المحكم في نقط المصاحف

بَاب ذكر التَّنْوِين اللَّاحِق الاسماء وَكَيْفِيَّة صورته وَمَوْضِع جعله
اعْلَم ان التَّنْوِين حرف من الْحُرُوف وَهُوَ سَاكن فِي الْخلقَة ومخرجه من الخيشوم وَلَا يَقع ابدا الا فِي اواخر الاسماء خَاصَّة
وَالدَّلِيل على أَنه حرف من الْحُرُوف لُزُوم الَّذِي يلْحق جَمِيع الْحُرُوف السواكن لَهُ من التحريك للساكنين فِي نَحْو {رحِيما النَّبِي} وَمن إِلْقَاء حَرَكَة الْهمزَة عَلَيْهِ فِي نَحْو {كفوا أحد} وَمن الْحَذف فِي نَحْو {عُزَيْر ابْن الله} و {أحد الله} على قِرَاءَة من قَرَأَ ذَلِك كَذَلِك وَمن الادغام فِي نَحْو {غَفُور رَحِيم} و {يَوْمئِذٍ لَا تَنْفَع} و {أَلِيم مَا يود} وَشبه ذَلِك فلولا أَنه كَسَائِر السواكن لم يلْحقهُ مَا يلحقهن من التَّغْيِير بالوجوه الْمُتَقَدّمَة

(1/57)


وَإِنَّمَا لزم الاطراف خَاصَّة من حَيْثُ كَانَ مَخْصُوصًا بمتابعة حَرَكَة الاعراب الَّتِي تلْزم ذَلِك الْموضع وتختص بِهِ وَذَلِكَ من حَيْثُ كَانَ الاعراب دَاخِلا لإِفَادَة الْمعَانِي وَكَانَ زَائِدا على الِاسْم
فَإِن كَانَ الِاسْم الَّذِي يَقع آخِرَة مجرورا جعل تَحت الْحَرْف نقطتان إِحْدَاهمَا الْحَرَكَة وَالثَّانيَِة علامته وَسَوَاء كَانَ الْحَرْف مخففا اَوْ مشددا وَإِن كَانَ مَرْفُوعا جعل أَمَام الْحَرْف نقطتان أَيْضا وَإِن كَانَ مَنْصُوبًا فَكَذَلِك أَيْضا إِلَّا أَن اهل النقط مُخْتَلفُونَ فِي الْموضع الَّذِي تجْعَل فِيهِ النقطتان وَسَنذكر ذَلِك مشروحا ونبين وَجه الصَّوَاب من اخْتلَافهمْ فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله فالمجرور نَحْو قَوْله {من رب} {رب رَحِيم} و {من عَذَاب أَلِيم} وَشبهه وَالْمَرْفُوع نَحْو قَوْله {صم بكم عمي} وَمَا أشبهه
فَإِن قَالَ قَائِل من أَيْن جعل أهل النقط عَلامَة التَّنْوِين الَّذِي هُوَ نون خَفِيفَة فِي اللَّفْظ نقطة كنقطة الْحَرَكَة قيل من حَيْثُ جعلهَا عَلامَة لذَلِك من ابْتَدَأَ النقط من السّلف اتبَاعا لَهُ واقتداء بِهِ كَمَا حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ الْكَاتِب قَالَ نَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم قَالَ نَا أبي قَالَ نَا ابو عِكْرِمَة قَالَ قَالَ الْعُتْبِي قَالَ ابو الاسود للرجل الَّذِي امسك عَلَيْهِ الْمُصحف حِين ابْتَدَأَ بنقطه فَإِن اتبعت شَيْئا من هَذِه الحركات غنة فانقطه نقطتين
قَالَ أَبُو عَمْرو وَيَعْنِي بالغنة التَّنْوِين لانه غنة من الخيشوم

(1/58)


فَإِن قَالَ فَمن أَيْن اصْطَلحُوا على جعل علامته عَلامَة الْحَرَكَة قيل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه لما كَانَ مَخْصُوصًا بمتابعة الحركات دون السواكن جعلُوا علامته فِي النقط علامتهن إشعارا بذلك التَّخْصِيص وإعلاما بِهِ وَالثَّانِي أَن الْحَرَكَة لما لَزِمت أَوَائِل الْكَلم وَلزِمَ التَّنْوِين أواخرهن واجتمعا مَعًا فِي الثَّبَات فِي الْوَصْل والحذف فِي الْوَقْف تَأَكد مَا بَين الْحَرَكَة والتنوين بذلك فَجعلت علامته علامتها دلَالَة على ذَلِك التَّأْكِيد وتنبيها على تناسب مَا بَينهمَا فِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يثبت بثبات الآخر وَيسْقط بسقوطه
فَإِن قيل فَهَلا جعلُوا علامته السّكُون من حَيْثُ كَانَ سَاكِنا قيل لم يَفْعَلُوا ذَلِك لما عدمت صورته فِي الْخط لزيادته والسكون وَالْحَرَكَة لَا يجعلان إِلَّا فِي حرف ثَابت الْخط قَائِم الصُّورَة
فَإِن قيل فَلم لم يرسم نونا فِي الْخط على اللَّفْظ قيل لم يرسم نونا من حَيْثُ كَانَ زَائِدا فِي الِاسْم الَّذِي يلْحق آخِره فرقا بَين مَا ينْصَرف وَبَين مَا لَا ينْصَرف من الاسماء لِئَلَّا يشْتَبه الزَّائِد لِمَعْنى الَّذِي يلْحقهُ التَّغْيِير فِي بعض الاحوال بالأصلي اللَّازِم الَّذِي لَا يتَغَيَّر كَقَوْلِه {وَأحسن كَمَا أحسن الله إِلَيْك} و {لَا تمنن تستكثر} و {لَا تحزن عَلَيْهِم} وَشبه ذَلِك فَلَو رسم التَّنْوِين نونا وَهُوَ زَائِد يتَغَيَّر فِي حَال الْوَقْف لاشتبه بالنُّون الاصلية فِي هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي لَا يلْحقهَا تَغْيِير فِي وصل وَلَا وقف فَفرق بَينهمَا بالحذف وَالْإِثْبَات

