الحجة للقراء السبعة ذكر اختلافهم في
سورة الزخرف
[الزخرف: 5]
اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله عزّ وجلّ: صفحا أن كنتم
[الزخرف/ 5] فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
صفحا أن كنتم نصبا.
وقرأ حمزة ونافع والكسائي: إن كنتم* كسرا «1».
من قال: أن كنتم فالمعنى: لأن كنتم، فأمّا صفحا فانتصابه من
باب: صنع الله [النمل/ 88] لأنّ قوله: أفنضرب عنكم الذكر
[الزخرف/ 5] يدلّ على: أنصفح عنكم صفحا؟ وكأن قولهم:
صفحت عنه أي: أعرضت، وولّيته صفحة العنق، والمعنى: أفنضرب عنكم
ذكر الانتقام منكم والعقوبة لكم، لأن كنتم قوما مسرفين؟ وهذا
يقرب من قوله: أيحسب الإنسان أن يترك سدى [القيامة/ 36] والكسر
على أنه جزاء استغني عن جوابه بما تقدّمه مثل: أنت ظالم إن
فعلت، كأنّه: إن كنتم قوما مسرفين نضرب.
__________
(1) السبعة ص 584.
(6/138)
[الزخرف: 18]
اختلفوا في ضمّ الياء والتّشديد وفتحها والتخفيف من قوله عزّ
وجلّ: أومن ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18].
فقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: ينشأ برفع الياء
والتشديد.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: ينشأ بفتح الياء والتخفيف «1».
يقال: نشأت السّحابة، ونشأ الغلام، فإذا نقل بالهمزة هذا الفعل
تعدّى إلى مفعول، وعامّته بالهمزة، كقوله: وينشىء السحاب
الثقال [الرعد/ 12] ثم أنشأنا خلقا آخر [المؤمنون/ 14] وأنشأنا
بعدها قوما «2» [الأنبياء/ 11] وهو الذي أنشأ جنات معروشات
[الأنعام/ 141] والأكثر في هذه الأفعال التي تتعدّى إذا أريد
تعديته أن ينقل بالهمزة، وبتضعيف العين نحو: فرح، وفرحته،
وأفرحته، وغرم وغرّمته وأغرمته، وقد جاء منه شيء بتضعيف العين
دون الهمزة، وذلك قولك: لقيت خيرا، ولقانيه زيد، ولا تقول:
ألقانيه زيد، إنّما تقول:
لقّانيه، وعلى هذا قوله: ويلقون فيها تحية وسلاما [الفرقان/
75] ولقاهم نضرة وسرورا [الإنسان/ 11] ولم نعلم من هذا المعنى:
ألقيته عمرا، إنّما يقال: لقيته عمرا، فأمّا قولهم: ألقيت
متاعك بعضه على بعض، فليس بمنقول من لقي بعض متاعك على بعضه،
ولو كان منه وجب أن يزيد النقل مفعولا، وفي النقل بالهمزة لم
يزد مفعولا،
__________
(1) السبعة ص 584.
(2) هذه الآية من سورة الأنبياء/ 11، وقد اشتبهت على المؤلف
فأثبتها قرنا بدل قوما.
(6/139)
إنّما تعدى إلى المفعول الثاني بالحرف في
قولك: ألقيت متاعك بعضه على بعض، فألقيت بمنزلة أسقطت، وليس
بمنقول من لقي بالدّلالة التي ذكرنا، فيجوز أن يكون نشأ من
ذلك، لأنّا لم نعلم منشّئ، كما جاء: بلغ وأبلغ، ونجّى وأنجى،
فإذا كان كذلك، فالأوجه إنّما هو:
أو من ينشأ في الحلية فيكون أفعل من أفعلت.
ومن قال، ينشأ فهو في القياس مثل فرّح وأفرح، وغرّم وأغرم، وإن
عزّ وجود ذلك في الاستعمال وموضع «من» نصب على تقدير:
اتخذوا له من ينشأ في الحلية، على وجه التقريع لهم بما افتروه
كما قال: أم له البنات ولكم البنون [الطور/ 39] فنسبوا إلى
القديم سبحانه ما يكرهونه، ومن لا يكاد يقوم بحجّته أو
يستوفيها.
[الزخرف: 19]
اختلفوا في الباء والنون من قوله عزّ وجلّ: عباد الرحمن
[الزخرف/ 19]. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: عند الرحمن*
بالنون.
وقرأ الباقون: عباد الرحمن بالباء «1».
حجّة من قال: عند الرحمن*، قوله: ومن عنده لا يستكبرون عن
عبادته [الأنبياء/ 19] وقوله: إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن
عبادته [الأعراف/ 206] وحجّة من قال عباد قوله: بل عباد مكرمون
[الأنبياء/ 26] فقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا، وفي قوله:
عند الرحمن* دلالة على رفع المنزلة والتقريب، كما قال: ولا
الملائكة المقربون [النساء/ 172] وهذا من القرب في المنزلة
والرفعة
__________
(1) السبعة ص 585.
(6/140)
في الدرجة، وليس من قرب المسافة وفي قوله:
عباد الرحمن دلالة على تكذيبهم في أنّهم بنات، كما قال: أم
خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون [الصافّات/ 150]
[الزخرف: 19]
وقرأ نافع وحده: أاشهدوا «1» [الزخرف/ 19] بضمّ الألف مع فتحة
الهمزة من أشهدوا. المفضل عن عاصم مثل نافع، وروى خلف وابن
سعدان عن المسيبي عن نافع آشهدوا ممدودة من أشهدت.
