المحكم في نقط المصاحف بَاب ذكر القَوْل فِي حُرُوف التهجي وترتيب
رسمها فِي الْكِتَابَة
حَدثنَا عبد الرحمن بن عُثْمَان قَالَ نَا قَاسم بن أصبغ قَالَ
نَا أَحْمد بن زُهَيْر قَالَ نَا الْفضل بن دُكَيْن قَالَ نَا
إِسْرَائِيل عَن جَابر عَن عَامر عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ
نظرت فِي كتاب الْعَرَبيَّة فَوَجَدتهَا قد مرت بالانبار قبل
ان تمر بِالْحيرَةِ
حَدثنَا ابْن عَفَّان قَالَ نَا قَاسم قَالَ نَا احْمَد قَالَ
نَا الزبير بن بكار قَالَ حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر
قَالَ حَدثنِي عبد الْعَزِيز بن عمرَان قَالَ حَدثنِي ابراهيم
بن اسماعيل بن ابي حبيب عَن دَاوُد بن حُصَيْن عَن عِكْرِمَة
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أول من نطق بِالْعَرَبِيَّةِ فَوضع
الْكتاب على لَفظه ومنطقه ثمَّ جعله كتابا وَاحِدًا مثل بسما
لله الْمَوْصُول حَتَّى فرق بَينه وَلَده إِسْمَاعِيل بن
ابراهيم صلى اللة عَلَيْهِ وَسلم
أخبرنَا احْمَد بن ابراهيم بن فراس الْمَكِّيّ قَالَ نَا عبد
الرَّحْمَن بن عبد الله
(1/25)
ابْن مُحَمَّد قَالَ حَدثنِي جدي قَالَ نَا
سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ
سَأَلنَا الْمُهَاجِرين من أَيْن تعلمتم الْكتاب قَالُوا من
أهل الْحيرَة وَقَالُوا لأهل الْحيرَة من أَيْن تعلمتم الْكتاب
قَالُوا من أهل الأنبار
قَالَ أَبُو عَمْرو وَفِي كتاب مُحَمَّد بن سَحْنُون حَدثنَا
ابو الْحجَّاج واسْمه سكن بن ثَابت قَالَ نَا عبد الله بن فروخ
عَن عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن انْعمْ الْمعَافِرِي عَن
أَبِيه زِيَاد بن أنعم قَالَ قلت لعبد الله بن عَبَّاس معاشر
قُرَيْش هَل كُنْتُم تكتبون فِي الْجَاهِلِيَّة بِهَذَا
الْكتاب الْعَرَبِيّ تجمعون فِيهِ مَا أجتمع وتفرقون فِيهِ مَا
افترق هجاء بالالف وَاللَّام وَالْمِيم والشكل وَالْقطع وَمَا
يكْتب بِهِ الْيَوْم قبل أَن يبْعَث الله تَعَالَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نعم قلت فَمن علمكُم الْكتاب
قَالَ حَرْب بن أُميَّة قلت فَمن علم حَرْب بن امية قَالَ عبد
الله بن جدعَان قلت فَمن علم عبد الله بن جدعَان قَالَ أهل
الأنبار قلت فَمن علم أهل الانبار قَالَ طَارِئ طَرَأَ
عَلَيْهِم من أَرض الْيمن من كِنْدَة قلت فَمن علم الطَّارِئ
قَالَ الجلجان بن الموهم كَانَ كَاتب هود نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِالْوَحْي عَن الله عز وَجل
(1/26)
حَدثنَا ابْن عَفَّان قَالَ نَا قَاسم
قَالَ حَدثنَا احْمَد بن ابي خيئمة قَالَ حُرُوف الف ب ت ث
تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا عَلَيْهَا يَدُور الْكَلَام كُله
وَالْكتاب الْعَرَبِيّ
حَدثنَا ابراهيم بن الْخطاب اللمائي قَالَ نَا احْمَد بن
خَالِد قَالَ نَا سَلمَة بن الْفضل قَالَ نَا عبد الله بن
نَاجِية قَالَ نَا احْمَد بن مُوسَى بن اسماعيل الانباري قَالَ
نَا مُحَمَّد بن حَاتِم الْمُؤَدب قَالَ نَا احْمَد بن غَسَّان
قَالَ نَا حَامِد الْمَدَائِنِي قَالَ نَا عبد الله بن سعيد
قَالَ بلغنَا انه لما عرضت حُرُوف المعجم على الرَّحْمَن
تبَارك اسْمه وَتَعَالَى جده وَهِي تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا
تواضع الالف من بَينهَا فَشكر الله لَهُ تواضعه فَجعله قَائِما
امام كل اسْم من أَسْمَائِهِ