(1/59)


ليتميزا بذلك وَلأَجل الْفرق بَينهمَا خُولِفَ فِي التَّسْمِيَة بَينهمَا فَقيل للأصلي نون وللزائد تَنْوِين لينفصلا بذلك وَتعلم الْمُخَالفَة بَينهمَا بِهِ
فَأَما الْمَنْصُوب الْمنون فَإِنَّهُ يُبدل مِنْهُ فِي حَال الْوَقْف الْفَا لخفته وَكَذَلِكَ جَاءَ مرسوما فِي الْكِتَابَة دلَالَة على ذَلِك
وَاخْتلف نقاط الْمَصَاحِف فِي كَيْفيَّة نقطه على أَرْبَعَة أوجه
فَمنهمْ من ينقط بِأَن يَجْعَل نقطتين بالحمراء على تِلْكَ الالف المرسومة ويعري الْحَرْف المتحرك مِنْهُمَا وَمن إِحْدَاهمَا وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى {غَفُورًا رحِيما} {شَيْئا} {خطئا} {هزوا} و {كلا} و {غلا} وَكَذَا إِن كَانَ الِاسْم الْمنون مَقْصُورا وصورت لامه يَاء دلَالَة على اصله يجْعَلُونَ النقطتين ايضا على تِلْكَ الْيَاء لانها تصير الْفَا فِي الْوَقْف وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {هدى} و {غزى} و {أَذَى} و {مُسَمّى} وَشبهه وَهَذَا مَذْهَب ابي مُحَمَّد اليزيدي وَعَلِيهِ نقاط اهل المصرين الْبَصْرَة والكوفة ونقاط أهل الْمَدِينَة
وَمِنْهُم من يَجْعَل النقطتين مَعًا على الْحَرْف المتحرك ويعري تِلْكَ الالف وَتلك الْيَاء مِنْهُمَا وَمن إِحْدَاهمَا وَصُورَة ذَلِك فِي الالف كَمَا ترى {عليما حكيما} {خطئا} {مُتكئا} {كفوا} وَفِي الْيَاء {مصلى} و {غزى} و {مصفى} وَشبهه وَهَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَأَصْحَابه

(1/60)


وَمِنْهُم من يَجْعَل إِحْدَى النقطتين وَهِي الْحَرَكَة على الْحَرْف المتحرك وَيجْعَل الثَّانِيَة وَهِي التَّنْوِين على الالف وعَلى الْيَاء وَصُورَة ذَلِك فِي الالف كَمَا ترى {عذَابا أَلِيمًا} {ملْجأ} {جُزْءا} وَفِي الْيَاء {مولى عَن مولى} و {غزى} و {سوى} وَشبهه
وَمِنْهُم من يَجْعَل نقطة وَاحِدَة على الْحَرْف المتحرك ونقطتين على الالف وَصُورَة ذَلِك كَمَا ترى {وعادا وَثَمُود} و {مثلا رجلا} {ردْءًا} وَفِي الْيَاء {هدى} {عمي} {غزى} {سدى} وَشبهه وَذهب الى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ قوم من متأخري النقاط وَلَا إِمَام لَهُم فيهمَا علمناه
فَأَما عِلّة من جعل النقطتين مَعًا على الالف فَإِنَّهُ لما كَانَ التَّنْوِين ملازما للحركة مُتَابعًا لَهَا غير منفك مِنْهَا وَلَا مُنْفَصِل عَنْهَا فِي حَال الْوَصْل وَلَا مُنْفَرد دونهَا فِي اللَّفْظ يلْزمه مَا يلْزمهَا من الثَّبَات فِي الْوَصْل ويلحقه مَا يلْحقهَا من الْحَذف فِي الْوَقْف وَكَانَ النقط كَمَا قدمْنَاهُ مَوْضُوعا على الْوَصْل دون الْوَقْف بِدَلِيل تعريبهم أَوَاخِر الْكَلم وتنوينهم الْمنون مِنْهَا وَكَانَ ذَلِك من فعل من ابْتَدَأَ بالنقط من السّلف الَّذين مخالفتهم خُرُوج عَن الِاتِّبَاع وَدخُول فِي الابتداع وَكَانَ الَّذين عنوا بِكِتَابَة الْمَصَاحِف من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قد رسموا بعد الْحَرْف المتحرك فِي جَمِيع مَا تقدم ألفا وَهِي الَّتِي تعوض من التَّنْوِين فِي حَال الْوَقْف أَو يَاء تعود الْفَا فِيهِ وَلم يكن بُد من إِثْبَات علامته