والباقون لا يمدّون أشهدوا من شهدت «2» قوله: بضمّ الألف مع
فتحة الهمزة يعني أنّ الفعل أشهدوا* على أفعلوا بضمّ الهمزة
وسكون الشين، وقبلها همزة الاستفهام مفتوحة ثم يخفّف الهمزة
الثانية من غير أن يدخل بينهما ألفا كما يفعله أبو عمرو، والذي
رواه المسيبي مثل ذلك، إلّا أنّه يدخل بينهما ألفا «3».
قال أبو علي: إنّ قولهم شهدت فعل استعمل على ضربين:
أحدهما يراد به: حضرت، والآخر: العلم، فالذي معناه الحضور
يتعدّى إلى مفعول، يدلّ على ذلك قوله:
لو شهد عادا في زمان عاد «4»
__________
(1) جاء رسمها في السبعة وفق قراءتها: (أو شهدوا).
(2) السبعة ص 585.
(3) أي يقرؤها: (أو شهدوا).
(4) صدر بيت من الرجز عجزه:
لابتزّها ... مبارك الجلاد
والمعنى: لو شهد هذا الممدوح في الحرب عادا على قوتها لظهر:
(6/141)
وقوله:
ويوم شهدناه سليما وعامرا «1» فتقدير هذا شهدنا فيه سليما، ومن
ذلك قوله:
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة يد الدّهر إلّا جبرئيل أمامها «2»
فهذا محذوف المفعول، التقدير فيه: شهدنا المعركة، أو شهدنا من
تجمّع لقتالنا. ومنه قوله:
فقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبة إلّا عضّها بالأباهم «3»
فهذا الضرب المتعدّي إلى مفعول واحد، إذا نقل بالهمزة تعدّى
إلى مفعولين، تقول: شهد زيد المعركة وأشهدته إياها، ومن ذلك:
ما أشهدتهم خلق السموات [الكهف/ 51] فلما نقل شهد بالهمز صار
الفاعل مفعولا أولا، والتّقدير: ما أشهدتهم فعلي، والفعل في
أنّه مفعول ثان، وإن كان غير عين، مثل زيد ونحوه من أسماء
الأعيان
__________
عليها وفاز بمعظم الحرب دونها. ومعنى ابتزها: سلبها. انظر
الكتاب لسيبويه 2/ 27 وهذا البيت من الخمسين بيتا التي لم يعرف
قائلها.
(1) صدر بيت لم يعرف قائله، عجزه:
قليلا سوى الطعن النهال نوافله وهو من شواهد المغنى انظر شرحه
وتخريجه في شرح أبيات المغني للبغدادي 7/ 84.
(2) البيت لحسان بن ثابت في ملحقات ديوانه 1/ 522 وينسب البيت
لكعب بن مالك انظر الخزانة 1/ 199، واللسان والتاج/ جبر/.
(3) البيت للفرزدق، انظر ديوانه 2/ 855، المقتضب 4/ 90.
(6/142)
المختصّة. وقالوا: امرأة مشهد، إذا كان
زوجها شاهدا لم يخرج في بعث من غزو وغيره، وامرأة مغيب: إذا لم
يشهد زوجها.
فكأنّ المعنى: ذات غيبة لوليّها، وذات شهادة، والشّهادة خلاف
الغيبة قال: عالم الغيب والشهادة [الأنعام/ 73] فهذا في المعنى
مثل قوله: ويعلم ما تخفون وما تعلنون [النمل/ 25] ويعلم سركم
وجهركم [الأنعام/ 3]. وأمّا شهدت الذي بمعنى علمت فيستعمل على
ضربين: أحدهما: أن يكون قسما، والآخر: أن يكون غير قسم،
فاستعمالهم له قسما، كاستعمالهم: علم الله ويعلم الله، قسمين
فتقول: علم الله لأفعلنّ، فتتلقاه بما تتلقّى به الأقسام،
وأنشد سيبويه:
ولقد علمت لتاتينّ منيّتي إنّ المنايا لا تطيش سهامها «1»
وحدّثنا أبو الحسن عبيد الله بن الحسن أنّ محمدا قال: إنّ زفر
كان يذهب إلى أنّه إذا قال: أشهد بالله كان يمينا، فإن قال:
أشهد، ولم يقل بالله لم يره قسما. أبو الحسن وقال محمد: أشهد
غير موصولة بقوله بالله مثل أشهد موصولة بقولك بالله في أنّه
يمين، قال: واستشهد محمد على ذلك بقوله قالوا نشهد إنك لرسول
الله [المنافقون/ 1] ثم قال: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون
اتخذوا أيمانهم جنة [المنافقون/ 1، 2] فجعله يمينا، ولم يوصل
بقوله بالله. وأمّا شهدت الذي يراد به علمت ولا يراد به العلم
«2» فهو ضرب من العلم مخصوص
__________
(1) نسبه سيبويه للبيد 1/ 456، ورواية الديوان ص 171 كما يلي:
صادفن منها غرّة فأصبنها إنّ المنايا لا تطيش سهامها
(2) كذا الأصل والأظهر أن تكون القسم.
(6/143)
فكلّ شهادة علم وليس كلّ علم شهادة، وممّا
يدلّ على اختصاصه بالعلم بأنّه لو قال عند الحاكم: أعلم أنّ
لزيد على عمرو عشرة، لم يحكم به حتى يقول: أشهد، فالشهادة مثل
التيقّن في أنّه ضرب من العلم مخصوص، فليس كلّ علم تيقّنا، وإن
كان كلّ تيقّن علما، وكأنّ التيقّن هو العلم الذي قد عرض
لعالمه إشكال فيه. يبيّن ذلك قوله في قصّة إبراهيم: وليكون من
الموقنين [الأنعام/ 75] ويبيّن ذلك قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن أما جزاء العالم المستيقن عندك إلّا
حاجة التّفكّن «1» فوصف العالم بالمستيقن.