قَالَ ابو عَمْرو وَقَالَ بعض اهل اللُّغَة إِنَّمَا تقدّمت
الالف سَائِر الْحُرُوف لأجل انها صُورَة للهمزة
الْمُتَقَدّمَة فِي الْكَلَام وللالف اللينة ولسائر الهمزات
احيانا فَلَمَّا انْفَرَدت بِأَن تكون صُورَة الْهمزَة
الْمُتَقَدّمَة فِي الْكَلَام وشاركت
(1/27)
الْوَاو وَالْيَاء فِي أَن تكون مرّة
صُورَة لنَفسهَا وَمرَّة صُورَة للهمزة المتوسطة والمتأخرة
قدمت
قَالَ وَإِنَّمَا وَليهَا الْبَاء وَالتَّاء والثاء لِأَنَّهَا
أَكثر الْحُرُوف شبها إِذْ كَانَت الْيَاء وَالنُّون إِذا
وقعتا فِي أول كلمة أَو وستها أشبهتاها فَصَارَت خَمْسَة
مشتبهة فأوجبت كثرتها تَقْدِيمهَا ثمَّ الْجِيم والحاء
وَالْخَاء ثمَّ المزدوجة وَإِن تقدم بعض المتشابهات والمزدوجات
وَمَا بعد ذَلِك إِلَى آخر الْحُرُوف على بعض على قدر
الْكَثْرَة فِي الْكَلَام والقلة فَكل مَا كَانَ من ذَلِك
مقدما على غَيره فِي التَّرْتِيب فَهُوَ فِي الْكَلَام أَكثر
دورانا إِلَّا مَا لَهُ من ذَلِك صُورَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ
فِي التطرف والتقدم والتوسط وَذَلِكَ النُّون وَالْيَاء
فَإِنَّهُمَا وَإِن تأخرنا كالمتقدمتين لتقدم اشباههما
قَالَ وَمن الْحُرُوف مَا لَا يتَّصل بِهِ شَيْء بعده وَهِي
سِتَّة الالف وَالدَّال والذال وَالرَّاء وَالزَّاي وَالْوَاو
وَيُمكن ان تكون كَذَلِك لِئَلَّا تَلْتَبِس بغَيْرهَا إِذْ
لَو اتَّصل بالالف شَيْء بعْدهَا لاشبهت اللَّام وَلَو اتَّصل
بِالْوَاو شَيْء لاشبهت الْفَاء وَالْقَاف وَلَو اتَّصل
بِالدَّال والذال وَالرَّاء وَالزَّاي شَيْء لأشبهت الْيَاء
وَالتَّاء وَمَا أشبههَا
قَالَ أَبُو عَمْرو وَالَّذِي قَالَه فِي تَرْتِيب رسم
الْحُرُوف تَرْتِيب حسن وانا ازيد فِي شَرحه وَبَيَانه مَا لم
اجده لسالف وَلَا رَأَيْته لمتقدم فَأَقُول
إِنَّمَا تقدّمت الالف وَإِن كَانَت مُنْفَرِدَة للمذكور فِي
الْخَبَر وَالنَّظَر من اسْتِحْقَاقهَا ذَلِك ولتقدمها أَيْضا
فِي اول الْفَاتِحَة الَّتِي هِيَ ام الْقُرْآن ولكثرة دورها
فِي الْكَلَام وترددها فِي الْمنطق إِذْ هِيَ اكثر الْحُرُوف
دورا وترددا
(1/28)
ثمَّ وليتها الْبَاء وَالتَّاء والثاء
لكثرتهن إِذْ هن ثَلَاث وكونهن على صُورَة وَاحِدَة وَمَا كثر
عدده واتفقت صورته فالعادة جَارِيَة على تَقْدِيمه وَتَقَدَّمت
الْبَاء لتقدمها فِي التَّسْمِيَة الَّتِي يستفتح بهَا مَعَ
التَّعَوُّذ الَّذِي اوله الالف الْمُتَقَدّمَة ولتقدمها فِي
حُرُوف ابي جاد الَّتِي هِيَ اصل حُرُوف التهجي وَلِأَنَّهَا
ايضا تنقط وَاحِدَة وَالتَّاء اثْنَتَيْنِ والثاء ثَلَاثًا على
تَرْتِيب الْعدَد فَوَجَبَ ان تكون الْبَاء اولا ثمَّ التَّاء
ثمَّ الثَّاء لذَلِك وَقد يكون تقدم التَّاء لكثرتها
وَتَأْخِير الثَّاء لقلتهَا إِذْ الْكثير اولى بالتقديم من
الْقَلِيل الدّور
ثمَّ وليتهن الْجِيم والحاء وَالْخَاء لكثرتهن ايضا واتفاق
صورتهن إِذْ هن ثَلَاث على صُورَة وَاحِدَة واتصال الْجِيم
بِالْبَاء فِي كلمة أبي جاد وَتَقَدَّمت الْجِيم الْحَاء
لتقدمها عَلَيْهَا فِي ذَلِك وَتَقَدَّمت الْحَاء الْخَاء
لتقدمها عَلَيْهَا فِي الْمخْرج من الْحلق إِذْ هِيَ من وَسطه
وَالْخَاء من ادناه الى الْفَم فَلذَلِك جَاءَت آخرا
ثمَّ وليتهن الدَّال والذال وهما على صُورَة وَاحِدَة لاشتباه
صورتهما بصورتهن وَتَقَدَّمت الدَّال لتقدمها فِي حُرُوف ابي
جاد وَلِأَنَّهَا اقْربْ الى الْجِيم من الذَّال