(1/61)


فِي النقط دلَالَة على صرف مَا ينْصَرف من الاسماء جعل نقطة على الْحَرْف المعوض مِنْهُ وَهُوَ الالف وعَلى الْحَرْف الَّذِي يَنْقَلِب الى لَفظهَا وَهُوَ الْيَاء وَضم اليها النقطة الاخرى الَّتِي هِيَ الْحَرَكَة فحصلتا مَعًا على الالف ففهم بذلك وَكيد حَالهمَا وَعرف بِهِ شدَّة ارتباطهما وَعلم انهما لَا يفترقان وَلَا ينفصلان وَلَا لفظا وَلَا نقطا باجتماعهما على حرف وَاحِد وملازمتهما مَكَانا وَاحِد
وَصَارَت الالف بذلك أولى من الْحَرْف المتحرك من قبل انهما لَو جعلتا عَلَيْهِ لبقيت الالف عَارِية من عَلامَة مَا هِيَ عوض مِنْهُ مَعَ الْحَاجة الى معرفَة ذَلِك فَتَصِير حِينَئِذٍ غير دَالَّة على معنى وَلَا مفيدة شَيْئا فَيبْطل مَا لأَجله رسمت وَله اختيرت من بَين سَائِر الْحُرُوف وَتَكون لَا معنى لَهَا فِي رسم وَلَا لفظ إِلَّا الزِّيَادَة لَا غير دون إِيثَار فَائِدَة وَلَا دلَالَة على معنى يحْتَاج ويضطر اليه فَلَمَّا كَانَت الالف بِخِلَاف ذَلِك وَكَانَ رسمها إِنَّمَا هُوَ للدلالة على الْوَقْف والاعلام بِأَنَّهَا مبدلة فِيهِ من التَّنْوِين وَجب ان تجْعَل النقطة الَّتِي هِيَ علامته عَلَيْهَا ضَرُورَة إِذْ هِيَ هُوَ وَإِذا وَجب ذَلِك لم يكن بُد من ضم النقطة الثَّانِيَة إِلَيْهَا فتحصلان مَعًا على الالف إِذْ لَا تفترقان وَلَا تنفصلان كَمَا بَيناهُ
وَهَذَا الْمَذْهَب فِي نقط ذَلِك أخْتَار وَبِه اقول وَعَلِيهِ الْجُمْهُور من النقاط
وَأما عِلّة من جعل النقطتين مَعًا الْحَرَكَة والتنوين على الْحَرْف المتحرك فَإِنَّهُ لما كَانَت إِحْدَاهمَا هِيَ الْحَرَكَة جعلهَا على الْحَرْف المتحرك دلَالَة على تحريكه بهَا ثمَّ ضم إِلَيْهَا الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ التَّنْوِين لامتناعهما من الِانْفِصَال والافتراق
وَأما عِلّة من جعل إِحْدَى النقطتين على الْحَرْف المتحرك وَالثَّانيَِة على الالف فَإِنَّهُ لما كَانَت إِحْدَاهمَا هِيَ الْحَرَكَة جعلهَا على الْحَرْف المحرك بهَا وَلما كَانَت

(1/62)


الثَّانِيَة هِيَ التَّنْوِين جعلهَا على الْحَرْف الْمُبدل مِنْهُ وَهُوَ الالف تأدية لهَذَا الْمَعْنى وإعلاما بِهِ
وَأما عِلّة من جعل ثَلَاث نقط على الْحَرْف المتحرك ونقطتين على الالف فَإِنَّهُ لما كَانَت إِحْدَى النقطتين حَرَكَة الْحَرْف المتحرك جعلهَا عَلَيْهِ كَمَا تجْعَل سَائِر الحركات على الْحُرُوف المتحركة بِهن ثمَّ أَعَادَهَا مَعَ التَّنْوِين لارتباطه بهَا وملازمته إِيَّاهَا وَامْتِنَاع كل وَاحِد مِنْهُمَا من الِانْفِصَال عَن صَاحبه أَعنِي التَّنْوِين عَن الْحَرَكَة وَالْحَرَكَة عَن التَّنْوِين تَأْكِيدًا وَدلَالَة على هَذَا الْمَعْنى فتحقق لَهُ بذلك وَجْهَان أَحدهمَا إِيفَاء المتحرك حَقه من حركته وَالثَّانِي تأدية تَأْكِيد مَا بَين الْحَرَكَة والتنوين من المصاحبة والملازمة
وَهَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة فَاسِدَة لَا تصح عِنْد التَّحْقِيق أما الاول مِنْهَا الَّذِي ينْفَرد الْحَرْف المتحرك فِيهِ بالنقطتين فَإِن الالف المرسومة بعده بتعريتها من ذَلِك تَخْلُو من الْمَعْنى الَّذِي لأجل تأديته رسمت فَيبْطل معنى الرَّسْم بذلك وَأما الثَّانِي الَّذِي تجْعَل فِيهِ إِحْدَى النقطتين على الْحَرْف المتحرك وَالثَّانيَِة على الالف فَإِن مَا بَين التَّنْوِين وَالْحَرَكَة من الارتباط والملازمة والاتصال والاشتراك فِي الاثبات والحذف يذهب وَيبْطل بذلك وَأما الثَّالِث الَّذِي تجْعَل فِيهِ ثَلَاث نقط نقطة على الْحَرْف المتحرك ونقطتان على الالف فَإِن الْحَرْف المتحرك تَجْتَمِع لَهُ حركتان حَرَكَة عَلَيْهِ وحركة على الالف وَغير جَائِز ان يُحَرك حرف بحركتين وان تجمعَا لَهُ وَيدل بهما عَلَيْهِ هَذَا مَعَ الْخُرُوج بذلك عَن فعل السّلف والعدول بِهِ عَن اسْتِعْمَال الْخلف
وَإِذا فَسدتْ هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة بالوجوه الَّتِي بيناها صَحَّ الْمَذْهَب الاول