وقالوا: فلو لم تكن في المستيقن زيادة معنى لم يكن في الوصف
الأوّل، ولم يحسن هذا الكلام، وكان غير مفيد. وهذا كقول زهير:
فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم «2» ثمّ قال:
فلمّا عرفت الدّار قلت لربعها أي: عرفتها بعد إشكال امرها،
والتباسها عليّ، وعلى هذا قول
__________
(1) سبق في 1/ 258، 259.
(2) عجز بيت لزهير في معلقته صدره:
وقفت بها من بعد عشرين حجّة وقد سبق في 1/ 257.
(6/144)
الآخر «1»:
حيّوا الدّيار وحيّوا ساكن الدّار ما كدت أعرف إلّا بعد إنكار
وكأنّ معنى: أشهد أيّها الحاكم على كذا وكذا، أي أعلمه علما
يحضرني. وقد تذلّل لي، فلا أتوقف عنه ولا أتثبت فيه لوضوحه
عندي، وتبيّنه، وليس كذلك سبيل المعلومات كلّها، ألا ترى أنّ
منها ما يحتاج إلى توقف فيه، واستدلال عليه، وتنزيل له، ويدلّ
على أنّ هذه الشهادة يراد بها المعنى الزائد على العلم أنّه لا
يخلو من أن يكون العلم مجردا ممّا ذكرنا، أو مقترنا بما وصفنا
من المعاني، فالّذي يدلّ على أنّه المقترن بالمعاني التي ذكرنا
قوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [الزخرف/ 86]، وقوله: وما
شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81].
فلو كان معنى «شهد» العلم خاليا من هذه المعاني لكان المعنى:
وما علمنا إلّا بما علمنا، وإلّا من علم بالحقّ وهم يعلمون،
فإذا لم يتّجه حمله على هذا علم أنّ معناه ما ذكرنا. وشهد في
هذا الوجه يتعدّى بحرف جرّ، فتارة يكون الباء وأخرى يكون على*،
فمما يتعدّى بعلى قوله: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا [فصّلت/
21] وقوله: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم [فصّلت/ 20] ويوم تشهد
عليهم ألسنتهم [النور/ 24] شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة
الدنيا وشهدوا على أنفسهم [الأنعام/ 130] ومن التعدّي بالباء
قوله: وما شهدنا إلا بما علمنا [يوسف/ 81] وإلا من شهد بالحق
__________
(1) لم نقف عليه.
(6/145)
[الزخرف/ 86] وقوله: أربع شهادات بالله
[النور/ 6] فإذا نقل بالهمزة زاد بالهمزة مفعول كسائر الأفعال
المتعدية إذا نقلت بالهمزة، قال: وأشهدهم على أنفسهم ألست
بربكم قالوا بلى شهدنا [الأعراف/ 172] فأمّا قوله: أشهدوا
خلقهم [الزخرف/ 19] فمن الشهادة التي هي الحضور، كأنّهم بّخلوا
على أن قالوا ما لم يحضروا ممّا حكمه أن يعلم بالمشاهدة. ومن
قال: أأشهدوا خلقهم فالمعنى:
أأحضروا ذلك، وكان الفعل يتعدّى إلى مفعولين قبل النقل فلمّا
بني للمفعول به نقص فتعدّى الفعل إلى مفعول واحد، ويقوّي هذه
القراءة قوله: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم
[الكهف/ 51] فتعدّى إلى مفعولين لمّا بني الفعل للفاعل. فأمّا
قوله:
إني أشهد الله واشهدوا أني بريء [هود/ 54] فعلى إعمال الثاني،
كما أنّ قوله: آتوني أفرغ عليه قطرا [الكهف/ 96] كذلك،
والتقدير: إنّي أشهد الله إنّي بريء. واشهدوا أنّي بريء، فحذف
المفعول الأوّل على: ضربت وضربني زيد، وهذا منقول من شهد بكذا،
إلّا أن حرف الجر يحذف مع أنّ وأن، فأمّا الباء في قوله:
أشهد بالله فهي متعلقة بهذا الظاهر، كما أنّ قوله: أحلف بالله،
وأقسم بالله، يتعلق الجارّ فيه بهذا الظاهر. فإن قلت: فلم لا
يكون الجار فيه معلقا بمحذوف كأنّه قال: أشهد بقوة الله، فيكون
الجارّ فيه كالّذي في قوله: حضرت بسلاحي، وشهدت بقوتي، فإنّ ما
تقدّم أولى من هذا، ألا ترى أنّك تقول: أشهد وأشهد بالله كما
تقول: أحلف وأحلف بالله، وأقسم وأقسم بالله؟ فكما أنّك في هذا
تعلق الجارّ بالظّاهر كذلك في أشهد تعلقه به. وقال: ونزعنا من
كل أمة شهيدا [القصص/ 75] فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا
بك على هؤلاء [النساء/ 41]
(6/146)
وقال: لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدا [البقرة/ 143] فشهداء جمع شهيد، كفقيه
وفقهاء، وظريف وظرفاء، فأمّا قوله: ويقول الأشهاد هؤلاء الذين
كذبوا على ربهم [هود/ 18] فيجوز أن يكون الأشهاد جمع شاهد مثل:
صاحب وأصحاب. وطائر وأطيار، وأظنّه قول سيبويه، ويجوز أن يكون
أشهاد جمع شهيد، كيتيم وأيتام، وشريف وأشراف وأبيل «1» وآبال،
وهذا كأنّه أرجح، لأنّ ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل.
وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: تخرجون* [الزخرف/ 11] بضمّ
الرّاء وفتح التاء.
الباقون: تخرجون بضمّ التاء وفتح الرّاء «2».
