المحكم في نقط المصاحف بَاب ذكر كَيْفيَّة نقط مَا لَا يشْبع من
الحركات فيختلس اَوْ يخفى اَوْ يشم
اعْلَم ان الْحَرَكَة المختلسة والمخفاة والمرامة والمشمة فِي
الْحَقِيقَة وَالْوَزْن بِمَنْزِلَة المشبعة إِلَّا أَن
الصَّوْت لَا يتم بِتِلْكَ وَلَا يمطط اللَّفْظ بهَا فتخفى
لذَلِك على السَّامع حَتَّى رُبمَا ظن أَن الْحَرْف المتحرك
عَار من الْحَرَكَة وَأَنه مسكن رَأْسا لسرعة النُّطْق
بالمختلسة وتضعيف الصَّوْت وتوهينه بالمخفاة والمرامة والمشبعة
يمطط بهَا اللَّفْظ وَيتم بهَا الصَّوْت فتبدو مُحَققَة
فَإِذا نقط مصحف على مَذْهَب من يختلس حَرَكَة بعض الْحُرُوف
طلبا للخفة وتسهيلا للفظ ويشبع حَرَكَة بَعْضهَا ليدل على
جَوَاز الْوَجْهَيْنِ وَاسْتِعْمَال اللغتين وَأَن الْقِرَاءَة
سنة تتبع وَهُوَ مَذْهَب ابي عَمْرو بن الْعَلَاء من رِوَايَة
الْبَصرِيين عَنهُ فلتجعل عَلامَة الْحَرَكَة المختلسة إِن
كَانَت فَتْحة نقطة فَوق الْحَرْف وان كَانَت كسرة نقطة
تَحْتَهُ وَإِن كَانَت ضمة نقطة فِيهِ اَوْ أَمَامه
(1/44)
ولتجعل عَلامَة الْحَرَكَة المشبعة إِن
كَانَت فَتْحة الْفَا مضجعة وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ بعض ألف ممالة
وَإِن كَانَت كسرة يَاء مَرْدُودَة صغرى وَإِن كَانَت ضمة واوا
صغرى قَالَ سِيبَوَيْهٍ فَأَما الَّذين يشبعون فيمططون
وعلامتهما يَاء وواو
قَالَ أَبُو عَمْرو وَهَذَا عِنْد أهل النقط فِي الْمُخْتَلف
فِيهِ من الحركات خَاصَّة دون الْمُتَّفق عَلَيْهِ مِنْهُنَّ
فَأَما الفتحة المختلسة فِي مذْهبه فَفِي الْهَاء وَالْخَاء من
قَوْله {أم من لَا يهدي} فِي يُونُس و {هم يخصمون} فِي يس واما
الكسرة المختلسة فَفِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى بارئكم} و
{عِنْد بارئكم} وَفِي قَوْله {أَنا أمرنَا} و {أَرِنِي} حَيْثُ
وَقعا وَأما الضمة المختلسة فَفِي نَحْو قَوْله {يَأْمُركُمْ}
و {يَأْمُرهُم} و {مَا يشعركم} و {ينصركم}
وَأما الْحَرَكَة المشبعة فِي مذْهبه فَفِي مَا عدا هَؤُلَاءِ
الْكَلم نَحْو قَوْله {يبشرهم} و {لَا يحزنهم} و {ويحذركم} و
{يسيركم} وَمَا أشبه مِمَّا تتوالى فِيهِ الحركات
(1/45)
ونقط الْحَرَكَة المخفاة والمرامة كنقط
المختلسة سَوَاء يَجْعَل فِي موضعهَا نقطة فَقَط فَإِذا نقط
قَوْله تَعَالَى {فَنعما} و {لَا تعدوا} {وَيهْدِي} و {يخصمون}
على مَذْهَب من أخْفى الْعين وَالْهَاء وَالْخَاء فِي
هَؤُلَاءِ الْكَلم من أَئِمَّة الْقِرَاءَة جعل تَحت الْعين من