ثمَّ وليتهما الرَّاء وَالزَّاي وهما على صُورَة وَاحِدَة لقرب
صورتهما من صورتهما وَتَقَدَّمت الرَّاء وَإِن كَانَت الزَّاي
مُتَقَدّمَة على الرَّاء فِي حُرُوف أبي جاد مُوَافقَة للحاء
وَالْخَاء وَالدَّال والذال من جِهَة الاعجام إِذْ كَانَت
الْحَاء
(1/29)
الْمُتَقَدّمَة على الْخَاء وَالدَّال
الْمُتَقَدّمَة على الذَّال غير منقوطتين فَكَذَلِك الرَّاء
الْمُتَقَدّمَة على الزَّاي مثلهمَا سَوَاء ليَأْتِي المزدوج
كُله على طَريقَة وَاحِدَة وَلَا يخْتَلف
الى هَا هُنَا اتّفق تَرْتِيب الْجَمِيع من السّلف وتابعيهم من
اهل الْمشرق واهل الْمغرب وَاخْتلفُوا فِي تَرْتِيب مَا بعد
ذَلِك من المزدوج وَالْمُنْفَرد الى آخر الْحُرُوف
فرسم أهل الْمشرق بعد الرَّاء وَالزَّاي السِّين والشين وهما
على صُورَة وَاحِدَة لمؤاخاة السِّين الزَّاي فِي الصفير
الَّذِي هُوَ زِيَادَة الصَّوْت وَتَقَدَّمت السِّين الشين
كَمَا تقدم غير المعجم من المشتبهين فِي الصُّورَة المعجم لَان
الِاشْتِبَاه وَقع بِالثَّانِي من المزدوج لَا بالاول لَان
الاول جَاءَ على اصله من التعرية فَفرق بَينهمَا بِأَن نقط
الثَّانِي لَان النقط إِنَّمَا اسْتعْمل ليفرق بِهِ بَين
المشتبه من الْحُرُوف فِي الصُّورَة لَا غير وَلَوْلَا ذَلِك
لم يحْتَج اليه وَلَا اسْتعْمل فَهُوَ فرع والتعرية اصل والاصل
يقدم على الْفَرْع فَلذَلِك تقدم غير المنقوط من المزدوج
ثمَّ الصَّاد وَالضَّاد وهما على صُورَة وَاحِدَة لمشاركة
الصَّاد السِّين فِي الصفير والهمس جَمِيعًا وَتَقَدَّمت
الصَّاد الضَّاد كَمَا تقدّمت السِّين الشين وَلم يرسموهما قبل
السِّين والشين وَإِن كَانَتَا متقدمتين عَلَيْهِمَا فِي
حُرُوف ابي جاد لمؤاخاة السِّين الزَّاي فِي الصَّوْت ومشاركة
الشين الْجِيم فِي الْمخْرج فَقدما لذَلِك عَلَيْهِمَا
ثمَّ الطَّاء والظاء وهما على صُورَة وَاحِدَة لمشاركتهما
الصَّاد وَالضَّاد فِي الاطباق والاستعلاء فولياهما لذَلِك
وَتَقَدَّمت الطَّاء الظَّاء كَمَا تقدّمت الصَّاد
(1/30)
الضَّاد ولتقدمها أَيْضا فِي حُرُوف ابي
جاد ومؤاخاتها الدَّال فِي الْمخْرج
ثمَّ الْعين والغين وهما على صُورَة وَاحِدَة لِكَوْنِهِمَا
آخر مَا بَقِي من المزدوج فَلذَلِك رسما آخرا وَتَقَدَّمت
الْعين الْغَيْن كَمَا تقدّمت الْحَاء الْخَاء من طَرِيق
الْمخْرج وجهة الاعجام
ثمَّ رسموا الْمُنْفَرد فرسموا بعد الْعين والغين الْفَاء
وَالْقَاف وقدما لِاتِّفَاق صورتهما فِي غير الْأَطْرَاف من
الْكَلم فأشبها المزدوج بذلك فَقدما على سَائِر الْمُنْفَرد
إِذْ الْفَاء مُتَّصِلَة بِالْعينِ ومرسومة بعْدهَا فِي حُرُوف
ابي جاد وَتَقَدَّمت الْفَاء الْقَاف لتقدمها عَلَيْهَا فِي
حُرُوف ابي جاد ولتعاقبها مَعَ الثَّاء الْمُتَقَدّمَة فِي
حُرُوف التهجي فِي نَحْو جدث وجدف وثوم وفوم
ثمَّ الْكَاف ثمَّ اللَّام ثمَّ الْمِيم ثمَّ النُّون
مُوَافقَة لترتيب رسمهن فِي كلمة كلمن وَتَقَدَّمت الْكَاف
لتقدمها فِي ذَلِك ولاشتراكها مَعَ الْقَاف الَّتِي وليتها فِي
مخرج أقْصَى اللِّسَان وَتَقَدَّمت اللَّام الْمِيم وَالنُّون
لاشتباه صورتهَا بِصُورَة الْألف الْمُتَقَدّمَة فِي حُرُوف
التهجي وَتَقَدَّمت الْمِيم النُّون لقوتها وَلُزُوم صَوتهَا
إِذْ كَانَ غير زائل عَنْهَا من حَيْثُ امْتنع إدغامها فِي
مقاربها وَكَانَ صَوت النُّون قد يَزُول عَنْهَا بالادغام
وَيذْهب لَفظهَا من الْفَم ايضا فَلَا يبْقى مِنْهَا إِلَّا