حجّة تخرجون* قوله: إذا أنتم بشر تنتشرون [الروم/ 20] فتنتشرون
مثل تخرجون، ألا ترى أنّ انتشر مطاوع نشرته، كما أنّ خرج مطاوع
أخرجته؟. وحجّة تخرجون
قوله: ومنها نخرجكم تارة أخرى [طه/ 55] وقوله: من بعثنا من
مرقدنا هذا [يس/ 52].
[الزخرف: 24]
قال: قرأ ابن عامر: قال أولو جئتكم [الزخرف/ 24] بألف وكذلك
روى حفص عن عاصم.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: قل* بغير ألف «3».
__________
(1) الأبيل: رئيس النصارى، وهو الراهب (اللسان أبل).
(2) السبعة ص 584.
(3) السبعة ص 585.
(6/147)
قال أبو علي: فاعل قال: النذير، المعنى:
وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها
إنّا وجدنا آباءنا على أمّة، فقال لهم النذير: أولو جئتكم
بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم؟ ويجوز فيمن قال: قل، أن يكون
حكاية ما أوحي إلى النذير، كأنّه: أوحينا إليه فقلنا له قل
لهم: أو لو جئتكم بأهدى من ذلك.
[الزخرف: 33]
اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله عزّ وجلّ: سقفا* [الزخرف/
33] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: سقفا*، على التوحيد.
وقرأ الباقون سقفا بضمّ السين والقاف على الجميع «1».
السّقف: جمع سقف قال: وجعلنا السماء سقفا محفوظا [الأنبياء/
32]، والجمع سقف، مثل: رهن ورهن، ويخفّف فيقال:
رهن، ومثله في الصّفة: فرس ورد، وخيل ورد، كذلك كث وكثّ، وسهم
حشر، وسهام حشر، وفعل في الجمع يخفّف نحو أسد وأسد. قال:
كأنّ محرّبا من أسد ترج ينازله لنابيه قبيب «2» وسقف واحد يدلّ
على الجمع، ألا ترى أنّه قد علم بقوله:
لبيوتهم أنّ لكل بيت سقفا. وروي عن مجاهد أنّه قال: كلّ شيء من
السّماء فهو سقف، وكلّ شيء من البيوت فهو سقف بضمتين،
__________
(1) السبعة ص 585.
(2) البيت لأبي ذؤيب في شرح ديوان الهذليين 1/ 110 وفيه:
ينازلهم بدل ينازله. واللسان (قبب).
(6/148)
ويشبه أن يكون اعتبر في السّقف قوله:
وجعلنا السماء سقفا محفوظا [الأنبياء/ 32].
[الزخرف: 35]
قال: وقرأ عاصم وحمزة: لما متاع [الزخرف/ 35] مشددة.
وقرأ الباقون: لما* خفيف «1».
من شدّد كانت إن* عنده بمعنى ما* النافية كالتي في قوله: إن
الكافرون إلا في غرور [الملك/ 20]، فكذلك المعنى في الآية: ما
كلّ ذلك إلّا متاع الحياة الدنيا، ولما* في معنى إلا*، وقد حكى
سيبويه: نشدتك الله لمّا فعلت، وحمله على إلّا، وهذه الآية
تدلّ على فساد قول من قال: إنّ قوله: وإن كل لما جميع لدينا
محضرون [يس/ 32] أنّ المعنى: إن هو إلّا جميع لدينا محضرون.
وزعموا أنّ في حرف أبيّ: وما ذلك إلا متاع الحياة، فهذا يدلّ
على أنّ لما* بمعنى إلا* وأن إن* بمعنى ما*، وحكي عن الكسائي
أنّه قال: لا أعرف وجه التثقيل، وقال أبو الحسن: قال بعضهم:
لمّا مثقلة، وجعلها في معنى إلّا، وذهب إلى أنّ التخفيف الوجه،
قال: لأنّ لمّا في معنى إلّا لا يكاد يعرف ولا يكاد يتكلّم
بها. وأمّا من قال لما* بالتخفيف، فإن إن* في قوله المخفّفة من
الثقيلة، واللّام فيها التي تدخل لتفصل بين النفي والإيجاب في
قوله:
هبلتك أمك إن قتلت لفارسا «2»
__________
(1) السبعة ص 586 وفيها تفصيل لما أجمله الفارسي في قوله: وقرأ
الباقون ..
(2) صدر بيت من شواهد المغني ص 37 برواية:
شلّت يمينك إن قتلت لمسلما حلّت عليك عقوبة المتعمّد
(6/149)
وكقوله: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين
[الأعراف/ 102]، ومن نصب بها مخففة فقال: إن زيدا لمنطلق،
استغنى عن هذه اللّام، لأنّ النافية لا ينتصب بعدها الاسم،
فإذا لم يقع بعدها انتصاب اسم لم يقع اللّبس، وما* فيه زائدة،
المعنى: وإن كلّ ذلك لمتاع الحياة الدنيا، ولم تعمل إن* عمل
الفعل لمّا خففتها لزوال شبهها بالفعل من أجل التخفيف، ولو
نصبت بها لجاز في القياس، وحكى سيبويه النصب بها مخففة،
والقياس أن لا تعمل إذا خفّفت يدلّك على ذلك دخلوها على الفعل
في نحو: وإن كنا عن دراستهم لغافلين
[الأنعام/ 156] وو إن وجدنا أكثرهم لفاسقين [الأعراف/ 102].
[الزخرف: 38]
اختلفوا في التوحيد والتثنية من قوله تعالى: حتى إذا جاءنا قال
[الزخرف/ 38].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر حتى إذا
جاءانا لاثنين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جاءنا واحد «1».
