الحجة للقراء السبعة

ذكر اختلافهم في سورة السّجدة «1»
[فصلت: 16]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: في أيام نحسات [16] الحاء موقوفة. والباقون: نحسات مكسورة الحاء «2».
قال أبو علي: النّحس كلمة تكون على ضربين: أحدهما: أن يكون اسما، والآخر: أن يكون وصفا، فممّا جاء فيه اسما مصدرا قوله: في يوم نحس مستمر [القمر/ 19] فالإضافة إليه تدلّ على أنّه اسم، وليس بوصف، لو كان وصفا لم يضف إليه لأنّ الصفة لا يضاف إليها الموصوف.
وقال المفسّرون في نحسات قولين، أحدهما: الشديد البرد، والآخر: أنّها المشئومة عليهم، فتقدير قوله: في يوم نحس مستمر: في يوم شؤم، وقالوا: يوم نحس ويوم نحس، فمن أضاف كان مثل ما في التنزيل من قوله: يوم نحس، ومن أجراه على الأول: احتمل أمرين: يجوز أن يكون جعله مثل فسل ورذل، ويجوز أن يكون وصف بالمصدر مثل رجل عدل. والنّحس: البرد، أنشد
__________
(1) هي سورة فصّلت.
(2) السبعة ص 576.

(6/116)


عن الأصمعي:
كأنّ سلافة عرضت لنحس يحيل شفيفها الماء الزلالا «1» أي: البرد.
فمن قال: في أيام نحسات فأسكن العين، أسكنها لأنّه صفة مثل غيلان، وصعبات، وخدلات «2». ويجوز أن يكون جمع المصدر، وتركه على الحكاية في الجمع، كما قالوا: دورة، وعدلة، قال أبو الحسن: لم أسمع في النّحس إلّا الإسكان، وإذا كان الواحد من نحو ذا مسكنا أسكن في الجمع، لأنّها صفة.
وقال أبو عبيدة: نحسات: ذوات نحوس «3».
فيمكن أن يكون من كسر العين جعله صفة من باب فرق ونزق، وجمع على ذلك إلّا أنّا لم نعلم منه فعلا كما علمنا من فرق، ولكن جعلوه صفة كما أنّ من أسكن فقال: نحسات أمكن أن يكون جعله كصعبات.
فلما كان ذلك صفة، كذلك يكون نحسات فيمن كسر العين، وفعل من أبنية الصفات إلّا إذا لم تعلم منه فعلا، وإن استدللت بخلافه الذي هو سعد، فقلت كما أن سعد على فعل، وجاء في التنزيل: وأما الذين سعدوا [هود/ 108] فكذلك النحس في القياس، وإن لم يسمع
__________
(1) البيت من قصيدة لابن أحمر في شعره ص 126، وانظر اللسان والتاج (نحس).
(2) الخدلة: العلة، الممتلئة.
(3) مجاز القرآن 2/ 197.

(6/117)


منه نحس ينحس، كما سمع سعد يسعد، فكأنّه استعمل على تقدير ذلك، كما أنّ فقيرا وشديدا استعملا على تقدير فعل وإن لم يستعمل فقر ولا شدد، فاستغني عنه بافتقر واشتدّ، وكذلك يكون نحس في قول من قال نحسات.

[فصلت: 19]
نافع وحده: ويوم نحشر [فصّلت/ 19] مع النون أعداء الله* بفتح الألف مع المدّ.
وقرأ الباقون: ويوم يحشر أعداء رفع «1».
حجة من قال نحشر: أنّه معطوف على قوله: ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18] وكذلك المعطوف عليه، يحسن أن يكون وفقه في لفظ الجميع. ويقوّيه قوله: يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا [مريم/ 85] وحشرنا عليهم كل شيء قبلا [الأنعام/ 111].
وحجّة من قال: يحشر أنّ قوله: ونجينا الذين آمنوا كلام قد تمّ، فلمّا تمّ الكلام استأنفوا، ولم يحملوا على نجينا، وقد قال: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم [الصافّات/ 22] فقالوا: يحشر، واختاروه على النّون في نحشر* لأنّ الحاشرين لهم هم المأمورون بقوله: احشروا، فلذلك لم يجعلوه وفق قوله: ونجينا الذين آمنوا وكلا الأمرين حسن،
ويقوّي قول من قال: يحشر فبنى الفعل للمفعول به، أنّه قد عطف عليه وهو قوله: فهم يوزعون [النمل/ 17].