غنة من الخيشوم ولان الْمِيم من مخرج الْبَاء الْمُتَقَدّمَة
فِي حُرُوف ابي جاد ولانها تبدل من النُّون إِذا لقِيت بَاء
(1/31)
ثمَّ الْوَاو ثمَّ الْهَاء ثمَّ الْيَاء
وَهن آخر مَا بَقِي من الْمُنْفَرد وَتَقَدَّمت الْوَاو لقرب
صورتهَا من صُورَة الْقَاف الْمُوَافقَة للفاء فِي الصُّورَة
وَتَقَدَّمت الْهَاء الْيَاء لتقدمها عَلَيْهَا فِي حُرُوف أبي
جاد وَصَارَت الْيَاء آخر الْحُرُوف للتعريف بصورتها إِذا
وَقعت آخر الْكَلِمَة إِذْ صورتهَا هُنَاكَ مُخَالفَة لصورتها
إِذا وَقعت أَولا ووسطا وَكَذَلِكَ أخروا اللَّام ألف ورسمت
قبلهَا لاخْتِلَاف صورتهَا فِي الِانْفِرَاد والاختلاط
ورسم أهل الْمغرب بعد الرَّاء وَالزَّاي الطَّاء والظاء لكَون
الطَّاء من مخرج الدَّال وَكَون الظَّاء من مخرج الذَّال
وَتَقَدَّمت الطَّاء الظَّاء كَمَا تقدّمت الدَّال الذَّال
ثمَّ الْكَاف وَاللَّام وَالْمِيم وَالنُّون مُوَافقَة لرسمهن
فِي كلمن ولتقدمهن على سَائِر المزدوج فِي حُرُوف (أبي جاد)
ولإتيانهن بعد الطَّاء فِي ذَلِك أَيْضا
ثمَّ الصَّاد وَالضَّاد لِكَوْنِهِمَا مرسومين بعد كلمة كلمن
فِي قَوْلهم صعفض وَتَقَدَّمت الصَّاد لتقدمها فِي ذَلِك
وَلكَون غير المنقوط من المزدوج مقدما على المنقوط ليتميز بذلك
الثَّانِي من الاول والمؤخر من الْمُقدم
ثمَّ الْعين والغين لكَون الْعين بعد الصَّاد فِي حُرُوف ابي
جاد وَشبه الْغَيْن بهَا فِي الصُّورَة وَتَقَدَّمت الْعين
لتقدمها هُنَاكَ وَفِي الْمخْرج من الْحلق لانها من وَسطه
والغين من أدناه الى الْفَم ولخلوها أَيْضا من النقط
(1/32)
ثمَّ الْفَاء وَالْقَاف لكَون الْفَاء فِي
حُرُوف ابي جاد بعد الْعين وَشبه الْقَاف بهَا فِي الصُّورَة
وَتَقَدَّمت الْفَاء لتقدمها هُنَاكَ
ثمَّ السِّين والشين لِكَوْنِهِمَا آخر المزدوج وَتَقَدَّمت
السِّين الشين كَمَا تقدّمت الصَّاد الضَّاد
ثمَّ الْهَاء وَالْوَاو وَالْيَاء وَهن آخر حُرُوف التهجي
وَتَقَدَّمت الْهَاء الْوَاو لتقدمها عَلَيْهَا فِي حُرُوف أبي
جاد فِي قَوْلهم هوز وَتَقَدَّمت الْوَاو الْيَاء لتقدم هوز
على حطي
قَالَ أَبُو عَمْرو فَهَذِهِ علل تَرْتِيب الْحُرُوف فِي
الْكتاب على الِاتِّفَاق وَالِاخْتِلَاف وَالله ولي
التَّوْفِيق
حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن خطاب قَالَ نَا أَحْمد بن خَالِد قَالَ
نَا سَلمَة بن الْفضل قَالَ نَا عبد الله بن نَاجِية قَالَ نَا
أَحْمد بن بديل الأيامي قَالَ نَا عَمْرو بن حميد قَاضِي
الدينور قَالَ نَا فرات بن السَّائِب عَن مَيْمُون بن مهْرَان
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن لكل شَيْء تَفْسِيرا علمه من علمه
وجهله من جَهله ثمَّ فسر ابو جاد ابى آدم الطَّاعَة وجد فِي
أكل الشَّجَرَة وهواز زل فهوى من السَّمَاء الى الارض وحطي حطت
عَنهُ خطاياه كلمن أكل من الشَّجَرَة وَمن عَلَيْهِ
بِالتَّوْبَةِ صعفض عصى فَأخْرج من النَّعيم الى النكد قريسيات
أقرّ بالذنب فأمن الْعقُوبَة
أخبرنَا عبد بن احْمَد الْهَرَوِيّ فِي كِتَابه قَالَ نَا عمر
بن احْمَد بن شاهين قَالَ نَا مُوسَى بن عبيد الله قَالَ نَا
عبد الله بن ابي سعيد قَالَ نَا مُحَمَّد بن حميد قَالَ نَا
سَلمَة بن الْفضل قَالَ نَا ابو عبد الله البَجلِيّ قَالَ ابو
جاد وهواز وحطي وكلمن وصعفض وقريسيات أَسمَاء
(1/33)
مُلُوك مَدين وَكَانَ ملكهم يَوْم الظلة
فِي زمَان شُعَيْب كلمون
قَالَ ابو عَمْرو وَذكر بعض النَّحْوِيين أَن قَوْلهم أَبُو