{فَنعما} نقطة وَفَوق الْعين وَالْهَاء وَالْخَاء من {تعدوا} و
{يهدي} و {يخصمون} نقطة
وَإِذا نقط جَمِيع مَا تقدم مِمَّا اختلس الْحَرَكَة فِيهِ ابو
عَمْرو اَوْ اخفاها اَوْ رامها هُوَ وَغَيره على مَذْهَب من
اشبعها فِيهِ جعل عَلامَة الفتحة فِي قَوْله {لَا تعدوا} و
{يهدي} و {يخصمون} الْفَا صغرى مضجعة فَوق الْعين وَالْهَاء
وَالْخَاء كَمَا ترى وَجعل عَلامَة الْكسر فِي قَوْله {بارئكم}
و {أرنا} و {أَرِنِي} و {فَنعما} يَاء صغرى تَحت الْهمزَة
وَالرَّاء وَالْعين كَمَا ترى وَجعل عَلامَة الضمة فِي قَوْله
{يَأْمُركُمْ} و {يَأْمُرهُم} و {ينصركم} و {يشعركم} واوا صغرى
أَمَام الرَّاء أَو فَوْقهَا كَمَا ترى
فَتكون النقط وَهَذِه الْحُرُوف الثَّلَاثَة فرقا بَين مَا لم
يتم الصَّوْت بِهِ من
(1/46)
الحركات وَلم يشْبع اللَّفْظ بِهِ
مِنْهُنَّ وَبَين مَا أتم بِهِ الصَّوْت ومطط بِهِ النُّطْق
ويميز الجنسان وَيبين النوعان وتدرك حقيقتهما بذلك
فَإِن قَالَ قَائِل لم جعلتم عَلامَة الْحَرَكَة المشبعة فِي
هَذَا الضَّرْب الْفَا وياء وواوا وَقد انكرتم ذَلِك قبل فِي
سَائِر الحركات ودللتم على صِحَة ذَلِك بالْخبر الَّذِي
رويتموه عَن ابي الاسود مبتدىء النقط قيل لَهُ جعلنَا ذَلِك
علامتها فِيهِ ليمتاز الِاخْتِلَاف ويرتفع الْإِشْكَال فِي
معرفَة الْحَرَكَة المشبعة وَغير المشبعة أَلا ترى أَنا لم
نستعمل ذَلِك فِيمَا اتّفق على اشباع الْحَرَكَة فِيهِ إِذْ لم
يحْتَج الى تَمْيِيز وَلَا فرقان هَذَا مَعَ اقتدائنا فِي
ذَلِك بِمن سنة من عُلَمَاء اللُّغَة ومتقدمي النُّحَاة وَهُوَ
الْخَلِيل بن احْمَد رَحمَه الله وَعَامة اصحابه إِذْ عدمنا
الرِّوَايَة فِيهِ عَمَّن تقدمه مِمَّن ابْتَدَأَ بنقط
الْمَصَاحِف من التَّابِعين وَغَيرهم
فصل قَالَ ابو عَمْرو فَأَما الْحَرَكَة المشمة فِي نَحْو
قَوْله {سيء} و {سيئت} و {قيل} و {غيض} و {سيق} و {حيل} و
{جائ} فحقيقته ان ينحى بكسره اوائل هَذِه الافعال نَحْو الضمة
يَسِيرا ليدل بذلك على أَن الضَّم الْخَالِص اصلها كَمَا ينحى
بالفتحة المماله نَحْو الكسرة
(1/47)
قَلِيلا ليدل بذلك ايضا على انقلاب الالف
عَن الْيَاء وليقرب بذلك من كسرة قبلهَا وَبعدهَا
فَإِذا نقطت هَذِه الْحُرُوف على قِرَاءَة من أَشمّ اولها
الضَّم جعل امام السِّين وَالْقَاف والغين والحاء وَالْجِيم
نقطة بالحمراء ليدل بذلك على إشمامها وَأَنه نحي بكسرتها نَحْو
تِلْكَ الضمة وَإِن تركت الْحُرُوف عَارِية من تِلْكَ النقطة
وَأخذ ذَلِك مشافهة عَن الْقُرَّاء كَانَ حسنا لَان الْقَارئ