[فصلت: 47]
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: من ثمرات من أكمامها [فصّلت/ 47] جماعة.
__________
(1) السبعة ص 576.

(6/118)


وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ثمرة* واحدة «1».
قوله: من ثمرة* إذا أفرد يدلّ على الكثرة، فإذا كان كذلك استغني به عن الجمع، ويقوّي الإفراد قوله: وما تحمل من أنثى [فاطر/ 11] فكما أفراد أنثى كذلك ينبغي أن يكون من ثمرة* مفردة.
وحجّة من جمع أنّ الجمع صحيح، والمعنى عليه، ألا ترى أنّه ليس يراد بها ثمرة دون ثمرة؟ إنّما يراد جميع الثمرات، وإذا كان كذلك، كان الجميع حسنا، وإن كان الإفراد قد يدلّ عليه، وليس الثمرة بواحد، كما أنّ قوله: وما تحمل من أنثى ليس بواحد، إنما هو أجناس الإناث، فكذلك يكون المراد أجناس الثمار.
وزعموا أنّ في حرف عبد اللَّه: وما تخرج من ثمرة من أكمامها وفي حرف أبيّ: من ثمرات من أكمامها.
وقوله: من ثمرات من أكمامها مثل قوله: فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها [فاطر/ 37] ولو كان من أكمامها: من أكمامهنّ، ومختلفا ألوانهنّ كان حسنا.

[فصلت: 44]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم:
أأعجمي [فصّلت/ 44]: ممدود.
عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي أأعجمي:
بهمزتين «2».
قال أبو علي: الأعجم الذي لا يفصح، من العرب كان أو من
__________
(1) السبعة ص 577.
(2) السبعة ص 576.

(6/119)


العجم، ألا ترى أنّهم قالوا: زياد الأعجم، لأنّه كانت في لسانه، وكان عربيا، وقالوا:
«صلاة النهار عجماء»
«1»، أي تخفى فيها القراءة ولا تبيّن،
«والعجماء جبار»
«2» لأنّها لا تبيّن عن أنفسها، كما يبيّن ذوو التعبير.
قال أبو يوسف: هي المنفلتة، لاجتماع الناس على تضمين السائق والقائد، ويجمع الأعجم على عجم، أنشد أبو زيد:
يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدّع «3» فالعجم جمع أعجم والمعنى: وأبغض صوت العجم صوت الحمار، لأنّ المضاف في أفعل بعض المضاف إليه، وصوت الحمار ليس بالعجم. فإذا لم يسغ حمل هذا الكلام على ظاهره علمت أن التقدير فيه ما وصفنا، وتسمي العرب من لم يبيّن كلامه من أي صنف كان من الناس أعجم، ومن ثمّ قال أبو الأحذر:
سلّوم لو أصبحت وسط الأعجم بالرّوم أو بالترك أو بالدّيلم «4»
__________
(1) رواه الحسن كما في النهاية لابن الأثير 3/ 187.
(2) هذه فقرة من حديث، نصّه:
«البئر جبار والمعدن جبار والعجماء جبار وفي الركاز الخمس»
، انظر مسند أحمد 2/ 228.
(3) البيت لذي الخرق الطهوي، سبق في 1/ 101 و 3/ 93، واللسان (عجم).
(4) البيت في اللسان (عجم). وفيه: أو فارس بدل أو بالترك. وبعده:
إذا لزرناك ولو بسلم

(6/120)