جاد وهواز وحطي عَرَبِيَّة وَهِي تجْرِي مجْرى زيد وَعَمْرو
فِي الِانْصِرَاف وكلمن وصعفض وقريسيات أَعْجَمِيَّة لَا
ينصرفن إِلَّا ان قريسيات تصرف كعرفات وَأَذْرعَات
وَقَالَ قطرب إِنَّمَا كتبُوا أبجد بِلَا ألف وَلَا وَاو لَان
هَذَا إِنَّمَا وضع فِي الْكتاب لدلَالَة المتعلم على
الْحُرُوف فكرهوا أَن يطولوا عَلَيْهِ فَلم يُعِيدُوا
الْمِثَال مرَّتَيْنِ فَكَتَبُوا أبجد بِلَا وَاو وَلَا ألف
لِأَن معنى الالف فِي أبجد وَالْوَاو فِي هوز قد أثبت فوضحت
صورتهما وَكلما مثل الْحَرْف مرّة استغني عَن إِعَادَته
وَإِنَّمَا أَثْبَتَت يَاء حطي مَعَ يَاء قريسيات لاخْتِلَاف
الصُّورَتَيْنِ يَعْنِي صورتهَا فِي الطّرف وَصورتهَا فِي
غَيره وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/34)
بَاب ذكر الْبَيَان عَن إعجام الْحُرُوف
ونقطها بِالسَّوَادِ
حَدثنَا أَبُو الْفَتْح شَيخنَا قَالَ نَا احْمَد بن مُحَمَّد
قَالَ نَا احْمَد بن عُثْمَان قَالَ نَا الْفضل بن شَاذان
قَالَ نَا مُحَمَّد بن عِيسَى قَالَ نَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى
قَالَ نَا الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ نَا الاوزاعي قَالَ سَمِعت
يحيى بن ابي كثير يَقُول كَانَ الْقُرْآن مُجَردا فِي
الْمَصَاحِف فَأول مَا أَحْدَثُوا فِيهِ النقط على الْيَاء
وَالتَّاء وَقَالُوا لَا بَأْس بِهِ هُوَ نور لَهُ
قَالَ ابو عَمْرو النقط عِنْد الْعَرَب إعجام الْحُرُوف فِي
سمتها وَقد روى عَن هِشَام الْكَلْبِيّ انه قَالَ اسْلَمْ بن
خدرة اول من وضع الاعجام والتقط والنقط
وَرُوِيَ عَن الْخَلِيل بن احْمَد انه قَالَ الالف لَيْسَ
عَلَيْهَا شَيْء من النقط لانها لَا تلابسها صُورَة اخرى
وَالْبَاء تحتهَا وَاحِدَة وَالتَّاء فَوْقهَا اثْنَتَانِ
والثاء ثَلَاث وَالْجِيم تحتهَا وَاحِدَة وَالْخَاء فَوْقهَا
وَاحِدَة والذال فَوْقهَا وَاحِدَة والشين فَوْقهَا ثَلَاث
وَالضَّاد فَوْقهَا وَاحِدَة وَالْفَاء إِذا وصلت فَوْقهَا
وَاحِدَة وَإِذا انفصلت لم تنقط لانها لَا يلابسها شَيْء من
الصُّور الْقَاف إِذا وصلت فتحتها وَاحِدَة وَقد نقطها نَاس من
فَوْقهَا اثْنَتَيْنِ فَإِذا فصلت لم تنقط لَان
(1/35)
صورتهَا أعظم من صُورَة الْوَاو فاستغنوا
بِعظم صورتهَا عَن النقط وَالْكَاف لَا تنقط لانها اعظم من
الدَّال والذال وَاللَّام لَا تنقط لانها لَا يشبهها شَيْء من
الْحُرُوف وَالْمِيم لَا تنقط لانها لَا تشبه شَيْئا من
الْحُرُوف وقصتها قصَّة اللَّام وَالنُّون إِذا وصلتها
فَوْقهَا وَاحِدَة لانها تَلْتَبِس بِالْبَاء وَالتَّاء والثاء
فَإِذا فصلت لم تنقط استغنوا بِعظم صورتهَا لَان صورتهَا أعظم
من الرَّاء وَالزَّاي وَالْوَاو لَا تنقط لانها اصغر من
الْقَاف فَلم تشبه بِشَيْء من الْحُرُوف وَالْهَاء لَا تنقط
لانها لَا تشبه شَيْئا من الْحُرُوف وقصتها قصَّة الْوَاو
وَلَام الف حرفان قرنا فَلَيْسَ وَاحِد مِنْهُمَا ينقط
وَالْيَاء إِذا وصلت نقطت تحتهَا اثْنَتَيْنِ لِئَلَّا
تَلْتَبِس بِمَا مضى فاذا فصلت لم تنقط
وَقَالَ غير الْخَلِيل حُرُوف المعجم ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ
حرفا مُخْتَلفَة مُنْفَرِدَة فِي التهجي وَهِي سواكن وَقد دخل
فِيهَا لَام الف موصولين لانفرادهما فِي الصُّورَة وَهِي
أَرْبَعَة اصناف صنف مِنْهَا سِتَّة احرف متباينة لَا تحْتَاج
الى الْفَصْل بَينهَا وَبَين غَيرهَا بِشَيْء من النقط اك ل م