رُبمَا اشبع تِلْكَ الضمة وأخلصها فَخرج بذلك عَن مَذَاهِب
أَئِمَّة الْقِرَاءَة فَإِن لم يفعل ذَلِك وتحا بالكسرة فِي
ذَلِك نَحْو الضمة كَمَا يجب فَجعل النقطة دلَالَة على ذَلِك
ابين وأدل على النُّطْق
فصل
وَأما الفتحة الممالة فِي نَحْو قَوْله {النَّار} و
{النَّهَار} و {الْكَافرين} و {النَّصَارَى} و {أُسَارَى}
وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا تمال فَتحته لكسرة تَلِيهَا أَو
الْألف تمال بعْدهَا لكسرة أَو يَاء فَإِنَّهُ إِن نقطت هَذِه
الفتحة جعلت نقطة تَحت الْحَرْف الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ كَمَا
تجْعَل الكسرة سَوَاء وَذَلِكَ من حَيْثُ قربت بالامالة
مِنْهَا فَلذَلِك جرت فِي النقط مجْراهَا كَمَا فعل بالكسرة
المشمة المنحو بهَا نَحْو الضمة فِيمَا تقدم حِين جعلت ضمة
لذَلِك وَإِن خيف إخلاص تِلْكَ الكسرة ترك الْحَرْف عَارِيا
مِنْهَا الى أَن تَأتي المشافهة على ذَلِك وَبِاللَّهِ
التَّوْفِيق
(1/48)
بَاب ذكر التَّشْدِيد والسكون وكيفيتهما
اعْلَم ان التَّشْدِيد ينقط على وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن تجْعَل علامته أبدا فَوق الْحَرْف وَيعرف
الْحَرْف بالحركات اللائي يلحقنه فَإِن كَانَ المشدد
مَفْتُوحًا جعل على الشدَّة نقطة عَلامَة لِلْفَتْحِ نَحْو
قَوْله {إِن رَبك} و {المصدقين} و {الظَّالِمين} و {الرَّحْمَن
الرَّحِيم} وَشبهه وَإِن كَانَ مكسورا جعل تَحت الْحَرْف نقطة
عَلامَة للكسر وَجعلت الشدَّة فَوْقه وَذَلِكَ نَحْو قَوْله
{رب الْعَالمين} و {لَا آمين} و {من عَدو} و {لجي} وَشبهه
وَإِن كَانَ مضموما جعل أَمَام الْحَرْف نقطة عَلامَة للضم
وَجعلت الشدَّة فَوْقه نَحْو {رب الْعَرْش} و {ولي الَّذين} و
{غَنِي حميد} وَشبهه
وَصُورَة التَّشْدِيد على هَذَا الْمَذْهَب شين وَهِي كَمَا
ترى ب وَإِنَّمَا جعلت الشين عَلامَة لَهُ لانه يُرَاد أول
شَدِيد وَهَذَا مَذْهَب الْخَلِيل
(1/49)
وسيبويه وَعَامة أصحابهما وعَلى ذَلِك
سَائِر أهل الْمشرق من النقاط وَغَيرهم
وَالْوَجْه الثَّانِي ان تجْعَل عَلامَة التَّشْدِيد دَالا
فَوق الْحَرْف إِذا كَانَ مَفْتُوحًا وَتَحْته إِذا كَانَ
مكسورا وأمامه إِذا كَانَ مضموما وَبَعض اهل النقط يَجْعَل
مَعَ الشدَّة الحركات تَأْكِيدًا فِي الدّلَالَة على حَقِيقَة
إِعْرَاب الْكَلم وحركات الْحُرُوف وَبَعْضهمْ لَا يجعلهن مَعَ
ذَلِك لما فِي صورته وَمُخَالفَة جعله فِي الْحُرُوف من
الدَّلِيل على كَيْفيَّة الْإِعْرَاب والتحريك وَبَعْضهمْ
