الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة الشورى
[الشورى: 3]
اختلفوا في فتح الحاء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: كذلك يوحي إليك
[3] فقرأ ابن كثير وحده: كذلك يوحى إليك مفتوحة الحاء.
وقرأ الباقون: كذلك يوحي إليك بكسر الحاء «1».
من قال: يوحي إليك* فبنى الفعل للمفعول به احتمل أمرين:
زعموا أنّ في التفسير أن هذه السورة قد أوحي إلى الأنبياء قبل،
فعلى هذا يجوز أن يكون يوحى إليك السورة كما أوحي إلى الذين من
قبلك، ويجوز أن يكون الجار والمجرور يقومان مقام الفاعل ويجوز
في قوله:
الله العزيز الحكيم [الشورى/ 3] أن يكون تبيينا للفاعل كقوله:
يسبح له فيها بالغدو والآصال [النور/ 36] ثم قال: رجال [النور/
37] كأنّه قيل: من يسبّح؟ فقال: يسبّح رجال، ومثله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة «2»
__________
(1) السبعة ص 580.
(2) صدر بيت وعجزه:
(6/126)
وممّا يقوّي بناء الفعل للمفعول به: ولقد
أوحي إليك وإلى الذين من قبلك [الزمر/ 65] وقوله وأوحي إلى نوح
[هود/ 36] وفي أخرى: فأوحينا إليه أن اصنع الفلك [المؤمنون/
27]. وأمّا من قرأ: يوحي إليك [الشوري/ 3] على بناء الفعل
للفاعل، فإنّ اسم اللَّه يرتفع بفعله، وما بعده يرتفع بالوصف.
[الشورى: 5]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: تكاد السموات يتفطرن من فوقهن
[الشورى/ 5].
فقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي: تكاد السموات بالتاء
يتفطرن بياء وتاء، وكذلك حفص عن عاصم إلا هبيرة، فإنّه روى عنه
ينفطرن بالنون مثل أبي عمرو.
وقرأ نافع والكسائي يكاد* بالياء، يتفطرن بياء وتاء.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تكاد بالتاء، ينفطرن
بالنون «1».
يقال: فطرته فانفطر، وانفطر مطاوع فطر. وفي التنزيل: الذي
فطرهن [الأنبياء/ 56]، وأمّا يتفطرن فمطاوع فطّرته فتفطّر،
ويقوّي ذلك ويوم تشقق السماء بالغمام [الفرقان/ 25]، فتشقق
مثل:
تفطّر، والمعنى والله أعلم: استعظام ما افتروه من ادّعاء
الولد، ودليل
__________
ومختبط مما تطيح الطوائح وقد استوفي تخرجه في شرح أبيات المغني
7/ 295.
قال البغدادي فيها: البيت من أبيات لنهشل بن حريّ رثى بها يزيد
بن نهشل ... ثم قال: ونسبت هذه الأبيات لغيره، واختلفوا فيه
أيضا.
(1) السبعة ص 580.
(6/127)
ذلك قوله في الأخرى: أن دعوا للرحمن ولدا
[مريم/ 91]، وقال قتادة: يتفطرن من عظمة اللَّه وجلاله، فهذا
يكون كقوله: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا
من خشية الله [الحشر/ 21] وبنحو هذا ممّا يراد به تعظيم الأمر.
فأمّا قوله: إذا السماء انفطرت [الانفطار/ 1] وإذا السماء
انشقت [الانشقاق/ 1] فليس كهذا المعنى، ولكن علم من أعلام
الساعة، وكلّ واحد من القراءة يكاد وتكاد حسن.
[الشورى: 25]
اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجل: ويعلم ما تفعلون
[الشورى/ 25].
فقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي بالتاء.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: يفعلون* بالياء «1».
حجّة الياء: قبله: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده [الشورى/
25]، ويعلم ما يفعلون، أي: ما يفعل عباده.
وحجة التاء: أنّ التاء تعمّ المخاطبين والغيب فتفعلون تقع على
الجميع، فهو في العموم مثل عباده.
