد الذي يلزم بعضه بعضا.
(6/103)
ابن كثير: يوم التنادي، والتلاقي، يثبت
الياء وصل أو وقف، وكذلك: من واق [الرعد/ 34] ومن هاد [الرعد/
33] يصلون بالتنوين، ويقفون بالياء.
وقال ابن جماز وإسماعيل والمسيبي وأبو خليد بغير ياء في وصل
ولا وقف، التلاق، والتناد.
وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: التلاق والتناد
بغير ياء. وعباس عن أبي عمرو: ويوم التنادي يثبت الياء «1».
قال أبو علي: المعنى أي: أخاف عليكم عذاب يوم التلاقي، وعذاب
يوم التنادي، فإذا كان كذلك كان انتصاب يوم انتصاب المفعول به
لا انتصاب الظرف لأنّ إعرابه إعراب المضاف المحذوف، وقيل في
يوم التناد أنّه يوم ينادي أهل الجنّة أهل النار، وأهل النّار
أهل الجنّة، فينادي أهل الجنّة أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا
فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا [الأعراف/ 44] وينادي أهل النّار
أهل الجنّة: أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله
[الأعراف/ 50] وقد قرئ يوم التناد بالتشديد من ندّ البعير إذا
فرّ هاربا على وجهه، ويدلّ على هذا قوله: يوم يفر المرء من
أخيه [عبس/ 34] وقد يجوز إذا أراد هذا المعنى في الشعر أن
يخفّف ويطلق كقول عمران:
قد كنت جارك حولا لا تروّعني فيه روائع من إنس ولا جان «2» وقد
تكون الفواصل كالقوافي في أشياء، وقد قيل في يوم
__________
(1) السبعة ص 568.
(2) البيت لعمران بن حطّان. سبق انظر 4/ 336 و 5/ 454
(6/104)
التلاقي، أنّه يوم يلتقي أهل السماء وأهل
الأرض، ويوم يلتقي فيه الظالم والمظلوم، فأمّا إثبات الياء
وحذفها، فإنّه إذا كان فاصلة حسن الحذف كما حسن في القافية من
نحو:
وبعض القوم يخلق، ثمّ لا يفر «1» في الوصل والوقف. وما كان
كلاما تامّا، ولم يكن فاصلة، فإنّه يشبّه بها، وكذلك إذا كان
ما قبلها كسرة، والآخر ياء، والإثبات حسن كما كان الحذف كذلك،
وكذلك هو في القوافي.
فأمّا اسم الفاعل إذا لم يكن فيه ألف ولام نحو: من هاد [الرعد/
33] ومن واق [الرعد/ 34] فإذا وقفت على شيء من هذا منه أسكنته،
والوقوف فيه على الياء لغة حكاها سيبويه، وقد ذكرناها وذكرنا
وجهها فيما تقدّم.
[غافر: 6]
قال قرأ نافع وابن عامر: حقت كلمات ربك [غافر/ 6] جماعة.
وقرأ الباقون: كلمة واحدة «2».
قال أبو علي: الكلمة تقع مفردة على الكثرة، فإذا كان كذلك
استغني فيها عن الجمع كما تقول: غمّني قيامكم وقعودكم، وقال:
لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14]
وقال: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير [لقمان/ 19] وأفرد الصوت،
مع الإضافة إلى الكثرة، وكذلك الكلمة.
وقد قالوا: قسّ في كلمته، يريدون في خطبته، ومن جمع فلأنّ
__________
(1) من بيت لزهير تقدم ذكره في 1/ 405 و 2/ 83.
(2) السبعة ص 567.
(6/105)
هذه الأشياء، وإن كانت تدلّ على الكثرة قد
تجمع إذا اختلفت أجناسه، قال: وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12]
وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124] فالكلمات
في قوله:
وصدقت بكلمات ربها واللَّه أعلم، يراد بها: شرائعه، لأنّ كتبه
قد ذكرت.
[غافر: 21]
وقرأ ابن عامر وحده: كانوا هم أشد منكم قوة [غافر/ 21] بالكاف
وكذلك في مصاحفهم.