(1/63)


الَّذِي اخترناه وذهبنا اليه وَاخْتَارَهُ وَذهب اليه اهل التَّحْقِيق والضبط وَاسْتَعْملهُ الْجُمْهُور من اهل النقط
قَالَ ابو الْحُسَيْن احْمَد بن جَعْفَر بن الْمُنَادِي أخبرنَا عبيد الله بن مُحَمَّد بن يحيى اليزيدي عَن عَمه ابي عبد الرحمن عَن الْخَلِيل قَالَ قَوْله {عليما حكيما} بنقطتين فَوق الْمِيم طولا وَاحِدَة فَوق الاخرى قَالَ وَلَا أنقط على الالف لَان التَّنْوِين يَقع على الْمِيم نَفسهَا قَالَ ابو عبد الرحمن قَالَ ابو مُحَمَّد يَعْنِي أَبَاهُ اليزيدي ولكنني أنقط على الالف لاني إِذا وقفت قلت {عليما} فَصَارَ الْفَا على الْكتاب قَالَ وَلَو كَانَ على مَا قَالَ الْخَلِيل لَكَانَ يَنْبَغِي إِذا وقف أَن يَقُول {عليم} يَعْنِي بِغَيْر ألف
قَالَ ابْن الْمُنَادِي وَالْعَمَل فِي ذَلِك عِنْد أَكثر النقاط نقط الالف المنصوبة بنقطتين إِحْدَاهمَا للنصب والاخرى للتنوين فَإِذا صَارُوا الى الْوَقْف صَارُوا الى الالف
قَالَ وَذكر ابو عبد الرحمن ان اهل الْكُوفَة وَبَعض النقاط ينقطون الْمَنْصُوب إِذا استقبلته الْحُرُوف الحلقية فَإِذا استقبلته غَيرهَا لم ينقطوا لدلَالَة الالف على النصب قَالَ وَكَانَ اليزيدي يذهب الى أصل هَذَا القَوْل وَخَالفهُ من قَالَ بقوله من سَائِر النقطاط فنقطوا الْمنون فِي حالاته الثَّلَاث الرّفْع وَالنّصب والجر استقبلته حُرُوف الْحلق أَو لم تستقبله وَهُوَ الْمَعْمُول بِهِ حَتَّى الان عِنْد النقاط وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَصَاحِف الْعتْق وَهُوَ أوثق وَأحسن

(1/64)


قَالَ أَبُو عَمْرو وَلم نر شَيْئا من الْمَصَاحِف يخْتَلف فِي نقطه عَن ذَلِك وَهُوَ الْوَجْه وَبِه الْعَمَل وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

فصل
وَاعْلَم أَن الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ بَين اهل النقط فِي جعل النقطتين إِنَّمَا هُوَ فِي الْكَلم اللائي رسمت الالف المبدلة من التَّنْوِين فِيهِنَّ على مَا بَيناهُ فَأَما مَا لم ترسم فِيهِ تِلْكَ الالف لعِلَّة وَذَلِكَ إِذا وَليهَا همزَة قبلهَا الف كَقَوْلِه {مَاء} و {غثاء} و {جفَاء} و {دُعَاء ونداء} و {افتراء} و {مراء} وَشبهه وَذَلِكَ حِين كره اجْتِمَاع الفين لِاتِّفَاق صورتيهما ككر اجْتِمَاع ياءين وواوين لذَلِك فَإِن الِاخْتِيَار عِنْدِي فِي نقط ذَلِك أَن تجْعَل النقطتان مَعًا على الْهمزَة لعدم صُورَة الْمُبدل من التَّنْوِين فِي هَذَا الضَّرْب لانه إِنَّمَا عدل بهما عَن المتحرك فِي الضَّرْب الاول لما وجدت تِلْكَ الصُّورَة قَائِمَة فَإِذا عدمت وَجب ان تلزما الْحَرْف المتحرك لَا غير
وَقد يجوز عِنْدِي فِي نقط هَذَا الضَّرْب وَجْهَان سوى هَذَا الْوَجْه
أَحدهمَا أَن ترسم بالحمرة الف قبل الالف السَّوْدَاء وتوقع الْهمزَة نقطة بالصفراء بَينهمَا وَتجْعَل حركتها مَعَ التَّنْوِين نقطتين على الالف السَّوْدَاء لانها هِيَ المبدلة من التَّنْوِين فِي ذَلِك وَهِي المرسومة على هَذَا الْوَجْه
وَالثَّانِي أَن ترسم الف بالحمرة بعد الالف السَّوْدَاء وتوقع الْهمزَة نقطة