[الشورى: 30]
وقرأ نافع وابن عامر: من مصيبة بما كسبت أيديكم [الشورى/ 30]
بغير فاء، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون: فبما «2»
__________
(1) السبعة في 580.
(2) السبعة في 581.
(6/128)
القول في ذلك أنّ ما أصاب من قوله: ما أصاب
من مصيبة يحتمل أمرين: يجوز أن يكون صلة ما*، يجوز أن يكون
شرطا في موضع جزم، فمن قدّره شرطا لم يجز حذف
الفاء فيه على قول سيبويه، وقد تأول أبو الحسن، بعض الآي على
حذف الفاء في جواب الشرط، وقال بعض البغداديين: حذف الفاء من
الجواب جائز، واستدلّ على ذلك بقوله: وإن أطعتموهم إنكم
لمشركون [الأنعام/ 121]. وإذا كان صلة فالإثبات والحذف جائزان
على معنيين مختلفين، أمّا إذا أثبت الفاء ففي إثباتها دليل على
أنّ الأمر الثاني وجب بالأوّل، وذلك نحو قوله: الذين ينفقون
أموالهم بالليل والنهار [البقرة/ 274] ثمّ قال: فلهم أجرهم عند
ربهم [البقرة/ 274] فثبات الفاء يدلّ على أنّ وجوب الأجر إنّما
هو من أجل الإنفاق، ومثل ذلك قوله: وما بكم من نعمة فمن الله
[النحل/ 53] فإذا لم يذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب
للأوّل، وجاز أن يكون لغيره، والأولى إذا كان جزاء غير جازم أن
تثبت الفاء كقوله: ما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من
سيئة فمن نفسك [النساء/ 79]، وهذا قريب في المعنى من قوله: ظهر
الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي
عملوا [الروم/ 41] أي جزاء بعض ذلك، وليس ما للحسنة والسيّئة
المذكورتين هنا المكتسبتين، وإنّما يراد بهما الشّدّة
والرّخاء، كما قال: فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه، وإن
تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه [الأعراف/ 131] وكقوله: إن
تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا [التوبة/ 50] فهذا كما
حكي عنهم من قولهم: وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء
[الأعراف/ 95].
(6/129)
[الشورى: 32]
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: ومن آياته الجواري [الشورى/
32] بياء في الوصل، ووقف ابن كثير: بياء، ونافع وأبو عمرو:
بغير ياء.
وقرأ الباقون: بغير ياء في وصل ولا وقف «1».
القياس: الجواري في الوصل والوقف كما ذهب إليه ابن كثير، ومن
حذف فلأنّ حذف هذه الياءات وإن كانت لاما، قد كثر في كلامهم،
فصار كالقياس المستمرّ، وقد مضى القول فيه.
[الشورى: 35]
اختلفوا في رفع الميم ونصبها من قوله: ويعلم الذين يجادلون في
آياتنا [الشورى/ 35].
فقرأ نافع وابن عامر: ويعلم الذين* برفع الميم.
وقرأ الباقون: ويعلم الذين نصبا «2».
ومن قرأ ويعلم الذين يجادلون بالرفع، استأنف لأنّه موضع
استئناف من حيث جاء من بعد الجزاء، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ
محذوف، وأمّا من نصب: فلأنّ قبله شرطا وجزاء، وكلّ واحد منهما
غير واجب، تقول في الشرط: إن تأتني وتعطيني أكرمك. فتنصب
تعطيني، وتقديره: إن يكن منك إتيان وإعطاء أكرمك، فالنصب بعد
الشرط إذا عطفت عليه بالفاء أمثل من النصب بالفاء بعد جواب
الشرط فأمّا قوله:
__________
(1) السبعة ص 581.
(2) السبعة ص 581.