وقرأ الباقون: أشد منهم، وكذلك في مصاحفهم «1».
من قرأ: أشد منهم قوة فأتى بلفظ الغيبة فلأنّ ما قبله من قوله:
أولم يسيروا فى الارض فينظروا [غافر/ 21] من قبلهم، على لفظ
الغيبة، فكذلك يكون قوله: كانوا هم أشد منهم قوة على الغيبة،
ليكون موافقا لما قبله من ألفاظ الغيبة. فهذا البين.
وأمّا من قال: كانوا هم أشد منكم بعد ما ذكرناه من ألفاظ
الغيبة فعلى الانصراف من الغيبة إلى الخطاب، كقولك: إياك نعبد
[الفاتحة/ 4] بعد قوله: الحمد لله [الفاتحة/ 1] وحسن الخطاب
هنا، لأنّه خطاب فيما أرى لأهل مكّة، فحسن الخطاب بحضورهم،
فجعل الخطاب على لفظ الحاضر المخاطب، وهذه الآية في المعنى مثل
قوله: مكناهم في الأرض ما لم نمكن [الأنعام/ 6] ومثل قوله:
أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم
كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها
[الروم/ 9].
__________
(1) السبعة ص 569.
(6/106)
وهذه كلّها على لفظ الغيبة ففيها ترجيح لمن
قرأ هذه التي في المؤمن «1» على لفظ الغيبة دون الخطاب.
وعباس عن أبي عمرو: أمري إلى الله [غافر/ 44] ساكنة الياء،
وروى اليزيدي وغيره عن أبي عمرو بفتح الياء «2».
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وأن يظهر [غافر/ 26]
بغير ألف.
[غافر: 26]
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: أو أن [غافر/ 26] بألف قبل الواو
«3».
قوله بألف يريد به: الهمزة التي في أو.
قال أبو علي: من قرأ أو أن يظهر، فالمعنى: أخاف هذا الضرب منه،
كما تقول: كل خبزا أو تمرا، أي: هذا الضرب، ومن قال: وأن يظهر
فالمعنى: إنّي أخاف هذين الأمرين منه «4» ومن قال:
أو أن يظهر في الأرض، فالأمران يخافان منه، كما أنّه إذا قال:
أكلت خبزا أو تمرا، أو أكلت خبزا وتمرا جاز أن يكون قد أكلهما
جميعا، كأنّه قال في أو: أكلت هذا الضرب من الطعام.
[غافر: 26]
اختلفوا في قوله عزّ وجل: يظهر [غافر/ 26] وفي رفع الفساد
[غافر/ 26] ونصبه.
فقرأ نافع وأبو عمرو: ويظهر بضم الياء في الأرض الفساد نصبا.
__________
(1) هي سورة غافر.
(2) السبعة ص 571.
(3) السبعة ص 569.
(4) في هذه الفقرة اضطراب من قوله: ومن قال: ... إلى نهايتها،
وحذفها لا يخل بالكلام
(6/107)
وقرأ ابن كثير وابن عامر: يظهر* منصوبة
الياء في الأرض الفساد رفعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: أو أن يظهر في
الأرض الفساد رفعا.
حفص عن عاصم أو أن يظهر برفع الياء في الأرض الفساد نصبا «1».
حجّة من قال يظهر أنّه أشبه بما قبله، لأنّ قبله: يبدل [غافر/
26] فأسند الفعل إلى موسى، وهم كانوا في ذكره، فكذلك وأن يظهر
في الأرض الفساد ليكون مثل يبدل، فيكون الكلام من وجه واحد،
ومن قال: وأن يظهر فإنّه أراد أنّه إذا بدّل الدين ظهر الفساد
بالتبديل، أو يكون أراد: أو يظهر في الأرض الفساد بمكان.
قال: حدّثني الخزاز قال حدّثنا محمد بن يحيى القطعي عن عبيد
[غافر: 28]
عن أبي عمرو: وقال رجل مؤمن [غافر/ 28] ساكنة الجيم.