(1/65)


بالصفراء بَينهمَا أَيْضا وَتجْعَل حركتها مَعَ التَّنْوِين نقطتين على الالف الْحَمْرَاء لانها هِيَ المعوضة من التَّنْوِين وَهِي المحذوفة من الرَّسْم لكَرَاهَة اجْتِمَاع الالفين لوقوعها فِي مَوضِع الْحَذف والتغيير وَهُوَ الطّرف فَكَانَت بالحذف اولى من الَّتِي هِيَ فِي وسط الْكَلِمَة ولان من الْعَرَب من لَا يعوض مِنْهُ فِي حَال الْخَفْض وَالرَّفْع حكى ذَلِك عَنْهَا الْفراء والأخفش
وَصُورَة نقط هَذَا الضَّرْب على الْوَجْه الاول الَّذِي اخترناه وَقُلْنَا بِهِ كَمَا ترى مَاء وغثاء وجفاء وَدُعَاء ونداء وعَلى الثَّانِي مئا وغثئا وجفئا ودعئا وندءا وعَلى الثَّالِث ماءا وغثاءا وجفاءا ودعاءا ونداءا

فصل
وَإِذا كَانَ آخر الِاسْم الَّذِي يلْحقهُ التَّنْوِين فِي حَال نَصبه هَاء تَأْنِيث نَحْو قَوْله {آتَانِي رَحْمَة} و {بِمَا صَبَرُوا جنَّة} و {دانية عَلَيْهِم} وَشبهه فَإِن النقطتين مَعًا تقعان فِي ذَلِك على الْهَاء الَّتِي هِيَ تَاء فِي الْوَصْل لَا غير لِامْتِنَاع إِبْدَال التَّنْوِين فِيهِ فِي حَال الْوَقْف بامتناع وجود التَّاء الَّتِي يلْحقهَا مَعَ حَرَكَة الْإِعْرَاب هُنَاكَ وَلذَلِك بَطل تَصْوِير مَا يُبدل مِنْهُ فِي حَال الْوَقْف فِي هَذَا النَّوْع
فصل
فَأَما النُّون الْخَفِيفَة فَإِنَّهَا التَّنْوِين فِي الزِّيَادَة وَالْبدل والرسم وَلم تأت

(1/66)


فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا فِي يُوسُف قَوْله {وليكونن من الصاغرين} وَالثَّانِي فِي اقْرَأ قَوْله {لنسفعا بالناصية} والقراء مجمعون على إِبْدَال النُّون فيهمَا فِي الْوَقْف الْفَا كالتنوين الَّذِي يلْحق الاسماء المنصوبة لَان قبل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يشبه الالف وَهِي الفتحة ولتأدية كَيْفيَّة الْوَقْف رسما كَذَلِك والنقاط متفقون أَيْضا على جعل نقطتين بالحمرة على تِلْكَ الالف لاشتراك مَا أبدلت مِنْهُ مَعَ التَّنْوِين فِي الْمعَانِي الْمَذْكُورَة من الزِّيَادَة وَالْبدل والرسم ومصاحبة الفتحة
وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على جَعلهمَا على الالف فِي نَحْو {وَإِذا لَا يلبثُونَ} و {فَإِذا لَا يُؤْتونَ} و {إِذا مثلهم} و {إِذا لأذقناك} وَمَا اشبهه وَذَلِكَ من حَيْثُ أشبه ذَلِك النُّون الْخَفِيفَة فِي اللَّفْظ والرسم وَالْوَقْف ووافقها فِي هَذِه الاشياء فَجرى بذلك مجْراهَا فِي اللَّفْظ وَذَلِكَ مِمَّا لَا خلاف فِيهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق والاعانة

(1/67)