فقال: لو كنت وسط الأعجم، ولم يقل: العجم لأنّه جعل كلّ من لم يبيّن كلامه أعجم، وكأنّه قال: لو كنت وسط القبيل الأعجم.
والعجم خلاف العرب، ويقال: العجم والعجم كما يقال: العرب والعرب، والعجمي خلاف العربي، وهو منسوب إلى العجم كما أنّ العربي منسوب إلى العرب، وإنّما قوبل الأعجمي في الآية بالعربي، وخلاف العربي العجمي، لأنّ الأعجمي في أنّه لا يبين مثل العجمي عندهم، فمن حيث اجتمعا في أنّهما لا يبيّنان قوبل به العربي في قوله: أعجمي وعربي وينبغي أن يكون الأعجمي الياء فيه للنسب، تنسب إلى الأعجم الذي لا يفصح، وهو في المعنى كالعجمي، وإن كانا يختلفان في النسبة، فيكون الأعجمي عربيا، ويجوز أن يقال: رجل أعجميّ فيراد به ما يراد بالأعجم بغير ياء النسب، كما يقال: أحمر وأحمري، ودوّار. و: دوّاريّ «1» وقوله: ولو نزلناه على بعض الأعجمين [الشعراء/ 198] مما جمع على إرادة ياء النسب فيه، مثل النميرون والهبيرات، ولولا ذلك لم يجز جمعه بالواو والنون، ألا ترى أنّك لا تقول في الأحمر إذا كان صفة أحمرون؟ فإنّما جاز الأعجمون لما ذكرنا.
فأمّا الأعاجم فينبغي أن يكون تكسير أعجمي، كما كان المسامعة تكسير مسمعي، وقد استعمل هذا الوصف استعمال الأسماء، من ذلك قوله:
__________
(1) كلمة من رجز للعجّاج وتتمة البيت:
والدّهر بالإنسان دوّاريّ انظر ديوانه 1/ 480، والبيت مشهور في كتب النحو، انظر تخريجه في معجم شواهد العربية ص 561.

(6/121)


لأعجم طمطم «1» وقوله: وسط الأعجم «2» فيجوز لذلك أن يكون من باب الأجازع، والأباطح، وهذه الآية في المعنى كقوله: ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين [الشعراء/ 198 - 199]، فقوله: ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته [فصّلت/ 44] كأنّهم كانوا يقولون: لم تفصّل آياته، ولم تبيّن لأنّه أعجمي، فأمّا قوله: أعجمي وعربي، فالمعنى: المنزّل عليه أعجمي وعربي يرتفع كلّ واحد منهما بأنّه خبر مبتدأ محذوف، وقوله: أعجمي وعربي على وجه الإنكار منهم لذلك، كقوله في الأخرى: ما كانوا به مؤمنين [الشعراء/ 199].
ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر أعجمي على تخفيف الهمزة الثانية، وجعلها بين بين.
وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: أأعجمي بهمزتين «3».
وهذا على أصلهم في الهمزتين إذا التقتا، وتخفيفهم لهما.
__________
(1) قطعة من بيت لعنترة ونصّه:
تأوي له حزق النّعام كما أوت حزق يمانية لأعجم طمطم وهو من معلّقته المشهورة. انظر ديوانه/ 200، وانظر شرح المفصل لابن يعيش 9/ 49، واللسان (طمم)، ومعنى الطمطم: الذي لا يفصح شيئا. وحزق النعام: جماعاتها، واحدتها حزقة.
(2) سبق قريبا.
(3) السبعة ص 576.