وقرأ الباقون: رجل «2».
رجل ورجل وسبع وسبع، وعضد التحقيق على هذا النحو مستمر كثير.
[غافر: 27]
اختلفوا في إدغام الذّال من عذت [غافر/ 27] فقرأ ابن كثير
وعاصم وابن عامر عذت مبيّنة الذال، وفي الدخان [آية/ 20] مثله.
__________
(1) السبعة ص 569.
(2) السبعة ص 570.
(6/108)
قال محمد بن إسحاق عن أبيه، وقال القاضي عن
قالون، وأبو بكر بن أبي أويس وورش عن نافع كذلك: عذت غير
مدغمة.
وقال ابن جمّاز وإسماعيل عن نافع عذت مدغمة.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي مدغما «1».
الإدغام حسن لتقارب هذه الحروف، وأنّها كلّها من اللّسان وأصول
الثنايا، والبيان حسن لاختلاف حيز هذه الحروف، ألا ترى أنّ
الذّال ليست من حيز التاء، وإنّما الذال والتاء والظاء من
[حيز] «2» والدال والطاء من حيز؟ فحسن البيان لذلك. قال
سيبويه: حدّثنا من نثق به أنّه سمع من يقول: أخذت فيبين.
[غافر: 35]
قال: قرأ أبو عمرو وحده: على كل قلب متكبر [غافر/ 35] ينوّن
قلب. وقرأ الباقون: على كل قلب متكبر مضاف «3».
وجه قول أبي عمرو أنّه جعل التكبّر صفة للقلب، وإذا وصف القلب
بالتكبّر كان صاحبه في المعنى متكبّرا، وكأنّه أضاف التكبّر
إلى القلب كما أضاف الصّعر إلى الخدّ، في قوله: ولا تصعر خدك
للناس [لقمان/ 18] فكما يكون بتصعّر الخدّ متكبرا، كذلك يكون
التكبّر في القلب متكبر الجملة. وممّا يقوّي ذلك أنّ الكبر قد
أضيف إلى القلب في قوله: إن في صدورهم إلا كبر [غافر/ 56]
فالكبر في
__________
(1) السبعة ص 570.
(2) هنا فراغ في الأصل والأرجح أن تكون كلمة حيز كما أثبتناها.
(3) السبعة ص 570.
(6/109)
القلب، كالصغر في الخدّ، والثني في الجيد
في قوله:
« .. ثاني الجيد «1»».
وكذلك كإضافة الخضوع إلى أعناق فيمن جعل الأعناق جمع عنق الذي
هو العضو. فكما أنّ هذه الأمور إذا أضيفت إلى هذه الأعضاء،
ووصفت بها، كان الوصف شاملا لجملة
الشخص، كذلك التكبّر إذا أضيف إلى القلب يكون صاحبه به
متكبّرا. وكذلك إضافة الكتابة إلى اليد في قوله: فويل لهم مما
كتبت أيديهم [البقرة/ 79] فأمّا من أضاف فقال: على كل قلب
متكبر، فلا يخلو من أن يقدّر الكلام على ظاهره، أو يقدّر فيه
حذفا، فإن تركه على ظاهره كان المعنى: يطبع على كلّ قلب
متكبّر، أي: يطبع على جملة القلب من المتكبّر، وليس المراد
أنّه يطبع على كلّ قلبه فيعمّ الجميع بالطبع، إنّما المعنى
أنّه يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا، والطبع علامة في
جملة القلب، كالختم عليه، فإذا كان الحمل على الظاهر غير
مستقيم علمت أنّ الكلام ليس على ظاهره، وأنّه قد حذف منه شيء،
وذلك المحذوف إذا أظهرته كذلك، يطبع اللَّه على كلّ قلب، كلّ
متكبّر، فيكون المعنى: يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا، من
كلّ متكبّر، ويختم عليه، ويؤكّد ذلك أنّ في حرف ابن مسعود فيما
زعموا: على قلب كل متكبر، وإظهار كل* في حرفه يدلّ على أنّه في
حرف العامّة أيضا مراد وحسن كل* لتقدّم ذكرها، كما جاء ذلك في
قوله:
__________
(1) قطعة من بيت للشماخ، وتمامه:
نبّئت أن ربيعا أن رعى إبلا يهدي إلي خناه ثاني الجيد ديوانه
115 والكامل (ت. الدالي) ص 16، والاقتضاب 418، ومجاز القرآن 2/
46
(6/110)
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ونار توقّد بالليل
نارا «1» وفي قولهم: ما كلّ سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة «2».