يجعلهن مَعهَا فِي أَطْرَاف الْكَلم خَاصَّة دون حشوهن لكَون
الْأَطْرَاف مَوَاضِع الْإِعْرَاب وَهُوَ مَذْهَب حسن
وَصُورَة التَّشْدِيد على هَذَا الْمَذْهَب فِي المفتوح كَمَا
ترى ث وَفِي المكسور ب وَفِي المضموم ت والى هَذَا الْوَجْه
ذهب نقاط اهل الْمَدِينَة من سلفهم وخلفهم وعَلى اسْتِعْمَاله
وَاتِّبَاع اهل الْمَدِينَة فِيهِ عَامَّة اهل بلدنا قَدِيما
وحديثا وَهُوَ الَّذِي أخْتَار وَبِه انقط
حَدثنَا أَحْمد بن عمر القَاضِي قَالَ نَا مُحَمَّد بن مُنِير
قَالَ حَدثنَا عبد الله بن عِيسَى قَالَ نَا قالون أَن فِي
مصاحف اهل الْمَدِينَة مَا كَانَ من حرف مشدد فَعَلَيهِ دَال
وفتحه الدَّال فَوق قَالَ وَإِن كَانَ يرجع الى الْكسر فَمن
تَحت الْحَرْف قَالَ أَبُو عَمْرو وَلم يذكر قالون الضَّم
وَإِنَّمَا جعل أهل الْمَدِينَة عَلامَة التَّشْدِيد دَالا من
حَيْثُ الدَّال آخر كلمة شَدِيد فدلوا عَلَيْهِ بآخر حرف من
كَلمته كَمَا دلّ عَلَيْهِ النحويون ونقاط الْمشرق بِأول حرف
من كَلمته وَفِي كل وَاحِد من الحرفين الشين وَالدَّال دلَالَة
عَلَيْهِ غير أَن اتِّبَاع أهل الْمَدِينَة اولى وَالْعَمَل
بقَوْلهمْ ألزم
(1/50)
فَأَما مَا يَسْتَعْمِلهُ نَاس من النقاط
من جعل الشدَّة فِي الْحَرْف المفتوح والمكسور قَائِمَة
الطَّرفَيْنِ تَحْتَهُ أبدا وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {إياك}
و {رب الْعَالمين} و {الضَّالّين} وَشبهه وتعريبهم الْحَرْف
بحركته وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى فِي المفتوح ب وَفِي المكسور
ب فخطأ لَا وَجه لَهُ مَعَ خُرُوجه عَن فعل نقاط السّلف
وَاسْتِعْمَال عَامَّة الْخلف من أهل الْمشرق وَالْمغْرب
فصل
فَأَما السّكُون فعامة اهل بلدنا قَدِيما وحديثا يجْعَلُونَ
علامته جرة فَوق الْحَرْف الْمسكن سَوَاء كانه همزَة اَوْ
غَيرهَا من سَائِر حُرُوف المعجم نَحْو قَوْله {إِن يَشَأْ} و
{هيئ} و {تَسُؤْكُمْ} و {أنبئهم} و {أَرَأَيْت} و
{أَفَرَأَيْتُم} وَشبهه
وَأهل الْمَدِينَة يجْعَلُونَ علامته دارة صَغِيرَة فَوق
الْحَرْف وَكَذَا يجْعَلُونَ هَذِه الدارة على الْحَرْف
الْخَفِيف الْمُخْتَلف فِيهِ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف
والحرف الَّذِي يخَاف ان يشدده من لَا معرفَة لَهُ دلَالَة على
خفته حَدثنَا احْمَد بن مَحْفُوظ قَالَ نَا مُحَمَّد بن احْمَد
قَالَ نَا عبد الله بن عِيسَى قَالَ نَا قالون أَن فِي مصاحف