(6/122)


[فصلت: 29]
وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: أرنا اللذين [فصّلت/ 29] ساكنة الراء.
حفص عن عاصم أرنا مثقّل، وقال هشام بن عمّار عن ابن عامر: أرنا اللذين خطأ، إنّما هو أرنا بكسر الراء.
وقرأ أبو عمرو بإشمام الراء الكسر.
أبو الربيع عن عبد الوارث عن أبي عمرو أرنا* ساكنة الراء.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي أرنا مثقل «1».
روي عن بعض المفسّرين في قوله: أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس [فصّلت/ 29] قال: إبليس، وابن آدم الذي قتل أخاه، فمن قرأ أرنا حذف الياء التي هي لام الفعل للوقف، وتحركت الرّاء لحركة الهمزة المحذوفة التي ألقيت على الرّاء.
ووجه أرنا* أنّه على لفظ كتف، وضحك، فخفّف الحركة، كما يخفّف كتف، فيقال كتف. ومثل ذلك قولهم:
أراك منتفخا «2» وأرنا فهو أفعلنا من رأيت التي يراد بها رؤية العين، يدلّ على ذلك أنّه قد تعدّى إلى مفعولين، فأحد المفعولين هو الذي كان يتعدّى رأيت إليه، وزاد الآخر للنقل بالهمزة، ولو كان النقل من المتعدّي إلى مفعولين لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين، ولم يجز الاقتصار على مفعولين.

[فصلت: 51]
ابن عامر: وناء بجانبه [فصّلت/ 51] مفتوحة النون
__________
(1) السبعة ص 576.
(2) هذا من رجز للعجّاج. سبق في 21/ 66، 408.

(6/123)


ممدودة، والهمزة بعد الألف، هذه رواية ابن ذكوان. وقال الحلواني عن هشام بن عمّار ونأى مثل أبي عمرو.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ونأى* في وزن نعا.
وقرأ حمزة والكسائي في رواية خلف عن سليم: ونأي مكسورة النون والهمزة وفي رواية أبي عمرو وغيره: نأي* بفتح النون، وإمالة الهمزة، وقرأ الكسائي بإمالة الهمزة والنون.
وروى اليزيدي ونأى* وزن نعا وعبد الوارث عن أبي عمرو ونأى بفتح النون وإمالة الهمزة.
عباس عن أبي عمرو ونأى* في وزن نعا «1».
قراءة ابن عامر: وناء مقلوب من نأى، لأنّه من نأيت، فقدّم اللّام إلى موضع العين، فصار وزنه فلع، ونأى على غير القلب. قال الشاعر:
أقول وقد ناءت بها غربة النّوى نوى خيتعور لا تشطّ ديارك «2» وقد جاء القلب في هذا النحو قال:
وكلّ خليل راءني فهو قائل من أجلك هذا هامة اليوم أو غد «3»
__________
(1) السبعة ص 576.
(2) البيت في اللسان (نيأ) (ختعر) أنشده يعقوب، الخيتعور: السراب الخادع، ونوى خيتعور: التي لا تستقيم.
(3) البيت لكثير. انظر اللسان (رأي).

(6/124)


وقال آخر:
تقرّب يخبو ضوؤه وشعاعه ومصّح حتى يستراء فلا يرى «1» وهو يستفعل من رأيت، قال:
وقد شاءنا القوم السراع فأوعبوا «2» وأما قول حمزة في رواية خلف عن سليم: ونأى* بكسر النون والهمزة فهذا على أنّه كسر الهمزة، لأنّ الهمزة عين، كما يقال رأي* مثل شهد أو يكون أمال فتحة الراء، وأتبعها بإمالة الهمزة، وهذا الوجه أشبه بكسر النون والهمزة، إنّما أميل فتحها، فكذلك تكون الرّاء، وفي رواية أبي عمر الدوري نأى* بفتح النون وإمالة الهمزة.
وأمّا قراءة الكسائي بإمالة الهمزة والنون، فهو على أنّه أمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة، وروى اليزيدي: نأى* في وزن نعا، ورواية عبد الوارث عن أبي عمرو نأي* بفتح النون وإمالة الألف، فهذا جعله بمنزلة نعا ورئي فيمن أمال.
__________
(1) البيت في اللسان (رأي).
(2) اللسان (شأي) بغير تتمة أو نسبة، قالوا: شاءني الشيء يشوؤني ويشيئني:
شاقني، مقلوب من شآني حكاه يعقوب، وأنشد ... البيت.

(6/125)