وهـ وصنف مِنْهَا سَبْعَة أحرف متلابسة مخلاة ح د ر س ص ط ع
وصنف مِنْهَا أحد عشر حرفا متلابسة يفصل بَينهَا وَبَين مَا
قبلهَا من المتلابسين بالنقط ب ت ث ج خَ ذ ز ش ض ظ غ وصنف
مِنْهَا اربعة احرف تخلى إِذا لم يُوصل بهَا شَيْء وتنقط إِذا
وصل بهَا غَيرهَا ف ق ن ى فَجَمِيع مَا ينقط مِنْهَا لالتباسها
بغَيْرهَا خَمْسَة عشر حرفا مِنْهَا ثَمَانِيَة احرف كل حرف
مِنْهَا بِنُقْطَة وَاحِدَة خَ ذ ز ض ظ غ ف ن وَاثْنَانِ
بنقطتين من فَوْقهمَا ت
(1/36)
ق وَاثْنَانِ بِثَلَاث نقط من فَوْقهمَا ث
ش وَاثْنَانِ بِوَاحِدَة من تحتهما ب ج وحرف وَاحِد بنقطتين من
تَحْتَهُ ى
قَالَ أَبُو عَمْرو أهل الْمشرق ينقطون الْفَاء بِوَاحِدَة من
فَوْقهَا وَالْقَاف بِاثْنَيْنِ من فَوْقهَا وَأهل الْمغرب
ينقطون الْفَاء بِوَاحِدَة من تحتهَا وَالْقَاف بِوَاحِدَة من
فَوْقهَا وَكلهمْ أَرَادَ الْفرق بَينهمَا بذلك
وَرَأَيْت بعض الْعلمَاء قد علل النقط فَقَالَ اعْلَم ان
الْبَاء وَالتَّاء والثاء وَالنُّون وَالْيَاء خَمْسَة احرف
متشابهة الصُّور فِي الْكِتَابَة فلأجل ذَلِك احْتِيجَ أَن
يفرق بالنقط الْمُخْتَلف بَينهَا فواخوا بَين الْبَاء
وَالنُّون وَبَين التَّاء وَالْيَاء فنقطوا الْبَاء وَاحِدَة
من تَحت وَالنُّون وَاحِدَة من فَوق ونقطوا التَّاء
اثْنَتَيْنِ من فَوق وَالْيَاء اثْنَتَيْنِ من تَحت وَبقيت
الثَّاء مُنْفَرِدَة لَا أُخْت لَهَا فنقطوها ثَلَاثًا من فَوق
إِذْ خلت من أُخْت وَلم تخل من شبه
ثمَّ جاؤوا الى الْجِيم والحاء وَالْخَاء وَهن ثَلَاثَة أحرف
متشابهة الصُّور لَيْسَ فِي حُرُوف المعجم مَا يشبههن فابتدؤوا
بالاولى وَهِي الْجِيم فنقطوها بِوَاحِدَة من تَحت واختاروا ان
يجْعَلُوا النقطة من تَحت لَان الْجِيم مَكْسُورَة وأخلوا
الْحَاء من النقط فرقا بَينهَا وَبَين الْجِيم وَأما الْخَاء
فَاخْتَارُوا لَهَا النقط من فَوق لَان اللَّفْظ بِالْخَاءِ
مَفْتُوح
ثمَّ جاؤوا الى الدَّال والذال وهما حرفان متشابهان فأخلوا
الدَّال من النقط فرقا بَينهَا وَبَين اختها ولان مَا قبلهَا
منقوط ونقطوا الذَّال وَاحِدَة من فَوق لَان اللَّفْظ بهَا
مَفْتُوح
(1/37)
ثمَّ فعلوا بالراء وَالزَّاي كَمَا فعلوا
فِي الدَّال والذال
ثمَّ جاؤوا الى السِّين والشين وهما حرفان مشتبهان فأخلوا
السِّين وَهُوَ الْحَرْف الاول من النقط فرقا بَينهَا وَبَين
أُخْتهَا ونقطوا الشين بِثَلَاث من فَوق لانه حرف وَاحِد صورته
صُورَة ثَلَاثَة أحرف واختاروا النقط لَهَا من فَوق ولفظها
مكسور لانها من بَين الْحُرُوف المزدوجة كَثِيرَة النقط
مُخَالفَة فِي ذَلِك سَائِر المنقوط من المزدوج وَالْمُنْفَرد
إِلَّا الثَّاء فَإِن علتها مُخَالفَة لعِلَّة الشين
ثمَّ جاؤوا الى الصَّاد وَالضَّاد فَفَعَلُوا فيهمَا كَمَا
فعلوا فِي الدَّال والذال إِذْ الْعلَّة فيهمَا وَفِي الدَّال
والذال وَاحِدَة
وفعلوا فِي الطَّاء والظاء وَالْعين والغين كفعلهم فِي الدَّال
والذال أَيْضا وَالْعلَّة فِي الْكل عِلّة وَاحِدَة
ثمَّ جاؤوا الى الْفَاء وَالْقَاف وهما حرفان فِي الِانْفِرَاد
تخْتَلف صورتهما وَفِي اول الْكَلَام ووسطه يشتبهان فَإِذا
وَقع أَحدهمَا فِي آخر كلمة مُتَّصِلا بِمَا قبله عَاد الى
صورته فِي الِانْفِرَاد فَلَمَّا اخْتلفت صورتهما فِي مَوضِع
واتفقت فِي مَوضِع اخْتَارُوا لَهما جَمِيعًا النقط وخولف بَين
نقطهما ليفرق بِهِ بَينهمَا فنقطوا الْفَاء وَاحِدَة من فَوق