أهل الْمَدِينَة مَا كَانَ من حرف مخفف دارة حمرَة وَإِن كَانَ
حرفا مسكنا فَكَذَلِك أَيْضا
قَالَ ابو عَمْرو وَأهل الْعَرَبيَّة من سِيبَوَيْهٍ وَعَامة
أَصْحَاب يجْعَلُونَ علامته خاء
(1/51)
يُرِيدُونَ بذلك اول كلمة خَفِيف وَذَلِكَ
أَرَادَ نقاط اهل بلدنا إِلَّا انهم اختصروها بِأَن حذفوا
رَأسهَا وبقوا مطتها فَصَارَت جرة كألف مبطوحة لِكَثْرَة
اسْتِعْمَال هَذَا الضَّرْب وتكرره
وَمن أهل الْعَرَبيَّة من يَجْعَل علامته هَاء من حَيْثُ
اخْتصَّ بهَا الْوَقْف الَّذِي يلْزم فِيهِ تسكين المتحرك
وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {كِتَابيه} و {حسابيه} و {ماليه}
وَشبهه وَمن حَيْثُ كَانَت أَيْضا عِنْد النَّحْوِيين
الْبَصرِيين حرفا غير حاجز وَلَا فاصل ككون السَّاكِن كَذَلِك
سَوَاء لاشْتِرَاكهمَا فِي الخفة والخفاء فَلذَلِك جعلت
عَلامَة لَهُ وَدلَالَة عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا اكتفوا فِي عَلامَة المخفف والمشدد بِالْخَاءِ
والشين وَحدهمَا ودلوا بهما على خَفِيف وشديد من حَيْثُ جرى
اسْتِعْمَال الْعَرَب لمثل ذَلِك فِي كَلَامهم فلفظوا بالحرف
الْوَاحِد من الْكَلِمَة ودلوا بِهِ على سائرها إيجازا
واختصارا قَالَ الشَّاعِر ... نادوهم إِذْ ألجموا ألاتا ...
قَالُوا جَمِيعًا كلهم ألافا ...
(1/52)
يُرِيد أَلا تَرْكَبُونَ وَألا فاركبوا
فَنَطَقَ من الْكَلِمَة الاولى بتاء وَمن الثَّانِيَة بفاء
وَدلّ بالحرفين على الرّكُوب فَكَذَلِك دلّ بِالْخَاءِ والشين
على خَفِيف وشديد وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/53)
بَاب ذكر الْمَدّ وموضعه فِي الْحُرُوف
اعْلَم ان نقاط بلدنا جرت عَادَتهم قَدِيما وحديثا على أَن
جعلُوا على حُرُوف الْمَدّ واللين الثَّلَاثَة الالف وَالْيَاء
وَالْوَاو مطة بالحمراء دلَالَة على زِيَادَة تمكينهن وَذَلِكَ
عِنْد لقيهن الهمزات والحروف السواكن فالالف نَحْو {بِمَا أنزل
إِلَيْك} و {مَا أنزل من قبلك} و {خَائِفين} و {الضَّالّين} و
{العادين} و {من حاد الله} وَمَا أشبهه وَالْيَاء نَحْو {يَا
بني إِسْرَائِيل} و {يضيء} و {بريئون} وَمَا أشبهه وَالْوَاو
نَحْو {قَالُوا آمنا} و {قوا أَنفسكُم} و {ثَلَاثَة قُرُوء} و
{أتحاجوني} و {تأمروني} وَمَا أشبهه
وَلَا يجوز ان تجْعَل هَذِه المطة على الْحَرْف المتحرك قبل
حرف الْمَدّ كَمَا يفعل ذَلِك قوم من جهلة النقاط وأغبياء
المعلمين لَان الصَّوْت لَا يَمْتَد بمتحرك وَإِنَّمَا يَمْتَد
بالحروف الثَّلَاثَة لكونهن مَعَ نداوتهن سواكن
(1/54)