(6/130)
ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة فيثبتها في
مستوى الأرض يزلق «1» والنصب فيه حسن لمكان النفي. فأمّا العطف
على الشرط نحو:
إن تأتني وتكرمني فأكرمك، فالذي يختار سيبويه في العطف على
جزاء الشرط الجزم فيختار ويعلم الذين يجادلون إذا لم يقطعه من
الأوّل فيرفعه، ويزعم أن المعطوف على جزاء الشرط شبيه بقول
القائل:
وألحق بالحجاز فأستريحا «2» قال: إلّا أن ما ينصب في العطف على
جزاء الشرط أمثل من ذلك، لأنّه ليس يوقع فعلا إلّا بأن يكون من
غيره فعل فصار بمنزلة الهواجس، وزعم سيبويه أن بعضهم قرأ:
يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء [البقرة/ 284] وأنشد للأعشى في
نصب ما عطف بالفاء على الجزاء «3»:
ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا
__________
(1) البيت لكعب بن زهير.
انظر الكتاب 1/ 447، المقتضب 2/ 23، 67.
(2) عجز بيت للمغيرة بن حبناء صدره:
سأترك منزلي لبني تميم وهو من شواهد النحو. وقد استوفي تخريجه
في شرح أبيات المغني 4/ 114 - 116.
(3) البيتان للأعشى وقد ورد البيت الأول في ديوانه ملفقا من
بيتين، فانظره فيه/ 113 وهما في الكتاب 1/ 449 والمقتضب 2/ 22،
واللسان/ كبكب/ وقال: كبكب: اسم جبل بمكّة، وأنشد بيتي الأعشى
كما هنا.
(6/131)
وتدفن منه الصّالحات وإن يسئ يكن ما أساء
النار في رأس كبكبا فهذا حجّة لمن قرأ: ويعلم الذين يجادلون في
آياتنا بالنصب.
[الشورى: 37]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عزّ وجلّ: كبائر الإثم
[الشورى/ 37].
فقرأ حمزة والكسائي: كبير الإثم واحد بغير ألف، وفي النجم
مثله.
وقرأ الباقون: كبائر بالألف فيهما «1».
حجّة الجمع قوله: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر [النساء/
31] فهذه يراد بها تلك الكبائر المجموعة التي تكفّر باجتنابها
السيئات التي هي الصغائر.
ويقوّي الجمع أن المراد هنا اجتناب تلك الكبائر المجموعة في
قوله: كبائر ما تنهون عنه، وإذا أفرد جاز أن يكون المراد
واحدا، وليس المعنى على الإفراد، وإنّما المعنى على الجمع
والكثرة، ومن قال: كبير* فأفرد، فإنّه يجوز أن يريد بها الجمع،
وإن جاز أن يكون واحدا في اللّفظ، وقد جاءت الآحاد في الإضافة،
يراد بها الجمع كقوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
[إبراهيم/ 34] وفي الحديث: «منعت العراق درهما وقفيزها» «2».
__________
(1) السبعة ص 581.
(2) قطعة من حديث رواه مسلم في الفتن رقم 2896 وأبو داود في
الإمارة رقم 3035 وأحمد 2/ 262. والقفيز: مكيال لأهل العراق
يعادل 12 صاعا.
(6/132)
[الشورى: 51]
اختلفوا في رفع اللّام وإسكان الياء من قوله عزّ وجلّ: أو يرسل
رسولا فيوحي [الشورى/ 51].
فقرأ نافع وابن عامر: أو يرسل* برفع اللّام فيوحي ساكنة الياء.
وقال ابن ذكوان في حفظي عن أيوب: أو يرسل رسولا فيوحي نصب
جميعا.
وقرأ الباقون: أو يرسل رسولا فيوحي نصب جميعا «1».
قال أبو علي: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء
حجاب أو يرسل [الشورى/ 51] لا يخلو قوله يرسل فيمن نصب من أن
يكون محمولا على أن* في قوله: أن يكلمه الله إلا وحيا، أو على
غيره، فلا يجوز أن يكون محمولا على أن*، لأنّك إن حملتها عليها
كان المعنى: ما كان لبشر أن يكلّمه، أو أن يرسل رسولا، ولم يخل
قوله أو يرسل رسولا من أن يكون المراد فيه: أو يرسله رسولا، أو
يكون: أو يرسل إليه رسولا، ولا يصحّ واحد من التقديرين، ألا
ترى أنّك إن قدّرت العطف على أن* هذه المظهرة في قوله: أن
يكلّمه الله، كان المعنى: ما كان لبشر أن يرسله رسولا، أو يرسل
إليه رسولا، والتقديران جميعا فاسدان، ألا ترى أن كثيرا من
البشر قد أرسل رسولا، وكثيرا منهم قد أرسل إليهم الرسل، فإذا
لم يخل من هذين التقديرين، ولم يصحّ واحد منهما، علمت أنّ
المعنى ليس عليه، والتّقدير على غيره، فالذي عليه المعنى،
والتّقدير الصّحيح: ما ذهب إليه الخليل من أن يحمل يرسل فيمن
نصب على أن* أخرى
__________
(1) السبعة ص 582.