حجّة الإفراد: قوله: قال: يا ليت بيني وبينك [الزخرف/ 38]
__________
وقد استوفي تخريجه في شرح أبيات المغني للبغدادي 1/ 89، 92 وقد
ذكر البغدادي أثناء الشرح رواية: هبلتك أمك.
والبيت من أبيات لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وهي من
الصحابيات المهاجرات المبايعات، ترثي فيها زوجها الزبير بن
العوّام الذي قتله عمرو بن جرموز منصرفه من وقعة الجمل.
(1) السبعة ص 586.
(6/150)
فهو واحد، وحجّة التثنية قوله: ومن يعش عن
ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين [الزخرف/ 36] فقوله:
جاءانا على التثنية هو الكافر وقرينه هذا.
وهكذا روي عن عكرمة قال: الكافر وقرينه، وليس يدلّ قوله:
يا ليت بيني وبينك أنّ قرينه ليس معه، بل يجوز أن يقول له هذا
وهو معه.
[الزخرف: 53]
قال وكلّهم قرأ: أساورة [الزخرف/ 53] إلّا عاصما في رواية حفص،
فإنّه قرأ: أسورة.
قال أبو زيد: قالوا: رجل إسوار من قوم أساورة، وهو إسوار
المرأة، وسوار المرأة وأسورة لجماعتها، قال: وهما قلبان «1»
يكونان في يديها.
قال أبو علي: فرواية حفص: أسورة هو جمع سوار، جمعه على أسورة،
مثل: سقاء وأسقية. وإزار وآزرة، وخوان وأخونة.
ومن قرأ أساورة جعله جمع إسوار الذي ذكره أبو زيد، وقال في
الجمع: أساورة، فألحق الهاء في الجمع على أن الهاء عوض من
الياء التي ينبغي أن تلحق في جمع إسوار على حدّ: إعصار وأعاصير
فإن شئت قلت: أساورة، وإن شئت قلت: أساوير. ويجوز في أساورة أن
يكون جمع أسورة مثل أسقية وأساق، ولحقت علامة التأنيث كما لحقت
في قشعم وقشاعمة، فأمّا أساورة في جمع إسوار، فالهاء فيه على
حدّ ما يلحق المعربات نحو: طيالسة، وزنادقة، وقد لحقت هذه
__________
(1) القلب من الفضة يسمى سوارا. انظر اللسان/ سور/.
(6/151)
الهاء المعرّبة نحو: صياقلة وقشعم وقشاعمة،
والإسوار معرب «1» وهو الفارس.
[الزخرف: 56]
اختلفوا في ضمّ السّين واللّام من قوله عزّ وجلّ: سلفا
[الزخرف/ 56] وفتحهما.
فقرأ حمزة والكسائي: سلفا بضمّ السّين واللّام.
وقرأ الباقون: سلفا بفتحهما «2».
قال أبو علي: من قال: سلفا بضمّ السّين واللّام جاز أن يجعله
جمعا لسلف، فيكون مثل أسد وأسد، ووثن وقالوا: أثن، وممّا لحقته
تاء التأنيث من هذا: خشبة وخشب، وبدنة وبدن. ومن قال:
سلفا بفتح السّين واللّام، فلأنّ فعلا قد جاء في حروف يراد بها
الكثرة، وكأنّه اسم من أسماء الجمع، كقولهم: خادم وخدم، وطالب
وطلب، وحارس وحرس، وحكى أحمد بن يحيى: رائح وروح، فلذلك جاء في
موضع الجمع في قوله: فجعلناهم سلفا [الزخرف/ 56] وكذلك المثل
واحد يراد به الجمع، فمن ثمّ عطف على سلف في قوله: فجعلناهم
سلفا ومثلا. ويدلّك على وقوعه على أكثر من واحد قوله: ضرب الله
مثلا عبدا مملوكا ... ومن رزقناه «3» [النحل/ 75] فأوقع لفظ
الإفراد على التثنية، وكذلك جاز وقوعه على الجمع، وقد جمع
المثل في قوله:
__________
(1) الإسوار الواحد من أساورة فارس وهو الفارس من فرسانهم
المقاتل. انظر اللسان/ سور/.
(2) السبعة ص 587.
(3) وتمام الآية: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء
ومن رزقناه منّا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرّا وجهرا)
(6/152)
وتلك الأمثال نضربها للناس [العنكبوت/ 43،
الحشر/ 21] فمثل في هذا كالمثل في أنّه جمع مرة وأفرد أخرى، في
قوله: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140] وجمع في قوله: ثم لا
يكونوا أمثالكم [محمد/ 38] وكذلك أفرد في موضع التثنية فيما
أنشده سيبويه:
وساقيين مثل زيد وجعل «1» ويثنى أيضا في قوله:
والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان «2» وإذا كانت الجموع الصّحيحة
قد كسّرت في نحو: حمال «3» وحمائل، وأسقية وأساق، فأن يجوز
تكسير نحو سلف على سلف أجدر.
[الزخرف: 57]
اختلفوا في ضمّ الصّاد وكسرها من قوله عزّ وجلّ: يصدون*
[الزخرف/ 57].
__________
(1) صدر بيت عجزه:
سقبان ممشوقان مكنوزا العضل انظر الكتاب 1/ 226.
(2) عجز بيت لحسان بن ثابت صدره:
من يفعل الحسنات الله يشكرها انظر ديوانه 1/ 516، وانظر الكتاب
1/ 435، النوادر/ 31، والمحتسب 1/ 193، والمقتضب 2/ 72، والبيت
من شواهد المغني انظره في شرح أبيات المغني 1/ 371، وانظر
فهارسه 8/ 293 فقد ورد البيت في عدة مواطن.
(3) الحمال: جمع حمل وهو ما يحمل في البطن من الأولاد في جميع
الحيوان (اللسان).