وَكَذَا لَا يَنْبَغِي ان يُخَالف بالمطة
فِي الالف وَالْيَاء وَالْوَاو بل تجْعَل من فوقهن ابدا
لكَونهَا صَوتا يهوي الى الْحلق وَيخرج مَا ئلا الى الهمزات
والسواكن قَلِيلا وَذَلِكَ من حَيْثُ كَانَت حُرُوف الْمَدّ
اصواتا ينقطعن عِنْد الهمزات وَيَنْتَهِي تمطيطهن اليهن ويتصلن
ايضا بالسواكن فَيلْزم ان تقرب المطة فِي النقط من ذَلِك
ليَكُون دَلِيلا على ان انْقِطَاع الصَّوْت لحرف الْمَدّ
عِنْده
وَهَذَا اذا كَانَ مرسوما فِي الْخط ثَابتا فِي الْكِتَابَة
فَإِن كَانَ محذوفا من ذَلِك لعِلَّة اَوْ كَانَ حرفا زَائِدا
صلَة لهاء ضمير اَوْ لميم جَمِيع فَفِيهِ وَجْهَان احدهما ان
يرسم بالحمرة وَتجْعَل المطة عَلَيْهِ وَالثَّانِي الا يرسم
وَتجْعَل تِلْكَ المطة فِي مَوْضِعه دلَالَة على حذفه من
الرَّسْم وثباته فِي اللَّفْظ فالالف المحذوفة نَحْو
{أُولَئِكَ} و {الْمَلَائِكَة} و {يَا أَيهَا} {يَا أولي}
وَهَؤُلَاء وَمَا اشبهه وَالْيَاء المحذوفة نَحْو النبئين
وَبِه ان كُنْتُم وبتأويله انا وَمَا اشبهه وَكَذَا الداع اذا
وَلَئِن اخرتن الى وان ترن انا وَمَا اشبهه على قِرَاءَة من
اثْبتْ الْيَاء فِي ذَلِك وَسوى بَين الْمُتَّصِل والمنفصل فِي
حُرُوف الْمَدّ وَالْوَاو المحذوفة نَحْو فأوا الى الْكَهْف
وان تلوا اَوْ تعرضوا وليسئوا وُجُوهكُم على قِرَاءَة من قرا
ذَلِك كَذَلِك وَكَذَا آتا كم ان رَبك وَعَلَيْكُم انفسكم على
قِرَاءَة من ضم مِيم
(1/55)
الْجمع وَوَصلهَا بواو وَلم يُمَيّز بَين
الْمُنْفَصِل والمتصل فِي حُرُوف الْمَدّ وَكَذَلِكَ تَأْوِيله
الا الله واذ جَاءَهُ الْيَسْ وَمَا اشبه ذَلِك حَيْثُ وَقع
وَعَامة نقاط اهل الْعرَاق من السّلف وَالْخلف لَا يجْعَلُونَ
فِي الْمَصَاحِف عَلامَة للسكون وَلَا للتشديد وَلَا للمد بل
يعرون الْحُرُوف من ذَلِك كُله وَالْفرق عِنْدهم بَين المشدد
والمخفف جعل نقطة على الْحَرْف المشدد واعراء الْحَرْف المخفف
مِنْهَا فَقَط
واذ كَانَ سَبَب نقط الْمَصَاحِف تَصْحِيح الْقِرَاءَة
وَتَحْقِيق الالفاظ بالحروف حَتَّى يتلَقَّى الْقُرْآن على مَا
نزل من عِنْد الله تَعَالَى وتلقي من رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَنقل عَن صحابته رضوَان الله عَلَيْهِم واداه
الائمة رَحِمهم الله تَعَالَى فسبيل كل حرف ان يُوفى حَقه
بالنقط مِمَّا يسْتَحقّهُ من الْحَرَكَة والسكون والشد
وَالْمدّ والهمز وَغير ذَلِك وَلَا يخص بِبَعْض ذَلِك دون كُله
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/56)
|