فحذف كل* لتقدّم ذكرها وكذلك في الآية.
[غافر: 37]
قال: قرأ عاصم في رواية حفص: فأطلع [غافر/ 37] نصبا.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم فأطلع* رفعا «3».
من رفع فقال: لعلّي أبلغ فأطلع كان المعنى: لعلّي أبلغ ولعلّي
أطلع، ومثل هذه القراءة قوله: لعله يزكى أو يذكر [عبس/ 3، 4]
أي لعلّه يتزكّى، ولعلّه يتذكّر. وليس بجواب، ولكن المعنى أبلغ
فأطلع. ومن نصب جعله جوابا بالفاء لكلام غير موجب، كالأمر،
والنهي، ونحوهما ممّا لا يكون إيجابا، والمعنى: إنّني إذا بلغت
اطّلعت، ومثله: ألا تقع الماء فتسبح، أي ألّا تقع، وألا تسبح،
وإذا نصب كان المعنى: إنّك إذا وقعت سبحت.
[غافر: 37]
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: وصد عن السبيل [غافر/ 37] بضمّ
الصاد.
وقرأ الباقون: وصد* بفتح الصاد «4».
من قرأ: وصد عن السبيل بضمّ الصّاد فلأنّ ما قبله فعل مبني
__________
(1) البيت لأبي داود، انظر ديوانه/ 353، والكتاب 1/ 33، وشرح
أبيات المغني للبغدادي 5/ 190، والمحتسب 1/ 281.
(2) انظر مجمع الأمثال للميداني 2/ 282. والمعنى: يعني وإن
أشبه الولد أباه خلقا لم يشبهه خلقا.
(3) السبعة ص 571.
(4) السبعة ص 570.
(6/111)
للمفعول، فجعل ما عطف عليه مثله، والذي
قبله: وكذلك زين لفرعون سوء عمله [غافر/ 37].
ومن قال: وصدّ فبنى الفعل للفاعل، فلأنّ فرعون قد تقدّم ذكره،
وهو الصاد عن السبيل، ومن صدّه عن السبيل المستقيم والإيمان،
وعيده من آمن على إيمانهم في قوله: لأقطعن أيديكم وأرجلكم
[الأعراف/ 124، الشعراء/ 49] ونحو ذلك ممّا أوعدهموه لإيمانهم،
والمزيّن له سوء عمله، والصادّ له هم طغاة أصحابه والشيطان.
كما بيّن ذلك في الآية الأخرى في قوله: وزين لهم الشيطان
أعمالهم فصدهم [النمل/ 24] وممّا يقوّي بناء الفعل للفاعل:
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [محمد/ 1] وإن الذين كفروا
ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25] هم الذين كفروا وصدوكم [الفتح/
25] وكذلك وصد عن السبيل ينبغي أن يكون الفعل مبنيا منه للفاعل
مثل الآي الأخر.
قال: وصدّ عن السبيل، وصدّ عن الدين وقال: رأيت المنافقين
يصدون عنك صدودا [النساء/ 61] فيجوز أن يكون يصدّون هم عنك
ويجوز أن يكون يصدّون المسلمين عن متابعتك والإيمان بك فصدّ
وصددته، مثل رجع ورجعته، ونحوه.
[غافر: 46]
قال: وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو
عمرو الساعة ادخلوا [غافر/ 46] موصولة. وقرأ نافع وحمزة
والكسائي وعاصم في رواية حفص: أدخلوا بفتح الألف وكسر الخاء
«1».
__________
(1) السبعة ص 572.