(6/153)
فقرأ نافع وابن عامر والكسائي: يصدون* بضمّ
الصّاد وقرأ الباقون يصدون بكسر الصاد «1» أبو عبيدة: إذا قومك
منه يصدون يضجّون، ومن ضمّها:
فمجازها يعدلون «2».
وقال غيره يصدّون ويصدّون والكسر أكثر، قال: ومعناهما جميعا:
يضجّون، وقال أبو الحسن: يصدّون ويصدّون، مثل: يحشر ويحشر،
وقال بعض المفسّرين: يضحكون.
قال أبو علي: المعنى: أنّه لمّا نزل: إنكم وما تعبدون من دون
الله حصب جهنم [الأنبياء/ 98] قال المشركون: أآلهتنا خير أم هو
[الزخرف/ 58]، أي: إن كانت آلهتنا حصب جهنّم لأنّها اتّخذت
آلهة وعبدت فعيسى في حكمهم كذلك، فقال: ولما ضرب ابن مريم مثلا
[الزخرف/ 57] في هذا الذي قالوه إذا قومك منه يصدون [الزخرف/
57] أي: يضجّون لما أتوا به عندهم في تسويتهم بين عيسى عليه
السلام، وبين آلهتهم، وما ضربوه إلّا إرادة المجادلة، لأنهم قد
علموا أنّ المراد بحصب جهنّم ما اتخذوه من الموات، ويقال: صدّ
عن كذا فيوصل بعن، كما قال:
صدّت كما صدّ عمّا لا يحلّ له «3»
__________
(1) السبعة ص 587.
(2) مجاز القرآن 2/ 205.
(3) صدر بيت سبق في 5/ 18 وانظر تفسير القرطبي 1/ 433، والبيت
من أبيات في شرح أبيات المغني 3/ 281، 285، وينسب لأبي دؤاد
الإيادي، وللنمر بن تولب.
(6/154)
وصددت الكأس عنّا أمّ عمرو «1» ويصدون عنك
[النساء/ 61]، وصد عن السبيل «2» [غافر/ 37]، فمن ذهب في
يصدّون إلى معنى يعدلون كان المعنى إذا قومك منه أي: من أجل
المثل يصدّون، ولم يوصل يصدّ بعن ومن قال في يصدّون يضجّون جعل
من* متصلة بيضج، كما تقول:
ضجّ من كذا.
[الزخرف: 49]
قال: قرأ ابن عامر وحده: يا أية الساحر [الزخرف/ 49] بضمّ
الهاء.
وقرأ الباقون: يا أيها بفتح الهاء، وكان أبو عمرو والكسائي
يقفان بالألف «3» ولم يحفظ عن غيرهما وقف «4».
قد تقدّم القول في ذلك، وفي ذكر شبهة ابن عامر.
قال: قرأ ابن عامر وحده: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم إنكم
[الزخرف/ 39] بكسر الألف.
وقرأ الباقون: أنكم بفتح الألف «5».
قال أبو علي: قراءة ابن عامر: ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم
في العذاب مشتركون [الزخرف/ 39] فاعل ينفعكم فيه الاشتراك كما
أنّه في قول من فتح أنّ كذلك، المعنى:
ولن ينفعكم اليوم اشتراككم
__________
(1) هذا صدر بيت لعمرو بن كلثوم سبق في 4/ 147 و 5/ 18
(2) الآية كما أثبتنا نصّها وقد وردت في المخطوط سهوا (وصدّ عن
سبيل الله).
(3) زاد في السبعة بين معقوفين: هاهنا وفي النور 31 وفي الرحمن
31.
(4) السبعة ص 586، 587.
(5) السبعة 587.
(6/155)
وفي هذا حرمان التأسّي، وهي نعمة يسلبها
الله من أهل النّار ليكون أشدّ لعذابهم، ألا ترى أنّ التأسّي
قد يخفّف عن المتأسّي كثيرا من حزن كما جاء:
... ولكن أعزّي النفس عنه بالتأسّي «1» ولكنّه أضمر الفاعل هنا
لما يقع عليه من الدّلالة بعد، وجاز له إضمار الفاعل لدلالة
الحال عليه، كقولهم: إذا كان غدا فائتني، فأضمر الفاعل، فكذلك
أضمره لدلالة في قوله: لن ينفعكم اليوم، وحال التلاوة دالّة
عليه ومبينة له، ويجوز فيه وجه آخر، وهو: أن يكون فاعل ينفع
التبرّؤ كأنّه: ولن ينفعكم اليوم تبّرؤ بعضكم من بعض، وأظنّ
أنّ بعض المفسّرين قد قاله، ودلّ على التبرؤ ما في الكلام من
الدّلالة عليه، وذلك أنّ قوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين
[الزخرف/ 38]، يدلّ على التبرؤ، فصار إضمار الفاعل هنا كإضماره
في قوله: فزادهم إيمانا [آل عمران/ 173] ونحوه في أن ما تقدّم
من الكلام يدلّ عليه، ومن فتح أن* على هذا القول وجب أن يكون
في موضع نصب، لأنّ الفعل إذ اشتغل بما تحمّله من الضمير الذي
هو الذّكر، في المعنى، وجب أن يكون أنكم في موضع نصب، فأمّا
اليوم في قوله ولن ينفعكم اليوم فمتعلق بالنفع، ولا يجوز إذا
تعلّق به ظرف من الزّمان أن يتعلّق به آخر منه، ولا يصحّ بدل
إذ* من اليوم*، ولكن الظرف الذي هو إذ* يتعلّق بالمعنى كأنّه:
لن ينفعكم
__________
(1) هذا من بيت للخنساء صدره:
وما يبكون مثل أخي ولكن انظر ديوانها/ 90 والبيت استشهد به
البغدادي في شرح أبيات المغني 7/ 289. وانظر الكشاف 4/ 199
(6/156)
اليوم اشتراككم أمس، ولا يتعلّق بالاشتراك،
لأنّ الموصول لا تتقدّم عليه صلته، ولكنّه نحو قوله: يوم يرون
الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]. ألا ترى أنّ
ما بعد لا* هذه لا يعمل فيما قبلها، كما أنّ ما بعد أن* لا
يعمل فيما قبلها؟ وكذلك المصدر، ولكنّ المعنى: ولن ينفعكم
اجتماعكم إذ ظلمتم، فإذا* في كلتا القراءتين يتعلّق بهذا
المعنى، ولا يتعلق بالنفع.