بَاب ذكر تراكب التَّنْوِين وتتابعه وَكَيْفِيَّة نقط مَا يلقى من الْحُرُوف
وَاعْلَم أَن الِاسْم إِذا لحقه التَّنْوِين فِي حَال نَصبه اَوْ خفضه اَوْ رَفعه وأتى بعده حرف من حُرُوف الْحلق وَهِي سِتَّة الْهمزَة وَالْهَاء والحاء وَالْعين وَالْخَاء والغين فَإِن النقطتين من الْحَرَكَة والتنوين تجعلان مَعَ ذَلِك متراكبتين وَاحِدَة فَوق أُخْرَى على مَا تقدم من جعل الْمَنْصُوب والمخفوض وَالْمَرْفُوع فالسفلى مِنْهُمَا الْحَرَكَة لانها تلِي صُورَة الْحَرْف والعليا التَّنْوِين لِأَنَّهُ آتٍ بعد الْحَرَكَة هَذَا فِي حَال النصب وَالرَّفْع وَفِي حَال الْخَفْض الْعليا الْحَرَكَة لانها هِيَ الَّتِي تلِي الْحَرْف فِيهِ والسفلى التَّنْوِين وَتجْعَل على حرف الْحلق نقطة لَا غير ليدل بذلك على ان التَّنْوِين مظهر عِنْده وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {عَذَاب أَلِيم} و {جرف هار} {لعَلي حَكِيم} و {سميع عليم} {خَبِير} و {عفوا غَفُورًا} وَشبهه
وَهَذَا مَعَ الْهَاء والحاء وَالْعين من حَيْثُ انْعَقَد الاجماع على بَيَان التَّنْوِين

(1/68)


عِنْدهن وَكَذَلِكَ الْهمزَة أظهرت مُحَققَة أَو ألقِي حركتها على سَاكن قبلهَا لانها مَعَ ذَلِك فِي النِّيَّة وَالتَّقْدِير وَأما الْخَاء والغين فَمن بَين التَّنْوِين عِنْدهمَا جعل النقطتين قبلهمَا متراكبتين على مَا تقدم وَمن اخفاه عِنْدهمَا جعل النقطتين متتابعتين
وَالْعلَّة فِي تراكب التَّنْوِين عِنْد حُرُوف الْحلق خَاصَّة انه لما كَانَ حكمه أَن يبين عِنْدهن لبعد الْمسَافَة الَّتِي بَينه وبينهن فِي الْمخْرج أبعدت النقطة الَّتِي هِيَ علامته عَن حرف الْحلق بِأَن جعلت فَوق الْحَرَكَة ليؤذن بذلك بانقطاعه وانفصاله عَنهُ وَيدل بِهِ على تخليصه وَبَيَانه
وَإِن أَتَى بعد الِاسْم الْمنون فِي الاحوال الثَّلَاث من النصب والجر وَالرَّفْع بَاقِي حُرُوف المعجم سوى حُرُوف الْحلق من حُرُوف اللِّسَان والشفتين جعلت النقطتان من الْحَرَكَة والتنوين متتابعتين وَاحِدَة أَمَام اخرى فالمتقدمة مِنْهُمَا الَّتِي تلِي الْحَرْف هِيَ الْحَرَكَة والمتأخرة هِيَ التَّنْوِين لما ذَكرْنَاهُ
فَإِن كَانَ الْحَرْف الْآتِي بعده أحد أَرْبَعَة أحرف رَاء أَو لَام أَو نون أَو مِيم جعل على كل وَاحِد مِنْهَا عَلامَة التَّشْدِيد ليدل بذلك على ان التَّنْوِين مدغم فِيهِ قد صَار مَعَه من أجل الادغام بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد مشدد وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {غَفُور رَحِيم} و {هدى لِلْمُتقين} و {على هدى من رَبهم} و {عاملة ناصبة} وَشبهه

(1/69)


وَإِن كَانَ الْحَرْف يَاء أَو واوا فَفِيهِ وَجْهَان إِن نقط ذَلِك على قِرَاءَة من أذهب غنة النُّون والتنوين مَعَ الادغام الصَّحِيح الَّذِي لَا يبْقى للحرف الاول فِيهِ أثر جعل على الْيَاء وَالْوَاو عَلامَة التَّشْدِيد كَمَا فعل ذَلِك مَعَ الاربعة الاحرف الْمُتَقَدّمَة من حَيْثُ كَانَ إدغام التَّنْوِين فِيهَا إدغاما صَحِيحا وَإِن نقط ذَلِك على قِرَاءَة من بَين الغنة وَلم يذهبها رَأْسا جعل على الْيَاء وَالْوَاو نقطة لَا غير ليفرق بذلك بَين المذهبين وَيدل بِهِ على الْقِرَاءَتَيْن وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {يَوْمئِذٍ يصدعون} و {يَوْمئِذٍ واهية} وَشبهه كَذَا نقطه على الْوَجْه الاول وعَلى الثَّانِي {يَوْمئِذٍ يصدعون} و {يَوْمئِذٍ واهية}
وَإِن كَانَ الْحَرْف قافا أَو كافا أَو جيما أَو شَيْئا أَو غَيرهَا من بَاقِي الْحُرُوف الَّتِي يخفى التَّنْوِين عِنْدهَا اَوْ يقلب نَحْو الْبَاء جعل على كل حرف مِنْهَا نقطة فَقَط وأعري من عَلامَة التَّشْدِيد لعدمه فِيهِ رَأْسا بِظُهُور صَوت النُّون والتنوين عِنْده فامتنعا بذلك من الْقلب والادغام اللَّذين بهما يتَحَقَّق التَّشْدِيد ويتحصل التثقيل وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {من قوم كَافِرين} و {على كل شَيْء قدير} وشيئا جنَّات عدن و {غَفُور شكور} و {يَوْمئِذٍ زرقا} و {سَلاما سَلاما} و {رجال صدقُوا} و {قوما طاغين}