(6/133)
غير هذه، وهي التي دلّ عليه قوله: وحيا
لأنّ أن يوحي والوحي قد يكونان بمعنى، فلمّا كان كذلك حملت
يرسل من قوله أو يرسل رسولا على أن* هذه التي دلّ الوحي عليها،
فصار التقدير: ما كان لبشر أن يكلّمه الله إلّا أن يوحي وحيا،
أو يرسل رسولا فيوحي، ويجوز في قوله: إلا وحيا أمران: أحدهما:
أن يكون استثناء منقطعا، والآخر أن يكون حالا، فإن قدّرته
استثناء منقطعا لم يكن في الكلام شيء يوصل بمن، لأنّ ما قبل
الاستثناء لا يعمل فيما بعده، ولذلك حملوا قول الأعشى:
ولا قائلا إلّا وهو المتعيّبا «1» على فعل آخر، وإنما لم
يستجيزوا ذلك، لأنّ حرف الاستثناء في معنى حرف النفي، ألا ترى
أنّك إذا قلت: قام القوم إلّا زيدا، فالمعنى قام القوم لا زيد؟
فكما لا يعمل ما في قبل حرف النفي فيما بعده، كذلك لم يعمل ما
قبل الاستثناء إذا كان كلاما تامّا فيما بعده، إذ كان بمعنى
النفي، وكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد إلّا فيما قبلها نحو: ما
أنا الخبز إلّا آكل، كما لم يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله،
فإذا كان كذلك لم يتصل الجارّ بما قبل إلّا، ويمنع أن يتصل به
الجار من وجه آخر، وهو أن قوله: أو من وراء حجاب [الشورى/ 51]
في صلة وحي الذي هو بمعنى أن يوحي فإذا كان كذلك لم يجز أن
يحمل الجارّ الذي هو من في قوله: أو من وراء حجاب على أن يرسل،
لأنّه يفصل بين الصّلة والموصول بما ليس منها، ألا ترى أنّ
__________
(1) عجز بيت للأعشى صدره:
وليس مجيرا إن أتى الحيّ خائف انظر ديوانه/ 113.
(6/134)
المعطوف على الصلة في الصلة؟ فإذا حملت
العطف على ما ليس في الصلة، فصلت بين الصّلة والموصول بالأجنبي
الذي ليس منهما، فإذا لم يجز حمله على يكلّم في قوله: ما كان
لبشر أن يكلمه الله [الشورى/ 51] ولم يكن بدّ من أن يعلّق
الجارّ بشيء، ولم يكن في اللّفظ شيء تحمله عليه، أضمرت يكلم
وجعلت الجار في قوله: أو من وراء حجاب متعلقا بفعل مراد في
الصّلة محذوف منها للدلالة عليه، وقد تحذف من الصّلة أشياء
للدّلالة عليها، ويكون في المعنى معطوفا على الفعل المقدّر صلة
لأن الموصولة بيوحي، فيكون التقدير:
ما كان لبشر أن يكلّمه إلّا أن يوحي إليه، أو يكلّمه من وراء
حجاب، فحذف يكلّم من الصّلة لأنّ ذكره قد جرى، وإن كان خارجا
عن الصّلة فحسّن ذلك حذفه من الصّلة وسوّغه، ألا ترى أنّ ما
قبل حرف الاستفهام مثل ما قبل الصّلة في أنّه لا يعمل في الصلة
كما لا يعمل ما قبل الاستفهام فيما كان في حيّز الاستفهام؟ وقد
جاء الان، وقد عصيت [يونس/ 91] والمعنى: آلآن آمنت وقد عصيت
قبل، فلما كان ذكر الفعل قد جرى في الكلام أضمر، وقال: آلآن،
وقد كنتم به تستعجلون [يونس/ 51] المعنى: الآن آمنتم به فلمّا
جرى ذكر آمنتم به قبل استغني بجري ذكره قبل عن ذكره في حيّز