ونقطوا الْقَاف اثْنَيْنِ من فَوق وَجعلُوا نقط الْجَمِيع من
فَوق لَان مخرج لَفْظهمَا مَفْتُوح
ثمَّ جاؤوا الى الْكَاف فوجدوا صورتهَا مُفْردَة لَا تشتبه
بِصُورَة حرف من
(1/38)
حُرُوف المعجم فأخلوه من النقط لانفراده
بصورته لانه يتَّصل بأوائل الْكَلَام واوساطه وأواخره لَا
ينْفَرد بِذَاتِهِ إِلَّا فِي أَوَاخِر الْكَلَام وَلَا يَقع
فِي أَوَائِل الْكَلَام كوقوع الالف وَهُوَ فِي انْفِرَاده
بشكله مثله فأجروه فِي الاخلاء من النقط مجْرَاه
ثمَّ جاؤوا الى اللَّام وَهُوَ حرف مُنْفَرد الشكل علته عِلّة
الْكَاف فأجروه فِي الإخلاء من النقط مجْرى الالف وَالْكَاف
ثمَّ جاؤوا الى الْمِيم وَهُوَ حرف مُنْفَرد لَا شَبيه لَهُ
علته عِلّة الْكَاف وَاللَّام فأخلوه من النقط وأجروه مجراهما
ثمَّ جاؤوا الى الْوَاو وَهُوَ حرف يشبه الْقَاف فِي
الِانْفِرَاد وَفِي أَوَاخِر الْكَلَام وَيُخَالف شبهه فِي اول
الْكَلَام ووسطه فَكَانَت مُوَافَقَته للقاف فِي الْمَوَاضِع
الَّتِي تخَالف الْقَاف فِيهَا الْفَاء لَا غير فأخلوه من
النقط إِذْ كَانَ شبهه فِي الِانْفِرَاد وَفِي أَوَاخِر
الْكَلَام وَهُوَ الْقَاف منقوطا
ثمَّ جاؤوا الى الْهَاء وَهُوَ حرف مُنْفَرد لَا شبه لَهُ فِي
حُرُوف المعجم لَهُ فِي الْكِتَابَة صُورَتَانِ
مُخْتَلِفَتَانِ فِي ابْتِدَاء الْكَلَام وَفِي وَسطه مشقوق
وَفِي آخِره صُدُور غير مشقوق فأخلوه من النقط لخلو شبهه
وَاخْتِلَاف صورته وَجعلُوا الْخط الَّذِي يشق بِهِ إِذا وَقع
فِي اوائل الْكَلَام ووسطه عوضا من النقط عِنْد اخْتِلَاف
الصُّورَة
قَالَ وَلَو احْتج مُحْتَج فِي هَذَا الْحَرْف فَقَالَ قد
كَانَ يجب أَن ينقط هَذَا لِأَن صورته تخْتَلف فِي الْكِتَابَة
وَمَا اخْتلف من الْحُرُوف المفردة فِي
(1/39)
مَوضِع وَاتفقَ فِي مَوضِع احْتَاجَ الى
النقط ليستدل بِهِ قيل لَهُ قد قُلْنَا إِن الْبَاء وَالتَّاء
نقطا بِوَاحِدَة واثنتين لعِلَّة شبههما بِالْيَاءِ وَالنُّون
ونقطت الثَّاء بِثَلَاث نقط لَان لَهَا اربعة امثلة منقوطة من
جِنْسَيْنِ أَكْثَره بنقطتين فاختير لَهَا ثَلَاث نقط لهَذِهِ
الْعلَّة وَلَيْسَ فِي حُرُوف المعجم حرف صورته صُورَة حرف
وَاحِد نقط بِثَلَاث نقط غَيره ونقطت الشين بِثَلَاث لعِلَّة
شبهها بِالسِّين واختير لَهَا ثَلَاث نقط لَان صورتهَا صُورَة
ثَلَاثَة أحرف وَسَائِر الْحُرُوف المزدوجة والمنفردة اكثر
نقطها اثْنَتَانِ وَهَذَا الْحَرْف يَعْنِي الْهَاء صورته
صُورَة حرف وَاحِد فَبَطل أَن ينقط بِوَاحِدَة لانفراده وَبَطل
أَن ينقط بِاثْنَتَيْنِ لعِلَّة شبهه وَبَطل أَن ينقط بِثَلَاث
نقط فَمَا فَوْقهَا لعِلَّة صورته فَاحْتَاجَ أَن يخلى من
النقط
قَالَ أَبُو عَمْرو وكل هَذَا لطيف حسن
فَإِن قَالَ قَائِل لم نقطت الْبَاء بِوَاحِدَة من تحتهَا هلا
نقطت من فَوْقهَا ونقطت النُّون من تحتهَا مَكَان ذَلِك فرقا
بَينهمَا قيل لَهُ إِنَّمَا نقطت بِوَاحِدَة لما تقدم من
قَوْلنَا إِنَّهَا أول الصُّور الثَّلَاث وَإِن التَّاء
ثانيتها والثاء ثالثتها وَلذَلِك نقطت التَّاء اثْنَتَيْنِ
والثاء ثَلَاثًا وَإِنَّمَا نقطت من تحتهَا للُزُوم الْكسر
لَهَا إِذا كَانَت زَائِدَة جَارة كَالَّتِي فِي اول
التَّسْمِيَة وَإِنَّمَا لَزِمَهَا الْكسر اتبَاعا لعملها إِذْ
كَانَت لَا تعْمل إِلَّا جرا فَجعل نقطها
(1/40)
مُوَافقا لحركتها وألزما مَكَانا وَاحِدًا
لذَلِك ولهذه الْعلَّة نقط أهل الْمغرب الْفَاء من تحتهَا اذ