(1/70)


و {حرث قوم ظلمُوا} و {قوما ضَالِّينَ} و {قوما فاسقين} و {جنَّات تجْرِي} و {شهَاب ثاقب} وظلمات بَعْضهَا وَمَا اشبهه ذَلِك حَيْثُ وَقع
وَالْعلَّة فِي تتَابع التَّنْوِين عِنْد جَمِيع مَا تقدم من الْحُرُوف أَنه لما كَانَ لَا يَخْلُو عِنْدهَا من أحد ثَلَاثَة أوجه إِمَّا أَن يدغم وَإِمَّا أَن يخفى وَإِمَّا ان يقلب وَهَذِه الاوجه الثَّلَاثَة تجب بِالْقربِ أَو بِمَعْنى يرجع اليه وَكَانَ الادغام بَابه أَن يدْخل الاول من المثلين والمتقاربين فِي الثَّانِي إدخالا شَدِيدا لَا فُرْجَة بَينهمَا وَلَا فصل لأجل الْقلب وَالتَّشْدِيد وَكَانَ الاخفاء قد شَارك الادغام من طَرِيق اشتقاق كلمة أدعمت واخفيت من حَيْثُ كَانَ معنى أدغمت الشَّيْء غيبته وأخفيته سترته فكلا الْكَلِمَتَيْنِ مَعْنَاهُمَا الستْرَة الَّتِي ضد الظُّهُور وَالْبَيَان فَلَمَّا كَانَ التَّنْوِين لَا يَخْلُو مِمَّا ذَكرْنَاهُ وَكَانَ معنى الادغام والاخفاء مَا بَيناهُ قربت النقطة الَّتِي هِيَ عَلامَة التَّنْوِين من الْحُرُوف الْمُتَقَدّمَة دلَالَة على اتِّصَاله بهَا ودخوله فِيهَا وإعلاما بالتقارب الْمُوجب للادغام والمحقق للاخفاء وَإِن تباينا فِي اللَّفْظ وتفاصلا فِي الْحَقِيقَة فقد اجْتمعَا فِي أَن عدل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الْبَيَان وَالْعرب قد تحكم للشَّيْء بِحكم الشَّيْء إِذا اجْتمعَا فِي بعض الْمعَانِي وَالْفرق عِنْد النَّحْوِيين بَينهمَا فِي اللَّفْظ أَن المدغم مشدد والمخفى مخفف

(1/71)


وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من تراكب التَّنْوِين عِنْد حُرُوف الْحلق وتتابعه عِنْد غَيرهَا من سَائِر حُرُوف المعجم إِجْمَاع من السّلف الَّذين ابتدؤوا النقط وابتدعوه وَعَلِيهِ جرى اسْتِعْمَال سَائِر الْخلف قَالَ الْخَلِيل رَحمَه الله كل مَا استقبله من حُرُوف الْحلق حرف وَهُوَ منون نَحْو {عفوا غَفُورًا} فالتقط على الطول وَفِي نَحْو {غَفُور رَحِيم} و {حَبل من مسد} النقط على الْعرض يُرِيد بالطول التراكب وبالعرض التَّتَابُع
قَالَ أَبُو عَمْرو وَلم أر أحدا مِمَّن عني بصناعة النقط فِي الْقَدِيم والْحَدِيث وَجه معنى إِجْمَاعهم وَلَا علل حَقِيقَة مَذْهَبهم فِي تَخْصِيص حُرُوف الْحلق بالتراكب وَمَا عَداهَا بالتتابع وَقد سَأَلت عَن ذَلِك غير وَاحِد من شيوخهم وذاكرت بِهِ جمَاعَة من عُلَمَائهمْ فكلهم زعم ان ذَلِك اصْطِلَاح من السّلف لزم اتباعهم عَلَيْهِ وَلَا وَجه لَهُ وَلَا عِلّة فِيهِ وَأَنَّهُمْ لَو اجْمَعُوا على تتابعه عِنْد حُرُوف الْحلق وتراكبه عِنْد مَا عَداهَا لَكَانَ كإجماعهم الاول الْمَعْمُول بِهِ وَذَلِكَ بِخِلَاف مَا قَالُوهُ وعَلى غير مَا ظنوه لما اوضحناه من صِحَة معنى مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(1/72)