[الزخرف: 68]
اختلفوا في إثبات الياء وحذفها من قوله تعالى: يا عبادي لا خوف
عليكم [الزخرف/ 68].
فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: يا عباد بغير ياء.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: يا
عبادي* بإثبات الياء. وكلهم أسكنها غير عاصم في رواية أبي بكر،
فإنّه نصبها يا عبادي لا خوف [الزخرف/ 68].
وقال ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو أنّه وقف يا عبادي*
بياء، وقال ابن رومي عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: الوقف بغير
ياء «1».
قال أبو علي: حذف الياء في يا عبادي* أحسن، لأنّه في موضع
تنوين، ألا ترى أنّها قد عاقبته؟ فكما يحذف التنوين في الاسم
المنادى المفرد كذلك تحذف الياء لكونه على حرف، كما أنّ
التنوين كذلك، ولأنّه لا ينفصل من المضاف، كما لا ينفصل
التنوين من المنون، فصار
__________
(1) السبعة ص 588.
(6/157)
في المعاقبة كالتنوين وحرف الندبة، وكعلامة
الضمير والنّون في نحو: هم الضّاربوه، والآخذوه.
ووجه من أثبت الياء في المنادى، أنّه علامة ضمير كالهاء في
غلامه، والكاف في غلامك، فكما لا تحذف هاتان العلامتان كذلك لا
تحذف الياء، والأوّل أكثر في استعمالهم.
[الزخرف: 71]
قال: قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: تشتهيه الأنفس [الزخرف/
71] بإثبات هاء بعد الياء.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: تشتهي بغير هاء «1».
قال أبو علي: حذف الهاء من الصّلة في الحسن كإثباتها، إلا أنّ
الحذف يرجح على الإثبات بأنّ عامّة هذا النحو في التنزيل جاء
على الحذف، فمن ذلك قوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/
41] وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] ولا عاصم اليوم
من أمر الله إلا من رحم [هود/ 43] ويقوّي الحذف من جهة القياس
أنّه اسم قد طال،
والأسماء إذا طالت فقد يحذف منها، كما حذفوا من اشهيباب،
واحميرار، وكما حذفوا من كينونة، وصيرورة، فكما ألزموا الحذف
لهذا ولباب احميرار في أكثر الأمر، كذلك يحسن أن تحذف الهاء من
الصلة، وقد جاءت مثبتة في قوله: إلا كما يقوم الذي يتخبطه
الشيطان من المس [البقرة/ 275].
[الزخرف: 85]
اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: وإليه يرجعون [الزخرف/ 85] في الياء
والتاء.
__________
(1) السبعة ص 589.
(6/158)
فقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم «1»: وإليه
ترجعون بالتاء مضمومة. وقرأ الباقون بالياء مضمومة «2» حجّة
الياء أنّ قبله غيبة، وهو قوله: فذرهم يخوضوا ويلعبوا [الزخرف/
83، المعارج/ 42].
ووجه التاء على: قل لهم: وإليه ترجعون، أو أريد به مع الغيبة
مخاطبون، فجعلت الخطاب على الغيبة، فيكون الغيب مرادين مع
غيرهم.
[الزخرف: 88]
اختلفوا في قوله: وقيله [الزخرف/ 88] في فتح اللّام وكسرها.
فقرأ عاصم وحمزة: وقيله يا رب [الزخرف/ 88] بكسر اللّام.
المفضل عن عاصم: وقيله منصوبة اللّام.
الباقون: قيله «3».
قال أبو علي: وجه الجرّ في قوله: وقيله، على قوله: وعنده علم
الساعة «4» [الزخرف/ 85]، أي: يعلم الساعة، ويصدّق بها، ويعلم
قيله، ومعنى يعلم قيله، أي: يعلم أنّ الدعاء مندوب إليه بنحو
قوله:
ادعوني استجب لكم [غافر/ 60] وادعوا ربكم تضرعا وخفية
[الأعراف/ 55].
__________
(1) في السبعة: وابن عامر وعاصم.
(2) السبعة ص 589.
(3) السبعة ص 589.
(4) يريد أنه على لفظ الساعة، أي وعنده علم الساعة وعلم قيله:
يا ربّ.
(6/159)
فأمّا نصب قيله فعلى الحمل على موضع: وعنده
علم الساعة لأنّ الساعة مفعول بها، وليست بظرف، فالمصدر مضاف
إلى المفعول به، ومثل ذلك قوله:
قد كنت داينت بها حسّانا مخافة الإفلاس واللّيانا يحسن بيع
الأصل والقيانا «1» فكما أن القيان واللّيان محمولان على ما
أضيف إليه المصدر من المفعول به، كذلك قوله: وعنده علم الساعة
لما كان معناه: يعلم الساعة، حملت قيله على ذلك. ويجوز أن
تحمله على: يقول قيله، فيدلّ انتصاب المصدر على فعله، وكذلك
قول كعب:
يسعى الوشاة حنانيها وقيلهم إنّك يا ابن أبي سلمى لمقتول «2»
ووجه ثالث: أن يحمل على قوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم
ونجواهم [الزخرف/ 80] وقيله [الزخرف/ 88].