كَانَ الْكسر وَالْيَاء أَيْضا قد يلحقان بهَا إِذا كَانَت
جَاره وَحمل نقطها على ذَلِك فِي كل مَكَان
فَإِن قيل لم نقطوا الْيَاء بِاثْنَتَيْنِ من تحتهَا قيل لتميز
بذلك من الْبَاء الَّتِي تنقط وَاحِدَة من تحتهَا وَمن التَّاء
الَّتِي تنقط اثْنَتَيْنِ من فَوْقهَا ولمؤاخاتها فِي الْمخْرج
الْجِيم الَّتِي تنقط بِوَاحِدَة من تحتهَا لكَون لَفظهَا
مكسورا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/41)
بَاب ذكر نقط الحركات المشبعات ومواضعهن من
الْحُرُوف
اعْلَم ان الحركات ثَلَاث فَتْحة وكسرة وضمة فموضع الفتحة من
الْحَرْف أَعْلَاهُ لَان الْفَتْح مُسْتَعْمل وَمَوْضِع الكسرة
مِنْهُ أَسْفَله لَان الْكسر مستفل وَمَوْضِع الضمة مِنْهُ
وَسطه أَو امامه لَان الفتحة لما حصلت فِي اعلاه والكسرة فِي
أَسْفَله لاجل استعلاء الْفَتْح وتسفل الْكسر بقى وَسطه
فَصَارَ موضعا للضمة فاذا نقط قَوْله الْحَمد لله جعلت الفتحة
نقطة بالحمراء فَوق الْحَاء وَجعلت الضمة نقطة بالحمراء فِي
الدَّال اَوْ امامها إِن شَاءَ الناقط وَجعلت الكسرة نقطة
بالحمراء تَحت اللَّام وَالْهَاء وَكَذَلِكَ يفعل بِسَائِر
الْحُرُوف المتحركة بالحركات الثَّلَاث سَوَاء كن إعرابا أَو
بِنَاء اَوْ كن عوارض
وَإِنَّمَا جعلنَا الحركات المشبعات نقطعا مُدَوَّرَة على
هَيْئَة وَاحِدَة وَصُورَة متفقة وَلم نجْعَل الفتحة ألفا
مضجعة والكسرة يَاء مَرْدُودَة والضمة واوا صغرى على مَا ذهب
اليه سلف اهل الْعَرَبيَّة إِذْ كن مأخوذات من هَذِه الْحُرُوف
الثَّلَاثَة دلَالَة على ذَلِك اقْتِدَاء منا بِفعل من
ابْتَدَأَ النقط من عُلَمَاء السّلف بِحَضْرَة الصَّحَابَة
رَضِي الله عَنْهُم واتباعا لَهُ واستمساكا بسنته إِذْ
مُخَالفَته مَعَ سابقته وتقدمه لَا تسوغ وَترك اقتفاء أَثَره
فِي ذَلِك
(1/42)
مَعَ مَحَله من الدّين وموضعه من الْعلم
لَا يسع أحدا أَتَى بعده
حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ نَا ابو بكر بن الانباري
قَالَ نَا أبي قَالَ نَا ابو عِكْرِمَة قَالَ قَالَ الْعُتْبِي
قَالَ ابو الاسود للَّذي امسك الْمُصحف إِذا فتحت شفتي فانقط
وَاحِدَة فَوق الْحَرْف وَإِذا ضممتهما فَاجْعَلْ النقطة الى
جَانب الْحَرْف وَإِذا كسرتهما فَاجْعَلْ النقطة فِي اسفله
قَالَ ابو عَمْرو فاتباع هَذَا اولى وَالْعَمَل بِهِ فِي نقط
الْمَصَاحِف احق لَان الَّذِي رَآهُ أَبُو الاسود وَمن
بِحَضْرَتِهِ من الفصحاء وَالْعُلَمَاء حِين اتَّفقُوا على
نقطها أوجه لَا شكّ من الَّذِي رَآهُ من جَاءَ بعدهمْ لتقدمهم
ونفاذ بصريرتهم فَوَجَبَ الْمصير الى قَوْلهم وَلزِمَ الْعَمَل
بفعلهم دون مَا خَالفه وَخرج عَنهُ
على أَن اصطلاحهم على جعل الحركات نقطا كنقط الإعجام قد
يتَحَقَّق من حَيْثُ كَانَ معنى الْإِعْرَاب التَّفْرِيق
بالحركات والإعجام من قَوْلهم اعجمت الشَّيْء إِذا بَينته
وَكَانَ الاعجام ايضا يفرق بَين الْحُرُوف المشتبهة فِي
الرَّسْم وَكَانَ النقط يفرق بَين الحركات المختفلة فِي
اللَّفْظ فَلَمَّا اشْتَركَا فِي الْمَعْنى اشرك بَينهمَا فِي
الصُّورَة وَجعل الاعجام بِالسَّوَادِ وَالْإِعْرَاب
بِغَيْرِهِ فرقا بَين إعجام الْحُرُوف وَبَين تحريكها وَاقْتصر
فِي الاعجام أَولا على النقط من حَيْثُ اريد الايجاز والتقليل
لَان النقط اقل مَا يبين بِهِ وَهَذَا لطيف جدا وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق
(1/43)
|