بَاب ذكر حكم النُّون الساكنة وَمَا بعْدهَا فِي حَال الْبَيَان والإدغام والإخفاء
اعْلَم أَن النُّون الساكنة إِذا أَتَى بعْدهَا حُرُوف الْحلق السِّتَّة فَإِنَّهُ تجْعَل عَلَيْهَا عَلامَة السّكُون جرة صَغِيرَة اَوْ دارة لَطِيفَة كَمَا مضى فِي نقط السَّاكِن من الْحُرُوف وَتجْعَل على حرف الْحلق بعْدهَا نقطة فَقَط فَيدل بذلك على أَن النُّون مبينَة عِنْده وَأَن مخرجها مَعَه من طرف اللِّسَان وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {من آمن} و {من هاد} و {من حاد الله} و {من عمل} و {من خير} و {من غل} وَشبهه
فَإِن أَتَى بعْدهَا مَا تُدْغَم فِيهِ إدغاما صَحِيحا وَتدْخل فِيهِ إدخالا شَدِيدا وَهُوَ الرَّاء وَاللَّام وَالنُّون وَالْمِيم وَكَذَلِكَ الْيَاء وَالْوَاو على مَذْهَب من أذهب غنة النُّون عِنْدهمَا وَلم يبْق لَهَا أثرا مَعَ الادغام عريت النُّون من عَلامَة

(1/73)


السّكُون وَجعل على الْحُرُوف السِّتَّة عَلامَة التَّشْدِيد فَيدل بذلك على الادغام التَّام الَّذِي يذهب لفظ النُّون فِيهِ وَذَلِكَ نَحْو قَوْله {من رَبهم} و {فَإِن لم تَفعلُوا} و {من نور} و {من مَاء} و {من يَقُول} و {من وَال} وَشبهه
وَإِن نقط ذَلِك على مَذْهَب من بَين غنة النُّون عِنْد الرَّاء وَاللَّام وَالْيَاء وَالْوَاو مَعَ الادغام فَفِي النُّون وَهَذِه الْحُرُوف وَجْهَان أَحدهمَا أَن تعرى النُّون من عَلامَة السّكُون ويعرى الْحَرْف بعْدهَا من عَلامَة التَّشْدِيد فتجعل عَلَيْهِ نقطة لَا غير فَيدل بذلك على أَن النُّون لم تنْقَلب الى لفظ ذَلِك الْحَرْف قلبا صَحِيحا وَلَا أدغمت فِيهِ إدغاما تَاما وَهَذَا كَانَ مَذْهَب شَيخنَا ابي الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن بشر نضر الله وَجهه فِي نقط ذَلِك من حَيْثُ كَانَ ضربا من الاخفاء الَّذِي يعْدم الْقلب وَالتَّشْدِيد فِيهِ رَأْسا وَلم يكن إدغاما صَحِيحا
والوحه الثَّانِي أَن تجْعَل على النُّون عَلامَة السّكُون لظهو ر غنتها وَتجْعَل على الْحَرْف بعْدهَا عَلامَة التَّشْدِيد لاندغام صَوت النُّون الَّذِي لَهَا من الْفَم فِيهِ وَحُصُول شَيْء من التَّشْدِيد فِيهِ بذلك فَيدل على الإندغام الَّذِي يبْقى فِيهِ للنون صَوتهَا الَّذِي لَهَا من الخيشوم وَهُوَ الغنة وَلَا يقلب الْحَرْف فِيهِ قلبا تَاما وَهَذَا الْمَذْهَب فِي الِاسْتِعْمَال أولى وَفِي الْقيَاس اصح لما ذَكرْنَاهُ

(1/74)


فَإِن أَتَى بعد النُّون بَاقِي حُرُوف المعجم مِمَّا حكمهَا أَن تخفى عِنْده عريت النُّون من عَلامَة السّكُون وعري مَا بعْدهَا من عَلامَة التَّشْدِيد فَجعل عَلَيْهِ نقطة لَا غير فَدلَّ بذلك على الْإخْفَاء الَّذِي هُوَ حَال بَين الْبَيَان والادغام وَذَلِكَ من حَيْثُ كَانَ تعرية النُّون من عَلامَة السّكُون دَلِيلا على الادغام وَكَانَ تعرية مَا بعْدهَا من عَلامَة التَّشْدِيد دَلِيلا على الْبَيَان
وَكَذَا حكم الْخَاء والغين مَعهَا فِي مَذْهَب من أخفاها عِنْدهمَا وَلم يبينها ومخرج النُّون فِي حَال الاخفاء من الخيشوم وَلَا عمل للسان فِيهَا وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْله {وَلَئِن قلت} و {وَإِن كُنْتُم} و {من جَهَنَّم} و {من شَيْء} و {أَن صدوكم} و {فَإِن زللتم} و {لَئِن سَأَلتهمْ} و {قل إِن ضللت} و {إِن فاتكم} وَشبهه
وَكَذَا حكم النُّون إِذا لقِيت الْبَاء وقلبت ميما فِي اللَّفْظ لمؤاخاة الْمِيم النُّون فِي الغنة وقربها من الْبَاء فِي الْمخْرج نَحْو قَوْله من بعد {أَن بورك} و {فانبجست} وَشبهه أَن تعرى النُّون من عَلامَة السّكُون

(1/75)


وتعرى الْبَاء بعْدهَا من عَلامَة التَّشْدِيد وَإِن جعل على النُّون مِيم صغري الْحمرَة ليدل بذلك على انقلابها الى لَفظهَا كَانَ حسنا غير ان الاول هُوَ الَّذِي اخْتَار وَبِه اقول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

(1/76)