وقرأ ناس من غير السبعة: وقيله يا رب بالرفع، ويحتمل ضربين:
أحدهما: أن تجعل الخبر: وقيله قيل يا ربّ، فيحذف، والآخر: أن
تجعل الخبر قيله يا ربّ مسموع ومتقبّل، فيا ربّ منصوب
__________
(1) هذا من رجز رؤبة بن العجّاج انظر ديوانه/ 187، والكتاب 1/
98، وابن الشجري 1/ 228، 2/ 31، وشرح أبيات المغني للبغدادي 7/
46، 47
(2) البيت لكعب بن زهير في ديوانه ص 19، من قصيدته المشهورة
بالبردة.
(6/160)
الموضع بقيله المذكور، وعلى القول الآخر
بقيله المضمر، وهو من صلته، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع أن
يحذف بعض الموصول، ويبقى بعضه، لأنّ حذف القول قد أضمر حتى صار
بمنزلة المذكور.
وقد يحتمل بيت كعب الرفع على الوجهين اللّذين ذكرناهما فيمن
رفع قيله في الآية.
[الزخرف: 89]
قال قرأ نافع وحده وقل سلام فسوف تعلمون [الزخرف/ 89] بالتاء،
وقال ابن ذكوان عن ابن عامر بالياء، وقال هشام «1» بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء وقال الخفّاف: عن أبي عمرو: الياء والتاء
عندي سواء «2» وجه الياء أن يحمل على الغيبة التي هي: فاصفح
عنهم ...
فسوف يعلمون [الزخرف/ 89].
ووجه التاء على الخطاب على قل المظهر في الكلام: قل لهم سوف
تعلمون، وكلاهما قريب المتناول كما خبّر أبو عمرو فيه.
[الزخرف: 58]
قال: وقرأ أبو عمرو وابن كثير «3»: وقالوا أآلهتنا خير
[الزخرف/ 58] ممدودة- استفهام «4» - في تقدير ثلاث ألفات، وقال
عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أأالهتنا بهمزتين بعد الثانية
ألف.
__________
(1) في السبعة هشام بن عمّار.
(2) السبعة ص 589.
(3) في السبعة: وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وابن كثير.
(4) سقطت من السبعة.
(6/161)
وقال أحمد ابن صالح عن قالون عن نافع: ء
آلهتنا «1» بهمزة واحدة بعدها مدّة في تقدير همزة بعدها ألفان.
وكذلك قرأت على ابن عبدوس عن أبي عمرو «2» عن إسماعيل عن نافع.
وقال أحمد بن صالح: وأراني سمعت أبا بكر بن أبي أويس يقول كما
قال قالون، وقال أحمد بن صالح: بلغني عن ورش أنّه كان يقرؤها
بغير استفهام على مثال الخبر «3».
قال أبو علي: قوله استفهام في تقدير ثلاث ألفات ترجمة فيها
تجوّز، وتحقيقها أن الهمزة المبدوء بها همزة الاستفهام،
والهمزة الثانية التي هي همزة أفعلة من أالهة بين بين، وبعد
هذه الهمزة التي هي همزة أفعلة الألف المنقلبة عن الفاء التي
هي همزة من إله قلبت ألفا لاجتماع الهمزتين اللّتين الأولى
منهما مفتوحة، فهي مثل أادم، والكوفيون وابن عامر خفّفوا
الهمزتين جميعا على ما يرونه من تحقيق الهمزتين. وما ذكره أحمد
بن صالح عن قالون عن نافع بهمزة واحدة وبعدها مدة، فالهمزة
الأولى للاستفهام، والثانية همزة أفعلة يجعلها بين بين، وبعدها
الألف المنقلبة عن الهمزة.
وقوله في تقدير همزة بعدها ألفان، معناه أن همزة الاستفهام
التي في قوله: أالهتنا جعل الهمزة التي بعدها بين بين، فصار
كالألف للتخفيف الذي دخلها، وكونها بين الألف والهمزة، والألف
__________
(1) من السبعة.
(2) في السبعة: عن أبي عمر.
(3) السبعة ص 587 - 588.
(6/162)
الثانية هي ألف في الحقيقة، فأمّا التي
قبلها فهمزة بين بين.
وما ذكره عن ورش أنّه كان يقرؤها بغير استفهام، فإنّ المعنى
على الاستفهام، ألا ترى أنّ المعنى: أيّهما خير؟ ولعلّه حذف
الهمزة لاجتماع المثلين ودلالة أم عليها، كما حذفها عمران في
قوله:
وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر أتوني فقالوا من ربيعة أو مضر أم
الحيّ قحطان «1» ..
فهذا أكثر ما يجيء في الشعر، وقد قيل في قوله: وتلك نعمة تمنها
علي [الشعراء/ 22] أن المراد به الاستفهام، والوجه إثبات
الهمزة وترك حذفها ومما تكون همزة الاستفهام فيه محذوفة قول
الكميت:
ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب «2» معناه على: أو ذو الشيب
يلعب؟ على وجه التقرير، أن ذلك لا ينبغي.
__________
(1) البيتان لعمران بن حطّان وتمام البيت الثاني:
أم الحيّ قحطان؟ فتلكم سفاهة كما قال لي روح وصاحبه زفر وهما
من قصيدة له في الكامل ص 1088. وسبق البيت الأول في 4/ 66.
(2) هذا عجز بيت للكميت صدره:
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب انظر الخصائص 2/ 281، والعيني 3/
111، والمحتسب 1/ 50، وابن الشجري 1/ 267، وشرح أبيات المغني
1/ 29.
(6/163)
|