الاستفهام، وصار كالمذكور في اللّفظ، ألا ترى أنّ الاسم الواحد
لا يستقل به الاستفهام؟ ولا يجوز أن يقدّر عطف أو من وراء حجاب
على الفعل الخارج من الصّلة فيفصل بين الصّلة والموصول
بالأجنبي منهما، كما فصل ذلك في قوله: إلا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس [الأنعام/ 145] ثم قال: أو فسقا
أهل لغير الله به [الأنعام/ 145] فعطف بأو على ما في الصّلة
بعد ما فصل بين الصّلة
(6/135)
والموصول بقوله: فإنه رجس لأنّ قوله: فإنه
رجس من الاعتراض الذي يسدّد ما في الصّلة، ويوضّحه، فصار لذلك
بمنزلة الصّفة لما في الصّلة من التبيين والتخصيص، ومثل هذا في
الفصل في الصّلة قوله والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها
وترهقهم [يونس/ 27] ففصل بقوله: جزاء سيئة بمثلها وعطف قوله:
وترهقهم ذلة على الصّلة مع هذا الفصل من حيث كان قوله: جزاء
سيئة بمثلها يسدّد ما في الصّلة. وأمّا من رفع فقال: أو يرسل
رسولا فجعل يرسل حالا، فإنّ الجارّ في قوله: أو من وراء حجاب
متعلق بمحذوف، ويكون في الظرف ذكر من ذي الحال، ويكون قوله:
إلا وحيا على هذا التّقدير: مصدرا وقع موقع الحال، كقولك: جئتك
ركضا، وأتيتك «1» عدوا، ويكون في أنّه مع ما انجرّ به في موضع
الحال كقوله: ومن الصالحين [آل عمران/ 46] بعد قوله: ويكلم
الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين فكما أن «من» هنا في موضع
الحال كذلك في قوله: أو من وراء حجاب [الشورى/ 51] ومعنى: أو
من وراء حجاب فيمن قدّر الكلام استثناء منقطعا أو حالا:
يكلّمهم غير مجاهر لهم بكلامه، يريد أنّ كلامه يسمع ويحدث من
حيث لا يرى، كما يرى سائر المتكلمين، إذ ليس ثمّ حجاب يفصل
موضعا من موضع فيدلّ ذلك على تحديد المحجوب. ومن رفع يرسل*،
كان يرسل في موضع نصب على الحال، والمعنى: هذا كلامه إيّاهم،
كما تقول: تحيتك الضرب، وعتابك السيف، فإن قلت: فهل يجوز في
قول من نصب فقال: أو يرسل أن يكون في موضع حال، وقد انتصب
الفعل بأن
__________
(1) كتب في (ط) فوق جئتك: جئت وفوق أتيتك: أتيت. كأنه إشارة
إلى نسخة أخرى.
(6/136)
المضمرة وأن لا تكون حالا، قيل: قد كان على
هذا يجوز أن يكون حالا، وذلك على أن تقرر الجار، وتريده وإن
كان محذوفا من اللّفظ، ألا ترى أنّ أبا الحسن قد قال في قوله:
وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله [البقرة/ 246] وما لكم أن لا
تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه [الأنعام/ 119] أنّ المعنى: وما
لكم في أن لا تأكلوا، وأنّه في موضع حال، كما أنّ قوله: فما
لهم عن التذكرة معرضين [المدّثر/ 49] حال فكذلك فقد كان يجوز
في قول من نصب أو يرسل أن يكون في موضع الحال، ويكون التقدير:
بأن يرسل، فحذف الجارّ مع أن.
(6/137)
|