(6/112)
قال أبو علي: القول: مراد في الوجهين
جميعا، كأنّه يقال:
أدخلوهم «1» ويقال: ادخلوا، فمن قال: أدخلوا كان آل فرعون
مفعولا بهم، وأشد العذاب مفعول ثان، والتقدير إرادة حرف الجر
ثم حذف، كما أنّك إذا قلت دخل زيد الدار كان معناه: في الدار.
كما أن خلافه الذي هو خرج كذلك في التعدّي. وكذلك قوله:
لتدخلن المسجد الحرام [الفتح/ 27].
ومن قال: ادخلوا آل فرعون [غافر/ 46] كان انتصاب آل فرعون على
النداء، ومعنى أشد العذاب، أنّه في موضع: مفعول به، وهو في
الاختصاص مثل المسجد الحرام، وحذف الجار فانتصب انتصاب المفعول
به، وحجّة من قال: ادخلوا* قوله: ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم
تحبرون [الزخرف/ 70] وادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46] ادخلوا
أبواب جهنم [غافر/ 76] وهذا النحو كثير.
وحجّة من قال: أدخلوا أنّهم أمر بهم فأدخلوا.
[غافر: 40]
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها
[غافر/ 40] بضم الياء. وقرأ عاصم في رواية أبي هشام عن يحيى
وابن عطارد عن أبي بكر عن عاصم: يدخلون* بضمّ الياء، وفي رواية
خلف وأحمد بن عمر الوكيعي عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يدخلون
بفتح الياء. حفص عن عاصم يفتح الياء:
يدخلون وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي: يدخلون بفتح
الياء.
__________
(1) في الأصل كتب الناسخ تحت كلمة (أدخلوهم) كلمة «قطع» مشيرا
إلى أن همزتها همزة قطع.
(6/113)
من حجّة من ضمّ الياء قوله: أن تلكم الجنة
أورثتموها بما كنتم [الأعراف/ 43] فإذا أورثوها أدخلوها.
وحجّة من قرأ يدخلون ادخلي في عبادي وادخلي جنتي «1» [الفجر/
29] فعلى هذا يدخلون.
[غافر: 60]
اختلفوا في فتح الياء من قوله عزّ وجلّ: سيدخلون جهنم داخرين
[غافر/ 60] وضمّها.
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، وأبو عمرو في رواية
عباس بن الفضل: سيدخلون جهنم مرتفعة الياء.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم وأبو عمرو في غير رواية عباس:
سيدخلون بفتح الياء «2».
يدلّ على سيدخلون قوله: ادخلوها بسلام آمنين [الحجر/ 46]
فادخلوا أبواب جهنم [النحل/ 29] فعلى هذا يكون:
سيدخلون.
فأمّا من قال، سيدخلون فهو من ادخلوا، ألا ترى أنّ الفعل مبني
للمفعول، وقد تعدّى إلى مفعول واحد، فهذا يدلّ على أنّه إذا
بني للفاعل تعدّى إلى مفعولين، فهذا على أدخلوا آل فرعون أشد
العذاب [غافر/ 46].
__________
(1) في الأصل زاد كلمة الجنّة بين ادخلي وجنّتي.
(2) السبعة ص 572.
(6/114)
[غافر: 52]
ابن كثير وأبو عمرو «1»: يوم لا تنفع [غافر/ 52] بالتاء.
وقرأ الباقون ينفع بالياء «2».
الوجهان حسنان لأنّ المعذرة والاعتذار بمعنى، كما أنّ الوعظ
والموعظة كذلك.
[غافر: 58]
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: قليلا ما تتذكرون [غافر/ 58] بتاءين،
والباقون بالياء «3».
التاء على: قل لهم قليلا ما تتذكرون، والياء على: أنّ الكفّار
قليلا ما يتذكرون، أي: يقلّ نظرهم فيما ينبغي أن ينظروا فيه
ممّا دعوا إليه.
__________
(1) في السبعة بعد أبو عمرو: وابن عامر.
(2) السبعة ص 572.
(3) السبعة ص 572.
(6/115)
|